شرح شافية ابن الحاجب الرضي الأستراباذي

ولو كانوا يقولون من الرباعي على قياس الثلاثي لقالوا مُثَعْلَبَة وَمُعَقْرَبَة على وزن المفعول، لأن نظير المَفْعَلَ فيما جاوز الثلاثة على وزن مفعوله، نحو مُدَحْرَج وَمُقَاتل وَمُمَزَّق، كما ذكرنا في المكان والزمان والمصدر، ولم يسمع مُثَعْلَبَة وَمُعَقْرَبَة بفتح اللام، فلا تظن أن معنى قول سيبويه " فقالوا على ذلك أرض مُثَعْلَبَة وَمُعَقْرَبَة " أن ذلك مما سمع، بل معنى كلامه أنهم لو استعملوا من الرباعي لقالوا كذا، قال: ومن قال ثعالة قال مَثْعَلة، لأن ثعالة من الثلاثي، قال الجوهري: وجاء مَعْقَرَة بحذف الباء: أي كثيرة العقارب، وهو شاذ (1) قال: " الْمُصَغَّرُ الْمَزِيدُ فيهِ لِيَدُلَّ عَلَى تَقْلِيلٍ، فَالْمُتَمَكِّنُ يُضَمُّ أَولُهُ وَيُفْتَحُ ثَانِيهِ وَبَعْدَهُما يَاءٌ سَاكِنَةٌ، وَيُكْسَرُ مَا بَعْدَهَا في الأَرْبَعَة إلاَّ فِي تَاءِ التَّأْنِيثِ وأَلِفَيْهِ وَالأَْلف والنُّونِ المُشَبَّهَتَيْنِ بِهِما وِأَلِفِ أفعال جمعا "
__________
(1) لم يذكر المؤلف ولا صاحب الاصل تعريف اسم الالة، وسكتا عن بيان الفعل الذي يؤخذ منه، وعبارة سيبويه في تعريفه اسم الالة: أنه ما يعالج به، وعبارة المفصل وشرحه: اسم ما يعالح به وينقل، واما أنه يؤخذ من أي الافعال فانا رأينا العرب قد استعمل أسماء آلات من أفعال ثلاثية متعدية مثل المكسحة والمكنسة والمفتاح كالميضئة والمطهرة والمصفاة، ووجدنا بعض أسماء الالات مأخوذا على هذا القياس وليس له أفعال ثلاثية مجردة من معناها، من ذلك المصباح فانالم نجد له فعلا ثلاثيا من معناه، بل المستعمل منه استصبح أي أشعل السراج، ومن ذلك المسرجة فان فعلها أسرج، ووجدناهم قد أخذوا بعض أسماء الالات من أسماء الاجناس، ومن ذل لمخدة، فانهم أخذوها من الخد، والملحفة، فأنهم أخذوها من اللحاف، وجدنا كل ذلك في كلام العرب ولكنا نرى الا يؤخذ اسم الالة من اسم جنس حتى يكون قد استعمل منه فعل، فأما من الافعال فيؤخذ من الثلاثي اللازم والمتعدي على إحدى هذه
الصيغ التي ذكرها المؤلف والله أعلم (*)

(1/189)


أقول: يعني المصغر ما زيد فيه شئ حتى يدل على تقليل، فيشمل المهمات كذيَّاكَ واللَّذَيَّا وغيرهما، والتقليل يشمل تقليل العدد كقولك: " عندي دُرَيْهِمَات " أي أعدادها قليلة، وتقليل ذات المصغر بالتحقير حتى لا يتوهم عظيماً نحو كُلَيْب وَرُجَيْل، ومن مجاز تقليل الذات التصغيرُ المفيد للشفقة والتلطف كقولك يا بُنَيَّ وَيا أُخَيَ، وأنت صُدَيِّقي، وذلك لأن الصِّغَار يشفق عليهم ويتلطف بهم، فكني بالتصغير عن عزة المصغر على من أُضيف إليه، ومن ذلك التصغير المفيد للملاحة كقولك هو لطيف مليح ومه قوله: - 3 - يا ما أميلح غزلا ناشدن لَنَا * (1) (مِنْ هؤُلَيَّائِكنَّ الضَّالِ وَالسَّمُرِ) وذلك لأن الصغار في الأغلب لطاف ملاح، فإذا كبرت غَلُظَت وَجَهُمَت، ومن تقليل ذات المصغر تصغير قبل وبعد في نحو قولك خروجي قُبَيْل قيامك، أو بُعَيْده، لأن القبل هو الزمان المتقدم على الشئ، والبعد هو الزمان المتأخر عنه، فمعنى قبيل قيامك أي في زمان متقدم على قيامك صغير المقدار، والمراد أن الزمان الذي أوله مقترن بأخذي في الخروج وآخره متصل بأخذك في القيام صغير المقدار، ومنه تصغير الجهات الست كقولك: دُوَيْن النهر، وفُوَيْق الأرض، على ما ذكرنا من التأويل في قبيل وبعيد، والغرض من تصغير مثل هذا الزمان والمكان
__________
(1) هذا البيت قد اختلف في نسبته إلى قائله فنسبه قوم إلى العرجى ونسبه جماعة إلى بدوى سموه كاملا الثقفى ونسبه قوم إلى الحسين بن عبد الرحمن العريني وأميلح: تصغير أملح، وهو فعل تعجب من الملاحة وهي البهجة وحسن المنظر، والفعل ككرم، والغزلان جمع غزال.
وشدن بتشديد النون: فعل ماض مسند إلى نون النسوة وتقول: شدن الغزال يشدن شدونا مثل خرج يخرج خروجا، إذا
قوي وطلع قرْنَاه واستغنى عن أمه.
وهؤلياء: تصغير هؤلاء.
والضال: جمع ضالة وهو السدر البري (والسِّدر شجر النبق) .
والسَّمُر - بفتح فضم - جمع سَمُرة، وهي شجرة الطلح وسقط من الاصل الشطر الثاني من البيت (*)

(1/190)


قرب ظروفهما مما أضيفا إليه من ذلك الجانب الذي أفاده الظرفان، فمعي خروجي قُبَيل قيامك قرب الخروج من القيام من جانب القبلية، وكذا ما يماثله وقيل: يجئ التصغير للتغظيم، فيكون من باب الكناية، يكنى بالصغر عن بلوغ الغاية في العظم، لان الشئ إذا جاوز حده جانس ضده، وقريب منه قول الشاعر: - 31 - دَاهِيَةٌ قَدْ صُغِّرَتْ مِنَ الْكِبَرْ * صِلُّ صَفاً مَا تَنْطَوِي مَنَ الْقِصَرْ (1) واستدل لمجئ التصغير للإشارة إلى معنى التعظيم بقوله: - 32 - وَكُلُّ أُنَاسٍ سَوْفَ تدْخُلُ بينهم * دويهية تصفر منها الأَْنَامِلُ (2) ورُدَّ بأن تصغيرها على حسب احتقار الناس لها وتهاونهم بها، إذ المراد بها الموت: أي يجيئهم ما يحتقرونه مع أنه عظيم في نفسه تصفر منه الأنامل، واستدل أيضا بقوله:
__________
(1) لم نعثر لهذا البيت على نسبة إلى قائل معين، ولم يشرحه البغدادي.
والداهية: المصيبة من مصائب الدهر، وأصل اشتقاقها من الدهى - بفتح فسكون.
وهو النكر، وذلك لان كل أحد ينكرها.
والصل: الحية التي تقتل إذا نهشت من ساعتها، والصفا: الصخرة الملساء، ويقال للحية: إنها لصل صفا، وإنها لصل صفى (كدلى) ، أذا كانت منكرة، وهو يريد بهذا أنها ضخمة (2) هذا البيت لبى بن ربيعة العامري.
وقوله دويهية هو تصغير داهية، ويروى في مكانه خويخية وهو مصغر خوخة - بفتح فسكون - وهى الباب الصغير
أي أنه سينفتح عليهم باب يدخل إليهم منه الشر، والمراد بالانامل الاظفار وصفرتها تكون بعد الموت.
والشاهد في هذا البيت قوله دويهية فقد حقق المؤلف أن تصغيرها للتحقير وحكى أنه قيل إن تصغيرها للاشارة إلى التعظيم (*)

(1/191)


33 - فويق جبيل شاهق الرأس لم تكن * لبتلغه حتى تكلل وَتَعْمَلاَ (1) ورد بتجويز كون المراد دقة الجبل وإن كان طويلاً، وإذا كان كذا فهو أشد لصعوده واعلم أنه قصدوا بالتصغير والنسبة الاختصار كما في التثنية والجمع وغير ذلك، إذ قولهم رُجَيْل أخف من رجل صغير، وكوفي أخصر من منسوب إلى الكوفة، وفيهما معنى الصفة كما ترى، لكن المنسوب يعلم رفعاً بخلاف المصغر، لما مر في شرح (2) الكافية، ولما كان استعمال الجمع في كلامهم أكثر من استعمال
__________
(1) هذا البيت من قصيدة لأوس بن حَجَر في وصف قوس: نصف امتناع منبتها وتجشمه الاهوال إليها، والقواسون يطلبون العيدان العتاق من منابتها حيث كانت في السهول والحزون ويستدلون عليها من الرِّعاء وقناص الوعول ويجعلون فيها الجعائل وربما أبصر والشجرة منها بحيث لا يستطيعها راق فيتدلون عليها بالحبائل في المهاوي والمهالك.
وفويق: تصغير فوق.
وجبيل: تصغير جبل.
وتكل تتعب وتعيى، وبابه ضرب.
وتعمل: أراد تجتهد في العمل (2) قال المؤلف في شرح الكفاية (ج 2 ص 169) : " والوصف الذي يجمع بالواو والنون اسم الفاعل واسم المفعول وأبنية المبالغة، إلا ما يستثنى، والصفة المشبهة والمنسوب والمصغر نحو رجيلون، إلا أن المصغر مخالف لسائر الصفات من حيث لا يجري على الموصوف جريها، وإنما لم يجر لان جرى الصفات عليه إنما كان لعدم دلالتها على الموصوف المعين كالضارب والمضروب والطويل والصري،
فانها لا تدل على موصوف معين، وأما المصغر فانه دال على الصفة والموصوف المعين معا، إذ معنى رجيل رجل صغير، فوزانه وزان نحو رجل ورجلين في دلالتهما على العدد والمعدود معا، فلم يحتاجا إلى ذكر عدد قبلهما كما تقدم، وكل صفة تدل على الموصوف المعين لا يذكر قبلها كالصفات الغالبة، ويفارقها أيضا من حيث إنه لا يعمل في الفاعل عملها، لان الصفات ترفع بالفاعلية ما هو موصفها معنى، والوصوف في المصغر مفهوم من لفظه فلا يذكر بعده كما لا يذكر قبله، فلما لم يعلم (*)

(1/192)


المصغر، وهم إليه أحوج، كثرو أبنية الجمع ووَسَّعوها ليكون لهم في كل موضع لفظ من الجمع يناسب ذلك الموضع، إذ ربما يحتاج في الشعر أو السجع إلى وزن دون وزن فَقَصْرهم الجموع على أوزان قليقد كالتصغير مَدْعاة إلى الحرج، بخلاف المصغر، ثم لما كان أبنية المصغر قليلة واستعمالها في الكلام أيضاً قليلاً، صاغوها على وزن ثقيل، إذ الثق مع القلة محتمل، فجلبوا لأولها أثقل الحركات، ولثالثها أوسط حروف المد ثقلاً، وهو الباء، لئلا يكون ثقيلا بمرة، وجاءوا بين الثقلين بأخف الحركات، وهو الفتحة، لتقاوم شيئاً من ثقلهما، والأولى أن يقال: إن الضم والفتح في عنيق وجميل وَصُرَيْد غيرهما في عُنُق وَجَمَل وَصُرَد، كما قيل في فُلْك وَهِجَان قوله " فالمتمكن يضم أوله " إنما خص المتمكن لأن المبهمات تصغر على غير هذا النمط، كما يجئ في آخر الباب قوله " في الأربعة " احتراز من الثلاثي، لأن ما بعد الياء فيه حرف الإعراب فلا يجوز أن يلزم الكسر، وكان ينبغي أن يقول " في غير الثلاثي " ليعم نحو عُصَيفِير (1) وَسُفَيْرج، وإذا حصل بعد ياء التصغير مثلان أدغم أحدهما في الآخر فيزول الكسر بالإدغام، نحو أصيم ومديق، ويعد هذا من باب التقاء السكانين على حده، كما يجئ في بابه، وهو أن يكون الساكن الأول حرف مدأى ألفا أو
واوا أو ياء ما قبلها من الحركة من جنسها، إذ ما قبل ياء التصغير وإن لم يكن من جنسها لكن لما لزمها السكون أجريت مجرى المدمع أنفي مثل هذا الياء والواو أي الساكن المفتوح ما قبله شيئاً من المد، وإن لم يكن تاماً، ألا ترى أن الشاعر إذا
__________
في الفاعل وهو أصل معمولات الفعل لم يعمل في غيره من الظرف والحال وغير ذلك " اه وسيأتي لهذا الموضوع مزيد بحث في أول باب النسب (1) عصيفير: تصغير عصفور وفي بعض النسخ عصيفر - بمهملتين - فتكون تصغير عصفر وهو نبات يصبغ به (*)

(1/193)


قال قصيدة قبل رويها ياء أو واو ساكنة مفتوح ما قبلها فهي مردفة ولزمه أن يأتي بها في جميع القصيدة كما في قوله: - 34 - وَمَهْمَهَيْنَ قَذَفَيْنِ مَرْتَيْنْ * ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْنْ (2) قوله " إلا في تاء التأنيث " لانها كلمة مركبة مع الأولى وإن صارت كبعض حروف الأولى من حيث دوران الإعراب عليها، وآخر أولى الكلمتين المركبتين مفتوح، فصار حكم التاء في فتح ما قبلها في المصغر والمكبر سواء قوله " وألفي التأنيث " أي المقصورة والممدودة، نحو حُبَيْلَى وحُمَيْرَاء، وإنما لم يكسر ما قبلهما إبقاء عليهما من أن ينقلبا ياء، وهما علامتا التأنيث، والعلامة لا تغير ما أمكن، أما لزوم انقلاب علامة التأنيث ياء في المقصورة فظاهر، وأما في الممدودة فالعلامة وإن كانت هي الهمزة المنقلبة عن ألف التأنيث، والألف التي قبلها للمد كما في حمار، لكن لما كان قلب ألف التأنيث همزة لا واواً ولا ياء للألف التي قبلها، كما ذكرنا في باب التأنيث، استلزم قلب الأولى ياء قلب الثانية ياء أيضاً كما في قوله: - 35 - * لَقَدْ أَغْدُو عَلَى أشقر يغتال الصحاريا (1) *
__________
(1) هذا بيتان من الرجز المشطور من أرجوزة طويلة لخطام بن نصر بن عياض بن يربوع المجاشعى الدارمي.
ومهمهين: تثنية مهمه وهو القفر المخوف.
وقذفين: تثنية قذف - بفتحتين كبطل - وهو البعيد من الارض.
ومرتين: تثنية مرت - بفتح فسكون - وهو الارض التى لا ماء بها لا نبات.
وَالظَّهر: ما ارتفع من الأرض، شبهه بظهر الترس في ارتفاعه وتعريه من النبات (2) هذا البيت للوليد بنيزيدبن عبد الملك بن مروان، وأراد بالاشقر الفرس الذى لونه الشقرة، وهى حمرة صفة بخلاف الشقرة في الانسان، فأنها فيه حمرة يعلوها بياض.
ويغتال: يُهْلك، واستعاره لقطع المسافة بسرعة شديدة.
والصحارى (*)

(1/194)


وقد تغير علامة التأنيث إذا اضطروا إليه، وذلك إذا وقعت قبل ألف التثنية نحو حبليان، أو ألف الجمع نحو حبليات، وإنما جاز تغييرها بلا ضرورة في نحو حمداوان وحَمْرَاوات إجراء لألفي التأنيث الممدودة والمقورة مجرى واحدا في قبلهما قبل ألفي التثنية والجمع.
وقد يجئ أسماء في آخرها ألف للعرب فيها مذهبان: منهم من يجعل تلك الألف للتأنيث فلا يقلبها في التصغير ياء، ومنهم من يجعلها لغير التأنيث فيكسر ما قبلها ويقلبها ياء، وذلك نحو علقى وذفرى وتترى، فمن نونهال قال عُلَيْقٍ وَذًفَيْرٍ وتُتَيْرٍ، ومن لم ينونها قال عُلَيْقَى وذُفَيْرَى وتترى (1) وكذا يجئ في الممدودة ما لهم فيه مذهبان كَغَوْغَاء (2) من نوَّنه وجعله فعلالا كزلزال قال في التصغير
__________
- بتشديد الياء - جمع صحراء وهي البرية وتشديد الياء في صحارى هو الاصل في جمع ما مفرده مثل صحراء كعذاره ولكنهم كثيرا ما يخففون بحذف الياء الأولى لاستثقال الياء المشددة في آخر الجمع الاقصى مع بقاء كسر ما قبلها، وقد يخففون بعد ذلك بفتح هذه الكسرة وقلب الياء ألفا كما قالوا عذارى وصحارى ومدارى.
وسيأتى
لذلك مزيد بحث في باب جمع التكسير (1) علقى: شجر تدوم خضرته في القيظ وله أفنان طوال دقاق وورق لِطاف اختلف في ألفها فبعضهم يجعلها للتأنيث فلا ينونها.
وبعضهم يجعلها للالحاق بجعفر وينونها والذفرى: العظم الشاخص خلف الاذن، واختلف في ألفها أيضا على النحو السابق.
وتترى: أصلها وترى من المواترة وهى المتابعة، فالتاء بدل من الواو بدلا غير قياسي واختلف في ألفها أيضا فمنهم من جعلها للالحاق بمنزلة أرطى ومعزى، ومنهم من يجعلها للتأنيث بمنزلة سكرى وغضبى.
(2) غوغاء: الاصل في الغوغاء الجراد حين يخف للطيران، ثم استعير للسفلة من الماس والمتسرعين إلى الشر، ويجوز أن يكون من الغوغاء الذى هو الصوت والجلبة لكثرة لغطهم وصياحهم (*)

(1/195)


غويفى، ومن لم ينونه وجعله كحمراء قال غويغاء، وكذا في قُوبَاء (1) من فتح الواو فالألف للتأنيث لا غير، وتصغيره قُوَيْبَاء، ومن سكنها وجعله ملحقاً بقُرْطاس فتصغيره قُوَيْبِيٌّ.
وإنما لم تقلب الألف التي قبل النون الزائدة ياء تشبيهاً لها بألف حمراء، وليس كل ألف ونون زائدتين في آخر الاسم تشبهان بألف التأنيث الممدودة فيمتنعَ قلب ألفه في التصغير ياء، فإذا أرادت تمييز ما يقلب ألفه ياء مما لا تقلب فاعلم أنهما إذا كانا في علم مرتجل نحو عُثْمان وعِمْران وسَعْدان وغَطَفان وَسَلْمَان وَمَرْوَان شابهتاها، لأن تاء التأنيث لا تلحقهما لا قبل العلمية ولا معها، أما قبلها فلفرضنا ارتجالها، وأما معها فلأن العلمية مانعة كما مر فيما لا ينصرف (2) ، فعلى هذا تقول عثيمان
__________
(1) قوباء - بضم القاف والواو مفتوحة أو ساكنة -: الذى يظهر في الجسد
ويخرج عليه وهو داء معروف يتقشر ويتسع يعالج ويداوى بالريق.
قال الفراء: " القوباء تؤنث وتذكر، وتحرك وتسكن، فيقال هذه قوباء - بالتحريك - فلا تصرف في معرفة ولا نكرة، ويلحق بباب فقهاء، وهو نادر، وتقول في التخفيف هذه قوباء، فلا تصرف في المعرفة وتصرف في النكرة " اه ومراده بالتخفيف سكون الواو، وإنما كانت محتملة للصرف وعدمه حينئذ لكون الالف للالحاق، ولو كانت للتأنيث لم تنصرف معرفة ولا نكرة، لان ألف التأنيث تستقل وحدها بالمنه من الصرف (2) قال في شرح الكافية (ج 1 ص 43) : " وأما الزيادة في الاعلام فنقول: إن كان الحرف الزائد لا يفيد معنى كألف التأنيث في نحو بشرى وذكرى وتاء التأنيث في نحو غرفة وألف الالحاق في نحو معزى لم يجز زيادته، لان مثل ذلك لا يكون إلا حال الوضع، وكلامنا فيما يزاد على العلم بعد وضعه إذا استعمل على وضعه العلمي، وكذا الحكم إن لم تفد الزيادة، إلا ما أفاد العلم كتاء الوحدة ولا التعريف، من غير اشتراك العلم، وإن أفادت الزيادة معنى آخر فان لم يقع لفظ العلم بذلك المعنى على ما وضع له أولا لم يجز، لزوال الوضع العلمي، فلا تزيد (*)

(1/196)


عميران وَسُعَيْدَان وغُطَيْفان وَسُلَيْمَان وَمُرَيَّان، وأما عُثْمانٌ في فرخ الحُبَارى على ما قيل وسَعْدَانٌ في نبت فتصغيرهما عُثَيْمِين وسُعَيْدِين، وليسا أصلين لسَعْدَان وعثمان علمين، بل اتفق العلم المرتجل والجنس، كما اتفق الأعجمي والعربي في يعقوب وآزر، وَسَعْدَان اسم مرتجل من السعادة كسُعَاد منها، وعثمان مرتجل من العثم (1) ، وكذا إن كانتا في صفة ممتنعة من التاء كَجَوْعان وسكران تشابهانها بانتفاء التاء، فتقول: سُكَيْرَان وَجُوَيْعَان، وإن كانتا في صفة لا تمتنع من التاء كالْعُرْيَان وَالنَّدْمَان وَالصَّمَيَان للشجاع وَالْقَطَوان للبطئ شبهتا بالالف والنوف في
باب سكران، لكونها صفات مثله وإن لحقتها التاء، فقيل: عُرَيَّان وَنُدَيْمَان وصُمَيَّان وَقُطَيَّان، وإن كانتا في الاسم الصريح غير العلم فإنهما لا تشبهان بالألف والنون في باب سكران مطلقاً، إذ لا يجمعهما الوصف كما جمع عرياناً وسكران، بل ينظر هل الألف رابعة أو فوقها، فإن كانت رابعة نظر، فإن كان الاسم الذي هما في آخره مساويا لاسم آخره لان قبلها ألف زائدة في عدد الحروف والحركات والسكنات وإن لم يساوه وزناً حقيقيًّا قُلِبَ في التصغير ياء تشبيهاً لها بذلك الألف الذي قبل اللام، وذلك في ثلاثة أوزان فقط: فَعْلاَن، وَفُعْلاَن، وَفِعْلاَن، كحومان وسلطان وسرحان، فإن نون حومان موقعها موقع اللام في جَبَّار وزَلْزال، وموقع نون
__________
عليه التاء المفيدة لمعنى التأنيث، وإن بقى لفظ العلم مع تلك الزيادة واقعا على ما كان موضوعا له جازت مطلقا إن لم يخرج العلم بها عن التعيين كياء النسبة وياء التصغير وتنوين التمكن نحو هاشمى وطليحة، وإن خرج بها عن التعيين جازت بشرط جبران التعيين بعلامته كما في الزيدان والزيدون على ما يجئ في باب الاعلام " اه (1) العثم - بفتح فسكون -: جبر العظم المكسور على غير استقامته، وتقول عثمت المرأة المزادة - من باب نصر - إذا خرزتها خرزا غير محكم، وفي المثل " إلا أكن صنعا فانى أعتثم " أي: إن لم أكن حاذقا فأنى أعمل على قدر معرفتي، والصنع بفتحتين - الماهر الحاذق (*)

(1/197)


