شرح شافية ابن الحاجب الرضي الأستراباذي قوله " فتحاً وضماً " يعني بهما
الْمَقْبُرة، دون المِظنَّة، فإنه لم يأت فيها إلا الكسر، وإنما كان
الفتح في المقبة شاذاً لكونها بالتاء، والْمَفْعَل في المكان والزمان
والمصدر قياسه التجرد عن التاء قوله " وما عداه فعلى لفظ المفعول "
يعني ماعد الثلاثي المجرد، وهو ذو الزيادة والرباعي، فالمصدر بالميم
منه والمكان والزمان على وزن مفعوله، قياساً لا ينكسر، كَالْمَخْرَج
والْمُسْتَخْرَج والْمُقَاتَل والْمُدَحْرَج والْمُتَدَحْرَج
وَالْمُحْرَنْجَم يحتمل كل منها أربعة معان قال: " الآلَةُ عَلَى
مِفْعَلٍ وَمِفْعَالٍ وَمِفْعَلَةٍ، كَالْمِحْلَبِ وَالْمِفْتَاحِ
وَالْمِكْسَحَةِ، وَنَحْوُ الْمَسْعُطِ وَالْمُنْخُلِ وَالْمُدُقِّ
وَالْمُدْهُنِ وَالْمُكْحُلَةِ وَالْمُحْرُضَةِ لِيْسَ بِقِياس ".
أقول: اعلم أن الْمِحْلََبَ ليس موضع الحلب، لأن موضعه هو المكان الي
يَقعد فيه الحالب للحَلْب، بل هو آلة يحصل بها الحلب، وكذا المسرجة -
بكسر الميم - كما قال سيبويه قوله " ونحو المسعط والمنخل " هذا لفظ جار
الله، وهو موهم أنه جاء من هذا النوع غير الألفاظ المذكورة أيضاً، وقال
سيبويه: جاء خمسة أحرف بضم
(1/186)
الميم: المُكْحُلَة، والْمُسْعُط،
وَالْمُنْخُل، والْمُدُقّ، والمدهن، هذر كلامه، وجاء المُنْصًل (1)
أيضاً، لكنه ليس بآلة النصل، بل هو بمعنى النصل، وأما المُحْرُضة
فذكرها الزمخشري، وفي الصحاح الْمِحْرَضَة بكسر الميم وفتح الراء، وكذا
قال ابن يعيش: لا أعرف الضم (2) فيها، قال سيبويه في الأحرف الخمسة: هي
مثل المُغْفور والمُغْثُور، وهما ضرب من الصمغ، والْمُغْرود: ضرب من
الكمأة، والمُغْلُوق: المغلاق، أربعة أحرف جاءت على مُفْعُول، لا نظير
لها في كلام العرب، وقال سيبويه في المكحلة وأخواتها: لم يذهبوا بها
مذهب الفعل، ولكنها جعلت أسماء لهذه الأوعية، يعني أن المكحلة ليست لكل
ما يكون فيه الكحل، ولكنها اختصت بالآلة المخصوصة، وكذا أخواتها، فلم
تكن مثل المِكْسَحَة والمِصْفَاة، فجاز تغييرها عما عليه قياس بناء
الآلة كما قلنا في المسجد وأخواته، والْمُسْعُط: ما يسعط به الصبي أو
غيره، أي يجعل به السعوط في أنفه، والمُدُق: ما يدق به الشئ كفِهْرِ
العطار، والمدهن: ما يجعل فيه الدهن من زجاج ونحوه، ولو قيل إن
الْمُكْحُلَة وَالمُدْهُن موضعان
__________
(1) المنصل - بضم الميم، وصاده مضمومة أو مفتوحة - السيف.
قال ابن سيده: لا نعلم اسما اشترك فيه هذان الوزنان إلا المنصل والمنخل
" اه بمعناه.
والنصل: حديدة السيف والرمح والسهم والسكين ما لم يكن لها مقبض، فان
كان معها مقبض فهي سيف أو رمح أو سهم أو سكين (2) الذي ذكر صاحب
القاموس وصاحب اللسان الْمِحْرَضَة - بكسر الميم وفتح الراء - كما نقل
المؤلف عن الصحاح، وقالا: هي وعاء الحرض.
والحرض كقفل وكعنق -: الاشنان وهو شجر يؤخذ ورقه رطبا ثم يحرق ويرش
الماء على رماده فينعقد، ثم تغسل به الايدى والثياب، ولا يزال مستعملا
في جزيرة العرب إلى يوم الناس هذا.
وقرئ في قوله تعالى (حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين) بفتحتين
وبضمتين وبضم فسكون (*)
(1/187)
للكحل والدهن، ولم يبنيا على مَفْعِلٍ كما
هو بناء المواضع لانهما ليس موضعين لما يفعل فيه الشئ كَالْمَقْتَلِ
حتى يبنيا على الفعل، بل هما موضعان لاسم جامد، لم يبعد، فإذا جعلا
آلتين فهما بمعنى آلة الحل والدَّهن - بفتح الكاف
والدال - كالمِثْقَبِ لآلة الثقب، والمِحْرَضَة: وعاء الحُرْض: أي
الأشنان، والظاهر أن مَضْرِبة السيف آلة الضرب، لا موضعه، غُيِّرَت عما
هو قياس بناء الآلة لكونها غير مذهوب بها مذهب الفعل وجاء الْفِعَالُ
أيضاً للالة، كالخياط والنظام واعلم أن الشئ إذا كثر بالمكان وكان اسمه
جامداً فالباب فيه مَفْعَلة بفتح العين، كالْمَأْسَدَة وَالْمَسْبَعَةِ
والْمَذْأبة: أي الموضع الكثير الأُسْد والسباع والذئاب، وهو مع كثرته
ليس بقياس مطرد، فلا يقال مَضْبَعة وَمَقْرَدَة، ولم يأتوا بمثل هذا في
الرباعي فما فوقه، نحو الضِّفْدَع والثعلب، بل استغنوا بقوله: كثير
الثعالب، أو تقول: مكان مُثَعْلِب وَمُعَقْرِب وَمُضَفْدَع وَمُطَحْلِب
بكسر اللام الأولى على أنها اسم فاعل، قال (لبيد) : - 29 - يَمَّمَنَ
أَعْدَاداً يلبنى أوْ أَجَا * مُضْفْدِعَاتٍ كُلُّها مُطَحْلِبَهْ (1)
__________
(1) البيت للبيد بن ربيعة العامري، كما ثبت في بعض نسخ الاصل.
وقد أنشد الجوهري والصاغاني في العباب هذا البيت لما ذكره المؤلف.
ويممن: قصدن والاعداد - بفتح الهمزة -: جمع عد بكسر العين مثل حمل
وأحمال وقدح وأقداح ووتر وأوتار، والعد: الماء الذي له مادَّة لا تنقطع
كماء العين وماء البئر، ولبنى - بضم فسكون -: اسم جبل، وأجا بوزن عصا
في هذا البيت، والاكثرون يهمزونه مثل خطأ، وهو أحد جبلى طئ، ومضفدعات:
كثيرة الضفادع، وهي صفة لاعداد، ومطحلبة: كثيرة الطحلب.
وتقول: ضفدع الماء وطحلب، إذا كثرت ضفادعه وطحالبه، مثل قولك: زجست
الدواء، وفلفلت الطعام وعبهرته، وزعفرت الثوب، وعندمت الفتاة أناملها،
ونحو ذلك من كل فعل تأخذه على مثال دحرج من اسم جنس رباعى الاصول أو
منزل منزلته (*)
(1/188)
|