شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك

إعراب الفعل

ارفع مضارعا إذا يجرد ... من ناصب وجازم ك تسعد
إذا جرد الفعل المضارع عن عامل النصب وعامل الجزم رفع واختلف في رافعه فذهب قوم إلى أنه ارتفع لوقوعه موقع الاسم فيضرب في قولك زيد يضرب واقع موقع ضارب فارتفع لذلك وقيل ارتفع لتجرده من الناصب والجازم وهو اختيار المصنف.
وبلن انصبه وكى كذا بأن ... لا بعد علم والتي من بعد ظن
فانصب بها والرفع صحح واعتقد ... تخفيفها من أن فهو مطرد

(4/3)


ينصب المضارع إذا صحبه حرف ناصب وهو لن أوكى أو أن أو إذن نحو لن أضرب وجئت كي أتعلم وأريد أن تقوم وإذن أكرمك في جواب من قال لك آتيك وأشار بقوله لا بعد علم إلى أنه إن وقعت أن بعد علم ونحوه مما يدل على اليقين وجب رفع الفعل بعدها وتكون حينئذ مخففة من الثقيلة نحو علمت أن يقوم التقدير أنه يقوم فخففت أن وحذف اسمها وبقي خبرها وهذه هي غير الناصبة للمضارع لأن هذه ثنائية لفظا ثلاثية وضعا وتلك ثنائية لفظا ووضعا.
وإن وقعت بعد ظن ونحوه مما يدل على الرجحان جاز في الفعل بعدها وجهان:
أحدهما: النصب على جعل أن من نواصب المضارع.
الثاني: الرفع على جعل أن مخففة من الثقيلة فتقول ظننت أن يقوم وأن يقوم والتقدير مع الرفع ظننت أنه يقوم فخففت أن وحذف اسمها وبقي خبرها وهو الفعل وفاعله

(4/4)


وبعضهم أهمل أن حملا على ... ما أختها حيث استحقت عملا
يعني أن من العرب من لم يعمل أن الناصبة للفعل المضارع وإن وقعت بعد مالا يدل على يقين أو رجحان فيرفع الفعل بعدها حملا على أختها ما المصدرية لاشتراكهما في أنهما يقدران بالمصدر فتقول أريد أن تقوم كما تقول عجبت مما تفعل.
ونصبوا بإذن المستقبلا ... إن صدرت والفعل بعد موصلا

(4/5)


أو قبله اليمين وانصب وارفعا ... إذا إذن من بعد عطف وقعا
تقدم أن من جملة نواصب المضارع إذن ولا ينصب بها إلا بشروط:
أحدها: أن يكون الفعل مستقبلا.
الثاني: أن تكون مصدرة.
الثالث: أن لا يفصل بينها وبين منوصبها وذلك نحو أن يقال أنا آتيك فتقول إذن أكرمك فلو كان الفعل بعدها حالا لم ينصب نحو أن يقال أحبك فتقول إذن أظنك صادقا فيجب رفع أظن وكذلك يجب رفع
الفعل بعدها إن لم تتصدر نحو زيد إذن يكرمك فإن كان المتقدم عليها حرف عطف جاز في الفعل الرفع والنصب نحو وإذن أكرمك وكذلك يجب

(4/6)


رفع الفعل بعدها إن فصل بينها وبينه نحو إذن زيد يكرمك فإن فصلت بالقسم نصبت نحو إذن والله أكرمك.
وبين لا ولام جر التزم ... إظهار أن ناصبة وإن عدم
لا فأن أعمل مظهرا أو مضمرا ... وبعد نفي كان حتما أضمرا
كذاك بعد أوإذا يصلح في ... موضعها حتى أو ألا أن خفى

(4/7)


اختصت أن من بين نواصب المضارع بأنها تعمل مظهرة ومضمرة فتظهر وجوبا إذا وقعت بين لام الجر ولا النافية نحو جئتك لئلا تضرب زيدا.
وتظهر جوازا إذا وقعت بعد لام الجر ولم تصحبها لا النافية نحو جئتك لأقرأ ولأن أقرأ هذا إذا لم تسبقها كان المنفية.
فإن سبقتها كان المنفية وجب إضمار أن نحو ما كان زيد ليفعل ولا تقول لأن يفعل قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} ويجب إضمار أن بعد أو المقدرة بحتى أو إلا فتقدر بحتى إذا كان الفعل الذي قبلها مما ينقضى شيئا فشيئا وتقدر بإلا إن لم يكن كذلك فالأول كقوله:
322 - لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى ... فما انقادت الآمال إلا لصابر

(4/8)


