حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك

ج / 2 ص -288-        التمييز:

اسم بمعنى من مبين نكرة                      ينصب تمييزًا بما قد فسره


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73]، {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27]، أي ناوين ذلك قيل وماضية ومثل لها في المغني بجاء زيد أمس راكبًا وسماها محكية وفيه نظر.
التمييز:
يقال تمييز ومميز، وتبيين ومبين، وتفسير ومفسر. وهو في الاصطلاح "اسم بمعنى من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نظر إلى أن معنى صائدا به غدا مقدر ذلك كانت الحال مقارنة لمقارنة التقدير المرور فجعلها مستقبلة إنما هو بالنظر إلى الصيد نفسه لا إلى تقديره، وهل يلزم أن يكون المقدر للحال هو صاحبها أو لا؟ جرى على الأول صاحب المغني واحتج له الشمني بما فيه نظر وعلى الثاني الدماميني. قوله: "ومنه ادخلوها خالدين" التلاوة فادخلوها لكن حذف مثل هذه الفاء في مثل هذه الحالة جائز كما نقله الدماميني عن المغني مبسوطا. قوله: "لتدخلن إلخ" محل الاستشهاد محلقين ومقصرين، لأن الحلق والتقصير بعد الدخول لا مقارنان له، لا آمنين إذ هي مقارنة للدخول. قوله: "وفيه نظر" أي في إثبات هذا القسم والتمثيل له بما ذكر لأن العبرة بمقارنة الحال لزمن العامل وهي موجودة لا لزمن التكلم غاية ما هناك أنه عبر باسم الفاعل الذي هو حقيقة في الحال عن الماضي حكاية للحال الماضية مجازا.
التمييز:
قوله: "اسم" أي صريح. قوله: "بمعنى من" أي معناها الشائع استعمالها فيه كالبيان والابتداء والتبعيض كما يتبادر من إضافة المعنى إليها فلا يرد أنها تكون بمعنى في فلا تخرج الحال بهذا القيد بل بقوله مبين والمراد بكونه بمعنى من أنه يفيد معناها لا أنها مقدرة في نظم الكلام إذ قد لا يصلح لتقديرها فعلم مما مر أنه لا تحمل من في قوله بمعنى من على خصوص من البيانية ليكون قوله مبين هو المخرج لاسم لا التبرئة ونحو ذنبا كما صنع الشارح ويجوز بقطع النظر عما صنعه الشارح حمل من على خصوص البيانية بقرينة قوله مبين فيكون لقوله مبين فائدة على هذا أيضا وإن لم تكن للإخراج هكذا ينبغي تقرير المقام. قوله: "مبين" نعت لاسم أي مزيل لإبهام اسم قبله مجمل الحقيقة أو إبهام نسبة في جملة أو شبهها. ا. هـ. توضيح وشرحه للشارح. والأوفق بما يأتي عن ابن الحاجب أن يقال أي مزيل لإبهام ما قبله بإيضاح جنسه ولو بالتأويل كما في تمييز النسبة فإنه يبين جنس ما المقصود نسبة العامل إليه، مثلا طاب زيد نفسا مؤول بطاب شيء زيد أي شيء يتعلق بزيد، وهذا الشيء مبهم يفسره نفسا واستفيد منه أن التمييز لا يكون مؤكدا وهو رأي سيبويه وأما شهرا من قوله تعالى:
{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36]، فهو وإن كان مؤكدا لما استفيد من قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ} [التوبة: 36]، مبين

 

ج / 2 ص -289-        ....................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مبين نكرة" فاسم جنس وبمعنى من مخرج لما ليس بمعنى من كالحال فإنه بمعنى في ومبين مخرج لاسم لا التبرئة، ونحو ذنبًا من قوله:
522-

أستغفر الله ذنبًا لست محصيه

ونكرة مخرج لنحو الحسن وجهه. ثم ما استكمل هذه القيود "ينصب تمييزًا بما قد فسره" من المبهمات والمبهم المفتقر للتمييز نوعان: جملة ومفرد دال على مقدار، فتمييز الجملة: رفع إبهام ما تضمنته. من نسبة عامل، فعلًا كان أو ما جرى مجراه: من مصدر أو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لعامله وهو اثنا عشر قاله في المغني. قوله: "مخرج الاسم لا التبرئة ونحو ذنبا إلخ" فإنهما وإن كانا على معنى من لكنها في الأول للاستغراق. وفي الثاني للابتداء أي استغفارا مبتدأ من أول الذنوب إلى ما لا يتناهى قاله في التصريح. ولك أن تجعلها في الثاني تعليلية بل هو أظهر فتدبر وإنما عدّي بمن لتضمنه معنى استتيب وإلا فقد عدت السين والتاء من المعديات فيصح كون ذنبا مفعولا به كما مر بيان ذلك.
قوله: "مخرج لنحو الحسن وجهه" أي بالنصب على التشبيه بالمفعول به لا على التمييز لعدم تنكيره وهذا رأي البصريين، ولا يرد وطبت النفس لأن أل فيه زائدة للضرورة فهو نكرة. قوله: "قد فسره" صلة أو صفة جرت على غير ما هي له ولم يبرز لأمن اللبس بناء على مذهب الكوفيين وهو الصحيح. قوله: "جملة" كان الأولى أن يقول نسبة ليشمل تمييز النسبة في غير الجملة كالتي في عجبت من طيب زيد نفسا إلا أن يراد بالجملة ما يشمل الجملة تأويلا كما يقتضيه كلامه بعد ولأن المقابل في الاصطلاح لتمييز المفرد تمييز النسبة، وجعل ابن الحاجب التمييز مطلقا مفسر الإبهام الذات، غاية الأمر أن الذات إما مذكورة أو مقدرة. وإنما عبروا عن الثاني بتمييز النسبة نظرا للظاهر. قال الدماميني لأن النسبة في الحقيقة لا إبهام فيها إذ تعلق الطيب بزيد أمر معلوم إنما الإبهام في المتعلق الذي ينسب إليه الطيب في الحقيقة إذ يحتمل أن يكون دارا أو علما أو غيرهما فالتمييز في الحقيقة إنما هو لأمر مقدر يتعلق بزيد كما تقدم بيانه. قوله: "دال على مقدار" أي أو شبهه مما حمل عليه نحو ذنوب ماء ونحو لنا مثلها إبلا وغيرها شاء، ونحو خاتم حديدا كما سيأتي فلا قصور.
قوله: "فتمييز الجملة إلخ" قال الدماميني تجب مطابقة تمييز الجملة للاسم السابق إن كان الثاني عين الأول نحو كرم زيد رجلا وكرم الزيدان رجلين وكرم الزيدون رجالا، وكذا إن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
522- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في أدب الكاتب ص524؛ والأشباه والنظائر 4/ 16؛ وأوضح المسالك 2/ 283؛ وتخليص الشواهد ص405 وخزانة الأدب 3/ 111، 9/ 124؛ والدرر 5/ 186، وشرح أبيات سيبويه 1/ 420؛ وشرح التصريح 1/ 394؛ وشرح شذور الذهب ص479؛ وشرح المفصل 7/ 63، 8/ 51؛ والصاحبي في فقه اللغة ص181؛ والكتاب 1/ 37؛ ولسان العرب 5/ 26 "غفر"؛ والمقاصد النحوية 3/ 226؛ والمقتضب 2/ 321؛ وهمع الهوامع 2/ 82.