سلطان كلام قرطاس وَزنَّار (1) وطومار، وموقع نون سِرْحان كلام سِرْبال (1) ومفتاح وإصباح، فتقول: حُوَيمين وَسُلَيْطِين وَسُرَيْحِين، كزليزيل وقريطيس ومفيتيح، وإن لم يكن الاسم المذكور مساوياً لما ذكرنا فيما ذكرنا كالظَّرِبَان وَالسَّبُعَان (3) وفِعْلاَن وفُعُلاَن وفُعَلاَن إن جاءت في كلامهم لم يشبه ألفها بالألف التي قبل اللام، إذ لا يقع موقع الألف والنون فيها ألف زائدة بعدها لام،
بل تُشَبَّه الألف والنون فيها بالألف والنون في باب سكران، فلا نقلب الألف ياء، نحو ظُرَيْبَان وسُبَيْعَان في تصغير ظَرْبان وسَبُعان، وإنما جاز تشبيههما بها ههنا في التصغير ولم يجز ذلك في الجمع فلم يَقُل ظرابان بل ظرابين لتمام بنية التصغير قبل الألف والنون، وهي فُعَيْل، بخلاف بنية الجمع الاقصى، وإذا جاز لهم لإقامة بنية الجمع الأقصى قلب ألف التأنيث وهي أصل الألف والنون كما في الدعَاوى والفتاوى والحبالي في المقصورة والصَحَارَى في الممدودة كما يجئ في باب الجمع فكيف بالألف والنون
__________
(1) الزنار - كرمان - ومثله الزنارة: ما يلبسه الذمي يشده على وسطه.
والطومار ومثله الطامور كالخابور: الصحيفة، قال ابن سيده: " قيل هو دخيل وأراه عربيا محضا؟ ؟ ؟ لان سيبويه قد اعتد به في الابنية فقال: هو ملحق بفسطاط وإن كانت الواو بعد الضمة، فانما كان ذلك لان موضع المد إنما هو قبيل الطرف مجاورا له كألف عماد وياء عميد وواو عمود، فأما واو طومار فليست للمد، لانها لم تجاور الطرف، فلما تقدمت الواو فيه ولم تجاور طرفه قال إنه ملحق " اه (2) السربال: القميص، والدرع، وقيل: كل ما لبس فهو سربال (3) الظربان - بفتح فكسر - والظرباء كذلك ممدودا: دابة تشبه القرد على قدر الهر، وقيل: تشبه الكلب طويلة الخرطوم سوداء الظهر بيضاء البطن كثيرة الضو متننة الرائحة تفسو في جحر الضب فيخرج ن خبث رائحتها فتأكله، وتزعم الاعراب أنه تفسو في ثوب أحدهم إذا صادها فلا تذهب رائحته حتى يبلى الثوب.
والسبعان - بفتح السين وضم الباء -: موضع معروف في ديار قيس، قال ابن مقبل:

(1/198)


وكان قياس نحو وَرَشَان وَكَرَوَان (1) أن يكون كظربان، إذ لا يقع موقع نونه لام، كما لم يقع موقع نون ظَرِبَان وسَبُعان، لكنه لما جاءت على هذا
الوزن الصفات أيضاً كالصَّمَيَان وَالْقَطَوان (2) وشبهت ألفها بألف سكران فلم تقلب كما مر، قصدوا الفرق بينهما، فقلبت في الاسم فقيل: وُرَيْشين وكُرَيْوِين (3) ، لأن تشبيه الصفة بالصفة أنسب وأولى من تشبيه الاسم بها وإن كانت الألف فوق الرابعة: فإن كانت خامسة كزَعْفَرَان وعُقْرُبَان وأُفْعُوَان (4) لم يجز تشبيهها بالألف التي قبل اللام وقلبها ياء، إذ لا تقلب تلك الألف ياء في التصغير إلا رابعة كمفتاح ومصباح، فلم يبق إلا تشبيهها بألف التأنيث
__________
ألا يا ديار الحي بالسبعان * أمل عليها بالبلا الملوان قال في اللسان: " ولا يعرف في كلامهم اسم على فعلان (بفتح الفاء وضم العين) غيره " اه (1) الورشان - بفتحات - طائر شبه الحمامة، والانثى ورشانة، يجمع على ورشان - بالكسر - ووراشين، والورشان أيضا: الجزء الذي يغطيه الجفن الاعلى من بياض المقلة.
والكروان بالتحريك - طائر، ويدعى الحجل والقبج (الاول كبطل والثاني كفلس) وجمعه كروان (بكسر فسكون) وكراوين (2) الصميان - بفتحات - من الرجال: الشديد المحتنك السن، والجرئ الشجاع، والصميان أيضا: التلفت والوثب: يقال رجل صميان، إذا كان ذا توثب على الناس والقطوان - بفتحات -: مقارب الخطو في مشيه.
يقال: قطا في مشيته يقطو واقطواطى فهو قطوان وقطوطى (3) كذا في جميع النسخ بتصحيح الواو، والذي يقتضيه القياس كما يأتي في كلام المؤلف قريبا أن يقال: كربين بقلب الواو التي هي لام ياء وجوبا.
اللهم إلا أن يكون أراد الاتيان بها حسب الاصل (4) العقربان - بضم أوله وثالثه وسكون ثانيه مع تخفيف الباء وتشديدها -: الذكر من العقارب.
والافعوان - بضم أوله وثالثه وسكون ثانيه كذل - الذكر من الافاعى (*)

(1/199)


فقيل: زعيفران وعقيربان وأفيعيان وفي صِلِّيَان (1) صُلَيْلِيَان، وكان القياس أن يقال في أسطوانة أُسَيْطِيَانة، لكنه حذف الواو فيها شاذاً، فصارت الألف رابعة فقيل: أسيطينة، كثعيمين، وكذا قيل في الجمع أسَاطين، كذا قياس إنسان أن يُصَغر على أنيسين كسريحين لكنه لما زيد ياء قبل الألف شاذاً في الأصح كما يجئ في ذي الزيادة صارت الألف خامسة كما في أفعوان وعقربان وإن كانت الألف فوق الخامسة: فإن كان في جملة الأحرف المتقدمة عليها ما يلزمه حذف بحيث تصير الألف بعد حذفه خامسه بقيت بحالها لأنها تصير إذن كما في عقربان، وذلك كما تقول في عَبَوْثَرَان (2) عُبَيْثِرَان، لأن الواو زائدة، وإن لم يكن كذلك حَذَفْتَ الألف والنون كما تقول في قَرَعْبَلاَنة (3) قُرَيْعِبة لأنك تحذف الأصلي قبلهما فكيف تخليهما؟
__________
(1) الصليان نبت له سنمة عظيمة كأنها رأس القصبة إذا خرجت أذنابها تجذبها الابل والعرب تسميه خبزة الابل، واختلف علماء اللغة في وزنه فمنهم من قال إنه على وزن فعلان بكسر الفاء والعين المشددة -، وقال بعضهم: هو فعليان - بكسر الفاء واللام وسكون العين - (2) قال في اللسان: " العبوثران والعبيثران: نبات كالقيصوم في الغبرة، إلا أنه طيب للاكل، له قضبان دقاق طيب الريح، وتفتح الثاء فيهما وتضم أربع لغات " اه (3) القرعبلانة: دويبة عريضة محبنطئة عظيمة البطن.
قال ابن سيده: وهو مما فات الكتاب من الابنية، إلا أن ابن جنى قد قال: كأنه قرعبل ولا اعتداد بالالف والنون بعدها، على أن هذه اللفة لم تسمع إلا في كتاب العين.
قال الجوهري: أصل القرعبلانة قرعبل فزيدتفيه ثلاثة حروف لان الاسم لا يكون على أكثر من خمسة أحرف وتصغيره قريعبة.
قال الازهرى: ما زاد على قرعبل فهو فضل ليس من حروفهم الاصلية.
قال: ولم يأت اسم في كلام العرب زائدا على خمسة أحرف إلا
بزيادات ليس من أصلها أو وصل بحكاية كقولهم فتفتحه طورا وطورا تجيفه * فتسمع في الحالين منه جلن بلق (*)

(1/200)


وأما العلم المنقول عن الشئ فحكمه حكم المنقول عنه، تقول في سِرْحَان (1) وَوَرَشَانَ وسُلْطَان أعلاماً: سريحين ووريشين وسليطين، تكون قبل التصغير غير منصرفة للعلمية والألف والنون، وتنصرف بعد التصغير لزوال الألف بانقلابها ياء، وهذا كما لا ينصرف مِعْزَى علماً لمشابهة ألفها لألف التأنيث فإذا صغرنه صرفته لانقلابها ياءً نحو مُعَيْزٍ، وتقول في ظربان وعقربان وسكران وندمان أعلاماً: ظريبان وعقيربان وسكيران ونديمان كما كانت قبل النقل إلى العلمية، وهذا كما تقول في أجمال علماً: أُجَيْمَال، بالألف على ما ذكره سيبويه هذا، ثم إنَّ النحاة قالوا في تعريف الألف والنون المشبهتين بألف التأنيث: كل ما قلب ألفه في الجمع ياء فاقلبها في التصغير أيضاً ياء، وما لم تقلب في التكسير فلا تقلب في التصغير، وهذا رد إلى الجهالة، ولا يطرد ذلك في نحو ظربان لقولهم ظربيان وظرابين، وما لم يعرف هل قلب ألفه في التكسير أو لا اختلفوا فيه: فقال السيرافي وأبو علي: لا تقلب ألفه حملاً على باب سكران، لأنه هو الأكثر، وقال الأندلسي: يحتمل أن يقال: الأصل عدم التغيير، وأن يقال: الأصل الحمل على الأكثر فتغير والله أعلم، وإنما تغير ألف أفعال إبقاء على علامة ما هو مستغرب في التصغير، أعني الجمع، وذلك لأنهم - كما يجئ - لم يصغروا من (2) صيغ الجمع المكسر إلا الأربعة الأوزان التي للقلة، وهي: أَفْعُلُ وأفعال وأفعلة وفعلة،
__________
حكى صوت باب ضخم في حالتي فتحه وإسفاقه وهما حكايتان متاينتان جلن على حده وبلق على حدة، إلا أنهما التزقا في اللفظ فظن غير المميز أنهما كلمة واحدة " اه (1) السرحان: الذئب، وقيل: الاسد بلغة هذيل.
قال سيبويه: النون زائدة وهو فعلان، والجمع سراحين وسراحن وسراحي (2) إنما لم يصغروا جموع الكثرة لأن المقصود من تصغير الجمع تقليل العدد
فلم يجمعوا بين تقليل العدد بالتصغير وتكثيره بإبقاء لفظ جمع الكثرة لكون ذلك يشبه أن يكون تناقضا (*)

(1/201)


فكان تصغير الجمع مستنكراً في الظاهر، فلو لم يُبْقُوا علامته لم يحمل السامع المصغر على أنه مصغر الجمع لتباين بينهما في الظاهر، وأما ألف نحو إخراج وإدخال فهي وإن كانت علامة المصدر إلا أنها تقلب في التصغير ياء، إذ لا يستغرب تصغير المصدر استغراب تصغير الجمع، وإذا سميت بأجمال قلت أيضاً أجيمال كما ذكرنا.
قال: " وَلاَ يُزَادُ عَلَى أَرْبَعةٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَجِئْ في غَيْرِهَا إلاَّ فُعَيْلٌ وفُعَيْعِلٌ وَفُعَيْعِيلٌ، وَإِذَا صُغِّرَ الْخُمَاسِيُّ عَلَى ضَعْفِهِ فالأَوْلَى حَذْفُ الْخَامِسِ، وَقِيلَ: مَا أَشْبَهَ الزَّائِدَ، وسمع الاخفش سفير جل " أقول: قوله " ولا يزاد على أربعةٍ " عبارة ركيكة، مراده منها أنه لا يصغر الخماسي، أي: لا يرتقي إلى أكثر من أربعة أحرف أصول في التصغير، لأن للأسماء ثلاث درجات: ثلاثي، ورباعي، وخماسي، فيصغر الثلاثي، ويزاد عليه أن يُرْتَقَى منه إلى الرباعي أيضاً، فيصغر، ولا يزاد على الرباعي: أي لا يزاد الارتقاء عليه، بل يقتصر عليه، فإن صغرته على ضعفه فالحكم ما ذكر من حذف الخامس قوله " ولذلك " أي لأنه لا يرتقي من الرباعي لا تتجاوز أمثلة التصغير عن ثلاثة، وذلك أنه إن كان ثلاثيًّا على أي وزن كان من الأوزان العشرة فتصغيره على فُعَيْل، وإن كان رباعيًّا فإما أن يكون مع الأربعة مدة رابعة أولا، فتصغير الأول فُعَيْعِيل، وتصغير الثاني فُعَيعل، وحكى الأصمعي في عَنكبوتُ عُنَيْكبيت وعَنَاكبيت، وهو شاذ قوله " لم يجئ في غيرها " أي: في غير ذي تاء التأنيث، وذي ألف التأنيث، وذز الالف والنون المشبهتين، وذي ألف أفعال، وأما فيها فيجئ غير الأمثلة الثلاثة
ويجئ الأمثلة الثلاثة قبل تاء التأنيث، كقديرة وسليهبة وزنييرة (1)
__________
(1) القدر - بكسر فسكون -: معروف وهى مؤنثة بغير تاء.
قال في اللسان: (*)

(1/202)


في زُنْبورة، وكذا قبل ألف التأنيث الممدودة، نحو حُمَيْرَاء وخُنَيْفِسَاء ومُعَييِّرَاء (1) في مَعْيُورَاء، وكذا قبل الألف والنون نحو سُلَيْمَان وجُعَيْفِرَان وعُبَيْثِرَان بإبدال الياء من الواو المحذوفة، ولا يجى قبل ألف الجمع إلا فُعَيْل كأجَيْمال، وكذا قبل ألف التأنيث المقصورة لا يجى فُعَيْعِل وَفُعَيْعِيل، لأنها تحذف خامسة في التصغير كما يجئ.
وكان على المصنف أن يذكر ياء النسبة أيضاً نحو بُرَيْدِي في بريدى (1) ومَشَيْهدِي في مَشْهَديّ ومطيليقي في منطلقي، بإبدال الياء من النون، فيقول: لم يجئ في غيرها وغير المنسوب بالياء إلا كذا
__________
" وتصغيرها قدير بلا هاء على غير قياس.
قال الازهري: القدر مؤنثة عند جميع العرب بلا هاء فإذا صغرت قلت لها قديرة وقدير، بالهاء وغير الهاء، والسليهبة تصغير السلهبة والسلهبة بفتح السين والهاء بينهما لام ساكنة الجسيمة من النساء، يقال فرس سلهب وسلهبة للذكر إذا عظم وطال وطالت عظامه.
وزنيبيرة تصغير زنبورة كما قال المؤلف والزنبورة والزنبور والزنبار (كقرطاس) ضرب من الذباب لساع.
قال الجوهري: الزنبور الدبر (النحل) وهى تؤنث، والزنبار لغة فيه حكاها ابن السكيت، ويجمع الزنابير، وأرض مزبرة كثيرة الزنابير كأنهم ردوه إلى ثلاثة أحرف وحذفوا الزيادات ثم بنوا عليه كما قالوا أرض معقرة ومثعلة أن ذات عقارب وثعالب (1) المعيوراء: اسم لجمع العير، قال الازهرى: المعيورا: الحمير، مقصور، وقد يقال المعيوراء ممدودة مثل المعلوجا والمشيوخا والمأتوناه يمد ذلك كله ويقصر (2) البردى - بضم الباء وسكون الراء -: ضرب من تمر الحجاز جيد معروف
عند أهل الحجاز، وفي الحدث أنه أمر أن يؤخذ البردى في الصدقة.
والبردى - بفتح الباء - نبت معروف، واحدته بردية، وهذه الياء التى في بردى على اختلاف ضبطيه ليست ياء النسب، وإنما هي ياء زيدت لا للدلالة على معنى كياء الكرسي وقد صرح بذلك المؤلف في أول باب النسب من هذا الكتاب، فتسميته لها هنا ياء النسبة فيه تسامح، والمراد أنها على صورة ياء النسبة (*)

(1/203)


فإن قال فُعَيْلِيٌّ هو فعيل، والياء زائدة قلنا: لا شك في زيادتها إلا أنها صارت كجزء الكلمة، مثل تاء التأنيث، بدليل دوران إعراب الكلمة عليها كما على التاء وتصح المعارضة بنحو حُمَيْزَةَ وَحُبَيْلَى وَحُمَيْرَاءَ، فإنها فُعَيْل، والتاء والألفان زوائد.
وهلا ذكر المثنى والمجموع نحو العميران والعميرون، فقال: ويكسر ما بعدها إلا في تاء التأنيث وألفيه وياء النسبة وألف المثنى ويائه وواو الجمع وألف جمع المؤنث وألف أفعال والألف والنون المضارعتين وكذا في المركب نحو بعلبك قوله " فالأولى حذف الخامس " لأن الكلمة ثقيلة بالخمسة الأصول، فإذا زدت عليها ياء التصغير زادت ثقلاً، وسبب زيادة الثقل وإن كانت زيادة الياء لكنه لا يمكن حذفها إذ هي علامة التصغير، فحذف ما صارت به الكلمة مؤدية إلى الثقل بزيادة حرف آخر عليها، وذلك هو الخامس، ألا ترى أن الرباعي لا يستثقل بزيادة الياء عليه، فحذف الحرف الخامس مع أصالته فإن قيل: أليس في كلام العرب ما هو زائد على الخماسي نحو قَبَعْثَرًى وسَلْسَبيل (1) وغير ذلك؟ قلت: بلى، لكن تلك الزيادات ليست بقياسية فلا يكثر المزيد فيه بسببها
إذ كل واحد كالشاذ في زنته، وأما زيادة ياء التصغير فقياس، فلو سنوا قاعدة زيادتها على الخماسي الأصلي حروفُه لصارت قياساً، فيؤدي إلى الكثرة، إذ يصير لهم قانون يقاس عليه فإن قيل: أليس مثل مستخرج قياسا؟
__________
(1) انظر كلمة قبعثرى (ص 9 هـ 5) من هذا الجزء و (ص 52 س 1) أيضا وكلمة سلسبيل (ص 50) (*)

(1/204)


قلت: بلى، لكنه مبني على الفعل وجار مجراه، وجاز ذلك في العمل كثيراً غالباً قريباً من القياس، نحو اسْتَخْرَجَ واحرنجم، لكونه أقل أصولاً من الاسم إذ لا يجئ منه الخماسي الأصلي حروفه، والثقل بالحروف الأصول لرسوخها وتمكنها أشد وأقوى.
قوله " وقيل ما أشبه الزائد " اعلم أن من العرب من يحذف في الخماسي الحرف الذي يكون من حروف " اليوم تنساه " وإن كان أصليًّا لكونه شبيه الزائد، فإذا كان لابد من حذف فحذف شبه الزائد أولى، كما أنه إذا كان في كلمة على خمسة زائدٌ حذف الزائد كان نحو دُحَيْرج في مدحرج، لكن الفرق بين الزائد حقيقية وبين الأصلي المشبه له بكونه من حروف " اليوم تنساه " أن مثل ذلك الأصلي لا يحذف إلا إذا كان قريب الطرف بكونه رابعاً، بخلاف الزائد الصرف، فإنه يحذف أين كان، فلا يقال في جَحْمَرِش جُحَيْرش لبعد الميم من الطرف، كما يقال في مُدَحْرج دحيرج، وقال الزمخشري: إن بعض العرب يحذف شبه الزائد أين كان، وهو وهم على ما نص عليه السيرافي والأندلسي، فإن لم يكن مجاور الطرف شيئاً من حروف " اليوم تنساه " لكن يشابه واحداً منها في المخرج حذف أيضاً، فيقال في فرزدق: فَرَيْزِق، لأن الدال من مخرج التاء
قوله " وسمع الأخفش سفيرجل " يعني بإثبات الحروف الخمسة كراهة لحذف حرف أصلي، وبإبقاء فتحة الجيم كما كانت، وحكى سيبويه عن بعض النحاة في التصغير والتكسير سُفَيْرِجَلٌ وسَفَارِجَلُ - بفتح الجيم فيهما - فقال الخليل لو كنت محقراً للخماسي بلا حذف شئ منه لسكنت الحرف الذي قبل الأخير فقلت سُفَيْرِجْلٌ قياسا عى ما ثبت في كلامهم، وهو نحو دُنَيْنِير، لأن الياء ساكنة قال " وَيُرَدُّ نَحْوُ بَابٍ وَنَابٍ وَمِيزَانٍ وَمُوقِظٍ إِلَى أصْلِهِ لِذَهَابِ المُقْتَضِي، بِخِلاَف قَائم وَتُرَاثٍ وَأُدَدٍ، وَقَالُوا عُيَيْدُ لِقَوْلِهِمْ أَعْيَاد "

(1/205)


أقول: اعْلَم أن الاسم إما أن يكون فيه قبل التصغير سبب قلب أو حذف أولا: فإن كان فإما أن يزيل التصغير ذلك السبب، أولا، فما يزيل التصغير سبب القلب الي كان فيه نحو باب وناب، ونحو ميزان ومُوقظ، ونحو طَيٍّ وَليٍّ، ونحو عطاء وكساء، ونحو ذَوَائِب وماءٍ وشاء عند المبرد، وفم، ونحو قائم وبائع، ونحو أرؤر والنّؤر، ونحو مُتَّلج ومُتَّعد (1) ، وما يزيل التصغير سبب الحذف الذي
__________
(1) المعروف أن أول المصغر مضموم وثانيه مفتوح دائما وباب وناب المكبران ألفهما مقلوبة عن الواو والياء لتحركهما وانفتاح ما قبلهما، إذا صغرا زال فتح ما قبل الواو والياء الذى هو شطر سبب القلب، وميزان أصله موزان قلبت واوه ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فإذا صغر ضم أوله فزال سبب القلب.
وموقظ أصله ميقظ ابدلت ياؤه واو لسكونها إثر ضمة فإذا صغر ضم أوله وفتح ثانيه فزال سبب قلب الياء واوا.
وطى ولى أصلهما طوى ولوى أبدلت واوهما ياء لاجتماعها مع الياء وسبقها بالسكون فإذا صغرا ضم أولهما وفتح ثانيهما فيزول سبب قلب الواو ياء.
وعطاء وكساء أصلهما عطاو وكساو أبدلت واوهما ألفا ثم همزة أو همزة من أول الامر على اختلاف العلماء في ذلك لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة فإذا صغر أبدلت ألفهما
ياء لوقوعها بعد ياء التصغير فيزول سبب قلب الواو ألفا أو همزة.
وذوائب أصلها ذآئب فكروهوا اكتناف همزتين للالف التي هي في حكم العدم فأبدلوا الهمزة الاولى واوا أبدالا شاذا فأذا صغر ذوائب اسم رجل حذف الالف، فتقع ياء التصغير فاصلة بين الهمزتين فيزول سبب إبدال الهمزة الاولى واوا.
وماء وشاء أصلهما موه وشوه قلبت عينهما الفا ثم لا مهما همزة لان الهاء عندهم من الحروف الخفية وكذلك الالف فكرهوا وقوع حرف خفي بعد مثله فأبدلوا الهاء همزة لقربها منها في المخرج، فإذا صغرا ضم أولهما فيزول سبب قلب عينهما ألفا وسبب قلب لامهما همزة.
وفم أصله فوه حذفت لامه اعتباطا ثم أبدلت واوه ميما لان الاسم المعرب لا يكون على حرفين ثانيهما لين، فإذا صغر ردت لامه لتتم بها بنية التصغير فيزول سبب قلب الواو ميما.
وقائم وبائع أصلهما قاوم وبايع قلبت عينهما ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها إذ الالف لزيادتها في حكم العدم، فإذا صغرا زال سبب قلب عينهما ألفا، (*)

(1/206)


كان فيه نحو عصًا وفَتًى وعَمٍ (1) والسبب هو اجتماع الساكنين، وقريب منه ما لم يُزِلِ التصغير سبب الحذف لكنه عرض في التصغير ما يمنع من اعتبار ذلك السبب، كالثلاثي المحذوف منه حرفٌ إما لقصد التخفيف على غير قياس نحو سَهٍ وغَدٍ، ونحو ابن واسم وبنت وأخت وحَمٍ، فإن قصد التخفيف بالحذف لا يمكن اعتباره في التصغير، إذ لا يتم الوزن بدون المحذوف، وإما لإعلال قياسي كعِدَة وزنة، وما لا يزيل التصغير سبب القلب الذي كان في مكبره نحو تُرَاث وَأدَد (2) وما لا يزيل التصغير سبب الحذف الذي كان في مكبره كميت
__________
لوقوعها بعد ياء التصغير وهى ساكنة.
وأدؤر جمع دار وأصله أدور قلبت الواو المضمومة ضمة لازمة همزة جوازا، فإذا صغر وقعت العين بعد ياء التصغير في اسم زائد على الثلاثة فوجب أن تكون مكسورة فزال سبب قلب العين همزة.
والنؤور بزنة صبور: النيلج ودخان الشحم، وحصاة كالائمة تدق فتسفها اللثة: والنؤور أيضا المرأة النفور من الريبة، وأصل النؤر النوور، قلبت الواو همزة جوازا لكونها
مضمومة ضما لازما، فأذا صغر زال سبب قلبها همزة لانها تقع ثانيا في المصغر، وهو مفتوح على ما قدمنا.
وأصل متلج ومتعد موتلج وموتعد (بوزان مفتعل) من الولوج والوعد فقلب الواو فيهما تاء لوقوعها قبل تاء الافتعال ثم أدغمت في التاء، فأذا صغرا حذفت تاء الافتعال لانها تخل بصيغة التصغير فيزول بحذفها سبب قلب الواو تاء (1) أصل عصا وفتى عصو وفتى قلبت لامهما ألفا لتحركهما وانفتاح ما قبلهما، ثم حذفت الالف تخلصا من التقاء الساكنين، وكذا التنوين، فإذا صغرا زال سبب قلب لامهما ألفا لوقوعها بعد ياء التصغير التي هي ساكنة، ومتى زال سبب القلب ألفا زال سبب الحذف.
وأصل عم عمى استثقلت الضمة أو الكسرة على الياء فحذفت فالتقى ساكنان الياء والتنوين فحذفت الياء، فإذا صغر وقعت الياء بعد ياء التصغير الساكنة فلا تستثقل الحركة عليها كما لم تستثقل على نحو ظبي، فيزول سبب الحذف (2) التراث كغراب: المال الموروث، أصله وراث استثقلوا الواو المضمومة في أول الكلمة فأبدلوها تاء إبدالا غير قياسي: وأدد: علم شخصي، وأصله ودد فقلبت (*)

