أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ج / 4 ص -448-
هذا باب الإدغام1:
يجب إدغام أول المثلين المتحركين2 بأحد عشر شرطًا:
أحدها:
أن يكون في كلمة كشد ومل وحب؛ أصلهن شدد بالفتح، وملل
بالكسر، وجحبب بالضم؛ فإن كانا في كلمتين؛ مثل: "جعل لك"؛
كان الإدغام جائزًا3 لا واجبًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو لغة: الإدخال، يقال: أدغمت اللجان في فم الفرس؛ أي:
أدخلته، واصطلاحًا: الإتيان بحرفين ساكن فمتحرك؛ من مخرج
واحد، بلا فصل بينهما؛ بأن ينطق بهما دفعة واحدة. ويدخل
جميع الحروف ما عدا الألف اللينة، والغرض منه: التخفيف.
ويكون في متماثلين؛ من كلمة؛ كمر؛ ومن كلمتين؛ كقل له. وفي
متقاربين؛ كذلك كادكر، وقل رب. ولما كان لا بد في التقارب
من قلب أحدهما مماثلًا للآخر؛ قيل: إن الإدغام لا يكون إلا
بين متماثلين. وهو ثلاثة أقسام: ممتنع، واجب، وجائز.
التصريح: 2/ 397- 398. الأشموني: 3/ 889- 890، الهمع: 2/
225.
2 وكذلك، ويجب إدغام أول المثلين الساكن أولهما المتحرك
ثانيهما بشروط:
أ- ألا يكون أول المثلين هاء سكت، وإلا امتنع الإدغام؛
لأنه إنما جيء بها للوقف عليها؛ وهو منوي في حالة الوصل،
وروي عن ورش إدغام "ماليه هلك"؛ وهو ضعيف قياسًا.
ب- ألا يكون همزة منفصلة عن فاء الكلمة، نحو: لم يقرأ أحد؛
والإدغام في ذلك رديء؛ فلو اتصلت الهمزة بالفاء؛ وجب
الإدغام كأل.
ج- ألا يكون مدة في الآخر؛ كيعطي ياسر، ويدعو وافد؛ لئلا
يذهب المد بسبب الإدغام. ويمتنع الإدغام إذا تحرك أول
المثلين، وسكن ثانيهما، كظللت ورسول الحسن، أو كانا
بالعكس، وكان الأول هاء سكت، أو مدة، في الآخر، أو همزة
مفصولة من الفاء.
انظر التصريح: 2/ 398، والهمع: 2/ 225.
3 بشرط ألا يكون المثلان همزتين؛ نحو: قرأ آية؛ فإن إدغامه
رديء كما مر. وألا يكون قبلهما ساكن صحيح؛ كـ
{شَهْرُ رَمَضَانَ} {خُذِ
الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} {الشَّمْسَ سِرَاجًا}
{مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذ}؛ فإن إدغام ذلك ممتنع -عند البصريين؛ لما فيه من جمع الساكنين على
غير حده وصلًا؛ وقرأ به أبو عمرو بن العلاء، وتأوله
البصريون، على إخفاء الحركة.
التصريح: 2/ 398- 399.
ج / 4 ص -449-
الثاني: أن لا يتصدر أولهما1؛ كما في ددن2.
الثالث:
أن لا يتصل أولهما بمدغم3؛ كجسس، جمع جاس4.
الرابع:
أن لا يكونا في وزن ملحق5؛ سواء كان الملحق أحد المثلين؛
كقردد ومهدد؛ أو غيرهما كهيلل، أو كليهما؛ نحو: اقعنسس6؛
فإنها ملحقة بمجعفر، ودحرج، واحرنجم.
الخامس والسادس
والسابع والثامن: أن لا يكونا في اسم على
"فعل"، بفتحتين؛ كطلل، ومدد؛ أو "فعل" بمضتين؛ كذلل، وجدد،
جمع جديد، أو "فعل"، بكسر أوله وفتح ثانيه، كلمم، وكلل، أو
"فعل"، بضم أوله وفتح ثانيه كدرر، وجدد، جمع جدة؛ وهي
الطريقة في الجبل.
وفي هذه الأنواع السبعة الأخيرة يمتنع الإدغام7.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لأن الإدغام يستدعي سكون الأول، ولا يبدأ بالساكن؛ إلا
أن يكون الأول تاء المضارعة، فقد يدغم مدة، أو حركة؛ نحو:
{وَلا تَيَمَّمُوا} {تَكَادُ تَمَيَّزُ}.
