حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك

ج / 1 ص -202-        اسم الإشارة:

بذا لمفرد مذكر أشر                بذي وذة تي تا على الأنثى اقتصر


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اسم الإشارة:
اسم الإشارة: ما وضع لمشار إليه، وترك الناظم تعريفه بالحد اكتفاء بحصر أفراده

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اسم الإشارة:
أي اسم تصحبه الإشارة الحسية وهي التي بأحد الأعضاء. قوله: "لمشار إليه" أي إشارة حسية، ولم يصرّح بذلك لأن الإشارة حقيقة في الحسية دون الذهنية والمطلق يحمل على حقيقته، فلا يرد ضمير الغائب وأل ونحوهما لأن الإشارة بذلك ذهنية، ولا دور في التعريف لأن أخذ جزء المعرف في التعريف لا يوجبه لجواز أن يكون معرفة ذلك الجزء ضرورية أو مكتسبة بشيء آخر، صرح بجميع ذلك الدماميني. وأما الجواب بأن الإشارة في التعريف لغوية وفي المعرف اصطلاحية ففيه أن المراد بالمعرف اسم تصحبه الإشارة الحسية فالإشارة فيه لغوية كالتعريف، وكون الإشارة حسية يستلزم كون المشار إليه محسوسًا بالبصر حاضرًا فاستعماله في غيره مجاز بالاستعارة التصريحية الأصلية أو التبعية على خلاف في ذلك بيناه في رسالتنا في الاستعارات. وما يقتضيه كلام ابن الناظم من أن استعماله في المنزل منزلة المحسوس الحاضر حقيقة خلاف المعروف. قوله: "بحصر أفراده" أي أفراد اسم الإشارة وهي سبعة عشر: ثلاثة للمفرد المذكر، وعشرة للمفردة المؤنثة، وذان وتان وأولى بالمد والقصر، فقوله وهي ستة غير ظاهر إلا أن يقال جعله أفراد اسم الإشارة ستة باعتبار المشار إليه وإن كانت في نفسها أكثر من ستة، وباعتبار المشار إليه يندفع ما يقال كيف عد اسم إشارة الجمع المذكر والمؤنث فردين مع اتحاد اللفظ. قوله: "بذا" تقديم الجار والمجرور للحصر الإضافي أي بالنسبة إلى الصيغ المذكورة في المتن. فالمعنى بذا لا بغيره من الصيغ الآتية، فلا ينافي أنه يشار إلى المفرد المذكر بغير ذا مما ذكره الشارح. وزاد في التسهيل للبعيد آلك بهمزة ممدودة فلام. قال الدماميني وينبغي أن يكون كل من الذال والهمزة أصلًا ليس أحدهما بدلًا من الآخر لتباعد مخرجيهما ويسأل عن هذا في باب النداء عند ذكر آ في حروف نداء البعيد فيقال في أي موضع يكون آ اسمًا. ا. هـ. باختصار. واعلم أن مذهب البصريين أنه ثلاثي الأصل لا ثنائي، وألفه زائدة لبيان حركة الذال كما يقوله الكوفيون، ولا ثنائي وألفه أصلية مثل ما كما يقول السيرافي لغلبة أحكام الثلاثي عليه من الوصفية والموصوفية والتثنية والتصغير ولا شيء من الثنائي كذلك. وأصله ذيي بالتحريك بدليل الانقلاب ألفًا حذفت لامه اعتباطًا وقلبت عينه ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها. وقيل: ذوي لأن باب طويت أكثر من باب حييت. وقيل: ذيي بإسكان العين والمحذوف العين والمقلوب ألفًا اللام لأن حذف الساكن أهون من حذف المتحرك. وردّ الأول بحكاية سيبويه إمالة ألفه ولا سبب لها هنا إلا انقلابها عن الياء مع كون الحذف أليق بالآخر فلا يقال: يحتمل أن المحذوف الواو والمقلوب

 

ج / 1 ص -203-                       وذان تان للمثنى المرتفع           وفي سواه ذين تين اذكر تطع

