شرح الأشموني على ألفية ابن مالك
ج / 3 ص -296-
أمَّا، وَلَوْلاَ، وَلَوْمَا:
712-
أما كمهما يك من شيء وفا
لتلو تلوها وجوبا ألفا
"أمَّا كَمهْمَا يَكُ مِن شيء"
أي: "أما" -بالفتح والتشديد- حرف بسيط فيه معنى الشرط
والتفصيل والتوكيد.
وأما الشرط فبدليل لزوم الفاء بعدها نحو:
{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ
الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا
فَيَقُولُونَ}1
الآية، وإلى ذلك الإشارة بقوله "وَفا لِتِلوِ تلوها
وُجوبًا أُلِفَا" "فا": مبتدأ خبره ألف، و"لتلو": متعلق
بـ"ألف"، ومعنى "تلو": "تال"، و"وجوبًا" حال من الضمير في
"ألف".
وأشار بقوله:
713-
"وحَذفُ ذي الْفَا قَلَّ في نَثْر إذا
لَمْ يَكُ قَوْلٌ معها قد نُبِذَا"
أي: طرح، إلى أنه لا تحذف هذه الفاء إلا إذا دخلت على قول قد
طرح استغناء عنه بالمقول فيجب حذفها معه نحو:
{فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ}2،
أي: فيقال لهم أكفرتم، ولا تحذف في غير ذلك إلا في ضرورة،
كقوله "من الطويل":
فَأَمَّا الْقِتَالُ لاَ قِتَالَ لَدَيْكُمُ
وَلَكِنَّ سَيْرًا في عِرِاضِ الْمَوَاكِبِ3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 البقرة: 26.
2 آل عمران: 106.
3 تقدم بالرقم 141.
ج / 3 ص -297-
أو ندور، نحو ما خرّج البخاري من قوله صلى
الله عليه وسلم: "أما بعد ما بال رجال"، وقول عائشة: "أما
الذين جمعوا بين الحج والعمرة طافوا طوافًا واحدًا".
وأما التفصيل فهو غالب أحوالها كما تقدم في آية البقرة،
ومنه:
{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي
الْبَحْرِ}1،
{وَأَمَّا الْغُلامُ}2،
{وَأَمَّا الْجِدَارُ}3 الآيات، وقد يترك تكرارها استغناء بذكر
أحد القسمين عن الآخر أو بكلام يذكر بعدها في موضع ذلك
القسم: فالأول نحو:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا، فَأَمَّا
الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ
فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ}4، أي وأما الذين كفروا بالله فلهم كذا وكذا، والثاني نحو:
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ
مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ
مُتَشَابِهَاتٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ
زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ
الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}5،
أي وأما غيرهم فيؤمنون به ويكلون معناه إلى ربهم، ويدل على
ذلك قوله تعالى:
{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ
عِنْدِ رَبِّنَا}6، أي: كل من المتشابه والمحكم
من عند الله، والإيمان بهما واجب، فكأنه قيل وأما
الراسخونَ في العلمِ فيقولون وعلى هذا فالوقف على
{إِلَّا اللَّهُ}7، وهذا المعنى هو المشار إليه في آية البقرة السابقة فتأملها.
وقد تأتي لغير تفصيل، نحو: "أما زيد فمنطلق".
وأما التوكيد فقلّ من ذكره، وقد أحكم الزمخشري شرحه، فإنه
قال: فائدة "أما" في الكلام أن تعطيه فضل توكيد، تقول:
"زيد ذاهب"، فإذا قصدت توكيد ذلك، وأنه لا محالة ذاهب،
وأنه بصدد الذهاب، وأنه منه عزيمة، قلت: أما زيد فذاهب،
ولذلك قال سيبويه في تفسيره: مهما يكن من شيء فزيد ذاهب،
وهذا التفسير مدل بفائدتين: بيان كونه توكيدًا، وأنه في
معنى الشرط، انتهى.
تنبيهات: الأول: ما ذكره من قوله: "أما كمهما يك" لا يريد
به أن معنى "أما" كمعنى مهما وشرطها؛ لأن "أما" حرف، فكيف
يصح أن تكون بمعنى اسم وفعل؟ وإنما المراد أن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكهف: 79.
2 الكهف: 80.