2 هو اللهو واللعب، ويقال: ددا؛ كفتى ودد؛ كدم.
3 أي: ألا يكون أول المثلين، مدغمًا فيه حرف قبله؛ فيمتنع
إدغام المثلين المتحركين لئلا يلتقي ساكنان.
4 اسم فاعل من جنس الشيء إذا لمسه أو جس الخبر: إذا فحص
عنه؛ ومنه الجاسوس؛ لصاحب خبر الشر؛ والحاسوس بالحاء،
والناموس: صاحب خبر الخير.
انظر ضياء السالك: 4/ 312- 313، والتصريح: 2/ 399، وحاشية
الصبان: 4/ 347.
5 أي: بغيره؛ لئلا يفوت ما قصد من الإلحاق، وهو موازنة
الملحق للملحق به.
6 أي: بغيره؛ لئلا يفوت ما قصد من الإلحاق فيه بالسين
الثانية -على المختار- وبالهمزة والنون.
7 هي الثلاثة الملحقة، والأربعة من الخامس إلى الثامن. أما
امتناعه في الملحقة فلأن الإدغام، يفوت الغرض من الإلحاق،
كما بينا قريبًا. وأما في الخامس؛ فإنه وإن وازن الفعل؛
إلا أنه لم يدغم للتنبيه، على فرعية الإدغام في الأسماء،
وأصالته، وقوته في الأفعال وأما الثلاثة الباقية:
فلمخالفتها لوزن الفعل، والإدغام: خاص بالفعل المتفرع عن
الاسم، وبما وازنه من الأسماء.
التصريح: 2/ 399.
ج / 4 ص -450-
والثلاثة الباقية أن لا تكون حركة ثانيهما
عارضة1 نحو: اخصص أبي، واكفف الشر؛ أصلهما: اخصص، واكفف،
بسكون الآخر، ثم نقلت حركة الهمزة إلى الصاد، وحركت الفاء؛
لالتقاء الساكنين، وأن لا يكون المثلان ياءين، لازمًا
تحريك ثانيهما نحو: حيي، وعيي2، ولا تاءين في افتعل؛
كاستتر واقتتل.
وفي هذه الصور الثلاث، يجوز الإدغام3 والفك4 قال الله
تعالى:
{وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}5، ويقرأ أيضًا
{مَنْ حَيَّ}، وتقول: استتر واقتتل، وإذا أردت الإدغام نقلت حركة الأولى إلى
الفاء، وأسقطت الهمزة للاستغناء عنها؛ بحركة ما بعدها، ثم
أدغمت؛ فتقول في الماضي ستر، وقتل وفي المضارع يستر ويقتل،
بفتح أولهما6، وفي المصدر ستارًا، وقتالًا؛ بكسر أولهما7.
ويجوز الوجهان
أيضًا في ثلاث مسائل أخر:
إحداهن:
أولى التاءين الزائدتين في أول المضارع؛ نحو: تتجلى
وتتذكر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لعدم الاعتداد بالعارض فكأنه ساكن، ولا إدغام عند سكون
ثاني المثلين؛ كما مر.
2 وإنما لزم تحريك ثانيهما؛ لأن كلا منهما فعل ماض مبني
على الفتح الظاهر.
3 أي: نظرًا إلى اجتماع مثلين في كلمة، وحركة ثانيهما
لازمة.
4 نظرًا إلى أن حركة الثاني؛ كالعارضة في حيي، ولبناء ما
قبل المثلين على السكون في اخصص واستتر.
5 سورة الأنفال الآية: 42.
موطن الشاهد:
{مَنْ حَيَّ}.
وجه الاستشهاد: جواز الإدغام والفك في "حي"؛ حيث يجوز فيها
"حيي"؛ فمن أدغم، نظر إلى اجتماع مثلين في كلمة، وحركة
ثانيهما لازمة، ومن فك نظر إلى أن اجتماع المثلين في "باب"
حيي؛ كالعارض؛ لكونه مختصًا؛ بالماضي من دون المضارع؛
وكلاهما فصيح. التصريح: 2/ 400.
6 وكذلك ثانيهما، وتشديد الثالث مع كسرة؛ وأصلهما: يستتر
ويقتل؛ فنقل وأدغم.
7 والأصل: استتارًا، واقتتالًا؛ فلما أريد الإدغام نقلت
كسرة التاء الأولى إلى ما قبلها وأدغمت، وطرحت همزة الوصل.