أي لأستسهلن الصعب حتى أدرك المنى ف أدرك منصوب ب أن المقدرة بعد أو التي بمعنى حتى وهي واجبة الإضمار والثاني كقوله:
وكنت إذا غمزت قناة قوم ... كسرت كعوبها أو تستقيما

(4/9)


أي كسرت كعوبها إلا أن تستقيم ف تستقيم منصوب ب أن بعد أو واجبة الإضمار.
وبعد حتى هكذا إضمار أن ... حتم ك جد حتى تسر ذا حزن
وما يجب إضمار أن بعده حتى نحو سرت حتى أدخل البلد ف حتى حرف جر وأدخل منصوب بأن المقدرة بعد حتى هذا إذا كان الفعل بعدها مستقبلا فإن كان حالا أو مؤولا بالحال وجب رفعه وإليه الإشارة بقوله
وتلو حتى حالا أو مؤولا ... به أرفعن وانصب المستقبلا

(4/10)


فتقول سرت حتى أدخل البلد بالرفع إن قلته وأنت داخل وكذلك إن كان الدخول قد وقع وقصدت به حكاية تلك الحال نحو كنت سرت حتى أدخلها.
وبعد فاجواب نفى أو طلب ... محضين أن وسترها حتم نصب
يعني أن أن تنصب وهي واجبة الحذف الفعل المضارع بعد الفاء المجاب بها نفي محض أو طلب محض فمثال النفي ما تأتينا فتحدثنا وقد قال تعالى: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} ومعنى كون نفي محضا أن يكون خالصا من معنى الإثبات فإن لم يكن خالصا منه وجب رفع ما
بعد الفاء نحو

(4/11)


ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا ومثال الطلب وهو يشمل الأمر والنهي والدعاء والاستفهام والعرض والتحضيض والتمني فالأمر نحو اثتني فأكرمك ومنه:
324 - يا ناق سيري عنقا فسيحا ... إلى سليمان فتستريحا
والنهى: نحو لا تضرب زيدا فيضربك ومنه قوله تعالى: {وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} والدعاء نحو رب انصرني فلا أخذل ومنه:
325 - رب وفقني فلا أعدل عن ... سنن الساعين في خير سنن

(4/12)


والاستفهام: نحو هل تكرم زيدا فيكرمك ومنه قوله تعالى: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا}
والعرض: نحو ألا تنزل عندنا فتصيب خيرا ومنه قوله:
326 - يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما ... قد حدثوك فما راء كمن سمعا؟

(4/13)


والتحضيض: نحو لولا تأتينا فتحدثنا ومنه قوله تعالى: {لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} .
والتمنى: نحو {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً} ومعنى أن يكون الطلب محضا أن لا يكون مدلولا عليه باسم فعل ولا بلفظ الخبر فإن كان مدلولا عليه بأحد هذين المذكورين وجب رفع ما بعد الفاء نحو صه فأحسن إليك وحسبك الحديث فينام الناس.
والواو كالفا إن تفد مفهوم مع ... كلا تكن جلدا وتظهر الجزع
يعني أن المراضع التي ينصب فيها المضارع بإضمار أن وجوبا بعد الفاء بنصب فيها كلها ب أن مضمرة وجوبا بعد الواو إذا قصد بها المصاحبة نحو: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} وقوله:

(4/14)


327 - فقلت ادعى وأدعو إن أندى ... لصوت أن ينادى داعيان
وقوله:
328 - لاتنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم

(4/15)


وقوله:329-
ألم أك جاركم ويكون بيني ... وبينكم المودة والإخاء

(4/16)


واحترز بقوله إن تفد مفهوم مع عما إذا لم تفد ذلك بل أردت التشريك بين الفعل والفعل أو أردت جعل ما بعد الواو خبرا لمبتدأ محذوف فإنه لا يجوز حينئذ النصب ولهذا جاز فيما بعد الواو في قولك لا تأكل السمك وتشرب اللبن ثلاثة أوجه:
الجزم: على التشريك بين الفعلين نحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن.
والثاني: الرفع على إضمار مبتدأ نحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن أي وأنت تشرب اللبن.
والثالث: النصب على معنى النهى عن الجمع بينهما نحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن أي لا يكن منك أن تأكل السمك وأن تشرب اللبن فينصب هذا الفعل بأن مضمرة.
وبعد غير النفي جزما اعتمد ... إن تسقط الفا والجزاء قد قصد
يجوز في جواب غير النفي من الأشياء التي سبق ذكرها أن تجزم إذا

(4/17)


