شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك أفعل التفضيل
صغ من مصوغ منه للتعجب ... أفعل للتفضيل وأب اللذ أبى
يصاغ من الأفعال التي يجوز التعجب منها للدلالة على التفضيل وصف على
وزن أفعل فتقول زيد أفضل من عمرو وأكرم من خالد كما تقول ما أفضل زيدا
وما أكرم خالدا
وما امتنع بناء فعل التعجب منه امتنع بناء أفعل التفضيل منه فلا يبنى
من فعل زائد على ثلاثة أحرف كدحرج واستخرج ولا من فعل غير متصرف
كنعم وبئس ولا من فعل
(3/174)
لا يقبل المفاضلة كمات وفنى ولا من فعل
ناقص ككان وأخواتها ولا من فعل منفى نحو ما عاج بالدواء وما ضرب ولا من
فعل يأتى الوصف منه على أفعل نحو حمر وعور ولا من فعل مبنى للمفعول نحو
ضرب وجن وشذ منه قولهم هو أخصر من كذا فبنوا أفعل التفضيل من اختصر وهو
زائد على ثلاثة أحرف ومبني للمفعول وقالوا أسود من حلك الغراب وأبيض من
اللبن فبنوا أفعل التفضيل شذوذا من فعل الوصف منه على أفعل.
وما به إلى تعجب وصل ... لمانع به إلى التفضيل صل
تقدم في باب التعجب أنه يتوصل إلى التعجب من الأفعال التي لم تستكمل
الشروط بأشد ونحوها وأشار هنا إلى أنه يتوصل إلى التفضيل من الأفعال
التي لم تستكمل الشروط بما يتوصل به في التعجب فكما تقول ما أشد
استخراجه تقول هو أشد استخراجا من زيد وكما تقول ما أشد حمرته تقول هو
أشد حمرة من زيد لكن المصدر ينتصب في باب التعجب بعد أشد مفعولا وههنا
ينتصب تمييزا.
(3/175)
وأفعل التفضيل صله أبدا ... تقديرا أو لفظا
بمن إن جردا
لا يخلو أفعل التفضيل عن أحد ثلاثة أحوال:
الأول: أن يكون مجردا
الثاني: أن يكون مضافا
الثالث: أن يكون بالألف واللام.
فإن كان مجردا فلا بد أن يتصل به من لفظا أو تقديرا جارة للمفضل نحو
زيد أفضل من عمرو وقد تحذف من ومجرورها للدلالة عليهما كقوله تعالى:
{أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} أي وأعز منك نفرا
وفهم من كلامه أن أفعل التفضيل إذا كان بأل أو مضافا لا تصحبه من فلا
تقول زيد الأفضل من عمرو ولا زيد أفضل الناس من عمرو.
(3/176)
وأكثر ما يكون ذلك إذا كان أفعل التفضيل
خبرا كالآية الكريمة ونحوها وهو كثير في القرآن وقد تحذف منه وهو غير
خبر كقوله:
279 - دنوت وقد خلناك كالبدر أجملا ... فظل فؤادي في هواك مضللا
فـ "أجمل" أفعل تفضيل وهو منصوب على الحال من التاء في دنوت وحذفت منه
من والتقدير دنوت أجمل من البدر وقد خلناك كالبدر.
(3/177)
ويلزم أفعل التفضيل المجرد الإفراد
والتذكير وكذلك المضاف إلى نكرة وإلى هذا أشار بقوله:
وإن لمنكور يضف أو جردا ... ألزم تذكيرا وأن يوحدا
فتقول زيد أفضل من عمرو وأفضل رجل وهند أفضل من عمرو وأفضل امرأة
والزيدان أفضل من عمرو وأفضل رجلين والهندان أفضل من عمرو وأفضل
امرأتين والزيدون أفضل من عمرو وأفضل رجال والهندات أفضل من عمرو وأفضل
نساء فيكون أفعل في هاتين الحالتين مذكرا ومفردا ولا يؤنث ولا يثنى ولا
يجمع.