 

ج / 2 ص -290-        ....................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وصف أو اسم فعل إلى معموله: من فاعل أو مفعول، نحو طاب زيد نفسًا
{وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم: 4]، والتمييز في مثله محول عن الفاعل. والأصل طابت نفس زيد، واشتعل شيب الرأس، ونحو غرست الأرض شجرًا {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} [القمر: 12]، والتمييز فيه محول عن المفعول والأصل غرست شجر الأرض وفجرنا عيون الأرض. وتقول عجبت من طيب زيد نفسًا وزيد طيب نفسًا، وسرعان ذا إهالة وناصب التمييز في هذا النوع عند سيبويه والمبرد والمازني ومن وافقهم هو العامل الذي تضمنته الجملة لا نفس الجملة، وهو الذي يقتضيه كلام الناظم في آخر الباب ونص عليه في غير هذا الكتاب. وذهب قوم إلى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان غيره وهو مصدر قصد اختلاف أنواعه لاختلاف محاله بعد جمع نحو خسر الأشقياء أعمالا، أو غير مصدر وتعدد وخيف اللبس نحو كرم الزيدون آباء إذا كان لكل منهم أب ويجب تركها إن كان معنى التمييز في الواقع واحدا والاسم السابق متعددا نحو كرم الزيدون أبا إذا كان أبوهم واحدا أو بالعكس وخيف اللبس نحو نظف زيد أثوابا وكرم أباه، أو كان التمييز مصدرا لم يقصد اختلاف أنواعه نحو الأتقياء جادوا سعيا. وتترجح في نحو حسن زيد عينا ولميت هند شفة ويترجح تركها في نحو حسن الزيدان أو الزيدون وجها. ا. هـ. بتصرف وزيادة. قوله: "من نسبة" بيان لما وقوله إلى معموله متلق بنسبة وقوله من فاعل بيان للمعمول وكلامه يقتضي أن المراد بالجملة ما يشمل الجملة تأويلا. قوله: "والتمييز في مثل محوّل عن الفاعل" التحويل في تمييز النسبة ليس بلازم فقد يكون غير محول نحو امتلأ الإناء ماء ولله دره فارسا بناء على أن الثاني من تمييز النسبة وسيأتي الكلام عليه وأما تمييز المفرد فلا تحويل فيه أصلا. قوله: "والأصل إلخ" وإنما عدل عن هذا الأصل ليكون فيه إجمال ثم تفصيل فيكون أوقع في النفس لأن الآتي بعد الطلب أعز من المنساق بلا طلب. قوله: "والتمييز فيه" أي في مثله فهو من الحذف من الثاني لدلالة الأول. قوله: "وتقول" غير الأسلوب لأن هذا مما أجري مجرى الفعل. قوله: "عجبت من طيب زيد نفسا" أي من طيب نفس زيد فهو محول عن المضاف إليه الذي هو في الحقيقة فاعل المصدر وفيما بعده عن فاعل طيب أي زيد طيبة نفسه هذا هو الأوفق بما يأتي للشارح عند قول المصنف والفاعل المعنى وإن جاز أن يكون محوّلا عن المبتدأ وعليه اقتصر البعض تبعا لشيخنا. قوله: "وسرعان ذا إهالة" سرعان بتثليث السين والبناء على الفتح اسم فعل ماض أي سرع وذا فاعله وإهالة تمييز محوّل عن الفاعل أي إخافة وإفزاعا. ويجوز جعله بمعنى اسم الفاعل حالا. قال في القاموس وأصله أن رجلا كانت له نعجة عجفاء ورغامها يسيل من منخريها لهزالها فقيل له ما هذا؟ فقال ودكها فقال السائل ذلك ونصب إهالة على الحال أي سرع هذا الرغام حال كونه إهالة. أو تمييز كقولهم تصبب زيد عرقا وهو مثل يضرب لمن يخبر بكينونة الشيء قبل وقته. ا. هـ. قوله: "وهو الذي يقتضيه إلخ" أي حيث قال:

وعامل التمييز قدم مطلقا                    والفعل ذو التصريف نزرا سبقا

 