سقطت الفاء وقصد الجزاء نحو زرني أزرك وكذلك الباقي وهل هو مجزوم بشرط مقدر أي زرني فإن تزرني أزرك أو بالجملة قبله قولان ولا يجوز الجزم في النفي فلا تقول ما تأتينا تحدثنا.
وشرط جزم بعد نهي أن تضع ... إن قبل لا دون تخالف يقع
لا يجوز الجزم عند سقوط الفاء بعد النهي إلا بشرط أن يصح المعنى بتقدير دخول إن الشرطية على لا فتقول لا تدن من الأسد تسلم بجزم تسلم إذ يصح إن لا تدن من الأسد تسلم ولا يجوز الجزم في قولك لا تدن من الأسد يأكلك إذ لا يصح إن لا تدن من الأسد يأكلك.

(4/18)


وأجاز الكسائي ذلك بناء على أنه لا يشترط عنده دخول إن على لا فجزمه على معنى إن تدن من الأسد يأكلك.
والأمر إن كان بغير افعل فلا ... تنصب جوابه وجزمه أقبلا
قد سبق أنه إذا كان الأمر مدلولا عليه باسم فعل أو بلفظ الخبر لم يجز نصبه بعد الفاء وقد صرح بذلك هنا فقال متى كان الأمر بغير صيغة افعل ونحوها فلا ينتصب جوابه ولكن لو أسقطت الفاء جزمته كقولك صه أحسن إليك وحسبك الحديث ينم الناس وإليه أشار بقوله وجزمه اقبلا.
والفعل بعد الفاء في الرجا نصب ... كنصب ما إلى التمني ينتسب

(4/19)


أجاز الكوفيون قاطبة أن يعامل الرجاء معاملة التمني فينصب جوابه المقرون بالفاء كما نصب جواب التمنى وتابعهم المصنف ومما ورد منه قوله تعالى: {َلعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ} في قراءة من نصب أطلع وهو حفص عن عاصم.
وإن على اسم خالص فعل عطف ... تنصبه أن ثابتا أو منحذف
يجوز أن ينصب بأن محذوفة أو مذكورة بعد عاطف تقدم عليه اسم خالص أي غير مقصود به معنى الفعل وذلك كقوله:
330 - ولبس عباءة وتقر عيني ... أحب إلي من لبس الشقوف

(4/20)


فـ تقر منصوب بأن محذوفة وهي جائزة الحذف لأن قبله اسما صريحا وهو لبس وكذلك قوله:
330 - إني وقتلي سليكا ثم أعقله ... كالثور يضرب لما عافت البقر

(4/21)


فـ أعقله منصوب ب وأن محذوفة وهي جائزة الحذف لأن قبله اسما صريحا وهو قتلي وكذلك قوله:
332 - لولا توقع معتر فأرضيه ... ما كنت أوثر إترابا على ترب

(4/22)


فـ أرضيه منصوب بأن محذوفه جوازا بعد الفاء لأن قبلها اسما صريحا وهو توقع وكذلك قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} فيرسل منصوب بان الجائزة الحذف لأن قبله وحيا وهو اسم صريح.
فإن كان الاسم غير صريح أي مقصودا به معنى الفعل لم يجز النصب نحو الطائر فيغضب زيد الذباب فيغضب يجب رفعه لأنه معطوف على طائر وهو اسم غير صريح لأنه واقع موقع الفعل من جهة أنه صلة لأل وحق الصلة أن تكون جملة فوضع طائر موضع يطير

(4/23)


والأصل الذي يطير فلما جيء بأل عدل عن الفعل إلى اسم الفاعل لأجل أل لأنها لا تدخل إلا على الأسماء.
وشذ حذف أن ونصب في سوى ... ما مر فاقبل منه ما عدل روى
لما فرغ من ذكر الأماكن التي ينصب فيها بأن محذوفة إما وجوبا وإما جوازا ذكر أن حذف أن والنصب بها في غير ما ذكر شاذ لا يقاس عليه ومنه قولهم مره يحفرها بنصب يحفر أي مره أن يحفرها ومنه قولهم خذ اللص قبل يأخذك أي قبل أن يأخذك ومنه قوله:
333 - ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
في رواية من نصب أحضر أي أن أحضر.

(4/24)


عوامل الجزم
بلا ولام طالبا ضع جزما ... في الفعل هكذا بلم ولما
وأجزم بإن ومن وما ومهما ... أي متى أيان أين إذما
وحيثما أنى وحرف إذما ... كإن وباقي الأدوات أسما
الأدوات الجازمة للمضارع على قسمين:
أحدهما: ما يجزم فعلا واحدا وهو اللام الدالة على الأمر نحو ليقم زيد أو على الدعاء نحو {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} ولا الدالة على النهي نحو قوله تعالى: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} أو على الدعاء نحوربنا لا تؤاخذنا ولم ولما وهما للنفي ويختصان بالمضارع ويقلبان معناه إلى المضي نحو لم يقم زيد ولما يقم عمرو ولا يكون النفي بلما إلا متصلا بالحال.

