شرح شافية ابن الحاجب الرضي الأستراباذي قال: " ثُمَّ إِنْ كانَ قَلْبٌ في
المَوْزُونِ قُلِبَتِ الزِّنَةُ مِثْلَهُ كقولهم في ادر أَعْفُل،
وَيُعْرَفُ الْقَلْبُ بِأَصْلِهِ كَنَاءَ يَنَاءُ مَعَ النَّأْيِ،
وَبِأَمْثِلَةِ اشْتِقَاقِهِ كَالجَاهِ وَالحَادِي وَالقِسِيِّ،
وَبِصِحَّتِهِ كَأَيِسَ، وَبِقِلَّةِ اسْتِعْمَالِهِ كآرَامٍ وآدُرٍ،
وبأدَاءِ تَرْكِهِ إِلَى هَمْزَتَيْنِ عِنْدَ الْخَلِيلِ نَحْوَ جَاءٍ،
أَوْ إِلَى مَنْعِ الصرف بغير علة على الأصح نَحْوَ أَشْيَاءَ،
فَإِنَّها لَفْعَاءُ، وَقَالَ الْكِسَائيُّ: أفْعَالٌ، وَقَالَ
الْفَرَّاءُ: أَفْعَاءُ وَأَصْلُهَا أَفْعِلاَءُ، وَكَذِلِكَ الْحَذْفُ
كَقَوْلِكَ فِي قَاضٍ فَاعٍ، إِلاَّ أَنْ يُبَيَّنَ فيهما " أقول: يعنى
بالقلب تقديمَ بعض حروف الكلمة على بعض، وأكثرُ ما يتفق القلب في
المعتل والمهموز، وقد جاء في غيرهما قليلاً، نحو امْضَحَلَّ
واكْرَهَفَّ
في اضْمَحَلَّ واكْفَهَرَّ، (3) وأكثر ما يكون بتقديم الآخر على
مَتلُوِّهِ كَنَاءَ يَنَاءُ في نأى ينأى، وراء في رأى، وَلاعٍ وهاعٍ
وَشَوَاعٍ في لائع وهائع (4)
__________
(1) قال في اللسان: القهقر، والقهقر بتشديد الراء الحجر الاملس الاسود
الصلب، وكان أحمد بن يحى يقول وحده القهقار اه وأحمد هو ثعلب (2)
البلبال: شدة الهم، والوسواس في الصدر (3) اضمحل الشئ: ذهب، وامضحل في
لغة الكلابيين بمعناها، واكفهر الرجل: عبس وقطب وجهه، واكرهف بمعناها
(4) تقول: رجل هائع لائع: أي جبان ضعيف جزوع، وهو اسم فاعل من الاجوف
قلبت عينه ألفا ثم همزة كما في بائع وقائل، وقد قال أكثر العرب هاع لاع
(معربا بحركات ظاهره على آخر الكلمة وهو العين) فاختلف العلماء في
تخريجه فمنهم من ذهب إلى أنه على زنة فعل بكسر العين قلبت عينه ألفا
لتحركها إثر فتحة وقال آخرون: أصله هائع لائع، فحذفت العين ووزنه فال،
وقال بعض العرب هاع لاع (معربا إعراب قاض) فقال العلماء: أصله هايع
لاوع قدمت اللام على العين فصار هاعيا ولاعوا ثم أعلا إعلال قاض وغاز،
فالاعراب على هذا الوجه بفتحة ظاهرة وبضمة وكسرة مقدرتين، هذا، واعلم
أنه قد تتوارد هذه الاوجه (*)
(1/21)
وشوائع (1) والملهاة وأصلها الْمَاهَةُ (2)
، وَأَمْهَيْتُ الحديد (3) في أَمَهْتُهُ، ونحو جَاءٍ عند الخليل، وقد
يُقدَّمُ متلوُّ الآخر على العين نحو طَأمَنَ وأصله طَمْأنَ (4) لأنه
من الطُّمَأْنِينَة، ومنه اطْمَأَنَّ يطمئنُّ اطمئناناً، وقد تُقَدَّمُ
العين على الفاء كما في أَيِسَ وَجَاهٍ وأيْنُقٍ والآراء والآبار
والآدُرِ (5) ، وتقدم اللا على الفاء كما في أشياء على الأصح، وقد تؤخر
الفاء عن اللام كما في الحادي وأصله الواحد
__________
الثلاثة فيما ورد مجرورا بالكسرة، فأما المرفوع والمنصوب بالفتحة على
الحرف الصحيح فلا يجئ الا أحد
