شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في
النحو باب النداء
الفصل الأول في ذكر الأحرف التي ينبه بها
المنادى إذا دعي
...
باب النداء:
بالمد وبكسر النون ويجوز ضمها، وهو الدعاء بأحرف مخصوصة. "وفيه فصول"
أربعة:
الفصل الأول في ذكر الأحرف التي ينبه بها المنادى إذا دعي:
"و" في ذكر "أحكامها":
"وهذه الأحرف" وفاقًا وخلافًا "ثمانية1: الهمزة" وحدها "و: أي" بفتح
الهمزة, وسكون الياء، حال كون الهمزة و"أي" "مقصورتين وممدودتين"،
فتقول: أزيد وأي زيد، بقصر الهمزة فيهما، وأزيد وآي زيد، بمد الهمزة
فيهما، "و: يا، و: أيا، و: هيا، و: وا".
وأما أحكامها "فالهمزة المقصورة للقريب" المسافة، وليس مثلها في ذلك
الهمزة الممدودة، خلافًا لصاحب المقرب2، ولا "أي"3 خلافًا لجماعة من
المتأخرين، "إلا أن ينزل" القريب "منزلة البعيد"كالساهي "فله بقية
الأحرف، كما أنها"، أي بقية الأحرف،
__________
1 وهو مذهب الكوفيين، فقد أضافوا: "آ، آي". انظر شرح ابن الناظم ص401،
وشرح الكافية الشافية 3/ 1289.
2 في المقرب 1/ 175، أن الهمزة للقريب خاصة.
3 في "ب": "بي".
(2/205)
"للبعيد الحقيقي"، وإلى ذلك أشار الناظم
بقوله:
573- وللمنادى الناء أو كالناء يا
وأي وآ كذا أيا ثم هيا
574- والهمز للداني..........
..............................
وذهب المبرد1 إلى أن "أيا وهيا" للبعيد، و"أي والهمزة" للقريب، و"يا"
لهما، وذهب ابن برهان إلى أن "أيا وهيا" للبعيد، و"الهمزة" للقريب
و"أي" للمتوسط و"يا" للجميع، وأجمعوا على جواز نداء القريب بما للبعيد
توكيدًا، وعلى منع العكس. قاله الشارح2.
"وأعمها: يا" لأنها أم الباب، "فإنها تدخل في كل نداء" خالص من الندبة
والاستغاثة، أو مصحوب بهما، و"تتعين" "يا" وحدها "في نداء اسم الله
تعالى" نحو: يا الله، "وتتعين" أيضًا "في باب الاستغاثة نحو: يا لله
للمسلمين، وتتعين هي أو: وا" دون غيرهما "في باب الندبة"، وإلى ذلك
أشار الناظم بقوله:
574-
.......... ووا لمن ندب ... أو يا......................
"و "وا" أكثر استعمالا منها في ذلك الباب"، لأنها الأصل فيه، "وإنما
تدخل: يا" في باب الندبة "إذا أمن اللبس"بالمنادى، "كقوله"، هو جرير
يندب عمر بن عبد العزيز: [من البسيط]
691-
حملت أمرًا عظيمًا فاططبرت له ... وقمت فيه بأمر الله يا عمرا
فثبوت ألف الندبة دليل على أنه مندوب، إذ لو كان منادى لقال: يا عمر
بالضم، لأنه منادى مفرد، وهذا مفهوم من قول الناظم:
574-
.................................... ... ... وغير وا لدى اللبس اجتنب
"ويجوز حذف الحرف" المنادى به وهو "يا" خاصة، سواء كان المنادى مفردًا
أو جاريًا مجراه أو مضافًا، فالأول "نحو: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ
هَذَا} " [يوسف: 29] أي: يا يوسف. والثاني نحو: " {سَنَفْرُغُ لَكُمْ
أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} " [الرحمن: 31] أي: يا أيها الثقلان. والثالث
نحو: " {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ} " [الدخان: 18] أي: يا
عباد الله، على
__________
1 المقتضب 4/ 235.
2 شرح ابن الناظم ص401.
691- البيت لجرير في ديوانه ص736، والدرر 1/ 393، وشرح شواهد المغني 2/
792، وشرح عمدة الحافظ ص289، والمقاصد النحوية 4/ 229، وبلا نسبة في
أوضح المسالك 4/ 9، وشرح ابن الناظم ص421، وشرح الاشموني 2/ 442، ومغني
اللبيب 2/ 372، وهمع الهوامع 1/ 180.
(2/206)
أحد الوجهين. "إلا في ثمان مسائل" فإنه
يمتنع فيها حذف حرف النداء:
إحداها: "المندوب نحو: يا عمرا".
"و" الثانية: "المستغاث نحو: يا لله"، ومنه المتعجب منه نحو: يا للماء
وللعشب، إذا تعجبوا من كثرتها.
"و" الثالثة: "المنادى البعيد" نحو: يا زيد، إذا كان بعيدًا منك. وإنما
لم يحذف حرف النداء في هذه المسائل الثلاث، "لأن المراد فيهن إطالة
الصوت" بحرف النداء، "والحذف ينافيه".
"و" الرابعة: "اسم الجنس غير المعين كقول الأعمى: يا رجلا خذ بيدي".
قاله ابن مالك في الكافية وشرحها1. وأجاز بعضهم الحذف وليس بشيء، لأن
حذف حرف النداء لا يجوز إلا إذا كان المنادي مقبلا على المنادى.
ومتهيئًًا لما يقول له، وهذا إنما يكون في المعرفة دون النكرة.
"و" الخامسة: "المضمر" المخاطب، لأن الحذف معه يفوت الدلالة على
النداء. "و" المضمر "نداؤه شاذ"، وظاهر ذكر الناظم له في عداد هذه
الكلمات أنه مطرد2، وقصره ابن عصفور على الشعر3، واختار أبو حيان أنه
لا ينادى البتة4، فالأقوال حينئذ ثلاثة ومحل الخلاف ضمير5 المخاطب،
"ويأتي على صيغتي المنصوب والمرفوع"، فالأول "كقول بعضهم: يا إياك قد
كفيتك، و" الثاني نحو "قول الآخر" وهو الأحوص: [من الرجز]
692-
يا أبجر بن أبجر يا أنتا ... أنت الذي طلقت عام جعتا
قد أحسن الله وقد أسأتا
__________
1 شرح الكافية الشافية 3/ 1290.
2 شرح الكافية الشافية 3/ 1290.
3 المقرب 1/ 176.
4 الارتشاف 3/ 119.
5 في "ب": "في ضمير".
692- الرجز للأحوص في ملحق ديوانه ص216، والمقاصد النحوية 4/ 232،
ولسالم بن دارة في خزانة الأدب 2/ 139، 143، 146، ونوادر أبي زيد ص163،
والدرر 1/ 382، وبلا نسبة في الإنصاف 1/ 325، وأوضح المسالك 4/ 11،
وتذكرة النحاة ص506، وسر صناعة الإعراب 1/ 395، وشرح الأشموني 2/ 443،
وشرح التسهيل 3/ 387، وشرح عمدة الحافظ ص301، وشرح المرادي 3/ 270،
وشرح المفصل 1/ 127، 130. والمقرب 1/ 176، وهمع الهوامع 1/ 174.
(2/207)
فـ"أبجر" بسكون الموحدة وفتح الجيم: منادى،
و"أنت" الأول منادى، وكان القياس أن يقول: يا إياك، لأنه مفعول حذف
عامله، ولكنه أناب ضمير الرفع عن ضمير النصب، أو لأنه لما اطرد مجيئه
بلفظ المرفوع جاز مجيئه بلفظ ضمير الرفع. وأجاب المانع عن المثال
والبيت بأن "يا" فيهما للتنبيه لا للنداء، و"إياك" في المثال من باب
الاشتغال، و"أنت" الأول في البيت مبتدأ، والثاني كذلك، أو توكيد، أو
بدل، أو فصل، والموصول خبر. واتفقوا على أن ضمير المتكلم والغائب لا
يجوز نداؤهما فلا يقال: يا أنا، ولا: يا إياي، ولا: يا هو، ولا: يا
إياه.
"و" السادسة: "اسم الله تعالى" نحو: يا الله، "إذا لم يعوض في آخره
الميم المشددة" عن حرف النداء، لأن نداء اسم الله تعالى على خلاف
القياس، فلو حذف حرف النداء لم يدل عليه دليل، والحذف إنما يكون
للدليل، "وأجازه بعضهم، وعليه قول أمية ابن أبي الصلت" الثقفي: [من
الطويل]
693-
رضيت بك اللهم ربا فلن أرى ... أدين إلها غيرك الله راضيا
أي: يا الله، وأرى: من الرأي في الأمور، وأدين: مضارع دان بالشيء إذا
اتخذه دينًا وديدنًا، أي عادة، والأصل: أن أدين، فحذفت "أن" فارتفع
المضارع بعدها على حد قولهم: "تسمع بالمعيدي"1. وإلهًا: مفعوله.
وراضيًا: منصوب بـ"رضيت" إما على الحالية من فاعله أو على المفعولية
المطلقة على حد قولهم: قم قائمًا، أي: قيامًا، وعلى الوجهين فهو مؤكد
له ما بينهما اعتراض، وربا: مفعول "رضيت". والمعنى: رضيت رضا بك ربا يا
الله، فلن أرى أن أتخذ إلها غيرك يا الله.
"و" السابعة والثامنة: "اسم الإشارة واسم الجنس لمعين"، لأن حرف النداء
في اسم2 الجنس كالعوض من أداة التعريف فحقه أن لا يحذف كما لا تحذف
الأداة، واسم3 الإشارة في معنى الجنس فجرى مجراه. قاله الشارح4.
"خلافًا للكوفيين فيهما،
__________
693- البيت لأمية بن أبي الصلت في ديوانه ص72، والمقاصد النحوية 4/
243، وبلا نسب في أوضح المسالك 4/ 12، وفيه "ثانيا" مكان "راضيا".
1 تمام المثل: "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه". انظر في مجمع الأمثال
1/ 129، وكتاب الأمثال لابن سلام ص97-98، وجمهرة الأمثال 1/ 266،
والمستقصى 1/ 370، وفصل المقال ص135.
2 في "ب": "حرف".
3 بعده في "ب": "الجنس".
4 شرح ابن الناظم ص402.
(2/208)
احتجوا" بقوله تعالى: {ثُمَّ أَنْتُمْ
هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 85] ، أي: يا هؤلاء
و"بقوله" وهو ذو الرمة: [من الطويل]
694-
إذا هملت عيني لها قال صاحبي ... بمثلك هذا لوعة وغرام
يريد: يا هذا. ولوعة: مبتدأ، وتقدم خبره في المجرور قبله. "وقولهم:
أطرق كرا"، إن النعام في القرى1 وهو مثل يضرب لمن تكبر وقد تواضع من هو
أشرف منه، أي: طأطئ يا كروان رأسك واخفض عنقك للصيد، فإن أكبر منك،
وأطول عنقًا، هي النعام، قد صيدت وحملت من البدو إلى القرى.
"و: افتد مخنوق"2 وهو مثل يضرب لكل مضطر وقع في شدة وهو يبخل بافتدائه
نفسه بماله.