(1/207)


وهارٍ وناسٍ ويَرَى وأرى ونَرَى وترى ويَضَع وتضع وخَيْر وشر (1) وإن لم يكن فيه قبل التصغير سبب قلب ولا حذف فإما أن يعرض في التصغير ذلك كعروض سبب قلب ألف نحو ضارب وحِمَار، وواو جَدْوَل وأسْوَد وعُرْوَة ومِزْوَدٍ وعصفور وعروض (2) ، وكعروض سبب حذف خامس نحو سفرجل، وثالثة يا آت نحو أحْوَى (3) ومعاوية وعطاء، وألف نحو مساجد، وما يحذف من نحو مستخرج واستخراج ومنطلق وانطلاق، وإما أن لا يعرض فيه ذلك كما في تصغير نحو رجل وجعفر
__________
الواو المضمومة ضمة لازمة همزة جوازا، فإذا صغر واحد من هذين اللفظين لم يزل التصغير سبب القلب فيه لبقاء الضمة.
(1) المحذوف من ميت ياء، والمحذوف من هار ياء أيضا كقاض، والمحذوف
من ناس همزة، وأصله أناس، والمحذوف من يرى وأخواته همزة وأصلهن يرأى وأرأى ونرأى وترأى، والمحذوف من يضع وتضع واو وهى فاء الكلمة وأصله يوضع وتوضع، والمحذوف من خير وشر همزة أفعل وأصلهما أخير وأشرر، وسبب الحذف في جميع هذه الكلمات هو قصد التخفيف، وهذ السبب لا يزول عند التصغير، بل تشتد الداعية إليه (2) العروة من الدلوو الكوز: المقبض، ومن الثوب آخت زره.
والمزود - كمنبر -: وعاء الزاد.
والعروض: اسم مكة والمدينة وما حولهما، والناقة الصعبة التي لم ترض، وميزان الشعر، واسم الجزء الاخير من النصف الاول من البيت، والطريق في عرض الجبل في مضيق (3) الاحوى: وصف من الحوة - بضم الحاء وتشديد الواو - وهو سواد إلى الخضرة، أو حمرة إلى السواد، وفعله حوى كرضى.
ومعاوية: أصله اسم فاعل من عاوى، وتقول: تعاوت الكلاب وعاوى الكلب الكلب، إذا تصايحا ونبح أحدهما الاخر وأطلقوا معاوية على الكلبة التي تصيح عند السفاد، وأطلقوه أيضا على جرو الثعلب، وقالوا أبو معاوية للفهد، ومن أسمائهم معاوية (*)

(1/208)


فالقس الذي أزال التصغير سبب القلب الذي كان فيه اختلف في بعضه: هل ينتفي المسبب لزوال السبب أو لا؟ واتفق في بعضه على أنه ينتفي ذلك بانتفاء سببه، فمما اتفقوا فيه على رجوع الأصل الألف المنقلبة عن الواو والياء ثانية لتحركها وانفتاح ما قبلها، تقول في باب وناب: بُوَيْب وينيب، لزوال فتحة ما قبلهما، وبعض العرب يجعل المنقلبة عن الياء في مثله واواً أيضاً حملا على الاكثر، فإن أكثر الالفا في الأجوف منقلبة عن الواو، وهذا مع مناسبة الضمة للواو بعدها، وبعض العرب يكسر أول المصغر في ذوات الياء نحو
نِيَيْب وشِيَيْخ، خوفاً على الياء من انقلابها واواً لضمة ما قبلها، وتَفَصِّياً من استثقال ياء بعد ضمة لو بقيتا كذلك، وهذا كما قيل في الجمع بِيُوت وشِيُوخ - بكسر الفاء - وقرئ به في الكتاب العزيز، وإذا كان الألف في نحو باب مجهول الأصل وجب قلبها في التصغير واواً عند سيبويه، لأن الواو على ما مر أقرب، فتقول في تصغير صَابٍ وآءَةٍ (1) - وهما شجران -: صُوَيْب وَأُوَيْأة، والأخفش يحملها على الياء لحفتها فيقول: صُيَيْب وأُيَيأة، وتقول في " رجلٌ خافٌ " أي خائف، و " كبشٌ صافٌ " برفع لاميهما: خُوَيْفٌ وصُوَيْفٌ، بالواو لا غير، لأنه يجوز أن يكون أصله خائفاً وصائفاً فحذفت العين، فتكون
__________
(1) الصاب: شجر مر، واحدته صابة، قيل: هو عصارة الصبر، وقيل: هو شجر إذا اعتصر خرج منه كهيئة اللبن وربما نزت منه نزية أي قطرة فتقع في العين كأنها شهاب ونار، وربما أضعف البصر.
قال أبو ذؤيب الهذلي: - إني أرقت فبت الليل مشتجرا * كأن عينى فيها الصاب مذبوح والاء - بوزن عاع -: شجر واحدته آءة، قال الليث: الاء شجر له ثمر ياكله النعام.
قال: وتسمى الشجرة سرحة وثمرها الاء، ومن كلامه الاخير قال المجد في القاموس: " الاء ثمر شجر، لا شجر، ووهم الجوهري " (*)

(1/209)


الألف زائدة، فوجب قلبها واواً كما في ضُوَيرب، وأن يكون خَوِفاً وصَوِفاً كقولك: رجل مَالٌ، من مال يمال كفزع يفزع، فترد الألف إلى أصلها كما في بُوَيْب، وكذا تقول: إن الألف في فتًى ترد إلى أصلها لزوال فتحة ما قبلها، وكذا في العصا ترد إلى الواو، لكنها تقلب ياء لعروض علة قلبها في التصغير ياء ومن المتفق عليه رد الياء المنقلبة عن الواو لسكونها وانكسار ما قبلها إلى أصلها نحو مِيقَاتٍ وريح، تقول في تصغيرهما: مُوَيْقيت ورُوَيحة، لزوال الكسر والسكون، وهذا كما تقول في الجمع مَوَاقيت، وحكى بعض الكوفيين أن من العرب من لا
يردها في الجمع إلى الواو، قال: - 36 - حِمّى لاَ يُحَلُّ الدَّهْرَ إِلاَّ بِأَمْرِنَا * وَلاَ نَسْأَلُ الأَقْوَامَ عَقْدَ المياثق (1)
__________
(1) ورد هذا البيت في نوادر أبى زيد الانصاري الثقة عند سيبويه (ص 64) منسوبا إلى عياض بن درة، وهو شاعر جاهلي طائي، وذكر قبله بيتا آخر، وهو: وَكُنَّا إذَا الدِّينُ الْغُلُبَّى بَرَى لَنَا * إذَا مَا حَلَلْنَاهُ مُصَابَ البوارق وقال في شرحه " الدين: الطاعة، والغلبى: المغالبة، وبرى لنا: عرض لنا، يَبْرِي بَرْياً، وانبرى ينبري انبراء " اه، ومثل هذا بنصه في شواهد العينى، وتبعه البغدادي في شرح الشافية إلا أنه ضبط مصابا بفتح الميم، وقال: هو اسم مكان من صابه المطر، إذا مطر، والصوب: نزول المطر، والبوارق: جمع بارقة وهي سحابة ذات برق.
والغلبي: ليس مصدراً للمفاعلة إنما هو أحد مصادر غلبة يغلبه غَلْباً بسكون اللام وَغَلَبَاً بتحريكها وغَلَبَة بالحاق الهاء وغلابية كعلانية وغلبة كحذقة وغلبى ومغلبة بفتح اللام كذا في العباب، والاستشهاد بالبيت عند المؤلف على أن من العرب من لا يرد الواو المنقلبة ياء في الجمع (*)

(1/210)


وإنما قالوا عُيَيْد في تصغير عيد ليفرقوا بينه وبين تصغير عود، وكذلك فرقوا جمعيهما فقالوا أعياد في جمع عيد وأعواد في جميع عود (1) وكذا اتفقوا على ردّ الأصل في قريريط وذنينير لزوال الكسر الموجب لقلب أول المضعف ياء، كما قيل قَرَاريط ودنانير.
وكذا اتفقوا على رد أصل الياء التي كانت أبدلت من الواو لاجتماعها مع الياء وسكون أولاهما، كما تقول في تصغير طَيّ وَلَيّ، لتحرك الأولى في التصغير، وكذا تقول: طُوَيَّان ورُوَيَّان في تصغير طَيَّان (2) ورَيَّان، كما تقول في الجمع: طِوَاء ورِوَاء، وكذا إِذا حقرت قيا (3) وأصله قوى كجبر من الأرض
القواء: أي القفر.
وكذا اتفقوا على رد أصل الهمزة المبدلة من الواو والياء لتطرفها بعد الألف الزائدة، نحو عطاء وقضاء، فتقول: عُطَيٌّ، تردها إلى الواو، ثم تقلبها ياء لانكسار ما قبلها، ثم تحذفها نسيا لاجتماع ثلاث يا آت كما يجئ، وكذا تقلب همزة الإلْحاق في حِرْباء ياء، فتقول: حُرَيْبي، لأن أصلها ياء كما يجئ في باب الاعلال
__________
(1) هذا الذي ذكره المؤلف وجه غير الوجه الذى يتبادر من عبارة ابن الحاجب، فحاصل ما ذكره ابن الحاجب أنهم لم يردوا الياء التى في عيد إلى أصلها وهو الواو عند التصغير حملا للتصغير على الجمع، أما ما ذكره المؤلف فحاصله أنهم لم يردوها للفرق ين تصغير عيد وعود كما فرقوا بين جمعيهما (2) طيان: صفة مشبهة من طوى يطوى - كرضى يرضى - ومصدره الطوى - كالجوى وكالرضا - والطيان هو الذى لم يأكل شيئا (3) القى - بكسر أوله - والقواء - بفتح القاف ممدودا ومقصورا - الارض القفر الخالية من الاهل.
وفى حديث سلمان " من صلى بأرض فأذن وأقام الصلاة صلى خلفه من الملائكة ما لا يرى قطره " (*)

(1/211)


وإن كانت الهمزة أصلية خليتها كأُلَيِّئة في تصغير ألاءة (1) ، وإن لم تعرف هل الهمزة صل أو بدل من الواو والياء خليت الهمز في التصغير بحاله ولم تقلبه، إلى أن يقوم دليل على وجوب انقلابه، لأن الهمزة موجودة، ولا دليل على أنها كانت في الأصل شيئاً آخر، وكذلك ترد أصل الياء الثانية في بَرِيَّةٍ (2) وهو الهمزة عند من قال: إنها من برأ أي خلق، لأنها إنما قلب ياء لكون الياء قبلها ساكنة حتى تدغم فيها، ومن جعلها من البرى - وهو التزاب - لم يهمزها في التصغير، وكذا النبي أصله عند سيبويه الهمز، لقولهم تنبأ مسيلمة (3)
فخففت بالإدغام كما في برية، فكان قياس التصغير نُبَيِّئ، قال سيبويه: لكنك إذا صغرته أو جمعته على أفعلاء كأنبياء تركت الهمزة لغلبة تخفيف الهمزة في النبي فتقول في التصغير نُبَيٌّ بياءين على حذف الثالث كما في أُخَيّ، وقد جاء النبآء
__________
(1) قال في القاموس: " الالاء - كسحاب - ويقصر: شجر مر دائم الخضرة واحدته ألاءة وألاء أيضا " (2) قال في اللسان: " في التهذيب البرية أيضا الخلق بلا همز.
قال الفراء: هي من برأ الله الخلق أي خلقهم، وأصلها الهمز، وقد تركت العرب همزها ونظيره النبي والذرية.
وأهل مكة يخالفون غيرهم من العرب يهمزون البريئة والنبي والذريئة من ذرأ الله الخلق وذلك قليل.
قال الفراء: وإذا أخذت البرية من البرى وهو التراب فأصلها غير الهمزة.
وقال اللحيانى: أجمعت العرب على ترك همز هذه الثلاثة ولم يستثن أهل مكة " (3) قال سيبويه (ج 2 ص 126) : فأما النبي فان العرب قد اختلفت فيه، فمن قال النبآء قال كان مسيلمة نبئ سوء (مصغرا) وتقديرها نبيع، وقال العباس بن مرداس: يا خاتم النبئاء إنك مرسل * بالحق كل هدى السبيل هداكا ذا القياس، لانه مما لا يلزم، ومن قال أنبياء قال نبى سوء (مصغرا) كما قال في عيد حين قالوا أعياد عييد " وبما نقلناه من عبارة سيبويه يتبين لك ما في عبارة المؤلف من قصور عن أداء المعنى الذي يؤخذ من عبارة سيبويه (*)

(1/212)


وكذا اتفقوا على رد الألف في آدم إلى أصلها، وهو الهمزة، في التصغير والجمع، لكنه يعرض للهمزة فيهما ما يوجب قلبها واواً، وذلك اجتماع همزتين متحركتين لا في الآخر غير مكسورة إحداهما، كما يجئ في باب تخفيف الهمزة وكذا اتفقوا على أنك إذا صغرت ذَوَائب اسم رجل قلت: ذؤيئب بهمزتين مكتنفتين للياء، لأن أصل ذَوَائِب ذآئِب بهمزتين، إذ هي جمع ذُؤَابة (1) فكره
اكتناف همزتين للألف التي هي لخفتها كلا فصل، فأبدلوا الأولى شاذا لزوماً واواً، وإنما لم يقلبوا الثانية لتعود الأولى إلى القلب في المفرد: أي في ذؤابة، وإنما أبدلت واواً لأنها أبدلت في مفرده ذلك، وليكون كأَوادم وجوامع، هذا، وقال سيبويه في تصغير شاء: شُوَيّ، قال: أصل شاء إما شَوَيٌ أو شَوَوٌ قلبت العين ألفاً واللام همزة وكلاهما (2) شاذ، وفيه جمع بين إعلالين، والقياس قلب اللام
__________
(1) الذؤابة - بضم أوله -: الناصية أو منبتها من الرأس، وشعر في أعلى ناصية الفرس، وأعلى كل شئ (2) أما شذوذ قلب العين ألفاً مع تحركها وانفتاح ما قبلها فلان من شرط هذا القلب ألا تكون اللام حرف علة، وأما شذوذ قلب اللام همزة فلانها وقعت بعد ألف ليس زائدة.
والاعلالان هما قلب العين ألفا واللام همزة.
وقد نقل المؤلف عبارة سيبويه بالمعنى والاستنتاج وزاد فيها، وها نحن أولاء نسوقها إليك بنصها.
قال (ج 2 ص 126) : " وأما الشاء فان العرب تقول فيه شوى، وفي شاة شويهة، والقول فيه أن شاء من بنات الياءات أو الواوات التي تكون لامات، وشاة من بنات الواوات التي تكون عينات ولامها هاء، كما كانت سواسية ليس من لفظ سى، كما كانت شاء من بنات الياءات التى هي لامات، وشاة من بنات الواوات التي هي عينات، والدليل على ذلك هذا شوى، وإنما ذا كامرأة ونسوة، والنسوة ليست من لفظ امرأة، ومثله رجل ونفر " اه، وقول سيبويه " وإنما ذا كامرأة ونسوة " يريد به أن شاء اسم جمع لا واحد له من لفظه بل من معناه وهو شاة كما أن نسوة اسم جمع له واحد من معنا.
دون لفظه وهو امرأة (*)

(1/213)


فقط ألفاً، قال: ليس لفظ شاء من شاة لأن أصلها شَوْهَة بدليل شُوَيهة، بل هو بالنسبة إلى شاة كنسوة إلى امرأة، واستدل على كون لامه حرف علة بقولهم في
الجمع شَوِيٌّ ككليب، وقال المبرد: شَوِيٌّ من غير لفظ (1) شاء، وأصل شاء شَوَهٌ فهو من شاة كتمر من تمرة، قلبت العين ألفاً على القياس، كما في باب، ثم قلبت الهاء همزة لخفائها بعد الألف الخافي أيضاً، وهذا كما أن أصل ماء مَوَه، قال: فتقول في تصغير شاء: شويه، كما تقول في ماء: مويه، لزوال الألف الخافي في التصغير، فترد اللام إلى أصلها، كما تقول في الجمع: شياه، ومياه وكذا اتفقوا على رد ميم " فم " إلى أصله، وهو الواو، لأنه إنما جعلت مما لئلا تحذف باجتماع الساكنين، فيبقى الاسم على حرف وما اختلف في هذا القسم في رجوع الحرف المقلوب فيه إلى أصله باب قائم ونائم، وباب أدؤر والنؤر، بالهمزة، وباب مُتَّعد، قال سيبويه في الجميع: لا ترد إلى أصولها في التصغير، بل تقول: قويتم، وأديئر، وأدَيْئر، بالهمزة بعد الياء فيهما وكذا نُؤَيِّر، بالهمزة قبل الياء، وَمُتَيْعِد وَمُتَيْزن، ولعل ذلك لأن قلب العين همزة في باب قائل، وقلب الواو في متعد - وإن كانا مطردَيْنِ - إلا أن العلة فيهما ليست بقوية، إذ قلب العين ألفاً في قائم ليس لحصول العلة في جوهره، ألا ترى أن ما قبل العين أي الألف ساكن عريق في السكون، بخلاف سكون
__________
(1) المبرد يخالف سيبويه من وجوه: أحدها أنه جعل شويا اسم جمع له واحد من معناه وهو شاء، الثاني: أنه جعل شاء اسم جنس جمعيا له واحد من لفظه يفرق بينهما بالتاء وهو شاة، الثالث: أنه قلب العين ألفا قياسا لتحركها وانفتاح ما قبلها مع عدم اعتلال اللام، وقلب اللام التي هي هاء همزة قلبا غير قياسي، الرابع: أنه صغر شاء على شويه في حين أن سيبويه صغره على شوى، وهذا الوجه نتيجة حتمية للوجوه السابقة (*)

(1/214)


قاف أَقْوَمَ، ومع هذا لم يكن حرف العلة في الطرف الذي هو محل التغيير كما كانت في رِدَاء، فلا جرم ضعف علة القلب فيه ضعفاً تاماً حتى صارت كالعدم،
لكنه حمل في الإعلال على الفعل نحو قال، فلما كانت علة القلب ضعيفة لم يُبَالَ بزوال شرطها في التصغير بزوال الألف، وإنما كان الألف شرط علة القلب لأنها قبل العين المتحركة كالفتحة، أو نقول: هي لضعفها كالعدم فكأن واو قَاوِم متحرك مفتوح ما قبلها، وكذا نقول: إن علة قلب الواو في أو تعد تاء ضعيفة، وذلك لأن الحامل عليه كراهة مخالفة الماضي للمضارع لو لم تقلب الواو تاء، لكون الماضي بالياء والمضارع بالواو، مع كون التاء في كثير من المواضع بدلاً من الواو نحو تُرَاث وتُكَلَة وتَقْوَى (1) ، ونحو ذلك، ومخالفة الماضي للمضارع غير عزيزة كما في قال يقول وباع يبيع، فظهر أن قلب الواو تاء وإن كان مطرداً إلا أنه لضرب من الاستحسان، ولقد تخفيف الكلمة بالإدغام ما أمكن، ولضعف العلة لم يقلبه بعض الحجازيين تاء، بل قالوا يتعد يا تعد، كما يجئ في باب الإعلال، فلما ضعفت علتا قلب عين نحو قائم وفاء نحو مُتّعد صار الحرفان كأنهما أبدلا لا لِعِلة، فلم يُبَالَ بزوال العلتين في التصغير، فقيل: قويئم بالهمزة، ومتيعد بالتاء وحذف الافتعال، كما في تصغير نحو مرتفع.
وخالف الجرمي في الأول، فقال: قُوَيِّل وبوَيِّع بترك الهمزة لذهاب شرط العلة، وهو قوع العين بعد الألف، وقد اشترط سيبويه أيضاً في كتاب في قلب العين في اسم الفاعل ألفاً ثم همزة وقوعها بعد الألف، واتفق عليه النحاة، فلا
__________
(1) يقال: رجل وكل - بالتحريك - ووكلة - كهمزة - وتكلة على البدل، ومواكل، كل ذلك معناه عاجز كثير الاتكال على غيره.
والتقية والتقوى والاتقاء كله واحد، وأصل تقوى وقيا، لانه من وقيت، أبدلت واوه تاء وياؤه واوا (*)

(1/215)


وجه لقول المصنف في الشر إن علة قلب العين ألفاً فيه حاصلة، وهي كونه اسم فاعل من فعل مُعَل، فإن هذه العلة إنما تؤثر بشرط وقوع العين بعد الألف
باتفاق مهم وحالف الزجاج في نحو متعد فقال في تصغيره: مُوَيْعد، لذهاب العلة وهي وقوع الواو قبل التاء، ذلك لأن التاء تحذف في التصغير كما في مُرْتَدع وَمُجْتمع كما يجئ.
وأما نحو أدؤر ونَؤُر فإن سيبويه لم يبال بزوال علة قلب الواو همزة في التصغير وهي كونها واواً مضمومة، لأنها وإن كانت مطردة في جواز قلب كل واو مضمومة ضمة لازمة همزةً، كما يجئ، لكنها استحسانية غير لازمة، نحو وُجُوه ونحوه، فهي علة كلا علة، وخالفه المبرد فقال: إنما همزت الواو لانضمامها، وقد زالت في التصغير فتقول في أدؤر ونَؤُر المهموزين: أُدَيِّر بالياء المشددة ونُوَيِّر بالواو الصريحة، ولا كلام في نحو تُخمة وتُرَاث وتُهْمة (1) ، لأن قلب الواو تاء لأجل انضمامها في أول الكلمة، فكرهوا الابتداء بحرف ثقيل متحرك بأثقل الحركات، والضمة حاصلة في التصغير، وهذا القلب غير مطرد، بخلافه في نحو اتَّعد قوله " وأُدَد " (2) هو أبو قبيلة من اليمن، وهو أُدد بن زيد بن كهلان بن
__________
(1) التخمة - بضم ففتح: الثقل الذي يصيبك من الطعام، تأؤه مبدلة من الواو والتهمة - بوزن تخمة -: ظن السوء، وأصلها وهمة من الوهم أبدلت واوها تاء (2) قال في اللسان في مادة ودد: " الود بفتح الواو: صنم كان لقوم نوح ثم صار لكلب، وكان بدونة الجندل، وكان لقريش صنم يدعونه ودا (بضم الواو) ومنهم من يهمز فيقول أد، ومنه سمى عبدود، ومنه سمى أد بن طابخة، وأدد جد معد بن عدنان " اه.
وقال في مادة أد " وأدد: أبو قبيلة من اليمن، وهو أُدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن حمير، والعرب تقول أددا، جعلوه بمنزلة ثقب ولم (*)

(1/216)


سبأ بن حمير، وأدٌّ أبو قبيلة، وهو أد بن طابخة بن الياس بن مضر، يعني أنه في
الأصل وُدَد بالواو المضمومة، واستثقل الابتداء بها فقلبت همزة كما في أجوه وأُقِّتَت، وإبدال الواو المضمومة ضمة لازمة همزة في الأول كانت أو في الوسط قياسٌ مطرد لكن على سبيل الجواز لا الوجوب، ولا أدري أي شئ دعاهم إلى دعوى انقلاب همزة أدد عن الواو، وما المانع من كونه من تركيب " أدد " وقد جاء منه الإدُّ بمعنى الأمر العظيم، وغير ذلك قال: " فَإِنْ كَانَتْ مَدَّةٌ ثَانِيَةٌ فَالْوَاوُ لاَزِمَةٌ، نَحْوُ ضُوَيْرِبٍ في ضَارِبٍ وَضُوَيْرِيبٍ في ضِيرَابٍ، وَالاسْمُ عَلَى حَرْفَيْنِ يُرَدُّ مَحْذُوفُهُ، تَقُولُ في عِدَةٍ وَكُلْ اسْماً وَعَيْدَة وَأُكَيْلٌ، وَفِي سه ومذا سما ستيهة ومنيذ، وفي دم وَحِرٍ دُمَيٌّ وَحُرَيْحٌ، وَكَذَلِكَ بَابُ ابْنٍ وَاسْمٍ وَأُخْتٍ وَبِنْتٍ وَهَنْتٍ، بِخِلاَفِ بِابِ مَيْتٍ وَهَارٍ وَنَاسٍ " أقول: قد مر أن نحو ضويرب مما عرض فيه في التصغير علة القلب اعلم أن كل مدة زائدة ثانية غير الواو تقلب في التصغير واواً لانضما ما قبلها، فتقول في ضارب وضيراب وطُومار: ضُوَيرِب وَضُوَيْريب وطُوَيْمِير (1) ، وأما إن لم تكن زائدة نحو الْقِير (2) والنَّاب فلا، بل تقول: قُيَير ونُيَيْب قوله " والاسم على حرفين يرد محذوفه " هذا من باب ما عرض فيه في التصغير مانع منه من اعتبار سبب الحذف الذي كان في المكبر كما ذكرنا اعلم أن كل اسم ثلاثي حذف فاؤه أو عينه أو لامه وجب في التصغير ردها،
__________
يجعلوه بمنزلة عمر " اه وهذا الصنيع منه يشعر بوجود خلاف في همزة أدد، هل هي أصلية أو منقلبة عن الواو، وأنه لم يترجح عنده أحد المذهبين (1) الطومار: الصحيفة، والمؤلف أراد أن يمثل به لما كانت المدة الثانية فيه واوا، وحكمها أن تبقى في التصغير ولا تقلب (2) القير - بالكسر - والقار: شئ أسود يطلى به السفن والابل، أو هما الزفت (*)