ج / 2 ص -291-                             كشبر أرضًا وقفيز برا ومنوين عسلًا وتمرا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن الناصب له نفس الجملة واختاره ابن عصفور ونسبه للمحققين. ويصح تخريج كلامه هنا على المذهبين فلا اعتراض لأنه يصح أن يقال إنه فسر العامل لأنه رفع إبهام نسبته إلى معموله، وأنه فسر الجملة لأنه رفع إبهام ما تضمنته من النسبة. وأما تمييز المفرد فإنه رفع إبهام ما دل عليه من مقدار مساحي أو كيلي أو وزني "كشبر أرضًا وفقيز برا ومنوين عسلًا وتمرا" وناصب التمييز في هذا النوع مميزه بلا خلاف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "فلا اعتراض إلخ" تفريع على قوله ويصح إلخ لكن كان الأوضح تأخيره عن قوله لأنه إلخ وفي نسخ بالواو وهي واضحة والمراد اعتراض ابن هشام بما حاصله أن مفسر تمييز النسبة هو النسبة وليست العامل بل العامل الفعل أو شبهه على قول والجملة على قول. وحاصل جواب الشارح أنه يصح جعل المميز نفس العامل لصحة وصفه بالإبهام من حيث نسبته لتعلقها بطرفيها فتوصف بوصفها فيحمل كلام المصنف على العامل أو الجملة، فعلم أن قول البعض أن قول الشارح وأنه فسر الجملة إلخ تتميم للفائدة ولا دخل له في دفع الاعتراض ناشئ عن قلة تدبر المقام. قوله: "إبهام ما دل عليه" ضمير دل يرجع إلى المفرد وضمير عليه إلى ما ومن مقدار بيان لما والصلة أو الصفة جرت على غير ما هي له لأمن اللبس وفي قوله من مقدار حذف مضاف أي من مقدر مقدار إذ التمييز له لا للمقدار الذي هو ما يكال أو يوزن أو يمسح به فاندفع الاعتراض بأن المجمل الذي بينه التمييز في الحقيقة هو المقدر بالمقدار لا نفس المقدار فكان الأولى أن يقول لأنه رفع إبهام ما دل عليه المفرد من مقدر به وفيه اكتفاء أيضا أي من مقدار أو شبهه مما حمل عليه فلا قصور. قوله: "مساحي" نسبة إلى المساحة بكسر الميم وهي الذرع كذا في القاموس.
قوله: "وقفيز" من المكيل ثمانية مكاكيك والمكوك مكيال يسع صاعا، ومن الأرض مائة وأربعة وأربعون ذراعا وليس مرادا هنا، جمعه أقفزة وقفزان. قوله: "ومنوين" تثنية منا كعصا ويقال فيه منّ وهو رطلان. قوله: "مميزه بلا خلاف" وإنما عمل مع جموده لشبه اسم الفاعل في الطلب المعنوي لمعموله وقيل لشبهه أفعل من ورجحه المصرح. فائدة: إذا كان المقدار مخلوطا من حنين فقال الفراء: لا يجوز عطف أحدهما على الآخر بل يقال عندي رطل سمنا عسلا على حد الرمان حلو حامض، وقال غيره: يعطف بالواو لأنها للجمع الصادق بالخلط وجوّز بعض المغاربة الأمرين كذا في الهمع. قوله: "وبعد ذي المقدرات" يعني المقدر بالمقدار المساحي والمقدر بالمقدار الكيلي والمقدر بالمقدار الوزني الممثل لتلك المقدرات بشبر وقفيز ومنوين، والمتبادر من المتن أن المشار إليه الأمثلة الثلاثة التي هي جزئيات فيكون المراد بنحوها غيرها سواء كان مقدرا بأحد المقادير الثلاثة أو لا. وظاهر صنيع الشارح إرجاع الإشارة إلى أنواع المقدرات الثلاث كما قررناه وحمل نحوها على غير تلك الأنواع وكأنه حمل كلام المصنف على الاستخدام بذكره المقدرات الثلاثة أولا مرادا بها الجزئيات وإرجاع الإشارة إليها مرادا بها الكليات فتأمل.

ج / 2 ص -292-                         وبعد ذي وشبهها إذا    أضفتها كمد حنطة غذا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"وبعد ذي" المقدرات الثلاث "ونحوها" مما أجرته العرب مجراها في الافتقار إلى مميز، وهي الأوعية المراد بها المقدار كذنوب ماء، وحب عسلًا، ونحي سمنا، وراقود خلا، وما حمل على ذلك من نحو لنا مثلها إبلًا، وغيرها شاء، وما كان فرعًا للتمييز نحو خاتم حديدًا، وباب ساجًا، وجبة خزًا "اجرره إذا أضفتها" إليه "كمد حنطة غذا" وشر أرض، ومنوا تمر، وذنوب ماء، وحب عسل. وخاتم حديد، وباب ساج.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "مما أجرته العرب مجراها" إنما أجرته مجراها لشبهه بالمقدر بالمقادير الكيلية وإنما لم تكن مقدرة بمقدار كيلي حقيقة لأن هذه الأوعية لا تختص بقدر معين. قوله: "وهي الأوعية" أي أسماء الأوعية. قوله: "المراد بها المقدار" أي مقدر المقدار أي المقدر بذلك المقدار الذي هو الوعاء والذنوب الدلو أو التي فيها ماء أو الممتلئة ماء أو القريبة من الامتلاء كذا في القاموس، والحب بضم الحاء المهملة الخابية، والنحي بكسر النون وسكون الحاء المهملة الزق أو زق السمن خاصة كالنحي بفتح فسكون والنحى كفتى كذا في القاموس. والراقود دن كبير يطلى داخله بالقار.
قوله: "وما حمل على ذلك" أي على ما أجرته العرب مجرى المقادير وجامع الحمل أن كلاً مجمل الحقيقة مرفوع إجماله بما بعده. قوله: "من نحو لنا مثلها إبلا وغيرها شاء" اعترضه سم بأن هذين المثالين مما وجد فيهما شرط وجوب النصب الآتي فذكرهما هنا ليس بظاهر لعدم تأتي الجر وقد يعتذر بجعل ذكرهما من حيث إنهما نحو المقدرات في أن المنصوب بعدهما تمييز فتأمل. قوله: "وما كان فرعا" معطوف على نحو لنا إلخ. قوله: "نحو خاتم حديدا إلخ" اعلم أن جر نحو خاتم حديدا أرجح من نصبه كما سيأتي وإذا نصب فقال المبرد والمصنف كون نصبه على التمييز أرجح من كونه على الحالية لجمود هذا المنصوب ولزومه وتنكير صاحبه والغالب على الحال الاشتقاق والانتقال وتعريف صاحبها. وقال سيبويه وأتباعه تتعين الحالية لأنه ليس بعد مقدار ولا شبهة واستظهر ابن هشام رجحانيتها فقط أما نحو هذا خاتمك حديدا بتعريف الاسم فتتعين فيه الحالية كما قاله المصنف أفاده الدماميني. قوله: "اجرره" أي جوازا، نعم إن أريد نفس الآلة التي يقدر بها وجب الجر لكن ليس هذا مما نحن فيه لأن الإضافة فيه على معنى اللام لا من حتى يكون تمييزا ولهذا لم يتعرض له المصنف والشارح وظاهر كلام المصنف والشارح وغيرهما أن المجرور المذكور يسمى تمييزا وقال ابن هشام لا يسمى تمييزا. قوله: "إذا أضفتها" إنما قيد لأنه لو أطلق توهم بقاء تنوينها ونونها وإن جره بمن مقدرة كما في تمييزكم أو ظاهرة كما يأتي في قوله واجرر بمن إلخ فيفوت المعنى الذي أراده سم.
قوله: "كمد حنطة غذا" مد مبتدأ وغذا خبر. هذا ما قاله المكودي وهو أقرب من جعل غذا بدلا أو حالا والخبر محذوف أي عندي وقول الشارح وشبر أرض برفع شبر كما يرشد إليه ومنوا تمر والظاهر على إعراب المكودي أنه مبتدأ عطف عليه ما بعد والخبر محذوف أي كالمد في جواز الجر بالإضافة ويجوز تقديره عندي. وأما على الإعراب الثاني فهو معطوف على مد

