شرح الكافية الشافية باب البدل:
"ص"
التابع المقصود بالحكم بلا ... واسطة هو المسمى بدلا
مطابقا، أو بعضا، أن ما يشتمل ... عليه يلفى أو كمعطوف بـ"بل"
وذا اعز للإضراب إن قصدا صحب ... وغيره1 لغلط قدما نسب
كـ"هجرة إساءة حق المسي" ... و"هو من الذم معرى مكتسي"
وذو اشتمال شرطه إمكان إن ... يبين في حذف، وحذفه حسن
وكون ذي اشتمال أو بعض صحب ... بمضمر أولى، ولكن لا يجب
__________
1 س، ش، ط "ودونه".
(3/1274)
كل لمتبوع في الإظهار وفي ... تعريف أو
نقيض ذين يقتفي
وظاهرا من مضمر الحاضر لا ... يبدل إذا من شرط الإبدال خلا
والشرط توكيد به أو كشف ما ... أريد من مضمون ما تقدما
كـ"جئتم الصغير والكبير لي ... بيتي، وإني باطني ذو وجل"1
ونحو "مستلئم" اثر "بي" ندر ... الأخفش القياس في هذا اعتبر
واقرن2 بالاستفهام ما أبدل من ... ما فيه معناه فإنه قمن
كـ"من أتى؟ أعامر أم معمر"؟ ... و"ما له؟ أدرهم أم أكثر؟ "
وبدل كمستقل جعلا ... لذا أعادوا معه ما عملا
نحن "لمن" مع "للذين استضعفوا" ... وقد حوت نظير هذا "الزخرف"
__________
1 جاء هذا البيت في ط، ع، وك، وس، وش، كما يلي:
كعجتم الصغير والكبير بي ... بيتي وأني باطني ذو رهب
2 ط "فاقرن".
(3/1275)
والفعل قد يبدل من فعل كما ... قد قال بعض
الراجزين القدما
"إن على الله أن تبايعا ... تؤخذ كرها، أو تجيء طائعا"
صدرت باب البدل بـ
التابع............... ... .....................
لأنه يعم المحدود وشركاءه الثلاثة، وذكرت.
.........المقصود بالحكم ... ......................
لأنه يخرج النعت والتوكيد وعطف البيان، فإنهن توابع تكمل المقصود
بالحكم1.
وقلت:
...........بلا ... واسطة...............
ليخرج المعطوف بـ"بل" و"لكن" فإنهما مقصودان بالحكم.
ثم أشرت إلى أقسام البدل فذكرت منها "المطابق".
والمراد به ما يريد النحويون بقولهم "بدل الكل من الكل".
وذكر المطابقة أولى؛ لأنها عبارة صالحة لكل بدل يساوي
__________
1 سقط من الأصل "بالحكم".
(3/1276)
المبدل منه في المعنى.
بخلاف العبارة الأخرى، فإنها لا تصدق إلى على ذي أجزاء، وذلك غير
مشترط، للإجماع على صحة البدلية في أسماء الله -تعالى- كقراءة غير
نافع1 وابن عامر2: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، اللَّهِ} 3.
وأشرت بـ"بعض" إلى نحو: "من" من قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ
حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} 4.
وبـ...."ما يشتمل ... عليه"...............
إلى نحو: "قتال" من قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ
الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} 5.
وبقولي:
................... ... ......كمعطوف بـ"بل"
إلى أن من البدل ما يباين المبدل منه وهو على ضربين:
أحدهما: ما يذكر متبوعه بقصد، ويسمى بدل البداء، وبدل الإضراب، ومن
أجله مثلت بـ
__________
1 نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني، أحد القراء السبعة -سبق
التعريف به.
2 عبد الله بن عامر اليحصبي أحد القراء السبعة -سبق التعريف به.
3 من الآيتين "1، 2" من سورة "إبراهيم".
4 من الآية رقم "97" من سورة "آل عمران".
5 من الآية رقم "217" من سورة "البقرة".
(3/1277)
هجرة إساءة حق المسي ...
.......................
فـ"حق المسيء" مبتدأ، و"هجرة": خبر، و"إساءة":
بدل إضراب.
