شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في
النحو باب الندبة:
بضم النون.
"حكم المندوب وهو المتفجع عليه حقيقة"، كقول جرير يندب عمر بن عبد
العزيز: [من البسيط]
722-
.................................. ... وقمت فيه بأمر الله يا عمرا
أو حكمًا، كقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقد أخبر بجرب شديد أصاب
قومًا من العرب: واعمراه واعمراه.
"أو المتوجع منه" لكونه محل ألم، كقول قيس العامري: [من الطويل]
723-
فوا كبدا من حب من لا يحبني ... ومن عبرات ما لهن فناء
أو لكونه سبب ألم، كقول ابن قيس الرقيات: [من الكامل]
724-
تبكيهم الدهماء معولة ... وتقول سلمى وارزيتيه
وكقول القائل: وامصيبتاه، لأن الرزية، والمصيبة سببا1 الألم الذي حصل
له.
__________
722- صدر البيت:
حملت أمرا عظيمًا فاصطبرت له
وتقدم تخريجه برقم 691.
723- البيت لمجنون ليلى في ديوانه ص35، وشرح عمدة الحافظ ص291، وبلا
نسبة في شرح الأشموني 2/ 464، وشرح المرادي 4/ 25.
724- البيت لابن قيس الرقيات في ديوانه ص99، وشرح أبيات سيبويه 1/ 549
وشرح التسهيل 3/ 415، شرح الكافية الشافية 3/ 1342، وشرح المرادي 4/
25، والكتاب 2/ 221، والمقاصد النحوية 4/ 274، وبلا نسبة في المقتضب 4/
272.
1 في "ب": "لسبب".
(2/246)
وصورة المندوب صورة المنادى المخاطب وليس
منادى، ألا ترى أنك لا تريد منه أن يجيبك ويقبل عليك، ومن ثم منعوا في
النداء، يا غلامك، لأن خطاب أحد المسميين يناقض خطاب الآخر. ولا يجمع
بين خطابين، وأجازوا في الندبة: واغلامك، فلذلك قالوا: حكم المندوب
"حكم المنادى"، وقال الناظم:
601-
ما للمنادى اجعل لمندوب ... ... ....................................
"فيضم" إن كان مفردًا كما "في نحو: وا زيدا، وينصب" إن كان مضافًا،
[كما] 1 "في نحو: وا أمير المؤمنين"، أو مطولا، كما في نحو: وا ضاربًا
عمرًا، وإذا اضطر شاعر إلى تنوينه جاز ضمه ونصبه كقوله: [من الرجز]
725-
وافقعسا وأين مني فقعس
"إلا أنه لا يكون2 نكرة كـ: رجل" فلا يقال: وا رجلاه، خلافًا للرياشي3
مدعيًا أنه جاء في الحديث: "وا جبلاه" فإن صح فهو نادر.
"ولا" معرفًا "مبهما كـ: أي" والمضمر "واسم الإشارة والموصول"، فلا
يقال: وا أيهاه، ولا: وا أنتاه. ولا: وا هذاه، ولا: وا من ذهباه، لأن
القصد من الندبة الإعلام بعظمة المصاب فلذلك لا يندب إلا المعرفة
السالمة من الإبهام، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
601-
.......................... وما ... نكر لم يندب ولا ما أبهما
"إلا ما" كان موصولا غير مبدوء بـ"أل" و"صلته مشهورة، فيندب" عند
الكوفيين خلافًا للبصريين "نحو: وا من حفر بئر زمزماه4، فإنه" في شهرته
"بمنزلة: وا عبد المطلباه"، وذلك شاذ عند البصريين5، واتفق الجميع على
منع ندبة الموصول
__________
1 إضافة من "ب", "ط".
725- الرجز لرجل من بني أسد في الدرر 1/ 374، والمقاصد النحوية 4/ 272،
وبلا نسبة في الارتشاف 3/ 144، والدرر 1/ 392، ورصف المباني ص27، وشرح
ابن الناظم ص421، وشرح الأشموني 2/ 464، وشرح التسهيل 3/ 414، وشرح
الكافية الشافية 3/ 1342، وشرح المرادي 4/ 27، ومجالس ثعلب 2/ 542،
والمقرب 1/ 184، وهمع الهوامع 10/ 172، 179.
