شرح أبيات سيبويه تصحيح عين (تفعِلة) اسماً
قال سيبويه: (وكذلك (تفعِلة) منهما) يريد من بنات الواو والياء -
يُتَمّ - يعني أنه لا يُعل، ليُفَرّق بين هذا وبين (يَفعِل فعْلا)
(ويذلك على أن هذا يجري مجرى ما أوله الهمزة مما ذكرنا قول العرب من:
دار يدور تدْوِرَة).
(2/355)
يريد أن ما يبنى اسماً وفي أوله زائدة من
زوائد الفعل وعينه معتلة، تصحح عينه ولا تعل، ليفرَّق بين هذا البناء
اسماً وبينه فعلاً. وذكر من هذا النوع (تدْوِرَة) وهي (تفعِلة) من: دار
يدور، وصححت فيها العين لأجل أنها اسم. قال ابن مقبل:
ليتَ اللياليْ يا كبَيشةُ لم تكنْ ... إلا كليْلتِنا بحَزْمِ طِحالِ
في ليلةٍ جَرَتِ النحوسُ بغيرِها ... يبكي على أمثالِها أمثالي
(بِتنا بتدْوِرَةٍ يضيء وجوهَنا ... دَسَمُ السَّليطِ على فتيلِ
ذُبالِ)
كبيشة امرأته، وطِحال: أكمة بعينها، وحزمها: ما غلظ من الأرض حولها، في
ليلة جرت النحوس بغيرها: أي لم يكن فيها نحس، والتدورة: قطعة من الرمل
تستدير، والذبال: الفتل، الواحدة ذُبالة وهي الفتيلة. ودَسَمُ
السَّليطِ: أراد به دهن السليط، وهودهن السِّمسِم، وبعضهم يقول:
هوالزيت.
يريد أنهم أشعلوا في تلك الليلة مصابيحهم بدهن السمسم، يريد أنه بات هو
وكبيشة في الموضع، على الوصف الذي ذكر. ويروى: (بدَيِّرة) مكان تدورة.
(2/356)
صيغة (إفعَوْل) للاسم والصفة
قال سيبويه في الأبنية: (ويكون على إفعَوْل). وذكر ما جاء منه اسماً،
ثم ذكر الإزموْل في الصفة وقال: (إنما يريدون الذي يَزمُل).
قال ابن مقبل:
ولو تألفُ مَوْشِيّاً أكارعُه ... من فدْرِ سَوْطى بأدنى دَلها ألفا
(عَوْداً أحَمَّ القرا إزْمَوْلَةً وقلاً ... يأتي تراثَ أبيه يتبعُ
القذُفا)
وصف امرأة ثم قال: ولو تألفُ - وأراد تتألف - هذه المرأة وعْلاً موشياً
أكارعه، والموشي: الذي في قوائمه خطوط شِبه الوشي في الثوب، والفدْر:
جمع فدور، والفادر والفدور واحد وهو الوعل المسنّ، وسَوطى: موضع بعينه،
والدَلْ: الشكل والظرف وحسن الزِيّ وعذوبة الحديث.
يقول: لو أرادت أن يدنو إليها الوعل الذي مسكنه في رؤوس الجبال، لدنا
منها لما يدعوه إليها من حسنها وملاحتها، وهذا على طريق المبالغة. وهو
كقول النابغة:
(2/357)
بِتكلمٍ لو تستطيعُ حِوارَه ... لدَنتْ له
أرْوَى الجبالِ الصخدِ
ثم وصف الوعل فقال: عَوْداً أحم القرا. والعَوْد: الكبير المسن، والأحم
الأسود، والقرا: الظهر، والإزْمَوْلَة: الذي يَزْمُل: يمشي في شِق من
بغيه ونشاطه، وقيل الإزمولة: الضخم، الوقل: الذي يتوقل في الجبل يصعد
فيه. وقوله: يبغي تراث أبيه: يريد أنه يسكن الجبال الذي كان أبوه
يسكنها، والتراث: الميراث، والقذف: نواحي رأس الجبل، وهو الموضع الذي
إن زلّ عنه هوى في الأرض.
في قلب الواو همزة
قال سيبويه فيما اعتلت فاؤه: (ولكنّ ناساً من العرب يُجرون الواو - إذا
كانت مكسورة - مُجرى المضمومة، فيهمزون الواو المكسورة إذا كانت أولاً.