فمثل هذا يرد في الكلام الفصيح؛ لأنه مساو للمعطوف بـ"بل". ومنه قول
النبي -صلى الله عليه وسلم:
$"إن الرجل ليصلي الصلاة، وما كتب له نصفها، ثلثها....إلى العشر"1.
وإلى هذا أشرت بقولي:
وذا أعز للإضراب إن قصد صحب ... .......................
والثاني من ضربي البدل: المباين كقولك: "المسيء من الذم معرى مكتس".
أردت أن تقول: "المسيء2 من الذم مكتس"، فغلطت بذكر "معرى"، فأبدلت منه
الذي كان مرادا.
فهذا النوع لا يرد في كلام فصيح، ولا يذكر متبوعه إلى غلطا أو نسيانا.
ثم أشرت بقولي:
__________
1 أخرجه أبو داود في الصلاة 124.
2 سقط من ع، ك "المسيء".
(3/1278)
وذو اشتمال شرطه إمكان أن ... يبين في حذف،
وحذفه حسن
إلى نحو: "أعجبتني الجارية حسنها" فإنه جائز.
لأن الحسن مشتمل عليه ذكر الجارية اشتمالا مصححا للبدلية، فإنه يفهم
معناه في الحذف مع كون الاقتصار على متبوعة حسنا في الكلام.
وكذا نحو قولك: "خلع ابني ابنك ثوبه".
بخلاف ما يفهم معناه في الحذف مع كونه1 لا يحسن التكلم به نحو قولك:
"أسرجت زيدا فرسه".
فإن هذا لا يستجاز؛ لأنه وإن فهم معناه في الحذف فلا يستعمل مثله، ولا
يحسن.
فلو ورد مثل هذا في كلام كان بدل غلط.
واشتراط أكثر النحويين مصاحبة بدل البعض، والاشتمال ضميرا عائدا على
المبدل منه.
والصحيح عدم اشتراطه.
لكن وجوده أكثر من عدمه كقوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ
الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} 2.
__________
1 ع، ك "مع أنه".
2 من الآية رقم "217" من سورة "البقرة".
(3/1279)
كقول الراجز:
863-
وذكرت تقتد برد مائها
864-
وعتك البول على أنسائها
ومن الشواهد على الاستغناء عن الضمير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} 1.
فهذا بدل بعض من كل.
ومن بدل الاشتمال المستغني عن ضمير قوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ
الْأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} 2.
__________
1 من الآية رقم "97" من سورة "آل عمران".
2 الآيتان "4، 5" من سورة "البروج".
863-864- رجز ذكر في كتاب سبيويه، ولم ينسبه 1/ 75 ونسبه ياقوت في معجم
البلدان "تقتد" إلى أبي وجزة السعدي في تسعة أبيات، وروى ياقوت هذا
الشاهد هكذا:
حتى إذا ما تم من أظمائها
وعتك البول على أنسائها
تذكرت تقتد برد مائها
تقتد: ركية في شق الحجاز من مياه بني سعد بن بكر.
عتك البول: أن يضرب البول إلى الحمرة، وهذا يحدث إذا قل ورود الإبل
الماء.
الأنساء: جمع نسا، وهو عرق يستبطن الفخذ والساق.
(3/1280)
ومنه قول الشاعر:
865-
هل تدنينك من أجارع واسط ... أوبات يعملة الدين حضار
866-
من خالد أهل السماحة والندى ... ملك العراق إلى رمال وبار
فـ"من خالد بدل من "واسط".
ثم أشرت إلى أن كل بدل يساوي المبدل منه، أو يخالفه في التعريف
والتنكير، والإظهار والإضمار بقولي:
كل لمتبوع في الإظهار وفي ... تعريف أو نقيض دين يقتفي
ثم بينت أن الظاهر لا يبدل من مضمر الحاضر، إلا إذا أفاد توكيدا كقولي:
__________
865-866- من الكامل قالهما الطرماح "الديوان 148".
الأجارع جمع أجرع، وهو الكثيب جانب من رمل وجانب حجارة.
واسط: موضع بين البصرة والكوفة.
