شرح الكافية الشافية

باب: المفعول فيه وهو الظرف
"ص":
مكان أو وقت حوى1 معنى "في" ... ظرف كـ"رح غدا مع الأشراف"
فانصبه بالواقع فيه أبدا ... ما لم يكن ملفوظ في قد وجدا
والوقت مبهما ومختصا2 لذا ... يصلح كـ"امكث يوما أو يوم كذا"
ولا يكون اسم المكان ظرفا ... إلا إذا أبهم كـ"ارجع خلفا"
من ذاك أسماء الجهات جمعا ... وما يضاهيها كـ"عند" و"معا"
__________
1 ع "جري".
2 هكذا في الأصل وفي س وش وط أما في ع وك "والوقت مختصا ومبهما".

(2/674)


كذا المقادير كـ"ميل" وكذا ... ما1 من سما العامل فيه أخذا
فـ"مقعد" مطرد مع "يقعد" ... و"معقد" مطرد مع "يعقد"
ونحو: "زيد مزجر الكلب" ندر ... ولا ندور فيه إن تلا "زجر"
"ش": المفعول فيه هو ما نصب من اسم زمان، أو مكان مقارن لمعنى "في" دون لفظها.
[وقد تمثل النوعان بقولي:
............................ ... "رح غدا مع الأشراف"
فإن "عدا" اسم زمان. و"مع" اسم مكان. وقد قارنهما معني "في" دون لفظها] 2.
وذكر "مقارنة المعنى" أجود من ذكر3 "تقدير في" لأن تقدير "في" يوهم جواز استعمال لفظ "في" مع كل ظرف. وليس الأمر كذلك. [لأن من الظروف ما لا يدخل عليه "في" كـ"عند" و"مع" وكلها مقارن لمعناها ما دام ظرفا.
__________
1 هـ سقط "ما".
2 هـ سقط ما بين القوسين.
3 ع وك سقط "ذكر".

(2/675)


وأسماء الزمان صالحة لذلك] 1: مبهما، ومختصها.
والمبهم كـ"حين" و"مدة".
والمختص كـ"يوم كذا" وكـ2 "ساعة كذا".
تقول: "مكثت عنده حينا من الدهر" و"غبت عنه مدة".
و"صمت [يوم الخميس" و"اعتكفت3] يوم الجمعة"
وأما المكان فلا يكون من أسمائه ظرفا صناعيا إلا ما كان مبهما أو مشتقا من اسم الحدث الذي اشتق منه عامله.
فالمبهم ما لا يتميز4 مسماه بدون إضافة أو ما يقوم مقامها كأسماء الجهات والمقادير تقول: "قعدت يمين زيد، ويسار عمرو" و"سرت ميلا وفرسخا".
والمشتق من اسم الحدث الذي اشتق منه العامل كـ"مقعد" و"مقعد" من نحو قولك: "اقعد مقعد المناجي" و"اعقد نكاح زيد معقد نكاح عمرو".
ولا يكون هذا النوع ظرفا قياسيا إلا إذا كان العامل فيه موافقا له في الاشتقاق.
__________
1 هـ سقط ما بين القوسين.
2 هـ "أو ساعة" ع وك "وساعة".
3 هـ سقط ما بين القوسين.
4 هـ "ما لا ضمير".

(2/676)


فلذا عد من الشواذ قولهم: "هو مني مقعد القابلة"
و"عمرو مزجر الكلب" و"خالد مناط الثريا".
فلو أعمل في المقعد "قعد"، وفي المزجر "زجر"، وفي المناط "ناط" لم يكن في ذلك شذوذ ولا مخالفة للقياس نص على ذلك سيبويه1.
"ص":
وذو تصرف من الظروف ما ... ظرفية أو2 شبهها لن يلزما
__________
1 قال سيبويه في الكتاب 1/ 205:
هذا باب ما شبه من الأماكن المختصة بالمكان غير المختص، شبهت به إذ كانت تقع على الأماكن.
وذلك قول العرب، سمعناه منهم: "هو مني منزلة الشغاف" و"هو مني منزلة الولد".
ويدلك على أنه ظرف قولك، "هو مني بمنزلة الولد" فإنما أردت أن تجعله في ذلك الموضع، فصار كقولك "منزلي مكان كذا وكذا" و"هو مني مزجر الكلب" و"أنت مني مقعد القابلة" وذلك إذا دنا فلزق بك من بين يديك.
قال الشاعر وهو أبو ذؤيب:
فوردن والعيوق مقعد رأبئ الـ ... ضرباء خلف النجم لا يتتلع
وهو منك مناط الثريا.
ثم قال سيبويه 1/ 207.
وقد زعم يونس أن ناسا يقولون: "هو مني مزجر الكلب" يجعلونه بمنزلة "مرأى" و"مسمع". وكذلك "مقعد" و"مناط" يجعلونه هو الأول.
2 ع سقطت "أو".