ج / 2 ص -293-                           والنصب بعدك ما أضيف وجبا    إن كان مثل ملء الأرض ذهبا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيهان: الأول النص في نحو ذنوب ماء وحب عسلًا أولى من الجر؛ لأن النصب يدل على أن المتكلم أراد أن عنده ما يملأ الوعاء المذكور من الجنس المذكور. وأما الجر فيحتمل أن يكون مراده ذلك، وأن يكون مراده بيان أن عنده الوعاء الصالح لذلك. الثاني إنما لم يذكر تمييز العدد مع تمييز هذه المقدرات لأن له بابًا يذكره فيه، ولانفراد تمييزها بأحكام منها جواز الوجهين المذكورين. وتمييز العدد إما واجب النصب كعشرين درهمًا، أو واجب الجر بالإضافة كمائتي درهم ومنها جواز الجر بمن كما سيأتي. ومنها أنه يميز تمييز العدد إذا وقعت هذه المقدرات تمييزًا له نحو عشرين مدا برا، وثلاثين رطلًا عسلًا، وأربعين شبرًا أرضًا "والنصب" للتمييز "بعد ما أضيف" من هذه المقدرات لغير التمييز "وجبا إن كان" المضاف لا يصح إغناؤه عن المضاف إليه "مثل"
{فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ} [آل عمران: 91]، "ملء الأرض ذهبًا" "ما في السماء قدر راحة سحابا" إذ لا يصح ملء ذهب، ولا قدر سحاب، فإن صح إغناء المضاف عن المضاف إليه جاز نصب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حنطة. قوله: "في نحو ذنوب ماء" أي من المقدرات وما أجري مجراها مما يتوهم عند جر تمييزه خلاف المقصود بخلاف نحو خاتم حديد فإن جره أكثر كما صرح به الرضي وغيره لأن في جره تخفيفاً بحذف التنوين مع عدم توهم خلاف المقصود وبخلاف نحو شبر أرض فإن الأظهر عدم أكثرية نصبه لعدم توهم خلاف المقصود حال الجر بل قد يقال جره أكثر لما مر تأمل. قوله: "لأن النصب يدل" أي فهو نص في المقصود بخلاف الجر. قوله: "الوعاء الصالح لذلك" أي أو الصنجة الموزون بها أو المكيال الذي يكال به أو الشيء الذي يمسح به. قوله: "إنما لم يذكر تمييز العدد" أي مع أنه من تمييز المفرد. قوله: "ومنها أنه" أي تمييز هذه المقدرات يميز بالبناء للفاعل وتمييز العدد مفعول به لا مفعول مطلق وقوله تمييزا له أي العدد فبرا وعسلا وأرضا تمييزات لتمييز العدد وهو مدا ورطلا وشبرا. قوله: "والنصب إلخ" هذا البيت تقييد لسابقه فمعنى اجرره إذا أضفتها أي إلى التمييز كما قاله الشارح سابقا بخلاف ما إذا كانت مضافة إلى غيره والمراد الإضافة ولو تقديرا فدخل نحو الكوز ممتلئ ماء وزيد متفقىء شحما إذ التقدير ممتلئ الأقطار ماء ومتفقئ الأعضاء شحما فلا يجوز ممتلىء ماء ولا متفقئ شحم.
قوله: "من هذه المقدرات" يشكل على هذا التقييد محترز قوله إن كان إلخ وهو قوله أشجع الناس رجلا إذ المضاف هنا ليس من المقدرات فهو خارج بهذا التقيد لا بقوله إن كان إلخ وأيضا فملء وقدر من الشبيه بمقدرات لأنهما كالمقدر المساحي لا منها فالوجه التعميم كما فعل المرادي. قوله: "لا يصح إغناؤه إلخ" إشارة إلى وجه الشبه في قوله إن كان مثل إلخ. قوله: "ملء الأرض" برفع ملء على الحكاية كما أشار إليه الشارح. قوله: "الأرض" بنقل حركة الهمزة إلى اللام. قوله: "فإن صح إغناء المضاف إلخ" قد يقال الذي يغني عن المضاف إليه هو التمييز لأنه الذي يقع في محله لا المضاف ويدل له قول الهمع ولا يحذف عند جر التمييز

ج / 2 ص -294-                                 والفاعل المعنى انصبن بأفعلا         مفضلا كأنت أعلى منزلا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التمييز وجاز جره بالإضافة بعد حذف المضاف إليه، نحو: هو أشجع الناس رجلًا، وهو أشجع رجل.
تنبيه: محل ما ذكره من وجوب نصب هذا التمييز هو إذا لم يرد جره بمن كما يذكره بعد، وقد أعطى ذلك أيضًا بالمثال. ا. هـ. "والفاعل المعنى انصبن" على التمييز "بأفعلا مفضلًا" له على غيره. والفاعل في المعنى هو السببي، وعلامته أن يصلح للفاعلية عند جعل أفعل فعلًا "كأنت أعلى منزلا" وأكثر مالا إذ يصح أن يقال: أنت علا منزلك وكثر مالك، أما ما ليس فاعلًا في المعنى وهو ما أفعل التفضيل بعضه، وعلامته أن يصح أو يوضع موضع أفعل بعض ويضاف إلى جمع قائم مقامه نحو زيد أفضل فقيه، فإنه يصح

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالإضافة شيء غير التنوين أو النون إلا مضاف إليه صالح لقيام التمييز مقامه نحو زيد أشجع الناس رجلا فيقال: أشجع رجل بخلاف نحو لله دره رجلا وويحه رجلا فلا يقال در رجل ولا ويح رجل. ا. هـ. قوله: "وجاز جره بالإضافة إلخ" ناقش فيه بعضهم بأنه بعد الإضافة لم يبق تمييزا بدليل صحة قولك: هو أشجع رجل قلبا فتميزه، وقد يمنع عدم بقائه تمييزا وتمييزه لا ينافي كونه تمييزا لما مر في كلام الشارح أن تمييز المقدرات يميز تمييز الأعداد. قوله: "محل ما ذكره إلخ" قد يقال الوجوب إضافي والمقصود بوجوب النصب امتناع الجر بالإضافة فلا ينافي جواز جره بمن. سم.
قوله: "والفاعل المعنى" بنصب الفاعل بانصبن ونصب المعنى بإسقاط الخافض. ا. هـ. سندوبي. والظاهر أنه يصح جر المعنى بإضافة الفاعل إليه ومعنى كونه فاعل المعنى أنه المتصف بالمعنى في الحقيقة إذ المتصف بالأحسنية في الحقيقة هو الوجه في قولك مثلا زيد أحسن وجها وفي آخر ما سننقله عن نكت السيوطي إشارة إلى هذا فتنبه. قوله: "هو السببي" أي المتصف في المعنى بالشيء الجاري في اللفظ على غيره أي غير ذلك المتصف فإن المنزل مثلا هو المتصف في المعنى بالعلو والعلو جار في اللفظ على المخاطب. قوله: "إذ يصح أن يقال أنت علا منزلك وكثر مالك" أي ولا يضر فوات التفضيل إذ لا يجب بقاؤه في الفعل الموضوع موضع أفعل التفضيل أو يقال: المراد علا علوا زائدا وكثر كثرة زائدة فلم يفت التفضيل فصح كون هذا التمييز محولا عن الفاعل كما يتبادر من كلام الشارح وسيصرح به بعد وقال السيوطي في نكته نقلا عن ابن هشام: التحقيق أن التمييز في هذا النوع محول عن مبتدأ مضاف وأصل أنت أحسن وجها وجهك أحسن، فجعل المضاف تمييزا والمضاف إليه مبتدأ فانفصل وارتفع ولا يريد المصنف بقوله الفاعل المعنى أن هذا النوع محول عن الفاعل كما فهم بعضهم لأنك إذا قلت حسن وجهك لم يستفد التفضيل فكيف يكون أنت أحسن وجها محولا عن حسن وجهك وإنما يريد أن هذا التمييز هو المنسوب إليه ذلك المعنى. ا. هـ. ملخصا وقد علمت الجواب. قوله: "أما ما ليس فاعلا في المعنى إلخ" والضابط أن تمييز أفعل التفضيل إذا كان من جنس ما قبله جر نحو زيد أفضل رجل وإن لم يكن من جنس ما قبله نصب نحو زيد أكثر مالا. قوله: "قائم

