شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في
النحو باب العطف:
وهو في الأصل مصدر "عطفت الشيء" إذا ثنيته، وعطف الفارس على قرنه، إذا
التفت إليه. "وهو" في الاصطلاح ضربان: "عطف نسق" بحرف، "وسيأتي" في باب
يلي هذا، "وعطف بيان" بغير حرف، وإليهما أشار الناظم بقوله:
534-
العطف إما ذو بيان أو نسق ... ................................
والكلام الآن في عطف البيان، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
534-
............................. ... والغرض الآن بيان ما سبق
وسمي بيان لأنه تكرار للأول بمرادفه لزيادة البيان، فكأنك عطفته على
نفسه. "وهو التابع المشبه للصفة في توضيح متبوعه إن كان معرفة، وتخصيصه
إن كان نكرة". هذا معنى قول الناظم:
535-
فذو البيان تابع شبه الصفه ... حقيقة القصد به منكشفه
فخرج بـ"المشبه للصفة" النعت؛ لأن المشبه للشيء، غير ذلك الشيء، فكأنه
قال: تابع غير صفة، وخرج بذكر "الإيضاح والتخصيص" التوكيد والنسق
والبدل.
"والأول" وهو إيضاح المعرفة "متفق عليه" عند البصريين والكوفيين،
"كقوله": [من الرجز]
654-
أقسم بالله أبو حفص عمر ... ما إن بها من نقب ولا دبر
__________
654- تقدم تخريج الرجز برقم 82.
(2/147)
فـ: عمر: عطف بيان على "أبو حفص" للإيضاح،
وتقدم في باب "العلم" شرح هذا البيت، وسبب إنشاده، وقصة قائله مع سيدنا
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه1.
"والثاني": وهو تخصيص النكرة، نفاه جمهور البصريين و"أثبته الكوفيون
وجماعة" من البصريين منهم: الفارسي وابن جني، وجماعة من المتأخرين
منهم: الزمخشري2 وابن عصفور وابن مالك3 وولده4، وأشار إليه في النظم
بقوله:
537-
فقد يكونان منكرين ... كما يكونان معرفين
"وجوزوا أن يكون منه" أي من عطف البيان للنكرة: " {أَوْ كَفَّارَةٌ
طَعَامُ مَسَاكِينَ} " [المائدة: 95] "فيمن نون: كفارة5" فـ: طعام
مساكين، عطف بيان على "كفارة"6. "ونحو: {مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} "
[إبراهيم: 16] فـ"صديد" عطف بيان على "ماء". "والباقون" من البصريين
وغيرهم "يوجبون في ذلك البدلية" بدل كل من كل، "ويخصون عطف البيان
بالمعارف"، محتجين بأن البيان بيان كاسمه، والنكرة مجهولة، والمجهول لا
يبين المجهول. ودفع بأن بعض النكرات قد يكون أخص من بعض، والأخص يبين
غير الأخص.
"و" عطف البيان كالنعت "يوافق متبوعه في أربعة من عشرة: أوجه الإعراب
الثلاثة" وهي: الرفع والنصب والجر، و"الإفراد والتذكير والتنكير
وفروعهن". ففرع الإفراد التثنية والجمع، وفرع التذكير التأنيث، وفرع
التنكير التعريف، تقول: جاءني محمد أبو سهل، فـ"أبو سهل" مرفوع، والرفع
واحد من ثلاثة وهي: الرفع والنصب والجر. ومفرد، والإفراد واحد من ثلاثة
أيضًا وهي: الإفراد والتثنية والجمع، ومذكر، والتذكير واحد من اثنين
هما: التذكير، والتأنيث. ومعرف، والتعريف7
__________
1 تقدم الخبر مع البيت رقم 82.
2 المفصل ص122.
3 شرح التسهيل 3/ 326.
4 شرح ابن الناظم ص366.
5 هي قراءة الجمهور، وقرأها ابن عامر ونافع وأبو جعفر "كفارة". انظر
الإتحاف ص203، والكشاف 1/ 365، والنشر 2/ 255.
6 في شرح ابن الناظم ص367: "وأجاز أبو علي في التذكرة في "طعام" العطف
والبدل".
7 في "أ"، "ط": "ومنكر التنكير" مكان "ومعرف التعريف"، وأشار إلى ذلك
الشيخ ياسين في حاشيته 2/ 131.
(2/148)
واحد من اثنين أيضًا، وهما: التنكير
والتعريف1، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
536-
فأولينه من وفاق الأول ... ما من وفاق الأول النعت ولي
"وقول الزمخشري2: إن {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} [آل عمران: 97] عطف" بيان
"على {آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} [آل عمران: 97] مخالف لإجماعهم"، لأن
البصريين والكوفيين أجمعوا على أن النكرة لا تبين بالمعرفة. وجمع
المؤنث لا يبين بالمفرد المذكر. ولا يجوز أن يكون بدلا، لأنهم نصوا على
أن المبدل منه إذا كان متعددًا وكان البدل غير واف بالعدة تعين القطع،
وإنما التقدير: منها مقامُ إبراهيمَ، أو: بعضها مقامُ إبراهيمَ، فهو
مبتدأ أو خبر مبتدأ.