2 في "ب", "ط": "أن يكون" مكان "أنه لا يكون".
3 في "ب": "الفارسي". انظر الارتشاف 3/ 143.
4 الإنصاف 1/ 337، وشرح ابن الناظم ص421، وشرح ابن عقيل 2/ 103.
5 انظر الإنصاف 1/ 362، المسألة رقم 51.
(2/247)
المبدوء بـ"أل" وإن اشتهرت صلته، فلا يقال:
وا الذي حفر بئر زمزماه، إذ لا يجمع بين حرف الندبة و"أل" وبذلك يقيد
قول الناظم:
602-
ويندب الموصول بالذي اشتهر ... كبئر زمزم يلي وا من حفر
وتقدم الخلاف في ندائه. وأصل زمزم: زمم، أبدلت الميم الثانية زايًا،
قاله في الفردوس.
"إلا أن الغالب أن يختم بالألف" إطالة للصوت "كقوله"، وهو جرير: [من
البسيط]
726-
...................................... ... وقمت فيه بأمره الله يا
عمرا
وإلى ذلك أشار بقوله:
603-
ومنتهى المندوب صله بالألف ... ....................................
وأما لحاقها توابع المندوب فقال ابن الخبار في "النهاية": إنه لا خلاف
في جواز لحاقها آخر الصفة إذا كانت ابنا بين علمين نحو: وا زيد بن
عمرا، وأما البدل والبيان والتوكيد فقياس قول سيبويه والخليل أن لا
تلحق البيان والتوكيد، وعندي أنها تدخل آخر البدل؛ لأنه قائم مقام
المبدل منه، فتقول: وا غلامنا زيداه، وتدخل العطف النسقي نحو: وا زيد
وعمراه. ا. هـ.
وتدخل التوكيد اللفظي كما تقدم من قول عمر -رضي الله عنه: وا عمراه وا
عمراه.
"ويحذف لهذه الألف ما قبلها1 من ألف نحو: وا موساه"، وإلى ذلك أشار
الناظم بقوله:
603-
.................................... ... متلوها إن كان مثلها حذف
وأجاز الكوفيون قياسًا قلب الألف ياء فقالوا2: وا موسياه.
"أو" من "تنوين" ظاهر أو مقدر "في" آخر "صلة، نحو: وا من حفر بئر
زمزماه"، بحذف التنوين من زمزم، فإنه منصرف باعتبار انه علم على
القليب، وإن اعتبر أنه علم على البئر فهو غير منصرف، وفيه تنوين مقدر،
كما صرح به في أول باب الإضافة.
"أو" تنوين "في مضاف إليه نحو: وا غلام زيداه، أو في" علم3 "محكي
__________
726- صدر البيت:
حملت أمرا عظيمًا فاصطبرت له
وقد تقدم تخريجه برقم 691، كما تقدم برقم 722.
1 في "ب": "من".
2 انظر شرح المرادي 4/ 28.
3 في "ب": "فعل".
(2/248)
نحو: وا قام زايده، فيمن1 اسمه: قام زيد"،
وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
604-
كذاك تنوين الذي به كمل ... من صلة أو غيرها............
وأجاز الكوفيون حذف التنوين وإثباته مع فتحه، [فيقولون: وا غلام
زيدناه2، محافظة على بقاء ألف الندبة، ومع كسره وقلب الألف ياء] 3:
فيقولون: وا غلام زيدنيه4، على أصل التقاء الساكنين.
وأجاز الفراء حذف التنوين مع إبقاء الكسرة وقلب الألف ياء، فيقول: وا
غلام زيديه، ولا يجيز البصريون إلا حذف التنوين لالتقاء الساكين، كما
في اجتماع الألفين.
"و" يحذف لهذه الألف ما قبلها "من ضمة" بنائية "نحو: وا زيداه" ووا
منداه فيمن اسمه "منذ" "أو كسرة" إعرابية "نحو: وا عبد الملكاه، أو"
بنائية نحو: "وا حذاماه" لأن ما قبل الألف لا يكون مضمومًا ولا
مكسورًا.
