رسالة الملائكة القول في إياك
أما موضع الكاف فهو عارف بما قال للناس فيه والذي اعتقده مذهب الخليل
وان الكاف في موضع جر لآنا وجدنا هذه اللفظة لا تنفرد بنفسها في حال
وانما هي مضافة إلى الظاهر أو المضمور وليست كافها مناسبة لكاف ذاك
والنجاك ورويدك وأرأيتك لان هذه حروف تنفرد فيقال ذا ورويد والنجا
وأرأيت ويقال إن في مصحف ابن مسعود كافا زائدة في الخط في كل أرأيت في
القرآن مثل قوله عز وجل أرأيت الذي يكذب بالدين وقوله أرأيت إن كذب
وتولى وهو يروي قول الهذلي
رويد علياء جد ما ثدي أمهم ... الينا ولكن ودهم متماين
وقول الراجز:
إذا أخذت النهب فالجا النجا ... أخشى عليك طالبا سفنجا
فانفراد هذه الأشياء دل على إن مجيىء الكاف بعدها إذا كانت غير واقعة
موقع المعربات إنما هو للمخاطبة وأما وزن إيا فان المتقدمين الذين
وضعوا أحكام التصريف وزنوا الأفعال والأسماء بالفاء والعين واللام
فجعلوهن أصولا في الأوزان ولم يحتاجوا في الثلاثي إلى غيرهن فلما جازوا
الثلثة رأوا إن يكرروا أإلام وكانوا في تكريرها مضطرين وذلك اصطلاح وقع
بين أهل القياس لأنهم إذا قالوا وزن جمل فعل ووزن جذع فعل لم يحتاجوا
إلى غير الحروف الثلاثة فإذا وزنوا جعفرا ونحوه ضاقت الثلاثة إن تسعه
فلزمهم إن يجيئوا بحرف رابع فكرهوا إن يجعلوه فاء من الفعل أو عينا
فيجيئوا ببناء مستنكر فأضافوا إلى اللام مثلها لأنه قد ورد مثل ذلك في
الملحقة من الأسماء الأفعال كقولهم قردد وشملل في مشيته.
والذي عليه المتقدمون إلا يزنوا الحروف التي جاءت لمعنى ولا الأسماء
المضمرة لأنها لا تشتق فيحكم عليها بالحذف والسلامة من الزوائد أو
كونها من المزيدات ولو قال قائل ما وزن إن وهو الأمر من آن يؤون أي رفق
في السير لقيل وزنه فل ولأصله أفعل لأنه من باب قتل يقتل ولكن الهمزة
لما تحركت في يؤون بحركة الواو استغنوا عن ذلك دخول ألف الوصل إذ كانت
تدخل لسكون ما بعدها وحذفت الواو لأنها ساكنة لقيتها لام الفعل بعد إن
سكنها حكم الأمر ولو نطق بذلك على الأصل لقيل أوون بواوين الأولى منهما
كانت همزة فجعلت واواً كراهة إن تلتقي همزتان كما فعل بالهمزة الثائية
في قولك اوتمن لأن الواو والياء إذا كانتا بدلا من الهمزة خرجتا من حكم
القلب ألا ترى انك إذا أمرت من أوى يأوي قلت إيو فلم تقلب وكذلك قالوا
روية فجعلوا الهمزة واوا ومن قال رية في رؤية الزمه القياس إن يقول أو
فيدغم وهذا النوع لم ينطق بمثله ولم يستعمل شيء منه على التمام.
ولو قال قائل ما وزن أنا من قولك أنا خير منك لم يجب إن يمثل له ذلك
بالفعل إذ كانت هذه كلمة موضوعة بغير اشتقاق ولا يجوز إن يوزن إلا إن
يكره على ذلك مجبر وكذلك أنت وهو وهي وما جرى مجراهن لما لم ينطق منهن
بفعل وجب ألا يجرين مجرى زيد وعمر قال وضرب.
والناس في الاشتقاق فرقتان فطائفة تقول إن الأسماء والأفعال كلها مشتقة
وطائفة تذهب إلى إن بعفض الأسماء مشتق وبعضها ليس بمشتق فأما الأفعال
فيلزم أصحاب القياس اشتقاقها كلها من اسماء الفاعلين ومن المصادر واما
الأسماء فبعضها مشقق من بعض ومن زعم ان الأسماء قبل الأفعال لزمه إلا
يجعل اسما مشتقاً من فعل على إن أهل هذا الشأن يسامحون بالعبارة في
ذلك.