(2/677)


وغير ذي التصرف الذي لزم
... ظرفية، أو شبهها من الكلم
فغير "منذ" و"مذ" اسم زمن ... حتم البناء عن تصرف غني
كذاك ما عين من ضحى1 "سحر" ... "ليل" "نهار"2 و"سحير" و"بكر"
وهكذا معينا "عشاء" ... "عشية" "عتمة" "مساء"
ذي لا تصرف3، واصرف إلا "سحرا" ... معينا فهو من الصرف4 برا
[و"غدوة" و"بكرة" عكس "بكر" ... إن شاركنا الأعلام فيما يعتبر
واصرفهما إن نكرا فقد كثرا ... وترك تنوين "عشية" نزر
ونحو: "يوم يوم" مما عرضا ... تركيبه تصريفه قد رفضا
كذاك "ذو" و"ذات" إن يضافا ... لزمن، وقد حكوا خلافا
__________
1 في الأصل "وسحر".
2 ط "وكنهار" موضع "ليل ونهار".
3 كـ"لا تتصرف".
4 هـ "من الظروف".

(2/678)


عن خثعم فـ"ذو" و"ذات" صرفا ... في عرفهم كـ"بعض ذي يوما قفا"
واختير في وصف زمان حذفا ... كـ"امكث طويلا" منعه "التصرف] 1
"ش": من الظروف: "متصرف2 منصرف.
وغير متصرف، ولا منصرف.
ومتصرف غير منصرف.
ومنصرف غير متصرف.
فالأول كـ"يوم" و"شهر" و"حول".
والثاني: كـ"سحر" المقصود به التعيين.
والثالث: كـ"غدوة" و"بكرة" علمين لهذين الوقتين قصد بهما التعيين أو لم يقصد.
والرابع: ما عين من "ضحى" و"بكر" و"سحير" و"ليل" و"نهار"3 و"عشاء" و"عشية" و"عتمية" و"مساء".
ومن العرب من لا يصرف "عشية" في التعيين.
وأشرت بقولي:
وذو تصرف من الظروف ما ... ظرفية أو شبهها لن يلزما
__________
1 هـ سقط ما بين القوسين.
2 وك "متصرف ومنصرف".
3 ع وك "ونهار وليل".

(2/679)


إلى أن الخروج عن الظرفية إن لم يكن إلا بدخول حرف جر فإنه لا يعتد به.
فلذلك يحكم بعدم تصرف "قبل" و"بعد" و"لدن" و"عند" حال دخول "من" عليهن.
وإنما يثبت1 تصرف الظرف بالإضافة إليه، أو الإخبار عنه نحو: "اعتكفت نصف اليوم" و"اليوم مبارك".
ولما كانت الظروف التي لا تتصرف كثيرة أقمت مقام تعدادها ضبطها بقولي:
فغير "منذ" و"مذ" اسم زمن ... ختم البناء عن تصرف غني
فأخرجت "منذ" و"مذ" فإنهما محتوما البناء [وليسا مقصودين2 لأنهما يخبر عنهما في نحو: "ما رأيته مذ ثلاثة أيام".
وأخرجت بقولي:
..................................... ... حتم البناء3....................]
ما يبنى في حال دون حال كـ"أمس" و"حين" فإنه إن أضيف إلى جملة جاز بناؤه وإعرابه4.
__________
1 ع وك "ثبت".
2 ع وك "وليستا مقصودتين".
3 هـ سقط ما بين القوسين.
4 ع وك "جاز إعرابه وبناؤه".