3 الكهف: 82.
4 النساء: 174، 175.
5 آل عمران: 7.
6 آل عمرن : 7.
7 البقرة: 83.
ج / 3 ص -298-
موضعها صالح لهما، وهي قائمة مقامهما؛
لتضمنها معنى الشرط.
الثاني: يؤخذ من قوله: "لتلو تلوها" أنه لا يجوز أن يتقدم
الفاء أكثر من اسم واحد، فلو قلت: "أما زيد طعامه فلا
تأكل" لم يجز كما نص عليه غيره.
الثالث: لا يفصل بين "أما" والفاء بجملة تامة، إلا إن كانت
دعاء بشرط أن يتقدم الجملة فاصل، نحو: "أما اليوم رحمك
الله فالأمر كذا".
الرابع: يفصل بين "أما" وبين الفاء بواحد من أمور ستة:
أحدها: المبتدأ كالآيات السابقة.
ثانيها: الخبر، نحو: "أما في الدار فزيد".
ثالثها: جملة الشرط نحو:
{فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ
الْمُقَرَّبِينَ، فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ}1
الآيات.
رابعها: اسم منصوب لفظًا أو محلًا بالجواب نحو:
{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ}2 الآيات.
خامسها: اسم كذلك معمول لمحذوف يفسره ما بعد الفاء، نحو:
"أما زيدًا فاضربه"، وقراءة بعضهم:
{وَأَمَّا ثَمُودُ
فَهَدَيْنَاهُمْ}3 بالنصب، ويجب تقدير العامل
بعد الفاء وقبل ما دخلت عليه، لأن أما نائبة عن الفعل
فكأنها فعل والفعل لا يلي الفعل.
سادسها: ظرف معمول لـ"أما" لما فيها من معنى الفعل الذي
نابت عنه، أو للفعل المحذوف، نحو أما اليوم فإني ذاهب،
وأما في الدار فإن زيدًا جالس، ولا يكون العامل ما بعد أن
لأن خبر أن لا يتقدم عليها فكذلك معموله، هذا قول سيبويه
والمازني والجمهور، وخالفهم المبرد وابن درستويه والفراء
والمصنف.
الخامس: سمع "أما العبيدَ فذو عبيد" بالنصب، و"أما قريشًا
فأنا أفضلها"، وفيه دليل على أنه لا يلزم أن يقدر مهما يكن
من شيء، بل يجوز أن يقدر غيره مما يليق بالمحل؛ إذ التقدير
هنا مهما ذكرت، وعلى ذلك فيخرج "أما العلم فعالم، وأما
علمًا فعالم"، فهو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الواقعة: 89.
2 الضحى: 9.
3 فصلت: 17.
ج / 3 ص -299-
أحسن مما قيل إنه مفعول مطلق معمول لما بعد
الفاء، أو مفعول لأجله إن كان معرفًا، وحال إن كان منكرًا،
وفيه دليل أيضًا على أن "أما" ليست العاملة إذ لا يعمل
الحرف في المفعول به.
السادس: ليس من أقسام "أما" التي في قوله تعالى:
{أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}1،
ولا التي في قول الشاعر "من البسيط":
أبَا خُرَاشَةَ أمَّا أنْتَ ذَا نَفَرٍ
"فإن قومي لم تأكلهم الضبع"2
بل هي فيهما كلمتان، والتي في الآية "أم" المنقطعة و"ما"
الاستفهامية أدغمت الميم في الميم، والتي في البيت هي "أن"
المصدرية و"ما" المزيدة، وقد سبق الكلام عليها في باب كان.
السابع: قد تبدل ميم "أما" الأولى ياء؛ استثقالا للتضعيف
كقوله "من الطويل":
1123-
رأَتْ رَجُلًا أيْمَا إذَا الْشَّمْسُ عَارَضَتْ
فَيُضْحَى وَأيْمَا بِالْعَشِيِّ فَيَخْصَرُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 النمل: 84.
2 تقدم بالرقم 207.