ج / 2 ص -295-                             وبعد كل ما اقتضى تعجبا      ميز كأكرم بأبي بكر أبا

واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد              والفاعل المغنى كطب نفسا تفد


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيه أن يقال زيد بعض الفقهاء فهذا النوع يجب جره بالإضافة إلا أن يكون أفعل التفضيل مضافًا إلى غيره فينصب نحو زيد أكرم الناس رجلًا "وبعد كل ما اقتضى تعجبًا ميز كأكرم بأبي بكر" رضي الله تعالى عنه "أبا" وما أكرمه أبا؟ ولله دره فارسًا، وحسبك به كافلًا، وكفى بالله عالمًا. ويا جارتا ما أنت جارة "واجرر بمن" لفظًا كل تمييز صالح لمباشرتها "إن شئت" لأنها فيه معنى كما أن كل ظرف فيه معنى في وبعضه صالح لمباشرتها، وكل تمييز فإنه صالح لمباشرة من "غير ذي العدد والفاعل" في "المعنى"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقامه" أي مقام التمييز. قوله: "وبعد كل ما اقتضى تعجبا" إما وضعا وهو ما أفعله وأفعل به أولا نحو لله دره فارسا وما بعده. فإن قلت لا فائدة في هذا البيت لأن الإتيان بالتمييز بعد دال التعجب جائز لا واجب كالتمييز بعد غير دال التعجب فلا خصوصية لداله. أجيب بأن المقصود إفادة وجوب نصب التمييز بعد داله ومنع جره نا لإضافة كما يشعر به المثال.
قوله: "ولله دره فارسا" يقال در اللبن يدر ويدر درا ودرورا كثر ويسمى اللبن نفسه درا والأقرب أن المراد هنا اللبن الذي ارتضعه من ثدي أمه وأضيف إلى الله تعالى تشريفا يعني أن اللبن الذي تغذى به مما يليق أن يضاف وينسب إلى الله تعالى لشرفه وعظمه حيث كان غذاء لهذا الرجل الكامل في الفروسية. والمقصود التعجب كأنه قيل ما أفرس هذا الرجل، ونقل سم عن شرح التسهيل أن التمييز بعد الضمير نحو لله دره فارسا ويا لها قصة من تمييز النسبة إن كان الضمير معلوم المرجع نحو لقيت زيدا فللَّهِ دره فارسا وجاءني زيد فيا له رجلا، وزيد حسبك به ناصرا، ولله درك عالما، وكذا بعد الاسم الظاهر نحو لله در زيد رجلا ويا لزيد رجلا، ومن تمييز المفرد إن كان مجهوله. ثم رأيته في الرضي أيضا ثم قال ما ملخصه فتمييز النسبة قد يكون نفس المنسوب إليه كما في نحو لله در زيد رجلا وكفى بزيد رجلا إذ المعنى لله در رجل هو زيد وكفى رجل هو زيد وقد يكون متعلقه كما في نحو طاب زيد علما. قوله: "لفظا" حال من من أي حالة كون من ملفوظة وليس متعلقا بقوله اجرر لأن الجر قد يكون تقديرا. قوله: "وكل تمييز إلخ" فيه تغيير وجه نصب غير في كلام المتن لاقتضائه نصب غير على الاستثناء مع أنه في كلام المتن منصوب على المفعولية لا جرر. قوله: "غير ذي العدد" أي الصريح فلا يرد أن تمييز كم الاستفهامية يجوز جره بمن مع أنه تمييز عدد وإنما امتنع دخول من في المسائل المستثناة لأن وضع من البيانية أن يفسر بها وبما بعدها اسم جنس قبلها صالح لحمل ما بعدها نحو:
{أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف: 31]، وفي العدد لا يصح الحمل لكونه متعددا والتمييز مفرد وفي المحول عن الفاعل والمفعول كذلك لأن ما بعد من وهو التمييز مباين لما قبلها وهو الفاعل والمفعول كذا في التصريح. وعندي في هذا التعليل نظر:أما أولا فلأنه لا يتم على جميع الأقوال الآتية في من هذه بل على أنها بيانية كما لا يخفى. وأما ثانيا فلأنه يقتضي امتناع من في نحو امتلأ الإناء