وبأولى أشر لجمع مطلقًا                    والمد أولى ولدى البعد انطقا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالعد وهي ستة لأنه إما مذكر أو مؤنث، وكل منهما إما مفرد أو مثنى أو مجموع "بذا" مقصورًا "لمفرد مذكر أشر" وقد يقال: ذاء بهمزة مكسورة بعد الألف، وذائه بهاء مكسورة بعد الهمزة "بذي وذه" وته بسكون الهاء وبكسرها أيضا بإشباع وباختلاس فيهما و"تي" وتا" وذات "على الأنثى" المفردة "اقتصر" فلا يشار بهذه العشرة لغيرها كما حكاها في التسهيل "وذان" و"تان للمثنى المرتفع" الأول لذكره والثاني لمؤنثه "وفي سواه" أي سوى المرتفع وهو المجرور والمنتصب "ذين" و"تين" بالياء "اذكر تطع" وأما
{إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] فمؤول "وبأولى أشر لجمع مطلقًا" أي مذكرًا كان أو مؤنثا  "والمد أولى" فيه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الياء، والثاني بأن الحذف أليق بالآخر.
قوله: "لمفرد" قيل: اللام بمعنى إلى ومقتضاه أن الإشارة لا تتعدى باللام وهو ما يفيده صنيع القاموس، والمراد المفرد حقيقة أو حكمًا كالجمع والفريق. قال في متن الجامع وقد يستعار لغير المفرد ماله نحو عوان بين ذلك أي الفارض والبكر. ولك أن تقول المرجع ما ذكر فهو مفرد حكمًا. قوله: "مذكر" أي حقيقة أو حكمًا نحو: "فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي" وقيل: التذكير لأن الله تعالى حكى قول إبراهيم ولا فرق في لغته بين المذكر والمؤنث لأن الفرق بينهما خاص بالعرب. قوله: "بعد الهمزة" أي المكسورة أيضًا. وروي ضمهما معًا أيضًا كما في التصريح. قوله: "بذي" بقلب ألف ذا ياء، وذه بقلب ياء ذي هاء، وتي بقلب الذال تاء والألف ياء. وعلى هذا قياس البقية نقله الروداني. قوله: "وذات" بالبناء على الضم وهي أغربها واسم الإشارة ذا والتاء للتأنيث شنواني. قوله: "على الأنثى" أي حقيقة أو حكمًا كالمذكر المنزل منزلة الأنثى وقوله المفردة: أي حقيقة أو حكمًا كالفرقة والجماعة.
قوله: "فلا يشار بهذه العشرة إلخ" أشار إلى أن الباء داخلة على المقصور لا على المقصور عليه وهذا إذا لوحظ كل واحد من العشرة على حدته فإن لوحظ المجموع جاز الأمران. قوله: "للمثنى المرتفع" اعترض بأنه إن أريد بالمثنى اللفظ الذي هو صيغة التثنية ورد عليه أنه نفس ذان وتان وحينئذٍ يختل الكلام. وإن أريد به المعنى الذي هو الاثنان ورد عليه أن الارتفاع وصف اللفظ لا المعنى ويجاب باختيار الشق الثاني وتقدير مضاف عقب المرتفع: أي المرتفع داله، أو الأول وتقدير المضاف قبل المثنى أي المدلول المثنى المرتفع وهو الاثنان أولًا تقدير والنسبة المستفادة من اللام من نسبة الجزئي لكليه. والمراد المثنى صورة المرتفع محلًّا فلا يقال: اسم الإشارة مبني فلا يثنى ولا يرفع. هذا هو الأصح. والظاهر أن الاسمين مبنيان على الألف والياء كما في يا رجلان ولا رجلين. واعلم أنه لا يثنى من أسماء الإشارة إلا ذا وتا. قوله: "الأول لمذكره والثاني لمؤنثه" أورد عليه فذانك برهانان لأن المرجع اليد والعصا وهما مؤنثان. وأجيب بأن التذكير لمراعاة الخبر ذكره في المغني. قوله: "وفي سواه" أي في حال إرادة سواه.