(/)
واختلف المتأخرون في اشتقاق الحروف فقال
بعضهم الحروف لا تشتق وقال آخرون بل لها اشتقاق وانما ينبغي إن يطلق
هذا على ما عدده منها ثلاثة أحرف فما زاد، فأما ما عدده حرفان أو هو
حرف واحد لا ينفرد فلا يمكن في ذلك إلا إن يحكموا على الحرف بعد أخراجه
من الباب فيقولون إذا سمينا الرجل بمن الخافضة ثم صغرناه فلا بد إن زيد
فيه حرفا كما فعلنا بدم ويدٍ في التصغير فإذا قلنا في تحقير من بعد
التسمية بها مني ومنين وجب إن يقال وزن من فع ووزن كم على هذا فع ووزن
رب فعل فإذا خففت فوزنها، فع وأسماء الأضمار جرت عندهم مجرى الحروف
المفردة في أنها لا توزن ولو فعلنا بأنا ما فعلنا بمن لجاز إن نقول
وزنه فعل إلا إن ذلك خروج من الباب ومن قال مثل هذا في أنا لزمه إن
يقول إن أنت وزنه فعت لأن التاء إنما دخلت للمخاطبة وقد يجوز إذا
أخرجنا أنا من الباب إن يقال وزنها فعى لأن بعض العرب قد قال إن بسكون
النون في معنى أنا وهذا ما لا يصح حتى يخرج الحرف من الباب كما إن
قائلا إذا قال لك ما وزن قد في قولك قد قام فلان لم يصح إن شت فها له
حتى تخرجها من الباب فيضطرك إلى زيادة فيها تصغير أو جمع فأما اسماه
الأضمار فجنسان متصلة ومنفصلة فالتاء في ضربت ليس لمدع إن يدعي أنها
فاء من الفعل ولا عين ولا لام ولا أنها أخذت من لفظ آخر فجعلت في هذا
الموضع، وكذلك أنا وأنت ما داما في باب الاضمار فلا يجوز إن يحكم
عليهما بوزن كما لا يحكم إن تاء المتكلم هي التاء التي تلحق المضارع من
ذوات الأربعة لأنها مضمومة ولا إن تاء المخاطب هي التاء التي تلحق
المضارع المفتوح الأول لأنها مفتوحة وكان واجبا في حكم القياس إن يكون
المنفصل من المضمرات بمنزلة المتصل لأنهم توصلوا إلى انفصاله بأن جعلوا
عدته اكثر من عدة المتصل وليس مواففقه قولهم أنا لفظ أني بأني وما كان
نحوه بدليل على انه مشتق وكذلك قولهم أنت مشابه قولهم أنت من الأنيت
وهو نحوه الطحير والضمير المنصوب جار مجرى المرفوع، فالكاف في ضربتك لا
يجوز أن يحكم عليها بوزن ولا بأنها مأخوذة من شيء وإياك جاريية مجراها
إلا أن إياك مركبة من شيئين والكاف في ضربتك حرف واحد يسكن في الوقف
ويحرك في الوصل فإذا سكن فهو شيء واحد وإذا تحرك فهو شيئان حرف واحد
وحركة واحد الشئين الذين ركبت منهما اياك هو الكاف وحكمها في بنيتها لا
في موضعها حكم الكاف في ضربتك والشيء الآخر إيا وعددها أربعة احرف لان
فيها تشديداً يحكم على الحرف بانه اثنان وقد خالفت المضمرات في الطول
وذلك إنها لم تبلغ هذه العدة تقول هو فتجيىء بها على حرفين واللغة
الفصحى تحريك الواو ومن العرب من، يسكن الواو كما قال النظار الأسدي:
كأنما هو حبشي ماثل ... عار عليه من تلاد هدمان
ولما طال الشيء قرب من الاشتقاق اعني من هذه الحروف التي وضعت للاضمار
ولا أمنع إن يشذ شيىء من ذلك فأما اياك فخلافهم قد وضح ومن زعم إن
الكاف لا موضع لها كانت على قياس رأيه ابعد من الاشتقاق والوزن لأنها
أشد تحققاً بالمضمرات اذ كان المضمر لم تجر عادته إن يضاف ومن زعم إن
اياك مضافة فللسائل إن يسسأله عن اشتقاقها كما يسأله عن اشتقاق معزى
ووزنها إذا قال معزاك والألفاظ تتقارب وتتفق في السمع وهي مختلفة في
المعنى والوزن وليس ذلك في كل الألفاظ وانما هو في بعض دون بعض فإذا
جرى الكلام في وزن ايا قال القائل يجوز أن يكون على فعلى وألفها
للتأنيث أو فعلى وألفها للالحاق أو إفعل في وزن أصبع ثم يكون القياس
مسلطاً بعد ذلك على اختيار أحد هذه الوجوه تسويته بينها في القوة.