فمن ذلك قولهم: إسادة وإعاء) في وسادة ووعاء. قال ابن مقبل:
(إلا الإفادةَ فاستولتْ رَكائِبَنا ... عند الجبابيرِ بالبأساءِ
والنعَمِ)
(2/358)
الشاهد فيه أنه قلب الواو في (الوفادة)
همزة، وهي من: وفد يفد.
والوفادة: هي الوفود إلى الملوك والجبابرة، والجبابير: الملوك،
والبأساء: الشدة، والركائب: جمع ركاب. يريد انهم إذا حضر وفد بني عامر
عند الملوك استولت عليهم، وإن كانت للملوك نِعم كانت عليهم، فإن نزلت
بالملوك شدة قاموا بها.
وفي شعره:
أما الوفادةُ فاستولتْ رَكائِبَنا ... عند الجبابيرِ بالبأساءِ
والنعَمِ
أما العُرامُ فمن يذهبْ يُعارِمُنا ... يَعْضَضْ بإبهامِه من واجمِ
الندمِ
العُرام: الخصومة والقتال، والواجم: الساكت على غم وحزن، وأراد: من
وَجوم الندم، وجعل اسم الفاعل في موضع المصدر، ويجوز أن تقدر الكلام،
لا تجعل معه اسم الفاعل في موضع المصدر، ويكون التقدير: يعضض بإبهامه
من جريرة واجم الندم.
في الأبنية (فعُلان)
قال سيبويه في الأبنية: ويكون على (فعُلان) وهو قليل، قالوا:
السَّبُعان، وهو اسم المكان. قال ابن مقبل):
(ألا يا ديارَ الحيِّ بالسَّبُعان ... أملَّ عليها بالبِلى المَلوانِ)
الملوان: الليل والنهار. يريد أن الليل والنهار أكثرا عليها من أسباب
البلى والدروس، فكأنهما أملاها من كثرة ما أصاباها به من ذلك. وهو
مأخوذ من: أمللتَ الرجلَ إذا أضجرته بحديثك أو بغيره مما يكره كثرته
وطوله، يعني أملَ عليها بأسباب البلى.
(2/359)
في إبدال الواو تاءً
قال سيبويه فيما اعتلت فاؤه: (وقد دخلت على المفتوح كما دخلت الهمزة
عليه، وذلك قولهم (تيقور) وزعم الخليل أنها من الوقار).
يريد أن التاء دخلت على ما أوله ولو مفتوحة فجُعلت بدلاً منها، كما
أبدلت التاء من الواو المضمومة في: تكلان وتجاه وتخَمة. قال العجاج:
(فإنْ يكنْ أمسى البلى تيْقوري)
والمرءُ قد يصيرُ للتصييرِ
مقرِراً بغيرِ لا تقريرِ
يقول: إن كان بِلى جسمي، وضعفُ قوتي، قد صيراني وقوراً قليل الحركة.
يريد أنه صار وقوراً لكبره وبلاه وضعفه. وفي (يكن) ضمير الأمر والشأن،
و (البلى) اسم (أمسى) و (تيْقوري) خبر (أمسى)، والتصيير: ما يصير إليه
الإنسان من حال بعد حال.
يريد أن الإنسان يُنقل من حال إلى حال، لا يدوم له شبابه وقوته ونشاطه
وقوله: مقرَّراً، يقول: تقرر على حال يجعل عليها، ثم لا يترك عليها حتى
يُنقل إلى حال أخرى. وجواب (إن يكن) يأتي بعد هذه الأبيات، ولم أذكره
لأني كرهت الإطالة.
(2/360)
تثقيل (فعُل) مما عينه واو - ضرورة
قال سيبويه في التصريف: (فأما (فعُل) فإن الواوفيه تسكن لاجتماع
الضمتين والواو، فجعلوا الإسكان فيها نظيراً للهمزة في الواو في
(أدْؤُر) وذلك قولهم: عَوان وعُوْن، ونَوار ونوْر).