ج / 1 ص -204-                            بالكاف حرفا دون لام أو معه    واللام إن قدمت ها ممتنعه


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من القصر لأنه لغة الحجاز، وبه جاء التنزيل، قال الله تعالى: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ} [آل عمران: 119]، والقصر لغة تميم.
تنبيه: استعمال أولاء في غير العاقل قليل. ومنه قوله:
76-

ذم المنازل بعد منزلة اللوى                         والعيش بعد أولئك الأيام

وما تقدم هو  فيما إذا كان المشار إليه قريبًا "ولدى البعد" وهي المرتبة الثانية من مرتبتي المشار إليه على رأي الناظم "انطقا" مع اسم الإشارة "بالكاف حرفًا" ألف انطقا مبدلة من نون التوكيد الخفيفة، وحرفًا حال من الكاف: أي انطقن بالكاف محكومًا عليه بالحرفية، وهو اتفاق. ونبه عليه لئلا يتوهم أنه ضمير كما هو في غلامك، ولحق الكاف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "فمؤول" من تأويلاته أنه على لغة من يلزم المثنى الألف. قوله: "مطلقًا" حال من جمع وهو نكرة بلا مسوغ من المسوغات الآتية في باب الحال فيكون مجيء الحال منه من القليل.
قوله: "والمدّ أولى فيه من القصر" فيه أن المد والقصر من خواص المعرب عند النحاة وأولى مبني. والجواب أنه جرى على عرف اللغويين والقراء الذين لا يخصونهما بالمعرب. ووزن الممدود فعال وقيل فعل كهدى زيد في آخره ألف فانقلبت الثانية همزة ووزن المقصور فعل اتفاقًا وألفها أصل لعدم التمكن وقيل منقلبة عن ياء لإمالتها وتنوين الممدود لغة. قال ابن مالك: والجيد أن يقال إن صاحب هذه اللغة زاد نونًا كنون ضيفن وبناء آخره على الضم لغة وكذا إشباع الهمزة أوله وإبدال أوله هاء مضمومة وإبداله هاء مفتوحة تليها واو وساكنة كذا في التسهيل وشرحه وتكتب مقصورة وممدودة بواو قبل اللام لئلا يلتبس باليك جارًا ومجرورًا وتكتب ألف المقصورة ياء. قوله: "قليل" ومنه في القرآن:
{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} [الإسراء: 36]. قوله: "ذم" بفتح آخره تخفيفًا وكسره على الأصل وضمه اتباعًا وهي على هذا الترتيب في الحسن على ما يظهر لي. والمراد بالعيش المعيشة. قوله: "قريبًا" أي حقيقة أو حكمًا وكذا في البعد. قوله: "ولدى البعد" أي بعد المشار إليه قليلًا أو كثيرًا على رأي الناظم أنه له مرتبتين كما سيأتي. قوله: "على رأي الناظم" أي تبعًا لبعض النحاة، وعزى لسيبويه وهو الراجح لأنه سيأتي أن ترك اللام لغة التميميين والإتيان بها لغة الحجازيين، فلو كانت المراتب ثلاثة كما عليه الجمهور للزم أن التميميين لا يشيرون إلى البعيد والحجازيين لا يشيرون إلى المتوسط. قوله: "محكومًا عليه بالحرفية" أشار إلى أن هذه الحال وإن كانت جامدة لفظًا هي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
76- البيت من الكامل، وهو لجرير في ديوانه ص990 وفي "الأقوام" مكان "الأيام"؛ وتخليص الشواهد ص123، وخزانة الأدب 5/ 430؛ وشرح التصريح 1/ 128؛ وشرح شواهد الشافية ص167؛ وشرح المفصل 9/ 129؛ ولسان العرب 5/ 437 "أولي"، والمقاصد النحوية 1/ 408؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 1/ 134؛ وشرح ابن عقيل ص72؛ والمقتضب 1/ 185.

