شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في
النحو باب البدل
مدخل
...
باب البدل:
هذه التسمية للبصريين، واختلف في تسميته عن الكوفيين فقال الأخفش:
يسمونه الترجمة والتبيين. وقال ابن كيسان: يسمونه التكرير1. والغرض
منه2 أن يذكر الاسم مقصودًا بالنسبة بعد التوطئة لذكره بالتصريح بتلك
النسبة إلى ما قبله لإفادة توكيد الحكم وتقريره، ولذلك يقولون: البدل
في حكم تكرير العامل.
وقولهم: المبدل منه في حكم الطرح، إنما يعنون به من جهة المعنى غالبًا
دون اللفظ بدليل جواز: ضربت زيدًا يده، إذ لو لم يعتد بزيد أصلا لما
كان للضمير ما يعود عليه.
والبدل لغة العوض، "و" اصطلاحًا: "هو التابع المقصود بالحكم" المنسوب
إلى متبوعه نفيًا أو إثباتًا بلا واسطة. هذا معنى قول الناظم:
565-
..... المقصود بالحكم بلا ... واسطة هو المسمى بدلا
"فخرج بالفصل الأول" وهو المقصود بالحكم، ثلاثة توابع: "النعت والبيان
والتوكيد، فإنها مكملات للمقصود بالحكم" وهو متبوعها، وليست مقصودات
بالحكم.
"وأما النسق فثلاثة أنواع:
[أحدها] 3: ما ليس مقصودًا بالحكم" أصلا، وهو المعطوف بـ"لا" بعد
الإيجاب وبـ"بل" و"لكن" بعد النفي "كـ: جاء زيد لا عمرو، و: ما جاء زيد
بل
__________
1 في الارتشاف 2/ 619 أن الكوفيين يسمونه بالترجمة والتبيين والتكرير.
2 الغرض من البدل هنا، نقله الشارح من شرح ابن الناظم ص393.
3 إضافة من "ب"، "ط".
(2/190)
عمرو، أو: لكن عمرو". "أما الأول" وهو
المعطوف بـ"لا" "فواضح" أمره, "لأن الحكم السابق" وهو إثبات المجيء
لزيد "منفي عنه" بـ"لا" "وأما الآخران" وهما المعطوف بـ"بل" والمعطوف
بـ"لكن" بعد النفي "فلأن الحكم السابق هو نفي المجيء، والمقصود به إنما
هو الأول" دون الثاني.
"النوع الثاني: ما هو مقصود بالحكم هو وما قبله فيصدق عليه أنه مقصود
بالحكم لا أنه" هو "المقصود" وحده، "وذلك كالمعطوف بالواو" إثباتًا أو
نفيًا "نحو: جاء زيد وعمرو، وما جاء زيد ولا عمرو. وهذان النوعان" وهما
الأول والثاني "خارجان بما خرج به النعت والتوكيد والبيان"، أما الأول
فلأن المقصود بالحكم إنما هو المتبوع، وأما الثاني فلأن التابع ليس هو
المقصود بالحكم وحده.
و"النوع الثالث: ما هو مقصود بالحكم دون ما قبله، وهذا هو المعطوف
بـ"بل"1 بعد الإثبات، نحو: جاءني زيد بل عمرو"2. وفي بعض النسخ ذكر
"لكن" بعد "بل" وهو إنما يتمشى على قول الكوفيين. "وهذا النوع خارج
بقولنا: بلا واسطة، وسلم الجد بذلك للبدل.
وإذا تأملت ما ذكرته في تفسير هذا الحد، وما ذكره الناظم3 وابنه4 ومن
قلدهما" من شراح النظم5 وغيره6 "علمت أنهم عن إصابة الغرض بمعزل.
وأقسام البدل أربعة"7: أشار إليها الناظم بقوله:
566-
مطابقًا أو بعضا أو ما يشتمل ... عليه يلفى أو كمعطوف ببل
"الأول: بدل كل من كل: وهو بدل الشيء8 مما هو طبق معناه،
__________
1 بعده "ب": "ولكن".
2 بعده في "ب": "أو: لكن عمرو".
3 شرح التسهيل 3/ 231.
4 شرح ابن الناظم ص382-383.
5 مثل ابن عقيل في شرح الألفية 2/ 247.
6 مثل أبي حيان في الارتشاف 2/ 619.