يريد أنهم أسكنوا ما كان على (فعُل) مما عينه واو، وجعلوا التخفيف
بالإسكان كهمزهم لواو (أدْؤُر وأنؤُر) وحملوا (عُوْن ونوْر) في التخفيف
على تخفيفهم في الصحيح، مثل قولهم: رُسْل في رُسُل، وطُنب في طُنب،
وعدلوا إلى التخفيف بالإسكان، كما عدلوا إلى التماس التخفيف بقلبهم
الواو التي تقع في (أفعُل) عيناً همزةً.
ثم مضى سيبويه في كلامه حتى انتهى إلى قوله: (ويجوز تثقيله في الشعر)
يعني تثقيل (فعُل) مما عينه واو.
قال عدي بن زيد:
قد حان لو صحوتَ أن تقصِرُ ... وقد أتى لما عَهِدْتَ عُصُرْ
(عن مُبْرِقاتٍ بالبُرِين وتبدو ... بالأكُفِّ اللامعاتِ سُوُرْ)
(2/361)
الشاهد فيه تحريك الواومن (سُوُر) بالضم،
وهوجمع سِوار.
تصحو: تفيق من طلبك النساء واللهومعهن، وقوله: (عن مُبْرِقات) في صلة
(تقصر). يريد: قد حان أن تقصر عن طَلَبة نساءٍ مبرقات بالبُرين،
والعصر: الدهر.
يقول: قد أتى لما عهدت من أفعالك في شبابك عُصُر، يريد: قد مضى دهر بعد
شبابك، فقد حان أن تنصرف عما كنت تفعله. والبُرين: الخلاخيل، وهي شبيهة
بالحَلَق التي تجعل في أنوف الإبل، وتكون من صُفْر. والمبرقات: جمع
مُبْرقة، وهي التي تُظهر حَلْيَها وتلوح به حتى ينظر إليه الرجال
فيميلوا إليها.
وقوله: وتبدو بالأكُفِّ اللامعات، يريد بأذرع الأكف اللامعات، لأن
السوار إنما يكون في الذراع لا يكون في الكف، وسُوُر: جمع سِوار مثل
حمار وحُمر ويقال سُوار بالضم. وقد جاء إسوار في هذا المعنى. والمعنى
أنهن يُظهرن حُليَّهن ليراها الرجال.
وزن (فَيْعل) خاص بالمعتل (سيِّد)
قال سيبويه: (وكان الخليل يقول: سَيِّد: فيْعِل وإن لم يكن (فيْعِل) في
غير المعتل، لأنهم قد يختصون المعتل بالبناء لا يختصون به غيره) ثم ذكر
(كَيَّنونة) وأنها (فيْعَلولة) وليس له نظير في الصحيح، وكذلك قضاة
وزنها فعَلَة، وليس يُجمع (فاعل) إذا كان صحيحاً على (فعَلَة).
(2/362)
وحكى عن بعض النحويين أنها (فيْعَل) مفتوح
العين، ولكنهم غيروا الحركة، وقال: (قول الخليل أعجب إليّ، لأنه قد جاء
في المعتل بناء لم يجئ في غيره، ولأنهم قد قالوا: هَيَّبان وتيّحان فلم
يكسروا) يعني أنه لو كان الأصل عندهم الفتح في (فيْعِل) وعدلوا به عن
الفتح إلى الكسر لفعلوا مثل هذا في: هَيَّبان وتيّحان، لأن
صدر هذا وأمثاله: هيَّب وتيَّح مثل فيْعَل، فلو كان الأصل في (سيِّد)
وأشباهه (فيْعَل) ثم كُسر، لكسر هَيَّبان وتيّحان.
ثم حكى أن بعض العرب فتح قول رؤبة:
(ما بالُ عَيْني كالشعيب العَيَّنِ)
وبعضُ أغراضِ الشجون الشّجنِ
دارُ كرَقمِ الكاتبِ المُرَقنِ
الشاهد فيه أنه فتح الياء من (العيَّن)، فلو كان هذا البناء أصله،
(2/363)
وعدلوه عن الفتح إلى الكسر لم يجز فتح هذا.
والشَّعيب: المَزادة تعمل من أديمين، والعيَّن: التي قد أخلق جلدها
ورقّ، فهولا يمسك الماء. يريد أن عينه يجري منها الدمع كما يجري من هذه
المزادة الخَلَق، التي قد تعينت، والشجون: جمع شَجَن وهو الحاجة.