ج / 1 ص -205-        ............................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للدلالة على الخطاب، وعلى حال المخاطب من كونه مذكرًا أو مؤنثًا. مفردًا أو مثنى أو مجموعًا فهذه ستة أحوال تضرب في أحوال المشار إليه وهي ستة كما تقدم فذلك ستة وثلاثون يجمعها هذان الجدولان وطريقة هذين الجدولين المشار إليهما أنك تنظر لأحوال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشتقة تأويلًا. قوله: "للدلالة على الخطاب" أي بالمادة وقوله: وعلى حال المخاطب أي بهيئته أو ما يلحقه. وأما دلالتها على البعد فعارض نشأ من استعمالهم إياها عند البعد.
فائدة: تتصل هذه الكاف الحرفية بأرأيت بمعنى أخبرني لا بمعنى أعلمت مغنيًا لحاق علامات الفروع بها عن لحاقها بالتاء، والتاء حينئذٍ اسم مجرد عن الخطاب ملتزم فيه الأفراد والتذكير هو الفاعل. وعكس الفراء فجعل التاء حرف خطاب والكاف فاعلًا. وقال الكسائي: التاء فاعل والكاف مفعول. والصحيح الأول قال ابن هشام: وأرأيت هذه منقولة من أرأيت بمعنى أعلمت لا من أرأيت بمعنى أأبصرت، ألا ترى أنها تتعدى إلى مفعولين، وهذا من الإنشاء المنقول إلى إنشاء آخر، يعني أن هذا الكلام كان أولًا لإنشاء هو الأمر إذ هو بمعنى أخبر. وقال الرضي: أرأيت بمعنى أخبر منقول من أرأيت بمعنى أأبصرت أو أعرفت ولا يستعمل إلا في الاستخبار عن حالة عجيبة. وقد يؤتى بعده بالمنصوب الذي كان مفعولًا به نحو أرأيت زيدًا ما صنع، وقد يحذف نحو:
{أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّه} [الأنعام: 40]، الآية وكم ليس بمفعول بل حرف خطاب ولا بد سواء أتيت بذلك المنصوب أولًا من استفهام ظاهر أو مقدر يبين الحال المستخبر عنها، فالظاهر نحو أرأيت زيدًا ما صنع وأرأيتكم إن أتاكم عذاب الله الآية، والمقدر نحو: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَن} [الإسراء: 62] أي أرأيتك هذا المكرم لم كرمته عليّ. وقوله: لئن أخرتن كلام مستأنف ولا محل لجملة الاستفهام لأنها مستأنفة لبيان الحال المستخبر عنها كأن المخاطب قال لما قلت: أرأيت زيدًا عن أي شيء من حالة تستخبر فقلت: ما صنع فهو بمعنى قولك أخبرني عنه ما صنع، وليست الجملة المذكورة مفعولًا ثانيًا لأرأيت كما ظنه بعضهم. ا. هـ. بحذف وفيه مخالفة لكلام ابن هشام من وجهين: أحدهما جعله أرأيت منقولًا من أرأيت بمعنى أأبصرت أو أعرفت، والثاني أنها ليست متعدية إلى مفعولين وأن الجملة المذكورة بعدها لا مفعول ثان ولم يبين وجه نصب زيد في مثل أرأيت زيدًا ما صنع فإنه لا يصح أن يكون منصوبًا على إسقاط الخافض أي أخبرني عن زيد وإن كان في كلامه ما يشير إلى هذا الوجه وذلك لأن النصب على إسقاط الخافض ليس بقياس في مثل هذا ولا مفعولًا به لأرأيت لأن معنى الرؤية قد انسلخ عن هذا اللفظ ونقل إلى طلب الإخبار، والذي يظهر لي أنه على حذف مضاف أي خبر زيد. ا. هـ. دماميني ملخصًا.
وقد يختار ما أشار إليه الرضي ويجعل النصب بنزع الخافض هنا من موارد السماع. ومفاد ما مر عن ابن هشام أن زيدًا مفعول به أول وجملة الاستفهام في موضع المفعول الثاني وبه صرح غيره، ويشكل عليه الانسلاخ المذكور اللهم إلا أن ينظر إلى المنقول عنه فتأمل. قوله: "فذلك ستة وثلاثون" هذا العدد ملحوظ فيه المعنى لا اللفظ وإلا فمن ستة المشار إليه حالتان مشتركتان