"وقوله" أي الزمخشري "وقول الجرجاني: يشترط" في عطف البيان "كونه أوضح"
وأخص "من متبوعه، مخالف لقول سيبويه في: "يا هذا ذا الجمة" إن "ذا
الجمة" عطف بيان" على "هذا" "مع أن الإشارة أوضح" وأخص "من المضاف إلى
ذي الأداة"، لأن تخصيص الإشارة زائد على تخصيص ذي الأداة. ومخالف
للقياس أيضًا3 لأن عطف البيان في الجامد بمنزلة النعت في المشتق، ولا
يلزم زيادة تخصيص النعت باتفاق، فلا يلزم تخصيص عطف البيان. قاله
الشارح4. نعم لو قيل: يشترط في عطف البيان أن يكون أجلى من المعطوف
عليه، لكان مذهبًا، لأن الجلي يبين الخفي.
"ويصح في عطف البيان" إذا قصد به ما يقصد بالبدل، أن يعرب بدل كل من
كل، لما فيه5 من البيان، "إلا إن امتنع الاستغناء عنه" فيمتنع أن يكون
بدلا "نحو: هند قام زيد أخوها" فـ"أخوها" يتعين كونه عطف بيان على
"زيد" ولا يجوز أن يكون بدلا منه، لأنه لا يصح الاسغناء عنه لاشتماله
على ضمير رابط للجملة الواقعة خبرًا لـ"هند"، إذ الجملة الواقعة خبرًا
لا بد لها من رابط يربطها بالمخبر عنه، والرابط هنا هو الضمير المضاف
إليه الأخ الذي هو تابع لـ"زيد"، فلو أسقط لم يصح الكلام، فوجب أن يعرب
"أخوها" بيانًا لا بدلا لأن البدل على نية تكرار العامل، فكأنه من جملة
أخرى، فتخلوا الجملة المخبر بها عن رابط.
__________
1 انظر شرح التسهيل 3/ 325، وشرح المفصل 3/ 71، وشرح ابن الناظم ص367.
2 الكشاف 1/ 204.
3 في "ب": "أو مخالف القياس أيضًا".
4 شرح ابن الناظم ص368.
5 سقطت من "ب".
(2/149)
"أو" امتنع "إحلاله محل الأول نحو: يا زيد
الحارث" فـ"الحارث" يتعين كونه عطف بيان على "زيد" ولا يجوز أن يكون
بدلا منه، لامتناع إحلاله محل الأول، إذ لو قيل: يا الحارث، لم يجز،
لأن "يا" و"أل" لا يجتمعان هنا. "وقوله" وهو طالب بن أبي طالب: [من
الطويل] .
655-
أيا أخوينا عبد شمس ونوفلا ... أعيذكما بالله أن تحدثا حربا
فـ"عبد شمس ونوفلا" يتعين كونهما معطوفين عطف بيان على "أخوينا" ويمتنع
فيهما البدلية، لأنهما على تقدير البدلية يحلان1 محل "أخوينا" فيكون
التقدير: يا عبد شمس ونوفلا، بالنصب، وذلك لا يجوز لأن المنادى إذا عطف
عليه اسم مجرد من "أل" وجب أن يعطى ما يستحقه لو كان منادى، و"نوفل" لو
كان منادى لقيل فيه: يا نوفل، بالضم، لا: يا نوفلا، بالنصب.
"وقوله" وهو المراد الأسدي: [من الوافر] .
656-
أنا ابن التارك البكري بشر ... عليه الطير ترقبه وقوعا
فـ"بشر": يتعين كونه عطف بيان على "البكري" ولا يجوز أن يكون بدلا منه،
لأن البدل في نية إحلاله محل الأول، ولا يجوز أن يقال: أنا ابن التارك
بشر، لأن الصفة المقرونة بـ"أل" كـ: التارك، لا تضاف إلا لما فيه "أل"
كـ: البكري. "ويجوز البدلية في هذا" البيت "عند الفراء2، لإجازته"
إضافة الصفة المقرونة بـ"أل" إلى جميع المعارف نحو: "الضارب زيد، وليس"
مذهبه "بمرضي" عند الجمهور، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
__________
655- البيت لطالب بن أبي طالب في الحماسة الشجرية 1/ 61، والدرر 2/
387، والمقاصد النحوية 4/ 119 وبلا نسبة في الارتشاف 2/ 607، وأوضح
المسالك 3/ 350، وشرح ابن الناظم 368، وشرح الأشموني 2/ 414، وشرح قطر
الندى ص300، وشرح الكافية الشافية 3/ 1179، وهمع الهوامع 2/ 121.
1 في "ب": "بخلاف".