7 كذلك قال ابن الناظم في شرحه ص393، وفي حاشية يس 1/ 155: "زاد بعضهم
خامسًا وهو بدل كل من بعض. قال السيوطي: وقد وجدت له شاهدًا في التنزيل
وهو قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا
يُظْلَمُونَ شَيْئًا} ... ", وذكر أبو حيان هذا القسم الخامس وقال: "إن
الجمهور على نفيه. انظر الارتشاف 2/ 625.
8 بعده في "ب": "ومن الشيء".
(2/191)
نحو: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ،
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 6-7] فـ"صرط
الذين": بدل من "الصراط المستقيم" بدل كل من كل، "وسماه الناظم" في
النظم "البدل المطابق"، وخالف الجماعة في تسميته بدل كل من كل، "لوقوعه
في اسم الله تعالى، نحو: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ،
اللَّهِ} [إبراهيم: 1-2] فيمن قرأ بالجر"1، فـ"الله" بدل من "العزيز"
بدل مطابق. ولا يقال فيه: بدل كل من كل، "وإنما" لم يقل ذلك، لأن كلا
إنما "يطلق" على ما يقبل التجزيء، فعند الإطلاق تدل "كل، على ذي أجزاء،
وذلك ممتنع هنا"، لأن الله تعالى منزه عن ذلك، ولا يحتاج البدل المطابق
إلى ضمير يربطه بالمبدل منه، لأنه نفس المبدل منه في المعنى، كما أن
الجملة التي هي نفس المبتدأ في المعنى لا تحتاج لرابط.
"والثاني: بدل بعض من كل: وهو بدل الجزء من كله، قليلا كان ذلك الجزء"
بالنسبة إلى الباقي من المبدل منه، "أو مساويًا" له "أو أكثر" منه "كـ:
أكلت الرغيف ثلثه"، فالثلث أقل من الباقي، وهو الثلثان، "أو نصفه"،
فالنصف مساو للنصف الثاني، "أو ثلثيه"، فالثلثان أكثر من الثلث الباقي.
وذهب الكسائي وهشام إلى أن [بدل] 2 البعض لا يقع إلا على ما دون النصف
فلا يسمى: أكلت الرغيف نصفه أو ثلثيه أو أكثره، بدل بعض عندهما. "ولا
بد" في بدل البعض "من اتصاله بضمير يرجع إلى المبدل منه" ليربط البعض
بكله. "مذكور" ذلك الضمير، متصل بالبدل أو بغيره، فالأول "كالأمثلة
المذكورة" في قوله: ثلثه أو نصفه أو ثلثيه. "و" الثاني "كقوله تعالى:
{ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} " [المائدة: 71] فـ"كثير"
بدل من الواو الأولى فقط، والواو الثانية عائدة على "كثير" لأنه مقدم
رتبة، والأصل؛ والله أعلم: ثم عموا كثير منهم وصموا. والذي حملنا على
ذلك أنا لو جعلناه بدلا من الواوين معًا لزم توارد عاملين على معمول
واحد، وإن جعلناه بدلا من أحدهما، وبدل من الآخر محذوف، فهو متوقف على
إجازة حذف البدل، وإن جعلناه بدلا من الواو الثانية فقط بقيت الأولى
بلا مفسر، وإن جعلناه مبتدأ، والجملة قبله3 خبره، فقال البيضاوي4: إنه
ضعيف، لأن تقديم الخبر في مثله ممتنع. ا. هـ.
__________
1 وهي قراءة الجمهرو، وقرأ "اللهُ"؛ بالرفع: نافع وابن عامر وأبو جعفر
والحسن. انظر الإتحاف ص271، والنشر 2/ 298.
2 إضافة من "ط".
3 في "ب": "بعده".
4 أنوار التنزيل 2/ 162.
(2/192)
وأن جعلناه فاعلًا لأحد الفعلين على سبيل
التنازع ففيه ضعف من وجهين: أحدهما: أنه يخرج على لغة أكلوني البراغيث.
والثاني: أنه يجب أن يقدر في العامل المهمل ضمير مستتر راجع إلى "كثير"
ووجوب استتار الضمير في فعل الغائبين من غرائب العربية، كما قاله في
المغني1. وإن جعلناه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: العمي والصم كثير
منهم، فهو تكلف.
"أو مقدر كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} " [آل عمران: 97] . فـ: "من استطاع":
بدل من "الناس" بدل بعض من كل، والضمير العائد على المبدل منه مقدر؛
"أي: منهم". قال ابن إياز: قال النحويون: "من استطاع": بدل بعض2. وقال
ابن برهان: بدل كل، واحتج بأن المراد بالناس المستطيع، فهو عام أريد به
خاص، لأن الله عز وجل لا يكلف الحج من لا يستطيع. ا. هـ.