والشُّجن: جمع شاجن وهو مبالغة في الشجون، كأنهم قالوا: شَجَنُ شاجن أي
مُهمّ، كما تقول: شُغُل شاغل، ثم جمعوا الشَّجَن على شُجون، والشاجن
على الشُّجَّن كما تقول: أشغال شواغل.
والأغراض: جمع غرض، وهو ما يقصده الإنسان ويريد فعله، و (بعضُ) رفع
بالابتداء و (دار) خبره، كأنه قال: وبعض أغراضي سؤال دار أو مخاطبة دار
أو ما أشبه ذلك، ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، ورَقم الكاتب:
خطه وما يستدير منه، والمرقن: الذي يحلق حلقاً. شبه آثار الدار بكتابة
كاتب يخط، ويدوّر نحو الميم والواو والهاء.
(اليمي) من حروف (اليوم) لنعته بالشدة
قال سيبويه في التصريف، قال أبو الأخزر الحِمّني:
(مَروانُ مَروانُ أخو اليوم اليَمي)
كان متى يعطِفْ عَلوقاً ترْأمِ
(2/364)
رِئمانَ أُمٍّ لبةِ التأمّمِ
الشاهد فيه على أنه قلب (اليمي) من (اليوم)، وأراد باليمي الشديد،
وأخذه من لفظ اليوم، كما تقول: شغل شاغل، وداهية دهياء، يشتقون من حروف
الكلمة لفظاً يجعلونه صفة لشدة الشيء المذكور أونباهتِه.
يمدح بهذا مروان بن محمد، والعَلوق: التي إذا عُطِفت على ولد غيرها،
شمّته بأنفها ولم تدرّ عليه، فإن عطفتْ عليه فدرّت قيل: رئمت تَرأم،
فأراد أنه تنقاد له الأمور الصعبة التي لا تنقاد لغيره، ولا يظن أنها
تنقاد لأحد، كما أنّ العَلوق لا يُرجى عطفها على ولد. واللبَّة: المرأة
المحبة لولدها التي لا تفارقه. يقول: إنه يسهل الأمور، وينقلها إلى ضد
ما كانت عليه.
جَمَع (عُوّار) على (عواور) فحذف ولم يقلب
قال سيبويه في التصريف، قال جَندّل الطهَويّ:
غرَّكِ أن تقاربتْ أباعري
وأنْ رأيتِ الدهرَ ذا الدوائرِ
حنى عظامي وأراهُ ثاغري
(وكحَّلَ العينينِ بالعواوِرِ)
وفي شعره:
وكاحلاً عيني بالعوارِ
(2/365)
الشاهد فيه أنه حذف الياء من (العواوير)
ولم يقلب الواو - التي بعد الألف - همزة كما تقلب في (أوائل) لأن الياء
المحذوفة في تقدير ما هو ملفوظ به.
خاطب جندل امرأة فقال لها: غرّك - حتى اجترأت على مخالفتي - أني قد
كبرت، وتقاربت أباعري. يريد أنه ترك السفر والرحلة إلى الملوك، فإبله
مجتمعة لا يفارق بعضها بعضاً وثاغري: كاسر أسناني. والعواوير: جمع
عُوّار وهو وجع
العين. يريد أن مرّ الزمان أفسد بصره، وحتى عظامه، وقصّر خطوه.
إجراء ما عينه ولامه ياءان - مجرى المضاعف
من الصحيح
قال سيبويه: (وقد قال بعض العرب: حيّوا وعيّوا لما رأوْها في الواحد
والاثنين والمؤنث إذا قالوا: حيَّت المرأة بمنزلة المضاعف).
وأراد سيبويه أن من العرب من يُجرى ما عينه ولامه ياءان، مُجرى المضاعف
من الصحيح نقول: حَيَّ الرجل كما تقول: قد عضّ، وحيّوا كما تقول: عضّوا
وحيّا بمنزلة عضّا. وقال عَبيد:
(عيّوا بأمرِهِمِ كما ... عيَّت ببيضتها الحمامهْ)
وضعَتْ لها عودَيْن من ... ضَعَةٍ وعوداً من ثمامَهْ
(2/366)
يريد أنهم لم يتوجهوا للخلاص مما وقعوا
فيه. يقول عبيد هذا لقومه بني أسد، ويسأل بعض الملوك في أمرهم حتى يصفح
عنهم وينعم عليهم. وإنما جعلهم كالحمامة لأن فيها خُرْقا، أي هي قليلة
الحيلة. ويقال في الأمثال: (هو أخرق من حمامة) وذلك أنها تبيض في شر
المواضع وأخوفها على البيض، فإن اشتدت الريح وتحركت الشجر سقط بيضها.