فمن قال إن ايا فعلى وألفها للتأنيث فانها تحتمل نوعين من الاشتقاق
إحداهما إن تكون من اوى إلى المنزل وتكون من قوولهم أويت له أي رققت
فإذا كان من اويت إلى المنزل جاز إن يعنى بها النفس التي تأوي إلى
الجسد وجاز إن بها الجثة التي تأوي إلى الجسد وجاز إن يعني بها الجثة
التي تأوي نفس الانسان اليها وتكون من الباب الذي يسمى فيه الشيء
بتسمية ما صاحبه أو جاوره كما يقال للاناء كاس وللخمر كاس وظعينة للهوج
وظعينة للمرأة وكما سميت المرأة بيتاً لأنها في البيت تكون قال الشاعر:
هنيئاُ لأرباب البيوت بيونهم ... وللعرب المسكين ما يتلمس
(/)
فأصل إيا على هذا القول إويا فقلبت الواو
ياء لسكونها وانكسار ما قبلها كما قلبت في قيل وعيد واد غمت في الياء
التي بعدها ولو بنيت من طويت اسماً على مثال فعلى لقلت طيا وكذلك من
غويتُ ورويت غياً ورياً ولا يمتنع إن تكون إيا في الأصل فعل فيكون
أصلها أويا إلا انهم لما قلبوا الواو إلى الياء لسكونها اختاروا الكسرة
وهذا على قياس قولهم قرونٌ لي في جميع قرن ألوى فيضمون اللام على الأصل
ويكسرونها من أجل الياء كما إنك لو بنيت اسماً على فُعل من طويتُ لجاز
إن تقول طُي الأصل وطي فتكسر.
وذكر المازني انك لو بنيت اسماً على فُعل من جاء يجيىء لقلت جيىء فان
خففت الهمزة جاز لك إن تضم وتكسر فتقول جي وجي هذه على قياس قول الخليل
وسيبويه فأما سعيد بن مسعدة فانه إذا بني اسماً على فُعل من ذوات الياء
قلبها إلى الواو في الواحد دون الجمع فيقول في فعل من البيع به بوع
ومعيشه عنده مفعلة لا غير وهي عند الخليل وسيبوية مفعلة ولا يمتنع إن
تكون مفعلة وسعيد بن مسعدة يذهب إلى إنه لو بني من العيش مثل مفعلة
لقال معوشة ومن ذهب إلى هذا الرأي أجاز إن تكون مؤونة مفعلة من الأين
ومضوفة مفعلة من ضاف يضيف في قول الهذلي:
وكنت إذا جاري دعا لمضوفة ... أشمرُ حتى ينصف الساق مئزري
فاما قول العجاج:
وقد نُرى إذ الحياة حيوإذ زمانُ الناس دغفلي فالحي الحياة والمعنى اذ
الحياة حياة كما تقول إذ الناس ناس ويجوز إن يكون حي على فعلٍ أو على
فُعل ثم كسرت الحاء لأجل الياء وكان الفراء يزعم إن الحي جمع حياة على
حد قولهم خشبة وخشب وأكمة وأكم وساحة وسوح وكان يجيز الضم في الحاء كما
قالوا قرون لي على الأصل ولي لأجل الياء.