قال الموضح في الحواشي: والجماعة يقولون: عام مخصوص، ولا ضير3، لأن
الكلام بآخره ومقصوده وليس بظاهره المحض من غير نظر إلى مقصوده، والحق
أنهما محتملان. ا. هـ. وقال الكسائي: من: شرطية وجوابها محذوف،
والتقدير: من استطاع فليحج. ورد بأن لا حاجة إلى الحذف مع إمكان تمام
الكلام، وقال ابن السيد: مَنْ: فاعل "حج" والمصدر مضاف إلى مفعوله. ورد
بأنه: يقتضي أنه يجب على جميع الناس أن مستطيعهم يحج، وذلك باطل4.
"والثالث: بدل الاشتمال". واختلف في المشتمل في بدل الاشتمال فقال
الرماني: هو الأول. واختاره في التسهيل5، وعلله الجزولي بأن الثاني إما
صفة للأول كـ: أعجبتني الجارية حسنها، أو مكتسب منه صفة نحو: سلب زيد
ماله، فإن الأول اكتسب من الثاني كونه مالكًا. ورد بأنه يلزم منه أن
يجيز: ضربت زيدًا عبده، على الاشتمال وهم قد منعوا ذلك. قاله أبو حيان
في التذكرة6. وقال الفارسي في الحجة: المشتمل هو الثاني. قال: بدليل:
سُرِق زيدٌ ثوبُهُ، ورد بـ: سرِقَ زيدٌ فرسُهُ.
__________
1 مغني اللبيب 2/ 367.
2 بعده في "ب": "من كل".
3 في "ب": "ولا ضير".
4 انظر شرح قطر الندى ص309.
5 التسهيل ص173.
6 تذكرة النحاة ص186.
(2/193)
وقيل: لا اشتمال لأحدهما على الآخر، وإنما
المشتمل المسند إلى الأول على معنى أن الإسناد إلى الأول لا يكتفى به
من جهة المعنى، وإنما أسند إليه على قصد غيره مما يتعلق به، ويكون
المعنى مختصًا بغير الأول. وهذا القول أفصح عنه السيرافي وأبو العباس1،
ولهذا لا يجوز: ضُرِبَ زيدٌ عبدُهُ، على الاشتمال، لاكتفاء المسند
بالأول.
وهذا المذهب قيل: إنه التحقيق، وإنه الذي نصره الأستاذ أبو إسحاق بن
ملكون وقال2: إن النحويين؛ يعني أكثرهم؛ لم يفصحوا عنه كل الإفصاح، ولم
يوضحوه كل الإيضاح، فلذلك اختاره الموضح وقال: "وهو بدل شيء من شيء
يشتمل عامله على معناه اشتمالا بطريق الإجمال".
وقال في الحواشي: هذا هو الذي يظهر وبه قال المبرد والسيرافي وابن جني
وابن الباذش وابن الأبرش وابن أبي العافية وابن ملكون، "وذلك كـ:
أعجبني زيد علمه أو حسنه أو كلامه". ألا ترى أن الإعجاب مشتمل على زيد
بطريق المجاز، وعلى علمه وحسنه وكلامه بطريق الحقيقة. "و" كذلك: "سرِقَ
زيدٌُ ثوبُهُ أو فرسُهُ"، فإن زيدًا مسروق مجازًا والثوب والفرس
مسروقان حقيقة، وهذا مطرد.
فإن قلت: فما تصنع بقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ
الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة: 217] ؟ قلت: كلمة "عن" دالة على
المجاوزة والسؤال متجاوز فاعله إلى الشهر وإلى القتال بطريقي الحقيقة
والمجاز، كما بينا, فلا إشكال فيها. ا. هـ. ومع ذلك يرد عليه: زيد ماله
كثير، إذا أعرب "ماله" بدلا من "زيد" إلا أن يقول: إن الابتداء مشتمل3
على زيد مجازًا وعلى ماله حقيقة. وأفاد بهذه الأمثلة أن بدل الاشتمال
تارة يكون مصدرًا وتارة يكون غيره، وإذا كان مصدرًا فتارة يكون مكتسبًا
كالعلم، وتارة يكون غير مكتسب، وغير المكتسب تارة يكون لازمًا كالحسن،
وتارة يكون مفارقًا كالكلام، وغير المصدر تارة يكون مشتملا اشتمال
الظرف على المظروف كالثوب، وتارة لا يكون كذلك، كالفرس، وبدأ بالمصدر
لأنه الأكثر. "و" بدل الاشتمال "أمره في الضمير" الرابط له بالمبدل منه
"كأمر بدل البعض"، ثم تارة يكون مذكورًا وتارة يكون مقدرًا.