ج / 4 ص -451-
وذكر الناظم في شرح الكافية1، وتبعه ابنه:
أنك إذا أدغمت، اجتلبت همزة الوصل2، ولم يخلق الله همزة
الوصل في أول المضارع3؛ وإنما إدغام هذا النوع في الوصل
دون الابتداء؛ وبذلك قرأ البزي4 رحمه الله تعالى؛ في
الوصل، نحو {وَلا تَيَمَّمُوا}5،
{وَلا تَبَرَّجْنَ}6؛ و{كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ}7؛ فإن أردت التخفيف في الابتداء؛ حذفت إحدى التاءين؛ وهي الثانية8،
لا الأولى؛ خلافًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكافية الشافية: أرجوزة في النحو والصرف، لابن مالك في
"2794" بيتًا؛ وليست الألفية المشهورة سوى "خلاصة"
للكافية، وقد شرح ابن مالك كافيته نثرًا باسم "الوافية".
2 وذلك للتوصل بها إلى النطق بالتاء الساكنة للإدغام،
تقول: أتجلى وأتذكر.
3 أي: على طريق اللزوم عند الابتداء به؛ كما في الماضي،
والأمر والمصدر. ولا بد من أن يكون المصنف، قد استند على
سماع، أو استنباط، أو قياس، ليس في اللغة ما ينايه؛ والذي
ذكره النحاة: أن الفعل المبدوء بتاءين؛ إن كان ماضيًا؛
نحو، تتبع وتتابع؛ جاز فيه الإدغام ابتداء، واجتلاب همزة
الوصل فيه، وفي مصدره؛ فيقال: اتبع اتباعًا، وأتابع
تتابعًا، وإن كان مضارعًا؛ لم يجز فيه الإدغام أن ابتدئ به
نحو: تتذكر؛ لأن ذلك يستلزم اجتلاب همزة الوصل، وهي: لا
تكون إلا في المضارع. بل يخفف بحذف إحدى التاءين، كما
سيأتي.
انظر في هذه المسألة في حاشية الصبان: 4/ 351، والتصريح:
2/ 400، وابن عقيل "ط. دار الفكر" مج 2/ 618- 619، وضياء
السالك: 4/ 315.
4 مرت ترجمته.
5 سورة البقرة الآية: 267.
موطن الشاهد:
{وَلا تَيَمَّمُوا}.
وجه الاستشهاد: الأصل "ولا تتيمموا"، أدغمت إحدى التاءين
في الأخرى على قراءة البزي.
6 سورة الأحزاب الآية: 33.
موطن الشاهد:
{وَلا تَبَرَّجْنَ}.
وجه الاستشهاد: الأصل "ولا تتبرجن"، أدغمت إحدى التاءين في
الثانية على قراءة البزي.
7 سورة آل عمران الآية: 143.
موطن الشاهد:
{كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ}.
وجه الاستشهاد: الأصل: "تتمنون"، أدغمت الأولى في الثانية
على قراءة البزي.
8 لأن الثقل حصل بها، ولقربها من الطرف، ولأن الأولى تدل
على المضارعة وحذفها يضيع المقصود منها، وهذا مذهب سيبويه
والبصريين.
التصريح: 2/ 401.
ج / 4 ص -452-
لهشام1، وذلك جائز في الوصل أيضًا؛ قال
الله تعالى:
{نَارًا تَلَظَّى}2،
{وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ
الْمَوْتَ}3.
وقد يجيء هذا الحذف في النون، ومنه على الأطهر؛ قراءة ابن
عامر وعاصم4: "وَكَذَلِكَ نُجِّي الْمُؤْمِنِينَ"5؛ أصله:
ننجي، بفتح النون الثانية، وقيل: الأصل: ننجي، بسكونها،
فأدغمت؛ كإجاصة وإجانة6، وإدغام النون في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو هشام الضرير من الكوفيين، وقد مرت ترجمته؛ وحجته: أن
الثانية، تدل على معنى؛ هو: المطاوعة، ,حذفها يخل بذلك.
2 سورة الليل الآية: 14.
موطن الشاهد:
{تَلَظَّى}.
وجه الاستشهاد: حذف إحدى التاءين في الوصل؛ لأن الأصل
"تتلظى"؛ لو كان ماضيًا؛ لقيل: "تلظت"؛ لأن التأنيث واجب
مع المجازي، إذا كان ضميرًا متصلًا. انظر التصريح: 2/ 401.
3 سورة آل عمران الآية: 143
موطن الشاهد:
{كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ}.