والوجه الآخر في إشتقاق أيا إن يكون من همزة وياءين فيكون أصلها من أصل
اية والآية العلامة والشخص، ويقال خرج القوم بآيتهم أي علامتهم
وجماعتهم. قال البرج بن مسهر:
خرجنا من النقبين لا حي مثلنا ... بآيتنا نزجي العتاق المطافلا
وذلك راجع إلى العلامة لأن جماعة الشيء هي التي بها حقيقته وقيل للشخص
آية لأنه الذي يعلم به حقيقة الإنسان، وقالوا تأييت بالمكان مثل تمكثت
والمعنى أني غادرت به علامة بنفسي وأظهرت فيه آيتي أي شخصي قال الكميت:
قف بالديار وقوف زائر ... وتأي إنك غير صاغر
وقالوا تآييت الشيء إذا تعمدت آيته قال لبيد:
فتآيا بطرير مرهف ... جفرة المحزم منه فسعل
فيكون معنى إياها هنا المعنى الأول معنى الشخص والحقيقة راجح إلى
المعنى الأول فإذا قلت اياك أردت فالمعنى حقيقتك طلبت، لأن شخص الإنسان
حقيقته ويجوز إذا قيل إن مركبة من همزة وياءين أن يكون اشتقاقها من
أياة الشمس وأيائها وهو ضوءها فيراد باءيا النفس التي بها ضياء الجسد
ومتى خلا منها ذهب حسنه ونضارته قال الاءيادي:
حلت عليه إياة الشمس أوراقا
(/)
أياة الشمس راجع إلى اشتقاق الآية لأن نور
الشمس علامة لها ولا يحكم على أن إياة الشمس مأخوذ من همزة وواو وياء
لأنها لو كانت كذلك وجب أن تصح الواو لعلة الياء إذا كانوا لا يجمعون
بين علة العين واللام ولذلك قالوا قوي وروي فأصحوا الواو ولم يصحوها في
خاف وبابه لأنهم وجدوا الياء معتلة في المضارع إذ قالوا يقوى ويروى فلو
عللوا الواو لخرجوا عن القياس ولا تجعل اياة الشمس مأخوذاً من همزة
وياء وواو لأنه مفقود في كلامهم الياء بهدها الواو فأما حيوة وحيوان
فمن الشاذ ولا تحمل الأشياء على ماشذ، ولكن تُحمل على ما كثر ولا يمتنع
في هذا الباب إن تكون إيا فعلى بالضم على ما تقدم ويقوي ذلك زعم سيبويه
إن ضيزى فعلى بضم الفاء وانهم فروا إلى الكسرة لتصح الياء وكذلك قال
بعضهم الضوقي في معنى الضوقي وقرأ مكوزة الأعرابي طيبى لهم وحسن مآب
فإذا جعلت ألف إيا للالحاق لم يمتنع أن يدعى فيها الضم فتكون مثل بهمي
لأن إذا صح قول العرب بهماة جعلت من الملحقات، ولم يثبت ذلك، وقال
بعضهم البهمي واحد وجمع فالألف عنده للتأنيث لأن فعلى بناء غلب على
المؤنث وليس بجار مجرى ارطاة وعلقاة لأن الإلحاق كثر في فعلى وحكى
المازني انه سمع أبا عبيدة يقول ما اكذب النحويين يزعمون أن التأنيث لا
يدخل على التأنيث وأنا سمعت رؤبة بن العجاج يقول علقاة يعني الواحدة من
العلقى وهو ضرب من الشجر مر ينبت في الرمل، قال الشاعر يخاطب جمله:
فمت كمداً أو كل على غير شهوة ... أفانين علقى مرة بأميل
الأميل رمل يتعقد ويستطيل فيكون أميالا وربما كان مسيرة يومين أو ثلاثة
وليس ما ذهب أبو عبيدة إليه مبطلا مذهب النحويين لان من قال علقاة
بالهاء جعل الألف لغير التأنيث فلا يلزمهم ما قال.