"فمثال المذكور" المتصل بالبدل "ما تقدم من الأمثلة، و" مثال المتصل
بغير البدل قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ
قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة: 217] فـ"قتال"
__________
1 المقتضب 1/ 27.
2 انظر قول ابن ملكون في تذكرة النحاة ص187.
3 في "ب": "اشتمل".
(2/194)
بدل اشتمال من "الشهر" والرابط بينهما
الهاء المجرورة بـ"في"1.
"ومثال" الضمير "المقدر: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ}
[البروج: 4, 5] "أي: النار فيه"، وهو قول البصريين. "وقيل": لا تقدير،
و"الأصل: ناره، ثم نابت "أل" عن الضمير"، وهو قول الكوفيين، والأخدود:
شق في الأرض، وأصحابه ثلاثة: أنطيانوس الرومي بالشام، وبختنصر بفارس،
ويوسف ذو نواس بنجران، شق كل واحد منهم شقًّا عظيمًا [في الأرض] 2،
طوله أربعون ذراعًا، وعرضه اثنا عشر ذراعًا، وهو الأخدود، وملئوه
نارًا، وقالوا: من لم يكفر، وإلا ألقي فيه، ومن كفر ترك. قاله الكواشي.
وهذه الأبدال الثلاثة مسموعة، وزعم السهيلي أن بدل البعض والاشتمال من
بدل الكل، قال: وذلك أن العرب تحذف المضاف، فإذا قالوا: أكلت الرغيف
ثلثه، وأعجبني زيد علمه، فالمعنى: أكلت بعض الرغيف وأعجبني وصف زيد، ثم
أبدل من البعض والوصف، ثم حذفا للدليل عليهما.
"والرابع: البدل المباين" للمبدل منه، "وهو ثلاثة أقسام، لأنه لا بد أن
يكون مقصودًا" بالحكم "كما تقدم في الحد، ثم الأول" وهو المبدل منه،
"إن لم يكن مقصودًا البتة ولكن سبق3 إليه اللسان فهو بدل الغلط، أي بدل
عن اللفظ الذي هو غلط، لا أن البدل نفسه هو الغلط، كما قد يتوهم" من
ظاهر اللفظ، "وإن كان" الأول "مقصودًا، فإن تبين بعد ذكره فساد قصده
فبدل نسيان، أي بدل شيء ذكر نسيانًا.
وقد ظهر" من هذا4 التقرير "أن الغلط متعلق باللسان والنسيان متعلق
بالجنان" وهو القلب، "والناظم" في قوله في النظم:
567-
................................ ... ودون قصد غلط به سلب
"وكثير من النحويين لم يفرقوا بينهما، فسموا النوعين بدل غلط"5، قال
ابن
__________
1 في شرح ابن الناظم ص394: "لأن القتال في الشهر الحرام يستلزم معنى
فيه، وهو ترك تعظيمه".
2 إضافة من "ط".
3 في "أ": "سبق".
4 سقطت من "ب".
5 منهم أبو حيان في الارتشاف 2/ 625، وابن عقيل في شرحه 2/ 249، وابن
الناظم في شرحه 395، والمرادي في شرحه 3/ 253.
(2/195)
عصفور1: وهذان النوعان جائزان قياسًا، ولم
يرد بهما سماع. "وإن كان قصد كل واحد2 منهما صحيحًا فبدل إضراب"، وإليه
أشار الناظم بقوله:
567-
وذا للإضراب اعز إن قصدا صحب ...
.......................................