وجه الاستشهاد: حذف إحدى التاءين من فعل "تتمنون"، في
الوصل؛ كما في الآية السابقة.
4 مرت ترجمتهما.
5 سورة الأنبياء، الآية: 88.
أوجه القراءات: قرأ ابن عامر وعاصم وشعبة وأبو عبيدة:
"نجي"، وقرأ الجحدري: "ننجي"، وقرأ ابن السميفع، وأبو
العالية: "نجي".
انظر القرطبي: 11/ 335، والبحر المحيط: 6/ 335، والسبعة،
لابن مجاهد: 430.
موطن الشاهد: "نجي".
وجه الاستشهاد: حذف النون الثانية بعد نون المضارعة، على
هذا القراءة بضم النون، وتشديد الجيم المكسورة، وسكون
الياء؛ لأن اللأصل: "ننجي"، بفتح النون الثانية، وتشديد
الجيم المكسورة؛ وهو مضارع "نجي".
انظر التفصيل في التصريح: 2/ 401.
6 الأصل: إنجاصة، وإنجانة؛ أدغمت النون في الجيم،
والإجانة: واحدة الأجانين؛ وهي: إناء يغسل، ويعجن فيه،
والإجاص: فاكهة معروفة.
ج / 4 ص -453-
الجيم، لا يكاد يعرف، وقيل: هو من نجا
ينجو، ثم ضعفت عينه، وأسند لضمير المصدر1؛ ولو كان كذلك
لفتحت الياء لأنه فعل ماض2.
الثانية
والثالثة: أن تكون الكلمة فعلًا مضارعًا
مجزومًا، أو فعل أمر3؛ قال الله تعالى:
{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}4؛ فيقرأ بالفك؛ وهو لغة أهل الحجاز، والإدغام وهو لغة تميم قال
الله تعالى: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ}5 وقال الشاعر6: [الوافر]
فغض الطرف إنك من نميز7
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي: على أنه نائب فاعل له؛ لأنه ماض مجهول، والتقدير:
نجي هو أي: النجاء.
2 فيكون مثل:
{قُضِيَ الْأَمْرِ}، وأيضًا: ففيه إنابة ضمير المصدر مع أنه مفهوم من الفعل.
3 مبني على السكون، وغير متصل بنون النسوة؛ فإن لم يجزم
المضارع مطلقًا أو جزم بحذف النون، أو الأمر على الحذف؛
وجب الإدغام.
4 البقرة الآية 217.
موطن الشاهد:
{مَنْ يَرْتَدِدْ}.
وجه الاستشهاد: جواز الفك والإدغام في: "يرتدد"؛ لمجيئه
فعلًا مضارعًا مجزومًا بالسكون، ومضعفًا؛ فيجوز فيه "من
يرتدد"، و"من يرتد"، وكذلك يجوز الوجهان إذا كان الفعل فعل
أمر مبنيًا على السكون، وغير متصل بنون النسوة؛ فإن لم
يجزم المضارع مطلقًا أو جزم بحذف النون، أو بني الأمر على
الحذف؛ وجب الإدغام.
5 س: "لقمان، ن: 19، مك".
موطن الشاهد:
{اغْضُضْ}.
وجه الاستشهاد: مجيء فعل "اغضض" مبنيًا على السكون مضعفًا
فيجوز فيه الفك، كما في الآية، ويجوز فيه الإدام، كما في
قول جرير التالي:
فغض الطرف إنك من نمير
6 الشاعر: هو جرير بن عطية
الخطفي، وقد مرت ترجمته.
7 تخريج الشاهد: هذا صدر بيت من قصيدة في هجاء عبيد بن
حصين الراعي؛ وعجزه قوله:
فلا كعبًا بلغت ولا كلابًا
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 401، والأشموني "1254/ 3/ 897"،
والعيني: 4/ 494 وسيبويه: 2/ 160، والمقتضب: 1/ 185،
والمصون للعسكري: 39، وشرح المفصل: 9/ 128، وشرح شواهد
الشافية: 163، والهمع: 2/ 227، والدرر 2/ 240، وحاشية يس
على التصريح: 2/ 289، وديوان جرير: 75.
ج / 4 ص -454-
[التزام الإدغام في "هلم"]:
والتزم الإدغام في هلم1؛ لثقلها بالتركيب2، ومن ثم التزموا
في آخرها الفتح، ولم يجيزوا فيه ما أجازوه في آخر؛ نحو: رد
وشد من الضم للاتباع؛ والكسر على أصل التقاء الساكنين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= المفردات يالغريبة: غض الطرف: أغمضه، وانظر إلى الأرض.