 

ج / 1 ص -206-        ............................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المخاطب الستة، فتأخذ كل حال منها مع أحوال المشار إليه الستة مبتدئًا منها بالمفرد بقسميه، ثم بالمثنى كذلك، ثم بالمجموع كذلك، وابتدئ بالمخاطب المذكر المفرد ثم المثنى ثم المجموع. ثم المخاطبة المؤنثة المفردة ثم المثنى ثم المجموع. وإنما قضى على هذه الكاف بالحرفية على اختلاف مواقعها؛ لأنها لو كانت اسمًا لكان اسم الإشارة مضافًا واللازم باطل؛ لأن اسم الإشارة لا يقبل التنكير بحال. وتلحق هذه الكاف اسم الإشارة "دون لام" كما رأيت، وهي لغة تميم "أو معه" وهي لغة الحجاز. ولا تدخل اللام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في اللفظ وهما الجمع المذكر والجمع المؤنث ومن ستة المخاطب حالتان كذلك وهما المثنى المذكر والمثنى المؤنث، فبالنظر إلى اللفظ يكون المضروب خمسة والمضروب فيه خمسة بخمسة وعشرين كما قاله شيخنا ومن هنا يظهر لك ما في كلام البعض من السهو. واعلم أنك إذا ضربت الستة والثلاثين في مرتبتي القرب والبعد كان الحاصل اثنين وسبعين وعلى اعتبار التوسط يكون المجموع مائة وثمانية المتعذر منها ثلاثون، ولأن إشارات القريب التي هي ستة باعتبار أحوال المشار إليه لا تتعدد بحسب أحوال المخاطب إذ لا يلحقها كاف الخطاب فيسقط ثلاثون والممتنع منها اثنى عشر وهي ما اجتمع فيها الكاف واللام، والجائز منها ست وستون، فمن جدولها منهم كالشارح لم يستوعب أقسامها الجائزة، ومن لم يجدولها كصاحب التصريح بل اكتفى بالتصوير العقلي لم يبين المتعذر منها والجائز والممتنع.
وهذا جدول كافل بجميع ذلك. والصفر الموضوع في الأسطر الستة علامة على أنه ليس لذلك الاسم علامة تدل على المخاطب بالإشارة، وذلك في جميع صور القريب.
قوله: "مبتدئًا منها" أي من أحوال المشار إليه قوله: "بالمفرد بقسميه" المذكر والمؤنث وعلى هذا يقرأ السطر الأول من الجدول الأيمن ثم السطر المقابل له من الجدول الأيسر ثم السطر الثاني من الأيمن ثم المقابل له من الأيسر وهكذا. قوله: "وابتدئ" أي من أحوال المخاطب فترتيب أحواله على خلاف ترتيب أحوال المشار إليه. قوله: "على اختلاف إلخ" أي مع اختلاف مواقعها كالاسمية قال في التصريح هذه الكاف وإن كانت حرفية تتصرف تصرف الكاف الاسمية في غالب اللغات فتفتح للمخاطب وتكسر للمخاطبة وتلحقها علامة التثنية والجمعين، ودون هذا أن تفتح في التذكير وتكسر في التأنيث ولا تلحقها علامة تثنية ولا جمع، ودون هذا أن تفتح مطلقًا ولا تلحقها علامة تثنية ولا جمع. قوله: "لأن اسم الإشارة إلخ" ولقولهم ذانك وذينك ولو كان مضافًا لحذفت النون. قوله: "لا يقبل التنكير بحال" لأنه لمصاحبته الإشارة الحسية لا يقبل شياعًا أصلًا. قوله: "وتلحق هذه الكاف اسم الإشارة" ظاهره مطلقًا وفي الدماميني والهمع وغيرها أنها لا تلحق من إشارات المؤنث إلا تي وتا وكذا ذي على خلاف قالوا تيك وتلك وتيلك بكسر التاء في الثلاثة، وتيك وتلك بفتح التاء فيهما، وتالك وذيك وأنكر الأخيرة ثعلب وجعلها الجوهري خطأ ولا يقتضي جواز فتح تيك جواز تي بفتح التاء للقريب إذ لا بعد في اختصاص فتح التاء بالمتوسط والبعيد كاختصاص ذلك بالبعيد.