1123- التخريج: البيت لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص94؛
والأزهية ص148؛ والأغاني 1/ 81؛ 82، وخزانة الأدب 5/ 315،
11/ 367، 370؛ والدرر 5/ 108؛ وشرح شواهد المغني ص174؛
والمحتسب 1/ 284؛ والممتع في التصريف 1/ 375؛ وبلا نسبة في
تذكرة النحاة ص120؛ والجنى الداني ص527؛ ورصف المباني 99؛
ولسان العرب 14/ 477 "ضحا"؛ وهمع الهوامع 2/ 67.
اللغة: عارضت: ارتفعت: يضحى. يبرز للشمس. العشي: وقت ما
بعد الغروب وقبل الظلام.
يخصر: يتألم من برد في أطرافه.
المعنى: رأت رجلًا كثير الأسفار، يتعرض للشمس منذ
ارتفاعها، ويتابع سفره حتى حلول الظلام، فيتألم من البرد
في أطرافه.
الإعراب: رأت: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف
المحذوفة، و"التاء": تاء التأنيث الساكنة، و"الفاعل": ضمير
مستتر تقديره "هي". رجلا: مفعول به منصوب بالفتحة. أيما:
حرف شرط وتوكيد. إذا: ظرف لما يستقبل من الزمان، متضمن
معنى الشرط متعلق بالفعل "يضحى". الشمس: فاعل لفعل محذوف
تقديره "عارضت" مرفوع بالضمة. عارضت: فعل ماض مبني على
الفتح، و"التاء": للتأنيث لا محل لها، و"الفاعل": ضمير
مستتر تقديره "هي". فيضحي: "الفاء": واقعة في جواب الشرط.
ج / 3 ص -300-
714-
"لَوْلاَ وَلَوْمَا يَلْزَمَانِ الابْتِدَا
إذَا امْتِنَاعا بِوُجُوْدٍ عَقَدَا"
أي: لـ"لولا" و"لوما" استعمالان؛ أحدهما: أن يدلا على امتناع
شيء لوجود غيره، وهذا ما أراده بقوله: "إذَا امْتناعًا
بوُجُودٍ عَقَدَا" أي: إذا ربطا امتناع شيء بوجود غيره
ولازما بينهما، ويقتضيان حينئذٍ مبتدأ ملتزمًا فيه حذف
خبره غالبًا، وقد مر بيان ذلك في باب المبتدأ، وجوابًا
كجواب لو مصدّرًا بماض أو مضارع مجزوم بلم، فإن كان الماضي
مثبتًا قرن باللام غالبًا نحو:
{لَوْلا أَنْتُمْ
لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ}1، ونحو قوله "من الكامل":
1124-
لَوْلا الإصَاخَةُ لِلْوُشَاةِ لَكَانَ لِي
مِنْ بَعْدِ سُخْطِكَ فِي الرِّضَاءِ رَجَاءُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= "يضحى": فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الألف،
و"الفاعل": ضمير مستتر تقديره "هو". وأيما: "الواو":
للعطف، "أيما": حرف شرط وتوكيد. بالعشي. جار ومجرور
متعلقان بـ"فيخصر". فيخصر: "الفاء": واقعة في جواب "أيما":
"يخصر": فعل مضارع مرفوع بالضمة، و"الفاعل": ضمير مستتر
تقديره "هو".
وجملة "رأت رجلًا": ابتدائية لا محل لها. وجملة "عارضت
الشمس": في محل جر بالإضافة.
وجملة "عارضت": تفسيرية لا محل لها. وجملة "أما إذا الشمس
عارضت فيضحى": في محل نصب صفة لـ"رجلًا". وجملة "فيضحى":
لا محل لها "جواب أيما" وجواب "إذا". وجملة "وأيما بالعشي
فيخصر": معطوفة على جملة "إيما إذا..." في محل نصب صفة
مثلها. وجملة " فيخصر": لا محل لها "جواب أيما".
والشاهد فيه قوله: "أيما" حيث أبدل الميم الأولى من "أما"
ياء ساكنة بقصد التخفيف.
1 سبأ: 31.
1124- التخريج : البيت بلا نسبة في شرح التصريح 1/ 236؛
وشرح عمدة الحافظ ص316.
اللغة: الإضاحة: الاستماع والإصغاء. الواشي: النمام.
السخط: عكس الرضا.
المعنى: لولا تدخل النمامين بالفتنة، لطمعت بكرمك ورضاك.