(1/217)


لأن أقل أوزان التصغير فُعَيْل، ولا يتم إلا بثلاثة أحرف، فإذا كنت محتاجاً إلى حرف ثالث فَرَدُّ الأصلي المحذوف من الكلمة أولى من اجتلاب الأجنبي، وأما إن كانت الكلمة موضوعة على حرفين أو كُنْتَ لا تعرف أن الذاهب منها أي شئ هو، زدت في آخرها في التصغير ياء، قياساً على الاكثر، لان ما يحذف من الثلاثي اللام دون الفاء والعين، كدمٍ ويدٍ وفم وَحِرٍ، وأكثر ما يحذف من اللام حرف العلة، وهي إما واو، أو ياء، ولو زدت واواً وجب قلبها ياء لاجتماعها مع الياء الساكنة قبلها، فجئت من أول الأمر بالياء، فقلت في تصغير مَنْ وَمِن وأن الناصبة للمضارع وإن الشرطية أعلاماً: مُنَيّ وَأُنَيّ، وأما إذا نسبت إلى مثل هذه فيجيئ حكمها في باب النسب، وتقول في تصغير عدة: وعيدة وهذ التاء وإن كانت كالعوض من الفاء ولذلك لا يتجامعان نحو وَصْلة وَوَعْدَة، لكنه لم يتم بنية تصغير الثلاثي - أي فُعَيْل - بها، لأن أصلها أن تكون كلمة مضمومة إلى كلمة، فلهذا فتح ما قبلها كما فتح في نحو بَعْلَبَك، فالتاء مثل كرب ما قبلها، وأما إذا قامت التاء مقام اللام وصارت عوضاً منه كما في أُخت وبنت فإنها تخرج عما هو حدها من فتح ما قبلها، بل تسكن ويوقف عليها تاء، ولا يعتد بمثل هذه أيضاً في البنية، بل يقال أَخَيَّه برد اللام حفظاً لأصل التاء، وهو الانفصال، وكونُهَا كلمة غير الكلمة الأولى، فإذا لم يعتد بها في البنية في نحو بِنْتٍ مع كونها عوضاً من اللام قائمة مقامها لما فيها من رائحة التأنيث فكيف يعتد بها فيها في نحو عِدَة مع عدم قيامها مقام المعوض منه بدلالة فتح ما قبلها كما هو حقها في الأصل وكذا الوقف عليها هاء، وتقول في كل اسما: أُكَيْل، ترد الهمزة التي هي فاء الكلمة، ولا ترد همزة الوصل، لأنه إنما احتيج إليها لسكون الفاء، وفي المصغر يتحرك ذلك

(1/218)


قوله " وفي مذ " هذا بناء على أن أصله منذ، وقد ذكرنا في شرح (1) الكافية أنه لم يقم دليل عليه قوله " سه " أصله سَتَه وفيه ثلاث لغات إحداها هذه، وهي محذوفة العين، والثانية سَتٌ بحذف اللام مع فتح السين، والثالثة است بحذف اللام وإسكان السين والمجئ بهمزة الوصل فأما إذا سميت بقُمْ وبع فإنك تقول في المكبر: قُومٌ وبيع، كما مر في باب الأَعلام (2) فلا يكون من هذا الباب قوله " وفي دَم وَحِرٍ " لام دم ياء، ولام حِرٍ حاء، حذفت لاستثقال الحاءين بينهما حرف ساكن، وحذفُ العين في سَهٍ ومُذ واللام من حر ودم ليس قياساً بل القياس في نحو عَمٍ وَفَتًى، وحذف الفاء في كُلْ شاذ، وفي عِدَة قياس كما يجئ في موضعه قوله " وكذا باب ابن واسم وبنت وهَنْت " يعني إذا حذفت اللام وأبدلت منها همزة الوصل في أول الكملة أو التاء في موضعه فإنه لا يتم بالبدلين بنية تصغير الثلاثي، بل لابد من رد اللام، وإنما لم يتم بهمزة الوصل لأنها غير لازمة، بل لا تكون إلا في الابتداء، فلو اعتد بها لم تبق البنية في حال الدرج إن سقطت
__________
(1) قد سبق أن تكلمنا على هذه الكلمة فيما مضى من الكتاب (ص 7) (2) قال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 134) : " ولهذا يرد اللام أو العين إذا سمى بفعل محذوف اللام أو العين جزما أو وقفا كيغز ويرم ويخش واغز وارم واخش ويخف ويقل ويبع وخف وقل وبع، فتقول: جاءني يغز ويرم والتنوين للعوض كما في قاض اسم امرأة، ويخشى كيحيى واغزو وارمي واخشى ويخاف ويقول ويبيع وقول وبيع وخاف، كما مر في غير المنصرف " اه (*)

(1/219)


الهمزة وإن لم تسقط خرجت همزة الوصل عن حقيقتها، لأنها هي التي تسقط في الدرج، وإنما لم يعتد بالتاء في البنية لما فيها من رائحة التأنيث لاختصاص الإبدال بالمؤنث دون المذكر، وإنما قلنا إن الهمزة والتاء بدلان من اللام لأنهما لا تجامعانه، ولم يجئ من الكلمات ما أبدل من لامه تاء فيكون ما قبلها ساكناً ويوقف عليها تاء إلا سبع كلمات: أخت، وبنت، وهَنْت، وَكَيْتَ، وذيْتَ، وثنتان (1)
__________
(1) أخت: أصلها أخو، حذفت لامها اعتباطا وعوض عنها التاء مع قصد الدلالة على المؤنث وغيرت الصيغة من فعل (كجبل) إلى فعل (بضم فسكون) دلالة على أن التاء ليس متمحضة للتأنيث.
وبنت: أصلها بنو، فعل بها ما فعل بأخت إلا أنهم كسروا فاء الكلمة منها.
والهن والهنت: كناية عن الشئ يستفحش ذكره.
قال في اللسان: ويقال للمرأة ياهنة أقبلي فأذا وقفت قلت: يا هنه وقالوا: هنت بالتاء ساكنة النون فجعلوه بمنزلة بنت وأخت، وهنتان وهنات، تصغيرها هنية وهنيهة، فهنية على القياس وهنيهة على إبدال الهاء من الياء في هنية للقرب الذي بين الهاء وحروف اللين، والياء في هنية بدل من الواو في هنيوة، والجمع هنات على اللفظ وهنوات على الاصل.
قال ابن جنى: أما هنت فيدل على أن التاء فيها بدل من الواو قولهم هنوات قال: أرى ابن نزار قد جفاني وملنى * على هنوات شأنها متتابع أما كيت فقد قال في اللسان: " وكان من الامر كيت وكيت، يكنى بذلك عن قولهم كذا وكذا، وكان الاصل فيه كية وكية (بتشديد الياء) فأبدلت الياء الاخيرة تاء وأجروها مجرى الاصل لانه ملحق بفلس والملحق كالاصلى.
قال ابن سيده: قال ابن جنى: أبدلوا التاء من الياء لاما وذلك في قولهم كيت وكيت وأصلها كية وكية ثم إنهم حذفوا الهاء وأبدلوا من الياء التى هي لام تاء كما فعلوا ذلك في قولهم ثنتان فقالوا كيت
فكما أن الهاء في كية علم تأنيث كذلك الصيغة في كيت علم تأنيث، وفى كيت ثلاث لغات، منهم من يبنيها على الفتح (طلبا للخفة) ومنهم من يبنيها على الضم (تشبيها لها بقبل وبعد) ومنهم من يبنيها على الكسر (على أصل التخلص من التقاء الساكنين) .
(*)

(1/220)


وكلتا عند سيبويه (1) ، وقولهم مَنْتٌ (2) بسكون النون مثلها، لكنها
__________
قال: وأصل التاء فيها هاء وإنما صارت تاء في الوصل " اه بتصرف.
وأما ذيت.
فالقول فيها كالقول في كيت تماما.
وأما ثنتان فقد قال في اللسان: " والاثنان ضعف الواحد، والمؤنث الثنتان، تاؤه مبدلة من ياء، ويدل على أنه من الياء أنه من ثنيث لان الاثنين قد ثنى أحدهما إلى صاحبه، وأصله ثنى (كجبل) يدلك على ذلك جمعهم إياه على أثناء بمنزلة أبناء وآخاء، فنقلوه من فعل (بفتح الفاء والعين) إلى فعل (بكسر الفاء وسكون العين) كما فعلوا ذلك في بنت، وليس في الكلام تاء مبدلة من الياء في غير افتعل إلا ما حكاه سيبويه من قولهم: أسنتوا، وما حكاه أبو على من قولهم: ثنتان اه، وقوله أسنتوا قال عنه ابن يعيش (10: 40) : و " قولهم أسنتوا أي أجدبوا، وهو من لفظ السنة على قول من يرى أن لامها واو، لقولهم سند سنواء واستأجرته مساناة، ومنهم من يقول التاء بدل من الواو، ومنهم من يقول إنها بدل من الياء، وذلك أن الواو إذا وقعت رابعة تنقلب ياء على حد أوعيت وأغزيت ثم أبدل من الياء التاء، وهو أقيس " أه (1) قال ابن يعيش في شرح المفصل (ح 1 ص 55) : " وقد اختلف العلماء في هذه التاء (يريد تاء كلتا) فذهب سيبويه إلى أن الالف للتأنيث والتاء بدل من لام الكلمة كما أبدلت منها في بنت وأخت ووزنها فعلى كذكري وحفرى - وهو بنت - وذهب أبو عمر الجرمى إلى أن التاء للتأنيث والالف لام الكلمة كما كانت في كلا، والاوجه الاول، وذلك لامرين: أحدهما: ندرة البناء وأنه ليس في الاسماء فعتل
(بكسر الفاء وسكون العين وفتح التاء) ، والثانى: أن تاء التأنيث لا تكون في الاسماء المفردة إلا وقبلها مفتوح نحو حمزة وطلحة وقائمة وقاعدة، وكلتا اسم مفرد عندنا، وما قبل التاء فيه ساكن فلم تكن تاؤه للتأنيث مع أن تاء التأنيث لا تكون حشوا في كلمة، فلو سميت رجلا بلكتا لم تصرفه في معرفة ولا نكرة كما لو سميت بذكرى وسكرى لان الالف للتأنيث، وقياس مذهب أبى عمر الجرمى ألا تصرفه في المعرفة وتصرفه في النكرة، لانه كقائمة وقاعدة إذا سمى بهما فاعرفه " اه.
ويؤخذ مما ذكره المؤلف في باب النسب أن من العلماء من ذهب إلى أن التاء بدل من الواو التى هي لام الكلمة وليس فيها معنى التأنيث كالتاء في ست، وأصله سدس، وكالتاء في تكلة وترات وأصلها وكلة ووراث (2) منت: أصله من زيدت فيه التاء عند الحكاية وقفا للدلالة على تأنيث المحكى (*)

(1/221)


ليست بدلاً من اللام، إذ لا لام لمن وضعا، وتقول في تصغيرها: أُخيَّة، وبنية، وبنية، وهُنَيْهَة، لأن لامها ذات وجهين كسنة، وتصغير سنة أيضاً على سُنَيَّةٍ وَسُنَيْهَة، وتقول في منت: مُنَيَّة كما تصغر مَنْ على ما ذكرنا، وتقول في كَيْتَ وَذَيْتَ: كُيَيَّة وذُيَيَّة، لقولهم في المكبر ذَيَّة وكَيَّة أيضاً، ومن قال أصلهما كَوْيَة وَذَوْيَة لكون باب طَوَى أكثر من باب حَيِيَ قال: كُوَيَّة وَذُوَيَّة، وإنما فتحتَ ما قبلها في التصغير ووقفت عليها هاء لانك إذا رددت اللام لم يكن التاء بدلاً منها، وإذا سميت بضَرَبَت قلت: ضَرَبة كما مر في العلم وتصغرها على ضُرَيْبَة، وتقول في تصغير فُل (1) فُلَيْنِ، لأن لامه نون من قولهم
__________
والافصح فيه أن يقال: منه، بتحريك نونه وإبدال تائه هاء (1) هذا الذي ذهب إليه المؤلف في هذا الكلمة هو مذهب الكوفيين في " فل " التى تختص بالنداء في نحو قولهم يافل ويافلة وهو مذهب جميع النحاة في فل التى
تستعمل في غير النداء من مواقع الكلام نحو قول الشاعر * في لجة أمسك فلانا عن فل * ومذهب البصريين في المختص بالنداء أن لامه ياء وأنه يقال في تصغيره فلى.
قال أبو الحسن الاشمونى: " لا يستعمل فل في غير النداء ويقال للمؤنثة: يافلة، واختلف فيهما، فمذهب سيبويه أنهما كنايتان عن نكرتين ففل كناية عن رجل وفلة كناية عن امرأة، ومذهب الكوفيين أن أصلهما فلان وفلانة فرخما، ورده الناظم، لانه لو كان مرخما قيل فيه فلا، ولما قيل في التأنيث فلة وذهب الشلويين وابن عصفور وصاحب البسيط إلى أن فل وفلة كناية عن العلم نحو زيد وهند بمعنى فلان وفلانة، وعلى ذلك مشى الناظم وولده.
قال الناظم في شرح التسهيل وغيره: إن يافل بمهى يا فلان ويافلة بمعنى يا فلانة.
قال: وهما الاصل، فلا يستعملان منقوصين في غير نداء إلا في غير نداء إلا في ضرورة فقد وافق الكوفيين في أنهما كناية عن العلم وأن أصلهما فلان وفلانة وخالفهم في الترخيم ورده بالوجهين السابقين " اه.
وقال بعد ذلك: " وجر في الشعر فل، قال الراجز: في لجة ... ، (*)

(1/222)


فلان، وتقول في تصغير قَطْ وَرُبَ وَبَخٍ مخففات: قُطَيْط وَرُبَيْبٌ وَبُخَيْخ (1) وتقول في تصغير ذِهْ مسكن الهاء ذُيَيٌّ لأن الهاء بدل من الياء، والأصل ذي كما مرّ في أسماء الإشارة
__________
والصواب أن أصل هذا فلان وانه حذف منه الالف والنون للضرورة كقوله: * درس المنا بمتالع فأبان * أي درس المنازل وليس هو فل المختص بالنداء، إذ معنا هما مختلف على الصحيح كما مر أن المختص بالنداء كناية عن اسم الجنس، وفلان كناية عن علم ومادتهما مختلفة، فالمختص مادته من ف ل ى فلو صغرته قلت فلى وهذا مادته ف ل ن فلو صغرته قلت
فلين " اه.
وقال ابن منظور في اللسان: " قال ابن بزرج: يقول بعض بني أسد: يافل أقبل ويافل أقبلا ويافل أقبلوا وقالوا للمرأة فيمن قال يافل أقبل يا فلان أقبلي وبعض بنى تميم يقول يا فلانة أقبلي، وبعضهم يقل يافلاة أقبلي، وقال غيرهم: يقال للرجل: يافل أقبل وللائنين يا فلان ويافلون للجميع أقبلوا وللمرأة يافل (بفتح اللام) أقبلز ويافلتان ويافلاة أقبلن نصب في الواحد لانه أراد يافلة فنصبوا الهاء.
ثم قال قال الخليل: فلان تقديره فعال (بضم الفاء) وتصغيره فلين (بتشديد الياء) قال: وبعض يقول: هو في الاصل فلان (بضم الفاء وسكون العين) حذفت منه واو.
قال: وتصغيره على هذا القول فليان، وروى عن الخليل أنه قال: فلان نقصانه ياء أو واو من آخره والنون زائدة لانك تقول في تصغيرة فليان فيرجع إليه ما نقص وسقط منه ولو كان فلان مثل دخان لكان تصغيره فلين مثل دخيت (بتشديد الياء فيهما) ولكنهم زادوا ألفا ونونا على فل (بفتح اللام) " اه ملخصا (1) قال ابن هشام: قط على ثلاثة أوجه - أحدها - أن تكون ظرف زمان لاستغراق ما مضى، وهذه بفتح القاف وتشديد الطاء مضمومة في أفصح اللغات ... وقد تكسر على أصل التقاء الساكنين وقد تتبع قافه طاءه في الضم وقد تخفف طاءه مع ضمها أو إسكانها - والثانى: أن تكون بمعنى حسب، وهذه مفتوحة القاف ساكنة الطاء، ويقال فيها: قطى وقطك ... - والثالث: أن تكون اسم فعل بمعنى يكفى فيقال قطني بنون الوقاية " اه ومثل هذا في شرح الكافية للمؤلف (ح 2 (*)

(1/223)


قوله " بخلاف مَيِّت وهَائر (1) وأناس، حذفتها لا لعلة موجبة، بل للتخفيف، وهذه العلة غير زائلة في حال التصغير، ولا حاجة ضرورية إلى رد المحذوف، كما كانت في القسم المتقدم، إذ يتم بية التصغير بدونها، وكذا لا ترد المحذوف في تصغير يَرَى وترى وأرى ونرى، ويَضع وتضع،
وخير وشر، بل تقول: يُرَيٌّ وتُرَيٌّ وَأُرَيّ ونُرَيٌّ وَيُضَيْع وَتُضَيْع وَخُيَيْر وشُرَيْر، وحكى يونس أن أبا عمرو كان يقول في مُرٍ: مُرَئْ كمريع، يهمز ويكسر كمعيط في مُعْطٍ: فألزمه سيبويه أن يقول في مَيْتٍ وَناسٍ مُيَيْتٌ وأنيس، وكان المازني يرد نحو يَضَع وَهَارٍ إلى أصله، نحو يويضع وهو يئر
__________
ص 117) وزاد أنه يقال في قط الظرفية قط بضم القاف مع تخفيف الطاء مضمومة ومراد المؤلف هنا قط الظرفية المخففة على أي وجه من وجوهها.
وقال صاحب المغنى: " وفى رب ست عشرة لغة ضم الراء وفتحها وكلاهما مع التشديد والتخفيف والاوجه الاربعة مع تاء التأنيث ساكنة أو محركة ومع التجرد منها فهذه اثنتا عشرة والضم والفتح مع إسكان الباء وضم الحرفين مع التشديد ومع التخفيف ".
وبخ: كلمة تقال عند تعظيم الشى، أو استحسانه وهى بسكون الخاء وبكسرها منونة أو بغير تنوين وبتشديدها مكسورة مع التنوين وبضما مخففة مع التنوين، فان كررتها سكنتهما أو نونتهما مع الكسر أو نونت الاولى وسكنت الثانية (1) قال في اللسان: " هار البناء هورا هدمه.
وهار البناء والجرف يهور هورا وهؤورا فهو هائر وهار على القلب " اه، فالفعل لازم ومتعد، وقوله وهار على القلب يريد أن أصله هاور ثم قدمت الراء على الواو فصار هارواثم قلبت الواو ياء لتطرفها اثر كسرة فصار هاريا ثم أعل إعلال قاض.
وقال في اللسان أيضا: " الناس قد يكون من الانس ومن الجن، وأصله أناس فخفف، ولم يجعلوا الالف واللام فيه عوضا من الهمزة المحذوفة، لانه لو كان كذلك لما اجتمع مع المعوض منه في قول الشاعر: (*)

(1/224)


قال السيرافي: فيلزمهم أن يقولوا: أُخَيِّر وَأُشَيِّر، وقد حكى يونس عن جماعة هُويئر، فقال سيبويه: هذا تصغير هائر لا تصغير هارٍ (1) ، كما قالوا في تصغير بَنُون
أُبَيْنُون، وهو تصغير أبْنَى مقدراً كأضحى، وإن لم يستعمل كما مر في شرح الكافية (2) في الجمع، ولو كان تصغير بَنُون على لفظه قلت بُنَيُّونَ
__________
(1) يريد أنك إذا صغرت هائرا الذي بقى على أصله من غير قلب مكاني قلت هويئر كما تقول سويئل ونويئل وصوبئم في تصغير سائل ونائل وصائم، وإذا أردت تصغير هار الذى قدمت لانه على عينه قلت هوير كما تقول قويض وغويز في تصغير قاض وغاز (2) قال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 170، 171) : " الشاذ من جمع المذكر بالواو والنون كثير منها أبينون،، قال: زعمت تماضر أنني إما أمت * يسدد أبينوها الاصاغر خلتى وهو عند البصريين جمع أبين وهو تصغير أبنى مقدرا على وزن أفعل كأضحى فشذوذه عندهم لانه جمع لمصغر لم يثبت مكبره.
وقال الكوفيون: هو جمع أبين، وهو تصغير أبن مقدرا وهو جمع أبن كادل في جمع دلو، فهو عندهم شاذ من وجهين كونه جمعا لمصغر لم يثب مكبره ومجئ أفعل في فعل وهو شاذ كأجبل وأزمن، وقال الجوهرى: شذوذه لكونه جمع أبين تصغير ابن بجعل همزة الوصل قطعا، وقال أبو عبيد: هو تعغير بنين على غير قياس " اه.
قال البغدادي (ح 3 ص 401) : " وقال ابن جنى في إعراب الحماسة: ذهب سيبويه إلى أن الواحد المكبر من هذا الجمع أبنى على وزن أفعل مفتوح العين بوزن أعمى ثم حقر أيضا فصار أبين كأعيم ثم جمع بالواو والنون فصار أبينون ثم حذفت النون للاضافة فصار أبينوها، وذهب الفراء إلى أنه كسر ابنا على أفعل مضمون العين ككلب وأكلب، ويذهب البغداديون في هذه المحذوفات إلى أنها كلها سوا كن العين فأبين عنده كأديل كما أن ابن ذلك المقدر عندهم كأدل وكأن سيبويه إنما عدل إلى أن جعل الواحد من ذلك أفعل اسما واحدا مفردا غير مكسر لامرين أحدهما
أن مذهبه في ابن أنه فعل (بفتح العين) بدلالة تكسيرهم إياها هلى أفعال، (*)

(1/225)


قال " وَإِذَا وَلِيَ يَاءَ التَّصْغِيْرِ وَاوٌ أَوْ ألف منقبلة أَوْ زَائِدَةٌ قُلِبَتْ يَاءً، وَكَذَلِكَ الْهَمْزَةُ الْمُنْقَلِبَةُ بَعْدَهَا نَحْوُ عُرَيَّةٍ وَعُصَيَّةٍ وَرُسَيِّلَةٍ، وَتَصْحِيحُهَا في بَابِ أسيد وجديد قَلِيلٌ، فَإِنِ اتَّفَقَ اجْتِمَاعُ ثَلاَثِ يا آت حُذِفَتِ الأَخِيْرَةُ نَسْياً عَلَى الأَفْصَح، كَقَوْلِكَ في عَطَاء وإدَاوَةٍ وَغَاوِيَةٍ وَمُعَاوِيَة: عُطَيٌّ وَأُدَيَّةٌ وَغُوَيَّةٌ وَمُعَيَّةٌ، وَقِيَاسُ أَحْوَى أُحَيُّ غَيْرَ مُنْصَرِفٍ، وَعِيْسَى يَصْرِفُهُ، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: أُحَيّ، وَعَلَى قِيَاسِ أُسَيْوِد أُحَيْوٍ " أقول: قوله " وذا ولي ياء التصغير " إلى قوله " وجديل قليل " من باب ما يعرض فيه للتصغير سبب القلب (1)
__________
وليس من باب فعل (كقفل) أو فعل (كجذع) - والاخر - أنه لو كان أفعل لكان لمثال القلة ولو كان له لقبح جمعه بالواو والنون وذلك أن هذا الجمع موضوع للقلة فلا يجمع بينه وبين مثال القلة، لئلا يكون ذلك كاجتماع شيئين لمعنى واحد وذلك موفوض في كلامهم " اه (1) شملت هذه العبارة أربعة أنواع عرض فيها سبب القلب عند التصغير - الاول - الواو التالية لياء التصغير سواء أكانت أصلية وهى لام كعروة ودلو وحقو أم كانت زائدة كعجوز ورسول وجزور.
وهذا النوع تقلب واوه ياء بسبب عرض وهو اجتماع الواو والياء في كلمة وسبق إحداهما بالسكون - الثاني - الالف المقلبة عن واو أو ياء ولا تكون إلا لاما كفتى وعصا ورحى.
وهذا النوع ترد فيه الالف إلى أصلها إذ قد زال بسبب التصغير سبب قلب الواو والياء ألفا وهو تحرك كل منهما مع انفتاح ما قبله، وعرض سبب آخر موجب للقلب في الواو وهو اجتماعها مع الياء وسبق إحداهما
التى هي ياء التصغير بالسكون وللادغام في الياء وهو اجتماع المثلين في كلمة وأولهما ساكن، والظاهر أن المؤلف رحمه الله لم يراع رد الالف إلى أصلها بل قلبها من أول الامر ياء - الثالث - الالف الزائدة لياء التصغير كألف رسالة وقلادة وقضاعة وقحافة وسحابة وشهامة.
وهذا النوع تقلب فيه الالف ياء لما قد تقرر من أنه يحب كسر الحرف التالى لياء التصغير فيما زاد على الثلاثة والالف حرف (*)