الوجهين، وإن كان على غير ذلك فهو على ما ذكر آخرا ليس غير (1) شوائع:
جمع شائعة، تقول: أخبار شائعة وشوائع إذا كانت منتشرة، وكذا تقول شاعية
وشواع بالقلب، وتقول: جاءت الخيل شوائع وشواعي: أي متفرقة (2) الماهة:
واحدة الماء، وهو الماء، قاله في اللسان، والمهاة - بفتح الميم -
الحجارة البيض التى تبرق، وهى البلورة التى تبص لشدة بياضها، وهى الدرة
أيضا، والمهاة - بضم الميم - ماء الفحل، وإذا استقرأت أمثلة القلب
المكانى علمت أنه لابد بين معنى اللفظ المقلوب والمقلوب عنه من
المناسبة لكن لا يلزم أن يكون هو نفسه، بل يجوز أن يكون مما شبه بمعنى
المقلوب عنه أو من بعض أفراده، قال ابن منظور: " المهو من السيوف:
الرقيق، وقيل: هو الكثير الفرند، وزنه فلع، مقلوب من لفظ ماه، قال ابن
جنى: وذلك لانه أدق حتى صار كالماء " اه (3) تقول: أمهيت الحديدة إذا
سقيتها الماء وأحددتها ورققتها وتقول: اماه الرجل السكين وغيرها إذا
سقاها الماء وذلك حين حين تسنها به، ومثل ذلك قولهم في حفر البئر أمهى
وأماه إذا انتهى إلى الماء (4) طأمن الرجل الرجل: إذا سكنه،
والطمأنينة: السكون، والذى ذهب إليه المؤلف من أن طأمن مقلوب عن طمأن
هو ما ذهب إليه أبو عمرو بن العلاء وسيبويه ذهب إلى أن طمأن مقلوب عن
طأمن، انظر اللسان فان فيه حجة الامامين وتفصيل المذهبين (5) الجاه:
المنزلة والقدر عند السطان: وأصله وجه قدمت العين فيه على الفاء ثم
حركت الواو، لان الكلمة لما لحقها القلب ضعفت فغبروها بتحريك ما كان
ساكنا (*)
(1/22)
قوله " بأصله " أي: بما اشْتُقَّ منه
الكلمة التي فيها القلب، فان مصدر ناء يناء النأز لا النئ قوله "
وبأمثلة اشتقاقه " أي: بالكلمات المشتقة مما اشْتُقَّ منه المقلوبُ،
فان توجه ووجه وَالْوَجَاهَةُ مشتقة من الوجه، كما أن الجاه مشتق منه،
وكذلك الواحد وَتَوَّحَد مشتقان من الْوَحْدَة كاشتقاق الحادي منها،
والأقواس وَتَقَوَّسَ مشتقان من الْقَوْس اشتقاقَ القِسِيّ منه، وهذا
منه عجيب، لم جعله قسما آخر وهو من الأول: أي مما يعرف بأصله؟ ! بل
الكلمات المشتقة من ذلك الاصل توكد كون الكلمات المذكورة مقلوبة قوله "
وبصحته كأيِس " حَقُّ العلامة أن تكون مطردةً، وليس صحة الكلمة نصا في
كونها مقلوبة، إذ قد تكون لاشياء أخر كما في حول وعور
__________
ثم قلبت الواو وألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وليس يلزم في القلب
اتحاد وزن المقلوب والمقلوب عنه، قاله في اللسان عن ابن جنى، وذهب بعض
الشراح إلى أن الواو لما أخرت عن الجيم أخرت وهى مفتوحة، وحركت الجيم
ضرورة أنها صارت مبتدأ بها، وكانت حركتها الفتحة للخفة أو لانها أصل
حركة الفاء في هذه الكلمة، وبعضهم يذهب إلى أن الواو انقلبت ألفا
لانفتاح ما قبلها وإن كانت هي ساكينة كما في طائى وياجل.