"و: أصبح ليل"3 وهو مثل يضرب لمن يظهر الكراهة للشيء. وأصله أن امرأة
وقع عليها امرؤ القيس وكانت تكرهه فقالت له: أصبحت أصبحت يا فتى. فلم
يلتفت إليها، فرجعت إلى خطاب الليل كأنها تستعطفه. أي: صر صبحًا يا
ليل، كقوله: [من الطويل]
695-
............................... ... ... نور صبح والليل عاتم
__________
694- البيت لذي الرمة في ديوانه ص1592، والدرر 1/ 380، وشرح عمدة
الحافظ ص297، والمقاصد النحوية 4/ 235، وهمع الهوامع 1/ 174، وبلا نسبة
في أوضح المسالك 4/ 15، وشرح الأشموني 2/ 443، ومغني اللبيب 2/ 641،
وشرح الكافية الشافية 3/ 1291، وشرح المرادي 3/ 272.
1 المثل من شواهد الكتاب 2/ 231، 3/ 617، وأوضح المسالك 4/ 17، وشرح
ابن عقيل 2/ 257، وشرح ابن الناظم ص402، وشرح المفصل 2/ 16، وهو من
الأمثال في مجمع الأمثال 1/ 431، والدرة الفاخرة 1/ 155، وجمهرة
الأمثال 1/ 11، 194، 395، والمستقصى 1/ 221.
2 المثل من شواهد الكتاب 2/ 231، وأوضح المسالك 4/ 17، وشرح ابن عقيل
2/ 257، وشرح ابن الناظم ص402، وشرح المفصل 2/ 16، وهو من الأمثال في
مجمع الأمثال 2/ 78، والمستقصى 1/ 265.
3 المثل من شواهد الكتاب 2/ 231، وأوضح المسالك 4/ 17، وشرح ابن عقيل
2/ 257، وشرح ابن الناظم ص402، وشرح المفصل 2/ 16، وهو من الأمثال في
مجمع الأمثال 1/ 427، والدرة الفاخرة 1/ 278، وجمهرة الأمثال 2/ 4،
والمستقصى 1/ 218.
695- تتمة البيت:
وحتى يبيت القوم في الصيف ليلة ...
يقولون................................
وهو للأعشى في ديوانه ص127، ولسان العرب 1/ 597، "نوم"؛ وبلا نسبة في
لسان العرب 5/ 240 "نور"، وتاج العروس 14/ 303" نور".
(2/209)
والأصل فيها: أطرق يا كروان، فرخم على لغة
من لا ينتظر، فقلبت الواو ألفًا.
وافتد يا مخنوق، وأصبح يا ليل، ونور يا صبح، "وذلك عند البصريين ضرورة"
في النظم، "وشذوذ" في النثر1. قال المرادي في شرح النظم2: "والإنصاف
القياس على اسم الجنس لكثرته نظمًا ونثرًا. وقصر اسم الإشارة على
السماع، إذ لم يرد3 إلا في الشعر". وأما نحو: {ثُمَّ أَنْتُمْ
هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ} [البقرة: 85] فمتأول4 على أن "أنتم"5 مبتدأ،
وهؤلاء: خبره، أو بالعكس، وجملة "تقتلون" حال، واقتصر في النظم على
قوله:
575-
وغير مندوب ومضمر وما ... جا مستغاثا قد يعرى فاعلما
576-
وذاك في اسم الجنس والمشار له ... قل ومن يمنعه فانصر عاذله
__________
1 في شرح ابن الناظم ص403، "وعند الكوفيين أن حذف حرف النداء من اسم
الجنس والمشار إليه قياس مطرد، والبصريون يقصرونه على السماع"، وانظر
شرح الكافية الشافية 3/ 1291، وشرح المرادي 3/ 271.
2 شرح المرادي 3/ 271.
3 في "ط": "يوجد".
4 في "ب": "فمتناول".
5 في "ط": "كنتم".
(2/210)
الفصل الثاني في أقسام المنادى بفتح الدال:
"و" ذكر "أحكامه":
المنادى على أربعة أقسام:
أحدها: ما يجب فيه أن يبنى على ما يرفع به" من حركة أو حرف، "لو كان
معربًا" على سبيل الفرض، "وهو ما اجتمع فيه أمران: أحدهما التعريف،
سواء كان ذلك التعريف سابقًا على النداء نحو": زيد، في قولك: "يا زيد"،
فزيد معرفة بالعلمية قبل النداء واستصحب ذلك التعريف بعد النداء، وهو
مذهب ابن السراج1 وتبعه الناظم2.
وقيل: سلب تعريف العلمية وتعرف بالإقبال، وهو مذهب المبرد3 والفارسي4،
وورد بنداء اسم الله تعالى واسم الإشارة5، فإنهما لا يمكن سلب تعريفهما
لكونهما لا يقبلان التنكير. "أو" كان التعريف "عارضًا في النداء بسبب
القصد والإقبال نحو: يا رجل، تريد به معينًا"، وإليه ذهب الناظم6.
وقيل: تعريفه بـ"أل" محذوفة ونابت "يا" عنها.
"و" الأمر "الثاني: الإفراد، ونعني به أن لا يكون مضافًا ولا شبيهًا
به، فيدخل في ذلك المركب المزجي والمثنى والمجموع" على حده وغيره
تذكيرًا وتأنيثًا.
__________
1 الأصول 1/ 329.
2 شرح الكافية الشافية 3/ 1249.
3 المقتضب 4/ 205.
4 الإيضاح العضدي 4/ 205.
5 الإنصاف 1/ 338، المسألة رقم 46.
6 في "ط": "ابن الناظم" مع أن ابن الناظم لم يقل هذا، وإنما هذا القول
لوالده في شرح الكافية الشافية 3/ 1249.
(2/211)
فالمزجي "نحو: يا معد يكرب"، ومعناه فيما
قال أحمد بن يحيى: عداه الكرب، أي: تجاوزه. حكى ذلك أبو الفتح1 عن
الفارسي. "و" المثنى نحو: "يا زيدان، و" الجمع على حده، وهو جمع المذكر
السالم نحو: "يا زيدون، و" تثنية2 المنكر وجمعه السالم نحو: "يا رجلان
ويا مسلمون"، والجمع المكسر في التذكير نحو: يا زيود، "و" جمع السالم
في التأنيث نحو: "يا هندات"، وجمع تكسيره3 نحو: يا هنود.
"وما كان مبنيًّا قبل النداء"، سواء كان علم مذكر أم علم مؤنث. فالأول:
"كـ: سيبويه"، في لغة من بناه، "و" الثاني نحو: "حذام، في لغة أهل
الحجاز"، أم غير علم نحو: هؤلاء: في لغة الضم، وهذا وأنت وكيف. فما كان
معربًا صحيح الآخر غير مثنى ولا مجموع على حده أظهرت فيه الضمة. وما
كان مثنى أو مجموعا على حده بنيته على نائب الضمة، وهو الألف في المثنى
والواو في الجمع اتفاقًا. وما كان معتلا كـ: فتى وقاض، أو مبنيًّا قبل
النداء "قدرت فيه الضمة" ففي نحو: يا سيبويه ويا هؤلاء، ويا هذا ويا
أنت، ضمة مقدرة في آخر مجددة للنداء.
"ويظهر أثر ذلك" التقدير "في تابعه فتقول: يا سيبويه العالمُ، برفع
العالم" مراعاة لضمة مقدرة في آخره، "ونصبه" مراعاة لمحله، فإن محله
منصوب على المفعولية، "كما تفعل في تابع ما تجدد بناؤه نحو: يا زيد
الفاضل"، برفع الفاضل مراعاة لضمة زيد لفظًا، ونصبه مراعاة لمحله.
"و" العلم المركب الإسنادي "المحكي"، ما كان عليه قبل العلمية
"كالمبني" في تقدير الضم في آخره، "تقول1: يا تأبط شرا المقدام"،
بالرفع مراعاة لتقدير الضم في آخره، "والمقدام"، بالنصب مراعاة لمحله.
ومقتضى التشبيه أن المحكي ليس مبنيا، والمنقول أنه مبني، وهذه النعوت
مقصودة4، فإن "سيبويه" يناسبه العلم، و"زيد" يناسبه الفضل، و"تأبط
شرًّا" يناسبه الإقدام، ومعناه: جعل السلاح تحت إبطه.
__________
1 انظر المبهج ص20، وفي مقدمة ديوان عمرو بن معدي كرب ص20: "قال بن
جني: ومعدي كرب فسره أحمد بن يحيى، فيما حكاه لنا أبو علي أنه من عداه
الكرب أي تجاوزه وانصرف عنه"، وأضاف محقق الديوان أن عبد الرحمن
السهيلي قال في الروض الأنف 1/ 39: "ومعدي كرب؛ بالحميرية: وجه الفلاح.
المعدي: هو الوجه بلغتهم، والكرب: هو الفلاح".
2 بعده في "ب": "مذكر".
3 في "ب": "تكبيره".
4 سقطت من "ب".
(2/212)
واحترز بقوله: "المحكي" من لغة من أعربه
إعراب المتضايفين، فإنه ينصب الأول ويجر الثاني بالإضافة، ويصير من قسم
المضاف.
وفي الرضي1 في باب العلم: "إذا نقلت الكلمة المبنية وجعلتها علمًا لغير
ذلك اللفظ فالواجب الإعراب". ا. هـ. فعلى هذا تقول في كيف وهؤلاء وكم
ومنذ أعلامًا: يا كيف ويا هؤلاء ويا كم ويا منذ، بضمة ظاهرة متجددة
للنداء، وإلى هذا القسم أشار الناظم بقوله:
577-
وابن المعرف المنادى المفردا ...
.....................................
البيتين2 ...
"و" القسم "الثاني" من أقسام المنادى؛ "ما يجب نصبه وهو ثلاثة أنواع":
أحدها: "النكرة غير المقصودة"، جامدة كانت أو مشتقة في نثر أو شعر،
"كقول الواعظ: يا غافلا والموت يطلبه، وقول الأعمى: يا رجلا خذ بيدي،
وقول الشاعر"، وهو عبد يغوث بن وقاص الحارثي: [من الطويل]
696-
أيا راكبًا إما عرضت فبلغن ... نداماي من نجران أن لا تلاقيا
لأن الواعظ والأعمى والشاعر لم يقصدوا واحدًا3 بعينه، "و" إنما كرر
الشواهد ردًّا لما نقل "عن المازني أنه أحال وجود هذا القسم" مدعيًا أن
نداء غير المعين لا يمكن، وأن التنوين في ذلك شاذ أو ضرورة، وعرضت: أي
أتيت العروض، وهو مكة والمدينة وما حولهما، ونجران: بلد باليمن.
__________
1 شرح الكافية للرضي 3/ 268.
2 البيتان هما:
وابن المعرف المنادى المفردا ... على الذي في رفه قد عهدا
وانو انضمام ما بنوا قبل الندا ... وليجر مجرى ذي بناء جددا
696- البيت لعبد يغوث بن وقاص في الأشباه والنظائر 6/ 243، وخزانة
الأدب 2/ 194، 195، 197، وشرح اختيارات المفضل ص767، وشرح المفصل 1/
128، والعقد الفريد 5/ 229، والكتاب 2/ 200، والمقاصد النحوية 4/ 206,
وبلا نسبة في خزانة الأدب 1/ 413، 9/ 223، ورصف المباني ص137، وشرح
الناظم ص403، وشرح الأشموني 2/ 445، وشرح ابن عقيل 2/ 260، وشرح
التسهيل 3/ 397، وشرح شذور الذهب ص111، وشرح الكافية الشافية 1/ 135،
وشرح المرادي 3/ 280، والمقتضب 4/ 204.