(1/226)


قوله " فإن اتفق اجتماع - إلى آخر ما ذكر " من باب ما يزول فيه في التصغير سبب القلب الذي كان في المكبر ويعرض في التصغير سبب الحذف قوله " قلبت ياء " ليس على إطلاقه، بل بشرط أن لا يكون بعد الواو أو الألف حرفان يقعان في التصغير موقع العين واللام من فعيعل، فإنه إن كان بعدهما حرفان كذا وجب حذفهما، وكذا كل ياء في مثل موقعهما، تقول في تصغير مقاتل: مُقَيْتِل، بحذف الألف، إذ مُفَيِّعل - بتشديد الياء - ليس من أبنية التصغير، وكذا تُقَيْتِل في تصغير تُقُوتل علماً بحذف الواو، وكذا حُمَيْرير في تصغير احميرار بحذف الياء مع همزة الوصل، كما يجئ، وإنما تقلب الألف والواو ياء إذا وقعا إما مَوْقِعَ اللام من فُعَيْل، نحو أُذَيّ في تصغير إذا علماً، وعُرَيَّة في تصغير عُرْوَة، أو موقع العين من فُعَيْعِل، كرُسَيِّلة في رسالة، وعُجَيِّز في عَجُوز، وإنما قلبتا ياءين لانهما إذن لابد من تحريكهما، فإذا تحركت الواو وقبلها ياء ساكنة وجب قلبها ياء، وإذا قصدت تحريك الألف فجعلها ياء أولى، لأنها إن جعلتها واواً وجب قلبها ياء لما ذكرنا، وجعلها هنزة بعيد، لأن اعتبار التقارب في الصفة في حروف العلة أكثر من اعتبار التقارب في المخرج، فلذلك لا تقلب الألف همزة إلا في موضع لو قلبت
__________
لا يقبل الحركة ولم يجز قلبها إلى حرف آخر من غير حروف العلة لأن حروف العلة بعضها أَنسب ببعض، ولم يجز قلبها واوا لانها لو قلبت واوا لاجتمعت مع
الياء الساكنة السابقة عليها، فكان ينبغي قلبها ياء فأثرنا الاختصار بقلبا ياء من أول الامر - الرابع - الهمزة المنقلبة عن واو أو ياء التالية لالف زائدة مثل كساء وبناء وقضاء وسماء وعواء وزها.
وهذا النوع تقلب فيه الالف الزائدة ياء لما تقدم في النوع الثالث، فيزول سبب قلب الواو أو الياء همزة، فتعود كل منهما، ثم تقلب الواو ياء لتطرفها إثر كسرة، وكأن المصنف والشارح لا يريان رجوع الهمزة إلى أصلها بل يقلبانها ياء من أول الامر، ولهذا لم يفرقا بين الواوى واليائي.
واعلم أن النوع الرابع كما عرض فيه سبب القلب قد عرض فيه سبب الحذف (*)

(1/227)


فيه واواً أو ياءً لانقلبت ألفاً أيضاً، كألف التأنيث في حمراء (1) والألف في نحو الضَّالِّين ودابة (2) ، وأما العألم والبأز فنادران (3)
__________
(1) أصل حمراء حمرى كسكرب ثم قصد مد الصوت فزيدت ألف قبل ألف التأنيث فاجتمع ألفان فلزم قلب الثانية همزة لانه لو قلبت الاولى لفات الغرض المأتى بها لاجله، ولو قلبت الثانية واوا أو ياء رعاية للتقارب في الصفة بين حروف العلة لصارت حينئذ حمراى أو حمراو فتقع كل من الواو والياء متحركة مفتوحا ما قبلها إذ لا اعتداد بالالف لزيادتها فيجب انقلابهما ألفا فتعود الكلمة سيرتها الاولى.
(2) يحكى عن أيوب السختيانى في الشواذ (والا الضألين) بهمزة مفتوحة - فرارا من التقاء الساكنين، وحكى أبو زيد عنه دأبة وشأبة - بهمزة مفتوحة أيضا - للعلة المتقدمة.
وإنما قلب الالف همزة ولم يقلبها ياء ولا واوا لانه لو قلبها إلى إحداهما لصارت كل واحدة منهما متحركة مفتوحا ما قبلها فيلزم قلبها ألفا.
قال أبو البقاء العكبرى في كتابه وجوه القراءات (ج 1 ص 5) : " وقرأ أيوب السختيانى بهمزة مفتوحة:، وهى لغة فاشية في العرب في كل ألف وقع بعدها حرف مشدد نحو ضال ودابة وجان
والعلة في ذلك أنه قلب الالف همزة لتصح حركتها لئلا يجمع بين ساكنين " اه وقال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره (ج 1 ص 131) الاصل في الضالين الضاللين، حذفت حركة اللام الاولى ثم أدغمت اللام فاجتمع ساكنان مدة الالف واللام المدغمة.
وقرأ أيوب السختيانى ولا الضألين - بهمزة غير ممدودة - كأنه فر من التقاء الساكنين وهى لغة، حكى أبو زيد قال: سمعت عمرو بن عبيد يقرأ (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جأن) فظننته أنه قد لحن حتى سمعت من العرب دأبة وشأبة.
قال أبو الفتح: وعلى هذه اللغة قول كثير: * إذا ما الغوانى بالعبيط احمأرت * اه كلامه (3) إنما كان ذلك نادر لان الالف لو قلبت واوا أو ياء لم يلزم قلبهما ألفا لعدم تحركهما.
وقد قال المؤلف في باب الابدال: وعن العجاج أنه كان يهمز (*)

(1/228)


ثم إن الواو الواقعة بعد ياء التصغير - أعني التي لا تحذف - لا يخلوا إما أن تكون لاماً أو غير لام فاللام تقلب ياء لا غير، تقول: غُزَيّ وعُرَيَّة في غَزْو وعُرْوة، وكذا غُزَيَّان وعُشَيَّاء وغُزَيَّيّة بياءين مشددتين، في تصغير غزوان وعشوا (1) وغَزْويَّة منسوبة إلى الغزو وأما غير اللام فإن كانت ساكنة في المكبر فلابد من قلبها ياء، نحو عُجَيِّز
__________
العالم والخاتم، وليس ذلك فراراً من التقاء الساكنين ولكن لتقارب مخرجي الألف والهمزة " اه كلامه، نقول: ومن شواهد قلب الالف همزة في العالم قول العجاج.
يا دار سلمى يا اسلمى ثم اسلمي * فخندف هامة هذا العألم ومن شواهد قلبها همزة في البأز قول الشاعر
كأنه بأزدجن فوق مرقبة * جلى القطا وسط قاع سملق سلق الجمع فقالوا: أبؤز وبئزان كما استمر قلب الواو ياء في عيد لسكونها إثر كسرة عند جمعه فقالوا أعياد (1) قال عن اللسان؟ ؟ ؟: " والغزو السير إلى قتال العدو وانتها به.
غزاهم غزوا وغزوانا، عن سيبويه، صحت الواو فيه كراهية الاخلال.
وغزاة، اه وقوله.
صحت الواو فيه كراهية الاخلال، يريد به أن حق الواو في غزوان أن تقلب ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، لكنها لم تقلب لانها لو قلبت لاجتمع ألفان فكان يجب حذف إحداهما دفعا لالتقاء الساكنين فيصير غزان فيلتبس فعلان (بفتح العين) بفعال.
والعشواء أنثى الاعشى، قال في اللسان: " العشا مقصور سوء البصر بالليل والنهار يكون في الناس والدواب والابل والطير، وقيل: هو ذهاب البصر وقيل: هو ألا يبصر بالليل، وقد عشى يعشى عشى (كعمي يعمى عمى) وهو عش وأعش والانثى عشواء، اه ملخصا (*)

(1/229)


وجُزَير في عَجوز (1) وجَزور، وإن كانت فيه متحركة أصليةً كانت كأسْوَد ومِزْوَد، أَو زائدة كَجَدْوَل فالأكثر القلب، ويجوز تركه كأسَيْود وجُدَيْوِل (2) ، لقوة الواو المتحركة، وعدم كونها في الآخر هو محل التغيير، وكون ياء التصغير عارضة غير لازمة، وقال بعضهم: إنما جاز ذلك حملاً على التكسير، نحو جداول وأساود، ولو كان حملاً عليه لجاز في مقام ومقال مُقَيْوم ومُقَيْول كما في مقاول ومقاوم قوله " وكذلك الهمزة المنقلبة بعدها " أي: الهمزة المنقلبة عن الألف المنقلبة عن واو أو ياء بعد الألف الزائدة التي تلي ياء التصغير يعرض فيه سببُ قلب الألف ياء كما مر، ويزول سبب قلب اللام ألفاً، إذ من جملته الألف الزائدة والفتحة التي
__________
(1) أجمعوا على أنه يقال للمرأة المسنة: عجوز - بلا تاء - واختلفوا في أنه هل يقال لها عجوزة - بالتاء - وفى أنه هل يقال للرجل عجوز أيضا، وقد حكى صاحب اللسان عن بعض أئمة اللغة أنه يقال للرجل عجوز، كما حكى أنه يقال للمرأة عجوزة بالتاء مع القلة.
والجزور: المجزور من الابل، يقع على الذكر والانثى وهو مؤنث بلا تاء تقول: هذه جزور بنى فلان وجزور بنى فلان ذبحتها وإن عنيت بذلك المذكر (2) المزود: وعاء يجعل فيه الزاد.
والاسود: أصله صفة من السواد، وقد سمى به نوع الحيات وهو العظيم الذى فيه سواد وقد قالوا في مؤنثه أسودة وقالوا في مؤنث الصفة سوداء ولم يفرق المؤلف رحمه الله بين الصفة والاسم في جواز الوجهين - وهما التصحيح وقلب الواو ياء في التصغير -، والذي حكاه أبو الحسن الاشمونى في شرحه الى الالفية في باب الابدال أنه إن جمعت الكلمة على صيغة منتهى الجموع جاز فيها الوجهان في التصغير، وذلك كأسود الاسم وجدول فقد قيل في جمعهما أساود وجداول، وأما إن كانت الكلمة لم تجمع على هذه الزنة فليس فيها إلا الاعلال وذلك كأسود وأعور وأحول وأحور إذ جاء جمعها على فعل - بضم فسكون - وإنما أجاز الوجهين: أما الاعلال فلانه الاصل، وأما التصحيح فحملا للتصغير على التكسير، وإنما لم يفرق المؤلف هذا الفرق لانه جعل علة جواز التصحيح قوة الواو بالحركة (*)

(1/230)


قبلها، ويعرض سبب آخر لقلب اللام، إن كان واواً، ثم سبب آخر لحذف ذلك اللام، وذلك أنه إذا اجتمع ثلاثُ يا آت والأخيرة متطرفة لفظاً كما في أحَيّ أو تقديراً كما في معينة وثانيتها مكسورة مدغم فيها، ولم يكن ذلك في الفعل كما في أُحَييِّ ويُحَييِّ ولا في الجاري عليه نحو الْمُحَيّى، وجب حذف الثالثة نسيا، كما يجئ في باب الإعلال تحقيقه
فإذا حقر نحو عَطَاء قلب ألفه ياء كما في حِمار، فيرجع لام الكلمة إلى أصلها من الواو لزوال الألف قبلها، ثم تنقلب ياء مكسوراً ما قبلها، فتجتمع ثلاث يا آت: الأولى للتصغير، والثانية عوض من الألف الزائدة، والثالثة عوض عن لام الكلمة، فتحذف الثالثة نَسْياً، فيبقى عُطَيّ، ويدور الإعراب على الثانية وكذا إداوة، لا فرق بينهما، إلا أن لام إداوة لم تنقلب ألفاً ثم همزة، لأنها لم تتطرف كما تطرف لام عطاء وأما غاوية فإنك تقلب ألفها واو كما في ضارب، فتجتمع ياء التصغير والواو التي هي عين الكلمة، فتنقلب ياء لسكون الأولى، فيجتمع ثلاث يا آت: ياء التصغير، وبعدها العين، ثم اللام وأما معاوية فإنك تحذف ألفها كما في مُقَاتل، فتزيد ياء التصغير، وتنقلب العين ياء لما ذكرنا، قال 37 - وِقَاءٌ ما مُعَيَّةُ مِنْ أَبِيهِ * لمن أوفى بعقد أو بعهد (1)
__________
(1) هذا البيت من كلام الصمة الاصغر - وهو معاوية بن الحارث، وهو والد دريد ابن الصمة الشاعر المعروف - وكان الصمة أسيرا هو وابنه معيد، فقتل الصمة، فقال هذا البيت وهو يجود بنفسه، يريد أن في ابنه الباقي بعده أحسن الخلف والعوض منه والوقاء - بكسر الواو وفتحها بعدها قاف -: ما حميت به شيئا أو حفظته و " ما " زائدة وقوله معية مبتدأ مؤخر خبره وقاء، و " من أبيه " متعلق بوقاء أو بمحذوف حال من ضمير المبتدأ و " أو في " مثل وفى مخففه، والعقد: إحكام العهد " والعهد " الامان وقد (*)

(1/231)


وكذا يجتمع في أَحْوَى (1) ثلاثُ يا آت بسبب قلب العين ياء، فبعد حذف
__________
أنشد المؤلف هذا البيت دليلا على أنه يقال في تصغير معاية معية - بحذف الالف وقلب الواو ياء وإدغامها مع ياء التصغير وحذف الياء التالية لها لكونها ثالثة.
قال في القاموس وشرحه: " تصغير معاوية معيوة على قول من يقول أسيود، ومعية
وهذا قول أهل البصرة لان كل اسم اجتمع فيه ثلاث ياءات أولاهن ياء التصغير حذفت واحدة منهن لم تكن أولاهن ياء التصغير لم يحذف منه شيئا، تقول في تصغير مية ميبة، وأما أهل الكوفة فلا يحذفون منه شيئا يقولون في تصغير معاوية معيية (يريد أنهم لم يحذفوا من الياءات شيئا ولا شك أنهم حذفوا الالف) على قول من يقول أسيد.
ومنهم من يقول معيوية " اه ومثله أيضا في صحح الجوهري (1) الاحوى: وصف من الحوة بضم الحاء وتشديد الواو - وهى سواد إلى الخضرة أو حمرة تضرب الى السواد.
قال الجوهري: " تصغير أحوى أحيو في لغة من قال أسيود.
واختلفوا في لغة من أدغم.
قال عيسى بن عمر: أحيى فصرف.
قال سيبويه قد أخطأ هو، ولو جاز هذا لصرف أصم لانه أخف من أحوى ولقالوا أصيم فصرفوا.
وقال أبو عمرو بن العلاء أحى كما قالوا أحيو: قال سيبويه: ولو جاز هذا لقلت في عطاء عطى.
وقال يونس أحى قال سيبويه: هذا هو القياس والصواب " اه كلام الجوهري.
واليك ما ذكر سيبويه في هذا الموضوع بحرفه (ح 2 ص 132) قال: " واعلم أنه إذا كان بعدياء التصغير ياء ان حذفت التي هي آخر الحروف ويصير الحرف على مثال فعيل، ويجري على وجوه العربية (يريد أنه يعرب بالحركات الظاهرة) وذلك قولك في عطاء عطى وقضاء قضى وسقاية سقية وإداوة أدية وفي شاوية شوية وفي غاو غوى إلا أن تقول شويوية وغوبو في قول من قال أسيود وذلك لان هذه اللام إذا كانت بعد كسرة اعتلت واستثقلت إذا كانت بعد كسرة في غير المعتل فلماذا كانت كسرة في ياء قبل تلك الياء ياء التحقير ازدادوا لها استنقا لا فحذفوا وكذلك أحوى، إلا في قول من قال أسيود، ولا تصرفه لان الزيادة ثابتة في أوله، ولا يلتفت إلى قلته كما لا يلتفت إلى قلة يضع، وأما عيسى فكان يقول: أحى ويصرف وهذا خطأ، لو جاز ذا لصرفت أصم (*)

(1/232)


الياء الثالثة كان سيبويه يمنه صرفه، لأنه وإن زال وَزْنُ الفعل لفظاً وتقديراً أيضاً بسبب حذف اللام نَسْياً، لكن الهمزة في الأول ترشد إليه وتنبه عليه، كما منع صرف نحو يعد ويروى اتفاقاً، وإن نقص عن وزن الفعل بحذف الفاء والعين وجوباً، وكان عيسى بن عمر يصرفه، نظراً إلى نقصان الكلمة عن وزن الفعل نقصاناً لازماً، بخلاف نحو أَرَسَ في تخفيف أَرْأس، فإن النقص فيه غير لازم (1) وليس بشئ، لأن الواجب والجائز كما ذكرنا في مثله سواء مع قيام حرف المشابهة وكان أبو عمرو بن العلاء لا يحذف الثالثة نَسْياً، بل إنما يحذفها مع التنوين حَذْفَ ياء قاض ومع اللام والإضافة يردها كالأُحَييِّ، قال الفارسي: إنما فعل ذلك لمشابهته في اللفظ الفعل، فكأنه اسم جار عليه مثل المحيى وكذا يلزمه أن يقول في يصغير يَحْيى يُحَيٍّ، ورد سيبويه على ابن العلاء بقولهم في عَطَاء: عطى، بحذف الثالثة
__________
لانه أخف من أحمر وصرفت أرأس إذا سميت به ولم تهمز فقلت أرس.
وأما أبو عمرو فكان يقول: أحى (أي بالادغام وحذف الثالثة معتدا بها فيعربه كقاض) ولو جاز ذا لقلت في عطاء عطى (كقاض) لانها ياء كهذه الياء وهى بعد ياء مكسورة، ولقلت في سقاية سقيبة وشا وشوى.
وأما يونس فقوله: هذا أحى (بمنع الصرف) كما ترى وهو القياس والصواب " اه.
قال السيرافي: " ورأيت أبا العباس المبرد يبطل رد سيبويه بأصم قال: لان أصم لم يذهب منه شئ لان حركة الميم الاولى في أصمم قد ألقيت على الصاد، وليس هذا بشئ، لان سيبويه إنما أراد الخفة مع ثبوت الزائد، والمانع من الصرف لا يوجب صرف، وأصم أخف من أصمم الذي هو الاصل ولم يجب صرفه وكذلك لو سميت رجلا بيضع ويعد لم تصرفه وإن كان قد سقط حرف من وزن الفعل " اه (1) الا رأس العظيم الرأس.
والانثى رأسي، وقد خفف الا رأس بالقاء حركة الهمزة على الساكن قبلها ثم حذفها فيصير الارس - بفتح الهمزة والراء -
وهو قبل التخفيف وبعده غير منصرف للوصفية ووزن الفعل إجماعا (*)

(1/233)


إجماعاً، ولا يلزمه ذلك على ما اعتذر له أبو علي وقد مر جميع هذا في باب غير المنصرف (1) ومن قال أسَيْود قال في معاوية وغاوية: مُعَيْوِية، وغُوَيْوِيَةُ، وفي أحوي أُحَيْو، إذ لم يجتمع ثلاث يا آت حتى تحذف الثالثة نسياً.
والكلام في صرف أحيٍّ عند أبي عمرو ومنع صرفه، وكذا في صرف أحَيْو ومنعه، والبحثُ في أن التنوين فيهما للصرف أو للعوض كما مر في جوار في باب مالا ينصرف سواء (2)
__________
(1) قال المؤلف في شرح الكافية (ح 1 ص 52) ما نصه: " واعلم أنك إذا صغرت نحو أحوى قلت أحى بحذف الياء الاخيرة نسيا لكونها متطرفة بعد ياء مكسورة مشددة في غير فعل أو جار مجراه كأحيى والمحيى وقياس مثلها الحذف نسيا كما يجئ في التصريف إن شاء الله تعالى، فسيبويه بعد حذف الياء نسيا يمنه الصرف لانه بقى في أوله زيادة دالة على وزن الفعل، وعيسى بن عمر يصرفه لنقصانه عن الوزن بحذف الياء نسيا، بخلاف نحو جوار فأن الياء كالثابت بدليل كسرة الراء كما ذكرنا، فلم يسقط عن وزن أقصى الجموع والاولى قول سيبويه " ألا ترى أنك لا تصرف نحو يعد ويضع علما وإن كان قد سقط حرف من وزن الفعل، وأبو عمرو بن العلاء لا يحذف الياء الثالثة من نحو أحى نسيا بل يعله إعلال أعيل وذلك لان في أول الكلمة الزيادة التي في الفعل وهي الهمزة بخلاف عطى تصغير عطاء فجعله كالجاري مجرى الفعل أعنى المحيى في الاعلال فأحى عنده كأعيل سواء في الاعلال ومنع الصرف وتعويض التنوين من الياء كما ذكرنا، وبعضهم يقول أحيو في تصغير أحوى كأسيو في تصغير أسود كما يجئ في التصريف، ويكون في الصرف
وتركه كأعيل على الخلاف المذكور " اه (2) قد سبق لنا القول في نحو جوار وبيان أنه معل ممنوع من الصرف وبيان مذهب سيبويه في مثله (ص 58 من هذا الكتاب) .
وقال المؤلف في شرح الكافية (ح 1 ص 51) ما ملخصه: " اختلفوا في كون جوار رفعا وجرا منصرفا أو غير منصرف، فقال الزجاج: إن تنوينه للصرف وإن الاعلال مقدم على منع (*)

(1/234)


وقول المصنف " حذفت الأخيرة نسياً على الأفصح " يومى إلى أنه لا تحذف غلى غير الأفصح، وليس كذلك، بل الواجب في الياء المقيدة بالقيود المذكورة الحذف اتفاقاً، إلا في نحو أحَيّ مما في أوله شبه حرف المضارعة، فإن أبا عمرو لا يحذفها نَسْياً كما مر، قال السيرافي: تقول في عطاء: عُطَيّ، وفي قضاء قُضَيّ، وفي سِقاية سقية، وفي إداوة أَدَيَّة، ثم قال: فهذا لا يجوز فيه غيره، وقال ابن خروف في مثله: إن القياس إعلاله إعلال قاض، لكن المسموع حذف الثالثة نَسْياً، بل قال الأندلسي والجوهري: إن ترك الحذف مذهب الكوفيين، وأنا أرى ما نسبا إليهم وَهَماً منهما وكذا تحذف الياء المشددة المتطرفة الواقعة بعد ياء مشددة، إذا لم يكن الثانية للنسبة كما إذا صغرت مَرْوِية اسم مفعول من رَوَى قلت: مُرَية، والأصل مُرَيّيّة، وكذا تصغر أرْوِيَّة فيمن قال إنها أفْعُولَةٌ، وأما من قال فُعْلِيَّةٌ والياء
__________
الصرف لقوة سبب الاعلال وسر ما ذهب إليه أن الاسم بعد الاعلال لم يبق على صيغة أقصى الجوع، ويمنع بأن الياء الساقطة في حكم الثابت بدليل كسرد الراء، وكل ما حذف لاعلال موجب فهو بمنزلة الباقي.
وقال المبرد التنوين عوض من حركة الياء، ومنع الصرف مقدم على الاعلال، وقال سيبويه والخليل: إن التنوين عوض من الياء واختلف في تفسير هذا القول ففسره بعضهم بأن منع الصرف مقدم الى الاعلال وفسره السيرافي
بأن الاعلال مقدم على منع الصرف فالتنوين عوض من الياء، بخلاف نحو أحوى وأشقى، فانه قدم الاعلال في مثلهما أيضا ووجد علة منع الصرف بعد الاعلال حاصلة: لان ألف أحوى المنون ثابت تقديرا، فهو على وزن أفعل، فحذف تنوين الصرف، لكن لم يعوض التنوين من الالف المحذوفة ولا من حركة اللام، كما فعل في جواز، لان أحوى بالالف أخف منه بالتنوين، وأما جوار فهو بالتنوين أخف منه بالياء، والخفة اللفظية مقصودة في غير المنصرف بقدر ما يمكن، تنبيها بذلك على ثقله المعنوي بكونه متصفا بالفرعين " اه (*)

(1/235)