والذى ذكره المؤلف من أن أينقا مقلوب هو أحد مذهبين لسيبويه قال في
اللسان: قال ابن حبى ذهب سيبويه في قولهم أينق مذهبين أحدهما أن تكون
عين أينق قلبت إلى ما قبل الفاء فصارت في التقدير أونق ثم أبدلت الواو
ياء لانها كما أعلت بالقلب كذلك أعلت بالابدال أيضا، والاخر ان تكون
العين حذفت ثم عوضت الياء منها قبل الفاء فمثالها على هذا القول أيفل
وعلى القول الاول أعفل.
وأصل آراء وآبار ارآء وابآر بدليل مفردهما فقدمت العين فالتقى همزتان
في أول الكلمة وثانيتهما ساكنة فقلب الثانية وجوبا مدة من جنس حركة ما
قبلها، وأصل آدر أدور جمع دار، أبذلت الواو المضمومة ضمة لازمة همزة
جوازا، ثم قدمت العين على الفاء فقلبت ثانية الهمزتين ألفا (*)
(1/23)
وَاجْتَوَرُوا وَالْحَيَدَى، وكذا قلة
استعمال إحدى الكلمتين وكثرة استعمال الأخرى المناسبة لها لفظاً ومعنى
لا تدل على كون القليلة الاستعمال مقلوبةً، فإن رَجْلةً في جمع رَجُل
أقل استعمالاً من رِجَال وليست بمقلوبة منه، ولعل مراده أنها إذا كانت
الكلمتان بمعنى واحد ولا فرق بينهما إلا بقلب في حروفهما، فإن كانت
إحداهما صحيحة مع ثبوت العلة فيها دون الأخرى كأيِسَ مع يئس فالصحيحة
مقلوبة من الأخرى، وكذا إن كانت إحداهما أقل استعمالاً مع الفرض
المذكور من الأخرى، فالْقُلَّى مقلوبة من الكبرى، كآرام وآدر مع أَرْآم
وأَدؤر، مع أن هذا ينتقض بجذب وجبذ، فإن جذب أشهر مع أنهما أصلان (1)
على ما قالوا ويصح أن يقال: إن جميع ما ذكر من المقلوبات يُعْرَف
بأصله، فالجاه والحادي والقسيّ عرف قلبها بأصولها وهي الوجه والوحدة
والقوس، وكذا أيس يأيس باليأس، وآرام وآدر برِئْمٍ وَدَارٍ، فإن ثبت
لغتان بمعنًى يُتَوَهَّمُ فيهما القلب، ولكل واحدة منهما أصل كجذب
جَذْبَاً وجبذ جَبْذاً، لم يحكم بكون إحداهما مقلوبة من الأخرى، ولا
يلزم كون المقلوب قليل الاستعمال، بل قد يكون كثيراً كالحادي والجاه،
وقد يكون مَرْفُوض الأصل كالقِسِيِّ، فإن أصله - أعني القووس - غير
مستع؟ وليس شئ من القلب قياسياً إلا ما ادعى الخليل فيما أدى تك القلب
فيه إلى اجتماع الهمزتين كجاءٍ وسواءٍ (2) ، فإنه عنده قياسي
__________
(1) هذا الذى ذكره من أن جذب وجبذ أصلان هو ما ذهب إليه جمهرة المحققين
من النحاة وذهب أبو عبيد وابن سيده في المحكم على ما قاله اللسان (في
مادة جذب) إلى أن جبذ مقلوبة عن جذب ونقل في اللسان عن ابن سيده (في
مادة جبذ) مثل قول الجمهور (2) جمع سائية، وهى مؤنث ساء، وهو اسم فاعل
من قولهم ساءه سوءا وسواه
وسواءة وسواية وسوائية ومساءة ومسائية على القلب، فعل به ما يكره (*)
(1/24)
قوله " وبأداء تركه إلى همزتين عند الخليل
كجاءٍ " أي: أن الخليل يعرف القلب بهذا ويحكم به، وهو أن يؤدي تركه إلى
اجتماع همزتين، وسيبويه لا يحكم به وإن أدى تركه إلى هذا، وذلك في اسم
الفاعل من الأجوف المهموز اللام نحو ساءٍ وجاءٍ، وفي جمعه على فواعل
نحو جَوَاءٍ وَسَواءٍ جَمْعَيْ جائية وسائية وفي الجمع الأقصى لمفردٍ