(4/26)


والثاني: ما يجزم فعلين وهو إن نحو: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ} ومن نحو: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} وما نحو: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ} ومهما نحو وقالوا: {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} وأي نحو: {أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}
ومتى كقوله
334 - متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد
وأيان

(4/27)


كقوله:
335 - أيان نؤمنك نأمن غيرنا وإذا لم ... تدرك الأمن منا لم تزل

(4/28)


حذرا
أينما كقوله:
336 - أينما الريح تميلها تمل
وإذ ما نحو قوله:
337 - وإنك إذ ما تأت ما أنت آمر ... به تلف من إياه تأمر آتيا
وحيثما نحو

(4/29)


قوله:
338 - حيثما تستقم يقدر لك ... الله نجاحا في غابر الأزمان
وأنى نحو قوله:
339-

(4/30)


خليلي أني تأتياني تأتيا ... أخا غير ما يرضيكما لا يحاول
وهذه الأدوات التي تجزم فعلين كلها أسماء إلا إن وإذ ما فإنهما حرفان وكذلك الأدوات التي تجزم فعلا واحدا كلها حروف.

(4/31)


فعلين يقتضين شرط قدما ... يتلو الجزاء وجوابا وسما
يعني أن هذه الأدوات المذكورة في قوله واجزم بإن إلى قوله وأني يقتضين جملتين:
إحداهما: وهي المتقدمة تسمى شرطا.
والثانية: وهي المتأخرة تسمى جوابا وجزاء ويجب في الجملة الأولى أن تكون فعلية وأما الثانية فالأصل فيها أن تكون فعلية ويجوز أن تكون اسمية نحو إن جاء زيد أكرمته وإن جاء زيد فله الفضل.
وماضيين أومضارعين ... تلفيهما أو متخالفين

(4/32)


إذا كان الشرط والجزاء جملتين فعليتين فيكونان على أربعة أنحاء:
الأول: أن يكون الفعلان ماضيين نحو إن قام زيد قام عمرو ويكونان في محل جزم ومنه قوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ} .
والثاني: أن يكونا مضارعين نحو إن يقم زيد يقم عمرو ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ} .
والثالث: أن يكون الأول ماضيا والثاني مضارعا نحو إن قام زيد يقم عمرو ومنه قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} .
والرابع: أن يكون الأول مضارعا والثاني ماضيا وهو قليل ومنه قوله:
340 - من يكدني بسيء كنت منه ... كالشجا بين حلقه والوريد

(4/33)


وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من يقم ليلة القدر غفر له ما تقدم من ذنبه"

(4/34)


وبعد ماض رفعك الجزا حسن ... ورفعه بعد مضارع وهن
أي إذا كان الشرط ماضيا والجزاء مضارعا جاز جزم الجزاء ورفعه وكلاهما حسن فتقول إن قام زيد يقم عمرو ويقوم عمرو ومنه قوله:
341 - وإن أناه خليل يوم مسألة ... يقول لا غائب مالي ولا حرم

(4/35)


وإن كان الشرط مضارعا والجزاء مضارعا وجب الجزم فيهما ورفع الجزاء ضعيف كقوله:
342 - يا أقرع بن حابس يا أقرع ... إنك إن يصرع أخوك تصرع

(4/36)


وأقرن بفا حتما جوابا لو جعل ... شرطا لإن أو غيرها لم ينجعل
أي إذا كان الجواب لا يصلح أن يكون شرطا وجب اقترانه بالفاء وذلك كالجملة الاسمية نحو إن جاء زيد فهو محسن وكفعل الأمر نحو إن جاء زيد فاضربه وكالفعلية المنفية بما نحو إن جاء زيد فما أضربه أو لن نحو إن جاء زيد فلن أضربه فإن كان الجواب يصلح أن يكون شرطا كالمضارع الذي ليس منفيا بما ولا بلن ولا مقرونا بحرف التنفيس ولا بقد وكالماضي المتصرف

(4/37)