الأوب: سرعة تقليب اليدين والرجلين في السير.
اليعملة من الإبل: النجيبة المعتملة المطبوعة على العمل.
الحضار: البيضاء من الإبل الواحد والجمع في ذلك سواء.
رمال وبار: أرض كانت من محال عاد بين اليمن ويبرين.
(3/1281)
جئتم1 الصغير، والكبير ...
...................
وكقول عبدية بن لحارث -رضي الله عنه:
867-
فما برحت أقدامنا في مكاننا ... ثلاثتنا حتى أزيروا المنائيا
أو كان بعضا كقول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ} 2.
ومنه قول الراجز:
868-
أوعدني بالسجن والأداهم
869-
رجلي فرجلي شثنة المناسم
__________
1 ع، ك، هـ "عجتم".
2 من الآية رقم "21" من سورة "الأحزاب".
867- من الطويل، قاله عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عم النبي -صلى
الله عليه سلم- من قصيدة قالها في مبارزته هو وحمزة، وعلى -رضي الله
عنهم- يوم بدر. والقصيدة كاملة في سيرة ابن هشام 527 "الروض الأنف 2/
112، المقاصد النحوية 45/ 188، 572، شواهد التوضيح 207".
868-869- بيتان من الرجز المسدس قال ياقوت في حاشية الصحاح، وتبعه
العيني 4/ 190 قائله العديل بن الفرخ -بضم الفاء وسكون الراء.
قال ابن قتيبة في كتاب الشعر والشعراء: العديل بن الفرخ لقبه العباب
-بفتح العين المهملة، وتشديد الموحدة الأولى- وهو من رهط أبي النجم
العجلي.
والضمير في أوعدني يعود للحجاج، وكان قد توعده "الخزانة 2/ 366".
الششنة: الغليظة الخشنة. المناسم: جمع منسم وهو طرف خف البعير، وأراد
الشاعر به طرف رجله وأسفلها.
(3/1282)
871- أو كان كبعض وعنيت به بدل الاشتمال
كقولي:
.......................... ... ... وإني باطني ذو وجل
أو كان بدل اشتمال كقولي:
.............لي1 ... بيتي................
فـ"بيتي" بدل اشتمال، والمبدل منه الياء من "لي"2.
ومثله قوله الشاعر:
870-
بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
فـ"مجدنا" بدل اشتمال، والمبدل منه فاعل "بلغنا".
__________
1 ع، ك، هـ "بي".
2 ع، ك، هـ "بي".
870- من الطويل قاله النابغة الجعدي من أبيات أنشدها رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- "الديوان 51، 73، والرواية في ص51. مجدنا وجدودنا.
وبعض هذه الأبيات وردت في زهر الآداب 2/ 19، مجموعة المعاني 87، الجمحي
35، أمالي المرتضى 1/ 87 الإصابة 3/ 508، الاستعياب 3/ 554، جمهرة
أشعار العرب 148.
(3/1283)
ومثله -أيضا-1 قول الآخر:
871-
ذريني إن أمرك لن يطاعا ... وما ألفيتني حلمي مضاعا
فـ"حلمي" بدل من ياء "ألفيتني".
وأجاز الأخفش، والكوفيون أن يبدل من ضمير الحاضر ظاهر لا توكيد فيه،
ولا تبعيض ولا اشتمال.
وعلى مذهبه ومذهبهم في ذلك جاء قول الشاعر:
872-
وشوهاء تعدو بي إلى صارخ الوغى ... بمستلئم مثل الفنيق المرحل
يريد بـ"مستلئم": متدرعا، ولا يعني إلا نفسه.
وعلى هذا حمل الأخفش "الذين" من قوله تعالى2.
__________
1 ع، ك، هـ سقط "أيضًا".
2 من الآية رقم "12" من سورة "الأنعام".
871- من الوافر قاله عدي بن زيد "الديوان 35"، ونسب في الكتاب إلى رجل
من بجلية 1/ 78، وتابع الأعلم هذه النسبة، ومحمد عبد الباقي في تحقيق
كتاب شواهد التوضيح للمصنف 207.
