شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك

الصفة المشبهة باسم الفاعل
صفة استحسن جر فاعل ... معنى بها المشبهة اسم الفاعل
قد سبق أن المراد بالصفة ما دل على معنى وذات وهذا يشمل اسم الفاعل واسم المفعول وأفعل التفضيل والصفة المشبهة وذكر المصنف أن علامة الصفة المشبهة استحسان جر فاعلها بها نحو حسن الوجه ومنطلق اللسان وطاهر القلب والأصل حسن وجهه ومنطلق لسانه وطاهر قلبه فوجهه مرفوع بحسن على الفاعلية ولسانه مرفوع بمنطلق وقلبه مرفوع بطاهر وهذا لا يجوز في غيرها من الصفات فلا تقول زيد ضارب الأب عمرا تريد ضارب أبوه عمرا ولا زيد قائم الأب غدا تريد زيد قائم أبوه غدا وقد تقدم أن اسم المفعول يجوز إضافته إلى مرفوعة فتقول زيد مضروب الأب وهو حينئذ جار مجرى الصفة المشبهة.

(3/140)


وصوغها من لازم لحاضر ... كطاهر القلب جميل الظاهر
يعني أن الصفة المشبهة لا تصاغ من فعل متعد فلا تقول زيد قاتل الأب بكرا تريد قاتل أبوه بكرا بل لا تصاغ إلا من فعل لازم نحو طاهر القلب وجميل الظاهر ولا تكون إلا للحال وهو المراد بقوله لحاضر فلا تقول زيد حسن الوجه غدا أو أمس.
ونبه بقوله كطاهر القلب جميل الظاهر على أن الصفة المشبهة إذا كانت من فعل ثلاثي تكون على نوعين أحدهما ما وازن المضارع نحو طاهر القلب وهذا قليل فيها والثاني ما لم يوازنه وهو الكثير نحو جميل الظاهر وحسن الوجه وكريم الأب وإن كانت من غير ثلاثي وجب موازنتها المضارع نحو منطلق اللسان.
وعمل اسم فاعل المعدى ... لها على الحد الذي قد حدا

(3/141)


أي يثبت لهذه الصفة عمل اسم الفاعل المتعدى وهو الرفع والنصب نحو زيد حسن الوجه ففي حسن ضمير مرفوع هو الفاعل والوجه منصوب على التشبيه بالمفعول به لأن حسنا شبيه بضارب فعمل عمله وأشار بقوله على الحد الذي قد حدا إلى أن الصفة المشبهة تعمل على الحد الذي سبق في اسم الفاعل وهو أنه لا بد من اعتمادها كما أنه لا بد من اعتماده.
وسبق ما تعمل فيه مجتنب ... وكونه ذا سببية وجب

(3/142)


لما كانت الصفة المشبهة فرعا في العمل عن اسم الفاعل قصرت عنه فلم يجز تقديم معمولها عليها كما جاز في اسم الفاعل فلا تقول زيد الوجه حسن كما تقول زيد عمرا ضارب ولم تعمل إلا في سببى نحو زيد حسن وجهه ولا تعمل في أجنبي فلا تقول زيد حسن عمرا واسم الفاعل يعمل في السببى والأجنبي نحو زيد ضارب غلامه وضارب عمرا.
فارفع بها وأنصب وجر مع أل ... ودون أل مصحوب أل وما اتصل
بها مضافا أو مجردا ولا ... تجرر بها مع أل سما من أل خلا

(3/143)


ومن إضافة لتاليها وما ... لم يخل فهو بالجواز وسما
الصفة المشبهة إما أن تكون بالألف واللام نحو الحسن أو مجردة عنهما نحو حسن وعلى كل من التقديرين لا يخلو المعمول من أحوال ستة:
الأول: أن يكون المعمول بأل نحو الحسن الوجه وحسن الوجه
الثاني: أن يكون مضافا لما فيه أل نحو الحسن وجه الأب وحسن وجه الأب
الثالث: أن يكون مضافا إلى ضمير الموصوف نحو مررت بالرجل الحسن وجهه وبرجل حسن وجهه الرابع: أن يكون مضافا إلى مضاف إلى ضمير الموصوف نحو مررت بالرجل الحسن وجه غلامه وبرجل حسن وجه غلامه.
الخامس: أن يكون مجردا من أل دون الإضافة نحو الحسن وجه أب وحسن وجه أب.

