شرح الأشموني على ألفية ابن مالك
ج / 1 ص -380-
"أعلم" و"أرى" وأخواتهما:
220-
إلى ثلاثة رأى وعلما
عدوا إذا صار أرى
وأعلما
"إلى ثلاثة" من المفاعيل "رأى
وعلما" المتعديين إلى مفعولين "عدوا إذا" دخلت عليهما همزة
النقل و"صارا أرى وأعلما"؛ لأن هذه الهمزة تدخل على الفعل
الثلاثي فيتعدى بها إلى مفعول كان فاعلا قبل؛ فيصير متعديا
إن كان لازما، نحو: "جلس زيد"، و"أجلست زيدا"، ويزاد
مفعولا إن كان متعديا، نحو: "لبس زيد جبة"، و"ألبست زيدا
جبة"، و"رأيت الحق غالبا"، و"أراني الله الحق غالبا"،
و"علمت الصدق نافعا"، و"أعلمني الله الصدق نافعا".
221-
وما لمفعولي علمت مطلقا
للثان والثالث أيضا حققا
"وما" حقق "لمفعولي علمت"
ورأيت من الأحكام "مطلقا للثان والثالث" من مفاعيل "أعلم"
و"أرى" "أيضا حققا"؛ فيجوز حذفهما معا اختصارا إجماعا، وفي
حذف أحدهما اختصارا ما سبق، ويمتنع حذف أحدهما اقتصارا
إجماعا، وفي حذفهما معا اقتصارا الخلف السابق، ويجوز إلغاء
العامل بالنسبة إليهما، نحو: "عمرو أعلمت زيدا قائم"، ومنه
"البركة أعلمنا الله مع الأكابر"، وقوله "من الطويل":
348-
وأنت أراني الله أمنع عاصم
وأرأف مستكفى وأسمع واهب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
348- التخريج: البيت بلا نسبة في الدرر 2/ 277؛ وشرح
التصريح 1/ 266؛ وشرح شواهد =
ج / 1 ص -381-
وكذلك يعلق الفعل عنهما، نحو: "أعلمت زيدا
لعمرو قائم"، و"أريت خالدا لبكر منطلق"؛ وأما المفعول
الأول فلا يجوز تعليق الفعل عنه، ولا إلغاؤه، ويجوز حذفه
اختصارا واقتصارا.
222-
وإن تعديا لواحد بلا
همز فلاثنين به توصلا
223-
والثان منهما كثاني اثني كسا
فهو به في كل حكم ذو ائتسا
"وإن تعديا" أي: "رأى" و"علم"
"لواحد بلا همز" بأن كانت "رأى" بصرية و"علم" عرفانية
"فلاثنين به"، أي: بالهمز "توصلا"؛ لما عرفت، فتقول: أريت
زيدا الهلال، وأعلمته الخبر.
"والثان منهما"، أي: من هذين المفعولين "كثاني اثني"
مفعولي "كسا" وبابه من كل فعل يتعدى إلى مفعولين ليس
أصلهما المبتدأ والخبر، نحو: "كسوت زيدا جبة"، و"أعطيته
درهما" "فهو" أي الثاني من هذين المفعولين "به"، أي:
بالثاني من مفعولي باب كسا "في كل حكم ذو ائتسا"، أي: ذو
اقتداء؛ فيمتنع أن يخبر به عن الأول، ويجوز الاقتصار عليه،
وعلى الأول، ويمتنع الإلغاء.
نعم يستثنى من إطلاقه التعليق؛ فإن "أعلم" و"أرى" هذين
يعلقان عن الثاني؛ لأن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المغني ص679؛ والمقاصد النحوية 2/ 446؛ وهمع الهوامع 1/
158.
شرح المفردات: عاصم: مانع. مستكفى: من يلجأ إليه في
الملمات. أسمح: أجود.
يقول: أنا لا أخاف نوائب الدهر لأنني اعتصمت بك.
الإعراب: "وأنت": الواو بحسب ما قبلها. "أنت": ضمير منفصل
مبني في محل رفع مبتدأ. "أراني": فعل ماض، والنون للوقاية،
وياء المتكلم ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. "الله":
لفظ الجلالة فاعل "أرى". "أمنع": خبر المبتدأ "أنت"، وهو
مضاف. "عاصم": مضاف إليه مجرور. "وأرأف": اسم معطوف على
"أمنع"، وهو مضاف. "مستكفى": مضاف إليه مجرور. "وأسمح":
اسم معطوف على "أمنع"، وهو مضاف، و"واهب": مضاف إليه
مجرور.