الإعراب: لولا الإصاخة: "لولا": حرف امتناع لوجود،
و"الإصاخة" مبتدأ مرفوع بالضمة.
للوشاة: جار ومجرور متعلقان بالمصدر "الإصاخة". لكان؛
"اللام": رابطة لجواب الشرط، و"كان": فعل ماض ناقص. لي:
جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف مقدم. من بعد: جار ومجرور
متعلقان بالفعل "كان" و"بعد": مضاف. سخطك: مضاف إليه مجرور
بالكسرة و"الكاف": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. في
الرضا: جار ومجرور متعلقان بالمصدر رجاء. رجاء: اسمها مؤخر
مرفوع بالضمة.
وجملة "لولا الإصاخة لكان لي رجاء": ابتدائية لا محل لها.
وجملة الإصاخة موجودة": فعل شرط لا محل لها. وجملة "لكان
لي رجاء": جواب شرط غير جازم لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: "لولا الإصاخة... لكان لي" حيث جاء جواب
"لولا" فعلًا مثبتًا قرن باللام.
ج / 3 ص -301-
وإن كان منفيًا تجرد منها غالبًا، نحو:
{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ
مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا}1، وقوله "من الرجز":
واللَّهِ لَوْلاَ اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا
"ولا تصدقنا ولا صلينا"2
وقوله "من البسيط":
1125-
لَوْلاَ ابنُ أَوْسٍ نَأَى مَا ضيمَ صاحبُهُ
وقد يقترن بها المنفي كقوله "من البسيط":
1126-
لَوْلاَ رَجَاءُ لِقَاءِ الظَّاعِنينَ لَمَا
أبقت نواهم لنا روحا ولا جسدا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 النور: 21.
2 تقدم بالرقم 1093.
1125- التخريج: لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.
اللغة: نأي: بعد. ضيم: حزن.
الإعراب: لولا: حرف امتناع لوجود: ابن: مبتدأ مرفوع، وهو
مضاف. أوس: مضاف إليه. نأى: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر
فيه جوازًا تقديره: "هو". ما: نافية. ضيم: فعل ماض
للمجهول. صاحبه: نائب فعل مرفوع، وهو مضاف، و"الهاء". ضمير
في محل جر بالإضافة.
الشعر جملة ابتدائية لا محل لها. وجملة "ابن أوس نأي":
جملة فعل الشرط غير الظرفي لا محل لها. وجملة "نأى": خبر
للمبتدأ "ابن" محلها الرفع. وجملة "ضيم": جواب "لولا" لا
محل لها.
الشاهد فيه قوله: "ما ضيم صاحبه" حيث حذفت اللام الرابطة
لجواب الشرط لكون جواب الشرط ماضيًا منفيًا، وهذا جائز.
1126- التخريج: البيت بلا نسبة في الجنى الداني ص599.
اللغة: الظاعنون : المرتحلون، النوى: البعد.
الإعراب: لولا: حرف امتناع لوجود. رجاء: مبتدأ مرفوع، وهو
مضاف. لقاء: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. الظاعنين: مضاف
إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم. لما: اللام واقعة
في جواب "لولا" و"ما": نافية. أبقت: فعل ماض، و"التاء":
للتأنيث. نواهم: فاعل مرفوع، وهو مضاف، و"هم": ضمير في محل
جر بالإضافة. لنا: جار ومجرور متعلقان بـ"أبقى". روحًا:
مفعول به. ولا: "الواو": حرف عطف، و"لا": زائدة لتأكيد
النفي. جسدًا: معطوف على "روحا" منصوب بالفتحة.
وجملة "لولا رجاء ما أبقت": ابتدائية لا محل لها من
الإعراب. وجملة "ما أبقت...": جواب =
ج / 3 ص -302-
وقد يخلو منها المثبت، كقوله: "من البسيط":
1127-
لَوْلاَ زُهيرٌ جَفاني كنتُ مُنْتَصِرا
"ولم أكن جانحًا للسلم إن جنحوا"
وقوله "من الطويل":
وَكَمْ مَوْطِنٍ لَوْلاَيَ طِحْتَ كَمَا هَوَى
بِأجْرَامِهِ مِنْ قُنَّةِ النِّيْقِ مُنْهوى1
وإذا دل على الجواب دليل جاز حذفه نحو:
{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ
تَوَّابٌ حَكِيمٌ}2.