ج / 2 ص -296-        ....................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحول عن الفاعل في الصناعة "كطب نفسًا تفد" إذ أصله لتطب نفسك. فهذان لا يصلحان لمباشرتها، فلا يقال: عندي عشرون من عبد، ولا طاب زيد من نفس. ومنه نحو أنت أعلى منزلًا. ويجوز فيما سواهما نحو عندي قفيز من بر، وشبر من أرض ومنوان من عسل، وما أحسنه من رجل.
تنبيهات: الأول كان ينبغي أن يستثنى مع ما استثناه المحول عن المفعول نحو غرست الأرض شجرًا
{وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} [القمر: 12]، وما أحسن زيدًا أدبًا، فإنه يمتنع فيه الجر بمن. الثاني تقييد الفاعل في المعنى بكونه محولًا عن الفاعل في الصناعة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ماء لعدم صحة حمل الماء على الإناء ومقتضى المتن الصحة لأن التمييز في نحوه ليس فاعلا في المعنى ولا مفعولا وقد يدفع بأن الكلام في من المعهودة في جر التمييز وهي البيانية على أصح الأقوال كما سيأتي ومن في المثال ليست منها لأنها إما ابتدائية أو سببية ويؤخذ منه أن جر التمييز الفاعل في المعنى بمن غير المعهودة في جر التمييز كالابتدائية والسببية جائز ولا بعد فيه فتدبر.
قوله: "عن الفاعل في الصناعة" دخل فيه نحو زيد أطيب نفسا لأن التمييز فيه محول عن فاعل أفعل التفضيل صناعة والأصل زيد أطيب نفسه وإن كان رفعه الظاهر قليلا أو عن فاعل الفعل والأصل زيد طابت نفسه على ما أسلفه الشارح وقدمنا ما فيه فلا حاجة لزيادة غيره، أو عن المبتدأ. قوله: "ومنه" أي من الفاعل في المعنى المحول عن الفاعل في الصناعة أنت أعلى منزلا فمنزلا محول عن فاعل أفعل التفضيل صناعة والأصل أنت أعلى منزلك وإن كان رفعه الظاهر قليلا أو عن فاعل الفعل والأصل أنت علا منزلك كما أسلفه الشارح أي علوا زائدا على علو منزل غيرك فلا يرد أنه إذا قيل علا منزلك فات التفضيل مع أنه قد يمنع ضرر فواته كما قدمناه وفي التوضيح أنه محول عن المبتدأ والأصل منزلك أعلى فجعل المضاف تمييزا والمضاف إليه مبتدأ فارتفع وانفصل بعد أن كان متصلا مجرورا وهو أيضا صحيح وقد أسلفناه. قال شارح الجامع لا منافاة بين كونه فاعلا في المعنى ومحولا عن المبتدأ في الصناعة لأن ما صلح لأن يخبر بالتفضيل عنه صلح لأن يكون فاعلا في المعنى. قوله: "وأبرحت جارا" أي أعجبت. ويصح في التاء الكسر على خطاب المؤنث والفتح على خطاب المذكر ولا يتعين أن يكون مراد الشارح أبرحت جارا في قول الأعشى:

أقول لها حين جدّ الرحي                        ل أبرحت ربا وأبرحت جارا

حين يتعين الكسر كما قيل. نعم الأولى أن يكون مراده ذلك ليكون جارا في المثال متعينا لعدم التحويل لأن قصد الشاعر بقرينة سياقه مدحها بأنها نفسها جارة معجبة لا بأن جارها معجب حتى يكون محولا عن الفاعل ولم لم يكن مراد الشارح ذلك لاحتيج إلى أن يقال تمثيله بهذا

 

ج / 2 ص -297-        ....................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لإخراج نحو لله دره فارسًا، وأبرحت جارًا، فإنهما وإن كانا فاعلين معنى إذ المعنى عظمت فارسًا وعظمت جارًا  إلا أنهما غير محولين فيجوز دخول من عليهما، ومن ذلك نعم رجلًا زيد يجوز فيه نعم من رجل. ومنه قوله:
523-

فنعم المرء من رجل تهامي

الثالث أشار بقوله إن شئت إلى أن ذلك جائز لا واجب. الرابع اختلف في معنى من هذه. فقيل للتبعيض وقال الشلوبين: يجوز أن تكون بعد المقادير وما أشبهها زائدة عند سيبويه، كما زيدت في نحو ما جاءني من رجل، قال: إلا أن المشهور من مذاهب النحاة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المثال لغير المحول مبني على أحد احتماليه والمثال يكفيه الاحتمال. ونظيره كرم زيد ضيفا. قال في المغني إن قدر أن الضيف غير زيد فهو تمييز محول عن الفاعل يمتنع أن تدخل عليه من وإن قدر نفسه احتمل الحال والتمييز وعند قصد التمييز فالأحسن إدخال من. ا. هـ. أي للتنصيص على المقصود والتمييز على التقدير. الثاني من تمييز الجملة غير المحول قاله الدماميني. قوله: "إذ المعنى عظمت فارسا إلخ" ففارسا واقع على مدلول التاء التي هي الفاعل فيلزم أن يكون فاعلا في المعنى. قوله: "ومن ذلك" أي من الفاعل في المعنى غير المحول عن الفاعل في الصناعة. قوله: "نعم رجلا زيد" مثله حبذا رجلا زيد. قال الشاعر:

يا حبذا جبل الريان من جبل

دماميني. قوله: "تهامي" بكسر التاء إن كان تخفيف ياء النسبة لأجل الروي وبفتحها إن كان لأجل تعويض الفتحة عن التشديد على أحد مذهبين فيكون كيمان نسبة إلى تهامة بالكسر تطلق على مكة وعلى أرض معروفة لا بلد وإن وهم فيه الجوهري، هذا ما يفيده كلام القاموس والمصباح وقد نقل الدماميني فيه الضبطين وبه يعرف ما في كلام البعض. وتمييز باب نعم من تمييز المفرد على ما صرح به الرضي وغيره. وأيده الدماميني بأن الضمير في نحو نعم رجلا زيد وزيد نعم رجلا لا يعود على زيد تأخر أو تقدم وإنما يعود على مبهم عام والرابط بين المبتدأ والخبر العموم. ا. هـ. أي وتمييز العائد على مبهم تمييز مفرد كما مر في نحو لله دره فارسا، والمبهم العام هو رجلا كما يصرح به جعلهم ضمير نعم مما يعود على متأخر لفظا ورتبة ومن تمييز الجملة على ما نقله الدماميني عن المصنف. قوله: "فقيل للتبعيض إلخ" بقي قول ثالث وهو أنها لبيان الجنس صرح به الشاطبي في باب حروف الجر ونقله المصرح عن الموضح في الحواشي وقال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
523- صدره:

تخيره فلم يعدل سواه

والبيت من الوافر، وهو لأبي بكر بن الأسود المعروف بابن شعوب الليثي في الدرر 5/ 211؛  وشرح التصريح 1/ 399، 2/ 96؛ وشرح المفصل 7/ 133؛ والمقاصد النحوية 3/ 227، 4/ 14؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 369؛ وخزانة الأدب 9/ 395؛ والمقرب 1/ 69؛ وهمع الهوامع 2/ 86.