3 في "ط": "أحدًا".
(2/213)
النوع "الثاني": مما يجب نصبه "المضاف،
سواء كانت الإضافة محضة" وهي الخاصة من شائبة الانفصال "نحو: ربنا اغفر
لنا" أي: يا ربنا، "أو غير محضة"، وهي إضافة الصفة لمعمولها "نحو: يا
حسن الوجه، و" نقل "عن ثعلب"1 وهو أحمد بن يحيى "إجازة الضم في غير
المحضة"، فيجيز: يا حسن الوجه، بضم الصفة، لأن إضافتها في تقدير
الانفصال2. ولنا أن البناء ناشئ عن مشابهة الضمير وهي مفقودة هنا، وأنه
لا سماع يقتضي ذلك، فإن ادعى أن نحو: "يا حسن الوجه" في قوة "يا حسن"
فباطل، بل في قوة: يا حسنًا الوجه، وهذه الشبهة عرضت لمن قال: إن هذه
الإضافة تفيد التخصيص نظرًا إلى أن حسن الوجه أخص من "حسن".
النوع "الثالث: الشبيه بالمضاف، وهو ما اتصل به شيء من تمام معناه" إما
بعمل أو عطف قبل النداء.
والعمل إما في فاعل أو مفعول أو مجرور، فالأول "نحو: يا حسنا وجهه"
فـ"وجهه" مرفوع على الفاعلية بـ"حسن". "و" الثاني نحو: "يا طالعا جبلا"
فـ"جبلا" منصوب على المفعولية بـ"طالعًا". "و" الثالث نحو: "يا رفيقًا
بالعباد" فـ"العباد" متعلق بـ"رفيقًا".
"و" المعطوف نحو: "يا ثلاثة وثلاثين، فيمن سميته بذلك" أي بالمعطوف
والمعطوف عليه معًا، فيجب نصبهما للطول بلا خلاف، أما نصب ثلاثة فلأنه
شبيه بالمضاف من حيث إن الثاني من تمام الأول، التسمية وقعت بالكلمتين
مع حرف العطف، ولما كان حرف العطف يقتضي معطوفًا ومعطوفًا عليه، هو
بمنزلة العامل صار كأنه بعض اسم عمل في آخر، فأشبه ضاربًا زيدًا. وأما
نصب "ثلاثين" فبالعطف على "ثلاثة". "ويمتنع إدخال" "يا" على "ثلاثين"
لأنه الجزء الثاني من العلم، فأشبه "شمس" من عبد شمس، و"يا" لا تدخل
عليه، "خلافًا لبعضهم" في إجازة ذلك، لتخلف المشبه في بعض الأحكام عن
المشبه به.
"وإن ناديت جماعة، هذه" العدة "عدتها" فلا يخلو إما أن تكون معينة أو
لا. فإن كانت غير معينة "نصبتها أيضًا"، أما الأول فلأنه اسم نكرة غير
مقصودة، وأما الثاني فلأنه معطوف على منصوب.
__________
1 سقطت من "ب".
2 انظر شرح التسهيل 3/ 393، وشرح الكافية الشافية 1/ 136.
(2/214)
"وإن كانت معينة ضممت الأول" لأنه نكرة
مقصودة معرفة بالقصد والإقبال, "وعرفت الثاني بـ: أل" وجوبًا، لأنه اسم
جنس أريد به معين فوجب إدخال أداة التعريف عليه وهي "أل" "ونصبته أو
رفعته" بالعطف على المحل أو اللفظ، كما في قولك: يا زيد الضحاك. قاله
الفارسي.
"إلا إن أعدت معه "يا" فيجب ضمه"، لأنه نكرة مقصودة، "و" يجب حينئذ
"تجريده من: أل" لأن "يا" لا تدخل على ما فيه "أل" وإنما جاز دخول "يا"
عليه لأنه ليس جزء1 علم والحالة هذه. "ومنع ابن خروف" مبتدأ "إعادة
"يا" وتخييره2 في إلحاق "أل" مردود" خبر "منع"، ووجه رده أن الثاني ليس
بجزء علم، وأنه ليس جنس أريد به معين.
وينبغي أن ينتظم في سلك الشبيه3 بالمضاف النعت والمنعوت، إذا كان
المنعوت مفردًا نكرة مقصودة، فإن العرب تؤثر نصبها على ضمها، حكى
الفراء: يا رجلا كريمًا أقبل. ووجهه أن يحتمل أن يكون نقل إلى النداء
موصوفًا فبقي على ما كان عليه حين صارت الصفة كالمعمول للعامل
وكالمعطوف في التسمية، وتعريف القصد لا يقدح في هذا، فإنه إنما ورد على
الصفة وموصوفها معًا، لا على الموصوف وحده.
فإن عورض بأنه لو جاز ذلك لجاز النصب في المعرفة الموصولة نحو: يا زيد
العاقل. أجيب بأن حاجة النكرة إلى الصفة أشد من حاجة المعرفة إليها4.
فإن قيل: لو كان من قبيل الشبيه بالمضاف كان النصب واجبًا لا راجحًا.
أجيب بأن النداء تارة يرد على الموصوف وصفته، وعند ذلك لا بد من النصب،
وتارة يرد على الاسم غير موصوف، فلابد من البناء على الضم، لأن الصفة
إنما ترد على المنادى وحده فهو مفرد مقصود، ثم يرد الوصف، فلما اختلف
المدركان جاز الوجهان.
فإن قيل: إذا كانت النكرة مقصودة فهي معرفة، فكيف توصف بالنكرة، وإنما
توصف بالمعرفة5، حكى يونس عن العرب: يا فاسق الخبيث، وأخبر سيبويه
بذلك؟ 6
__________
1 في "ب": "بحزء".
2 في "ط": "وتأخيره".
3 في "ب": "النسبة".
4 في "أ": "إليهما".
5 في "ط": "المعرفة".
6 الكتاب 2/ 199.
(2/215)
أجيب بأنه يغتفر في المعرفة الطارئة ما لا
يغتفر في الأصلية، ويحتمل أن يكون المنادي محذوفًا، و"رجلا": حال موطئة
منه، والتقدير: يا زيد رجلا كريمًا أقبل.
وأما "يا عظيمًا يرجى لكل عظيم، ويا لطيفًا لم يزل، ويا حليما لا
يعجل"1 فقال الموضح [في الحواشي] 2: ليست الجملة نعتا لما قبلها وإنما
هي في موضع الحال من الضمير المستتر في الوصف، وهو المخاطب بالنداء،
وعامل الحال هو عامل صاحبها، والمنادى منصوب كما في: يا طالعًا جبلا،
ولك في حرف المضارعة الياء والتاء على حد: يا تميم كلهم أو كلكم. ا.
هـ. فهو من الشبيه بالمضاف، وفيه رد على ابن مالك حيث جعل الجملة
نعتًا3. وإلى هذا القسم أشار الناظم بقوله:
579-
والمفرد المنكور والمضافا ... وشبهه انصب.............
"و" القسم "الثالث" من أقسام المنادى: "ما يجوز ضمه وفتحه، وهو نوعان:
أحدهما أن يكون" المنادى "علمًا مفردًا موصوفًا بابن متصل به" أي
بالعلم "مضاف" الابن "إلى علم" آخر "نحو: يا زيد بن سعيد" بضم زيد على
الأصل، وفتحه إما على الإتباع لفتحة ابن، إذ الحاجز بينهما ساكن فهو
غير حصين، وعليه اقتصر في التسهيل4، أو على تركيب الصفة مع الموصوف
وجعلهما شيئًا واحدًا، كـ: خمسة عشر، وعليه اقتصر الفخر الرازي تبعًا
للشيخ عبد القاهر، وإما على إقحام الابن وإضافة زيد إلى سعيد، لأن ابن
الشخص يجوز إضافته إليه، لأنه يلابسه. حكاه في البسيط مع الوجهين
السابقين، فعلى الوجه الأول فتحة زيد فتحة إتباع، وعلى الثاني فتحة5
بناء، وعلى الثالث فتحة إعراب، وفتحة ابن على الأول فتحة إعراب وعلى
الثاني بناء وعلى الثالث غيرهما.
"والمختار عند البصريين غير المبرد الفتح لخفته"6، فإن كان على الإتباع
فهو نظير امرئ وابنم، وإن كان على التركيب فهو نظير: لا رجل ظريف، فيمن
فتحهما، وإن
__________
1 في شرح التسهيل 3/ 393، أن هذا القول مروي عن النبي -صلى الله عليه
وسلم.
2 إضافة من "ب"، "ط".
3 شرح التسهيل 3/ 393.
4 التسهيل ص180.
5 سقطت من "ب".
6 شرح ابن الناظم ص411.
(2/216)
كان الإقحام فهو نظير: [من الرجز]
697-
يا زيد زيد اليعملات..... ... ................................
إذا فتحت الأول على قول سيبويه1. وذهب المبرد إلى أن الضم أجود، وهو
القياس2، وزعم ابن كيسان أن الفتح أكثر3، "ومنه قوله" وهو رؤبة عند
الجوهري4، أو رجل من بني الحرماز عند العيني5، وزعم أنه الصواب: [من
الرجز]
698-
يا حكم بن المنذر بن الجارود ... سرادق المجد عليك ممدود
بفتح "حكم" وقال المبرد: إنه لو قال: يا حكم، بالضم، لكان أولى لأنه
الأصل6.
ويتعين الضم إذا كان الابن غير صفة، بأن كان بدلا أو بيانًا أو منادى
سقط منه حرف النداء، أو مفعولا بفعل محذوف تقديره: أعني، ونحوه.
"ويتعين الضم" أيضًا إذا كان المنادى غير علم، أو كان الابن مضافا لغير
علم، كما "في نحو: يا رجل ابن عمرو، ويا زيد ابن أخينا، لانتفاء علمية
المنادى" وهو رجل "في" الصورة "الأولى، و" انتفاء "علمية المضاف إليه
في" الصورة "الثانية".
__________
697- تمام الرجز:
يا زيد زيد اليعملات الذبل ... تطاول الليل عليك فانزل
وهو لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص99، وخزانة الأدب 2/ 302، 304،
والدرر 2/ 379، وشرح أبيات سيبويه 2/ 27، وشرح شواهد المغني 1/ 433، 2/
855، ولبعض بني جرير في شرح المفصل 2/ 10، والكتاب 2/ 206، والمقاصد
النحوية 4/ 221، وأساس البلاغة "عمل"، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر
1/ 100، وشرح ابن الناظم ص411، وشرح الأشموني 2/ 454، وشرح ابن عقيل 2/
272، وشرح الكافية الشافية 3/ 1320-1321، ومغني اللبيب 2/ 457،
والمقتضب 4/ 230، وهمع الهوامع 2/ 122، وأساس البلاغة "طول"، وتاج
العروس "عمل".
1 الكتاب 2/ 206، وانظر شرح ابن الناظم ص411.