(3/144)


السادس: أن يكون المعمول مجردا من أل والإضافة نحو الحسن وجها وحسن وجها.
فهذه اثنتا عشرة مسألة والمعمول في كل واحدة من هذه المسائل المذكورة إما أن يرفع أو ينصب أو يجر فيتحصل حينئذ ست وثلاثون صورة.
وإلى هذا أشار بقوله فارفع بها أي بالصفة المشبهة وانصب وجر مع أل أي إذا كانت الصفة بأل نحو الحسن ودون أل أي إذا كانت الصفة بغير أل نحو حسن مصحوب أل أي المعمول المصاحب لأل نحو الوجه وما اتصل بها مضافا أو مجردا أي والمعمول المتصل بها أي بالصفة إذا كان المعمول مضافا أو مجردا من الألف واللام والإضافة ويدخل تحت قوله مضافا المعمول المضاف إلى ما فيه أل نحو وجه الأب والمضاف إلى ضمير الموصوف نحو وجهه والمضاف إلى ما أضيف إلى ضمير الموصوف نحو وجه غلامه والمضاف إلى المجرد من أل دون الإضافة نحو وجه أب.
وأشار بقوله ولا تجرر بها مع أل إلى آخره إلى أن هذه المسائل ليست كلها على الجواز بل يمتنع منها إذا كانت الصفة بأل أربع مسائل:
الأولى: جر المعمول المضاف إلى ضمير الموصوف نحو الحسن وجهه
الثانية: جر المعمول المضاف إلى ما أضيف إلى ضمير الموصوف نحو الحسن وجه غلامه

(3/145)


الثالثة: جر المعمول المضاف إلى المجرد من أل دون الإضافة نحو الحسن وجه أب
الرابعة: جر المعمول المجرد من أل والإضافة نحو الحسن وجه
فمعنى كلامه ولا تجرر بها أي بالصفة المشبهة إذا كانت الصفة مع أل اسما خلا من أل أو خلا من الإضافة لما فيه أل وذلك كالمسائل الأربع
وما لم يخل من ذلك يجوز جره كما يجوز رفعه ونصبه كالحسن الوجه والحسن وجه الأب وكما يجوز جر المعمول ونصبه ورفعه إذا كانت الصفة بغير أل على كل حال

(3/146)


التعجب
بأفعل انطق بعد ما تعجبا ... أو جيء ب أفعل قبل مجرور ببا
وتلو أفعل انصبنه ك ما ... وفى خليلينا وأصدق بهما
للتعجب صيغتان:
إحداهما: ما أفعله
والثانية: أفعل به وإليهما

(3/147)


أشار المصنف بالبيت الأول أي أنطق بأفعل بعد ما للتعجب نحو ما أحسن زيدا وما أوفى خليلينا أو جيء بأفعل قبل مجرور ببا نحو أحسن بالزيدين وأصدق بهما.
فما مبتدأ وهي نكرة تامة عند سيبويه وأحسن فعل ماض فاعله ضمير مستتر عائد على ما وزيدا مفعول أحسن والجملة خبر عن ما والتقدير شيء أحسن زيدا أي جعله حسنا وكذلك ما أوفى خليلينا.
وأما أفعل ففعل أمر ومعناه التعجب لا الأمر وفاعله المجرور بالباء والباء زائدة.
واستدل على فعلية أفعل بلزوم نون الوقاية له إذا اتصلت به ياء المتكلم نحو ما أفقرني إلى عفو الله وعلى فعلية أفعل بدخول نون التوكيد عليه في قوله:
268 - ومستبدل من بعد غضبي صريمة ... فأحر به من طول فقر وأحريا

(3/148)