 

ج / 1 ص -208-        ............................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الكاف مع جميع أسماء الإشارة مع المفرد مطلقًا، نحو ذلك، وتلك. ومع أولى مقصورًا نحو أولاك وأولى لك. وأما المثنى مطلقا وأولاء الممدود  فلا تدخل معهما اللام.
"واللام إن قدمت ها" التنبيه فيه "ممتنعه" عند الكل، فلا يجوز اتفاقًا هذلك، ولا هاتلك ولا هؤلاء لك كراهة كثرة الزوائد.
تنبيه: أفهم كلامه أن ها التنبيه تدخل على المجرد من الكاف، نحو هذا هذه وهذان وهاتان وهؤلاء وعلى المصاحب لها وحدها نحو هذاك وهاتيك وهاذانك وهاتانك وهؤلاتك، لكن هذا الثاني قليل. ومنه قوله طرفة:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وهي لغة تميم" فلا يأتون باللام مطلقًا لا في مفرد ولا في مثنى ولا في جمع كما في التوضيح وشرحه للشيخ خالد فقول الشارح ومع أولى مقصورًا أي عند غير بني تميم ممن يوافقهم في القصر كقيس وأسد وربيعة كما في التصريح فلا يقال لغة بني تميم وهم لا يأتون باللام وفي شرح التوضيح للشارح أن بني تميم يأتون باللام مع الجمع مقصورًا وهو مخالف لما مر فتدبر. قوله: "أو معه" أو للتخيير بالنسبة إلى المفرد وأولى المقصور ولتنويع اسم الإشارة بالنسبة إلى المثنى وأولاء الممدود مع غيرهما، وظاهر عبارة الشارح أنها لتنويع خلاف العرب فافهم. قوله: "بل مع المفرد مطلقًا" أي مذكرًا أو مؤنثًا على ما علم مما مر وهذه اللام لتأكيد بعد المشار إليه على ما يناسب مذهب المصنف وقيل: لبعد المشار إليه وقيل: لبعد المخاطب حكى الثلاثة يس. وأصلها السكون وكسرت للتخلص من التقاء الساكنين أو للفرق بينها وبين لام الجر في نحو ذلك لكن تارة يبقى سكونها وتحذف الياء أو الألف قبلها للتخلص من التقاء الساكنين كما في تلك بكسر التاء وتلك بفتحها. وتارة تبقى الياء أو الألف قبلها وتحرك هي بالكسر كما مر في تيلك وتالك وذلك.
قوله: "واللام" مبتدأ خبره ممتنعة وجواب الشرط محذوف لدلالة خبر المبتدأ عليه. وما أشار إليه الشارح تبعًا للمكودي من أن ممتنعة خبر مبتدأ محذوف مع الفاء والجملة جواب الشرط وجملة الشرط وجوابه خبر المبتدأ ممنوع كما تقدم بيانه في قول المصنف:

والأمر إن لم يك للنون محل

إلخ كذا قال البعض، وهو مبني على ما ذكره هناك من الضابط وقد أسلفنا هناك أن صاحب المغني جوز الوجهين في قول ابن معطي:

اللفظ أن يفد هو الكلام

وأن ذلك الضابط محمول على السعة فاعرفه. قوله: "وهاذانك وهاتانك وهؤلائك" أي على الأصح عند أبي حيان وغيره. وقيل: لا يجمع بين الكاف وها التنبيه في مثنى أو جمع وعليه المصنف في شرح التسهيل والقولان ذكرهما في الهمع فسقط اعتراض البعض كغيره على تمثيل الشارح بالأمثلة الثلاثة الأخيرة. قوله: "لكن هذا الثاني قليل" أي لأن المخاطب ربما لا يبصر