والضعة: ضرب من الشجر، والثمام أيضاً شجر. يريد أنها جمعت عيداناً من
هذه الشجر، وجعلتها عشاً وباضت فوقها، ولم تمكن العش.
ويروى:
بَرِمتْ بنو أسد كما ... برمت ببيضتها اليَمامَهْ
ولا شاهد فيه على هذا الوجه.
ندرة الأبنية على (فعَلاء)
قال سيبويه في الأبنية وقال الشاعر:
كأنّ حوافرَ النحّام لما ... ترَوَّحَ صُحبتي أُصلاً مَحارُ
(على قرَماء عاليهِ شَواهُ ... كأنّ بياضَ غرَّتِهِ خِمارُ)
(2/367)
النحام: اسم فرسه - وكان النحام نفق -
وتروح صحبتي: من الرواح وهو سير العشيّ، والمحار: الصدف، الواحدة
محارة. شبه حوافره بالمحار لملاستها. وقوله: على قرَماء، يجوز أن يريد:
لما تروح صحبتي من قرماء، وجعل (على) مكان (من). ويجوز أن يريد: كأن
حوافر النحام محار على قرماء.
وقوله: عاليه شواه - والشوَى: القوائم - يريد أنه انتفخ بطنه وارتفعت
قوائمه فصارت عالية. و (شواه) مبتدأ و (عاليه) خبره، والضمير يعود
إليه. ويروى: (عاليةُ شواه).
ويؤنث الشوى، ويجعلها جمع شواة. ورأيت بعض من يفسر الشعر ذكر غير هذا،
وفسر الشعر على أن الفرس حي، وقال: قوله (عاليهِ شواه) أراد أنه مشمر
ليس به قِصر.
في قلب الواو ياء
قال سيبويه: (وقال الشاعر فيما قلبت الواو فيه ياء من غير الجمع) يريد
به قلب لام الفعل - إذا كانت واواً - إلى الياء، في نحو: مغزو ومدعو،
يجوز في جميع هذا الباب أن تقلب واوه ياء، فيقال: مغزي ومدعي. قال عبد
يغوث بن وقاص الحارثي:
(2/368)
(وقد علمتْ عرسي مليكةُ أنني ... أنا
الليثُ مَعدِيّا عليّ وعاديا)
الشاهد في قوله: (معدياً) وهو من: عدا يعدو، أراد معدُوّا.
(وعرسه: زوجته). وقوله: معدواً عليّ: يريد أن من عدا عليه فهو بمنزلة
من عدا
على الأسد فهو يهلك من قصده، وإذا قصد هو شيئا أهلكه.
إجراء (حَيوا) مجرى (خشوا)
قال سيبويه في المعتل العين واللام، قال مودود العنبري:
(وكنا حسبْناهُمْ فوارسَ كَهْمَسٍ ... حيُوا بعد ما ماتوا الدهرِ
أعْصُرا)
الشاهد في قوله (حَيُوا) وأنهم أجروها مجرى (خَشوا) ولم يُدغموا العين
في اللام. وكهمس هذا هو كهمس بن طلق الصَّريمي، وكان في جملة الخوارج
مع بلال بن مرداس وكانت الخوارج قد أوقعت بأسلم بن زرعة الكلابي،
(2/369)
وهم في أربعين رجلاً وهو في ألفي رجل،
فقتلت قطعة من أصحابه وانهزم إلى البصرة.
قال مودود هذا الشعر في قوم من بني تميم، فيهم شدة، كانت لهم وقعة
بسجستان فشبههم في شدتهم بالخوارج الذين كان فيهم كهمس، عاشوا بعدما
ماتوا بسنين.
