أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ج / 4 ص -443-
هذا باب الحذف1:
وفيه ثلاث
مسائل:
إحداها:
تتعلق بالحرف الزائد؛ وذلك أن الفعل إذا كان على وزن أفعل؛
فإن الهمزة، تحذف من أمثلة مضارعه2، ومثالي وصفه؛ أعني
وصفي الفاعل والمفعول؛ تقول: أكرم، ونكرم، ويكرم وتكرم،
ومكرم، ومكرم؛ وشذ قوله3: [الرجز المشطور]
فإنه أهل لأن يؤكرما4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحذف ضربان: قياسي، وغير قياسي؛ فالأول: ما كان لعلة
تصريفية مطردة. وينحصر في نوعين؛ الحذف للاستثقال، والحذف
لالتقاء الساكنين؛ كحذف الواو في: يعد وقل. والثاني: فهو
ما يكون لغير علة تصريفية؛ كحذف لام يد ودم، ويسمى الحذف
اعتباطًا؛ ولا ضابط له، والأول: هو المراد هنا.
2 لئلا يجتمع همزتان، في كلمة، في المبدوء بهمزة المتكلم؛
وحمل الباقي عليه.
3 القائل: هو أبو حيان الفقعسي، وقد مرت ترجمته.
4 تخريج الشاهد: هذا بيت من الرجز المشطور، لم يعثر له على
تكلمة.
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 396، والأشموني "1252/ 3/ 887"،
والعيني: 4/ 578، والمقتضب: 2/ 98، والمخصص: 16/ 108،
والإنصاف: 11/ 239، 375، والخزانة: 1/ 368 عرضًا، وشرح
شواهد الشافية: 58، والهمع: 2/ 218، والدرر: 2/ 239،
واللسان "كرم".
المفردات الغريبة: أهل: مستحق. يؤكرما: يكرم.
المعنى: واضح؛ فالسياق في إطار المدح؛ فهو يصف إنسانًا
جديرًا بالتقدير والتكريم؛ لأنه أهل لذلك.
الإعراب:
إنه: حرف مشبه بالفعل، والهاء: في محل نصب اسمه. أهل: خير
"إن" مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة. لأن: اللام
للتعليل، أن حرف مصدري ونصب.
يؤكرما: فعل مضارع مبني للمجهول، منصوب بـ "أن" المصدرية،
ونائب الفاعل: هو، =
ج / 4 ص -444-
المسألة الثانية: تتعلق بفاء الفعل؛ وذلك أن الفعل إذا كان ثلاثيًا1 واوي الفاء2،
مفتوح العين3؛ فإن فاءه، تحذف في أمثلة المضارع4، وفي
الأمر، وفي المصدر المبني على فعله، بكسر الفاء5 ويجب في
المصدر تعويض الهاء من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= يعود إلى ما عاد إليه اسم "إن"؛ والمصدر المؤول من "أن
وما دخلت عليه": ي محل جر بلام التعليل؛ و "الجار
والمجرور": متعلق بـ "أهل".
موطن الشاهد: "يؤكرما".
وجه الاستشهاد: إثبات الهمزة في "يؤكرم" ولم تحذف تخفيفًا؛
فأتى بها على الأصل المرفوض؛ وذلك لضرورة الشعر؛ والقياس:
حذفها، ومن هذا الشاهد وأمثاله ندرك أن الضرورة، ما هي إلا
معاودة الأصول المهجورة.
انظر شرح التصريح: 2/ 396. وحاشية الصبان: 4/ 343.
توجيه: لو أبدلت همزة "أفعل" هاء؛ كقولهم في: أراق هراق،
أو عينًا؛ كنهل الإبل في أنهل؛ لم تحذف لعدم المقتضى؛
فتقول في هراق: يهريق؛ فهو مهريق ومهراق، وكذلك
عنهل...إلخ. والنهل: الشرب الأول، والمنهل: المورد.
الأشموني: 3/ 787.
1 أما الزائد على ثلاثة، فلا يحذف منه شيء نحو: والى
يوالي، ووافى يوافي.
2 أما يائي الفاء: فلا حظ له في الحذف إلا ما شذ من قولهم:
يسر يسر؛ أي: لعب الميسر، وبئس بئس في لغة؛ والأصل ييسر
وييئس، ويسمى الفعل المعتل الفاء مثالًا.
التصريح: 2/ 396.
3 أي في الماضي بشرط كسرها في المضارع؛ لأن المدار على
ذلك، لا على فتحها في الماضي؛ نحو: وعد يعد، ووصف يصف؛ فإن
كان مضموم العين، فلا تحذف فاء مضارعه؛ نحو: وضوؤ يؤضؤ.