والطرف: البصر. نمير: قبيلة؛ فرع من قيس بن عيلان؛ أبوهم:
نمير بن عامر؛ ومنهم الراعي النميري الذي يهجوه جرير.
المعنى: طأطئ واخفض بصرك، وأعرف قدرك، وابتعد عن مباراة
الكرام، ومجاراتهم؛ فإنك من قبيلة نمير التي لم ترق إلى
مضاف القبائل العظيمة.
الإعراب: غض: فعل أمر، والفاعل: أنت. الطرف: مفعول به
منصوب. إنك: حرف مشبه بالفعل، والكاف: في محل نصب اسمه.
"من نمير": متعلق بخبر "إن" المحذوف. فلا: الفاء عاطفة،
لا: نافية. كعبًا: مفعول به مقدم لـ "بلغت". بلغت: فعل ماض
مبني على السكون؛ لاتصاله بضمير رفع متحرك، والتاء: في محل
رفع فاعل. ولا: الواو عاطفة، لا: زائدة لتأكيد النفي.
كلابا: اسم معطوف على قوله: "كعبًا" منصوب مثله.
موطن الشاهد: "غض".
وجه الاستشهاد: مجيء "غض" بالإدغام، ويروى بضم الضاد على
الإتباع، لحركة الغين، وبالفتح؛ لخفته، وبالكسر؛ لأنه
الأصل في التخلص، من التقاء الساكنين، ويجوز فيه وجه رابع
وهو فك الإدغام: اغضض؛ فبينى حينئذ على السكون؛ كما جاء في
التنزيل:
{وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ
الْحَمِيرِ}.
انظر التصريح: 2/ 401، وحاشية الصبان: 4/ 352.
1 هذا الاستثناء من فعل الأمر الجائز فيه الفك والإدغام؛
واستثناؤها على لغة تميم؛ لأنها عندهم فعل أمر غير متصرف،
تلحقه ضمائر الرفع البارزة؛ تقول: هلما وهلموا وهلمي
وهلممن. وأما الحجازيون؛ فيقولون: إنها اسم فعل أمر لا فعل
له، وتلزم طريقة واحدة، ولا يختلف لفظها بحسب ما هي مسندة
إليه.
التصريح: 2/ 402.
2 وتركيبها- عند البصريين- من هاء التنبيه، و"لم": فعل
أمر؛ من قولهم: لم الله شعثه؛ أي: جمعه؛ كأنه قيل: اجمع
نفسك إلينا؛ فحذفت الألف من "ها" تخفيفًا -وعند الكوفيين-
من "هل" التي للرجز- و"أم"؛ بمعنى: قصد؛ فنقلت حركة الهمزة
للام الساكنة قبلها.
الأشموني: 3/ 898، والتصريح: 2/ 204، وانظر حاشية الصبان:
4/ 353- 354.
ج / 4 ص -455-
[وجوب فك الإدغام في أفعل]:
ويجب الفك في "أفعل" في التعجب1؛ نحو: أشدد ببياض وجوه
المتقين!؛ وأحبب إلى الله -تعالى- بالمحسنين.
وإذا سكن الحرف المدغم فيه؛ لاتصاله بضمير الرفع2؛ وجب فك
الإدغام3 في لغة غير بكر بن وائل؛ نحو حللت، و{قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ}4
{وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ}5.
[فك الإدغام
شذوذًا]:
وقد يفك الإدغام في غير ذلك شذوذًا؛ نحو: لححت عينه6،
وألل السقاء7، أو في ضرورة؛ كقوله8: [الرجز]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو مستثنى أيضًا من فعل أمر؛ نظرًا لصورته؛ لأنه في
الحقيقة ماض؛ وإنما التزم الفك فيه؛ محافظة على الصيغة؛
سواء كان متصلًا بالباء، أم لا.
2 أي: البارز المتحرك، ويشمل ذلك: تاء الضمير، وتاء ونون
الإناث.
3 وذلك لتعذر الإدغام؛ لأن ما قبل الضمير البارز لا يكون
إلا ساكنًا، وتقدمت الإشارة لذلك، وإذا سكن؛ لجزم، أو
شبهه- والمراد به: سكون آخر الآمر- جاز الفك؛ وهو لغة أهل
الحجاز، وجاز الإدغام؛ وهو لغة تميم.
التصريح: 2/ 402.