والاستعمال الثاني أن يدلا على التحضيض فيختصان بالجمل
الفعلية، ويشاركهما في ذلك "هلا" و"ألا" الموازنة لها،
و"ألا" بالتخفيف، وقد أشار إلى ذلك بقوله:
715-
"وَبِهما التَّحضيضَ مِزْ وَهَلاَّ
ألاَّ ألاَ وأَوْلِيَنهَا الفِعْلا"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= "لولا" لا محل لها من الإعراب. وجملة "رجاء بقاء
الظاعنين موجود": جملة الشرط عليه الظرفي لا محل لها.
الشاهد فيه قوله: "لولا رجاء لقاء الظاعنين لما أبقت" حيث
اقترن جواب "لولا" المنفي باللام، وهذا جائز.
1127- التخريج: لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.
اللغة: جفاني: أظهر لي البغض، أعرض عني. جانحًا: مائلا.
الإعراب: لولا: حرف امتناع لوجود. زهير: مبتدأ مرفوع.
جفاني: فعل ماض، و"النون": للوقاية، و"الياء": ضمير متصل
في محل نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا
تقديره: "هو". كنت: فعل ماض ناقص، و"التاء": ضمير في محل
رفع اسم "كان". منتصرًا: خبر "كان" منصوب. ولم: "الواو":
حرف عطف، و"لم": حرف نفي وجزم وقلب. أكن: فعل مضارع ناقص
مجزوم، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنا".
جانحًا: خبر "أكن" منصوب. للسلم: جار ومجرور متعلقان
بـ"جانحًا". إن: حرف شرط جازم. جنحوا: فعل ماض، و"الواو":
ضمير متصل في محل رفع فاعل.
وجملة "لولا زهير... كنت منتصرًا": ابتدائية لا محل لها.
وجملة "زهير جفاني": جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها.
وجملة "جفاني": خبر المبتدأ "زهير" محلها الرفع. وجملة
"كنت منتصرًا" جواب "لولا" لا محل لها. وجملة "أكن
جانحًا": معطوفة على جملة "كنت". وجملة "إن جنحوا": حالية
محلها النصب. وجملة "جنحوا": جملة الشرط غير الظرفي لا محل
لها.
الشاهد فيه قوله: "كنت منتصرًا" حيث حذفت اللام من جواب
الشرط رغم كونه مثبتًا، وهذا جائز.
1 تقدم بالرقم 526.
2 النور: 21.
ج / 3 ص -303-
أي: المضارع أو ما في تأويله، نحو:
{لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ}1،
ونحو:
{لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ}2، ونحو:
{لَوْ مَا تَأْتِينَا
بِالْمَلائِكَةِ}3، ونحو قوله: هلا تسلم -أو
ألاَّ تسلم، أو ألا تسلم- فتدخل الجنة، ونحو:
{أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ}4.
والعرض كالتحضيض، إلا أن العرض طلب بلين، والتحضيض طلب
بحث.
716-
وقد يليها اسم بفعل مضمر
علق أو بظاهر مؤخر
"وقد يَلِيها" أي قد يلي هذه
الأدوات "اسمٌ بفعلٍ مُضْمَرٍ عُلِّقَ أو بِظَاهِرٍ
مُؤخَّرِ".
فالأول نحو قولك: "هلا زيدًا تضربه"، فـ"زيدًا": علق بفعل
مضمر بمعنى أنه مفعول للفعل المضمر، والثاني نحو قولك:
"هلا زيدًا تضرب"، فـ"زيدًا": علق بالفعل الظاهر الذي
بعده؛ لأنه مفرغ له.
تنبيهات: الأول ترد هذه الأدوات للتوبيخ والتنديم، فتختص
بالماضي أو ما في تأويله، ظاهرًا أو مضمرًا، نحو:
{لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ
بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}5،
{فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ
قُرْبَانًا آلِهَةً}6، ونحو قوله "من الطويل":
1128-
تَعُدُّوْنَ عَقرَ الْنِّيْبِ أفْضَلَ مَجْدِكُمْ
بَنِي ضَوْطَرَى لَوْلاَ الْكَمِيَّ الْمُقَنَّعَا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 النمل: 46.