وتلو أل طبق وما لمعرفه ... أضيف ذو وجهين عن ذي معرفه
(3/178)
هذا إذا نويت معنى من وإن ... لم تنو فهو
طبق ما به قرن
إذا كان أفعل التفضيل ب أل لزمت مطابقته لما قبله في الإفراد والتذكير
وغيرهما فتقول زيد الأفضل والزيدان الأفضلان والزيدون الأفضلون وهند
الفضلى والهندان الفضليان والهندات الفضل أو الفضليات ولا يجوز عدم
مطابقته لما قبله فلا تقول الزيدون الأفضل ولا الزيدان الأفضل ولا هند
الأفضل ولا الهندان الأفضل ولا الهندات الأفضل ولا يجوز أن تقترن به من
فلا تقول زيد الأفضل من عمرو.
فأما قوله:
(3/179)
280 - ولست بالأكثر منهم حصى ... وإنما
العزة للكاثر
فيخرج على زيادة الالف واللام، والاصل: ولست بأكثر منهم، أو جعل " منهم
" متعلقا بمحذوف مجرد عن الالف واللام، لا بما دخلت عليه الالف واللام،
والتقدير " ولست بالاكثر أكثر منهم ".
(3/180)
وأشار بقوله وما لمعرفة أضيف إلخ إلى أن
أفعل التفضيل إذا أضيف إلى معرفة وقصد به التفضيل جاز فيه وجهان:
أحدهما: استعماله كالمجرد فلا يطابق ما قبله فتقول الزيدان أفضل القوم
والزيدون أفضل القوم وهند أفضل النساء والهندان أفضل النساء والهندات
أفضل النساء.
والثاني: استعماله كالمقرون بالألف واللام فتجب مطابقته لما قبله فتقول
الزيدان أفضلا القوم والزيدون أفضلوا القوم وأفاضل القوم وهند فضلى
النساء والهندان فضليا النساء والهندات فضل النساء أو فضليات النساء
ولا يتعين الاستعمال الأول خلافا لابن السراج وقد ورد الاستعمالان في
القرآن فمن استعماله غير مطابق قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ
أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} ومن استعماله مطابقا قوله تعالى:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} وقد
اجتمع الاستعمالان في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا
أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني منازل يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا
الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون".
والذين أجازوا الوجهين قالوا الأفصح المطابقة ولهذا عيب على صاحب
الفصيح في قوله فاخترنا أفصحهن قالوا فكان ينبغي أن يأتي بالفصحى فيقول
فصحاهن فإن لم يقصد التفضيل تعينت المطابقة كقولهم الناقص والأشج أعدلا
بني مروان أي عادلا بني مروان
وإلى ما ذكرناه من قصد التفضيل وعدم قصده أشار المصنف بقوله هذا إذا
نويت معنى من البيت أي جواز الوجهين أعني المطابقة وعدمها
(3/181)
مشروط بما إذا نوى بالإضافة معنى من أي إذا
نوى التفضيل وأما إذا لم ينو ذلك فيلزم أن يكون طبق ما اقترن به قيل
ومن استعمال صيغة أفعل التفضيل قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ
الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} وقوله تعالى:
{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} أي وهو هين عليه وربكم عالم بكم وقول
الشاعر:
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل
أي لم أكن بعجلهم وقوله:
281 - إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعز وأطول
(3/182)
أي دعائمه عزيزة طويلة وهل ينقاس ذلك أم لا
قال المبرد ينقاس وقال غيره لا ينقاس وهو الصحيح وذكر صاحب الواضح أن
النحويين لا يرون ذلك وأن أبا عبيدة قال في قوله تعالى: {وَهُوَ
أَهْوَنُ عَلَيْهِ} إنه بمعنى هين وفي بيت الفرزدق وهو الثاني إن
المعنى عزيزة طويلة وإن النحويين ردوا على أبي عبيدة ذلك وقالوا لا حجة
في ذلك له.