وإذا جعلت إيا على وزن اصبع وجب فيها من الاشتقاق ما وجب فيما قبلها
إلا إن أحكامها مختلفة والقول الذي ذهب فيها أقوى لأنا إذا جعلناها على
إفعل وجعلناها من أوى احتجنا إلى الجمع بين همزتين فتبدل، الثانية ياء
وإذا أبدلت المهزة كان القياس ألا تدغم لأنهم قالوا في الأمر من أوى
يأوي أبو فلم يدغموا وكذلك قال أكثر العرب روية لما خففوا رؤية فلم
يدغموا وقد قال بعضهم رُيَّةٌ في رؤية ورؤية أيضاً فكسروا لأجل الياء
فيكون اصل ايا إذا كانت على إفعل من أوى إئوى فجعلت الهمزة الثانية ياء
بإجماع من العرب وأهل القياس ثم بقيت الياء المبدلة واواً لازمة وهما
في كلمة واحدة فقلبت وان كان أصلها غير ذلك كما قلبوا في مصدر احواويت،
فقالوا احوياء والأصل احويواء وكان يجب ألا تدغم هذه الياء كما لم تدغم
الواو في سوير وبويع ولكن لما بنيت في المصدر وهو جار مجرى الأسماء كان
القلب فيها أولى وقصد ذكر السيرا في أن قوما من النحويين لا يدغمون في
مصدر احواويت لأجل العلة الماضية والقول الأول أكثر، ولو قال قائل في
أفعل من أويت ايوي فلم يدغم لكان قد ذهب مذهبا، إلا أن النحويين ذكروا
أنك إذا بنيت من أوى مثل إوزة قلت إياة فدل ذلك على انهم يرون إدغام
الياء التي كانت همزة واوزة عندهم إفعلة واستدلوا على أن الهمزة زائدة
بقولهم وز وإذا قيل إن إيا على مثال اصبع وأنها مأخوذة من همزة وياءين
اجتمعت فيها الهمزتان أولا فجعلت الهمزة الثانية ياء وكان الإدغام
واجباً لأن المثلين التقيا.
ولمدع إن يدعي إن ايا جائز إن يكون من الوأى من قولك فرس وأى وقد
اختلفوا في معناه فقيل المجتمع الخلق المقتدرة وقيل هو الطويل وقال
أصحاب الاشتقاق الوأى الذي إذا نظرت إليه ذلك على أنه قوي وشديد الجري
كأنه مأخوذ من وأيت أي وعدت أي هو يعد الجري فيكون أصله ايأي وخففت
الهمزة الثانية تخفيفاً لازماً كما خفقت في ذرية ونبي لان من كلامهم إن
يتركوا الشيء الذي هو أصل في الكلمة فلا يستعملوه كما رفضوا همزة
الخابية وهي من خبأت وكما قالوا يرى فلم يستعملوا همزة إلا عند ضرورة
كما قال الشاعر:
لما استبد بهم شيحان مبتجج ... بالبين عنك بهم يرآك شأنا
الشيحان المجد في الأمور شآن فعال من الشأن من قولك شأن شأنة إذا فعل
فعلة وإنما يذكر مثل هذا لأنه يجوز إن يقال والذي مضى في أول الاشتقاق
هو القياس.
(/)
وأما ما ذكره أبو عبد الله بن خالويه رحمه
الله في إيا فقول يشبه أقوال النحويين إلا أنه يلزمه مثل ذاك في جميع
ما ينطق به من الكلام لان القائل لو قال أمل أرطى راء ساكنة فلم يمكن
النطق بها فأضافوا إليها طاء وزادوا في أولها الهمزة لسكونها وزادوا
الألف في آخرها لبعد الصوت لكان مثل ما قيل في أيا وأصل النطق والله
اعلم الهام سبق من الله سبحانه لأول الناطقين فقال القائل من العجم
والعرب على حسب ما رُكب فيه وهو غير عالم بما نطق ولا منتقل في ذلك من