(2/680)


فعلم بعد إخراج ما خرج منع تصرف "إذا" و"متى" و"أيان" و"قط" و"عوض" ونحو ذلك من أسماء الزمان المحتومة البناء.
ثم نبهت على ضابط يميز1 ما لا يتصرف من الظروف2 فقلت:
ونحو "يوم يوم" مما عرضا ... تركيبه3 تصريفه قد رفضا
ثم بينت أن "ذا" و"ذات" إذا أضيفا4 إلى زمان لا يتصرفان عند خثعم ويتصرفان عندهم كقول بعضهم:
351-
عزمت على إقامة ذي صباح ... لأمر ما يُسود من يَسود
__________
1 هـ "تمييز" ع "بتمييز".
2 ع "من الظرف".
3 هـ "توكيده".
4 هـ "أضيفتا".
351- من الوافر نسبه أبو محمد الأعراب في فرحة الأديب إلى أنس بن مدركة الخثعمي، وذكر قصته "لخزانة 1/ 476".
ونسبه صاحب اللسان مادة "صبح" إلى أنس بن نهيك وروايته:
.............................. ... لأمر ما يسود ما يسود
وهي رواية ع.
ولم ينسب في كتاب سيبويه 1/ 116 وروايته:
..................................... ... ....................... لشيء ما

(2/681)


ثم نبهت على أن صفة الزمان إذا حذف وأقيمت1 مقامه المختار ملازمتها للظرفية.
ولذلك ضعف أن يقال: "سير عليه طويل" واختير أن يقال: "سير عليه طويلا" -بالنصب.
"ص":
ومن يرد ظرفية اسم موضع ... مختص ابدى "في" ليسمع2 من يعي3
كـ"نام في الدار" و"في الحصن انحصر" ... و"هند في القصر" و"زيد في هجر"
وغير هذا -نادرا- قد جعلا ... واستعملوا كالمعتدي دخلا
مع المكان لا سواه كـ"دخل ... سعد4 محلنا و"في الأمر الخلل"
"ش": لا يتعدى إلى المكان المختص فعل إلا إن5 تعدى إلى مفعول به كقولك: "قصدت المسجد" و"عمرت الدار".
فإن قصد إيقاع فعل فيه كما يوقع في المكان المبهم لزم ذكر "في" كقولك6: "أقمت في البلد"7 و"اعتكفت في المسجد".
__________
1 هـ "وأقيمت صفته مقامه".
2 س ش "لسمع".
3 هـ "مراعى".
4 س "زيد".
5 ع ك "إلا إذا".
6 ع ك "نحو قولك.
7 ع ك "أقمت في الدار".

(2/682)


فإن ورد شيء بخلاف ذلك عند نادرا كقول الشاعر:
352-
فلأبغينكم قنا وعوارضا ... ولأقبلن الخيل لأبة ضرغد
أراد: في قنا وعوارض. وهما موضعان مختصان
فأجراهما مجرى الأمكنة المبهمة.
وإلى نحو1 هذا أشرت بقولي:
وغير هذا نادرا قد جعلا ... .............................
وليس هذا بضرورة لتمكن الشاعر من أن يقول:
فلأبغينكم في قنا وعوارض ... ..................................
بتسكين النون والميم.
فإن كان الفعل المتعلق بالمكان المختص "دخل" جاز أن يتعدى إليه بنفسه، لا على أنه ظرف، بل على أنه مفعول به متعدى2 إليه بحرف.
ثم حذف حرف الجر تخفيفا، لكثرة الاستعمال فوقع الفعل عليه، ونصبه، كما يتفق لغيره.
__________
1 ع ك سقط نحو".
2 ع ك "متعد".
352- من الكامل من قصيدة عدتها ثلاثة عشر بيتا قالها عامر بن الطفيل "الديوان 55" عوارض -بضم العين- جبل في بلاد طيئ. اللأبة: الحرة وهي أرض ذات حجارة سوداء. ضرغد: مكان وقيل: جبل، وقيل: حرة لغطفان وقيل: مقبرة.