لامه همزة قبلها حرف مد كخطايا في جمع خطيئة، وليس ما ذهب إليه الخليل
بمتين، وذلك لانه إنما يحتزر عن مكروه إذا خيف ثباته وبقاؤه، أما إذا
أدى الأمر إلى مكروه وهناك سبب لزواله فلا يجب الاحتراز من الأداء
إليه، كما أن نقل حركة واو نحو مَقُوُول إلى ما قبلها وإن كان مؤدياً
إلى اجتماع الساكنين لم يجتنب لَمَّا كان هناك سبب مُزيل له، وهو حذف
أولهما، وكذا في مسئلتنا قياسٌ موجب لزوال اجتماع الهمزتين، وهو قلب
ثانيتهما في مثله حرف لين كما هو مذهب سيبويه، وإنما دعا الخليل إلى
ارتكاب وجوب القلب في مثله أداء ترك القلب إلى إعلالين كما هو مذهب
سيبويه، وكثرةُ القلب في الأجوف الصحيح اللام، نحو شاكٍ وشواع في شائك
وشوائع، لئلا يهمز ما ليس أصله الهمز والهمز مستثقل عندهم كما يجئ في
باب تخفيف الهمزة، ويحذفه بعضهم فيما ذكرت حَذَراً من ذلك، فيقول: رجلٌ
هاعٌ لاعٌ بضم العين، فلما رأى فِرَارَهم من الأداء إلى همزة في بعض
المواضع أوجب الفرار مما يؤدي إلى همزتين، وأما سيبويه فإنه يقلب
الأولى همزة كما هو قياس الأجوف الصحيح اللام نحو قائل وبائع، ثم يقلب
الهمزة الثانية ياءً لاجتماع همزتين ثانيهما لام كما سيجئ تحقيقه في
باب تخفيف الهمزة، فيتخلص مما يجتنبه الخليل مع عدم ارتكاب القلب الذي
هو خلاف الأصل، وقد نقل سيبويه عن الخليل مثل ذلك أيضاً، وذلك أنه حكى
عنه أنه إذا
اجتمعت همزتان في كلمة واحدة اختير تخفيفُ الأخيرة نحو جاءٍ وآدم، فقد
حكم على ما ترى بانقلاب ياء الجائي عن الهمزة، وهو عين مذهب سيبويه
(1/25)
فإن قيل: لو كانت الثانية منقبلة عن الهمزة
لم تُعَلَّ بحذف حرَكتها كما في داريٍ (1) ومستَهْزِيُون فالجواب أن
حُكْمَ حروف اللين المنقلبةِ عن الهمزة انقلاباً لازماً حُكْمُ حروف
اللين الأصلية التي ليست بمنقلبة عن الهمزة، وإن كان الانقلاب غير لازم
كما في داريٍ (2) ومستهزيين، وَيُرْوى عن حمزة مُسْتَهْزون، وعليه قوله
(3) : 2 - جرئ متَى يُظْلَمْ يُعَاقِبُ بِظُلْمِهِ * سَرِيعاً وَإلا
يُبْدَ بِالظُّلْمِ يَظْلِمِ (4) فحذف الألف للجزم، وكذا قالوا
مَخْبِيٌّ في مَخْبُوٌّ مخفف مَخْبُوءٍ بالهمزة كما يجئ في باب
الإعلال، وبعضهم يقول في تخفيف رُؤْيَة ورُؤيا: رُيَّة ورُيَّا
بالإدغام كما يجئ في باب الاعلال
__________
(1) مذهب سيبويه في جاء أن أصله جايئ فقلبت الياء ألفاً ثم قلبت الألف
همزة فصار جائتا ثم قلبت الهمزة الثانية ياء لكونها ثانية همزتين في
الطرف أولاهما مكسورة على ما سيأتي في تخفيف الهمزة ثم أعطيت الكلمة
حكم قاض ونحوه من حذف الياء إذا كان منونا غير منصوب وبقائها فيما عدا
ذلك، فالشارح يعترض على الاعلال بالحذف بأنه لو صح أن الياء منقلبة عن
الهمزة الثانية وليست هي العين أخرت إلى موضع اللام لكان يجب لها
البقاء كما بقيت الياء المنقلبة عن الهمزة في دارى وأصله دارئ وفى
مستهزيين وأصله مستهزئون خففت الهمزة فيهما بقلبها عن جنس حركة ما
قبلها.
(2) دارئ: اسم فاعل من قولك درأه إذا دفعه وتقول: ناقة دارئ مغدة،
ومستهزئ منه وبه أي سخر.