وإن تكن بتلو من مستفهما ... فلهما كن أبدا مقدما
كمثل ممن أنت خير ولدى ... إخبار التقديم نزرا وردا
(3/183)
تقدم أن أفعل التفضيل إذا كان مجردا جيء
بعده بمن جارة للمفضل عليه نحو زيد أفضل من عمرو ومن ومجرورها معه
بمنزلة المضاف إليه من المضاف فلا يجوز تقديمهما عليه كما لا يجوز
تقديم المضاف إليه على المضاف إلا إذا كان المجرور بها اسم استفهام أو
مضافا إلى اسم استفهام فإنه يجب حينئذ تقديم من ومجرورها نحو ممن أنت
خير ومن أيهم أنت أفضل ومن غلام أيهم أنت أفضل وقد ورد التقديم شذوذا
في غير الاستفهام وإليه أشار بقوله: ولدى إخبار التقديم نزرا وردا ومن
ذلك قوله:
282 - فقالت لنا أهلا وسهلا وزودت ... جنى النحل بل ما زودت منه أطيب
(3/184)
والتقدير بل ما زودت أطيب منه وقول ذي
الرمة يصف نسوة بالسمن والكسل:
285 - ولا عيب فيها غير أن سريعها ... قطوف وأن لا شيء منهن أكسل
(3/185)
التقدير وأن لا شيء أكسل منهن وقوله:
284 - إذا سايرت أسماء يوما ظعينة ... فأسماء من تلك الظعينة أملح
التقدير فأسماء أصلح من تلك الظعينة.
(3/186)
ورفعه الظاهر نزر ومتى ... عاقب فعلا
فكثيرا ثبتا
كلن ترى في الناس من رفيق ... أولى به الفضل من الصديق
لا يخلو أفعل التفضيل من أن يصلح لوقوع فعل بمعناه موقعه أولا فإن لم
يصلح لوقوع فعل بمعناه موقعه لم يرفع ظاهرا وإنما يرفع ضميرا مستترا
نحو زيد أفضل من عمرو ففي أفضل ضمير مستتر عائد على
(3/187)
زيد فلا تقول مررت برجل أفضل منه أبوه
فترفع أبوه ب أفضل إلا في لغة ضعيفة حكاها سيبويه فإن صلح لوقوع فعل
بمعناه موقعه صح أن يرفع ظاهرا قياسا مطردا وذلك في كل موضع وقع فيه
أفعل بعد نفي أو شبهه وكان مرفوعه أجنبيا مفضلا على نفسه باعتبارين نحو
ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد ف الكحل مرفوع ب أحسن
لصحة وقوع فعل بمعناه موقعه نحو ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كزيد
ومثله قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما من أيام أحب إلى الله
فيها الصوم منه في عشر ذي الحجة وقول الشاعر أنشده سيبويه:
285 - مررت على وادي السباع ولا أرى ... كوادي السباع حين يظلم واديا
(3/188)
أقل به ركب أتوه تئية ... وأخوف إلا ما وقى
الله ساريا
فـ "ركب" مرفوع بأقل فقول المصنف ورفعه الظاهر نزر إشارة إلى الحالة
الأولى وقوله ومتى عاقب فعلا إشارة إلى الحالة الثانية.
(3/189)
(التوابع)
النعت
يتبع في الإعراب الأسماء الأول ... نعت وتوكيد وعطف وبدل
التابع: هو الاسم المشارك لما قبله في إعرابه مطلقا فيدخل في قولك
الاسم المشارك لما قبله في إعرابه سائر التوابع وخبر المبتدأ نحو زيد
قائم وحال المنصوب نحو ضربت زيدا مجردا.