(2/683)


ولو كان انتصاب المكان بعد "دخل" على الظرفية لجاز أن يقع ذلك المنتصب خبر مبتدأ؛ إذ ليس في الكلام ما يكون ظرف لفعل، ولا يكون ظرفا لمبتدأ.
ولا يجوز الحكم على1 "دخل" بأنه2 متعد بنفسه [إلى المكان المختص؛ لأنه لو تعدى بنفسه إلى المكان على أنه مفعول به لتعدى بنفسه] 3 إلى غير المكان، ولم يحتج معه إلى حرف جر في نحو4 قولهم: "دخلت في الأمر".
"ص":
وظرف اتٍ صلة أو خبرا ... أو صفة ناصبه5 لن يظهرا
واستره ستر عامل المفعول به ... في غير هذي فهو غير مشتبه
"ش": إذا وقع الظرف صلة، أو خبرا، أو صفة استُغني عن إظهار ناصبه، واكتفي بتقديره.
إلا أنه في الصلة فعل بإجماع، وفي غير الصلة يجوز أن يكون ناصب الظرف فعلا، ويجوز أن يكون اسم فاعل.
وحكم عامل الظرف في غير الصلة، والخبر، والصفة
__________
1 ع ك "ما دخل".
2 ع ك "فإنه".
3 هـ سقط ما بين القوسين.
4 ع ك سقط "نحو".
5 ط "عامله".

(2/684)


بالنسبة إلى الإظهار والإضمار حكم المفعول به، وقد تقدم بيان ذلك في بابه.
"ص":
وجعلوا مصادرا ظروفا ... في الوقت هذا شائع معروفا
كـ"حن زيد ظعن1 الحجاج" ... و"كان ذاك إمرة2 الحجاج"
وفي المكان جاء ذاك نزرا ... وظرفا اسم جثة قد يجرى
كمثل: "لا آتيك مغزى الفزر" ... و"القارظين" و"ابن سعد" فادر3
و"الشمس" أعطوا و"النجوم" و"القمر" ... ظرفية كـ"الفرقدين اذكر عمر"
"ش": جعل المصدر ظرفا من باب حذف المضاف، وقيام المضاف إليه مقام.
وشرط ذلك إفهام تعيين مقدار نحو: "كان ذلك خفوق النجم" أو "صلاة العصر" و"انتظر به4 نحر جزورين" و"سير عليه ترويحتين".
__________
1 ع "طعن".
2 ط "امرأة".
3 هـ "قادر".
4 ع "وانتظرته نحر".

(2/685)


وقد يعامل بهذه1 المعاملة ظرف المكان نحو: "جلست قرب زيد" أي: مكان قربه.
وجعلت أيضا أسماء أعيان ظروفا كقولهم: "لا أفعل ذلك معزى الفزر" و"لا أكلم زيدا القارظين" و"لا أسالم عمرا هبيرة بن سعد".
ومن كلام العرب الفصيح: "لأفعلن ذلك الشمس والقمر" أي: مدة طلوعهما. و"لا أكلم فلانا الفرقدين".
فينصبون هذا وأشباهه نصب الظروف. والتقدير: لا أفعل ذلك مدة فرقة غنم الفزر2. ومدة مغيب القارظين3. ومدة مغيب هبيرة بن سعد4.
ولأفعلن ذلك مدة بقاء الشمس والقمر، أو مدة طلوعهما، وهذا سبيل التوقيت بـ"الفرقدين" وغيرهما.
__________
1 ع ك "هذه المعاملة".
2 الفزر: لقب سعد بن زيد مناة. وكان أتى الموسم بمعزى فأنهبها وقال: من أخذ منها واحدة فهي له ولا يؤخذ منها فزر: وهو الاثنان فأكثر.... ومنه المثل: لا آتيك معزى الفزر. أي حتى تجتمع.
3 القارظان رجلان خرج يطلبان القرظ فلم يعودا وهما من عنزة: وقصتهما في أمثال الميداني 1/ 75.
4 هبيرة بن سعد: رجل فقد فلم يعلم عنه شيء.

(2/686)