2 المقتضب 4/ 232، والكامل ص576.
3 انظر الارتشاف 3/ 122، وشرح المرادي 3/ 283.
4 الصحاح "سردق".
5 المقاصد النحوية 4/ 210.
698- الرجز في ملحق ديوانه ص172، وتاج العروس 25/ 442 "سردق"، وللكذاب
الحرمازي في شرح أبيات سيبويه 1/ 472، والشعر والشعراء 2/ 689، والكتاب
2/ 203، ولرؤبة أو للكذاب في المقاصد النحوية 4/ 210، وبلا نسبة في
أوضح المسالك 4/ 22، ورصف المباني ص356، وسر صناعة الإعراب 2/ 536،
وشرح ابن الناظم ص404، وشرح الأشموني 2/ 446، وشرح الكافية الشافية 3/
1296، وشرح المفصل 2/ 5، والصحاح "سردق"، والمقتضب 4/ 232، والكامل
ص576.
6 المقتضب 4/ 232، والكامل ص576.
(2/217)
"و" يتعين الضم أيضًا إذا فصل بين العلم
والابن، كما "في نحو: يا زيد الفاضل ابن عمرو، لوجود الفصل" بالفاضل.
"و" يتعين الضم إذا كان الوصف غير ابن، كما "في نحو: يا زيد الفاضل لأن
الصفة"؛ وهي الفاضل؛ "غير ابن"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله1:
580-
ونحو زيد ضم وافتحن.... ... ................................
البيتين2.
"ولم يشترط ذلك الكوفيون"، هو أن يكون الوصف ابنا، بناء على أن علة
الفتح التركيب، وقد جاء في باب "لا" نحو: لا رجل ظرف، بفتحهما، فجوزوا
ذلك هنا، "وأنشدو عليه" قول جرير في مدح عمر بن عبد العزيز: [من
الوافر]
699-
فما كعب بن مامة وابن سعدي ... بأجود منك يا عمر الجوادا
الرواية "بفتح: عمر" و"الجواد"، والقوافي منصوبة.
وكعب بن مامة هو كعب الإيادي الذي آثر رفيقه على نفسه بالماء حتى3 هلك
عطشًا، وابن سعدى هو أوس بن حارثة بن لام الطائي الجواد المشهور,
وسعدى: أمه. ويروى "أورى" مكان "سعدى" قيل: والمراد به عثمان بن عفان
-رضي الله عنه.
وحكى الأخفش أن بعض العرب يضم "ابن" إتباعًا لضم المنادى، وهو نظير
{الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الأنعام: 1] بضم اللام4 في تبديل حركة بأثقل منها
للإتباع، وفي كون ذلك من كلمتين، وفي تبعية الثاني للأول، لكنه مخالف
في كونه5 إتباع معرب لمبني و"الحمد لله" بالعكس.
__________
1 في "ب"، "ط": "وإلى ذلك الإشارة بقول النظم".
2 البيتان هما:
ونحو زيد ضم وافتحن من ... نحو أزيد بن سعيد لا تهن
والضم إن لم يل الابن علما ... أو يل الابن علم قد حتما
699- البيت لجرير في خزانة الأدب4/ 442، والدرر 1/ 387، وشرح التسهيل
3/ 394، وشرح شواهد المغني ص56، والمقاصد النحوية 4/ 254، واللمع ص194،
والمقتضب 4/ 208، وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 23، وشرح الأشموني 2/
447، وشرح المرادي 3/ 285، وشرح قطر الندى ص210، ومغني اللبيب ص19،
وهمع الهوامع 1/ 176.
3 في "ط": "حين".
4 هي قراءة إبراهيم بن أبي عبلة، انظر مختصر بن خالويه ص1.
5 في "أ": "كون" والصواب من "ب"، "ط".
(2/218)
"والوصف بابنة" في جواز فتح المنادى معها
"كالوصف بابن" في ذلك، لأن ابنة هي ابن بزيادة التاء، "نحو: يا هند بنة
عمرو" بضم هند وفتحها إتباعا لابنة، لأن الحرف الساكن بينهما حاجز غير
حصين، وتاء التأنيث في حكم الانفصال.
"ولا أثر للوصف ببنت" عند جمهور العرب، "فنحو: يا هند بنت عمرو، واجب
الضم" وممتنع الفتح لتعذر الإتباع، لأن بينهما حاجزًا حصينا، وهو تحرك
الباء الموحدة، وجوزه أبو عمرو بن العلاء سماعا بناء على أن الفتح
للتركيب، ومثله: يا زيد بُنَيَّ عمرو، بتصغير ابن، لتعذر الإتباع،
ويجوز للتركيب. وشمل قوله: "أن يكون علمًا مفردًا" المثنى والمجموع
مسمى بهما، ففي "النهاية": إذا سميت بمسلمات وبزيدين وبزيدين، حاكيًا
إعرابه، قلت فيمن قال: يا زيد بن عمرو بالفتح، ويا مسلمات بن عمرو
[بالكسر، ويا زيدين بن عمرو، ويا زيدين ابن عمرو. وعلى من ضم تقول: يا
مسلمات بن عمرو] 1، ويا زيدان بن عمرو، ويا زيدون بن عمرو. ومن أجرى
الإعراب في النون أجرى النون مجرى الدال، فيفتحها أو يضمها. انتهى.
وهذا مبني على القول بالتركيب، وأما على القول بالإتباع2 فلا، إذ لا
إتباع في مسلمات إذا كسرت [التاء] 3 ولا في المثنى والمجموع على حده،
ولذلك قال في التسهيل4: ويجوز فتح ذي الضمة الظاهرة إتباعًا، فنحو:
{يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} [المائدة: 110] لا يقدر فيه إلا الضم،
خلافًا للفراء والزمخشري5.
وإذا وقع الابن بين علمين في غير النداء وكان صفة لما قبله، كان الحكم
في أن يحذف التنوين من الموصوف لفظًا والألف من الابن خطا، كما في
النداء، تقول: جاءني زيد بن عمرو، بحذف تنوين زيد، ويجوز ثبوته في
الضرورة كقوله: [من الرجز]
700-
جارية من قيس بن ثعلبه ... تزوجت شيخا غليظ الرقبه
__________
1 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
2 في "ب": "بالإشباع".
3 إضافة من "ب"، "ط".
4 التسهيل ص180.
5 انظر معاني القرآن للفراء 1/ 326، والكشاف 1/ 371، وفيهما أنهما
أجازا الفتح والضم في "عيسى".
700- الرجز للأغلب العجلي في ديوانه ص148، واللسان 1/ 238، "ثعلب"،
وأساس البلاغة "قعب"، والدرر 1/ 388، وشرح المفصل 2/ 6، والكتاب 3/
506، وتاج العروس 4/ 64، "قعب"، "خلل"، "حلي"، والخصائص 2/ 491، وسر
صناعة الإعراب 2/ 530، وهمع الهوامع 1/ 176، وتاج العروس "الياء"، وشرح
التسهيل 3/ 395، وشرح الكافية الشافية 3/ 1302، والمقتضب 2/ 315.
(2/219)
وإن كان الابن خبرًا انعكس الحكم فينون
المخبر عنه وتكتب1 ألف ابن خطا، تقول: زيد ابن عمرو, بتنوين زيد، وكذا
إن لم يقع الابن بين علمين، تقول: جاءني زيد ابن أخينا، بتنوين زيد
وإثبات ألف ابن خطا، فالحكم المذكور متعلق بشرطين: أن يقع الابن بين2
علمين، وأن يكون الابن صفة للعلم الذي قبله، فمتى زال أحد الشرطين عاد
الاسم إلى أصله من التنوين. قاله الفخر الرازي وغيره.
النوع "الثاني: أن يكرر" المنادى حال كونه "مضافًا، نحو: يا سعدَُ سعدَ
الأوس3، فالثاني" من السعدين "واجب النصب، والوجهان"، وهما الضم
والفتح، جاريان "في" سعد "الأول4"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
591-
في نحو سعد سعد الاوس ينتصب ... ثان وضم وفتح أولا تصب
"فإن ضممته"، وهو الأكثر لأنه منادى مفرد، "فالثاني بيان" للأول، "أو
بدل" منه "أو" منادى [ثان] 5 "بإضمار "يا" أو" مفعول بإضمار "أعني" أو
توكيد. قاله ابن مالك6، واعترضه أبو حيان بأنه لا يجوز التوكيد لاختلف
وجهي التعريف، لأن تعريف الأول بالعملية أو بالنداء، والثاني
بالإضافة7. وقال الموضح في الحواشي: وثم مانع أقوى من ذلك، وهو اتصال
الثاني بما لم يتصل به الأول.
"وإن فتحته" أي الأول "فقال سيبويه8: مضاف لما بعد الثاني والثاني
فقحم" أي زائد بينهما. وهذا مبني على جواز إقحام الأسماء، وأكثرهم
يأباه، وعلى جوازه ففيه فصل من المتضايفين، وهما كالشيء الواحد، وكان
يلزم أن ينون الثاني لعدم إضافته.
__________
1 في "ب"، "ط": "وتثبت".
2 سقطت من "ب".
3 في حاشية يس 1/ 171: "قال الدنوشري: اشير بسعد سعد الأوس إلى بيت من
جملة أبيات سمعها أهل مكة من هاتف هتف بهم قبل إسلام سعد بن معاذ وسعد
بن عبادة وهي قوله:
فإن يسلم السعدان يصبح محمد ... بمكة لا يخشى خلاف المخالف
فيا سعد الأوس كن أنت ناصرا ... ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أورد ذلك السهيلي في الروض الأنف".
4 سقطت من "ب".
5 إضافة من "ب"، "ط".
6 شرح التسهيل 3/ 405.
7 الارتشاف 3/ 135.
8 الكتاب 2/ 206، وانظر شرح ابن الناظم ص411.
(2/220)
"وقال المبرد1: مضاف لمحذوف مماثل لما أضيف
إليه الثاني"، والأصل: يا سعد الأوس سعد الأوس: فحذف من الأول لدلالة
الثاني عليه. وهو نظير ما ذهب إليه في نحو: قطع الله يد ورجل من قالها،
وهو قليل في كلامهم، والكثير العكس، وسعد الثاني حينئذ بيان أو بدل أو
توكيد، لأن المضاف إليه الأول مراد أو منادى ثان.
"وقال الفراء: الاسمان" الأول والثاني "مضافان للمذكور"، ولا حذف ولا
إقحام. وهو ضعيف لما فيه من توارد عاملين على معمول واحد.
"وقال بعضهم" وهو الأعلم2: "الاسمان مركبان تركيب خمسة عشر، ثم أضيفا"
إلى الأوس كـ: خمسة عشر زيد، وفيه تكلف تركيب ثلاثة أشياء. وسعد الأوس
هو سعد بن معاذ رضي الله عنه، وهو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ
القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن خثعم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن
مالك، وهو أخو الخزرج.
القسم "الرابع" من أقسام المنادى: "ما يجوز ضمه ونصبه، وهو المنادى
المستحق للضم إذا اضطر الشاعر إلى تنوينه" سواء كان علمًا أو نكرة
مقصودة، فالعلم "كقوله" وهو الأحوص: [من الوافر]
701-
سلام الله يا مطر عليها ... وليس عليك يا مطر السلام
بتنوين مطر الأول مع بقاء ضمه على البناء.