ويخرج بقولك مطلقا الخبر وحال المنصوب فإنهما لا يشاركان ما قبلهما في
إعرابه مطلقا بل في بعض أحواله بخلاف التابع فإنه يشارك ما قبله في
سائر أحواله من الإعراب نحو مررت بزيد الكريم ورأيت زيدا الكريم وجاء
زيد الكريم.
(3/190)
والتابع على خمسة أنواع: النعت والتوكيد
وعطف البيان وعطف النسق والبدل.
فالنعت تابع متم ما سبق ... بوسمه أو وسم ما به أعتلق
عرف النعت بأنه: التابع المكمل متبوعه ببيان صفة من صفاته نحو مررت
برجل كريم أو من صفات ما تعلق به وهو سببيه نحو مررت برجل كريم أبوه.
فقوله التابع يشمل التوابع كلها وقوله المكمل إلى آخره مخرج لما عدا
النعت من التوابع والنعت يكون للتخصيص نحو مررت بزيد الخياط وللمدح نحو
مررت بزيد الكريم ومنه قوله تعالى: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ} وللذم نحو مررت بزيد الفاسق ومنه قوله تعالى: {فَاسْتَعِذْ
بِاللهِ
(3/191)
مِنَ
الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} وللترحم نحو مررت بزيد المسكين وللتأكيد نحو
أمس الدابر لايعود وقوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ
وَاحِدَةٌ} .
وليعط في التعريف والتنكير ما ... لما تلا ك امرر بقوم كرما
النعت يجب فيه أن يتبع ما قبله في إعرابه وتعريفه أو تنكيره نحو مررت
بقوم كرماء ومررت بزيد الكريم فلا تنعت المعرفة بالنكرة فلا تقول مررت
بزيد كريم ولا تنعت النكرة بالمعرفة فلا تقول مررت برجل الكريم.
(3/192)
وهو لدى التوحيد والتذكيرأو ... سواهما
كالفعل فأقف ما قفوا
تقدم أن النعت لا بد من مطابقته للمنعوت في الإعراب والتعريف أو
التنكير وأما مطابقته للمنعوت في التوحيد وغيره وهي التثنية والجمع
والتذكير وغيره وهو التأنيث فحكمه فيها حكم الفعل فإن رفع ضميرا مستترا
طابق المنعوت مطلقا نحو زيد رجل حسن والزيدان رجلان حسنان والزيدون
رجال حسنون وهند امرأة حسنة والهندان امرأتان حسنتان والهندات نساء
حسنات فيطابق في التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع كما يطابق
الفعل لو جئت مكان النعت بفعل ف قلت رجل حسن ورجلان حسنا ورجال حسنوا
وامرأة حسنت وامرأتان حسنتا ونساء حسن وإن رفع أي النعت اسما ظاهرا كان
بالنسبة إلى التذكير والتأنيث على حسب ذلك الظاهر.
وأما في التثنية والجمع فيكون مفردا فيجري مجرى الفعل إذا رفع ظاهرا
فتقول مررت برجل حسنة أمه كما تقول حسنت أمه وبامرأتين حسن أبواهما
وبرجال حسن آباؤهم كما تقول حسن أبواهما وحسن آباؤهم.
(3/193)
فالحاصل أن النعت إذا رفع ضميرا طابق
المنعوت في أربعة من عشرة واحد من ألقاب الإعراب وهي الرفع والنصب
والجر وواحد من التعريف والتنكير وواحد من التذكير والتأنيث وواحد من
الإفراد والتثنية والجمع وإذا رفع ظاهرا طابقه في اثنين من خمسة واحد
من ألقاب الإعراب وواحد من التعريف والتنكير وأما الخمسة الباقية وهي
التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع فحكمه فيها حكم الفعل إذا
رفع ظاهرا فإن أسند إلى مؤنث أنث وإن كان المنعوت مذكرا وإن أسند إلى
مذكر ذكر وإن كان المنعوت مؤنثا وإن أسند إلى مفرد أو مثنى أو مجموع
أفرد وإن كان المنعوت بخلاف ذلك.