 

ج / 1 ص -210-                          وبهنا أو ههنا أشر إلى             داني المكان وبه الكاف صلا

في البعد أو بثم فه أو هنا                      أو بهنالك انطقن أو  هنا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
77-

رأيت بني غبراء لا ينكرونني                   ولا أهل هذاك الطراف الممدد

"وبهنا" المجردة من ها التنبيه "أو ههنا" المسبوقة بها "أشر إلى داني المكان" أي قريبه نحو: {إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24] "وبه الكاف صلا في البعد" نحو هناك وههناك "أو بثم  فيه" أي انطق في البعد بثم، نحو: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ} [الشعراء: 64] "أو هنا" بالفتح والتشديد "أو بهنالك" أي بزيادة اللام مع الكاف "انطقن" على لغة الحجاز كما تقول ذلك نحو: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} [الأحزاب: 11]، ولا يجوز

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المتوسط أو البعيد فلا يصح أن ينبه عليه إذ لا ينبه أحد ليرى ما ليس بمرئي له، ولهذا لا يجامع اللام التي لأقصى البعد قاله في شرح الجامع. قوله: "بني غبراء" قيل: أراد بهم اللصوص وقيل: الفقراء والصعاليك، وقيل: الأضياف وقيل: أهل الأرض لأن الغبراء اسم للأرض وأهل عطف على الضمير المرفوع في لا ينكرونني. وقد وقع الفصل بالمفعول. والطراف بكسر الطاء المهملة البيت من الأدم. وأراد بأهل الطراف الأغنياء قاله العيني. قوله: "وبهنا إلخ" تقديم المعمول المفيد لحصر الإشارة إلى المكان في هذه الألفاظ إنما هو من حيث كونه ظرفًا للفعل فإنه من هذه الحيثية لا يشار إليه إلا بها فلا ينافي صلاحية أسماء الإشارة المتقدمة لكل مشار إليه ولو مكانًا وقع غير ظرف أفاده يس. واعلم أن هنا ملازمة للظرفية أو شبهها لكن شبه الظرفية فيها ليس خصوص الجر بمن كما في عند ولدن وقبل وبعد بل الجر بمن أو إلى كما في أين قاله الدماميني. ومثل هنا ثم كما في شرح الجامع. قال: ولذا غلط من زعم أن ثم في قوله تعالى:
{وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْت} [الإنسان: 20]، مفعول لرأيت بل مفعوله محذوف إما اختصارًا أي وإذا رأيت ثم الموعود به، أو اقتصارًا أي وإذا حصلت رؤيتك في ذلك المكان.
قوله: "وبه الكاف صلا" ظاهره مساواة هذه الكاف لكاف ذلك في التصرف وليس كذلك بل هذه تلزم الفتح والإفراد كما نقله سم عن أبي حيان وابن هشام وغيرهما. قوله: "أو بثم" وقد تلحقها وقفًا هاء السكت، وقد يجري الوصل مجرى الوقف، وقد تلحقها تاء التأنيث كربت كذا رأيته في غير موضع ومقتضى التشبيه بربت جواز فح التاء إسكانها. قوله: "وأزلفنا ثم" أي في المسلك الذي سلكه موسى وقومه وهو ما بين الماءين وسط البحر. الآخرين: أي فرعون وقومه قرّبناهم من بني إسرائيل وأدنينا بعضهم من بعض حتى لا ينجو منهم أحد. قوله: "أو هنا" هي والمكسورة تصحبها ها والكاف كما في همع الهوامع. قوله: "هنالك ابتلي المؤمنون" أي على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
77- البيت من الطويل، وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص31، وتخليص الشواهد ص125، وجمهرة اللغة ص754؛ والجني الداني ص347 ؛ والدرر اللوامع 1/ 236، ولسان العرب 5/ 5 "غبر"؛ 14/ 92 "بني"؛ والمقاصد النحوية 1/ 410؛ وبلا نسبة في الاشتقاق ص214؛ وشرح ابن عقيل ص73؛ وهمع الهوامع 1/ 76.