رتبة إلى رتبة فكان القائل في أول البدء قام وجلس إنما هو كالغراب إذا
نعب وكالفرس إذا صهل وإنما الفائدة فيما شرحه النحويون الدلالة على
قدرة الله سبحانه لا أن ذلك وقع من العرب باعتماد، ومثل ذلك مثل
الأعضاء التي يذكرالاطباء حالها في الشرح فتدل على قدرة من الله عظيمة
والرجل يولد له الولد وهو جاهل بذلك كله وأما المطالبة بان تكون الهمزة
إذا كان الامر على ما ذكره أبو عبد الله همزة وصل فلا تلزم بوجه لأنه
ليس سكون الأول من الأصول علة لاجتلابهم ألف الوصل في كل السواكن باط
قد يزيدون ألف الوصل تارة والف القطع اخرى والهمزة المقطوعة في الأسماء
التي ليست جارية على الأفعال اكثر من همزة الوصل إذ كانت الهمزة
الموصولة دخلت على أسماء معدودة وهمزة القطع لحقت أسماء لا يدركها
العدد فافتنوا فيها بالحركات الضمة والفتحة والكسرة فقالوا في المضمومة
أبلم واترج واسلوب وأسكوب فقالوا في المفتوحة أفكل وأيدع واحمر وأصفر
والمكسورة نحو إصبع وإسنام وهو ضرب من الشجر فأوائل هذه الأسماء كلها
إذا أخذ منه الأصلي ساكن وقد لحقها همزة القطع ولم يضنوا في ألف الوصل
كافتنانهم في هذه الهمزة لأنها أمكن وأقوى وليس كل اسم سقط من آخره حرف
أو من أوسطه تزاد فيه ألف الوصل ولم تجيء مضمومة في الأسماء غير
المتمكنة على أن أهل اللغة حكى بعضهم أسم في اسم فان صح ذلك فهو شاذ
وهذه الهمزات المقطوعات كلها زوائد منها ما يستدل على زيادته بالاشتقاق
ومنها ما يحكم عليه بغلبة الباب مثل أفكل يحكم على همزته بالزيادة لأن
العادة جرت بأن يجيء هذا الباب كله مزيدا في أوله ووضحت شواهد ذلك من
الاشتقاق، فدل قولهم الحمرة والحمر على إن همزة أحمر زائد وحكموا على
إن همزة افكل كذلك لأنهم الحقوه بالباب المطرد وان كانوا لم يقولوا
الفكل ولا الفكل ولم يصرفوا منه الفعل فيقولوا فكل وجرى الإصلاح فيما
سمع من كلامهم على أن الفات الوصل لا تدخل على الأسماء التي ليست جارية
على الأفعال حتى تكون نواقص من أواخرها ولم يشذ ذلك فيها إلا في قولهم
ايمن على رأي البصريين لأنه اسم لم يحذف من آخره شيء إلا انه قليل
التمكن في بابه وهمزات القطع ليست كذاك لأنها تدخل على ذوات الثلاثة
كثيرا فربما لم يكن في الاسم زائد غيرها وربما كان معها زيادة أخرى نحو
قولهم إمليس وأملود وهاتان الهمزتان الزائدتان للقطع والوصل دخلتنا على
الأسماء والأفعال الحروف.
فأما ألف القطع فإنها دخلت على الأسماء الموضوعة اكثر من دخولها على
الأسماء الجارية على الفعل إذ كانت لا توجد في القسم الفاعل وإنما توجد
في ضرب واحد من المصادر وهو مصدر افعل مثل الإكرام والإحسان وإما
الأفعال فإنها دخلت فيها إذا أراد المخبر أن يخبر عن نفسه وعم بذلك
جميع أصناف الفعل ثلاثية ورباعية وما كان منه بزيادة أو متعريا من
الزيادة ودخلت في الحرب في مثل إن الخفيفة التي تجزم وأن التي تنصب
الفعل وغيرهما من الحروف.