"و" النكرة المقصودة نحو "قوله" وهو جرير: [من الوافر]
702-
أعبدا حل في شعبي غريبا ... ألؤما لا أبالك واغترابا
بتنوين "عبدًا" مع نصبه على الإعراب إجراء للنكرة المقصودة مجرى النكرة
غير المقصودة.
__________
1 المقتضب 4/ 227، وانظر شرح ابن الناظم ص411.
2 انظر قوله في خزانة الأدب 2/ 304.
701- البيت للأحوص في ديوانه ص189، والكتاب 2/ 202، والأغاني 15/ 234،
وخزانة الأدب 2/ 150، 152، 6/ 507، والدرر 1/ 376، وشرح أبيات سيبويه
2/ 25، 605، وشرح شواهد المغني 2/ 766، وبلا نسبة في الأزهية ص164،
والأشباه والنظائر 3/ 213، والإنصاف 1/ 311، وأوضح المسالك 4/ 28،
والجنى الداني ص149، والدرر 2/ 257، ورصف المباني 177، 355، وشرح ابن
الناظم ص405، وشرح الأشموني 2/ 448، وشرح التسهيل 3/ 396، وشرح شذور
الذهب ص113، وشرح ابن عقيل 2/ 262، وشرح الكافية الشافية 3/ 1304،
ومجالس ثعلب ص92، 542، والمحتسب 2/ 93.
702- تقدم تخريج البيت برقم 398.
(2/221)
وأجاز فيه سيبويه1 وجهًا آخر. وهو أن يكون
حالا كأنه قال: أتفخر عبدًا، أي في حال عبودية، ولا يليق الفخر بالعبد،
قاله ابن السيد.
"واختار الخليل وسيبويه" والمازني "الضم" مطلقًا، لأنه الأكثر في
كلامه، "و" اختار "أبو عمرو" بن العلاء "وعيسى" بن عمرو ويونس والجرمي
والمبرد "النصب" مطلقًا، "ووافق الناظم والأعلم سيبويه في" ضم "العلم"
كـ"مطر" في البيت الأول، "و" وافقا "أبا عمرو وعيسى في" نصب "اسم
الجنس" كـ"عبدًا" في البيت الثاني.
قال ابن مالك2: إن بقاء الضم راجح في العلم لشدة شبهه بالضمير، مرجوع
في اسم الجنس، لضعف شبهه بالضمير.
واختلف في تنوين المضموم فقيل: تنوين تمكين، لأن هذا المبني يشبه
المعرب. وقيل: تنوين ضرورة، وإليه ذهب ابن الخباز. قال في المغني3:
وبقوله أقول، لأن الاسم مبني على الضم، وخير في النظم بين الضم والنصب
فقال:
582-
واضمم أو انصب ما اضطرارًا نونا ... مما له استحقاق ضم بينا
وتظهر فائدتهما في التابع، فتابع المنون المضموم يجوز فيه الضم والنصب،
وتابع المنون المنصوب يجب نصبه ولم يجز ضمه.
__________
1 الكتاب 1/ 239، 345.
2 شرح التسهيل 3/ 396.
3 مغني اللبيب 2/ 343.
(2/222)
فصل:
"ولا يجوز نداء ما فيه: أل" لأن النداء يفيد التعريف و"أل" تفيد
التعريف، ولا يجمع بين معرفين، فلا يقال: يا الرجل، عند البصريين2،
"إلا في أربع صور:
إحداها: اسم الله تعالى، أجمعوا على ذلك، تقول: يا الله، بإثبات
الألفين" ألف "يا" وألف "الله" "ويلله3، بحذفهما" معًا "ويا لله، بحذف
الثانية فقط" وإبقاء الأولى.
وعلل سيبويه جواز نداء الجلالة بأن "أل" لا تفارقها، وهي عوض همزة إله،
فصارت بذلك كأنها من نفس الكلمة4. انتهى.
وهذا التعليل يناسب إثبات ألف الجلالة في النداء، كما أن الفعل المبدوء
بهمزة الوصل إذا سمي به قطعت همزته، تقول: جاءني أنصر وإضرب، بضم
الهمزة في الأول وكسرها في الثاني.
ووجه حذفها في الوصل النظر إلى أصلها، ووجه حذف ألف "يا" أن إثباتها
يؤدي إلى التقاء الساكنين على غير حده لكونهما من كلمتين، ووجه إثباتها
مع حذف الثانية إجراء المنفصل من كلمتين مجرى المتصل من كلمة واحدة.
"والأكثر أن يحذف حرف النداء" وهو"يا" خاصة، "وتعوض عنه الميم المشددة،
فتقول: اللهم" بحذف حرف النداء وزيادة الميم في آخره، ولم تزد مكان
المعوض منه لئلا تجتمع زيادتا5 الميم و"أل" في الأول. وخصت الميم بذلك
لأن الميم عهدت زيادتها آخرًا كميم زرقم. قاله السيرافي.
__________
1 في "أ"، "ط": "مسألة"، وأثبت ما في "ب"، وأوضح المسالك 4/ 31.
2 انظر شرح ابن الناظم ص406، والإنصاف 1/ 335، والمسألة رقم 46.
3 في "ط"، وأوضح المسالك 4/ 31: "يا لله".
4 الكتاب 2/ 195.
5 في "ب": "زيادة".
(2/223)
وما ذكره من أن الميم عوض عن "يا" هو مذهب
البصريين، وذهب الكوفيون إلى أن الميم بعض "أمنا بخير" فيجيزون1 "يا
اللهم" في السعة2. ويبطل ذلك أنه حذف على غير قياس وقد التزم، وأنه لا
يمتنع: اللهم أمنا بخير، والأصل عدم التكرار.
"وقد يجمع بينهما" أي بين "يا" والميم المشددة "في الضرورة النادرة،
كقوله"، وهو أبو خراش الهذلي: [من الرجز]
703-
إني إذا ما حدث ألما ... أقول يا اللهم يا اللهما
وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
584-
والأكثر اللهم بالتعويض ... وشذ يا اللهم في قريض
وقد تخرج "اللهم" عن النداء فتستعمل على وجهين آخرين:
أحدهما: أن يذكرها المجيب تمكينًا للجواب في نفس السامع، يقول لك: أزيد
قائم. فتقول أنت3: اللهم نعم، أو: اللهم لا.
الثاني: أن تسعمل دليلا على الندرة وقلة وقوع المذكور، كقولك: أنا لا
أزورك اللهم إلا أن تدعوني. ألا ترى أن وقوع الزيادة مقرونة بعدم
الدعاء قليل. قاله في النهاية.
الصورة "الثانية: الجمل المحكية" المبدوءة بـ"أل" "نحو: يا المنطلق
زيد، فيمن سمي بذلك، نص على ذلك سيبويه" وقال4: لأنه بمنزلة تأبط شرًا،
لأنه لا يتغير عن حاله، إذ قد عمل بعضه في بعض. انتهى.
ومقتضى ما قدمناه في "أنصر" قطع الهمزة، وإلى هاتين5 الصورتين أشار
الناظم بقوله:
583-
................................. ... إلا مع الله ومحكي الجمل
__________
1 في "ب": "فيجوزون".
2 انظر المسألة رقم 47 في الإنصاف: الميم في اللهم، عوض عن حرف النداء
أم لا، وانظر شرح ابن الناظم ص407.
703- الرجز لأبي خراش في الدرر 1/ 392، وشرح أشعار الهذليين 3/ 1346،
والمقاصد النحوية 4/ 216، ولأمية بن أبي الصلت في خزانة الأدب 2/ 295،
وبلا نسبة في أسرار العربية ص232، وأوضح المسالك 4/ 31، وشرح ابن
الناظم ص406، وشرح الأشموني 2/ 449، وشرح ابن عقيل 2/ 265، وشرح
التسهيل 3/ 401، والمقتضب 4/ 242، وهمع الهوامع 1/ 178، والمخصص 1/
137.
3 سقطت من "ب".
4 الكتاب 3/ 333.
5 في "ب": "هذين".
(2/224)
"وزاد عليه1 المبرد2: ما سمي به من موصول
مبدوء بـ"أل" نحو": يا "الذي" قام "و" يا "التي" قامت، "وصوبه الناظم"
في شرح التسهيل3، مع تصويبه له لم يستثنه في بقية كتبه.
فإن قلت: لم قال سيبويه فيمن سمي بـ"الذي قام" إنه لا ينادى، مع أنه
أيضًا محكي4 لأنه قد عمل بعضه في بعض كما في الجملة؟
قلت: الفرق بينهما أن "الذي قام" محكي بحالته التي ثبتت له قبل
التسمية، وهو قبلها لا ينادي لوجود "أل" وذلك لمانع باق، ونحو: المنطلق
زيد، ليس المانع من ندائه قبل التسمية وجود "أل" بل كونه جملة. وذلك
المانع قد زال بالتسمية.
فإن قلت: المانع شيئان: الجملة و"أل" فإذا زال أحدهما بقي الآخر. قلت:
لو صح هذا امتنع نداؤه، وأنت تسلم الجواز، وإذا ثبت الجواز توجه أن
المنادى هو المجموع و"أل" ليست داخلة على المجموع بل على جزء الاسم،
فأشبه ما لو سميت بقولك: عبدنا المنطلق.
وأما "الذي" وصلته فإنما يحكي حكاية المفردات لا حكاية الجمل، فالمنادى
إنما هو "الذي" دون صلته، والإعراب، يقدر في آخر "الذي"، ولهذا إذا
سميت بأيهم ضربته "و"أي" موصولة، لم تحك إعراب الرفع في "أي" بل تعربها
بحسب العوامل فتقول: رأيت أيهم ضربته، ومررت بأيهم ضربته، كما أنك إذا
سميت باسم مفرد عامل فيما بعده حكيت الاسم المفرد العامل فيما بعده
فتقول: رأيت ضاربًا زيدًا، ومررت بضارب زيدًا. ولما كانت الصلة5 لا دخل
لها في ذلك مثل الموضح بالموصول مجردًا عن الصلة، وليس محل النزاع،
وكأنه أشار إلى الفرق.
"و" الصورة "الثالثة: اسم الجنس المشبه به، كقولك: يا الخليفة هيبة. نص
على ذلك ابن سعدان". قال الناظم في شرح التسهيل6: تقديره: يا مثل
الخليفة، فلذلك حسن دخول "يا" عليه لأنها في التقدير داخلة على غير
"أل".
__________
1 سقطت من "ب".
2 المقتضب 4/ 241.
3 شرح التسهيل 3/ 398.
4 بعده في "ب": "بحالته".
5 في"ب": "العلة".
6 شرح التسهيل 3/ 398.
(2/225)
قال الشاطبي: وفيما قاله نظر، إذ ليس تقدير
"مثل" بمزيل لقبح الجمع بين "يا" و"أل"، وإلا لجاز: يا القرية، لأنه في
تقدير: يا أهل القرية، وذلك لا يقول به ابن مالك وابن سعدان، فدل على
أنه غير صحيح. انتهى.