أراد وأحرين بنون التوكيد الخفيفة فأبدلها ألفا في الوقف وأشار بقوله وتلو أفعل إلى أن تالى أفعل ينصب لكونه مفعولا نحو ما أوفى خليلينا ثم مثل بقوله وأصدق بهما للصيغة الثانية.
وما قدمناه من أن ما نكرة تامة هو الصحيح والجملة التي بعدها خبر عنها والتقدير شيء أحسن زيدا أي جعله حسنا وذهب الأخفش إلى أنها موصولة والجملة التي بعدها صلتها والخبر محذوف والتقدير الذي أحسن زيدا شيء عظيم وذهب بعضهم إلى أنها استفهامية والجملة التي بعدها خبر عنها والتقدير أي شيء أحسن زيدا وذهب بعضهم إلى أنها نكرة موصوفة والجملة التي بعدها صفة لها والخبر محذوف والتقدير شيء أحسن زيدا عظيم.
وحذف ما منه تعجبت استبح ... إن كان عند الحذف معناه يضح

(3/150)


يجوز حذف المتعجب منه وهو المنصوب بعد أفعل والمجرور بالباء بعد أفعل إذا دل عليه دليل فمثال الأول قوله:
269 - أرى أم عمرو دمعها قد تحدرا ... بكاء على عمرو وما كان أصبرا

(3/151)


التقدير: وما كان أصبرها فحذف الضمير وهو مفعول أفعل للدلالة عليه بما تقدم ومثال الثاني قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} التقدير: والله أعلم وأبصر بهم فحذف بهم لدلالة ما قبله عليه وقول الشاعر:
270 - فذلك إن يلق المنية يلقها ... حميدا وإن يستغن يوما فأجدر

(3/152)


أي فأجدر به فحذف المتعجب منه بعد أفعل وإن لم يكن معطوفا على أفعل مثله وهو شاذ
وفي كلا الفعلين قدما لزما ... منع تصرف بحكم حتما
لا يتصرف فعلا التعجب بل يلزم كل منهما طريقة واحدة فلا يستعمل من أفعل غير الماضي ولا من أفعل غير الأمر قال المصنف وهذا مما لا خلاف فيه:
وصغهما من ذي ثلاث صرفا ... قابل فضل تم غير ذي انتفا
وغير ذي وصف يضاهي أشهلا ... وغير سالك سبيل فعلا
يشترط في الفعل الذي يصاغ منه فعلا التعجب شروط سبعة:

(3/153)


أحدهما: أن يكون ثلاثيا فلا يبنيان مما زاد عليه نحو دحرج وانطلق واستخرج
الثاني: أن يكون متصرفا فلا يبنيان من فعل غير متصرف كنعم وبئس وعسى وليس
الثالث: أن يكون معناه قابلا للمفاضلة فلا يبنيان من مات وفنى ونحوهما إذ لا مزية فيهما لشيء على شيء الرابع: أن يكون تاما واحترز بذلك من الأفعال الناقصة نحو كان وأخواتها فلا تقول ما أكون زيدا قائما وأجازه الكوفيون
الخامس: أن لا يكون منفيا واحترز بذلك من المنفي لزوما نحو ما عاج فلان بالدواء أي ما انتفع به أو جوازا نحو ما ضربت زيدا
السادس: أن لا يكون الوصف منه على أفعل واحترز بذلك من الأفعال الدالة على الألوان كسود فهو أسود وحمر فهو أحمر والعيوب كحول فهو أحول وعور فهو أعور فلا تقول ما أسوده ولا ما أحمره ولا ما أحوله ولا ما أعوره ولا أعور به ولا أحول به
السابع: أن لا يكون مبنيا للمفعول نحو ضرب زيد فلا تقول ما أضرب زيدا تريد التعجب من ضرب أوقع به لئلا يلتبس بالتعجب من ضرب أوقعه.
وأشدد أو أشد أو شبههما ... يخلف ما بعض الشروط عدما

(3/154)


ومصدر العادم بعد ينتصب ... وبعد أفعل جره بالبا يجب
يعني أنه يتوصل إلى التعجب من الأفعال التي لم تستكمل الشروط بأشدد ونحوه وبأشد ونحوه وينصب مصدر ذلك الفعل العادم الشروط بعد أفعل مفعولا ويجر بعد أفعل بالباء فتقول ما أشد دحرجته واستخراجه وأشدد بدحرجته واستخراجه وما أقبح عوره وأقبح بعوره وما أشد حمرته وأشدد بحمرته.
وبالندور أحكم لغير ما ذكر ... ولا تقس على الذي منه أثر