وجملة المبتدأ والخبر بحسب ما قبلها. وجملة "أراني الله"
اعتراضية لا محل لها من الإعراب.
والشاهد: قوله: "أنت أراني الله أمنع عاصم" حيث ألغى عمل
"أرى" في المفعولين الثاني والثالث، وهما قوله: "أنت أمنع
عاصم" لكون هذا الفعل قد توسط بين هذين المفعولين.
ج / 1 ص -382-
"أعلم" قلبية و"أرى" وإن كانت بصرية فهي ملحقة بالقلبية في
ذلك، ومن تعليق "أرى" عن الثاني قوله تعالى:
{رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى}1.
224-
وكأرى السابق نبا أخبرا
حدث أنبأ كذاك خبرا
"وكأرى السابق" المتعدي إلى
ثلاثة مفاعيل فيما عرفت من الأحكام "نبا" وأخبرا" و"حدث"
و"أنبأ" و"كذاك خبرا" لتضمنها معناه، كقوله "من الكامل":
349-
نبئت زرعة والسفاهة كاسمها
يهدي إلي غرائب الأشعار
وكقوله "من البسيط":
350-
وما عليك إذا أخبرتني دنفا
وغاب بعلك يوما أن تعوديني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 البقرة: 260.
349- التخريج: البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص54؛
وتخليص الشواهد ص467؛ وخزانة الأدب 6/ 315، 333، 334؛ وشرح
التصريح 1/265؛ والمقاصد النحوية 2/ 439؛ وبلا نسبة في شرح
عمدة الحافظ ص252.
اللغة: نبئت: أخبرت. زرعة: اسم رجل. السفاهة: الجهل
والطيش.
المعنى: يقول الشاعر ساخرا من زرعة: لقد بلغني أن زرعة
يتوعدني بغرائب الأشعار، فكيف يكون ذلك وهو ليس من أهل
الشعر؟ حقا إن هذا العمل من السفاهة والحمق.
الإعراب: "نبئت": فعل ماض للمجهول، والتاء ضمير في محل رفع
نائب فاعل. "زرعة": مفعول به ثان. "والسفاهة": الواو
حالية، "السفاهة": مبتدأ مرفوع، "كاسمها": جار ومجرور
متعلقان بخبر المبتدأ المحذوف. "يهدي": فعل مضارع مرفوع،
وفاعله ضمير مستتر تقديره: "هو". "إلي": جار ومجرور
متعلقان بـ"يهدي". "غرائب": مفعول به، وهو مضاف.
"الأشعار": مضاف إليه مجرور بالكسرة.
جملة: "نبئت..." ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة:
"السفاهة كاسمها" في محل نصب حال. وجملة: "يهدي" في محل
نصب مفعول به ثالث لـ"نبئت".
الشاهد: قوله: "نبئت زرعة... يهدي" حيث تعدى الفعل "نبأ"
إلى ثلاثة مفاعيل، هي: نائب الفاعل "التاء"، و"زرعة"،
وجملة "يهدي" الفعلية.
350- التخريج: البيت لرجل من بني كلاب في الدرر 2/ 279؛
وشرح التصريح 1/ 265؛ والمقاصد النحوية 2/ 443؛ وبلا نسبة
في تخليص الشواهد ص468؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي
ص1423.
اللغة: الدنف: المضنى من العشق. البعل: الزوج. عاده: زاره.
=
ج / 1 ص -383-
وكقوله "من الخفيف":
351-
أو منعتم ما تسألون فمن
حدثتموه له علينا الولاء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الإعراب: "وما": الواو بحسب ما قبلها، "ما": اسم استفهام
في محل رفع مبتدأ. "عليك": جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف.
"إذا": ظرف متعلق بالخبر المحذوف. "أخبرتني": فعل ماض
للمجهول، والتاء ضمير في محل رفع نائب فاعل، والنون
للوقاية، والياء ضمير في محل نصب مفعول به ثان، "دنفا":
مفعول به ثالث. "وغاب": الواو حالية، "غاب": فعل ماض،
"بعلك" فاعل مرفوع، وهو مضاف، والكاف ضمير في محل جر
بالإضافة. "يوما": ظرف زمان منصوب، متعلق بـ"غاب". "أن":
حرف نصب ومصدري. "تعوديني": فعل مضارع منصوب بحذف النون
لأنه من الأفعال الخمسة، والياء ضمير في محل رفع فاعل،
"والنون للوقاية"، والياء الثانية ضمير في محل نصب مفعول
به. والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها في محل جر بحرف جر
محذوف، والجار والمجرور متعلقان بالخبر المحذوف، والتقدير:
ما عليك في عيادتي.