وعندي أن تقدير ابن مالك صحيح ومزيل للقبح بدليل قولهم: قضية ولا أبا
حسن لها، فإن تقديره: ولا مثل أبي حسن لها1، فلولا أن تقدير "مثل" مزيل
لقبح دخول "لا" على المعرفة لما كان لهذا التقدير وجه. وللزم عمل "لا"
في المعرفة، والشاطبي لا يقول بعمل "لا" في المعارف.
"و" الصورة "الرابعة: ضرورة الشعر"، وإليها أشار الناظم [بقوله] 2:
583-
وباضطرار خص جمع يا وأل ... .................................
"كقوله": [من الكامل]
704-
عباس يا الملك المتوج والذي ... عرفت له بيتا لعلا عدنان
فجمع بين "يا" و"أل" في الشعر ضرورة، "ولا يجوز ذلك في النثر خلافًا
للبغداديين" والكوفيين في إجازتهم ذلك محتجين بالقياس والسماع، أما
القياس فقد جاز: يا الله، بالإجماع، فيجوز: يا الرجل، قياسًا عليه
بجامع أن كلا منها فيه "أل" وليست من أصل الكلمة، وأما السماع فقد
أنشدوا: [من الرجز]
705-
فيا الغلامان اللذان فرا ... إياكما أن تكسبانا شرا
وهذا لا ضرورة فيه لتمكن قائله من أن يقول: فيا غلامان اللذان فرا،
وأجاب المانعون عن القياس بالفرق بكثرة الاستعمال وعن السماع بالشذوذ3.
__________
1 سقطت من "ب"، "ط".
2 سقطت "من "أ".
704- البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 32، والدرر 1/ 384، وشرح
الأشموني 2/ 449 والمقاصد النحوية 4/ 245، وهمع الهوامع 1/ 174.
705- الرجز بلا نسبة في أسرار العربية 230، والإنصاف 336، والدرر 1/
384، وخزانة الأدب 2/ 294 وشرح ابن الناظم ص406، وشرح ابن عقيل 2/ 264،
وشرح التسهيل 3/ 398، وشرح الكافية الشافية 3/ 1308، وشرح المفصل 2/ 9،
واللامات ص53، واللمع في العربية ص196، والمقاصد النحوية 4/ 215،
والمقتضب 4/ 243، وهمع الهوامع 1/ 174، وتاج العروس "الياء".
3 شرح التسهيل 3/ 398-399، وانظر الإنصاف 1/ 338، المسألة رقم 46.
(2/226)
الفصل الثالث في أقسام تابع المنادى المبني
وأحكامه:
أقسامه أربعة:
أحدها: ما يجب نصبه مراعاة لمحل المنادى"، فإن محله نصب، "وهو ما اجتمع
فيه أمران: أحدهما: أن يكون" التابع "نعتًا أو بيانًا أو توكيدًا". "و"
الأمر "الثاني: أن يكون" التابع مضافًا "مجردًا من: أل".
فالنعت "نحو: يا زيد صاحب عمرو، و" البيان نحو: "يا زيد أبا عبد الله،
و" التوكيد نحو: "يا تميم كلهم أو كلكم"، بنصب "صاحب، وأبا، وكل"
وجوبًا، وحكي عن جماعة من الكوفيين منهم الكسائي والفراء والطوال جواز
رفع المضاف من نعت وتوكيد، وتبعهم ابن الأنباري. وإن كان مع تابع
المنادى ضمير جيء به دالا على الغيبة باعتبار الأصل نحو: يا تميم كلهم،
وعلى الحضور باعتبار الحال، نحو: يا تميم كلكم، وقد اجتمعا في قوله:
[من الطويل]
706-
فيا أيها المهدي الخنا من كلامه ... كأنك يضغو في إزارك خرنق
ويضغو، بضاد وغين معجمتين: يصوت، وخرنق، بكسر الخاء المعجمة، والنون:
ولد الأرنب1. وفيه رد على الأخفش حيث منع مراعاة الحال وقال: وأما
قولهم: يا تميم كلكم، فإن رفعوه فهو مبتدأ وخبره محذوف، أي: كلكم مدعو،
وإن نصبوه فبفعل2 محذوف اي: كلكم دعوت. وإلى نصب التابع المضاف أشار
الناظم بقوله:
585-
تابع ذي الضم المضاف دون أل ... ألزمه نصبا........................
__________
706- البيت بلا نسبة في الدرر 2/ 473، وهمع الهوامع 2/ 143.
1 في "أ", "ب": "الثعلب"، والتصويب من "ط"، ولسان العرب 10/ 78 "خرنق".
2 في "ب": "فبعامل".
(2/227)
"و" القسم "الثاني: ما يجب رفعه مراعاة
للفظ المنادى، وهو نعت: أي" في التذكير "و: أية" في التأنيث، "ونعت اسم
الإشارة" فيهما "إذا كان اسم الإشارة وصلة لندائه" أي لنداء نعته "نحو:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ} " [البقرة: 21] "و: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} "
[الفجر: 27] فـ"أي" و"أية" مبنيان على الضم لكون كل منهما منادى
مفردًا، و"ها" التنبيه فيهما زائدة لازمة للفظ "أي" و"أية" عوضًا عن
المضاف إليه، مفتوحة الهاء، ويجوز ضمها إذا لم يكن بعدها اسم إشارة على
لغة بني مالك من بني أسد، وقد قرئ1 بهما، و"الناس، والنفس": مرفوعان
على التبعية وجوبًا مراعاة للفظ "أي، وأية" وإنما جاز الرفع مراعاة
للفظ مع أن المتبوع مبني، لأنه مشبه للمعرب في حدوث ضمه بسبب الداخل
عليه، وكذا تقول2 في أمثاله، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
588-
وأيها مصحوب أل بعد صفه ... يلزم بالرفع...................
"و" نحو "قولك: يا هذا الرجل" ويا هذه المرأة "إن كان المراد أولا نداء
الرجل" والمرأة. وإنما3 أتيت باسم الإشارة وصلة لندائهما فيجب رفع
نعتهما مراعاة للضم المقدر في اسم الإشارة. وإنما لزم رفعهما لأنهما
المقصودان بالنداء، والمنادى المفرد لا ينصب، وإلى ذلك أشار الناظم
بقوله:
590-
وذو إشارة كأي في الصفه ... إن كان تركها يفيت المعرفه
وإن كان المراد نداء اسم الإشارة دونهما جاز فيهما الرفع والنصب على ما
سيأتي.
"ولا يوصف اسم الإشارة أبدًا" في هذا الباب وغيره "إلا بما فيه: أل"،
نحو: مررت بهذا الرجل، وجوزوا فيه أن يكون بيانًا لاسم الإشارة،
واستشكله ابن عصفور بأن البيان يشترط فيه أن يكون أعرف من المبين،
والنعت لا يكون أعرف من المنعوت، فكيف يكون الشيء أعرف وغير أعرف؟
وأجاب4 بأنه إذا قدر بيانًا قدرت "أل" فيه لتعريف الحضور، فهو يفيد
الجنس والحضور بدخول "أل"، والإشارة إنما تدل على الحضور دون الجنس،
وإذا قدر نعتًا قدرت
__________
1 هي قراءة ابن عامر لقوله تعالى: {أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} . انظر
الإتحاف ص406، والنشر 2/ 142، وفي حاشية يس 2/ 174: "فوجهها؛ أي قراءة
ابن عامر؛ أن هذا الحرف إذا تقدم كالجزء من الكلمة، حتى دخل عليه
العوامل نحو بهذا، فلما جرى أولا مجرى الجزء جرى ذلك المجرى آخرًا
فحذفت ألفه".
2 في "ب": "ط": "القول".
3 سقطت من "ب".
4 مغني اللبيب 1/ 51.
(2/228)
"أل" فيه للعهد. فالمعنى: مررت بهذا، وهو
الرجل المعهود بيننا، فلا دلالة فيه على الحضور، والإشارة تدل عليه
فكانت أعرف. قال1: وهذا معنى كلام سيبويه.
"ولا توصف "أي" و"أية" في هذا الباب" المعقود للنداء إلا بما فيه "أل"
من معرف بها أو موصوف، فيقال: يا أيها الرجل ويا أيتها المرأة. و: {يَا
أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} [الحجر: 15] ويا أيتها
التي قامت. ولا يقال: يا أيها الحارث أو الصعق2 مما هي فيه للمح الأصل
أو الغلبة.
"أو باسم الإشارة" العاري من كاف الخطاب "نحو3: يا أيهذا الرجل"، ولا
يجوز: يا أيها ذلك الرجل، خلافًا لابن كيسان، وإلى ذلك أشار الناظم
بقوله:
589-
وأيهذا أيها الذي ورد ... ووصف أي بسوى هذا يرد
"و" القسم "الثالث: ما يجوز رفعه ونصبه"؛ فالنصب إتباعًا لمحل المنادى،
والرفع على تشبيه لفظ المنادى بالمرفوع تنزيلا لحركة البناء العارضة
بسبب دخول حرف النداء منزلة حركة الإعراب بسبب دخول العامل. ومقتضى هذ
التنزيل أن يكون حرف النداء هو الرافع للتابع بناء على أن العامل في
التابع هو العامل في المتبوع في غير البدل، وإلا فأين الرفع؟ والقول:
إن الرافع التبعية قول ضعيف لا يحسن التخريج عليه.
والمخلص من ربقة هذا الإشكال أن يحاول في المنادى المضموم أن يكون نائب
فاعل في المعنى والتقدير: مدعو زيد، فرفع تابعه بالحمل على ذلك. "وهو
نوعان:
أحدهما: النعت المضاف المقرون بـ"أل" نحو: يا زيد الحسن الوجه" برفع
الحسن ونصبه على ما قررنا.
"و" النوع "الثاني: ما كان مفردًا من نعت أو بيان أو توكيد أو كان
معطوفًا"4 مقرونا بـ"أل".
فالنعت "نحو: يا زيد الحسن" بالرفع "والحسن"، بالنصب، "و" البيان نحو:
"يا غلام بشر"، بالرفع، "وبشرًا"، بالنصب، "و" التوكيد نحو: "يا تميم
أجمعون"، بالرفع، "وأجميعن"، بالنصب، "و" المعطوف المقرون بـ"أل"
كقولك:
__________
1 مغني اللبيب 1/ 51.
2 ف "ب": "الصعة".
3 سقطت من "ب".
4 في "ب": "مقطوعًا".
(2/229)
يا زيد والضحاك، وإلى ذلك أشار الناظم
بقوله:
586-
وما سواه ارفع أو انصب.... ... .................................
وكما "قال الله تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ}
[سبأ: 10] قرأه السبعة بالنصب" عطفًا على محل الجبال1، "واختاره أبو
عمرو" بن العلاء "وعيسى" بن عمر الثقفي ويونس والجرمي، "وقرئ" في غير
السبع "بالرفع" عطفًا على لفظ الجبال، "واختاره الخليل وسيبويه"
والمازني2، "وقدروا النصب" في "الطير"3 "على العطف على "فضلا" من قوله
تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا} " [سبأ: 10]
والتقدير: وآتيناه الطير، وجملة النداء معترضة بين المتعاطفين.