2 الفرقان: 21.
3 الحجر: 7.
4 التوبة: 13.
5 النور: 13.
6 الأحقاف: 28.
1128- التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص907؛ وتخليص
الشواهد ص431؛ وجواهر الأدب ص394؛ وخزانة الأدب 3/ 55، 57،
60؛ والخصائص 2/ 45؛ والدرر 2/ 240؛ وشرح شواهد الإيضاح
ص72؛ وشرح شواهد المغني 2/ 669؛ وشرح المفصل 2/ 38، 8/
144؛ والمقاصد النحوية 4/ 475؛ ولسان العرب 15/ 470 "إما
لا"؛ وللفرزدق في الأزهية ص168؛ ولسان العرب 4/ 498 "ضطر"؛
ولجرير أو للأشهب بن رميلة في شرح المفصل 8/ 145؛ وبلا
نسبة في الأزهية ص170؛ والأشباه والنظائر 1/ 240؛ والجنى
الداني ص606؛ وخزانة الأدب 11/ 245؛ ورصف المباني ص293؛
وشرح عمدة الحافظ ص321؛ وشرح المفصل 2/ 102؛ والصاحبي في
فقه اللغة ص164، 182؛ ومغني اللبيب 1/ 274. =
ج / 3 ص -304-
أي لولا تعدون الكمي ، بمعنى لولا عددتم؛
لأن المراد توبيخهم على ترك عده في الماضي، وإنما قال
تعدون على حكاية الحال، ونحو قوله "من الطويل":
1129-
أتيت بعبد الله في القد موثقا
فهلا سعيدًا ذا الخيانة والغدر
أي: فهلا أسرت سعيدًا.
الثاني: قد يقع بعد حرف التحضيض مبتدأ وخبر؛ فيقدر المضمر
"كان" الشأنية،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= اللغة: العقر: النحر أو الذبح. النيب: ج ناب وهي الناقة
المسنة. ضوطري: المرأة الحمقاء. الكمي: الفارس المدجج
بالسلاح.
المعنى: يهجو الشاعر قوم الفرزدق فيقول: إن أفضل ما يقومون
به هو نحر ناقة مسنة، فهل لهم قدرة على التصدي للفارس
المدجج بالسلاح؟!
الإعراب: "تعدون": فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو
ضمير في محل رفع فاعل. "عقر": مفعول به أول، وهو مضاف.
"النيب": مضاف إليه مجرور. "أفضل": مفعول به ثان
لـ"تعدون"، وهو مضاف. "مجدكم": مضاف إليه مجرور، وهو مضاف،
و"كم": ضمير في محل جر بالإضافة. "بني": منادى بحرف نداء
محذوف تقديره: "يا بني" منصوب بالياء، وهو مضاف. "ضوطري":
مضاف إليه مجرور. "لولا": حرف تحضيض. "الكمي": مفعول به
أول لفعل محذوف تقديره: "لولا تعدون الكمي". "المقنعا":
نعت "الكمي" منصوب.
وجملة: "تعدون" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة
النداء "يا بني" استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة:
"تعدون" المحذوفة استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد فيه قوله: "لولا الكمي" حيث وردت "لولا" للتوبيخ
والتنديم وقد أضمر بعدها فعل مضارع "تعدون" مؤول بالماضي
"عددتم".
1129- التخريج: البيت بلا نسبة في مجالس ثعلب 1/ 74؛
والمقاصد النحوية 4/ 475.
اللغة: القد: سير من جلد غير مدبوغ.
الإعراب: أتيت: فعل ماض، و"التاء": ضمير متصل في محل رفع
فاعل. بعبد: جار ومجرور متعلقان بـ"أتى"، وهو مضاف. الله:
اسم الجلالة. مضاف إليه مجرور. في القد: جار ومجرور
متعلقان بـ"موثقًا". موثقًا: حال منصوب. فهلا: "الفاء":
استئنافية، و"هلا" حرف تحضيض. سعيدا: مفعول به لفعل محذوف
تقديره: "هلا أسرت سعيدًا" ذا: نعت: "سعيدًا" منصوب، وهو
مضاف. الخيانة: مضاف إليه مجرور بالكسرة. والغدر: "الواو":
حرف عطف، "الغدر": معطوف على "الخيانة" مجرور بالكسرة.