872- من الطويل قاله ذو الرمة "الديوان ص 605"، وروايته "مثل البعير"
فرس شوهاء: طويلة مشرقة، وهي صفة محمودة. تعدو: تجري. الوغى: الحرب،
المستلئم: لابس اللأمة، وهي الدرع الحصينة والمرد أنه يحمل سلاحه
الفنيق: الفحل الكريم.
(3/1284)
{لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} 1.
وأنشد الكوفيون:
873-
فلأحشأنك مشقصا ... أوسا أويس من الهبالة
وجعلوا "أوسا" بدلا من كاف "لأحشأنك"؛ لأن الذئب يقال له: أوس، وأويس.
وجعل البصريون "أوسا" مصدر آس أوسة بمعنى: عوضة.
ثم بينت أن المبدل من اسم استفهام لابد من اقترانه بهمزة الاستفهام
كقولي:
..............من أتى؟ أعامر أم معمر؟ ... وما له؟ أدرهم أم أكثر؟
__________
1 جعل الأخفش "الذين خسروا أنفسهم" بدلا من الكاف والميم، وهو ضمير
المخاطبين، ولا دليل قاطع في ذلك؛ لأنه يحتمل أن يكون "الذين خسروا
أنفسهم مبتدأ مستأنفا، وخبره "فهم لا يؤمنون".
873- من مجزوء الكامل من أبيات قالها الكميت بن زيد الأسدي "الديوان 3/
34"، ونسبها في اللسان إلى أسماء بن خارجة، والأبيات يصف فيها الشاعر
ذئبا طمع في ناقته وتسمى "هبالة"، ورأيت هذا البيت مع بيتين آخرين في
ديوان الفرزدق 2/ 607 مع قصتها أحشأنك: أدخل في أحشائك، المشقص السهم
العريض. أوسا: مصدر على رأي البصريين كما بينه المصنف بمعنى عوضا.
الهبالة: ناقة الشاعر.
(3/1285)
ومثله -أيضا: "كيف أصبحت؟ أفرحا أم ترحا"؟.
و"متى سفرك؟ أغدا أم بعده؟، و"كم مالك؟. أمائة أم مائتان"؟.
ثم أشرت بقولي:
وبدل كمستقل جعلا. ... .........................
إلى أن البدل هو الذي قص بما نسب إلى المبدل منه، وأن المبدل منه ذكر
توطئة له.
ومن أجل ذلك تكثر إعادة العامل مع البدل دون سائر التوابع، ومنه قوله
تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ
لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} 1.
وكذا قوله2 تعالى: {لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ
لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} 3.
فـ"لبيوتهم" بدل اشتمال من: "لمن يكفر".
و"لمن/ آمن" بدل بعض من "للذين استضعفوا".
ومع كون البدل كمستقل: عامله هو عامل المبدل منه عند سيبويه، وإن زعم
بعض الناس خلاف ذلك.
__________
1 من الآية رقم "75" من سورة "الأعراف".
2 في الأصل "وكذي".
3 "من الآية رقم "23" من سورة "الزخرف".
(3/1286)
من نصوص سيبويه الدالة على ما قلته قوله1:
"هذا باب من الفعل المستعمل في الاسم ثم يبدل مكان ذلك الاسم اسم آخر،
فيعمل فيه كما عمل في الأول.
وذلك قولك: رأيت قومك أكثرهم"، فصرح باتحاد عامل البدل، والمبدل منه.
ثم بينت أن الفعل قد يبدل من الفعل، فيشتركان في الإعراب كقوله تعالى:
{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ}
2. فـ"يضاعف" بدل من "يلق" ولذلك جزم.
ومثله قول الراجز:
874-
إن علي الله أن تبايعا
875-
تؤخذ كرها أو تجيء طائعا
فأبدل "تؤخذ" من "تبايع"، فاشتركا في النصب.
__________
1 كتاب سيبويه 1/ 75.
2 من الآية رقم "68" من سورة "الفرقان".
874-875- رجز من شواهد سيبويه المجهولة القائل "سيبويه 1/ 78، الخزانة
2/ 373، العيني 4/ 199، شرح عمدة الحافظ 106، شرح التسهيل 2/ 193.
(3/1287)
|