"وقال المبرد4: إن كانت: أل" في المعطوف "للتعريف مثلها في "الطير"،
فالمختار النصب" في المعطوف، "أو لغيره"، وهي الزائدة "مثلها في
{الْيَسَعَ} [الأنعام: 86] فالمختار الرفع". وجه اختيار الرفع مشاكلة
الحركة وحكاية سيبويه أنه أكثر5، ووجه اختيار النصب أن ما فيه "أل" لم
يجز أن يلي حرف النداء، فلم يجعل لفظه كلفظ ما وليه، ولذلك قرأ جميع
القراء ما عدا الأعرج بنصب "الطير".
ووجه التفصيل أن "أل" في نحو: "اليسع" لم تفد تعريفًا فكأنها ليست فيه،
فـ:"يا زيد واليسع" مثل "يا زيد ويسع"، و"أل" في نحو "الطير" مؤثرة
تعريفًا وتركيبا ما، فأشبه ما هي فيه المضاف، وإلى ذلك أشار الناظم
بقوله:
587-
وإن يكن مصحوب أل ما نسقا ... ففيه وجهان ورفع ينتقى
__________
1 انظر شرح ابن الناظم ص409.
2 انظر أوضح المسالك 4/ 36، والدرر 2/ 472، والتسهيل ص181-182، وشرح
ابن عقيل 2/ 268، وشرح الكافية الشافية 3/ 1314، وشرح المفصل 2/ 2-3،
والكتاب 2/ 187، وشرح ابن الناظم ص409، والمقتضب 2/ 212، 213.
3 الرسم المصحفي: {وَالطَّيْرَ} بالنصب، وقرأها "والطيرُ"؛ بالرفع: أبو
عمرو وعاصم والسلمي وابن هرمز وأبو يحيى وأبو نوفل ويعقوب وابن أبي
عبلة وروح ونصر وعبيد بن عمير. انظر الإتحاف ص358، والبحر المحيط 7/
263، والقراءة المستشهد بها من شواهد أوضح المسالك 4/ 36، والدرر 2/
472، وشرح ابن الناظم ص409، وشرح ابن عقيل 2/ 268، وشرح المفصل 2/ 2-3،
والكتاب 2/ 187.
4 المقتضب 2/ 212-213.
5 الكتاب 2/ 186-187.
(2/230)
"و" القسم "الرابع: ما يعطى" حال كونه
"تابعًا ما يستحقه إذا كان منادى مستقلًا، وهو البدل والمنسوق والمجرد
من: أل" فيضم إن كان مفردًا، وينصب إن كان مضافا، وإلى ذلك أشار الناظم
بقوله:
586-
.................. واجعلا ... كمستقبل نسقا وبدلا
وذلك "لأن البدل في نية تكرار العامل، والعاطف كالنائب عن العامل،
تقول" في البدل المفرد: "يا زيد بشر، بالضم" من غير تنوين: يا بشر،
"وكذلك" تقول في المنسوق المفرد المجرد من "أل": "يا زيد وبشر" بالضم
من غير تنوين، كما تقول يا بشر.
"وتقول" في البدل المضاف: "يا زيد أبا عبد الله" بالنصب، كما تقول: يا
أبا عبد الله، "وكذلك" في المنسوق والمضاف والمجرد من "أل": "يا زيد
وأبا عبد" الله، بالنصب، كما تقول: يا أبا عبد الله.
"وهكذا حكمهما"، أي البدل والمنسوق المجردين من "أل"، "مع المنادى
المنصوب"، فيضمان إن كان مفردين وينصبان إن كان مضافين، تقول: يا أبا
عبد الله بشر ويا عبد الله وبشر، بضم بشر فيهما، ويا عبد الله أخا زيد،
ويا عبد الله وأخا زيد، بنصب الأخ فيهما.
قال في التسهيل1: خلافًا للمازني والكوفيين في تجويز: يا زيد وعمرًا،
وقال في شرح التسهيل2: أجروا المنسوق العاري من "أل" مجرى المقرون بها.
قال: وما رواه غير بعيد من الصحة إذا لم ينو إعادة "يا" فإن المتكلم قد
يقصد إيقاع نداء واحد على اسمين، كما يقصد أن يشتركا في عامل واحد. ا.
هـ.
__________
1 التسهيل ص181.
2 شرح التسهيل 3/ 402.
(2/231)
الفصل الرابع في المنادى المضاف للياء
الدالة على المتكلم:
"وهو أربعة أقسام:
أحدها: ما فيه لغة واحدة، وهو" المنادى "المعتل" بالألف أو الياء، "فإن
ياءه" المضاف هو إليها "واجبة الثبوت والفتح نحو: يا فتاي ويا قاضي"،
فلا يجوز حذفها للإلباس، ولا إسكانها، لئلا يلتقي ساكنان، ولا تحريكها
بالضم أو الكسر، لثقلهما1 على الياء.
"و" القسم "الثاني: ما فيه لغتان، وهو الوصف المشبه للفعل" المضارع في
كونه بمعنى الحال أو الاستقبال؛ "فإن ياءه ثابتة لا غير"؛ فإنه في حكم
الانفصال فلم تمازج ما اتصلت به، فليست كياء "قاض"، "وهي إما مفتوحة أو
ساكنة نحو: يا مكرمي ويا ضاربي". وهل أصلها السكون أو الفتح؟ بقولان
تقدما في باب المضاف إلى ياء المتكلم، واحترز بالمشبه للفعل من الوصف
بمعنى الماضي فإن إضافته محضة، وفي يائه2 اللغات الست الآتية.
"و" القسم "الثالث: ما فيه ست لغات، وهي ما عدا ذلك" المتقدم من
القسمين، "وليس أبًا ولا أمًّا، نحو: يا غلامي، فالأكثر" فيه "حذف
الياء والاكتفاء بالكسرة، نحو: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونَ} " [الزمر:
16] أجري المنفصل من كلمتين مجرى المتصل في كلمة واحدة، نحو:
{وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر: 4] "ثم ثبوتها ساكنة" على الأصل في
البناء "نحو: {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ} [الزخرف: 68] "أو"
ثبوتها "مفتوحة" للتخفيف، "نحو: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا}
" [الزمر: 53] وإنما كان السكون والفتح في مرتبة واحدة نظرًا إلى
اختلافهم في أصل وضعها كما تقدم.
__________
1 في "ب": "لثقلها".
2 في "ب": "وبابه".
(2/232)
"ثم قلب الكسرة فتحة و" قلب "الياء ألفًا"
لتحركها ما قبلها؛ لأن الألف أخف من الياء، "نحو: {يَا حَسْرَتَا} "
[الزمر: 56] والأصل: يا حسرتي، بكسر التاء وفتح الياء، ثم قيل: يا
حسرتي، بفتحهما1. ثم قيل: يا حسرتا2، بقلب الياء ألفًا. "وأجاز الأخفش"
والفارسي والمازني "حذف الألف" المنقلبة عن الياء "والاجتزاء بالفتح"
عنها، فتقول: يا حسرة، "كقوله": [من الوافر]
707-
ولست براجع ما فات مني ... بلهف ولا بليت ولا لو اني
فالباء في "بلهف" متعلقة بـ"راجع" ومجرورها محذوف "أصله: بقولي"، ولهف:
منادى سقط منه حرف النداء، والأصل: "يا لهفا" فحذفت الألف المنقلبة عن
ياء المتكلم اجتزاء بالفتحة. والمعنى: ولست راجعًا ما فات مني بقولي:
يا لهفي، ولا بقولي: يا ليتني فعلته، ولا بقولي: لو أني فعلت3. والحاصل
أن ما فات لا يعود بكلمة التلهف ولا بكلمة التمني ولا بكلمة "لو".
"ومنهم من" يحذف الياء4 و"يكتفي من الإضافة بنيتها، ويضم الاسم" المضاف
للياء، "كما تضم المفردات" في غير الإضافة، "وإنما يفعل ذلك" الضم
"فيما فيه أن لا ينادى إلا مضافًا" كالأم والأب والرب5، حملا للقليل
على الكثير، "كقول بعضهم: يا أم لا تفعلي" بضم الميم. حكاه يونس6.
"وقراءة آخر: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} [يوسف: 33] بضم "رب"7
لأن الأم والرب الأكثر فيهما أن
__________
1 في "أ": "بفتحها".
2 في "ب" "يا حسرتي".
707- البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 63، 179، والإنصاف 1/ 390،
وأوضح المسالك 4/ 37، وخزانة الأدب 1/ 131، والخصائص 3/ 135، ورصف
المباني ص288، وسر صناعة الإعراب 1/ 521، 2/ 728، وشرح الأشموني 2/
332، وشرح عمدة الحافظ 2/ 521، وشرح قطر الندى ص205، ولسان العرب 9/
321 "لهف"، والمحتسب 1/ 277، والمقاصد النحوية 4/ 248 والمقرب 1/ 181،
2/ 201، والممتع في التصريف 2/ 622.
3 في "ب": "فعلته".
4 في "ب": "الفاء".
5 سقطت من "ب".
6 انظر شرح ابن الناظم ص412، والكتاب 2/ 213.
7 الرسم المصحفي: {رَبِّ} ؛ بالكسر؛ وقرئت بالضم: "ربُّ". انظر إملاء
ما من به الرحمن 2/ 29، وشرح ابن الناظم ص412.
(2/233)
لا يناديا إلا مضافين للياء، والأصل: يا
أمي ويا ربي، فحذفت الياء تخفيفا وبنيا على الضم تشبيها بالنكرة
المقصودة، بخلاف: يا عدوي، فلا يجوز: يا عدو، بحذف الياء، وضم الواو.
قاله شارح اللباب، لأن نداءه مضافًا للياء لم يكثر.
وظاهر كلام الموضح أن تعريف المضموم على هذه اللغة بالإضافة لا بالقصد
والإقبال، وقد صرح في "النهاية" بالثاني فقال1: جعلوه معرفة بالقصد
فنبوه على الضم، وهذه الضمة كهي في: يا رجل، إذا قصدت رجلا بعينه. ا.
هـ. ولعل هذا هو الذي حمل الناظم على إسقاطه واقتصاره على خمس لغات في
قوله:
592-
واجعل منادى صح إن يضف ليا ... كعبد عبدي عبد عبدا عبديا
والأظهر أن تعريف بالإضافة المنوية، لأنهم جعلوه لغة في المضاف إلى
الياء، ولو كان تعريفه بالقصد لم يكن لغة فيه.
"و" القسم "الرابع: ما فيه عشر2 لغات، وهو الأب والأم، ففيهما مع
اللغات الست" المتقدمة أربع أخر3 يأتي ذكرها، وأفصح الست حذف الياء
وإبقاء الكسرة نحو: يا أب ويا أم، بكسرهما، ثم إثبات الياء ساكنة أو
متحركة بالفتح نحو، يا أبي ويا أمي، ثم قلبها ألفًا نحو: يا أبا ويا
أما. ثم حذف الألف وإبقاء الفتحة نحو: يا أب ويا أم، بفتحهما، وأقلها
الضم نحو، يا أب ويا أم بضمهما.
والأربعة الباقية "أن تعوض"4 أنت "تاء التأنيث من ياء المتكلم وتكسرها،
وهو الأكثر" في كلامهم، لأن الكسر عوض من الكسر الذي كان يستحقه5 قبل
ياء المتكلم وزال حين جاءت التاء، إذ لا يكون ما قبل التاء إلا
مفتوحًا، وتوجيه الفراء6 بأن الياء في النية رده الزجاج7 بأنه لا يقال:
يا أبتي.