(3) هو زهير ابن أبى سلمى المزني، والبيت ن معلقته يمدح به حصين ابن
ضمضم (4) يريد أنه شجاع متى ظلمه أحد عاقب الظالم بظلمه سريعا وأنه مع
ذلك عزيز النفس إن لم يبدأه أحد بالظلم بدأ هو بالظلم (*)
(1/26)
فان قيل: فإذا كان قلب ثانية همزتي نحو
أئمة واجبا فهلا قلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها قلت: إذا
تحركت الواو والياء فاين وانفتح ما قبلهما لم تقلبا ألفا وإن كانت
أصليتين كما في أوَدُّ (1) وَأَيَلُّ، بل إنما تقلبان عينين أو لامين،
كما يجئ في باب الإعلال إن شاء الله تعالى، وقال المصنف: إنما لم
تُقْلب ياء أيمة ألفاً لعروض الحركة عليها كما في " اخْشَي الله " "
وَلَوَ انَّهُمْ " ولقائل أن يقول: الحركة العارضة في أيمة لازمة بخلاف
الكسرة في " اخْشَي الله "، ولو لم يُعْتَدَّ بتلك العارضة لم تنقلب
الهمزة الثانية ياء، فإنها إنما قلبت ياء للكسرة، لا لشئ آخر، هذا،
وإنما قدم الادغام في أيمة وإوَزَّةٍ على إعلال الهمزة بقلبها ألفاً
وإعلال الواو بقلبها ياء للكسرة التي قبلهار لأن المثلين في آخر الكلمة
وآخرُها أثقل طرفيها إذ الكلمة يتدرج ثقلها بتزايد حروفا، واللائقُ
بالحكمة الابتداء بتخفيف الأثقل، ألا ترى إلى قلب لام نَوَى أوَّلاً
دون عينه، فلما أدغم أحد المثلين في الآخر في أيمة وإوَزَّة - ومن شرط
إدغام الحرف الساكن ما قبله نَقْلُ حركته إليه - تحركت الهمزة والواو
الساكنتان فزالت علة قلب الهمزة ألِفاً والواو ياء، وإنما حكم في
إوَزَّةٍ بأنها إفْعَلَةَ لا إفعلة لوجود الوزن الاول كاصبع دون
الثاني،
__________
(1) أود إن كانت واوه مفتوحة فهو إما مضارع وددته وإما أفعل تفضيل منه،
وإن كانت الواو مضمومة فهو جمع قلة لود (مثلث الواو) على وزن أفعل
وأصله أودد فنقلت حركة أول المثلين إلى الساكن قبله ثم أدغم، وأنل؟ -
بفتح
الهمزة والياء - يحتمل أن يكون مضارع يللت إذا قصرت أسناني أو انعطفت
إلى داخل الفم، وبابه فرح، ويحتمل أيضا أن يكون صفة مشبهة من ذلك،
والانثى يلاء (*)
(1/27)
ولا يجوز أن يكون فعلة كهجف (1) لقولهم
وَزٌّ (2) ، وأما ترك قلب عين نحو نَوَى بعد قلب اللام فلما يجئ في باب
الإعلال (3) فإن قيل: إذا كان المد الجائز انقلابه عن الهمزة حكمه حكم
الهمزة فلم وجب الادغام في بَريَّة وَمَقْرُوَّة (4) بعد القلب؟
وهَلاَّ كان مثل ريبا (5) غير مدغم، مع أن تخفيف الهمزة في الموضعين
غير لازم؟ ؟ قلت: الفرق بينهما أن قلب الهمزة في بَرِيَّة ومقروة لفصد
الإدغام فقط حتى تخفف الكلمة بالإدغام، ولا مقتضى له غير قصد الإدغام،
فلو قلبت بلا إدغام لكان نقضاً للغرض، وليس قلب همزة رِئْياً كذلك، لأن
مقتضيه كسر ما قبلها كما في بئر، إلا أنه اتفق هناك كون ياء بعدها قوله
" أو إلى منع الصرف بغير علة على الأصح " أي: يعرف القلب على الأصح
بأداء تركه إلى منع صرف الاسم من غير علة، ودعوى القلب بسبب أداء تركه
__________
(1) الهجف - بكسر ففتح فسكون - الظلم (الذكر من النعام) المسن، أو
الجافي الثقيل ومن الادميين، وهو أيضا الجائع (2) الاوزة: البطة، واحدة
الاوز، وقد قالوا فيها: وزة، وقالوا في اسم الجنس أيضا: وز، فكان سقوط
الهمزة في بعض صور الكلمة دليلا على أن هذه الهمزة حرف زائد (3) الذى
يجئ في باب الاعلال هو أن شرط إعلال العين بقلبها ألفا ألا تكون اللام
حرف علة، سواء أعلت اللام كما في نوى أم لم تعل (4) برية: أصلها بريئة،
فعيلة بمعنى مفعولة، من قولهم: برأ الله الخلق: أي أنشأه
وأوجده، خففت الهمزة بابدالها ياء ثم أدغمت الياء في الياء.