"ويسمى أيضًا بدل بداء"، بالدل المهملة والمد. قال ابن عصفور: وهذا
النوع مختلف فيه، فقيل: بدل بداء، وقيل: معطوف حذف عاطفه3. قال في
الحواشي: وهو الواو لا بل؛ لأنه لم يثبت حذفها. "وقول الناظم" في
النظم:
568-
........................................ ... ................. وخذ
نبلا مدى
"يحتمل الثلاثة" وهي الغلط والنسيان والبداء، "وذلك باختلاف التقادير"
بحسب الإرادات، "وذلك لأن النبل اسم جمع للسهم، والمدى" بالقصر "جمع
مدية، وهي السكين، فإن كان المتكلم" بقوله: "خذ نبلا مدى" "إنما أراد
الأمر بأخذ المدى فسبقه لسانه إلى النبل، فبدل غلط4، وإن كان أراد
الأمر بأخذ النبل"، ابتداء، "ثم تبين له فساد تلك الإرادة وأن الصواب
الأمر بأخذ المدى، فبدل نسيان، وإن كان أراد الأول"؛ وهو الأمر بأخذ
النبل، "ثم أضرب عنه إلى الأمر بأخذ المدى، وجعل الأول"5؛ وهو الأمر
بأخذ النبل؛ "في حكم المتروك، فبدل إضراب وبداء"، لأنه أضرب6 عن الأمر
الأول حين بدا له الأمر الثاني.
"والأحسن فيهن أن يؤتى7 بـ: بل" لئلا يتوهم إرادة الصفة، أي: نبلا حادة
كما تقول: رأيت رجلا حمارًا، تريد جاهلا أو8 بليدًا.
__________
1 المقرب 1/ 243.
2 سقطت من "ب".
3 في المقرب 1/ 243: "وهو أن تبدل لفظًا تريده من لفظ أردته أولا ثم
أضربت عنه".
4 في "ب": "الغلط".
5 في "ب": "الأولان".
6 في "أ": "إضراب"، والتصويب من "ب"، "ط".
7 في "ط": "يؤول".
8 سقطت من "ب".
(2/196)
فصل:
"يبدل الظاهر من الظاهر، كما تقدم، و" ذهب ابن مالك في التسهيل1 إلى
أنه "لا يبدل المضمر من المضمر" وقوفًا من السماع، "ونحو: قمت أنت"،
ورأيتك أنت، "ومررت بك أنت، توكيد اتفاقًا" من البصريين والكوفيين،
"وكذلك نحو: رأيتك إياك"، توكيد "عند الكوفيين والناظم" لا بدل، خلافًا
للبصريين.
قال الناظم في شرح التسهيل2: وقول الكوفيين عندي أصح؛ لأن نسبة المنصوب
المنفصل من المنصوب كنسبة المرفوع المنفصل من المرفوع المتصل نحو: فعلت
أنت، والموفوع توكيد بإجماع، فيلكن المنصوب توكيدًا، فإن الفرق بينهما
تحكم بلا دليل.
قال الشاطبي: والظاهر مذهب البصريين لما ثبت عن العرب أنها إذا أرادت
التوكيد أتت بالضمير المرفوع المنفصل فقالت: جئت أنت ورأيتك أنت ومررت
بك أنت وإذا أرادت البدل وفقت بين التابع والمتبوع فقالت: جئت أنت
ورأيتك إياك ومررت به به، فيتحد لفظ التوكيد والبدل في الموفوع، ويختلف
في غيره، هكذا نقل سيبويه عن العرب3 وتلقاه منه غيره بالقبول، وهم
المؤتمنون على ما ينقلون، لأنهم شافهوا العرب وعرفوا مقاصدهم، فلا
يعارض هذا بقياس، بأن يقال: فإن نسبة المنفصل إلى المتصل ... إلى آخره
مقالة ابن مالك السابقة.
"و" ذهب أيضًا في التسهيل4 إلى أنه "لا يبدل مضمر من ظاهر". وقال في
شرحه5: "و" الصحيح عندي أن يكون "نحو: رأيت زيدًا إياه، من وضع
النحويين
__________
1 التسهيل ص172.
2 شرح التسهيل 3/ 305.
3 الكتاب 2/ 395-386.
4 التسهيل ص172.
5 شرح التسهيل 3/ 332.
(2/197)
وليس بمسموع" من كلام العرب لا نثرا ولا
شعرا، ولو سمع كان توكيدًا. "ويجوز عكسه"، وهو إبدال الظاهر من الضمير
"مطلقًا" في جميع البدل، سواء كان كلا أم بعضًا أم اشتمالا أم أضرابًا،
"إن كان الضمير" المبدل منه "لغائب نحو: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى
الَّذِينَ ظَلَمُوا} " [الأنبياء: 3] فـ: "الذين ظلموا": بدل من الواو
في "أسروا"1 بدل كل من كل "في أحد الأوجه الثلاثة". وقيل "الذين
ظلموا": مبتدأ مؤخر، و"أسروا النجوى": خبر مقدم. وقيل: "الذين ظلموا":
فاعل "أسروا" والواو حرف دال على الجمع لا ضمير، كما تقدم في باب
الفاعل.