(3/155)


يعني أنه إذا ورد بناء فعل التعجب من شيء من الأفعال التي سبق أنه لا يبنى منها حكم بندوره، ولا يقاس على ما سمع منه، كقولهم "ما أخصره" من "اختصر" فبنوا أفعل من فعل زائد على ثلاثة أحرف وهو مبنى للمفعول، وكقولهم "ما أحمقه" فبنوا أفعل من فعل الوصف منه على أفعل، نحو حمق فهو أحمق، وقولهم "ما أعساه، وأعس به" فبنوا أفعل وأفعل به من "عسى" وهو فعل غير متصرف.
وفعل هذا الباب لن يقدما ... معموله ووصله بما ألزما
وفصله بظرف أو بحرف جر ... مستعمل والخلف في ذاك استقر
لا يجوز تقديم معمول فعل التعجب علي، فلا تقول: " زيدا ما أحسن "

(3/156)


ولا ما زيدا أحسن ولا بزيد أحسن ويجب وصله بعامله فلا يفصل بينهما بأجنبى فلا تقول في ما أحسن معطيك الدرهم ما أحسن الدرهم معطيك ولا فرق في ذلك بين المجرور وغيره فلا تقول ما أحسن بزيد مارا تريد ما أحسن مارا بزيد ولا ما أحسن عندك جالسا تريد ما أحسن جالسا عندك فإن كان الظرف أو المجرور معمولا لفعل التعجب ففي جواز الفصل بكل منهما بين فعل التعجب ومعموله خلاف والمشهور جوازه خلافا للأخفش والمبرد ومن وافقهما ونسب الصيمرى المنع إلى سيبويه ومما ورد فيه الفصل في النثر قول عمرو بن معد يكرب:
لله در بني سليم ما أحسن في الهيجاء لقاءها وأكرم في اللزبات عطاءها وأثبت في المكرمات بقاءها وقول علي كرم الله وجهه وقد مر بعمار فمسح التراب عن وجهه أعزز على أبا اليقظان أن أراك صريعا مجدلا ومما ورد منه من النظم قول بعض الصحابة رضي الله عنهم:
271 - وقال نبي المسلمين تقدموا ... وأحبب إلينا أن تكون المقدما

(3/157)


وقوله:
272 - خليلي ما أحرى بذي اللب أن يرى ... صبورا ولكن لا سبيل إلى الصبر

(3/158)


نعم وبئس وما جرى مجراهما
فعلان غير متصرفين ... نعم وبئس رافعان اسمين
مقارنى أل أو مضافين لما ... قارنها ك عقبى الكرما
ويرفعان مضمرا يفسره ... مميز ك نعم قوما معشره
مذهب جمهور النحويين أن نعم وبئس فعلان بدليل دخول تاء التأنيث الساكنة عليهما نحو نعمت المرأة هند وبئست المرأة دعد وذهب جماعة من الكوفيين ومنهم الفراء إلى أنهما اسمان واستدلوا بدخول حرف الجر عليهما في قول بعضهم نعم السير على بئس العير وقول

(3/160)


الآخر: والله ما هي بنعم الولد نصرها بكاء وبرها سرقة وخرج على جعل نعم وبئس مفعولين لقول محذوف واقع صفة لموصوف محذوف وهو المجرور بالحرف لا نعم وبئس والتقدير نعم السير على غير مقول فيه بئس العير وما هي بولد مقول فيه نعم الولد فحذف الموصوف والصفة وأقيم المعمول مقامهما مع بقاء نعم وبئس على فعليتهما وهذان الفعلان لا يتصرفان فلا يستعمل منهما غير الماضي ولا بد لهما من مرفوع هو الفاعل وهو على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يكون محلى بالألف واللام نحو نعم الرجل زيد ومنه قوله تعالى: {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} واختلف في هذه اللام فقال قوم هي للجنس حقيقة فمدحت الجنس كله من أجل زيد ثم خصصت زيدا بالذكر فتكون قد مدحته مرتين وقيل هي للجنس مجازا وكأنك قد جعلت زيدا الجنس كله مبالغة وقيل هي للعهد
الثاني: أن يكون مضافا إلى ما فيه أل كقوله نعم عقبى الكرما ومنه قوله تعالى: {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ}
الثالث: أن يكون مضمرا مفسرا بنكرة بعده منصوبة على التمييز نحو