للنسبة فإنه يقول في تصغيرها (1) أريية بيائين مشددتين، كما إذا صغر غَزْوِيٌّ المنسوب إلى الغزو قيل: غزييى، وكذا يصغر عَلَوِي وعَدَوِي على عُلَيِّيّ وعُدَيِّيّ بياءين مشددتين وإنما لم تحذف شيئاً إذا طرأ التصغير على المنسوب كما في الأمثلة المذكورة وحذفْتَ ياء التصغير إذا طرأ النسب على المصغر في نحو أُمَوِيّ وَقُصَوِيّ المنسوبين إلى أمَيَّةُ وقُصَيّ لأن المنسوب في مصغر المنسوب هو العمدة إذ هو الموصوف، ألا ترى أن معنى عُلَيِّيّ عَلَوي مصغر فلم يجز إهدار علامته، وكذا لا يهدر علامة المصغر
__________
(1) قال في اللسان: " والاروية بضم الهمزة وعن اللحيانى كسرها: الانثى من الوعول، وثلاث أراوى - على أفاعيل - إلى العشر، فإذا كثرت فهى الاروى - على أفعل - على غير قياس، قال ابن سيده: وذهب أبو العباس إلى انها فعلى، والصحيح أنها أفعل، لكون أروية أفعولة.
قال: والذى حكيته من أن أراوى لادنى العدد وأروى للكثير قول أهل اللغة، قال: والصحيح عندي أن أراوى تكسير أروية، كأرجوحة وأراجيح، والاروى اسم للجمع " اه.
ثم قال: " قال ابن بري: أروى تنون ولا تنون، فمن نونها احتمل أفعلا مثل أرنب
وأن يكون فعلى مثل أرطى ملحق بجعفر، فعلى هذا القول يكون أروية أفعولة، وعلى القول الثاني فعلية، وتصغير أروى إذا جعلت وزنها أفعلا أريو (منقوصا مثل قاض) على من قال أسيود وأحيو، وأرى (منقوصا أيضا) على من قال أسيد وأحى، وأما أروى فيمن لم ينون فوزنه فعلى (أي: والالف للتأنيث) وتصغيرها أريا (مثل ثريا) ، وأما أروية إذا جعلتها أفعولة فأريوية عند من قال أسيود، ووزنها أفيعيلة، وأرية عند من قال أسيد، ووزنها أفيعة، وأصلها أرييية: فالاولى ياء التصغير، والثانية عين الفعل، والثالثة واو أفعولة، والرابعة لام الكلمة، فحذفت منها اثنتين، ومن جعل أروية فعلية فتصغرها أرية ووزنها فعلية، وحذفت الياء المشددة.
قال: وكون أروى أفعل أقيس، لكثرة زياة الهمزة أولا، وهو مذهب سيبويه لانه جعل أروية أفعولة " اه (*)

(1/236)


إذ هو الطارئ، والطارئ إذا لم يبطل حكم المطرود عليه لمانع فلا أقل من أن لا يبطل حكمه بالمطرو عليه، وأما المنسوب إلى المصغر فليس المصغر فيه عمدة، إذ ليس موصوفاً، بل هو من ذُنَابات المنسوب، إذ معنى قُصَوِيّ منسوب إلى قصي فجاز إهدار علامته إجابة لداعي الاستثقال، وأما النسبة فطارئة فلا تهدر علامتها فعلى هذه القاعدة ينسب إلى جُهَيْنَة جُهَني بحذف الياء، ثم إذا صغرت جُهَنيًّا زدت الياء فقلت جُهَيني قال: " ويُزَادُ فِي الْمُؤَنَّثِ الثُّلاَثِيِّ بِغَيْرِ تَاءٍ كَعُيَيْنَة وَأُذَيْنَة، وَعُرَيْبٌ وَعُرَيْسٌ شَاذٌ، بِخِلاَفِ الرُّبَاعِيِّ كَعقيرب، وقد يديمة ووريئة شاذ، وتحذف أَلِفُ التَّأْنِيثِ الْمَقْصُورَةِ غَيْرُ الرَّابِعَةِ كَجُحَيْجب وَحُوَيْليٍ في جَحْجَبَى وَحَوْلاَيا وَتَثْبُتُ الْمَمْدُودَةُ مُطْلَقَاً ثُبُوتَ الثَّانِي في بَعْلَبَكَّ " أقول: اعلم أن التصغير يورد في الجامد معنى الصفة، ألا ترى أن معنى رُجَيل رجل
صغير، فالاسم المصغر بمنزلة الموصوف مع صفته، فكما أنك تقول: قد صغيرة بإلحاق التاء في آخر الوصف، قلت: قُدَيْمَةٌ، بإلحاق التاء في آخر هذا الاسم الذي هو كآخر الوصف، والدليل على عروض معنى الوصف فيه أنك لا تقول رَجُلُون لعدم معنى الوصف وتقول في تصغير رجال: رجيلون، وإن ما لم يرفع المصغر (1) لا ضميراً ولا ظاهراً مع تضمنه معنى الوصف كما ترفع سائر الاوصاف من اسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة والمنسوب لأنها إنما ترفع من الضمير والظاهر أصحابها المخصوصة التي لا تدل ألفاظ الوصف عليها إذ الصفات لم توضع لموصوفات معينة، بل صالحة لكل موصوف، فإن حسناً في قولك " رجل حسن " لا يدل على رجل فرفع ضميره، وكذا لا يدل على وجهه في قولك " رَجُل حَسَنٌ وَجْهُهُ " فرفعه، والموصوف
__________
(1) سبق القول في هذا الموضوع بما لا نحتاج معه إلى زيادة (*)

(1/237)


المخصوص في رُجَيْل مدلول عليه بتركيب هذا اللفظ مع الوصف، فلا يحتاج إلى رفع ما هو موصوفه حقيقية، ولما رأى بعض النحاة أن التصغير يورد في الاسم معنى الوصف ورأوا أن العلم لا معنى للوصف فيه قالوا: تصغير الأعلام ليس بوجه، وليس ما توهموا بشئ، لأنك لا تجعل بالتصغير عين المكبر نعتاً حتى يرد ما قالوا، بل تصف بالتصغير المكبر، إلا أنك تجعل اللفظ الواحد - وهو المصغر - كالموصوف والصفة، ووصف الأعلام غير مستنكر، بل شائع كثير، وإنما لم يحلقوا التاء بآخر ما زاد على ثلاثة من الأسماء في التصغير لأنهم لما قصدوا فيه ذكر الموصوف مع صفته بلفظ واحد تَوَخّوا من الاختصار ما يمكن، ألا ترى إلى حذفهم فيه كل ما زاد على أربعة من الزائد والأصلي، وهذا هو العلة في تخفيفات الملحق به ياء النسب، لأن المنسوب أيضاً كالصفة مع الموصوف مع ثقل الياء المشددة في آخر الاسم الذي هو موضع الخفة، لكنك لم تحذف في النسب الزائد على الأربعة
لكون علامة النسبة كالمنفصل من المنسوب، بخلاف علامة التصغير، فالمقصود أنهم اجترؤا في الثلاثي الذي هو أخف الأبنية - لما طرأ فيه معنى الوصف - على زيادة التاء التي تلحق آخر أوصاف المؤنث، فلما وصلوا إلى الرباعي وما فوقه والتاء وإن كانت كلمة برأسها إلا أنها كحرف الكلمة المتصلة هي بها لم يروا زيادة حرف على عدد حروف لو زاد عليها أصلي طرحوه في التصغير، فقدروا الحرف الأخير كالتاء، إذ هي محتاج إليها لكون الاسم وصفاً، فقالوا: عُقَيِّب وَعُقَيْرِب (1)
__________
(1) العقاب بزنة غراب - طائر من العتاق مؤنثة، وقيل: العقاب يقع على الذكر والانثى، وتمييزه باسم الاشارة والضمير.
والعقرب واحدة العقارب، وهي دويبة من الهوام تكون للذكر والانثى بلفظ واحد، والغالب عليه التأنيث، وقد يقال للانثى عقربة وعقرباء ممدود غير مصروف، ويصغر على عقيرب كما تصغر زينب على زيينب، والذكر عقربان - بضم العين والراء - وهو دابة له أرجل طوال، وليس ذنبه كذنب العقارب (*)

(1/238)


وإذا كان الاسم المؤنث على أكثر من ثلاثة لكنه يعرض فيه في حال التصغير ما يرجع به إلى الثلاثة وجب زيادة التاء فيه، نحو سُمَيَّة في سَمَاء، لأنه يجتمع فيه ثلاث يا آت فتحذف الأخيرة نَسْياً كما ذكرنا وكذا إذا صغرت الثلاثي المزيد فيه نحو عَنَاق وعُقَاب وزَيْنَب تصغيرَ الترخيم قلت: عُنَيْقَة، وَعُقَيْبَة، وَزُنَيْبَة وإن كان الثلاثي جنساً مذكراً في الأصل وصف به المؤنث - نحو امرأة عدل أو صوم أو رِضًى - فإنك تعتبر الأصل في التصغير، وهو التذكير، ولا تزيد فيه التاء نحو: امرأة رُضَيّ وعُدَيْل وَصُوَيْم، كما أن نحو حائض وطالق لفظ مذكر جعل صفة لمؤنث، وإن كان معناه لا يمكن إلا في المؤنث، فإذا سمي
بمثله مذكر صرف، لكونه الآن علم مذكر ليس فيه تاء ظاهرة ولا حرف قائم مقامها: الوضع، كما كان في عقرب إذ وضع نحو لفظ حائض - كما مر في غير المنصرف على التذكير كضارب وقاتل (1) ، فإذا صغرت نحوه تصغير الترخيم لم تزد
__________
(1) قال سيبويه (ح 2 ص 20) : " واعلم أنك إذا سميت المذكر بصفة المؤنث صرفته، وذلك أن تسمى رجلا بحائض أو طامث أو متئم فزعم أنه إنما يصرف هذه الصفات لانها مذكرة وصف بها المؤنث كما يوصف المذكر بمؤنث لا يكون إلا لمذكر، وذلك نحو قولهم: رجل نكحة، ورجل ربعة، ورجل خجاة، فكأن هذا المؤنث وصف لسلعة أو لعين أو لنفس وما أشبه هذا، وكأن المذكر وصف لشئ، فكأنك قلت هذا شئ حائض، ثم وصف به المؤنث، كما تقول هذا بكر ضامر ثم تقول ناقة ضامر " اه.
وقال المؤلف في شرح الكافية (ح 1 ص 45) : " وههنا شروط أخر لمنع صرف المؤنث إذا سمى به مذكر تركها المصنف - أحدها - ألا يكون ذاك المؤنث منقولا عن مذكر، فا ربابا اسم امرأة، لكن إذا سميت به مذكرا انصرف، لان الرباب قبل تسمية المؤنث به كان مذكرا بمنى الغيم، وكذا لو سميت بنحو حائض وطالق (*)

(1/239)


التاء، لكونه مذكراً في الأصل، فتقول: حُيَيْض وطليق وإذا سمى مؤنثاً بثلاثي مذكر نحو شَجَر وَحَجَر وَزَيْد ثم صغرته زدت التاء وكذا إذا سميت مؤنثاً بمؤنث ثلاثي لم يكن تدخل التاء في تصغيره قبل العلمية كَحَرْف وَنَاب ودِرْع فإن قلت: فكيف راعيت الأصل في نحو امرأة عدل وصوم، ولم تقل عُدَيْلَة وَصُوَيْمَة ولم تراع ذلك في العلم؟ ؟ قلت: لأن الوصف غير مُخْرَج عن أصله بالكلية، إذ معنى " امرأة عدل " كأنها من كثرة العدل تجسمت عدلاً، ومعنى " امرأة حائض " إنسان
حائض، فقد قصدت فيهما المعنى الأصلي الذي وضع اللفظ باعتباره، وأما في العلم فلم تقصد ذلك، لانه منقول ووضع ثان غير الواضح الأول وغرضه الأهم الإبانة عن المسمى، لا معناه الأصلي، فإذا سميت بالحجر فهو كما لو سميت بغَطَفان وغيره من المرتجلات، وقليلاً ما يراعى في العلم معنى المنقول منه وكذا إذا سميت مذكراً بمؤنث مجرد عن التاء كأذُن وعَيْن لم تلحق به التاء في التصغير، لأنه - كما ذكرنا - وضع مستأنف، ويونس يدخل التاء فيه، فيقول: أُذَيْنَة وَعُيَيْنَة، استدلالاً بأُذَينة وعُيَينة علمي رجلين، وهذان عند النحاة إنما سمي المذكران بهما بعد التصغير، فلا حجة فيه وإذا سميت مذكراً بنحو أُخْت وبِنْتٍ وصغرته حذفت التاء، فتقول: أُخَيّ، برد
__________
مذكرا انصرف، لانه في الاصل لفظ مذكر وصف به المؤنث، إذ معناه في الاصل شخص حائض، لان الاصل المطرد في الصفات أن يكون المجرد من التاء منها صيغة المذكر وذو التاء موضوعا للمؤنث، فكل نعت لمؤنث بغير التاء فهو صيغة موضوعة للمذكر استعملت للمؤنث " اه (*)

(1/240)


اللام المحذوفة المبدلة منها التاء، إذ لايتم بنية التصغير بالتاء كما ذكرنا، ولا تأتي بعدها بالتاء لأنه مذكر إذن واعلم أنه قد شذت من الثلاثي أسماء لم تلحقها التاء في التصغير: ذكر سيبويه منها ثلاثة، وهي الناب بمعنى المسنة من الإبل، وإنما قالوا فيها نُيَيْب لأن الناب من الأسنان مذكر (1) ، والمسنة من الإبل قيل لها ناب لطول نابها كمايقال لعظيم البطن بُطَين بتصغير بطن، فروعي أصل ناب في التذكير، وكذا قال في الفرس فُرَيْسٌ لوقوعه على المذكر والمؤنث فغُلِّب (2) وكذا قال في الحرب - وهي (3) مؤنثة -:
__________
(1) الناب من الاسنان: هي السن التي خلف الرباعية.
قال في اللسان: " والناب
والنيوب الناقة المسنة، سموها بذلك حين طال ناباها وعظم، مؤنثة، وهو مما سمى فيه الكل باسم الجزء " اه، والذى قاله المؤلف من أن الناب من الاسنان مذكر هو ص 11) : " الناب المسنة من النوق مؤنثة، وجمعها نيب، وتصغيرها نييب بغير هاء..وأما الناب من الاسنان فمذكر، وكذلك ناب القوم سيدهم، يقال: فلان ناب بني فلان: أي سيدهم " (2) قال صاحب الصحاح: " الفرس يقع على الذكر والانثى، ولا يقال للانثى فرسة، وتصغير الفرس فريس، وإن أردت الانثى خاصة لم تقل إلا قريسة بالهاء، عن أبژ بكر بن السراج " اه وأنت ترى أن ما ذكره الجوهري عن ابن السراج يخالف ما ذكره المؤلف (3) الذي ذكره المؤلف من أن الحرب مؤنثة المعروف عن أهل اللغة، قال ابن سيده في المخصص (ح 17 ص 9) : " الحرب أنثى، يقال في تصغيرها حريب بغير هاء فأما قولهم.
فلان حرب لى: أي معاد، فمذكر " اه.
وحكى صاحب اللسان عن ابن الاعرابي فيها التذكير، ثم قال: وعندي أنه إنما حمله على معنى القتل أو الهرج (*)

(1/241)


حُرَيب، لكونها في الأصل مصدراً، تقول: نحن حَرْب، وأنتم حَرْب، وذكر الجرمي من الشواذ دِرْعَ الحديد (1) ، والْعُرْسَ وهي مؤنثة (2) ، قال: - 38 - إنَّا وَجَدْنَا عُرُسَ الْحَنَّاطِ * لَئِيمَةً مَذْمُومَةَ الْحُوَّاط (3) (1) هذا الذي ذكره المؤلف في الدرع أنها مؤنثة - أحد رأيين لاهل اللغة، والثاني أنها تذكر وتؤنث قال ابن سيده (ح 17 ص 20) : " درع الحديد تذكر وتؤنث، والتأنيث الغالب المعروف والتذكير أقلهما، أولا ترى أن أسماءها وصفاتها الجارية مجرى الاسماء مؤنثة؟ كقولهم: لامة، وفاضة، ومفاضة، وجدلاء، وحدباء، وسابغة، فأما ذائل فقد تكون على التذكير وقد تكون على
النسب، وأما دلاص فبمنزلة كناز وضناك - بزنة كتاب - وإن كان قد يجوز أن يكون نعتا غير مؤنث على تذكير الدرع " اه وقوله بمنزلة كناز وضناك يريد به أنه لفظ يقع الى الذكر والانثى من غير تاء، والكناز والضناك كلاهما بمعنى الضخمة الشديدة اللحم، ويوصف بهما النساء والنوق.
وقول المؤلف درع الحديد احتراز من درع المرأة: أي قميصها، فانه مذكر ليس غير عند بعض اللغويين ومنهم اللحياني وعند الاخرين أنه يذكر ويؤنث (2) الذي ذهب إليه المؤلف من أن العرس مؤنثة أحد رأيين، وذهب ابن سيده كالجوهري إلى أنه يذكر ويؤنث، قال (ح 17 ص 19) : " العرس يذكر ويؤنث ويصغرونها عريس وعريسة، وجمعها في القبيلين عرسات، وحقيقة العرس طعام الزفاف " اه (3) هذا الرجز لدكين الراجز، وبعده: ندعى مع النساج والخياط * وكل علج شخم الاباط والعرس - كعنق وكقفل - مضى شرحه، والحناط - بائع الحنطة، والصيغة للنسب، والحواط: جمع حائط وهو اسم فاعل من حاط يحوط إذا التف حول الشئ، والمراد هنا الذين يقومون بخدمة الناس في الدعوات، لانه يحيطون بهم، وذكر صاحب اللسان أن الحواط مفرد ومعناه الحظيرة التي يكون الطعام فيها.
(*)

(1/242)


والقوس (1) ، وذكر غيرهما العرب والذَّوْد والضُّحَى (2) وقد شذَّ في الرباعي قدام ووراء (3) فألحق بمصغرهما الهاء والقياس تركها، وحكى أبو حاتم أُمَيِّمة في أمام، وقال: ليس بتبت، قال السيرافي: إنما لحقتهما الهاءُ لأنهما ظرفان: لا يخبر عنهما، (ولا يوصفان) ولا يوصف بهما، حتى يتبين تأنيهما بشئ من ذلك، كما تقول: لَسَعَت العقرب، وعقرب لاسعة، وهذه العقرب، فأنثا
__________
والعلج - بكسر فسكون -: الرجل من كفار العجم وهو أيضا الشديد الغليظ.
وقيل كل ذى لحية، وَالشَّخِم - بفتح الشين وكسر الخاء -: المنتن (1) الذي ذكره المؤلف في القوس أحد رأيين فيها: قال ابن سيده: " القوس التي يرمى عنها أنثى، وتصغيرها قويس بغير هاء، شذت عن القياس، ولها نظائر قد حكاها سيبويه " والرأى الثاني أنها تذكر وتؤنث، قال الجوهري: " القوس يذكر ويؤنث فمن أنث قال في تصغيرها قويسة، ومن ذكره قال قويس " اه (2) العرب - بفتحتين وكقفل -: خلاف العجم، مؤنثة، ولم يحلق تصغيرها الهاء، وقد قالوا: العرب العاربة، وقال عبد المؤمن بن عبد القدوس في تصغير العرب: ومكن الضباب طعام العريب * ولا تشتهيه نفوس العجم ولو جعلت وجه التذكير في تصغير عرب أن أصله مصدر عرب كفرح كما قاله المؤلف في كلمة الحرب لم تعد الصوب.
والذود: ما بين الثلاث إلى العشر من إناث الابل، قال ابن سيده (ح 17 ص 9) : " الذود أنثى، وتصغيرها ذويد بغير هاء " وقال في اللسان عنه: " الذود مؤنث، وتصغيره بغير هاء على غير قياس توهموا به المصدر ".
واما الضحى فقد قال في اللسان: " الضحو والضحوة والضحية: ارتفاع النهار، والضحى فويق ذلك أنثى، وتصغيرها بغير هاء، لئلا يلتبس بتصغير ضحوة " اه (8) أما قدام ووراء فقد قال اللسان: " قدام نقيض وراء، وهما يؤنثان، ويصغران بالهاء، قديدمة وقديديمة ووريئة، وهما شاذان لان الهاء لا تلحق الرباعي في التصغير، قال الكسائي: قدام مؤنثة، وإن ذكرت جاز، وقد قيل في تصغيره قديديم، وهذا يؤيد ما حكاه الكسائي من تذكيرها " اه (*)

(1/243)


تتينا لتأنيهما، وفي وراء قولان: أحدهما (3) أن لامه همزة، قالوا: يقال: وَرَّأت بكذا: أي ساترت به، ومنه الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا أراد سفراً وَرَّأَ بغيره " وأصحاب الحديث لم يضبطوا الهمزة فرووا " وَرَّى بغيره "، وقال
بعضهم: بل لامه واو أو ياء، مثل كساء ورداء، من وَرَّيْت بكذا، وهو الأشهر، فتصغيره على هذا وريد لا غير، بحذف الياء الثالثة كما في سُمَيَّة تصغير سماء ومذهب أبي عمرو أنه إذا حذف ألف التأنيث المقصورة خامسة فصاعداً كما يجئ أبدل منها تاء، وحو حُبَيِّرَة في حَبَارى ولُغَيْغيزة في لُغَّيْزى (2) ، ولم ير ذلك غيره من النحاة، إلا ابن الأنباري فإنه يحذف الممدودة أيضاً خامسة فصاعداً، ويبدل منها التاء كالمقصورة، ولم يوافقه أحد في حذف الممدودة قوله " ويُحْذف ألف التأنيث المقصورة غير الرابعة " إنما تحذف خامسة
__________
(1) قال في اللسان: " ووريت الخبر أورية تورية إذا سترته وأظهرت غيره كأنه مأخوذ من وراء الانسان، لانه إذا قال وريته فكأنه يجعله وراءه حيث لا يظهر " اه، فقد أشار إلى أن التورية من مادة وراء وإن لم يصرح بذلك، فتكون الهمزة في وراء منقلبة عن ياء لتطرفها إثر ألف زائدة، ومثل الذي ذكره صاحب اللسان قول ابن الاثير في النهاية: " كان إذا أراد سفرا ورى بغيره: أي ستره وكنى عنه وأوهم أنه يريد غيره، وأصله من الوراء: أي ألقى البيان وراء ظهره " اه (2) الحبارى - بضم أوله وتخفيف ثانيه -: طائر يقع الى الذكر والانثى، والواحد والجمع، وهو على شكل الاوزة قال الجوهري: وألفه ليست للتأنيث ولا للالحاق، وإنما بنى الاسم عليها فصارت كأنها من نفس الكلمة لا تنصرف في معرفة ولا نكرة: أي لا تنون " اه وهذا كلام ينقض آخره أوله لان الالف التى ليست للتأنيث ينصرف الاسم معها سواء أكانت للالحاق أم لم تكن، وعدم الصرف في المعرفة والنكرة دليل على أن الالف للتأنيث، وقوله وإنما بنى الاسم عليها الخ كلام لا معنى له.
واللغيزي بضم أوله وتشديد ثانيه مفتوحا -: مثل اللغز - كقفل (*)

(1/244)


فصاعداً لأنها لازمة للكلمة، وصائرة كالحروف التي زيدت لبنية الكلمة،
مثل ألف حمار، مع أنها لا تفيد معنى التأنيث كما تفيده الرابعة نحو سكرى حتى تراعى لكونه علامة، وإذا كانت الحروف الأصلية تحذف خامسة فكيف بالزائدة كالأصلية، فإذا صغرت الْعِرَضْنَى (1) قلت عُرَيْضِنٌ، والنون للإلحاق، فهو بمنزلة أصلي رابع، وكذا إذا صغرت الْعِبِدَّى (2) قلت عُبَيْدّ، بحذف الألف، لأن إحدى الدالين وإن كانت زائدة إلا أنها تضعيف الحرف الأصلي، فتحصنت من الحذف بذلك، وبكونها ليست من حروف " اليوم تنساه " وبكونها ليست في الطرف، بخلاف ألف التأنيث فإنها عارية من الثلاثة، وكذا تقول في لُغَّيْزَى لغيغيز بحذف الألف، دون إحدى الغينين، كما أنك لا تحذف في تصغير عَفَنْجَج (3) غير النون، لأن إحدى الجيمين تضعيف لحرف أصلي، وليست من حروف " اليوم تنساه "، ولا تحذف ياء لُغَّيْزَى في التصغير، لأنها لا تخل ببنيته، بل تصير مداً قبل الآخر كما في عُصَيْفِير، كما أنك لا تحذف من
__________
وكرطب وكجبل - وهو ما عمى من الكلام وأخفى المراد منه، وياء اللغيزي ليست للتصغير، فأن ياء التصغير لا تكون رابعة، وإنما ياؤه بمنزلة الياء في خليطى والالف الاولى في شقارى وخبازى وخضارى (1) يقال: عدت الفرس العرضنى والعرضند والعرضناة - بكسر أوله وفتح ثانيه وسكون ثالثه في الثلاثة -: إذا كانت تمشى معترضة مرة من وجه ومرة من آخر بسبب نشاطها، وهو ضرب من خيلاء الخيل (2) العبدى بكسر العين والباء وتشديد الدال مفتوحة بعدها ألف - ومثله العبداء بضبطه ممدوا والمعبوداء والمعبدة كمشيوخاء ومشيخة: أسماء جمع العبد، وخص بعضهم العبدى بالعبيد الذين يولدون في الملك (3) العفنجج: الضخم الاحمق (*)

(1/245)