4 سورة سبأ الآية: 50.
موطن الشاهد:
{إِنْ ضَلَلْتُ}.
وجه الاستشهاد: وجوب فك الإدغام في "ضللت"؛ في لغة غير بكر
بن وائل؛ لأن ما قبل الضمير البارز المرتفع، لا يكون إلا
ساكنًا. انظر التصريح: 2/ 402.
5 سورة الإنسان الآية: 28.
موطن الشاهد:
{وَشَدَدْنَا}.
وجه الاستشهاد: وجوب فك الإدغام في "شددنا" في لغة غير بكر
بن وائل؛ لأن ما قبل الضمير البازر المرتفع؛ لا يكون إلا
ساكنًا كما سبق. انظر التصريح: 2/ 402.
6 أي: لصقت بالرمص؛ وهو وسخ جامد يجتمع في الموق؛ فإن كان
سائلًا؛ فهو عمص.
7 أي: تغيرت رائحته؛ وكذلك الأسنان إذا فسدت، والأذن إذا
رقت.
8 القائل: هو أبو النجم الفضل بن قدامة العجلي، وقد مرت
ترجمته.
ج / 4 ص -456-
583- الحمد لله العلي الأجلل
الواسع الفضل الرهوب المحزل1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تخريج الشاهد: البيت من شواهد: التصريح: 2/ 403،
والأشموني "1211/ 3/ 705"، والعيني: 4/ 595، والنوادر: 44،
والمقتضب: 1/ 142، 253، والخصائص: 3/ 87، 93، والمنصف: 1/
339، والخزانة: 1/ 401، عرضًا، والهمع: 2/ 157، والدرر: 2/
216، ومعاهد التنصيص: 1/ 7، واللسان "جلل".
المفردات الغريبة: العلي: صفة من العلو؛ بمعنى: علو الشأن
وسموه. الأجلل: الأجل الأعظم. الواسع الفضل: الكثير العطاء
والإحسان. الوهوب: صفة مبالغة من الهبة؛ أي العظيم الهبات:
المجزل: اسم فاعل من أجزل العطاء: إذا أكثر منه، والجزيل:
العظيم.
المعنى: يحمد الله سبحانه وتعالى؛ وهو الرفيع الشأن الأعظم
من كل شيء الذي عم فضله وعطاؤه الجم المخلوقات جميعها.
هذا، وقد ختم المؤلف بهذا البيت للاستشهاد به على فك
الإدغام من جهة، ومن جهة ثانية شكرًا لله تعالى الذي من
عليه بسعة العلم والمعرفة، ووفقه لتصنيف هذا الكتاب
المفيد.
الإعراب: الحمد: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
"الله": متعلق بخبر محذوف. العلي: صفة لـ "لفظ الجلالة"
مجرور. الأجلل: صفة ثانية لـ "لفظ الجلالة" مجرور، وعلامة
جره الكسرة الظاهرة الواسع: صفة ثالثة لـ "لفظ الجلالة"،
وهو مضاف. الفضل: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة
الظاهرة. الوهوب: صفة رابعة لـ "لفظ الجلالة" مجرور،
وعلامة جره الكسرة الظاهرة. المجزل: صفة خامسة لـ "لفظ
الجلالة" مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
موطن الشاهد: "الأجلل".
وجه الاستشهاد: فك الإدغام في "الأجلل"؛ لضرورة الشعر؛
والقياس أن يأتي "الأجل" مدغمًا؛ ونظير هذا الشاهد؛ قول
الشاعر:
مهلًا أعاذل قد جربت من خلقي
أني أجود لأقوام وإن ضننوا
فالقياس: ضنوا بالإدغام؛ غير أن الشاعر أتى به
على الوجه المخالف وهو الفك؛ كما في الشاهد السابق.
انظر حاشية الصبان: 4/ 349، والتصريح: 2/ 403.
وفي الختام، نتضرع إلى الله -عز وجل- أن ينفع طلاب العلم
بهذا العمل كما نفعنا بأصله، وأن يوفقنا، ويمن علينا بنعمة
الإيمان، ويحفظ لنا أسماعنا، وأبصارها، وجوارحنا، وملكات
تفكيرنا ما حيينا، وأن يلهمنا الهدى والسداد، ويسلكنا سبيل
الرشاد، ويجعلنا خير خلف لخير سلف في هذه الحياة. والحمد
لله أولًا وآخرًا.
بيروت في 20/ صفر/ 1414 هـ
الموافق 7/ آب/ 1993 م |