(3/161)


نعم قوما معشره ففي نعم ضمير مستتر يفسره قوما ومعشره مبتدأ وزعم بعضهم أن معشره مرفوع بنعم وهو الفاعل ولا ضمير فيها وقال بعض هؤلاء إن قوما حال وبعضهم إنه تمييز ومثل نعم قوما معشره قوله تعالى: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} وقول الشاعر:
273 - لنعم موئلا المولى إذا حذرت ... بأساء ذي البغى واستيلاء ذي الإحن
وقول الآخر:
274 - تقول عرسى وهي لي في عومره ... بئس أمرأ وإنني بئس المره

(3/162)


وجمع تميز وفاعل ظهر ... فيه خلاف عنهم قد اشتهر
اختلف النحويون في جواز الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر في نعم وأخواتها فقال قوم لا يجوز ذلك وهو المنقول عن سيبويه فلا تقول نعم الرجل رجلا زيد وذهب قوم إلى الجواز واستدلوا بقوله:

(3/163)


275 - والتغلبيون بئس الفحل فحلهم ... فحلا وأمهم زلاء منطيق
وقوله:
276 - تزود مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا

(3/164)


وفصل بعضهم فقال إن أفاد التمييز فائدة زائدة على الفاعل جاز الجمع بينهما نحو نعم الرجل فارسا زيد وإلا فلا نحو نعم الرجل رجلا زيد فإن كان الفاعل مضمرا جاز الجمع بينه وبين التمييز اتفاقا نحو نعم رجلا زيد
وما مميز وقيل فاعل ... في نحو

(3/165)


نعم ما يقول الفاضل
تقع ما بعد نعم وبئس فتقول نعم ما أو نعما وبئس ما ومنه قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} وقوله تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} .
واختلف في ما هذه فقال قوم هي نكرة منصوبة على التمييز وفاعل نعم ضمير مستتر وقيل هي الفاعل وهي اسم معرفة وهذا مذهب ابن خروف ونسبه إلى سيبويه.
ويذكر المخصوص بعد مبتدأ ... أو خبر أسم ليس يبدو أبدا
يذكر بعد نعم وبئس وفاعلهما اسم مرفوع هو المخصوص بالمدح

(3/166)


أو الذم وعلامته أن يصلح لجعله مبتدأ وجعل الفعل والفاعل خبرا عنه نحو نعم الرجل زيد وبئس الرجل عمرو ونعم غلام القوم زيد وبئس غلام القوم عمرو ونعم رجلا زيد وبئس رجلا عمرو وفي إعرابه وجهان مشهوران
أحدهما: أنه مبتدأ والجملة قبله خبر عنه
والثاني: أنه خبر مبتدأ محذوف وجوبا والتقدير هو زيد وهو عمرو أي الممدوح زيد والمذموم عمرو ومنع بعضهم الوجه الثاني وأوجب الأول وقيل هو مبتدأ خبره محذوف والتقدير زيد الممدوح.
وإن يقدم مشعر به كفى ... كـ "العلم نعم المقتنى والمقتفى"
إذا تقدم ما يدل على المخصوص بالمدح أو الذم أغنى عن ذكره آخرا كقوله تعالى: في أيوب {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} أي نعم العبد أيوب فحذف المخصوص بالمدح وهو أيوب لدلالة ما قبله عليه.