حَوْلاَيا - وهو اسم رجل - غير ألف التأنيث، ولا تحذف الألف التي بعد اللام لأنها مدة رابعة لا تحذف في التصغير، بل قد تجلب لتكون عوضا من زائد محذوف في موضع آخر، نحو مُطَيْلِيق في منطلق، فالإخلال بالبنية في حَوْلاَيا ولُغَّيْزَى من ألف التأنيث، لا من الألف والياء المتوسطتين، إذ لو حذفتهما وقلت لُغَيْغِزَى وَحُوَيْليا لوقعت ألف التأنيث خامسةً موقع اللام في سفَيْرِجَل، فاحتجت إلى حذفها أيضاً، وأما في نحو حُبَارى فكل واحدة من ألف التأنيث والألف المتوسطة متساويتان في الإخلال ببنية التصغير، وأيتهما حذفت تحصل البنية، إذ لو حذفت المتوسطة لم تكن ألف التأنيث خامسة، بل تقل: حُبَيْرَى كحبيلى، ولو حذفت ألف التأنيث قلت: حُبَيِّرٌ كَحُمَيِّر، فالألفان إذن مستاويتان كالالف والنون في حبنطى، تقول: حُبيْنِطٌ وَحُبَيْطٍ، فإن ترجحت الثانية - بكونها في الأصل علامة التأنيث فلا تحذف - ترجحت الأولى بالتوسط، فمن مم حازفيه حُبيِّر وحُبَيْرَى، وإذا صغرت بَرْدَرَايا (1) حذفت الألفين والياء بينهما، وقلت بُرَيْدِرٌ، لإخلال الجميع بالبنية هذ كله في ألف التأنيث المقصورة، وأما الممدودة في نحو خُنْفُسَاءَ، والألف والنون في نحو زَعْفَرَان وظَرِبَان، وياء النسب في نحو سَلْهَبِيّ (2) ، والنون للمثنى، والواو والنون في جمع المذكر، والألف والتاء في جمع المؤنث، نحو ضاربان وضاربون وضاربات، فجميعها - لكونه على حرفين - وكذا تاء التأنيث لكونها
__________
(1) بردرابا - بفتح أوله وسكون ثانيه بعده دال مهملة مفتوحة فراء مهملة كذلك فألف -: موضع.
قال ياقوت في المعجم: أظنه بالنهروان من أعمال بغداد (2) سلهى: كلمة منسوبة إلى سلهب، وهو الطويل من كل شئ، وقيل: من الرجال، وقيل: من الخيل والناس (*)

(1/246)


متحركة صارت كأنها اسم ضم إلى اسم، كما في نحو بَعْلَبَكَّ، تمت بنية التصغير دون هذه الزوائد، ولم تخل بها، بخلاف الألف المقصورة فإنها حرف واحد ساكنة خفية ميتة، لا يصح أن تقدر ككلمة مستقلة، بل هي كبعض الحروف المزيدة في البنية نحو مَدَّات عِمَاد وسعيد وعجوز، فَحُبَيْلَى كسفيرج، كما أن حَبَالَى كسفارج، لولا المحافظة في الموضعين على علامة التأنيث لكسر ما قبلها، فلا تقول: إن بنية التصغير تمت قبل الألف في حبيلى وإنه كطليحة، كما لا نقول: إن بنية الجمع تمت قبلها في حَبَالَى فعلى هذا إذا صغرت (نحو) ظريفان وظريفون وظريفات أجناساً قلت: ظُرَيِّفان وظُرَيِّفُون وظُرَيِّفات، بالياء المشددة قولاً واحداً، وكذا عند المبرد إذا جعلتها أعلاماً، لأن هذه الزيادات وإن لم تكن حال العلمية مفيدةً لمعان غير معاني الكلمات المتصلة هي بها حتى تُعَدُّ كالكلم المستأنفة بل صارت المدَّات بسبب العلمية كمدات عَمُود وَحِمَار وكريم، لكنها كانت قبل العلمية كالكلم المستقلة، مثل تاء التأنيث، فروعي الأصل ولم تُغير، وأما عند سيبويه فحالها أعلاماً خلاف حالها أجناساً: هي في حال العلمية بالنظر إلى أصلها (منفصلة) كالتاء، وبالنظر إلى العلمية كأنها من تمام نبية الكلمة، فلا جرم أنه أبقى هذه الزيادات بحالها في حال العلمية إبقاء ثانية كلمتي بُعَيْلَبَكَّ وَثُنيَّتَا عَشْرَةَ، وَحَذَفَ المدات إن كانت قبلها نحو ياء ظريفان وظريفون وظريفات، وألف نحو جداران ودجَاجات، وواو نحو عجوزات، إذا كانت هذه الأسماء أعلاماً، لجعل الزيادات اللاحقة كبعض حروف بنية الكلمة، فتستثقل معها، ومن ثم قال يونس في ثلاثون جنساً ثُلَيْثُون بحذف الألف، لأن الواو والنون كجزء الكلمة، إذ ليس بجمع ثلاث، وإلا كان أقل عدد يقع عليه تسعة كما مر في أول شرح الكافية، وكذا قال سيبويه في بَرُوكاء وبَرَاكاء

(1/247)


وقَرِيثاء (1) إنه بحذف الواو والألف والياء، لجعل الألف الممدودة كالجزء من وجه وغير الجزء من آخر، على ما بينا.
قال: بُرَيْكَاء وَقُرَيْثَاء مخففين، والمبرد يشدد نحوهما، لأنه لا يحذف شيئاً، قال سيبويه: لو جاء في الكلام فعولاء بفتح الواو لا تحذفها حذف واو جَلُولاء (2) ، لأنها تكون إذن للإلحاق بِحَرْمَلاَء (3) فتكون كالأصلية، وأما واو بَرُوكاء وجَلُولاء فمدة ضعيفة فلا مبالاة بحذفها لاقتضاء القياس المذكور ذلك، وإذا صغرت مَعْيُورَاء ومَعْلُوجاء (4) لم يحذف الواو، لأن لمثل هذه المدة حالاً في الثبات ليست لغيرها، كما قلنا في ألف حَوْلايَا التى قبل الواو، وأما مع تاء التأنيث فلا خلاف أن المدة الثالثة لا تحذف، نحو دجاجة ودجاجتنا،
__________
(1) قال في اللسان: البروكاء (بفتح فضم) والبراكاء (بضم أولها) والبراكاء (بفتح أولها) : الثبات في الحرب والجد وأصله من البروك، قال بشر بن أبي خازم ولا ينجي من الغمرات إلا * براكاء القتال أو الفرار والبراكاء (بفتح أولها) أيضا: ساحة القتال " اه بتصرف.
والقريثاء (بفتح فكسر) : ضرب من التمر أسود ومثله الكريثاء ولا نظير لهما في البناء، وكأن الكاف في الثاني بدل من القاف في الاول (2) جلولاء - بفتح أوله وضم ثانيه آخره ألف ممدودة -: ناحية من نواحي سواد العراق في طريق خراسان بينها وبين خانقين سبعة فراسخ، وهو نهر عظيم في العراق.
وبها كات الوقعة المشهورة في الفرس للمسلمين سنة 16 من الهجرة وجلولاء أيضا: مدينة مشهورة بافريقيا بينها وبين القيروان أربعة وعشرون ميلا وكان فتحها على يدى عبد الملك بن مروان (3) حرملاء (بفتح فسكون ففتح) : اسم موضع كما في اللسان والقاموس ولم يذكره ياقوت
(4) معيوراء: اسم جمع عير، وهو الحمار وحشيا كان أو أهليا وقد غلب على الوحشى.
ومعلوجاء: اسم جمع لعلج وقد تقدم (ص 243 هـ 3) (*)

(1/248)


علما كانت أولا، لان أصل تاء التأنيث على الانفصال، تقول: دُجَيِّجَةٌ وَدُجَيِّجَتَان، قولاً واحداً كَبُعَيْلبك.
وإذا صغرت نحو حبلوى ومهوى وهو كَسَهْلَبِيّ كَسَرْتَ ما قبل الواو، لأن ما بعد ياء التصغير في الرباعي مكسور لا غير، فتنقلب الواو ياء مكسورة، ولا يجوز فتح ما قبلها كما فتحته في المنسوب إلى ملهژ وَحُبَلى، لما ذكرنا، فلم يبق إلا حذف الياء المنقلبة من الواو، كما حذفت (في) غازيّ وقاضيّ المنسوبين إلى غازٍ وقاضٍ، ولم يمكن حذف ياء النسب لكونها علامة ولتقويها بالتشديد.
وإنما كسر ما قبل واو حُبْلَوي في التصغير وإن كان بدلاً من حرف لا يكون ما قبلها في التصغير إلا مفتوحاً - أعني ألف التأنيث - نحو حُبَيْلَى، لتغير صورة الألف، فلم يبق لها الحرمة الأصلية لزوال عين الألف، هذا، وجَحْجَبى: قبيلة من الأنصار، وَحَوْلاَيَا: اسم رجل.
قال: " المدة الوَاقِعَةُ بَعْدَ كَسْرَةِ التَّصْغِيرِ تَنْقَلِبُ يَاءً إنْ لَمْ تَكُنْهَا، نَحْوُ مفيتيح وكريديس، وذو الزيادتين غَيْرَهَا مِنَ الثُّلاَثِيِّ يُحْذَفُ أَقَلُّهُمَا فَائِدَةً كَمُطَيْلِقٍ وَمُغَيْلِم وَمُضَيْرِبٍ وَمُقَيْدِمٍ فِي مُنْطَلِقٍ وَمُغْتَلمٍ وَمُضَارِبٍ وَمُقَدِّمٍ، فَإِنْ تَسَاوَيَا فَمُخَيَّرٌ كَقُلَيْسِيَةٍ وَكَقُلَيْنِسَةٍ وَحُبَيْنِط وَحُبَيطٍ، وَذُو الثَّلاَثِ غَيْرَها تُبَقَّى الْفُضْلَى مِنْها كمقيعس، وَيُحْذَفُ زِيَادَاتُ الرُّبَاعِيِّ كُلُّهَا مُطْلَقاً غَيْرَ الْمَدَّةِ كَقُشَيْعِرٍ في مُقْشَعِرٍّ وحريجيم في اخرنجام ويَجُوزُ التَّعْوِيضُ مِنْ حَذْفِ الزِّيَادَةِ بِمدَّةٍ بَعْدَ الكَسْرَةِ فِيمَا لَيْسَتْ فِيهِ كمغَيْلِيم في مُغْتَلِمٍ "
أقول: يعني بكسرة التصغير الكسرة التي تحدث في التصغير بعد يائه، والمدة إما واو كما في عصفور وكُرْدُوس - وهو جماعة الخيل - أو ألف كما في مفتاح

(1/249)


ومصباح ولا حاجة إلى التقييد بالمدة، بل كل حرف لين رابعة فإنها في التصغير تصير ياء ساكنة مكسوراً ما قبلها إن لم تكن كذلك، إلا ألف أَفْعَال وفَعْلاَن، وألفي التأنيث، وعلامات المثنى والجمعين، فيدخل فيه نحو جُلَيْلِيز وَفُلَيْلِيق في تصغير جِلَّوْزٍ (2) وَفُلَّيْقٍ وإن لم تكن الواو والياء مداً، وكذا الواو والياء المتحركتان كما في مُسَرْوَل وَمُشَرْيَف، تقول: مسبريل وَمُشَيْرِيف (3) ، وكذا تقول في تَرْقُوَةٍ: تُرَيْقِيَة (4) ، ويجب سكون كل ياء بعد كسر التصغير، إذا لم تكن حرف إعراب كما في رأيت أُرَيْطِيًّا إلا إذا كان
__________
(1) المدة في عرفهم هي حرف اللين الساكن الذي قبله حركة من جنسه، واللين حرف العلة الساكن تقدمته حركة مجانسة أم لم تتقدمه: فاللين أعم من المد وحرف العلة يطلق على الالف والواو والياء سواء أكانت متحركة أم ساكنة وسواء أكانت مسبوقة بحركة أم لا، وسواء أكانت الحركة السابقة مجانسة أم لا، فهو أعم من المد والين جميعا، وعلى ذلك يكون واو عصفور وألف قرطاس وياء قنديل حروف علة ومد ولين، ويكون واو يوم وياء بين وبيع حروف علة ولين وليس حروف مد، ويكون ياء بيان وواو وعد ونزوان حروف علة وليست مدا ولا لينا.
هذا أمر ثابت مقرر عندهم، وإذا عرفت هذا علمت أن تعبير ابن الحاجب بالمدة فيه قصور لانه لا يشمل واو فرعون وجلوز وياء غرنيق وفليق، كما أن تعبير الرضى بحرف اللين كذلك لانه لا يشمل واو مسرول ولا ياء مشريف اسمى مفعول، والصواب التعبير بحرف العلة الرابع (2) الجوز (بكسر الجيم وتشديد اللام مفتوحة) البندق الذي يؤكل لبه.
والفليق (بضم الفاء وتشديد اللام مفتوحة) أيضا: ضرب من خوخ يتفلق عن نواه (3) يقال: فرس مسرول، إذا جاوز بياض تحجيله العضدين والفخذين، وذرع مشريف، إذا قطع شريانه، أي ورقه وذلك إذا طال حتى يخشى فساده (4) الترقوة (بفتح فسكون فضم) : مقدم الحلق في أعلى الصدر (*)

(1/250)


بعدها تاء التأنيث كتُرَيْقية، أو الألف الممدودة كَسُيَيْمِيَاء في سيمياء (1) ، أو الألف والنون المضارعتان لألفي التأنيث كَعُنَيْفِيَان في عُنْفُوَان (2) قوله " إن لم تكنها " أي: إن لم تكن ياء، لأن الياء لا تقلب ياء قوله " وذو الزيادتين غيرها " أي: غير المدة الرابعة، والأولى أن يقال غير حرف اللين الرابعة، ليكون أعم اعلم أن الثلاثي إذا كان ذا زيادة واحدة لم تحذفها: في الأول كانت كَمَقْتَل وَأسْود، أو في الوسط كَكَوْثَر وجَدْوَل وخاتم وعجوز وكيبر وَحِمَار أو في الآخر كَحُبْلَى وَزَيْدل وإن كان ذا زيادتين غير المدة المذكورة لم يمكن بقاؤهما، إذ الخماسي يحذف حرفه الأصلي، فكيف بذي الزيادة؟ فإذا لم يكن بد من الحذف اقتصر على
__________
(1) السيمياء والسيماء: العلامة يعرف بها الخير والشر، ويقصران، قال أبو بكر: " قولهم عليه سيما حسنة معناه علامة، وهي مأخوذة من وسمت أسم، قال: والاصل في سيما وسمي، فحولت الواو من موضع الفاء فوضعت في موضع العين، كما قالوا ما أطيبه وأيطبه، فصار سومى، وجعلت الواو ياء، لسكونها وانكسار ما قبلها " اه وعلى هذا يكون وزن سيما عفلا وسيماء عفلاء وسيمياء عفلياء (بكسر العين وسكون الفاء في الجميع) ، ولكن مجئ سومة (بضم أوله) وسيمة (بكسره)
بمعنى العلامة كالسيماء والسيمياء واشتقاق أفعال من هذه المادة على هذا الترتيب نحو سوم، وصفات كما في قوله تعالى " والخيل المسومة " وقوله تعالى " من الملائكة مسومين " كل ذلك يدل على أن وزن سيماء وسيمياء فعلاء وفعلياء، ويؤكده صنيع القاموس واللسان والصحاح حيث أطبقوا على ذكرها في مادة (س وم) (2) عنفوان الشئ وعنفوه (بضم العين والفاء وسكون النون بينهما وتشديد الواو في الثانية) : أوله أو أول بهجته (*)

(1/251)


حذف إحداهما، إذ هو قدر الضرورة، وتصير الكلمة بذلك على بنية التصغير، فلا يرتكب حذفهما معاً فالزيادتان إما أن تكونا متساويتين، أو تكون إحداهما الفضلى، فإن فضلت إحداهما الأخرى حذفت المفضولة والفضل يكون بأنواع: منها أن تكون الزيادة في الأول كميم مُنْطَلق وَمُقْتَدر وَمُقَدَّم وَمُحْمر وكهمزة أَلَنْدَد (1) وَأَرنْدَج وكياء يَلَنْدَد ويَرَنْدَج، فالأولى بالإبقاء أولى لأن الأواخر محل التغيير لتثاقل الكلمة إذا وصلت إليها، ثم بعد ذلك الأوساط أولى، وأما الأوائل فهي أقوى وأمكن منهما، وهي مصونة عن الحذف إلا في القليل النادر، إذ الكلمة لا تثقل بأول حروفها ولميم نحو منطلق ومقتدر فضيلتان أخريان: كونها ألزم من الزائد المتأخر، إذ هي مطردة في جميع اسمي الفاعل والمفعول من الثلاثي المزيد فيه ومن الرباعي، وكونها طارئة على الزائد المتأخر، والحكم للطارئ.
ومن أنواع الفضل أن يكون أحد الزائدين مكرَّرَ الحرف الأصلي دون الآخر، فالمكرر بالإبقاء أولى، لكونه كالحرف الأصلي، فجيم عَفَنْجَج ودال غَدَوْدَن (2)
أولى بالإبقاء من الباقيين، وكذا المضعف في خَفَيْدَدٍ وَحَمَّارَّة وصَبَارَّة (3) أفضل
__________
(1) الالندد واليلندد: الشديد الخصومة مثل الالد.
والارندج واليرندج: السواد يسود به الخف (2) العفنجج: تقدم ذكره في (ص 245 هـ 3) .
أما الغدودن فانه يقال: شاب غدودن: أي ناعم، وشعر غدودن: أي كثير ملتف طويل (3) الخفيدد: السريع، والظليم الخفيف.
والحمارة (بفتح الحاء والميم مخففة وتشديد الراء) : شدة الحر.
والصبارة: شدة البرد، وهي بزنة الحمارة (*)

(1/252)


من الباقي، هذا مع أن النون والواو والياء والألف أبعد من الطرف، إلا أنها ضعفت بالسكون، وأما قَطَوْطًى - وهو البطئ المشي - فعند سيبويه فَعَوْعَل كَغَدَوْدَنٍ، فتقول: قُطَيْطٍ، أو قُطَيْطِيٌّ بإبدال الياء من الواو المحذوفة، وقال المبرد: بل هو فعلعل، وأصله قطوطو كَصَمَحْمَح، وقال: فَعَلْعَل أكثر من فَعَوْعَل، فأحد المضعفين - أعني الطاء والواو الأولين أو الثانيين - زائد كما في صَمَحْمَح وَبَرَهْرَهَة (1) ، قال سيبويه: جاء منه اقْطَوطَى إذا أبطأ في مشيه، وهو افعوعل كاغْدَوْدَنَ، وافْعَلْعَلَ لم يأت في كلامهم، ولو كان أيضاً فَعَلْعَلاً كما قال المبرد كان القياس حذف الواو الأولى، على ما ذكرنا في شرح معنى الإلحاق أن صمحمحاً وَبَرَهْرَهَة يُجْمَعَان على صمامح وبَرَارِه وإذا صغرت عَطَوَّداً (2) فعند سيبويه تحذف الواو الأولى، لأنهما وإن كانتا زائدتين لكن الثانية أفضل وأقوى لتحركها وسكون الاولى، فتقول: عُطَيِّد، وبالإبدال عُطَيِّيد، وقال المبرد: لا يجوز حذف إحدى الواوين، لأن عَطَوَّداً كَمُسَرْوَل، والواو الرابعة ساكنة كانت أو متحركة لا تحذف كما ذكرنا، فكما قلت هناك مُسَيْرِيل تقول هنا: عُطَيِّيد، بالمد لا غير وإذا حقر (3) عِثْوَلّ - وهو ملحق بجِرْدَحْل - بزيادة الواو وإحدى
اللامين - فمذهب سيبويه، وحكاه عن الخليل، وقال: هو قول العرب، أنك
__________
(1) الصمحمح (كسفرجل) : الشديد القوى.
والبرهرهة: المرأة البيضاء الشابة أو التي ترعد نعومة (2) العطود (كسفرجل) : الشديد الشاق من كل شئ، وهو أيضا السريع من المشى، قال الراجز * إليك أشكو عنقا عطودا * (3) العثول (بكسر فسكون ففتح فلام مشددة) : الكثير اللحم الرخو، وهو أيضا الكثير شعر الجسد والرأس (*)

(1/253)


تحذف آخر اللامين دون الواو، وإن كان تضعيف الحرف الأصلي، لكونه طرفاً مع تحرك الواو، بخلاف ياء خَفَيْدد، وأيضاً للقياس على الخماسي الملحق هو به، وقال المبرد، وحكاه عن المازني: إنك تقول عُثَيْلّ نظراً إلى كون اللام مضعف الحرف الأصلي دون الواو، وإذا كان السماع عن العرب على ما ذكر سيبويه مع أنه يعضده قياسٌ ما فلا وجه لما قال المبرد لمجرد القياس وإذا صغرت ألَنْدَداً فإنك تحذف النون قولاً واحداً، لأن الدالين أصليان، إذ هو من اللَّدَد، والهمزة لتصدرها تحصَّنَتْ من الحذف فإذا حذفتها قال سيبويه أُلَيْدّ بالإدغام كأصَيْمّ، وقال المبرد: بل أُلَيْدِد بفك الإدغام لموافقة أصله، وقول سيبويه أولى، لانه كان ملحقا بالخماسي لا بالرباعي، فلما سقطت النون لم يبق ملحقاً بالخماسي، ولم يقصد في الأصل إلحاقه بالرباعي حتى يقال أليدد كقريدد، فتقول على هذا في عَفَنْجَج عُفَيْجٌّ (1) بالإدغام أيضاً كأصَيْمٍّ وإذا صغرت ألْبُباً وَحَيْوة (2) وفكُّ الإدغام فيهما شاذ، قلت: أليب وَحُيَيَّة بالإدغام فيهما، لأن هذا الشذوذ مسموع في المكبر لا في المصغر، فلا تقيسهما في الشذوذ على مكبريهما، بل يرجعان إلى أصل الاذغام
وإن كانت الزيادتان في الثلاثي متساويتين من غير فضل لإحداهما على الأخرى فأنت مخير في حذف أيتهما شئت، كالنون والواو في الْقَلَنْسُوَة، ولو قيل إن حذف الواو لتطرفها أولى لم يبعد
__________
(1) وقع في الاصل سفنجج ولم نجد له معنى في كتب اللغة التي بين أيدينا فأصلحناه إلى عفنجج وهو كما تقدم الضخم الاحمق (2) قال في اللسان: " بنات ألبب: عروق في القلب يكون منها الرقة، وقيل لاعرابية تعاتب ابنها: مالك لا تدعين عليه؟ قالت: تأبى له ذلك بنات ألببى، قال الاصمعي: كان أعرابي عنده امرأة فبرم بها فألقاها في بئر فمر بها نفر فسمعوا

(1/254)


قيل: وكذلك الخيار في حذف النون أو الألف في (1) حَبنَطى، إذ هما للإلحاق وليس أحدهما أفضل، ولو قيل في الموضعين حذف الأخير لتطرفه أولى مع جواز حذف الأول، لكان قولاً وكذا قيل بالتخيير بين ألف عَفَرْنّى (2) ونونه، إذ هما للإلحاق، بدليل عَفَرْنَاة.
__________
همهمتها من البئر فاستخرجوها وقالوا: من فعل هذا بك؟ فقالت: زوجي، فقالوا: ادعى الله عليه، فقالت: لا تطاوعني بنات ألببى، فأن جمعت ألببا قلت: ألابب، والتصغير أليبب، وهو أول من قول من أعلها " اه ملخصا، وهو يريد من الاعلال هنا الادغام فهو مخالف لما ذكر المؤلف كما ترى.
وحيوة (بفتح فسكون) : اسم رجل قلبت الياء واوا فيه لضرب من التوسع وكراهة لتضعيف الياء، قال في اللسان: " وإذا كانو قد كرهوا تضعيف الياء مع الفصل حتى دعاهم ذلك إلى التغيير في حاحيت وهاهيت كان إبدال اللام في حيوة ليختلف الحرفان أحرى وانضاف إلى ذلك أنه علم والاعلام قد يعرض فيها مالا يوجد في غيرها نحو مورق وموهب وموظب، قال الجوهري: حيوة اسم رجل، وإنما لم يدغم كما أدغم هين وميت لانه اسم موضوع لا على وجه الفعل " اه (1) الحبنطى: الممتلئ غيظا أو بطنة، ويقال فيه: حبنطا وحبنطأة، قال في
اللسان: " فأن حقرت فأنت بالخيار، إن شئت حذفت النون وأبدلت من الالف ياء وقلت حبيط بكسر الطاء منونا، لان الالف ليست للتأنيث فيفتح ما قبلها كما تفتح في تصغير حبلى وبشرى، وإن بقيت النون وحذفت الالف قلت: حبينط، وإن شئت أيضا عوضت ن المحذوف في الموضعين، وإن شئت لم تعوض، فان عوضت في الاول قلت حبيطى (بياء مشددة آخره) وفي الثاني تقول: حبينيط " اه بتصرف وإصلاح في التصغير مع التعويض على الوجه الاول (2) العفرنى (بفتحتين بعدهما سكون) : الشديد، وتقول: رجل عفر (كتبر) (*)

(1/255)