ج / 1 ص -211-        ............................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ههنالك كما لا يجوز هذالك على اللغتين "أو هنا" بالكسر والتشديد قال الشاعر:
78-

هنا وهنا ومن هنا لهن بها                   ذات الشمائل والأيمان هينوم

تروى الأولى بالفتح الثانية بالكسر والثالثة بالضم بتشديد النون في الثلاث، وكلها بمعنى، وهو الإشارة إلى المكان، لكن الأوليان للبعيد، والأخيرة للقريب، وربما جاءت للزمان ومنه قوله:
79-

حنت نوار ولات هنا حنت                       وبدا الذي كانت نوار أجنت

خاتمة: يفصل بين ها التنبيه وبين اسم الإشارة بضمير المشار إليه نحو ها أنا ذا،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنها في الآية للمكان كما عليه أبو حيان. وذهب ابن مالك إلى أنها في الآية للزمان المذكور قبل في قوله:
{إِذْ جَاءُوكُم} [الأحزاب: 10] الآية. قوله: "هنا وهنا ومن هنا" روي البيت بفتح الثلاثة وبفتح الأول وكسر الثاني وضم الثالث فاستفيد منه لغة الضم مع التشديد قاله الروداني والضمير في لهن للجن وفي بها أي فيها للأرجاء في البيت قبله، وذات نصب على الظرفية بالعامل في بها المقدر، والشمائل جمع شمال على غير قياس، والأيمان جمع يمين والهينوم الصوت الخفي. قوله: "وربما جاءت" ظاهره رجوع الضمير للأخيرة وأرجعه بعضهم إلى الثلاثة وعبارة الجامع وقد يستعار غير ثم للزمان. قوله: "حنت نوار" بكسرة البناء كحذام وضمة الإعراب قاله شيخنا. وقوله ولات هنا حنت لات ههنا مهملة هنا خبر مقدم وحنت مبتدأ مؤخر على تقدير حرف السبك كما عند الفارسي أي وليس في هذا الوقت حنين. وقوله أجنت بالجيم أي سترت والمراد بالذي أجنته محبتها وشوقها.
قوله: "بين اسم الإشارة" ظاهره مطلقًا وقيده في التسهيل بالمجرد من الكاف. قال الدماميني وإنما امتنع ها إنا ذاك مع أن ها التنبيه تدخل على ذاك لأن لحاق ها له قليل فلم يحتمل التوسع. ا. هـ. وأفهم كلام الشارح منع إدخال ها التنبيه على الضمير المنفصل الذي ليس خبره اسم الإشارة وبه صرّح الدماميني نقلًا عن ابن هشام فإنه قال في حاشيته على المغني: وقع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
78- البيت من البسيط، وهو لذي الرمة في ديوانه ص409، وتخليص الشواهد ص133، وجمهرة اللغة ص1204؛ وشرح شواهد الإيضاح ص435؛ وشرح التصريح 1/ 129؛ وشرح المفصل 3/ 137؛ ولسان العرب 15/ 484 "هنا"؛ والمقاصد النحوية 1/ 412؛ وبلا نسبة في الخصائص 3/ 38.
79- البيت من الكامل، وهو لشبيب بن جعيل في الدرر 1/ 244، 2/ 119؛ وشرح شواهد المغني ص919؛ والمؤتلف والمختلف ص84؛ والمقاصد النحوية 1/ 418؛ ولحجل بن نضلة في الشعر والشعراء ص102؛ ولهما معًا في خزانة الأدب 4/ 195؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص130؛ وتذكرة النحاة ص734؛ والجني الداني ص489؛ وجواهر الأدب ص249؛ وخزانة الأدب 5/ 463؛ ومغني اللبيب ص592 ؛ وهمع الهوامع 1/ 78، 126.