(/)
وأما همزة الوصل فدخلت على صنوف الكلام
الثلاثة فأما الأسماء فكان دخولها في المصادر منها كثيرا وذلك أنها
لحقت ثلاثة أصناف من أصناف من المصادر. فالصنف الأول مصدر ما أصله
ثلاثة وهو ثمانية أبنية إلا أنه مزيد فيه وذلك انفعل وافتعل واستفعل
وافعوْعل وافعوَّل وأفعنلى وافعل وأفعال وتاسع ملحق هو افعنلل وافعنلى
ملحق أيضاً والصنف الثاني ما كان من بنات الأربعة وهو بنا آن افعلل مثل
اقشعرو افعنلل مثل احر نجم، والصنف الثالث همزة وصل تلحق مصدر تفاعلت
وتفعلت وتفعللت وما زيدت فيه هذه التاء وبعدها حرف يصلح أن يدغم فتقول
تدحرج تدحرجا وتطير تطيراً وتثاقل تثاقلا فإذا أدغمت هذه التاء فيما
بعدها لحقت همزة الوصل ضرورة، وفي الكتاب الزيز قالوا اطير نابك وبمن
معك وقوله اثاقلتم إلى الأرض فإنما الأصل تطيرتا وتثاقلتم فإذا اردت أن
تنطق بمصدر اطيرنا وبابه فلك فيه وجهان أحدهما أن تجيء به على لفظ
التطير فتقول اطير إطرا واثاقل اثاقلا وكذلك حكي عن العرب أنها تقول
اطوفتُ بالبيت اطوافا وأثاقلت اثقاقلاً والآخر أن تبنيه على التفعال
لان من العرب ما يقول: تطيرت تطيارا أو تفرق القوم تفراقا وعلى هذا
يروى بيت تأبط شراً:
طيف ابنة الحر إذ كنا نواصلها ... ثم اجتنبت بها بعد التفراقو
وقال أبو زبيد الطائي:
فثار الزاجرون فزاد منم ... تقراباً وصادفهُ ضبيس
فتقول على هذا في مصدر اطير واثاقل اطيار واثيفقال وان كان اثاقلت ليس
على وزن اطيرت ولكنهما يتساويان في المصادر ووزن اثيقال اتفيعال ووزن
اطيار اتفعال وأما الأفعال فإن ألف الوصل كثرت فيهن لأنها دخلت في
الأمر بالثلاثية وهي أفعال هذه المصدر التي تقدم ذكرها، وأما الحروف
فأن ألف الوصل لحقت لام التعريف لا ضير فقالوا الرجل والاحمر وإذا تحرك
ما بعد ألف الوصل فسقوطها هو الوجه إلا انهم قالوا إذا القوا حركة
الهمزه على لام التعريف الحمر فاثبتوا لما كانت الحركة ليست أصلا وانما
هي منقولة من حرف إلى حرف وقد قال بعضهم لحمر فحذفوا الهمزتين همزة
الوصل همزة القطع وعلى هذا تجمل قراءة أبي عمرو عاداً لولى إنما هي
الأولى فلما حركت اللام بحركة الهمزة سقطت همزة الوصل وقولوا قالوا
الآن جئت بالحق وما كان مثله يجوز فيه قالوا لان باظهار الواو وقالوا
لان بحذفها فمن أثبتها كانت حجته انها حذفت لا لتقاء الساكنين فلما
تحرك الساكن الذي حذفت للقائه وجب إن تثبت ومن حذفها فحجته أن الكلام
بقي على حاله من قبل نقل حركة الهمزة إلى اللام ومن هذا الباب بيت
أنشده الرماني:
وقد كنت تخفي حب سمراء حقبة ... فبح لان منها بالذي أنت بائح
وقرأ بعض الاعراب هياك نعبد فهدا أبدل الهاء من الهمزة كما قالوا أما
والله وهما والله وهرقت الماء وأرقت وأنشد الكسائي في كتابه في القرآن:
وأنت صواحبها فقلن هذا الذيمنح المودة غيرنا وجفانا يريد إذا الذي فجعل
همزة الاستفهام هاء واحكام هياك في الاشتقاق والهمزة مثل أحكام إياك
لان الهاء مبدلة من الهمزة إلا ان من قال ي إيا هي افعل لزمه ان يقول
إذا ابدل الهمزة وزنها هفعل لان النحويين يمثلون حروف الزوائد على
جهاتها فيقولون وزن عثمان فعلان فيزيدون الألف والنون لأنها زائدتان في
عثمان وهفعل بناء مستنكر وقد ادعى بعض الناس ان قولهم في صفة الكلب
هبلع على وزن وانه مشتق من البلع وليس يثبت مثل هذا.