 

ج / 2 ص -298-                        وعامل التمييز قدم مطلقا          والفعل ذو التصريف نزرا سبقا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما عدا الأخفش أنها لا تزاد إلا في غير الإيجاب. قال في الارتشاف: ويدل لذلك يعني الزيادة العطف بالنصب على موضعها. قال الحطيئة:
524-

طافت أمامة بالركبان آونة                    يا حشنه من قوام ما ومنتقبا

بنصب منتقبًا على محل قوام. الخامس إذا قلت: عندي عشرون من الرجال لا يكون ذلك من جر تمييز العدد بمن، بل هو تركيب آخر لأن تمييز العدد شرطه الإفراد، وأيضًا فهو معروف. ا. هـ. "وعامل التمييز قدم مطلقًا" أي ولو فعلًا متصرفًا وفاقًا لسيبويه والفراء وأكثر البصريين والكوفيين لأن الغالب في التمييز المنصوب بفعل متصرف كونه فاعلًا في الأصل. وقد حول الإسناد عنه إلى غيره لقصد المبالغة، فلا يغير عما كان يستحقه من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هو ظاهر. قوله: "وما أشبهها" أي مما أجرى مجراها وما حمل عليه. قوله: "ويدل لذلك" أي الزيادة وفيه أن ما ذكره لا ينهض دليلا للزيادة لأنه يصح مراعاة محل المجرور بغير الزائد إذا كان يظهر في الفصيح فلا مانع هنا من كونها غير زائدة والعطف على محل مجرورها الثابت له بحسب الأصل لظهوره في الفصيح عند حذفها فتأمل. قوله: "آونة" بمد الهمزة جمع أوان. من قوام بفتح القاف أي قامة وما زائدة. ومنتقبا بفتح القاف موضع النقاب. قوله: "لا يكون ذلك من جر إلخ" أي بل قوله من الرجال صفة لعشرون. قوله: "لأن تمييز العدد" أي المنصوب بقرينة أن الكلام في جواز جر التمييز المنصوب بمن فلا يرد أن تمييز العشرة إلى الثلاثة جمع. قوله: "شرطه الإفراد" ولذلك قالوا في قوله تعالى:
{وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا} [الأعراف: 16]، أن أسباطا بدل مما قبله والتمييز محذوف أي فرقة.
قوله: "وعامل التمييز قدم" وأما توسط التمييز بين العامل ومعموله نحو طاب نفسا زيد فنقل بعضهم الإجماع على جوازه. قوله: "كونه فاعلا في الأصل" أي وأعطى غير الفاعل في الأصل حكم الفاعل اجراء للباب على وتيرة واحدة. قوله: "لقصد المبالغة" أي في إسناد الطيب لزيد فإنه يفيد قبل التخصيص بالتمييز أنه طاب من جميع الوجوه فالمبالغة من حيث أول الكلام. وقيل لقصد الإجمال ثم التفصيل ويشكل عليه ما مر من جواز التوسط لفوات الإجمال ثم التفصيل بالتوسط كذا قال شيخنا والبعض وقد يقال كما يشكل على هذا يشكل على تعليل الشارح أيضا. على أن النظر إلى الأصل والغالب فلا إشكال. قوله: "فلا يغير عما كان يستحقه إلخ" لا يقال قد يخرج الشيء عن أصله كنائب الفاعل فإنه كان جائز التقديم على العامل وصار بالنيابة ممتنعه، فأي مانع من إعطاء التمييز بصيرورته فضلة حكم المفعول من جواز التقديم لأنا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
524- البيت من البسيط، وهو للحطيئة في ديوانه ص11؛ وخزانة الأدب 3/ 270، 289؛ والدرر 4/ 34؛ وشرح التصريح 1/ 398؛ والمقاصد النحوية 3/ 242؛ وبلا نسبة في الخصائص 2/ 432؛ وهمع الهوامع 1/ 251.

ج / 2 ص -299-        ....................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجوب التأخير لما فيه من الإخلال بالأصل. أما غير المتصرف فبالإجماع. وأما قوله:
525-

ونارنا لم يُرَ نارًا مثلها

فضرورة. وقيل الرؤية قلبية ونارًا مفعول ثان "والفعل ذو التصريف نزرًا سبق" هو مبني للمفعول، ونزرًا حال من الضمير المستتر فيه النائب عن الفاعل أي مجيء عامل التمييز الذي هو فعل متصرف مسبوقًا بالتمييز نزر أي قليل. من ذلك قوله:
526-

أنفسًا تطيب بنيل المنى                      وداعي المنون ينادي جهارا

وقوله:
527-

وما  كان نفسًا بالفراق تطيب

وقوله:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقول الأصل عدم الخروج عن الأصل. قوله: "ونارنا إلخ" فنارا تمييز وهو مقدم على عامله وهو مثلها لأنه تمييز مفرد. قوله: "ونزرا حال إلخ" قال سم فيه نظر والوجه كونه مفعولا مطلقا أي سبقا نزرا. ا. هـ. ووجه النظر أن جعله حالا من ضمير سبق يقتضي أن النظر وصف للفعل مع أنه وصف للتقديم عليه هذا ما ظهر لي وهو أدق من توجيه شيخنا النظر بأن وقوع المصدر حالا سماعي. قوله: "وما كان نفسا" كان زائدة وضمير تطيب يرجع إلى ليلى في صدر البيت وهو:

أتهجر ليلى بالفراق حبيبها


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
525- عجزه:

قد علمت ذاك معد كلها

والرجز بلا نسبة في المقاصد النحوية 3/ 239.
526- البيت من المتقارب، وهو لرجل من طيئ في شرح التصريح 1/ 400؛ وشرح عمدة الحافظ ص477؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 372؛ وشرح شواهد المغني 2/ 862؛ ومغني اللبيب 2/ 462؛ والمقاصد النحوية 3/ 241.
527- صدره:

أتهجر ليلى بالفراق حبيبها

والبيت من الطويل، وهو للمخبل السعدي في ديوانه ص290؛ والخصائص 2/ 384؛ ولسان العرب 1/ 290 "حبب"؛ وللمخبل السعدي أو لأعشى همدان أو لقيس بن الملوح في الدرر 4/ 36؛ والمقاصد النحوية 3/ 235؛ وللمخبل السعدي أو لقيس بن معاذ في شرح شواهد الإيضاح ص188؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص197؛ والإنصاف ص828؛ وشرح ديوانه الحماسة للمرزوقي ص1330؛ وشرح ابن عقبل ص348؛ وشرح المفصل 2/ 74؛ والمقتضب 3/ 36، 37؛ وهمع الهوامع 1/ 252.