وجملة: "أخبرتني..." في محل جر بالإضافة. وجملة: "غاب
بعلك" في محل نصب حال. وجملة: "تعوديني" صلة الموصول
الحرفي لا محل لها من الإعراب.
الشاهد: قوله: "أخبرتني دنفا" حيث تعدى الفعل "أخبر" إلى
ثلاثة مفاعيل، هي: نائب الفاعل "التاء"، والياء في
"أخبرتني" و"دنفا".
351- التخريج: البيت للحارث بن حلزة في ديوانه ص27؛ وتخليص
الشواهد ص468؛ والدرر 2/ 280؛ وشرح التصريح 1/ 265؛ وشرح
القصائد السبع ص469؛ وشرح القصائد العشر ص387؛ وشرح
المعلقات السبع ص225؛ وشرح المعلقات العشر ص122؛ وشرح
المفصل 7/ 66؛ والمعاني الكبير 2/ 1011؛ والمقاصد النحوية
2/ 445؛ وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص686؛ وشرح عمدة الحافظ
ص253؛ وهمع الهوامع 1/ 159.
اللغة: منعتم ما تسألون: أي منعتم عنا ما نسألكم من
الموادعة والإخاء. الولاء: الغلبة.
المعنى: يقول: إن منعتم ما سألناكم من الموادعة والإخاء،
فأي قوم أخبرتم عنهم أنهم فضلونا؟ أي لا قوم أمنع منا، فلا
نعجز عن مقابلتكم بمثل صنيعكم.
الإعراب: "أو": حرف عطف. "منعتم": فعل ماض، والتاء ضمير في
محل رفع فاعل، والميم للذكور. "ما": اسم موصول في محل نصب
مفعول به. "تسألون": فعل مضارع للمجهول مرفوع بثبوت النون،
والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. "فمن": الفاء حرف
ربط، "من": اسم استفهام في محل رفع مبتدأ. "حدثتموه": فعل
ماض للمجهول، والتاء ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل،
والميم لجمع الذكور، والواو للإشباع، والهاء ضمير في محل
نصب مفعول به ثان. "له" و"علينا": جار ومجرور متعلقان
بمحذوف خبر مقدم. "الولاء": مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة.
وجملة: "منعتم" معطوفة على جملة سابقة. وجملة: "تسألون"
صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وجملة: "من حدثتموه"
في محل جزم جواب الشرط. وجملة: "حدثتموه" في محل رفع خبر
المبتدأ. وجملة: "له علينا الولاء" في محل نصب مفعول به
ثالث لـ"حدث". =
ج / 1 ص -384-
وكقوله "من المتقارب":
352-
وأنبئت قيسا ولم أبله
كما زعموا خير أهل
اليمن
وكقوله "من الطويل":
353-
وخبرت سوداء الغميم مريضة
فأقبلت من أهلي بمصر أعودها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= الشاهد: قوله: "حدثتموه... له علينا الولاء" حيث تعدى
الفعل "حدث" إلى ثلاثة مفاعيل، هي: نائب الفاعل "التاء"،
والهاء في "حدثتموه"، والجملة الأسمية "له علينا الولاء".
352- التخريج: البيت للأعشى في ديوانه ص75؛ وتخليص الشواهد
ص467؛ والدرر 2/ 278؛ وشرح التصريح 1/ 265؛ ومجالس ثعلب 2/
414؛ والمقاصد النحوية 2/ 440؛ وبلا نسبة في عمدة الحافظ
ص251؛ وهمع الهوامع 1/ 159.
اللغة: لم أبله: لم أختبره.
المعنى: يقول: لقد بلغني أن قيسا -كما يزعمون- خير أهل
اليمن وأنا لم أختبره في ذلك.
الإعراب: "وأنبئت": الواو بحسب ما قبلها، "أنبئت": فعل ماض
للمجهول، والتاء ضمير في محل رفع نائب فاعل. "قيسا": مفعول
به ثان. "ولم": الواو حالية، "لم": حرف جزم. "أبله": فعل
مضارع مجزوم بحذف حرف العلة، والهاء ضمير في محل نصب مفعول
به، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "أنا": "كما": الكاف حرف
جر، "ما": مصدرية، والمصدر المؤول من "ما" وما بعدها في
محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بالفعل
"أنبئت". "زعموا": فعل ماض، والواو ضمير في محل رفع فاعل.