التخفيف بحذف اللام لامتناع الإدغام
قال سيبويه في الإدغام، قال الفرزدق:
(فما سُبق القيسيُّ من ضَعف قوةٍ ... ولكنْ طفَتْ عَلماءٍ غرْلَةُ
قنْبرِ)
(2/370)
كان قنبر سابَقَ رجلاً في السير في السفن،
فسبقه القيسي فدخل البصرة، ثم إن الفرزدق أراد أن يخرج من البصرة إلى
الحجاج في السفن، فركب في سفينة مع الركاب، وتفرد قنبر في سفينة خفيفة،
فطوى الفرزدق وسبقه إلى واسط، فقال الفرزدق هذا البيت. والبيت يدل على
أن القيسي كان قاصداً إلى واسط. وقوله: (طفَتْ عَلماء) يريد أن قنبراً
بصير بالركوب في السفن، يريد أنه ليس بعربي نشأ في البادية، إنما نشأ
مع الملاحين وكان يسبح قبل أن يُختن، فلذلك قال: طفَتْ عَلماءٍ قُلفَة
قنْبر.
وفي شعره: (لكنْ طفت في الماء) وليس في هذه الرواية شاهد.
(أُفعول) في الاسم والصفة
قال سيبويه في الأبنية، قال أبو السَّكْب المازني:
(إني أرِقْتُ على المِطلي وأشأزني ... برقُ يضيءُ أمامَ البيت أُسكوبُ)
المِطلي موضع بعينه، والواحد من المطالي: مِطلاء، ويجوز أن يكون قَصَر
المِطلاء. وأشأزني: أقلقني، والأُسكوبُ الذي إذا برق امتد إلى جهة
الأرض.
(2/371)
قوله (مؤرنَب) على الأصل - والوجه (مُرنَب)
قال سيبويه قالت ليلى الأخليلية:
فلما أحسّا رِزّها وتضوّعا ... وآبتهُما من ذلك المتأوَّبِ
(تدلتْ إلى حُصِّ الرؤوس كأنها ... كُراتُ غلامٍ من كساءٍ مؤرنَبِ)
وصف قطاة وفراخها، والرِز: الصوت: والتضوع: التحرك، وآبتها: رجعت
إليها، إلى الفرخين من الموضع الذي شربت منه الماء، والمتأوَّب: مصدر
تأوبت، وليس بمصدر آبت، ولو أتى بمصدر آبت لقال: وآبتها من ذلك المآب،
ولكنها أتت بمصدر في معنى المصدر من الفعل المتقدم وهذا كقوله عز وجل:
(وتبتل إليه تبتيلا).
تريد أن الفرخين تحركا لما سمعا صوت جناحيها، والحُص: التي لا ريش
عليها. وشبهت الفراخ بكرات، وهي جمع كرة معمولة من كساء مشبه بجلد
الأرنب.
قوله (يحامم) دون إشباع - ضرورة
قال سيبويه في الإدغام قال أبو الأسود الدؤلي:
وكنتَ متى لا ترْعَ سرَّكَ تنتشِرْ ... فوارعُه من مخطئٍ ومصيبِ
(2/372)
(فما كلُّ نصحٍ بمؤتيك نصحَه ... وما كلُّ
مؤتٍ نصحَه بلبيبِ)
فوارعه: أعاليه. يقول: إن لم تحفظ أنت سرك، وألقيته إلى من لا يحفظه،
انتشر وأدى إلى ضررك، فاختر لسرك رجلاً يجمع العقل والنصح لك.
قال سيبويه في الإدغام قال صقر بن حكيم بن مُعَيَّة ويروى لغَيْلان بن
حُريث:
لم يبق منها غيرُ نؤْيٍ طاسمِ
(وغيرُ سُفعٍ مُثلٍ يَحلمِمِ)
وغيرُ ثاو في الدِيارِ قائمِ
الشاهد فيه على أنه لم يشبع حركة الميم الأولى من (يحامم) والإدغام
فيها غير ممكن، فاختلس الحركة اختلاساً.
والنؤي: الحاجز من التراب يُجعل حول البيت لئلا يدخله السيل والمياه،
والطاسم:
الدارس، والسُّفع: الأثافيّ الواحدة سَفعاء، سفعتها النار: سودتها،
والمُثل: جمع ماثل وماثلة وهو المنتصب. ويقال في الماثل هو اللاطئ
بالأرض، وهو من الأضداد، ويحامم: جمع يَحموم
(2/373)
وهوالأسود، وكان ينبغي أن يقول (يَحاميم)
ولكنه اضطر إلى حذف الياء.