"وكذا" يجوز إبدال الظاهر من المضمر "إن كان" الضمير المبدل منه
"لحاضر" متكلم أو مخاطب، "بشرط أن يكون" الظاهر "بدل بعض" من كل،
كقوله: [من الرجز]
586-
أوعدني بالسجن والأداهم ... رجلي فرجلي شثنة المناسم
فـ"رجلي" الأولى: بدل من ياء المتكلم بدل بعض من كل.
و"كـ: أعجبتني وجهك"، فوجهك: مرفوع على البدلية من تاء المخاطب بدل بعض
من كل، "وقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ}
" [الأحزاب: 21] فـ"من" الموصولة المجرورة باللام بدل من ضمير
المخاطبين المجرور باللام، وأعيدت اللام مع البدل للفصل.
"أو" يكون "بدل اشتمال كـ: أعجبتني كلامك" فكلامك، بالرفع: بدل اشتمال
من تاء المخاطب، "وقول الشاعر" وهو النابغة الجعدي: [من الطويل] .
868-
بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
__________
1 شرح ابن الناظم ص397.
685-الرجز للعديل بن الفرخ في خزانة الأدب 5/ 188، 189، 190، والدرر 2/
402، والمقاصد النحوية 4/ 190، وتاج العروس "دهم"، وبلا نسبة في ديوان
الأدب 3/ 266، وإصلاح المنطق ص226، 294، وشرح أبيات سيبويه 1/ 124،
وشرح ابن الناظم ص397، وشرح الأشموني 2/ 439، وشرح شذور الذهب ص442،
وشرح ابن عقيل2/ 251، وشرح الكافية الشافية 3/ 1282، وشرح المفصل 3/
70، وتاج العروس 9/ 307، "وعد"، ومقاييس اللغة 6/ 125، وهمع الهوامع 2/
127، وتهذيب اللغة 3/ 134، ومجمل اللغة 4/ 539، والمخصص 12/ 221.
686- البيت للنابغة الجعدي في ديوانه ص68، وخزانة الأدب 3/ 169، 7/
419، واللسان 4/ 523، 529 "ظهر"، والمقاصد النحوية 4/ 193، وبلا نسبة
في أوضح المسالك 3/ 406, وشرح ابن الناظم ص398، وشرح الأشموني 2/ 439،
وشرح الكافية الشافية 3/ 1283.
(2/198)
فـ"مجدنا وسناؤنا": بدل اشتمال من ضمير
المتكلم وهو "نا".
"أو" يكون "بدل كل مفيدًا للإحاطة" والشمول كالتوكيد "نحو": {رَبَّنَا
أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا
لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا} [المائدة: 114] ، فـ"أولنا وآخرنا" بدل كل
من الضمير المجرور باللام، ولذلك أعيدت اللام مع البدل، وإلى ذلك أشار
الناظم بقوله:
569-
ومن ضمير الحاضر الظاهر لا ... تبدله إلا ما إحاطة جلا
570-
أو اقتضى بعضًا أو اشتمالا ... كإنك ابتهاجك استمالا
"ويمتنع" إبدل الظاهر من الضمير بدل كل "إن لم يفدها"، أي الإحاطة،
"خلافًا للأخفش فإنه أجاز" تبعًا للكوفيين: "رأيتك زيدًا"، على أن
زيدًا بدل من الكاف، "ورأيتني عمرًا"، على أن عمرًا بدل من الياء، وسمع
الكسائي: إلى أبي عبد الله، وقال الشاعر: [من البسيط]
687-
بكم قريش كفينا كل معضلة ... وأم نهج الهدى من كان ضليلا
__________
687- البيت بلا نسبة في الارتشاف 2/ 622، وشرح شذور الذهب ص443، وشرح
التسهيل 3/ 335، وشرح المرادي 3/ 260.
(2/199)
فصل:
"يبدل كل من الاسم والفعل والجملة1 من مثله، فالاسم كما تقدم" في
الأقسام الأربعة، "والفعل" كذلك عند الشاطبي، إذا أفاد زيادة بيان
للأول.
فبدل الكل "كقوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا،
يُضَاعَفْ} " [الفرقان: 68-69] فـ"يضاعف" بدل من "يلحق" بدل كل، قال
الخليل2: لأن مضاعفة العذاب هي لقي الآثام.