ولوا زعم زاعم ان هياك بناء آخر وان الهاء غير مبدلة من الهمزة لجاز ان
يكون اشتقاقه من الهوى الذي هو هدي النفس ومن الهواء الذي هو هواء
الجو. لان الفعل من ذلك هَوي وهَوِىَ فان بني منه فعلى أو فعلى فانك
تقول هيا وهيا ويجز ان تكسر الهاء لجوار الياء كما كسرتها في قولك حي
بالمكان أي حي فيه ويجوز أن يكون قولهم هويت وهويت مأخوذاً من الهوة
فيكون أصله من وواين إلا انهم كرهوا اجتماعهما اذ كانوا لا يقولون هووت
وثقل عليهم في التثنية أن يقولوا هو وان فقلبوه إلى الياء وليس لقائل
أن يكون هياك إذا كانت للمضمر من لفظ هو وهي لان ذينك وضعا للمرفوعات
وليس تشديد من شددهما بحجة على هذا القول لان من العرب من يقال هوَّ
وهيَّ فيشدد قال طرفة:
وكاين ترى من يلمعي محظرب ... وليس له عند العزائم جول
(/)
ومن مرثعن في الأمورموا كل ... وهو بسمل المعظلات نبيل
ويروى إذا اشتد الزمان نبيل وبعضهم ينشد بيت طفيل بالتشديد
إذهي أحوى من الربعي حاجبه ... والعين بالاثماد الحاري مكحول
والتخفيف في بيت طفيل أجود وأكثر.
ومن ادعى ان اياك جائز ان تكون من وايت وجعلها فعلى مع ذلك فانه يقول
اصلها وئياك فجعلت الهمزة ياء وجعلت الواو المكسورة في أولها همزة لأن
العرب يفعلون ذلك كثيرا فيقولون وساد وإساد، ووشاح واشاح فزعم الجرمي
انه مسموع وزغم المارني انه مطرد ولا يفعلون ذلك في غير الواو الاولى
لا يقولون في مساور مسائر وفي مخاوف مخائف ومن اللغة قول الهذلي:
فلا وأبيك لا ينجو نجائي ... غداة لقيتهم بعض الرجال
هواء مثل بعك مستميت ... على ما في اعائك كالخيال
يريد وعائك فقلب فتكون الهاء في هيأك بدلا من الهمزة والهمزة بدلا من
الواو ومن زعم أنها فعلى من الوأى فانه يحدث حادثتين قبل تصيير الواو
الأولى همزة لأنه يخفف الهمزة في وؤيا ثم يكسر وزعم قطرب ان من العرب
من يقول أياك فيفتح فإذا صحت هذه اللغة وجب ان يقال ان الأصل الكسر
وانهم فتحوا استشقالا للكسر مع الياء كما فعلوا ذلك في ليان مصدر لويته
بالدين ليانا إذا مطلته قال ذو الرمة.
تريدي لياني وأنت ملية ... وأحسن ياذات الوشاح التقاضيا
ومن زعم بدعواه ان إيا إفعل لم يمكنه ان يجعل أيا بفتح الهمزة أفعل
لأنه توصل إلى الياء في الباب الأول، الذي يكون الاشتقاق فيه من أوى أو
من الآية بكسر الهمزة ومن بنى أفعل من أوى قال آوى ولو بناه من آية
لقال آيا لقال لأنه يجعل الهمزة الأصلية ألفاً لاجتماع الهمزتين ومن
قال إيا من وأى على ما تقدم من الترتيب لم يمكنه مثل ذلك في المفتوح
لأنه لو بنى مثل أفعل من وأى قال أو أي فإن جهلت فتحة الهمزة في أيا
أصلا لها فللقائل أن يقول قد وجدناهم إذا بنو فعلى أسماً في التأنيث من
ذوات الياء يقلبون في الغالب إلى الواو فيقولون الشروى وهو من شريت
والتقوى وهو من تقيت فان كانت أيا فعلى من أويت وجب أن تقول أوى لأن
الواو إنما انقلبت في النوع الأول لأجل الياء فالجواب في ذلك انهم ربما
استعملوا الأشياء على أصولها ليدلوا بذلك على حقيقة الاستعمال كما
قالوا في اسم الرجل حيوة وضيون للهر وإنما القياس ان يقولوا حية وضين
ومن هذا الباب القصوى ولو جاء على المطرد لقيل القصيا وقد قالته العرب
على الوجهين ويجوز أن تكون أيا جاءت في أصل الوضع لمجيء الصفات كما
قالوا الريا لأنثى الريان وهو من رويت فالصفة في هذا مخالفة للاسم
ويجوز إن تكون إيا بالكسر فعيلا وترتيبه في الشرح على ما تقدم. |