وأنعت بمشتق كصعب وذرب ... وشبهه كذا وذي والمنتسب
(3/194)
لا ينعت إلا بمشتق لفظا أو تأويلا والمراد
بالمشتق هنا ما أخذ من المصدر للدلالة على معنى وصاحبه كاسم الفاعل
واسم المفعول والصفة المشبهة باسم الفاعل وأفعل التفضيل والمؤول
بالمشتق كاسم الإشارة نحو مررت بزيد هذا أي المشار إليه وكذا ذو بمعنى
صاحب والموصولة نحو مررت برجل ذي مال أي صاحب مال وبزيد ذو قام أي
القائم والمنتسب نحو مررت برجل قرشي أي منتسب إلى قريش.
ونعتوا بجملة منكرا ... فأعطيت ما أعطيته خبرا
تقع الجملة نعتا كما تقع خبرا وحالا وهي مؤولة بالنكرة ولذلك لا ينعت
بها إلا النكرة نحو مررت برجل قام أبوه أو أبوه قائم ولا تنعت بها
المعرفة فلا تقول مررت بزيد قام أبوه أو أبوه قائم.
وزعم بعضهم
(3/195)
أنه يجوز نعت المعرف بالألف واللام الجنسية
بالجملة وجعل منه قوله تعالى: {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار} وقول
الشاعر:
286 - ولقد أمر على اللئيم يسبني ... فمضيت ثمت قلت لا يعنيني
(3/196)
فـ "نسلخ" صفة لليل ويسبني صفة للئيم ولا
يتعين ذلك لجواز كون نسلخ ويسبني حالين.
وأشار بقوله فأعطيت ما أعطيته خبرا إلى أنه لا بد للجملة الواقعة صفة
من ضمير يربطها بالموصوف وقد يحذف للدلالة عليه كقوله:
287 - وما أدرى أغيرهم تناء ... وطول الدهر أم مال أصابوا
(3/197)
التقدير أم مال أصابوه فحذف الهاء وكقوله
عز وجل واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا أي لا تجزى فيه فحذف فيه
وفي كيفية حذفه قولان أحدهما أنه حذف بجملته دفعة واحدة والثاني أنه
حذف على التدريج فحذف في أولا فاتصل الضمير بالفعل فصار تجزيه ثم حذف
هذا الضمير المتصل فصار تجزى.
وامنع هنا إبقاع ذات الطلب ... وإن أتت فالقول أضمر تصب
لا تقع الجملة الطلبية صفة فلا تقول مررت برجل أضربه وتقع
(3/198)
خبرا خلافا لابن الأنباري فتقول زيد أضربه
ولما كان قوله فأعطيت ما أعطيته خبرا يوهم أن كل جملة وقعت خبرا يجوز
أن تقع صفة قال وامنع هنا إيقاع ذات الطلب أي امنع وقوع الجملة الطلبية
في باب النعت وإن كان لا يمتنع في باب الخبر ثم قال فإن جاء ما ظاهره
أنه نعت فيه بالجملة الطلبية فيخرج على إضمار القول ويكون القول المضمر
صفة والجملة الطلبية معمول القول المضمر.
وذلك كقوله:
288 - حتى إذا جن الظلام واختلط ... جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط
(3/199)
فظاهر هذا أن قوله هل رأيت الذئب قط صفة ل
"مذق" وهي جملة طلبية ولكن ليس هو على ظاهره بل هل رأيت الذئب قط مقول
لقول مضمر هو صفة ل "مذق" والتقدير بمذق مقول فيه هل رأيت الذئب قط.
فإن قلت هل يلزم هذا التقدير في الجملة الطلبية إذا وقعت في باب الخبر
فيكون تقدير قولك زيد اضربه زيد مقول فيه اضربه؟
فالجواب أن فيه خلافا فمذهب ابن السراج والفارسي التزام ذلك ومذهب
الأكثرين عدم التزامه.