والثاوي: الوتد. ثوى في الدار: أقام بها بعد ارتحال أهلها عنها. وصف
دياراً خلت من أهلها وبقيت آثارهم فيها، نحو: الإناء والأثافي
والأوتاد.
قال سيبويه في الإدغام قال صقر بن حكيم:
أحينَ لاحَ الشيبُ من عَمائمي
وحينَ وفيْتُ بقولِ الزاعمِ
ستينَ أو كنتُ بقولِ العالِمِ
وامتاحَ مني حَلباتِ الهاجمِ
شأو مُدِلٍّ سابقِ اللهامِمِ
جاري الرَّقاقِ واثبِ الجراثمِ
الشاهد فيه أنه أخفى حركة الميم من (اللهامم).
والحلبات: جمع حلبة، والهاجم: الحالب، والشأو: السَّبْق، والشأو:
الطلق، واللهامم: جمع لهموم وهو الغزير، وهومن وصف النوق بالغزْر يقال:
ناقة لُهموم، وأراد به أنه غزير في الجري والمسابقة لا يُدرَك ما عنده.
(2/374)
شبه نفسه مع الذين يفاخرونه ويطاولونه بخيل
في رهان قد سبقها هو وبرّز عليها.
وقوله: (أو كنت) يريد: أو كنت مقارباً للستين، فحذف خبر كان. وامتاح
وماح: أخذ مني، جعل ما أخرجه من الجري بمنزلة امتياح الماء وغيره مما
يستخرج. وفي الكتاب (حلباتِ) بالنصب و (شأو) بالرفع. وفي شعره (حلباتُ)
مرفوعة و (شأو) منصوب. وهو أجود والمعنى عليه، كأنه قال: وأخذتْ حلباتُ
الحالب مني شأو مُذكٍّ. يعني أنها استخرجت منه المسابقةَ والفضل في
القدم، وفي الكتاب (مدلّ) بلام ودال غير معجمة، وفي شعره (بذال معجمة
وكاف) وهو أحب إليّ، والمُذَكّي من الخيل: الذي علت سنه، وجريه أجود من
جري الجِذاع والثنِيّ والرُّبَع.
(2/375)
قال سيبويه قال الشاعر غيْلان بن حُريث:
(إني بما قد كلفتني عشيرتي ... من الذَّبِّ عن أحسابها لحقيقُ)
الشاهد فيه أنه اختلس حركة الباء التي في (بما) ولم يمكنه أن يدغم
الباء في الميم لأنه كان يجتمع ساكنان في حشو الشعر وهذا لا يجوز، ولو
كان في غير البيت لجاز أن يدغم، لأن الساكن الذي قبل الباء حرف من حروف
المد واللين، يجوز أن يقع بعده الساكن المدغم.
والذب: الدفع والمنع. يقول: أنا حقيق بأن تجعلني عشيرتي ذاباً عن
أحسابها، ودافعاً عنها مَن ذمها أو هجاها أو عابها، لأني أقوم بما
جعلته أولاً ولا أعجز عن
نصرها والمحافظة على حسبها ومجدها.
إدغام اللام في التاء - للتخفيف
قال الشاعر:
(فذَرْ ذا ولكنْ هتعين متيّماً ... على ضوء برقٍ آخرَ الليل ناصبِ)
الشاهد فيه على إدغامه اللام من (هل) في التاء من (تعين).
والرق الناصب: الذي يُرى من بعد، والمتيم: الذي تيمه الهوى،
(2/376)
استعبده. (فذر ذا) يريد ذر ذا الحديث
والأمرَ الذي ذكره، ولكن هل تعين متيماً. والمتيم: يعني به المتكلمُ
نفسَه، ومعونته له أن يسهر معه أو يحادثه ويسليه، ليخفَّ ما يجده من
الوجد بمن يهواه. لأن ذلك البرق لمع من الجهة التي فيها من يحبه فذكره
وأرِق، هاج حزنه.
آخر ما خرج من هذا التفسير، والحمد لله حمد الشاكرين، وصلى الله على
سيدنا محمد نبيه وآله الطاهرين، وسلم تسليماً كثيراً.
(2/377)
|