(3/167)


واجعل كبئس "ساء" واجعل فعلا ... من ذي ثلاثة كنعم مسجلا
تستعمل ساء في الذم استعمال بئس فلا يكون فاعلها إلا ما يكون فاعلا لبئس وهو المحلى بالألف واللام نحو ساء الرجل زيد والمضاف إلى ما فيه الألف واللام نحو ساء غلام القوم زيد والمضمر المفسر بنكرة بعده نحو ساء رجلا زيد ومنه قوله تعالى: {سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا} ويذكر بعدها المخصوص بالذم كما يذكر بعد بئس وإعرابه كما تقدم.
وأشار بقوله واجعل فعلا إلى أن كل فعل ثلاثي يجوز أن يبنى منه فعل على فعل لقصد المدح أو الذم ويعامل معاملة نعم وبئس في جميع ما تقدم لهما من الأحكام فتقول شرف الرجل زيد ولؤم الرجل بكر وشرف غلام الرجل زيد وشرف رجلا زيد.
ومقتضى هذا الإطلاق أنه يجوز في علم أن يقال علم الرجل زيد بضم عين الكلمة وقد مثل هو وابنه به وصرح غيره أنه لا يجوز تحويل علم وجهل وسمع إلى فعل بضم العين لأن العرب حين استعملتها هذا الاستعمال أبقتها على كسرة عينها ولم تحولها إلى الضم فلا يجوز لنا
تحويلها

(3/168)


بل نبقيها على حالها كما أبقوها فتقول علم الرجل زيد وجهل الرجل عمرو وسمع الرجل بكر.
ومثل نعم حبذا الفاعل ذا ... وإن ترد ذما فقل لا حبذا
يقال في المدح حبذا زيد وفي الذم لا حبذا زيد كقوله:
277 - ألا حبذا أهل الملا غير أنه ... إذا ذكرت مى فلا حبذا هيا

(3/169)


واختلف في إعرابها فذهب أبو علي الفارسي في البغداديات وابن برهان وابن خروف وزعم أنه مذهب سيبويه وأن من نقل عنه غيره فقد أخطأ عليه واختاره المصنف إلى أن حب فعل ماض وذا فاعله وأما المخصوص فجوز أن يكون مبتدأ والجملة قبله خبره وجوز أن يكون خبرا لمبتدإ محذوف وتقديره هو زيد أي الممدوح أو المذموم زيد واختاره المصنف
وذهب المبرد في المقتضب وابن السراج في الأصول وابن هشام اللخمى واختاره ابن عصفور إلى أن حبذا اسم وهو مبتدأ والمخصوص خبره أو خبر مقدم والمخصوص مبتدأ مؤخر فركبت حب مع ذا وجعلتا اسما واحدا

(3/170)


وذهب قوم منهم ابن درستويه إلى أن حبذا فعل ماض وزيد فاعله فركبت حب مع ذا وجعلتا فعلا وهذا أضعف المذاهب.
وأول ذا المخصوص أيا كان لا ... تعدل بذا فهو يضاهى المثلا
أي أوقع المخصوص بالمدح أو الذم بعد ذا على أي حال كان من الإفراد والتذكير والتأنيث والتثنية والجمع ولا تغير ذا لتغير المخصوص بل يلزم الإفراد والتذكير وذلك لأنها أشبهت المثل والمثل لا يغير فكما تقول الصيف ضيعت اللبن للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع بهذا اللفظ تقول حبذا زيد وحبذا هند والزيدان والهندان والزيدون والهندات فلا تخرج ذا عن الإفراد والتذكير ولو خرجت لقيل حبذي هند وحبذان الزيدان وحبتان الهندان وحب أولئك الزيدون أو الهندات.

(3/171)


وما سوى ذا أرفع بحب أو فجر ... بالبا ودون ذا انضمام الحا كثر
يعني أنه إذا وقع بعد حب غير ذا من الأسماء جاز فيه وجهان: الرفع بحب نحو حب زيد والجر بباء زائدة نحو حب بزيد وأصل حب حبب ثم أدغمت الباء في الباء فصار حب ثم إن وقع بعد حب ذا وجب فتح الحاء فتقول حب ذا وإن وقع بعدها غير ذا جاز ضم الحاء وفتحها فتقول حب زيد وحب زيد وروى بالوجهين قوله:
278 - فقلت أقتلوها عنكم بمزاجها ... وحب بها مقتولة حين تقتل

(3/172)