وبدل البعض نحو: إن تصل تسجد لله يرحمك، فـ: تسجد: بدل من "تصل" بدل
بعض من كل.
وبدل الاشتمال كقوله: [من الرجز]
688-
إن علي الله أن تبايعا ... تؤخذ كرها أو تجيء طائعا
لأن الأخذ كرها3 والمجيء طائعًا من صفات المبايعة.
وبدل الإضراب4 والغلط نحو: إن تطعم زيدًا تكسه أكرمك. ا. هـ. كلام
الشاطبي ملخصًا، وذلك داخل تحت إطلاق قول الناظم:
572-
ويبذل الفعل من الفعل..... ... ..................................
"والجملة" كذلك إلا في بدل الكل نحو: قعدت جلست في دار زيد، فإنه لا
يعتد به، لأنه
__________
1 في "ب": "والحرف".
2 الكتاب 3/ 87.
688- الرجز بلا نسبة في خزانة الأدب 5/ 203، 204، وشرح أبيات سيبويه 1/
402، وشرح ابن الناظم ص399، وشرح الأشموني 2/ 44، وشرح ابن عقيل 2/
253، وشرح التسهيل 3/ 341، وشرح عمدة الحافظ ص591، وشرح الكافية
الشافية 3/ 1287، والكتاب 1/ 156، والمقاصد النحوية 4/ 199، والمقتضب
2/ 63.
3 في "ب": "كارهًا".
4 في "ب": "الاضطراب".
(2/200)
إنما يتميز عن التوكيد بمغايرة اللفظين
وكون المقصود هو الثاني، وهو لا يتحقق في الجمل لا سيما التي لا محل
لها من الإعراب. قال التفتازاني في شرح التلخيص.
وبدل البعض "كقوله تعالى: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ
بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ"، وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الشعراء: 132-134]
فجملة "أمدكم" الثانية أخص من الأولى، باعتبار متعلقيها، فتكون داخلة
في الأولى. لأن "ما تعلمون" يشمل الأنعام وغيرها.
وبدل الاشتمال كقوله: [من الطويل]
689-
أقول له ارحل لا تقيمن عندنا ... وإلا فكن في السر والجهر مسلما
فـ"لا تقيمن عندنا": بدل اشتمال من "ارحل" لما بينهما من المناسبة
اللزومية. وليس توكيدًا له لاختلاف لفظيهما، ولا بدل بعض لعدم دخوله في
الأول، ولا بدل كل لعدم الاعتداد به، كما تقدم، ولا غلط لوقوعه في
الفصيح.
وبدل الغلط كـ: قم اقعد.
والفرق بين بدل الفعل وحده والجملة أن الفعل يتبع ما قبله في إعرابه
لفظًا أو تقديرًا، والجملة تتبع ما قبلها محلا إن كان له محل، وإلا
فإطلاق التبعية عليها1 مجاز2، إذ التابع كل ثان أعرب بإعراب سابقه
الحاصل والمتجدد. وسكتوا عن اشتراط الضمير في بدل البعض والاشتمال في
الأفعال والجمل، لتعذر عود الضمير عليها.
"وقد تبدل الجملة من المفرد" [بدل كل] 3 "كقوله"، وهو الفرزدق: [من
الطويل]
690-
إلى الله أشكو بالمدينة حاجة ... وبالشام أخرى كيف يلتقيان
__________
689- البيت بلا نسبة في خزانة الأدب 5/ 207، 8/ 463، وشرح ابن الناظم
ص400، وشرح الأشموني 2/ 440، وشرح شواهد المغني 2/ 839، وشرح المرادي
3/ 263، ومجالس ثعلب ص96، ومعاهد التنصيص 1/ 278، ومغني اللبيب 2/ 426،
والمقاصد النحوية 4/ 200.
1 في "أ": "عليهما"، والتصويب من "ب"، "ط".
2 في "ب": "مجازًا".
3 إضافة من "ب"، "ط".
690- البيت للفرزدق في خزانة الأدب 5/ 208، وشرح شواهد المغني 2/ 577،
وشرح المرادي 3/ 265، والمقاصد النحوية 4/ 201، وليس في ديوانه، وبلا
نسبة في أوضح المسالك 3/ 408، وشرح الأشموني 2/ 440، وشرح التسهيل 3/
340 والمحتسب 2/ 165، ومغني اللبيب 1/ 27، 426، والمقتضب 2/ 329، وهمع
الهوامع 2/ 128.