"خير": مفعول به ثالث لـ"أنبئت"، وهو مضاف. "أهل": مضاف
إليه مجرور، وهو مضاف. "اليمن": مضاف إليه مجرور، وسكن
للوقف.
وجملة: "أنبئت" بحسب ما قبلها. وجملة: "ولم أبله" في محل
نصب حال. وجملة: "زعموا" صلة الموصول الحرفي لا محل لها من
الإعراب.
الشاهد: قوله: "أنبئت قيسا... خير أهل اليمن" حيث تعدى
الفعل "أنبأ" إلى ثلاثة مفاعيل، هي: نائب الفاعل "التاء"،
و"قيسا"، و"خير".
353- التخريج: البيت للعوام بن عقبة "أو عتبة" في الدرر 2/
278؛ وشرح التصريح 1/ 265؛ والمقاصد النحوية 2/ 442؛ وبلا
نسبة في تخليص الشواهد ص467؛ وخزانة الأدب 11/ 269؛ وشرح
ديوان الحماسة للمرزوقي ص1414؛ وشرح عمدة الحافظ ص252؛
وهمع الهوامع 1/ 159.
اللغة: الغميم: اسم موضع في بلاد الحجاز. أعودها: أزورها
في أثناء مرضها.
المعنى: يصور الشاعر كلفه بمحبوبته التي لما علم بمرضها
ترك كل شيء وعاد لزيارتها.
الإعراب: "وخبرت": الواو بحسب ما قبلها, "خبرت": فعل ماض
للمجهول، والتاء ضمير في محل رفع نائب فاعل. "سوداء":
مفعول به ثان، وهو مضاف. "الغميم": مضاف إليه مجرور.
"مريضة": مفعول به ثالث. "فأقبلت": الفاء حرف عطف،
"أقبلت": فعل ماض، والتاء ضمير في محل رفع فاعل. "من =
ج / 1 ص -385-
تنبيه: دخول همزة النقل وصوغ الفعل للمفعول
متقابلان بالنسبة إلى ما ينشأ عنهما؛ فدخول الهمزة على
الفعل يجعله متعديا إلى مفعول لم يكن متعديا إليه قبل
الصوغ؛ فالذي لا يتعدى إن دخلته همزة النقل تعدى إلى واحد،
والمتعدي إلى ثلاثة إذا صغته للمفعول صار متعديا إلى
اثنين، وذو الاثنين يصير متعديا إلى واحدا، وذو الواحد
يصير غير متعد؛ فإن كان المصوغ للمفعول من باب "أعلم" لحق
بباب "ظن"، وإن كان من باب "ظن" لحق بباب "كان"، وكالمصوغ
للمفعول في ذلك المطاوع، اهـ.
خاتمة: أجاز الأخفش أن يعامل غير "علم" و"رأى" من أخواتهما
القلبية الثنائية معاملتهما في النقل إلى ثلاثة بالهمزة،
فيقال على مذهبه: "أظننت زيدا عمرا فاضلا"، وكذلك "أحسبت"،
و"أخلت"، و"أزعمت". ومذهبه في ذلك ضعيف؛ لأن المتعدي
بالهمزة فرع المتعدي بالتجرد، وليس في الأفعال متعد
بالتجرد إلى ثلاثة فيحمل عليه متعد بالهمزة، وكان مقتضى
هذا ألا ينقل "علم" و"رأى" إلى ثلاثة، لكن ورد السماع
بنقلهما فقبل، ووجب ألا يقاس عليهما، ولا يستعمل استعمالها
إلا ما سمع. ولو ساغ القياس على "أعلم" و"أرى" لجاز أن
يقال: "ألبست زيدا عمرا ثوبا"، وهذا لا يجوز إجماعا. والله
أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= أهلي" جار ومجرور متعلقان بـ"أقبلت"، وهو مضاف، والياء
ضمير في محل جر بالإضافة. "بمصر": جار ومجرور متعلقان
بمحذوف نعت لـ"أهل". "أعودها": فعل مضارع مرفوع بالضمة،
والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر
تقديره: "أنا".
وجملة: "خبرت" بحسب ما قبلها. وجملة: "أقبلت" معطوفة على
سابقتها. وجملة: "أعودها" في محل نصب حال.
الشاهد: قوله: "خبرت سوداء الغميم مريضة" حيث تعدى الفعل
"خبر" إلى ثلاثة مفاعيل، هي: نائب الفاعل "التاء"،
و"سوداء" و"مريضة". |