وإن كان مكسورها؛ فإن كسرت عين ضمارعة حذفت الفاء؛ نحو:
وثق يثق، وومق يمق، وورث يرث، وإن فتحت؛ فقد تحذف فاء
المضارع نحو: وسع وسع؛ ووطئ يطأ؛ قيل: ولا ثالث لهذين
اللفظي، وقد لا تحذف؛ نحو: وجل يوجل، ووجع يوجع. ويشترط
للحذف؛ فتح حرف المضارعة فلا تحذف الواو من يوعد ويوصل؛
مضارع: أوعد وأوصل؛ أو يوعد مبنيًا للمجهول. ويتلخص مما
تقدم: أن فاء المثال الواوي؛ تحذف في المضارع وجوبًا
بشرطين:
أ- أن تكون عين المضارع مكسورة.
ب- وأن تقع الواو بعد ياء مفتوحة.
انظر ضياء السالك: 4/ 307- 308، وحاشية الصبان: 4/ 341.
4 علة الحذف وقوع الواو بين: الياء المفتوحة والكسرة في
المبدوء بالياء، وحمل عليه غيره.
5 بشرط أن يكون لغير الهيئة؛ فلا حذف في غير المصدر؛ وشذ:
رقة للفضة المضروبة، وحشة: للأرض الموحشة- ولدة: صفة بمعنى
ترب، وهو المساوي في العمر. ولا مما قصد به الهيئة؛ كوعدة
الأمير، ووقفة محمد.
التصريح: 2/ 396، وحاشية الصبان: 4/ 342.
ج / 4 ص -445-
المحذوف؛ تقول: يعد وتعد، ونعد، وأعد، ويا
زيد عد عدة1، وأما الوجهة؛ فاسم بمعنى: الجهة لا للتوجه2،
وقد تترك تاء المصدر شذوذًا؛ كقوله3: [البسيط]
581- وأخلفوك عند الأمر الذي وعدوا4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أصلها: وعد، حذفت الفاء؛ حملًا على المضارع؛ ونقلت
كسرتها إلى العين، لتدل عليها، ثم أتى بالياء؛ عوضًا عن
الفاء.
2 أي: فليس مصدرًا، وعلى هذا؛ فلا شذوذ في إثبات واوه،
وذهب قوم إلى أنه مصدر، وإثبات الواو فيه شاذ، وسوغ عدم
الحذف فيه، كونه لا فعل له؛ إذ لا موجب للحذف؛ إلا الحمل
على المضارع، ولا يحفظ وجه يجه؛ بل توجه واتجه؛ والمصدر:
التوجه والاتجاه. ومجمل القول: أن مصدر المثال، يحمل على
فعله، في حذف فائه بشرطين: أن تكون فاء المصدر مكسورة، وأن
يكون الفعل محذوف الواو في المضارع.
3 القائل: هو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب، شاعر
فصيح عاصر الفرزدق، والأحوص، وله معهما أخبار، وهو أول
هاشمي يمدح أمويًا بعد ما كان بينهما؛ فقد مدح عبد الملك
بن مروان الذي أكرمه وقربه، توفي سنة 95 هـ، في خلافة
الوليد بن عبد الملك.
تجريد الأغاني: 1713، الأعلام: 5/ 105، سمط اللآلي: 701.
4 تخريج الشاهد: هذا عجز بيت، وصدره قوله:
إن الخليط أجدوا البين فاتجردوا
وهو من شواهد: التصريح: 2/ 396، والخصائص: 3/ 171، وشرح
شواهد الشافية: 64،، والعيني: 4/ 573.
المفردات الغريبة: الخليط: المخالط الذي يخالط المرء في
أموره كلها؛ كالنديم والجليس، ويطلق على الواحد والجمع لفظ
واحد. البين: الفراق. ومعنى أجدوا البين: أحدثوا الفراق،
وجعلوه أمرًا جديدًا. انجردوا: بعدوا واندفعوا، يقال:
انجرد بهم السير؛ بعد، وامتد.
ويروى: انصرموا، أي انقطعوا ببعدهم عنا.
المعنى: يجرد الشاعر من نفسه شخصًا، يخاطبه، ويقول له: إن
أصحابك وأصدقاءك =
ج / 4 ص -446-
المسألة الثالثة: تتعلق بعين الفعل؛ وذلك أن الفعل إذا كان ثلاثيًا مكسور العين،
وعينه ولامه من جنس واحد؛ فإنه يستعمل في حالة إسناده إلى
الضمير المتحرك على ثلاثة أوجه: تامًا1، ومحذوف العين بعد
نقل حركتها، ومع ترك النقل؛ وذلك نحو: ظل؛ تقول: "ظللت،
وظلت، وظلت"2، وكذلك في ظللن؛ قال الله -سبحانه وتعالى-:
{فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ}3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الذين عاشروك، قد أحدثوا بينك وبينهم فرقة، وبعدوا عنك
وأخلفوا ما كانوا قد وعدوك به وعاهدوك عليه، من دوام
الألفة وطول عهد القرب والمودة.