"فإن أوقع حذف الكسرة أو الضمة في لبس أبقيا وجعلت الألف ياء بعد
الكسرة نحو: وا غلامكي"، إذ لو قيل: واغلامكا، التبس بالمذكر، "وواوًا
بعد الضمة نحو: وا غلامهو، أو: وا غلامكمو"، إذ لو قيل: وا غلامها، وا
غلامكما، التبس المذكر بالمؤنث في الأولى، والجمع بالمثنى في الثانية،
وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
605-
والشكل حتمًا أوله مجانسا ... إن يكن الفتح بوهم لابسا
"ولك في الوقف زيادة هاء السكت بعد أحرف المد" الثلاثة توصلا إلى زيادة
المد، نحو: وا زيداه، وا غلامكيه، وا غلامكموه، وإلى ذلك أشار الناظم
بقوله:
606-
وواقفا زد هاء سكت إن ترد ... ..................................
فإن وصلت حذفتها إلا في الضرورة فيجوز إثباتها كقول المتنبي: [من
البسيط]
727-
وا حر قلباه ممن قلبه شبم ... ..................................
ولك حينئذ ضمها تشبيها بهاء الضمير وكسرها على أصل التقاء الساكنين،
وأجاز الفراء إثباتها في الوصل بالوجهين.
__________
1 بعده في "ب": "كان".
2 في "ط": "زيداه".
3 سقط ما بين المعكوفين من "ب".
4 في "ط": "زيديه".
727- عجز البيت: "ومن بجسمي وحالي عنده سقم"، وهو للمتنبي في ديوانه 3/
80، وخزانة الأدب 7/ 276، وشرح قطر الندى ص223، وشرح المفصل 10/ 44.
(2/249)
فصل:
"وإذا ندب المضاف للياء" الجائز فيه اللغات الست "فعلى لغة من قال: يد
عبد، بالكسر، أو يا عبد، بالضم"، أو يا عبد، بالفتح، مع حذف الياء
فيهن، "أو يا عبدا بالألف" المنقلبة عن الياء "أو يا عبدي، بالإسكان"
في الياء. "يقال" في هذه اللغات الخمس: "وا عبدا، وعلى لغة من قال: يا
عبدي، بالفتح" في الياء، "أو يا عبدي، بالإسكان" في الياء "يقال: وا
عبديا، بإبقاء الفتح على الأول" وهو: يا عبدي، بالفتح، "واجتلابه على
الثاني" وهو يا عبدي، بالإسكان.
"وقد تبين" من جواز: وا عبدا ووا عبديا في يا عبدي، بالإسكان، "أن لمن
سكن الياء أن يحذفها" في الندبة ويقول: وا عبدا، "أو يفتحها" ويقول: وا
عبديا، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:
607-
وقائل وا عبديا وا عبدا ... من في الندا اليا ذا سكون أبدى
"والفتح رأي سيبويه"1، وهو أقيس وأقل عملا، "والحذف رأي المبرد"2.
والحاصل أنه إذا ندب على لغة من حذف الياء3، فإن كان ما قبلها مفتوحًا
أقرت الفتحة على حالها وأتي بألف الندبة، وإن كان مكسورًا أو مضموما
جعل بدل الكسر والضمة فتحة وزيدت الألف، وعلى لغة من أبدل ألفًا حذفت
الألف المبدلة وزيدت ألف الندبة، كما يفعل ذلك بالمقصور، وعلى لغة من
أثبت الياء مفتوحة زيدت الألف ولم تحتج إلى عمل ثان، لأن الياء متهيئة
بالفتحة لمباشرة الألف. وعلى لغة من يثبت الياء الساكنة جاز حذف الياء
لالتقاء الساكين، وإبقاؤها مفتوحة.
"وإذا قيل: يا غلام غلامي، لم يجز في الندبة حذف الياء؛ لأن المضاف
إليها"، وهو غلام الثاني، "غير منادى" لأنه مضاف إليه المنادى، والمضاف
إليه المنادى غير منادى، وحكم4 المندوب حكم المنادى، فلما لم يحذف في
النداء لم يحذف في الندبة، والله أعلم بالصواب.
__________
1 الكتاب 2/ 221.
2 في المقتضب 4/ 270 أنه أجاز الفتح والحذف.
3 سقطت من "ب".
4 بعده في "ب": "منادى".
(2/250)
|