ونعتوا بمصدر كثيرا ... فالتزموا الإفراد والتذكيرا
يكثر استعمال المصدر نعتا نحو مررت برجل عدل وبرجلين عدل
(3/200)
وبرجال عدل وبامرأة عدل وبامرأتين عدل
وبنساء عدل ويلزم حينئد الإفراد والتذكير والنعت به على خلاف الأصل
لأنه يدل على المعنى لا على صاحبه وهو مؤول إما على وضع عدل موضع عادل
أو على حذف مضاف والأصل مررت برجل ذي عدل ثم حذف ذي وأقيم عدل مقامه
وإما على المبالغة بجعل العين نفس المعنى مجازا أو ادعاء.
ونعت غير واحد إذا اختلف ... فعاطفا فرقه لا إذا ائتلف
(3/201)
إذا نعت غير الواحد فإما أن يختلف النعت أو
يتفق.
فإن اختلف وجب التفريق بالعطف فتقول مررت بالزيدين الكريم والبخيل
وبرجال فقيه وكاتب وشاعر وإن اتفق جيء به مثنى أو مجموعا نحو مررت
برجلين كريمين وبرجال كرماء.
ونعت معمولى وحيدى معنى ... وعمل أتبع بغير استثنا
إذا نعت معمولان لعاملين متحدى المعنى والعمل أتبع النعت المنعوت رفعا
ونصبا وجرا نحو ذهب زيد وانطلق عمرو العاقلان وحدثت زيدا وكلمت عمرا
الكريمين ومررت بزيد وجزت على عمرو الصالحين فإن اختلف معنى العاملين
أو عملهما وجب القطع وامتنع الإتباع فتقول جاء زيد وذهب عمرو العاقلين
بالنصب على إضمار فعل أي أعنى العاقلين وبالرفع على إضمار مبتدأ أي هما
العاقلان وتقول انطلق زيد وكلمت عمرا الظريفين أي أعنى الظريفين أو
الظريفان
(3/202)
أي هما الظريفان ومررت بزيد وجاوزت خالدا
الكاتبين أو الكاتبان.
وإن نعوت كثرت وقد تلت ... مفتقرا لذكرهن أنبعت
إذا تكررت النعوت وكان المنعوت لا يتضح إلا بها جميعا وجب إتباعها كلها
فتقول مررت بزيد الفقيه الشاعر الكاتب.
واقطع أو أتبع إن يكن معينا ... بدونها أو بعضها اقطع معلنا
(3/203)
إذا كان المنعوت متضحا بدونها كلها جاز
فيها جميعها الإتباع والقطع وإن كان معينا ببعضها دون بعض وجب فيما لا
يتعين إلا به الإتباع وجاز فيما يتعين بدونه الإتباع والقطع.
وارفع أو أنصب إن قطعت مضمرا ... مبتدأ أو ناصبا لن يظهرا
أي إذا قطع النعت عن المنعوت رفع على إضمار مبتدأ أو نصب على إضمار فعل
نحو مررت بزيد الكريم أو الكريم أي هو الكريم أو أعني الكريم.
(3/204)
وقول المصنف لن يظهرا معناه أنه يجب إضمار
الرافع أو الناصب ولا يجوز إظهاره وهذا صحيح إذا كان النعت لمدح نحو
مررت بزيد الكريم أو ذم نحو مررت بعمرو الخبيث أو ترحم نحو مررت بزيد
المسكين فأما إذا كان لتخصيص فلا يجب الإضمار نحو مررت بزيد الخياط أو
الخياط وإن شئت أظهرت فتقول هو الخياط أو أعنى الخياط والمراد بالرافع
والناصب لفظة هو أو أعنى.
وما من المنعوت والنعت عقل ... يجوز حذفه وفي النعت يقل
أي يجوز حذف المنعوت وإقامة النعت مقامه إذا دل عليه دليل نحو قوله
تعالى: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} أي دروعا سابغات وكذلك يحذف النعت إذ
دل عليه دليل لكنه قليل ومنه قوله تعالى: {قَالُوا الآنَ جِئْتَ
بِالْحَقِّ} أي البين وقوله تعالى: {ِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} .أي
الناجين.