 

ج / 2 ص -300-        ....................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
528-

ضيعت حزمي في إبعادي الأملا               وما ارعويت وشيبًا رأسي اشتعلا

وأجاز الكسائي والمازني والمبرد والجرمي القياس عليه محتجين بما ذكر، وقياسًا على غيره من الفضلات المنصوة بفعل متصرف. ووافقهم الناظم في غير هذا الكتاب.
تنبيهان: الأول مما استدل به الناظم على الجواز قوله:
529-

رددت بمثل السيد نهد مقلص                    كميش إذا عطفاه ماء تحلبا

وقوله:
530-

إذا المرء عينا قر بالعيش مثريًا                 ولم يعن بالإحسان كان مذمما

وهو سهو منه؛ لأن عطفاه والمرء مرفوعان بمحذوف يفسره المذكور، والناصب للتمييز هو المحذوف. الثاني أجمعوا على منع التقديم في نحو كفى بزيد رجلًا؛ لأن كفى وإن كان فعلًا متصرفًا إلا أنه في معنى غير المتصرف، وهو فعل التعجب؛ لأن معناه ما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ضيعت حزمي إلخ" الحزم ضبط الأمور وإتقانها والاروعاء الانزجار. قوله: "بما ذكر" أي من الأبيات. وأجيب بأنه ضرورة. قوله: "وقياسا على غيره من الفضلات" أجيب بالفرق فإن تقديم التمييز مخلّ بالغرض السابق من التأخير بخلاف غيره من الفضلات قاله الدماميني، ويرد عليه أن توسط التمييز أيضا مخل بالعرض مع أنه جائز فتدبر. قوله: "رددت بمثل السيد" أي بفرس مثل السيد بكسر السين أي الذئب. نهد بفتح النون أي ضخم مقلص بكسر اللام المشددة أي طويل القوائم، كميش بكاف مفتوحة فميم مكسورة فتحتية ساكنة فشين معجمة أي سريع العدو والثلاثة صفات لمثل. والشاهد في ماء حيث قدمه على عامله، وهو تحلبا أي سال. قوله: "عينا قر" قال في القاموس: قرت عينه تقر بالكسر والفتح قرة وقد تضم وقرورًا: بردت وانقطع بكاؤها، أو رأت ما كانت متشوّقة إليه. ا. هـ. ومثريا حال أي كثير المال كما في القاموس وتفسير البعض له بمعطيًا لا يوافق اللغة ولا يناسب البيت. قوله: "وهو سهو منه إلخ"، نظر فيه سم بأن عطفاه والمرء عند الناظم مبتدآن ففي التسهيل: وقد تغنى ابتدائية اسم بعد إذا عن تقدير فعل. ا. هـ. فكان الأولى أن يقول بدل قوله وهو سهو ولا يصلحان للاستدلال لاحتمال أن يكون عطفاه، والمرء مرفوعين بفعل محذوف وقد يدفع النظر بأن التعبير بالسهو نظرًا إلى قوله في الخلاصة:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
528- البيت من البسيط، وهو بلا نسبة في شرح شواهد المغني 2/ 861؛ وشرح ابن عقيل ص348؛ وشرح عمدة الحافظ ص478؛ ومغني اللبيب 2/ 462؛ والمقاصد النحوية 3/ 24.
529- البيت من الطويل، وهو لربيعة بن مقروم في شرح شواهد المغني ص860؛ وشرح عمدة الحافظ ص477؛ والمقاصد النحوية 3/ 229؛ وبلا نسبة في مغني اللبيب ص462.
530- البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في مغني اللبيب 2/ 462.

 

ج / 2 ص -301-        ....................................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أكفاه رجلًا.
خاتمة: يتفق الحال والتمييز في خمسة أمور، ويفترقان في سبعة أمور فأما أمور الاتفاق فإنهما: اسمان نكرتان فضلتان منصوبتان رافعتان للإبهام. وأما أمور الافتراق فالأول: أن الحال تجيء جملة وظرفًا ومجرورًا كما مر والتمييز لا يكون إلا اسمًا. الثاني أن الحال قد يتوقف معنى الكلام عليها كما عرفت في أول باب الحال، ولا كذلك التمييز. الثالث في الحال مبينة للهيئات والتمييز مبين للذوات. الرابع أن الحال تتعدد كما عرفت بخلاف التمييز. الخامس أن الحال تتقدم على عاملها إذا كان فعلًا أو وصفًا يشبهه، ولا يجوز ذلك في التمييز على الصحيح. السادس أن حق الحال الاشتقاق وحق التمييز الجمود، وقد يتعاكسان، فتأتي الحال جامدة كهذا مالك ذهبًا، ويأتي التمييز مشتقًا نحو لله دره فارسًا، وقد مر السابع الحال تأتي مؤكدة لعاملها بخلاف التمييز، فأما قوله تعالى:
{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36]، فشهرًا مؤكد لما فهم إن عدة الشهور، وأما بالنسبة إلى عامله وهو اثنا عشر فمبين، وأما إجازة المبرد ومن وافقه نعم الرجل رجلًا زيد فمردودة. وأما قوله:
531-

تزود مثل زاد أبيك فينا                           فنعم الزاد زاد أبيك زادا

فالصحيح أن زادًا معمول لتزود: إما مفعول مطلق أن أريد به التزود، أو مفعول به إن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وألزوا إذا إضافة إلى جمل الأفعال. قوله: "ولا كذلك التمييز" ممنوع فقد يتوقف معنى الكلام على التمييز نحو ما طاب زيد إلا نفسًا. شمني. قوله: "مبينة للهيآت" ليس المراد بالهيئة الصورة المحسوسة كما يتبادر منها، وإلا خرج نحو تكلم صادقًا، ولا يرد جاء زيد والشمس طالعة؛ لأنه في معنى جاء مقارنًا لطلوعها فالحال فيه بحسب التأويل مبينة للصفة. قاله الدماميني. قوله: "مبين للذوات" أي أو النسب ليوافق ما مشى عليه سابقًا، وإن التزم ابن الحاجب أن تمييز النسبة أيضًا في الحقيقة تمييز لذات مقدرة كما مر بيانه. قوله: "بخلاف التمييز" أي فإنه لا يتعدد أي بدون عطف أما بالعطف فيجوز أن يتعدد. قوله: "لعامله" أي مع قطع النظر عما أخبر عنه بهذا العامل. قوله: "فمردودة"؛ لأن الإبهام قد ارتفع بظهور الفاعل فلا حاجة للتمييز. قوله: "إما مفعول مطلق إلخ"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
531- البيت من الوافر، وهو لجرير في خزانة الأدب 9/ 394، 399؛ والخصائص 1/ 83، 396؛ والدرر 5/ 210؛ وشرح شواهد الإيضاح ص109؛ وشرح شواهد المغني ص57؛ وشرح المفصل 7/ 132؛ ولسان العرب 3/ 198 "زود"؛ والمقاصد النحوية 4/ 30؛ وبلا نسبة في شرح شواهد المغني ص862؛ وشرح ابن عقيل ص456؛ ومغني اللبيب ص462؛ والمقتضب 2/ 150.