الذي هو
غير مقرون بقد لم يجب اقترانه بالفاء نحو إن جاء زيد يجيء عمرو أو قام عمرو
وتخلف الفاء إذا المفاجأة ... كـ "إن تجد إذا لنا مكافأة"
أي إذا كان الجواب جملة اسمية وجب اقترانه بالفاء ويجوز إقامة إذا الفجائية مقام الفاء ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} .
ولم يقيد المصنف الجملة بكونها اسمية استغناء بفهم ذلك من التمثيل وهو إن تجد إذا لنا مكافأة.
والفعل من بعد الجزا إن يقترن ... بالفا أو الواو بتثليث قمن

(4/38)


إذا وقع بعد جزاء الشرط فعل مضارع مقرون بالفاء أو الواو جاز فيه ثلاثة أوجه: الجزم والرفع والنصب وقد قرىء بالثلاثة قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} بجزم يغفر ورفعه ونصبه وكذلك روى بالثلاثة قوله:
343 - فإن يهلك أبو قابوس يهلك ... ربيع الناس والبلد الحرام
ونأخذ بعده بذناب عيش ... أجب الظهر ليس له سنام

(4/39)


روى بجزم نأخذ ورفعه ونصبه.
وجزم أو نصب لفعل إثرفا ... أو واو أن بالجملتين اكتنفا
إذا وقع بين فعل الشرط والجزاء فعل مضارع مقرون بالفاء أو الواو جاز نصبه وجزمه نحو إن يقم زيد ويخرج خالد أكرمك بجزم يخرج ونصبه ومن النصب قوله:

(4/40)


344 - ومن يقترب منا ويخضع نؤوه ... ولا يخش ظلما ما أقام ولا هضما
والشرط يغني عن جواب قد علم ... والعكس قد يأتي إن المعنى فهم

(4/41)


يجوز حذف جواب الشرط والاستغناء بالشرط عنه وذلك عند ما يدل دليل على حذفه نحو أنت ظالم إن فعلت فحذف جواب الشرط لدلالة أنت ظالم عليه والتقدير أنت ظالم إن فعلت فأنت ظالم وهذا كثير في لسانهم وأما عكسه وهو حذف الشرط والاستغناء عنه بالجزاء فقليل ومنه قوله:
فطلقها فلست لها بكفء ... وإلا يعل مفرقك الحسام

(4/42)


أي وإلا تطلقها يعل مفرقك الحسام.
واحذف لدى اجتماع شرط وقسم ... جواب ما أخرت فهو ملتزم
كل واحد من الشرط والقسم يستدعي جوابا وجواب الشرط إما مجزوم أو مقرون بالفاء وجواب القسم إن كان جملة فعلية مثبتة مصدرة بمضارع أكد باللام والنون نحو والله لأضربن زيدا وإن صدرت بماض اقترن باللام وقد نحو والله لقد قام زيد وإن كان جملة اسمية فبإن واللام أو
اللام وحدها أو بإن وحدها نحو والله إن زيدا لقائم والله لزيد

(4/43)


قائم والله إن زيدا قائم وإن كان جملة فعلية منفية فينفي بما أولا أو إن نحو والله ما يقوم زيد ولا يقوم زيد وإن يقوم زيد والاسمية كذلك.
فإذا اجتمع شرط وقسم حذف جواب المتأخر منهما لدلالة جواب الأول عليه فتقول إن قام زيد والله يقم عمرو فتحذف جواب القسم لدلالة جواب الشرط عليه وتقول والله إن يقم زيد ليقومن عمرو فتحذف جواب الشرط لدلالة جواب القسم عليه.
وإن تواليا وقبل ذو خبر ... فالشرط رجح مطلقا بلا حذر
أي إذا اجتمع الشرط والقسم أجيب السابق منهما وحذف جواب المتأخر هذا إذا لم يتقدم عليهما ذو خبر فإن تقدم عليهما ذو خبر رجح الشرط مطلقا أي سواء كان متقدما أو متأخرا فيجاب الشرط ويحذف جواب القسم فتقول زيد إن قام والله أكرمه وزيد والله إن قام أكرمه.

(4/44)


وربما رجح بعد قسم ... شرط بلا ذي خبر مقدم
أي وقد جاء قليلا ترجيح الشرط على القسم عند اجتماعهما وتقدم القسم وإن لم يتقدم ذو خبر ومنه قوله:
346 - لئن منيت بنا عن غب معركة ... لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل

(4/45)


فلام لئن موطئة لقسم محذوف والتقدير والله لئن وإن شرط وجوابه لا تلفنا وهو مجزوم بحذف الياء ولم يجب القسم بل حذف جوابه لدلالة جواب الشرط عليه ولو جاء على الكثير وهو إجابة القسم لتقدمه لقيل لا تلفينا بإثبات الياء لأنه مرفوع.

(4/46)