(3/205)
التوكيد
بالنفس أو بالعين الاسم أكدا ... مع ضمير طابق المؤكدا
واجمعهما بأفعل إن تبعا ... ما ليس واحد تكن متبعا
التوكيد قسمان:
أحدهما: التوكيد اللفظي وسيأتي
والثاني: التوكيد المعنوي وهو على ضربين:
أحدهما: ما يرفع توهم مضاف إلى المؤكد وهو المراد بهذين البيتين وله
لفظان النفس والعين وذلك نحو جاء زيد نفسه فنفسه
(3/206)
توكيد
لزيد وهو يرفع توهم أن يكون التقدير جاء خبر زيد أو رسوله وكذلك جاء
زيد عينه ولا بد من إضافة النفس أو العين إلى ضمير يطابق المؤكد نحو
جاء زيد نفسه أو عينه وهند نفسها أو عينها ثم إن كان للمؤكد بهما مثنى
أو مجموعا جمعتهما على مثال أفعل فتقول جاء الزيدان أنفسهما أو أعينهما
والهندان أنفسهما أو أعينهما والزيدون أنفسهم أو أعينهم والهندات
أنفسهن أو أعينهن.
وكلا اذكر في الشمول وكلا ... كلتا جميعا بالضمير موصلا
هذا هو الضرب الثاني: من التوكيد المعنوي وهو ما يرفع توهم عدم إرادة
الشمول والمستعمل لذلك كل وكلا وكلتا وجميع
(3/207)
فيؤكد بكل وجميع ما كان ذا أجزاء يصح وقوع
بعضها موقعه نحو جاء الركب كله أو جميعه والقبيلة كلها أو جميعها
والرجال كلهم أو جميعهم والهندات كلهن أو جميعهن ولا تقول جاء زيد كله
ويؤكد بكلا المثنى المذكر نحو جاء الزيدان كلاهما وبكلتا المثنى المؤنث
نحو جاءت الهندان كلتاهما ولا بد من إضافتها كلها إلى ضمير يطابق
المؤكد كما مثل.
واستعملوا أيضا ككل فاعله ... من عم في التوكيد مثل النافله
أي استعمل العرب للدلالة على الشمول ككل عامة مضافا إلى ضمير المؤكد
نحو جاء القوم عامتهم وقل من عدها من النحويين في ألفاظ التوكيد وقد
عدها سيبويه وإنما قال مثل النافلة لأن عدها من ألفاظ التوكيد يشبها
لنافلة أي الزيادة لأن أكثر النحويين لم يذكرها.
(3/208)
وبعد كل أكدوا بأجمعا ... جمعاء أجمعين ثم
جمعا
أي يجاء بعد كل بأجمع وما بعدها لتقوية قصد الشمول فيؤتى ب أجمع بعد
كله نحو جاء الركب كله أجمع وبجمعاء بعد كلها نحو جاءت القبيلة كلها
جمعاء وبأجمعين بعد كلهم نحو جاء الرجال كلهم أجمعون وبجمع بعد كلهن
نحو جاءت الهندات كلهن جمع.