وجملة "أتيت": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "هلا
أسرت سعيدًا": استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد: قوله: "سعيدًا" حيث ورد منصوبًا بعد حرف تحضيض
بتقدير عامل محذوف تقديره "أسرت" أو نحو ذلك لأن "هلا" لا
تدخل إلا على الفعل.
ج / 3 ص -305-
كقوله "من الطويل":
وَنُبِّئْتُ لَيْلَى أَرْسَلَتْ بِشَفَاعَةٍ
إليَّ فَهَلاَّ نَفْسُ لَيْلَى شَفِيْعُهَا1
أي: فهلا كان الشأن نفس ليلى شفيعها.
الثالث: المشهور أن حروف التحضيض أربعة، وهي: لولا، ولوما
وهلا، وألاَّ بالتشديد، ولهذا لم يذكر في التسهيل والكافية
سواهن، وأما ألا بالتخفيف فهي حرف عرض، فذكره لها مع حروف
التحضيض يحتمل أن يريد أنها قد تأتي للتحضيض، ويحتمل أن
يكون ذكرها معهن لمشاركتها لهن في الاختصاص بالفعل وقرب
معناها من معناهنّ؛ ويؤيده قوله في شرح الكافية: وألحق
بحروف التحضيض في الاختصاص بالفعل "ألا" المقصود بها العرض
نحو: "ألا تزورنا".
خاتمة: أصل "لولا" و"لوما": "لو" ركبت مع "لا" و"ما"،
و"هلا" مركبة من: "هل" و"لا"، و"ألا" يجوز أن تكون "هلا"؛
فأبدل من الهاء همزة، وقد يلي الفعل "لولا" غير مفهمة
تحضيضًا كقوله "من البسيط":
1130-
أنتَ الْمُبَارك وَالْميْمُوْنُ سِيرَتُهُ
لَوْلاَ تقوِّمُ دَرْءَ الْقَوْمِ لاَخْتَلَفُوا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقدم بالرقم 624.
1130- التخريج: لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.
اللغة: الميمون، المبارك، وصاحب اليمن. درء القوم: الأخطار
التي تحوطهم.
المعنى: أنت رجل مبارك محمود السيرة، قد يختلف الناس إن لم
تقوم أخطاءهم.
الإعراب: أنت: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. المبارك: خبر
المبتدأ مرفوع. والميمون: "الواو": حرف عطف، و"الميمون":
معطوف على "المبارك" مرفوع. سيرته: نائب فاعل مرفوع لاسم
المفعول "الميمون"، وهو مضاف، و"الهاء": ضمير في محل جر
بالإضافة. لولا: حرف شرط غير جازم.
تقوم: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا
تقديره: "أنت". درء: مفعول به منصوب، وهو مضاف. القوم:
مضاف إليه مجرور. لاختلفوا: اللام رابطة "لولا"
و"اختلفوا": فعل ماض، مضاف. القوم: مضاف إليه مجرور.
لاختلفوا: اللام رابطة جواب "لولا" و"اختلفوا" فعل ماض،
و"الواو": ضمير متصل في محل رفع فاعل.
وجملة "أنت المبارك" ابتدائية لا محل لها من الإعراب.
وجملة "لولا تقوم لاختلفوا": استئنافية لا محل لها من
الإعراب. وجملة "لاختلفوا": جواب "لولا" لا محل لها من
الإعراب، والجملة من المبتدأ أو الخبر لا محل لها من
الإعراب. لأنها جملة الشرط غير الظرفي. وجملة "تقوم": صلة
الموصول لا محل لها.
الشاهد: قوله: "لولا تقوم" حيث جاءت "لولا" بـ"لو" و"لم"
أي "لو لم تقوم" ورفع الفعل المضارع بعدها لمعناها في
الحض.
ج / 3 ص -306-
فتؤول بـ"لو"، أي: لو لم تقوم، أو تجعل
المختص بالأسماء، والفعل صلة لـ"أن" مقدرة على حد "تسمع
بالمعيدي"1 والله تعالى أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من المثل: "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه" وقد تقدم
تخريجه وشرحه. |