ومقروة: أصله مقروءة اسم مفعول من قرأ ففعل به ما فعل بسابقه (5) ربيا:
أصله رئيا، خففت الهمزة بأبدالها من جنس حركة ما قبلها، والرئى: المنظر
الحسن (*)
(1/28)
إلى هذا مَذْهَبُ سيبويه، فأما الكسائي
فإنه لايعرف القلب بهذا الأداء، بل يقول: أشياء أفعال، وليس بمقلوب،
وَإن أدى إلى منع الصرف من غير علة، ويقول: امتناعه من الصرف شاذ، ولم
يكن ينبغي للمصنف هذا الإطلاق، فإن القلب عند سيبويه عرف في أشياء
بأداء الأمر لولا القلب إلى منع الصرف بلا علة، كما هو مذهب الكسائي،
أو إلى حذف الهمزة حذفاً غير قياسي، كما هو مذهب الأخفش والفراء، فهو
معلوم بأداء الأمر إلى أحد المحذورين لا على التعيين، لا بالأداء إلى
منع الصرف مُعَيَّناً ثم نقول: أشياء عند الخليل وسيبويه اسم جمع لا
جمع، كالقصباء والغضباء وَالطَّرْفَاء، في القَصَبة والْغَضَا
والطَّرَفة (1) وأصلها شيئا، قُدِّمت اللام على الفاء كراهة اجتماع
همزتين بينهما حاجز غير حصين - أي الألف - مع كثرة استعمال هذه اللفظة،
فصار لَفْعَاء، وقال الكسائي: هو جمع شئ، كبَيْتٍ وأَبْيَاتٍ، مُنِعَ
صرفه تَوَهُّماً أنه كحمراء، مع أنه كأبناء وأسماء، كما تُوُهِّمَ في
مَسِيل (2) - وميمه زائدةٌ - أنها أصلية فجمع على مُسْلاَن كما جمع
قَفِيزٌ على قُفْزان وحقه مَسَايل وكما تُوُهِّمَ في مُصيبةٍ
ومَعِيشَةٍ أن ياءهما زائدة كياء قبيلة فهمزت في الجمع فقيل: مصائب
اتفاقاً، ومعائش عن بعضهم، والقياس مصاوب ومعايش، وكما توهم في مِنْديل
وَمِسْكِين وَمِدْرَعَة (3) ، وهو من تركيب نَدَلَ (4) ودَرَعَ
وسَكَنَ، أصالَةُ ميمها فقيل: تمَنْدَلَ وَتَمَسْكَنَ وَتَمَدْرَعَ اه.
__________
(1) القصباء: القصب وهو معروف، والغضباء: منبت الغضا، وواحدة غضا أيضا،
والغضا: الشجر الذى ينبت في هذا المكان واحدته غضاة، والطرفاء: اسم جنر
للطرفة (2) المسيل: أصله اسم مكان من سال يسيل، ومسيل الماء: مجراه (3)
المدرعة - كمكنسة - الثوب من الصوف (4) ندل الشى: نقله، وندل الخبز:
أخذه بيده، والمنديل: الخرقة التى يمسح بها (*)
(1/29)
وما ذهب إليه بعيد، لأن منع الصرف بلا سبب
غير موجود، والحمل على التوهم - ما وُجِدَ مَحْمِلٌ صحيح - بعيدٌ من
الحكمة.
(1) وقال الاخفش والفراء: أصله أشيئا جمع شئ وأصله شئ نحوبين
وأبْيِناء، وهو ضعيف من وجوه: أحدها: أن حذف الهمزة في أشياء إذن على
غير قياس، والثاني.