(2/201)
أبدل جملة "كيف يلتقيان" من "حاجة" و"أخرى"
وهما مفردان. قاله ابن جني1. وإنما صح ذلك لرجوع الجملة إلى التقدير
بمفرد. "أي: إلى الله أشكو هاتين الحاجتين تعذر التقائهما"، فـ: تعذر:
مصدر مضاف إلى فاعله، وهو بدل من "هاتين" قال الدماميني: ويحتمل أن
يكون "كيف يلتقيان" جملة مستأنفة نبه بها على سبب الشكوى، وهو استبعاد
اجتماع هاتين الحاجتين. والشام: بلاد سميت بشام بن نوح، فإنه بالشين
المعجمة بالسريانية، أو لأن أرضها شامات بيض وحمر وسود، وعلى هذا لا
يهمز، وقد يذكر. كذا في القاموس2.
__________
1 نقله ابن مالك في شرح التسهيل 3/ 340.
2 القاموس المحيط "شأم".
(2/202)
فصل:
"وإذا أبدل اسم من اسم مضمن معنى حرف الاستفهام"؛ وهو الهمزة؛ "أو حرف
شرط"؛ وهو "إن"؛ بدل تفصيل، "ذكر ذلك الحرف" المفيد للاستفهام أو الشرط
"مع البدل" ليوافق المبدل منه في تأدية المعنى.
"فالأول": وهو الاستفهام، ويكون عن معرفة2 الكميات وعن تعيين الذوات
وعن بيان المعاني. فالأول "كقولك: كم مالك أعشرون أم ثلاثون" فعشرون
وما عطف عليها بدل من "كم" بدل تفصيل. "و" الثاني كقولك: "من رأيت
أزيدًا أم عمرا" فـ"زيدا" وما عطف عليه بدل من "من" بدل تفصيل، "و"
الثالث كقولك: "ما صنعت أخيرًا أم شرًّا" فـ"خيرًا" وما عطف عليه بدل
من "ما" بدل تفصيل، وقرن بالهمزة في الجميع لتضمن المبدل منه معنى
الاستفهام.
"والثاني": وهو الشرط، ويكون للعاقل وغيره وللزمان والمكان، فالأول
"نحو من يقم إن زيد وإن عمرو أقم معه"، فـ"زيد وعمرو" بدل من "مَنْ"
بدل تفصيل، "و" الثاني نحو: "ما تصنع إن خيرًا وإن شرًّا تجز به"
فـ"خيرًا وشرًّا" بدل من "ما" الشرطية2 بدل تفصيل. "و" الثالث نحو:
"متى تسافر إن غدًا وإن بعد غدٍ أسافر مَعَك"، فـ"غدًا" و"بعد غد": بدل
من "متى" بدل تفصيل. والرابع: حيثما تجلس إن يمين المحراب وإن يساره
أجلس معك. وقرن بـ"إن" في الجميع لتضمن المبدل منه معنى الشرط. وقد
يتخلف كل من التفصيل وإعادة حرف الشرط، ففي الكشاف3 أن "يومئذ" بدل من
"إذا" في قوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}
[الزلزلة: 1] وكذا قال أبو البقاء4، ولهذا اقتصر في الناظم على
الاستفهام فقال:
__________
1 بعده في "ب": "البدل".
2 سقطت من "ب".
3 الكشاف 4/ 227.
4 البيان ص1299.
(2/203)
571-
وبدل المضمن الهمزيلي ... همزًا........................
وكذا فعل1 في التسهيل2 مع كثرة جمعه فيه على أن مسألة الشرط لا تخلو عن
إشكال، لأنك إذا قلت: من يقم إن زيد وإن عمرو، كأن اسم الشرط، مرفوعًا
بالابتداء، فيكون البدل مرفوعًا، بالابتداء ضرورة3، سواء قلنا: البدل
على نية تكرير4 العامل أم لا، فيلزم دخول "إن" الشرطية على المبتدأ،
وهو غير جائز على الأصح.
وإن جعلنا ما بعد "إن" مرفوعًا على الفاعلية امتنعت المسألة لتخالف
العامل، ولأن "إن" لا يضمر الفعل بعدها إلا إذا كان هناك ما يفسره نحو:
{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ} [النساء: 128] .
وجوابه أن "إن" إنما جيء بها لبيان المعنى لا للعمل، فلا يلزم المحذور.
__________
1 في "ب": "نقل".
2 التسهيل ص173.
3 سقطت من "ب".
4 في "أ"، "ب": "تكرار".
(2/204)
|