"أو تفتحها، وهو الأقيس"، لأن التاء بلد من ياء حركتها الفتح، فتحريكها
بحركة أصلها هو الأصل في القياس، وقيل: لأن الأصل: يا أبتا، ويرده ما
رد قول الفراء.
__________
1 انظر شرح المرادي 3/ 305.
2 سقطت من "ب".
3 في "ب" "أربع لغات".
4 في "ب": "تضم".
5 في "ب": "من الكسرة التي كان يستحقها".
6 معاني القرآن للفراء 2/ 32.
7 في "ط": "الزجاجي". وانظر قول الزجاج في كتابه معاني القرآن وإعرابه
3/ 89.
(2/234)
"أو تضمها على التشبيه بنحو: ثبة وخبة، وهو
شاذ"، حكى سيبويه عن الخليل أنه سمع: يا أمت، بالضم1، وأجازه الفراء
والنحاس ومنعه الرجاج2، "وقد قرئ بهن" فبالكسر قرأ الجميع3 إلا ابن
عامر، وبالفتح قرأ ابن عامر4، وبالضم قرئ في الشواذ5. "وربما جمع بين
التاء والألف فقيل: يا أبتا ويا أمتا"، وعليه قوله: [من الرجز]
708-
يا أبتا علك أو عساكا
وهو جمع بين العوض والمعوض "فهو كقوله": [من الرجز]
709-
أقول يا اللهم يا اللهما
"وسبيل ذلك الشعر".
وزعم ابن مالك6 أن الألف في "يا أبتا" هي التي يوصل بها آخر المندوب
والمنادى البعيد والمستغاث، وأنها ليست بدلًا من الياء، والأول قول ابن
جني7. وربما جمع
__________
1 في الكتاب 2/ 211: "يا أمة لا تفعلي".
2 انظر الارتشاف 3/ 137.
3 كما في الرسم المصحفي في قوله تعالى: {يَا أَبَتِ} [يوسف: 4] .
4 كذلك قرأها أبو جعفر ويعقوب. انظر الإتحاف ص262، ومعاني القرآن
للفراء 2/ 32، وهي من شواهد شرح ابن الناظم ص413، والدرر 2/ 515.
5 لم تنسب قراءة الضم إلى أحد من القراء، وقد ذكرها الفرء في معاني
القرآن 2/ 32، وقال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه 3/ 90: "وأما "يا
أبة إني"؛ بالرفع؛ فلا يجوز إلا على ضعف، لأن الهاء ها هنا جعلت بدلا
من ياء الإضافة".
708- الرجز لرؤبة في ملحقات ديوانه ص181، وخزانة الأدب 5/ 362، 367،
368، وشرح أبيات سيبويه 2/ 164، وشرح شواهد المغني 1/ 433، وشرح المفصل
7/ 123، 2/ 90، والكتاب 2/ 375، والمقاصد النحوية 4/ 252، وللعجاج في
ملحق ديوانه 2/ 310، وتهذيب اللغة 1/ 106، وبلا نسبة في الأشباه
والنظائر 1/ 336، والإنصاف 1/ 222، والجنى الداني ص466، 470 والخصائص
2/ 96، والدرر 1/ 277، ورصف المباني ص29، 24، 355، وسر صناعة الإعراب
1/ 406، 2/ 493، 502، وشرح الأشموني 1/ 133، 2/ 458، وشرح المفصل 2/
12، 3/ 118، 120، 8/ 87، 9/ 33، واللامات 135، ولسان العرب 14/ 349
"روي"، وما ينصرف وما لا ينصرف ص130، والمقتضب 3/ 71، ومغني اللبيب 1/
151، 2/ 699، وهمع الهوامع 1/ 132، وتاج العروس "الياء".
709- تقدم تخريج الرجز برقم 703.
6 شرح الكافية الشافية 3/ 1327.
7 اللمع ص175.
(2/235)
بين التاء والياء فقيل: يا أبتي ويا أمتي،
وعليه قوله: [من الطويل]
710-
أيا أبتي لا زلت فينا فإنما ... لنا أمل في العيش ما دمت عائشًا
وهو ضرورة خلافًا لكثير من الكوفيين، والأول أسهل من هذا لذهاب صورة
المعوض منه، وهو الياء، وربما قيل: يا أباتُ، وعليه قول: [من الطويل]
711-
............................. ... كأنك فينا يا أبات غريب
فقيل: أراد: يا أبت ثم أشبع. وقيل: أراد: يا أبتا ثم قلب, وقيل: أراد
يا أبا على لغة القصر، ثم قدر لحاق الياء وأبدل منها التاء1، واقتصر في
النظم على قوله:
594-
وفي الندا أبت أمت عوض ... واكسر أو افتح ومن اليا التا عوض
"ولا يجوز تعويض تاء التأنيث عن2 ياء المتكلم إلا في النداء" خاصة،
"فلا يجوز: جاءني أبت، ولا: رأيت أبت". ولا: مررت بأبت. "والدليل على
أن التاء في: يا أبت ويا أمت3، عوض من الياء، أنهما لا يكادان يجتمعان"
عند البصريين وطائفة من الكوفيين، "و" الدليل "على أنها للتأنيث أنه
يجوز إبدالها في الوقف هاء" عند جمهور البصريين، وذهب الفراء إلى أنه
يوقف التاء4، وحجة البصريين أنها تشبه تاء5 صياقلة، وحجة الفراء أنها
عوض من حرف لا يتغير وقفًا، وقد وقف أبو عمرو بالتاء6 وهو رأس
البصريين، ورسمت في المصحف بالتاء، ويجوز رسمها بالهاء.
__________
710- البيت بلا نسبة في شرح الأشموني 2/ 458، وشرح التسهيل 3/ 407،
وشرح المرادي 3/ 317، والمقاصد النحوية 4/ 251.
711- صدر البيت:
تقول ابنتي لما رأتني شاحبا
وهو لأبي الحدرجان في نوادر أبي زيد ص239، وبلا نسبة في أساس البلاغة
"شحب"، والاقتضاب ص645، والخصائص 1/ 339، والدرر 2/ 515، وشرح التسهيل
3/ 407، وشرح المرادي 3/ 319، ولسان العرب 14/ 8، 10 "أبي"، ومقاييس
اللغة 3/ 252، والمقاصد النحوية 4/ 253، وهمع الهوامع 2/ 157.
1 انظر الدرر 2/ 515-516، والاقتضاب ص645، والمقاصد النحوية 4/ 253.
2 في "أ": "من".
3 في "ب": "أمتي".
4 معاني القرآن للفراء 2/ 32.
5 في "أ": "هذا".
6 انظر الإتحاف ص262.
(2/236)
فصل:
"وإذا كان المنادى مضافًا إلى مضاف إلى الياء" نحو: يا غلام غلامي
"فالياء ثابتة لا غير"، ولا يجوز حذفها لبعدها عن المنادى. وهي إما
ساكنة أو مفتوحة "كقولك: يابن أخي ويابن خالي"، ويا بنت أخي ويا بنت
خالي، "إلا إذا كان" المنادى "ابن عم أو ابن أم"، أو ابنة عم أو ابنة
أم، "فالأكثر" حذف الياء و"الاجتزاء بالكسرة عن الياء" كقولك، يابن عم
ويابن أم، بكسر الميم فيهما.
ثم قال الزجاجي1: لا تركيب، بل إضافتان، وقال في الارتشاف2 نقلا عن
أصحابه، إنهم حكموا للاسمين بحكم اسم واحد، وإنهم حذفوا الياء حذفها من
خمسة عشر، إذا أضافوها للياء، فليس إضافة واحدة. ا. هـ.
"أو أن يفتحا"، ثم قيل: "للتركيب المزجي" كقولك: يابن عم ويابن أم،
بفتح الميم فيهما. وقيل: الأصل عما وأما، بقلب الياء ألفًا، فحذفت
الألف وبقيت الفتحة دليلا عليها. والأول: قل: هو مذهب سيبويه
والبصريين3، والثاني قول الكسائي والفراء4 وأبي عبيدة، وحكي عن الأخفش،
"وقد قرئ في السبع: {قَالَ ابْنَ أُمَّ} [الأعراف: 150] بالوجهين"،
الكسر والفتح،5 وإليهما أشار الناظم بقوله:
593-
وفتح أو كسر وحذف اليا استمر ... في يابن أم يابن عم لا مفر
"و" العرب "لا يكادون يثبتون الياء ولا الألف" فيهما "إلا في الضرورة6،
كقوله"
__________
1 انظر الجمل ص162.
2 انظر الارتشاف 3/ 137.
3 الكتاب 2/ 214.
4 معاني القرآن للفراء 1/ 394.
5 الرسم المصحفي: {أُمَّ} ؛ بالفتح، وقرأها بالكسر: ابن عامر وحمزة
والكسائي وخلف وبكر. انظر الإتحاف ص231، ومعاني القرآن للفراء 1/ 394،
والنشر 2/ 272، وأمالي ابن الشجري 2/ 75.
6 كذا قال ابن الناظم في شرحه ص412-413، والزجاج في معاني القرآن
وإعرابه 2/ 379، ويرى المبرد في الاقتضاب أن إثبات الياء أجود، أما ابن
عقيل فقال في شرحه 2/ 276: "لا يجوز إثبات الياء ... لأن التاء عوض من
الياء، فلا يجمع بين العوض والمعوض عنه".
(2/237)
وهو أبو زبيد الطائي، واسمه حرملة بن
المنذر في مرثية أخيه: [من الخفيف]
712-
يابن أمي ويا شقيق نفسي ... أنت خليتني لدهر شديد
"وقوله"، وهو ابن النجم العجلي، واسمه الفضل بن قدامة: [من الرجز]
713-
يا بنة عما لا تلومي واهجعي ... وانمي كما ينمى خضاب الأشجعي
ويروى:
لا يخرق النوم حجاب مسمعي ... .......................................
__________
712- البيت لأبي زبيد في ديوانه ص48، والدرر 2/ 170، والكتاب 2/ 213،
ولسان العرب 10/ 182 "شقق"، والمقاصد النحوية 4/ 222، وبلا نسبة في
أمالي ابن الشجري 2/ 179، وأوضح المسالك 4/ 40، وشرح ابن الناظم ص413،
وشرح الأشموني 2/ 457، وشرح التسهيل 3/ 406، وشرح المرادي 3/ 313، وشرح
المفصل 2/ 12، ومعاني القرآن وإعرابه 2/ 379، والمقتضب 4/ 250، وهمع
الهوامع 2/ 54.
713- الرجز لأبي النجم العجلي في ديوانه ص134، وخزانة الأدب 1/ 364،
والدرر 2/ 170، وشرح أبيات سيبويه 1/ 440، وشرح المرادي 3/ 313، وشرح
المفصل 2/ 12، والكتاب 2/ 214، ولسان العرب 12/ 424، "عمم"، والمحتسب
2/ 238، والمقاصد النحوية 4/ 224، ونوادر أبي زيد ص19، وبلا نسبة في
أوضح المسالك 4/ 41، ورصف المباني ص159، وشرح ابن الناظم ص413،
والمقتضب 4/ 252، وهمع الهوامع 2/ 54.
(2/238)
|