الإعراب:
إن: حرف مشبه بالفعل. الخليط: اسم "إن" منصوب. أجدوا: فعل
ماض مبني على الضم، والواو: في محل رفع فاعل، والألف:
للإطلاق. البين: مفعول به لـ "أجدوا"، وجملة "أجدوا
البين": في محل رفع خبر "إن". فانجردوا: الفاء عاطفة،
انجردوا: فعل ماض مبني على الضم، والواو: في محل رفع فاعل،
والألف: للتفريق. وأخلفوك: الواو عاطفة، أخلفوك: فعل ماض
مبني على الضم؛ لاتصاله بواو الجماعة، والواو: في محل رفع
فاعل، والكاف: في محل نصب مفعولًا به أول. عد: مفعول ثان
لـ "أخلف"، وهو مضاف. الأمر: مضاف إليه مجرور. الذي: اسم
موصول مبني على السكون، في محل جر صلة لـ "الأمر". وعدوا:
فعل ماض مبني على الضم، والواو: في محل رفع فاعل، والألف:
للتفريق؛ وجملة: "وعدوا": صلة للموصول، لا محل لها؛
والعائد إلى الاسم الموصول محذوف؛ والتقدير: الذي وعدوه.
موطن الشاهد: "عد الأمر".
وجه الاستشهاد: حذف التاء من "عدة" عند إضافتها؛ وحكم هذا
الحذف الشذوذ؛ لأن التاء في "عدة" عوض عن فاء المصدر؛ ولا
يجوز حذف المعوض، والمعوض عنه، كما لا يجوز الجمع بينهما؛
ويرى الفراء: أنه لا بأس، من الحذف، عند الإضافة؛ وعليه
فلا شذوذ. انظر شرح التصريح: 2/ 396.
1 نصب هو وما بعده على البدلية من قوله: "على ثلاثة أوجه"
الواقع حالًا.
2 يقال: ظلت أفعل كذا -إذا عملته بالنهار دون الليل،
والفعل ظل؛ وفيه الكسر أيضًا.
3 سورة الواقعة الآية 65.
موطن الشاهد: "ظلتم".
وجه الاستشهاد: وقوع "ظلتم" محذوف إحدى اللامين؛ لأن أصله
"ظللتم"؛ بالإدغام. وفك الإدغام؛ لالتقاء الساكنين، وحذفت
اللام الأولى منهما؛ لتعذر الإدغام مع اجتماع المثلين؛
لاتصال الضمير؛ والتخفيف مطلوب. انظر التصريح: 2/ 397.
ج / 4 ص -447-
وإن كان الفعل مضارعًا، أو أمرًا واتصل
بنون نسوة؛ جاز الوجهان الأولان1؛ نحو: يفررن، ويقرن،
واقررن، وقرن2.
ولا يجوز في نحو: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ}3، ولا في نحو:
{فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ
عَلَى ظَهْرِه}4 إلا الإتمام؛ لأن العين
مفتوحة5، وقرأ نافع وعاصم:
{وَقَرْنَ}6 بالفتح؛ وهو قليل؛ لأنه مفتعوح، ولأن المشهور قررت في المكان،
بالفتح، أقر، بالكسر، وأما عكسه7؛ ففي قررت عينًا أقر8.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهما: التمام، وحذف العين، بعد نقل حركتها إلى الفاء.
2 يقال: قر بالمكان يقر؛ أي: سكن واستقر فيه؛ وأصلها: قرر
يقرر؛ كضرب يضرب؛ فلما اجتمع مثلان؛ أولهما: مكسو، حسن
الحذف تخفيفًا؛ كما فعل بالماضي.
3 سورة سبأ الآية: 50.
موطن الشاهد:
{ضَلَلْتُ}.
وجه الاستشهاد: مجيء الفعل تامًا، من غير حذف، ولا تغيير،
ولا نقل؛ لأن العين مفتوحة.
4 سورة الشورى الآية: 33.
موطن الشاهد:
{َيظْلَلْنَ}.
وجه الاستشهاد: مجيء الفعل تامًا، من غير حذف، ولا تغيير،
ولا نقل؛ لأن العين مفتوحة.
5 أي: فليس هنالك نقل؛ ومثله: حللت، وشذ همت - في هممت،
وكذلك يتعين الإتمام؛ إذا كان الماضي المضعف غير ثلاثي؛
نحو: أقررت، وشذ أحست في أحسست.
6 سورة الأحزاب الآية: 33.
موطن الشاهد:
{قَرْنَ}.
وجه الاستشهاد: أصله: "اقررن" نقلت حركة الراء إلى القاف،
ثم حذفت الراء والهمزة، وهذا قليل؛ لأنه مفتوح العين.
7 وهو قررت بالكسر، أقر بالفتح.
8 أي: سررت، والحذف في غير مكسور العين مقصور على السماع.
|