أن شَيْئاً لو كان في الأصل شَيِّئًا لكان الأصلُ أكثر استعمالاً من
المخفف، قياساً على أخواته، فإن بَيِّنًا وسَيِّداً وَمَيِّتاً أكثر من
بَيْنٍ وسَيْدٍ ومَيْت، ولم يسمع شى، فضلاً عن أن يكون أكثر استعمالاً
من شئ.
والثالث: أنك تصغر أَشْيَاء على أَشْيَّاء، ولو كان أَفْعِلاء (وهو)
جَمْع كثرة وجب رده في التصغير إلى الواحد.
وجمعه على أشْياوَاتٍ مما يُقَوِّي مذهب سيبويه، لأن فعلاء الاسمية
تجمع على فَعْلاوات مطرداً نحو صَحراء على صَحْراوات، وجمع الجمع
بالألف والتاء كَرِجَالات وبُيُوتات غير قياس.
__________
قال في اللسان: قيل هو من الندل الذى هو الوسخ، وقيل: إنما اشتقاقه من
الندل الذى هو التناول، وقوله (ودرع) الذى عثرنا عليه أن الدرع ثوب من
ثياب النساء
والدرع الحديد، وتقول: درعته بالتضعيف أي ألبسته الدرع، ودرعت المرأة
بالتضعيف كذلك: أي ألبستها قميصها، فتدرع وادرع أي لبسها، ولم نعثر على
فعل ثلاثى مجرد من هذا المعنى (1) قال في القاموس: وأما الكسائز فيرى
أنها (يريد أشياء) أفعال كفرخ وأفراخ، ترك صرفها لكثرة الاستعمال، شبهت
بفعلاء في كونها جمعت على أشياوات فصارت كخضراء وخضراوات، وحينئذ لا
يلزمه ألا يصرف ابناء وأسماء كما زعم الجوهرى لانهم لم يجمعوا أسماء
وأبناء بالالف والتاء (*)
(1/30)
ويضعف قول الأخفش والكسائي قولهم: أَشَايا،
وأشَاوَى، في جمع أشياء، كَصَحَارى في جمع صحراء، فإن أفْعِلاَء
وأفعالا لا يُجْمَعَان على فَعَالى، والأصل هو الأشايا (1) وقلبت الياء
في الأشَاوى واواً على غير قياس، كما قيل: جبيته جِبَايَةً وجبَاوة.
وقال سيبويه: أشَاوَى جمع إشَاوَة في التقدير، فيكون إذن مثل إدَاوَة
(2) وأداوَى كَأَنه بنى من شئ شِيَاءَةً ثم قدمت اللام إلى موضع الفاء
وأخرت العين إلى موضع اللام فصار إشاية، ثم قلبت الياء واوا على غير
قياس كما في جِبَاوَة، ثم جمع على أَشاوَى كإدَاوَة وأَدَاوَى.
وأقرب طريقاً من هذا أن نقول: جَمِع أشياء على أشايا، ثم قُلِبَتْ
الياء واوا على غير القياس قوله " وكذلك الحذف " عطف على قوله " إن كان
في الموزون قلب قلبت الزنة مثلة " يعني وإن كان في الموزون حذف حذف في
الزنة مثله، فيقال: قاض على وزن فَاعٍ، بحذف اللام.
قوله " إلا أن يُبيَّن فيهما " أي: يبين الأصل في المقلوب والمحذوف،
يعنى
__________
(1) أصل أشايا الذى هو جمع أشياء أشايى.
، فقلبت الياء همزة (على رأى سيبويه وجمهور البصريين) فصار أشائئ
بهمزتين، فقلبت الثانية ياء، ثم قلب كسرة
أولى الهمزتين فتحة، ثم قلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها
حينئذ، فاجتمع شبه ثلاث ألفات فكان لابد من قلب الهمزة، فقلبت ياء
لامرين: الاول: أن الياء أخف من الواو، الثاني: أنها أقرب مخرجا منها
إلى الهمزة، فلا جرم أن الياء قد غلبت الواو في هذا الباب كثيرا، وإذا
عرفت هذا كان من السهل أن تدرك أن قلب الياء ولوا بعد ذلك غير القياس
(2) الاداوة - بكسر الهمزة - المطهرة، وهى إناء من جلد يتخذ للماء (*)
(1/31)
|