ودون كل قد يجيء أجمع ... جمعاء أجمعون ثم جمع
أي قد ورد استعمال العرب أجمع في التوكيد غير مسبوقة بكله نحو جاء
الجيش أجمع واستعمال جمعاء غير مسبوقة بكلها نحو جاءت القبيلة جمعاء
واستعمال أجمعين غير مسبوقة ب كلهم نحو جاء القوم أجمعون واستعمال جمع
غير مسبوقة بكلهن نحو جاء النساء جمع وزعم المصنف أن ذلك قليل ومنه
قوله:
(3/209)
289 - يا ليتني كنت صبيا مرضعا ... تحملني
الذلفاء حولا أكتعا
إذا بكيت قبلتني أربعا ... إذا ظللت الدهر أبكي أجمعا
(3/210)
وإن يفد كيد منكور قبل ... وعن نحاة البصرة
المنع شمل
مذهب البصريين أنه لا يجوز توكيد النكرة سواء كانت محدودة كيوم وليلة
وشهر وحول أو غير محدودة كوقت وزمن وحين ومذهب الكوفيين واختاره المصنف
جواز توكيد النكرة المحدودة لحصول الفائدة بذلك
نحو صمت شهرا كله ومنه قوله
تحملني الذلفاء حولا أكتعا
وقوله:
290 - قد صرت البكرة يوما أجمعا
(3/211)
وأغن بكلتا في مثنى وكلا ... عن وزن فعلاء
ووزن أفعلا
قد تقدم أن المثنى يؤكد بالنفس أو العين وبكلا وكلتا ومذهب البصريين
أنه لا يؤكد بغير ذلك فلا تقول جاء الجيشان أجمعان ولا جاء القبيلتان
جمعاوان استغناء بكلا وكلتا عنهما وأجاز ذلك الكوفيون.
وإن تؤكد الضمير المتصل ... بالنفس والعين فبعد المنفصل
(3/212)
عينت ذا الرفع وأكدوا بما ... سواهما
والقيد لن يلتزما
لا يجوز توكيد الضمير المرفوع المتصل بالنفس أو العين إلا بعد تأكيده
بضمير منفصل فتقول قوموا أنتم أنفسكم أو أعينكم ولا تقل قوموا أنفسكم
فإذا أكدته بغير النفس والعين لم يلزم ذلك تقول قوموا كلكم أو قوموا
أنتم كلكم وكذا إذا كان المؤكد غير ضمير رفع بأن كان ضمير نصب أو جر
فتقول مررت بك نفسك أو عينك ومررت بكم كلكم ورأيتك نفسك أو عينك
ورأيتكم كلكم.
وما من التوكيد لفظي يجئ ... مكررا كقولك أدرجى أدرجي
(3/213)
هذا هو القسم الثاني من قسمى التوكيد وهو
التوكيد اللفظي وهو تكرار اللفظ الأول بعينه اعتناء به نحو أدرجى أدرجى
وقوله:
291 - فأين إلى أين النجاة ببغلتي ... أتاك أتاك اللاحقون أحبس أحبس
وقوله تعالى: {كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً} .
(3/214)
ولا تعد لفظ ضمير متصل ... إلا مع اللفظ
الذي به وصل
أي إذا أريد تكرير لفظ الضمير المتصل للتوكيد لم يجز ذلك إلا بشرط
اتصال المؤكد بما اتصل بالمؤكد نحو مررت بك بك ورغبت فيه فيه ولا تقول
مررت بكك.
كذا الحروف غير ما تحصلا ... به جواب كنعم وكبلى
أي كذلك إذا أريد توكيد الحرف الذي ليس للجواب يجب أن يعاد
(3/215)
مع الحرف المؤكد ما يتصل بالمؤكد نحو إن
زيدا إن زيدا قائم وفي الدار زيد ولا يجوز إن إن زيدا قائم ولا في في
الدار زيد ولا يجوز إن إن زيدا قائم ولا في في الدار زايد فإن كان
الحرف جوابا كنعم وبلى وجير وأجل وإي ولا جاز إعادته وحده فيقال لك
أقام زيد فتقول نعم نعم أو لا لا وألم يقم زيد فتقول بلى بلى.
ومضمر الرفع الذي قد انفصل ... أكد به كل ضمير اتصل
(3/216)
أي يجوز أن يؤكد بضمير الرفع المنفصل كل
ضمير متصل مرفوعا كان نحو قمت أنت أو منصوبا نحو أكرمتني أنا أو مجرورا
نحو مررت به هو والله أعلم.
(3/217)
|