656- البيت للمرار الأسدي في ديوانه 465، وخزانة الأدب 4/ 284، 5/ 183،
225، والدرر 2/ 379، وشرح أبيات سيبويه 1/ 6، وشرح المفصل 3/ 72، 73،
والكتاب 1/ 182، والمقاصد النحوية 4/ 121، وبلا نسبة في الأشباه
والنظائر 2/ 441، وأوضح المسالك 3/ 351، وشرح ابن الناظم ص369، وشرح
الأشموني 2/ 414، وشرح التسهيل 3/ 1196، وشرح شذور الذهب ص436، وشرح
قطر الندى 299، وشرح الكافية الشافية 3/ 1196، وشرح المرادي 3/ 187،
وهمع الهوامع 2/ 122.
2 شرح ابن الناظم ص369، وشرح شذور الذهب ص436، وفي شرح ابن عقيل 2/
223: "الفراء والفارسي".
(2/150)
538-
وصالحا لبدلية يرى ... في غير نحو يا غلام يعمرا
539-
ونحو بشر تابع البكري ... وليس أن يبدل بالمرضي
ومن المستثنيات أن يضاف اسم التفضيل إلى عام، ويتبع بقسميه نحو: زيد
أفضل الناس: الرجال والنساء، لأنه لو نوي إحلال الرجال محل الناس لنوي
إحلال ما عطف عليه، وهو "النساء" محل "الناس" فيكون التقدير: زيد أفضل
النساء، وذلك لا يجوز، لأن اسم التفضيل إذا قصد به الزيادة على ما أضيف
له يشترط فيه أن يكون منهم، ومن ثم خطئ من قال: أنا أشعر الإنس والجن.
ومنها: أن تتبع صفة "أي" بمضاف نحو: يا أيها الرجل غلام زيد، بنصب
الغلام، لأن الغلام لو نوي إحلاله محل الرجل لرفع، لأن الرجل في هذا
التركيب واجب الرفع لأنه صفة "أي".
ومنها: أن يتبع مجرور "أي" بمفصل نحو: بأي الرجلين: زيد وعمرو، مررت؟
لأنه لو نوي إحلال زيد مع ما عطف عليه، وهو "عمرو" محل الرجلين، لزم
إضافة أي إلى المعرفة المفردة، وهي لا تضاف إليها إلا إذا كان بينهما
جمع مقدر نحو: أي زيد أحسن؟ بمعنى أي أجزائه أحسن؟ أو عطف على "أي"
مثلها نحو: [من الكامل]
657-
.............................. ... أيي وأيك فارس الأحزاب
ومنها: أن يتبع مجرور "كلا" بمفصل، نحو: كلا أخويك زيد وعمرو عندي.
لأنه لو نوي إحلال زيد مع ما عطف عليه وهو "عمرو" محل "أخويك" لزم
إضافة "كلا" إلى مفرق، وهي إنما تضاف إلى مثنى غير مفرق، وشذ: كلا أخي
وخليلي.
قال الموضح في الحواشي: وهذه المسائل المستثناة مبنية على أن البدل لا
بد وأن يكون صالحًا للإحلال محل الأول، وفيه نظر لأنهم يغتفرون في
الثواني ولا يغتفرون في الأوائل، وقد جوزوا في: إنك أنت، كون "أنت"
توكيدًا، وكونه بدلا مع أنه لا يجوز: إن أنت1.
وقال أبو سعيد علي بن مسعود في كتابه المستوفى: أولى2 ما يقال في "نعم
الرجل زيد": إن "زيد" بدل من "الرجل" ولا يلزم أن يحوز: نعم زيد.
انتهى.
__________
657- صدر البيت: "فلئن لقيتك خاليين لتعلمن"، وتقدم تخريج البيت برقم
541.
1 انظر همع الهوامع 2/ 122.
2 في "ب": "أول".
(2/151)
وقال الفخر الرازي: وهذا الاستثناء مبني
على أن المبدل منه في حكم الطرح، والمبدل هو المعتبر، ومذهب سيبويه أن
المبدل منه ليس مهدرًا بالكلية؛ لأنه قد يحتاج إليه لغرض آخر، كقولك:
زيدًا رأيت غلامه رجلا صالحًا، فلو ذهبت تهدر1 الأول لم يصح كلامك.
انتهى.
ويفترق البيان من البدل بوجوه منها2:
أن البيان لا يقع ضميرًا ولا تابعًا لضمير.
ومنها: أنه لا يخالف متبوعه في التعريف والتنكير.
ومنها: أنه لا يقع جملة ولا تابعًا لجملة، ولا فعلا، ولا تابعًا لفعل.
ومنها: أنه ليس في نية إحلاله محل الأول، وليس من جملة أخرى، وليس
متبوعه في حكم الطرح، بخلاف البدل في الجميع.
__________
1 في "ب": "بزيد".
2 انظر هذه الفروق في مغني اللبيب 2/ 455.
(2/152)
|