وأما الْعِرَضْنَى فالألف فيه للتأنيث، فحذفها واجب، لكونها خامسة في الطرف، دون النون، كما مر وحذف الألف الأولى في مَهَارى (1) علماً أرجح من جهة مشابهة الأخيرة للأصلي، بانقلابها، وحذف الثانية أرجح من جهة كونها أخيرة فتساوتا وأنت مخير في حِنْظَأْوٍ (2) بين حذف الواو والنون، والواو أولى، وأما الهمزة فبعيد زيادتها في الوسط، كما يجئ في باب ذي الزيادة، قال سيبويه: أنت مخير في حذف واو كَوَأْلَل (3) أو إحدى اللامين، وأما الهمزة فأصلية لبعد زيادتها في الوسط، فإن رجحنا حذف اللام بكونها في الطرف ووقوعها كشين جحمرش ترحج حذف الواو بسبب كون اللام مضعف الحرف الأصلي
__________
وعفرية (بكسرتين بينهما سكون) وعفريت وعفر (كطمر) وعفرى (بزيادة الياء المشددة عليه) وعفرنية (كقذعملة) وعفارية (بضم أوله) ، إذا كان خبيثا منكرا، وتقول: أسد عفر وعفرني، وتقول: لبؤة عفرناة (كسفرجلة) ، فدل لحوق التاء على أن الالف في عفرنى ليست للتأنيث (1) المهارى - بزنة الصحارى - جمع مهرية، وهي إبل منسوبة إلى مهرة (بفتح
الميم وسكون الهاء وصوب ياقوت فتحها) وهو ابن حيدان أبو قبيلة، ويقال في الجمع أيضا: مهارى ككراسي ومهار كجوار، وقد روى ياقوت عن العمرانى أن مهرة بلاد تنسب إليها الابل، ثم قال: " هذا خطأ إنما مهرة قبيلة، وهي مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة تنسب إليهم الابل المهرية، وباليمن لهم مخلاف يقال باسقاط المضاف إليه " اه وبعد ذلك لا تحل لتخطئة العمرانى مادام مخلاف هذه القبيلة يسمى مهرة، وهذا معنى قوله باسقاط المضاف إليه (2) الحنظأ و (كجردحل) وهو بالطاء المهملة وبالظاء المشالة أيضا كما في القاموس وإن لم يذكره في اللسان ولا في الصحاح إلا بالمهملة، وهو القصير.
والحنطأ و (بالمهملة) : العظيم البطن أيضا (3) الكوألل (كسفرجل) : القصير مع غلظ وشدة (*)

(1/256)


وكذا كان ينبغي أن يكون مذهبه التخيير في زيادتي عِثْوَلّ (1) ومما أنت مخير فيه نحو جَمَادَى وسُمانَى وحُبَاري (2) كما مر وقال سيبويه: وليس مهارى وصَحارى علمين كَحُبَارى، فإن الألف الأخيرة في حبارى للتأنيث، قصار لها وإن كانت في الآخر ثبات قدم، بخلاف الألف الأخيرة في مَهَارى وصَحارى، فإنها ليست للتأْنيث، بل هي بدل من الياء التي هي بدل من ألف التأنيث كما يجئ في الجمع، فهي بالحذف أولى وفي ثمَانِية وعَلاَنيَة وعُفَارية (3) رجح سيبويه حذف اِلألف لضعفها وقوة الياء، ولكون الياء في مقام الحرف الأصلي في نحو ملائكة وعُذَافرة (4) فهي للإلحاق دون الألف، قال: وبعض العرب يقول: ثُمَيِّنَةٌ وعُفَيِّرةٌ، بحذف الأخير، لكونه في الطرف الذي هو محل التغيير
__________
(1) لعل السر في أن سيبويه خير في تصغير كوالل بين حذف الواو وإحدى اللامين وأوجب في تصغير عثول حذف آخر اللامين أنه قدر في عثول زيادة الواو أولا
للالحاق بالرباعي ثم زيادة اللام للالحاق بجردحل، فلما أريد التصغير حذف منه ما ألحق بالخماسي وهو اللام الاخيرة، كما أن الخماسي يحذف منه حرفه الاخير، وأما كوألل فالحرفان زيدا معا للالحاق بسفرجل، فلما أريد تصغيره وكان لكل من اللام والواو مزية بدون رجحان لاحدهما خير في حذف أي واحد منهما (2) جمادى (كحبارى) : من أسماء الشهور، معرفة مؤنثة، ويقال: ظلت العين جمادى (بالتوين) : أي جامدة لا تدمع.
والسمانى (كحبارى أيضا) : طائر، يطلق على الواحد والجمع.
وقد تقدم ذكر الحبارى قريبا (3) علن الامر (كخرج وجلس وفرح وكرم) علنا (مثل الفرح) وعلانية (مثل طواعية) واعتلن أيضا: أي ظهر.
والعفارية: الجرئ الشديد، وقد تقدم مع العفرنى (4) لعذافر (كعلايط) : الاسد العظيم الشديد من الابل، والانثى عذافرة (*)

(1/257)


وأما نحو قبَائل وَعَجَائز علماً فسيبويه والخليل اختارا حذف الألف لضعفها.
ويونس اختار حذف الهمزة لقربا من الطرف، فإذا صغرت على هذا مَطايا قلت: مُطَيٌّ، بياء مشددة على القولين: أما الخليل فإنه يحذف الالف التي بعد الطاء فيصير مطيا فتدخل يا التصغير قبل هذه الياء وتكسر هذه الياء فتنقلب الألف لكسرة ما قبلها ياء، فيجتمع ثلاث يا آت كما في تصغير عَطَاء، فتحذف الثالثة نَسْياً، وأما يونس فيحذف الياء التي هي بدل من الهمزة فيبقى ألفان بعد الطاء فتدخل ياء التصغير قبل الأولى، فتنقلب الأولى ياء مكسورة كما في حمار، فتنقلب الثانية أيضاً ياء لكسرة ما قبلها، فيصير مثل تصغير عَطَاء، فيحذف ثالثة الياآت، ولا يقال ههنا مطئ بالهمزة كما قال الخليل في رَسَائل رُسَيئْل، لأن هذه الهمزة لم تثبت قط في الجمع ثبوتَ همزة رسائل، بل تجعل الياء الزائدة همزة وتقلب الهمزة
بلا فصل ياءً مفتوحة كما يجئ في موضعه ولو صغرت خطايا قلت: خطئ بالهمزة أخيراً، لأنك إن حذفت الألف التي بعد الطاء على قول الخليل وسيبويه، فعند سيبويه يرجع ياء خطايا إلى أصلها من الهمزة لأنها إنما أبدلت ياءً لكونها في باب مَسَاجد بعد الألف، وترجع في الحال الهمزة إلى أصلها من الياء الزائدة التي كانت بعد الطاء في خطيئة، فترجع الهمزة التي هي لام إلى أصلها (1) ، لأنها إنما انقلبت ياء لاجتماع همزتين مكسورةٍ أولاهما، وعند الخليل
__________
(1) إن قلت: فلماذا قالوا في تصغير رسائل وقبائل وعجائز أعلاما: رسيئلا وعجيئزا وقبيئلا، مع أنه بعد حذف الالف الثالثة قد زال سبب قلب حرف المد الذي في الواحد ألفا ثم همزة ولم يقولوا في قضايا ومطايا وزوايا ونحوهن أعلاما بالهمزة أيضا مع أنه إذا جذف الالف الثالثة زال سبب انقلاب هذه الهمزة ياء فالجواب أن نقول: إن سبب قلب اللين همزة في نحو رسائل ضعيف، لانهم إنما قلبوه لتحركه وانفتاح ما قبله، إذ لم يعتدوا بالالف حاجزا، أو لانهم شبهوا (*)

(1/258)


إنما قلبت الهمزة إلى موضع الياء خوفاً من اجتماع همزتين، فإذا لم تنقلب الأولى همزةً بسبب زوال ألف الجمع لم تقلب الهمزة إلى موضع الياء، بل تبقى في موضعها وإن حذفت ياء خَطَايَا على قول يونس رجعت الهمزة أيضاً إلى أصلها، لعدم اجتماع همزتين، فتقول أيضاً: خطئ، كَحُمَيِّر.
قوله " وذو الثلاث غيرها " أي: الثلاثي ذو الزوائد الثلاث غير المدة المذكورة تبقى الْفُضْلى من زوائده الثلاث، على ما قلنا في ذي الزيادتين، وتُحذف الثنتان في نحو مقعنسس، قال سيبويه: تحذف النون وإحدى السينين، لكون الميم أفضل منهما، وقال المبرد: بل تحذف الميم كما تحذف في نحو محرنجم، لأن السين للإلحاق بحرف أصلي، وقول سيبويه أولى، لأن السين وإن كانت للإلحاق بالحرف الأصلي
وتضعيفَ الحرف الأصلي، لكنها طرف إن كانت الزائدة هي الثانية، أو قريبة من الطرف إن كانت هي (1) الأولى، والميم لها قوة التصدر مع كونها مطردة في
__________
الالف بالفتحة، فلما كان سبب ذلك ضعيفا لم يبالوا بفقدانه، فان وجود الضعيف كلا وجود، ولذلك يقولون في تصغير قائم وبائع: قويئم وبويئع بالهمزة.
أما علة قلب الهمزة ياء في مطايا ونحوها فقوية: لانها إما أن تكون الهرب من اجتماع همزتين ومن اجتماع شبه ثلاث ألفات، فلما كان السبب قويا اعتبروا زوال سببه زوالا له (1) اعلم أنهم اختلفوا في الحرف المكرر لحرف أصلي سواء أكان الزائد للالحاق كما في جلبب ومهدد واقعنسس ومقعنسس، أم كان لغير الالحاق، نحو قطع واسبطر ومكفهر ومحمر، وما أشبه ذلك، هل الزائد أول الحرفين المتجانسين أو ثانيهما؟ فقال الخليل: الزائد هو الاول، وقال غيره: الزائد هو الثاني واختاره ابن الحاجب، وقال سيبويه: إن شئت اعتبرت الاول هو الزائد، وإن شئت اعتبرت الثاني هو الزائد، وسيأتي مزيد بحث لهذه المسألة بذكر آراء العلماء ودليل كل واحد منهم في باب ذى الزيادة، وإنما قصدنا ههنا إلى أن نبين لك أن ترديد المؤلف إشارة إلى هذا الاختلاف (*)

(1/259)


معنًى، كما ذكرنا قبل، وإن حذفت في مُغْدَوْدِنٍ الدال الأولى فلابد من حذف الواو أيضاً فيبقى مُغَيْدن، وإن حذف الثانية وقعت الواو رابعة فلا يحتاج إلى حذفها لأنها تصير مدة نحو مُغَيْدِين، وإن كانت إحدى الزوائد حرف اللين المذكورة - أعني الرابعة - لم تحذفها قطعاً، وتكون المعاملة مع الزائدتين الباقبيتين، وكأن ذلك اللين ليس فيه، تقول في تِمِلاَّق (1) تَمَيْلِيق، بالمد، وإنما حذفت إحدى اللامين وإن كانت من تضعيف الأصلي لأن التاء أفضل منهما بالتصدر، ومجيئها في مصادر كثيرة بلا تضعيف، كالتفعلل
والتفاعل والتعفيل والتفوعل، ويسقط جميع همزات الوصل، في الرباعي كانت أو في الثلاثي، تقول في افتقار وانطلاق: فُتَيْقِير ونُطَيْلِيق، وفي احرنجام: حُرَيْجيم لأنك تضم أول حروف الكلمة في التصغير، فلو لم تحذف الهمزة ضممتها، فكانت تسقط في الدرج فتنكسر بنية التصغير، وتقول في الثلاثي ذي أربعة الزوائد مع المد نحو استخراج: تُخَيْريج، وإنما كان سقوط السين أولى من سقوط التاء إذ لا تزاد السين في أول الكلمة إلا مشفوعة بالتاء، فلو قلنا سُخَيْرِيج لكان سفيعيلاً وليس له نظير، وأما تُفَيْعِيل فهو كالتُّجَيْفيف (2) والتاء تزاد في الأول بلا سين، وتقول
__________
(1) التملاق - بكسر التاء والميم وتشديد اللام -: مصدر قولك تملقة وتملق له كالتملق، ومعناه تودد إليه وتلطف له، وقال الشاعر: ثلاثة أحباب فحب علاقة * وحب تملاق وحب هو القتل (2) التجيفيف: تصغير التجفاف - بكسر تائه أو فتحها - وهو آلة للحرب يلبسها الانسان والفرس ليتقي بها، والتاء مزيدة فيه للالحاق بقرطاس أو زلزال، والالف زائدة أيضا.
قال في اللسان: " ذهبوا فيه إلى معنى الصلابة والجفوف، قال ابن سيده: ولولا ذلك لوجب القضاء على تائها بأنها أصل، لانه بازاء قاف قرطاس، قال ابن جنى: سألت أبا على عن تجفاف: أتاؤه للالحاق بباب قرطاس؟ فقال: نم، واحتج في ذلك مما انضاف إليها من زيادة الالف معها " اه، والتجفاف يفتح التاء - مصد جرفف الثوب ونحوه كالتجفيف والتاء زائدة للمصدر لا للالحاق (*)

(1/260)


في اشْهِيبَاب واغْدِيدَان وَاقْعِنْسَاس: شُهَيبِيب وغُدَيْدِين وقُعَيْسِيس، وحذف الهمزة لابد منه لما ذكرنا، ثم حذف الياء والنون أولى من حذف مضعف الأصلي، وتقول في اعْلِوَّاط عُلَيِّيط (1) ، بحذف الهمزة وإحدى الواوين، وأصله عُلَيْويط، وتقول في اضْطِرَاب: ضُتَيْرِيب، برد الطاء إلى أصلها من التاء، لأن جعلها طاء إنما كان لسكون الضاد، فيكون التجاوز إذن بين المطبقين،
أما إذا تحركت الضاد والحركة بعد الحرف، كما ذكرنا، فهي فاصلة بينهما، ألا ترى أنك تقول حَبِطت بالتاء (2) بعد الطاء لا غير، فإذا أسكنت الطاء مع تاء المتكلم جاز عند بعض العرب أن تقلب التاء طاء فيقال: حَبِطُّ كما يجئ في باب الإدغام قوله " وتحذف زيادات الرباعي كلها مطلقاً غير المدة " إنما وجب حذفها إلا المدة ليتم بنية التصغير، وإذا لم يكن من الحذف بد فالزائد (إن وُجد) كان أولى بالحذف من الأصلي، تقول في مدحرج وفيه زائد واحد: دُحَيْرِج، وفي محرنجم وفيه اثنان: حُرَيجم، وفي احرنجام وفيه ثلاثة: حُرَيْجيم، بحذف الجميع، إلا المدة، وتقول في قَمَحْدُوَة وسُلَحْفَاةٍ: قُمَيْحِدَة وسُلَيْحِفَة (3) وفي مَنْجَنيق: مجينيق،
__________
(1) اعلواط: مصدر اعلواط البعير إذا تعلق بعنقه وعلاه أو ركبه بلا خطام أو عريا، واعلوط فلانا: أخذه وحبسه ولزمه (2) حبط: جاء هذا الفعل من بابى سمع وضرب بمعنى بطل أو أعرض، تقول: حبط عمله يحبط حبطا وحبوطا، ومنه قوله تعالى " لئن أشركت ليحبطن عملك " وتقول: حبط فلان عن فلان: أي أعرض: وجاء من باب فرح ليس غير بمعنى انتفخ، تقول: حبط البعير، إذا أكل كلاء فأكثر منه فانتفخ بطنه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم " (3) القمحدوة - بفتحتين فسكون فضم - العظم الناتئ فوق القفا خلف الرأس والسلحفاة - بضم أو كسر ففتح فسكون - ويقال سلحفية وسلحفاء ويقصر (*)

(1/261)


بناء على زيادة النون الأولى بدليل (1) مجانيق، وفي عَنْتَرِيس - وهو الشديد - عُتَيْرِيس بحذف النون، لأنه من (2) الْعَتْرَسَة، وهي الأخذ بشدة، وفي خَنْشَليل: (3) خُنَيْشِيل، لزيادة إحدى اللامين وعدم قيام دليل على زيادة النون، وفي مَنْجَنين: (4) مُنيْجِين، لان إحدى النونين الاخيرتين زائدة
__________
وتسكن لامه: دابة من دواب الماء وتعيش في البر يحيط بها من أعلى غطاء صدفى سميك لها أرجل قصار تسير بها على الارض زحفا (1) المنجنيق - بفتح الميم أو كسرها وسكون النون بعدها جيم مفتوحة ونون مكسورة -: أداة من أدوات الحرب ترمى بها الحجارة (2) العترسة الاخذ بالشدة وبالجفاء والعنف والغلظة، والعتريس (كقنديل) الجبار الغضبان والغول الذكر والدهاية، والعترس (كجعفر) : العظيم الحسيم، والعنتريس: الداهية أيضا، والناقة الصلبة الوثيقة الشديدة الكثيرة اللحم، وقد يوصف به الفرس، قال في اللسان " قال سيبويه: هو من العترسة التي هي الشدة، لم يحك ذلك غيره " اه (3) الخنشليل - بفتحتين بينهما سكون ثم لام مكسورة -: السريع الماضي الجيد الضرب بالسيف، والمسن من الناس والابل، ويقال: ناقة خنشليل: أي طويلة، قال صاحب اللسان: " جعل سيبويه الخنشليل مرة ثلاثيا وأخرى رباعيا فان كان ثلاثيا فخنشل مثله، وإن كان رباعيا فهو كذلك " اه، يريد أنك إن جعلته ثلاثيا فأصوله الخاء والشين واللام وتكون النون والياء وإحدى اللامين زوائد ويكون الخنشل من الثلاثي زيدت فيه النون للالحاق بجعفر (كعنبس وعنسل) ، وإن جعلته رباعيا فأصوله الخاء والنون والشين واللام، والياء وإحد اللامين زائدتان ويكون الخنشل كجعفر لا ملحقا به، ويؤيد هذا أن صاحب القاموس ذكر الخنشليل مرتين: الاولى في مادة خ ش ل على أنه من مزيد الثلاثي، والثانية عقد له ترجمة خاصة خ ن ش ل على أنه من مزيد الرباعي (4) المنجنين ومثله المنجنون - بفتح فسكون ففتح -: السانية أي الدولاب (*)

(1/262)


لتكررها، فحذفت الاولى دون الثانية، لأنك لو حذفت الثانية أحوجت إلى
حذف الياء أيضاً، وأيضاً المسموع في جمعه مَنَاجِين، وكذلك تحذف الاولى ن طمَأْنِينَة وقُشَعْرِيرَة، فتقول: طُمَيْئِينة وقُشَيْعِيرَة، وتقول في عَنْكَبُوت: عُنَيْكِبٌ، وسمع الأصمعي عُنَيْكِبِيت، وهو شَاذ، وفي عَيْضَمُوز وجَحَنْفَل (1) وعَجَنَّس: عُضَيْمِيز، وَجُحَيْفل، وعُجَيْنِس قال سيبويه في تصغير إسماعيل وإبراهيم: سُمَيْعِيل وَبُرَيْهِيم، بحذف الهمزة، ورد عليه المبرد بأن بعد الهمزة أربعة أصول، فلا تكون الهمزة زائدة كما في إصْطَبل على ما يجئ في باب ذى الزيادة، فإذن هما خماسيان، فتحذف الحرف الأخير، فتقول: أُبَيْرِيه وأُسَيْميع كَشُمَيْرِيخ (2) ، والقياس يقتضي ما قاله المبرد، إلا أن المسموع من العرب ما قاله سيبويه، كما روى أبو زيد وغيره عن العرب، وحكى سيبويه عن العرب في تصغيرهما تصغير الترخيم بُرَيْه وسميع،
__________
التى يستقى بها، قال ابن برى: " هو رباعى الاصول، ميمه أصلية وكذا النون التي تليها، وهى مؤنثة وجمعها مناجين " اه، وعلى هذا فوزن منجنون فعللول (كعضر فوط) والنون الاخيرة للتكرير، ووزن منجنين فعلليل (كجعفليق) والنون الاخيرة للتكرير أيضا (1) العيضموز - بفتح فسكون ففتح -: العجوز والناقة الضخمة والصخرة الطويلة العظيمة، وقد وقع في بعض النسخ " عضموز " بزنة عصفور وهو بضاد معجمة أو صاد مهملة، وهو الدولاب أو دلوه، ولكن لا محل لذكره في هذا الموضع لان ليس مما اجتمع فيه زيادتان، بل ولا هو مما فيه زيادة واحدة تحذف.
وإنما زيادته تقلب ياء لكونها مدة قبل الاخر.
والجحفل - كسفرجل - الغليظ الشفة.
والعجنس كسفرجل أيضا -: الجمل الضخم الصلب الشديد مع ثقل وبطء (2) شميريخ: تصغير شمراخ كقرطاس أو شمروخ كعصفور، وهو الغصن الذي عليه البسر.
وهو في النخل بمنزلة العنقود من الكرم (*)

(1/263)


وهو دليل على زيادة الميم في إبراهيم واللام في إسماعيل، فتكون الهمزة في الأول وبعدها ثلاثة أصلال كما مر، ولولا السماع في تصغير الترخيم لم نحكم بزيادة الميم واللام، لأنهما ليستا مما يغلب زيادته في الآخر وأما إسْتَبْرَق (1) فأصله أيضاً أعجمي فعرب، وهو بالفارسية إستبر (هـ) ، فلما عرب حمل على ما يناسبه في الأبنية العربية، ولا يناسب من أبنية الاسم شيئاً، بل يناسب نحو اسْتَخْرَجَ، أو تقول: يناسب نحو اسْتِخْرَاج من أبنية الأسماء باجتماع الألف والسين والناء في الأول، فحكمنا بزيادة الأحرف الثلاثة حَمْلاً له على نظيره، ولا بد من حذف اثنتين من الحروف الزائدة، فبقَّيْنَا الهمزة لفضلها بالتصدر، وليس بهمزة وصل كما كانت في استخراج حى تحذف، فحذفْنَا السين والتاء، وكذا تحذف الزيادة في الخماسي مع الخامس الأصلي، تقول في قَرَعْبَلاَنة وَقِرْطَبُوس (2) : قُرَيْعِبَة وَقُرَيْطِب قوله " ويجوز التعويض عن حذف الزائد " قال سيبويه: التعويض قول يونس، فكل ما حذفت في التصغير، سواء كان أصلياً كما في سفرجل أو زائداً كما في مُقَدِّم، يجوز لك التعويض منه بياء ساكنة قبل الا خبر، إن لم يكن في المكبر حرف علة في ذلك الموضع، وإن كان كما في احرنجام فلا تقدر على التعويض، لاشتغال المحل بمثله
__________
(1) الاستبرق: ما غلظ من الحرير.
قال ابن الاثير: " وقد ذكرها الجوهرى في برق على أن الهمزة والسين والتاء زوائد.
وذكرها الازهرى في خماسى القاف على أن همزتها وحدها زائدة.
وقال أصلها بالفارسية استفره، وقال أيضا إنها وأمثالها من الالفاظ حروف عربية وقع فيها وفاق بين العجمية والعربية، وقال: هذا عندي هو الصواب " اه قال الزجاج: هو اسم أعجمى أصله بالفارسية استفره ونقل من العجمية
إلى العربية، وفي القاموس أنه معرب استروه (2) القرطبوس - بفتح القاف أو كسرها ثم راء ساكنة فطاء مهملة مفتوحة -: الداهية والناقة العظيمة الشديدة.
والقر عبلانة: دويبة (انظر ص 10 هـ 1) (*)

(1/264)


قال " وَيُرَدُّ جَمْعُ الْكَثْرَةِ لاَ اسْمُ الْجَمْعِ إِلَى جَمْعِ قِلَّتِهِ، فيُصَغَّرُ نَحْوُ غَلَيْمَةَ في غِلْمَان، أوْ إلى وَاحِدِهِ، فَيُصَغَّرُ ثُمَّ يُجْمَعُ جَمْعُ السَّلاَمَةِ، نَحْوُ غُلَيِّمُونَ وَدُوَيْرَاتٍ " أقول: قوله " لا اسم الجمع " قد عرفت في شرح الكافية معنى اسم الجمع (1) فإذا كان لفظ يفيد الجمعية: فإن كان لفظه مفرداً، كاسم الجمع واسم الجنس، فإنه يصغر على لفظه، سواء جاء من تركيبه واحد كَرَاكِب ورَكْب وَمُسافر وسَفْر وراجل (2) ورجل، يقول: رُكَيْب، ورُجَيْل، وسُفَير، أو لم يجئ، نحو قُوَيْم ونُفَيْر، في تصغير قَوْم ونَفَر.
وكذا في الجنس تقول: تمير وتفيفيح.
__________
1 0) سيأتي ذكر الفروق بين الجمع واسم الجمع واسم الجنس في آخر باب جمع التكسير فلا محل لذكرها هنا (2) يقال: رجل سفر وقوم سفر - بفتح السين وسكون الفاء - وسافرة وأسفار وسفار - بضم السين وتشديد الفاء - وسافرة وأسفار وسفار - بضم السين وتشديد الفاء -: ذوو سفر، والسافر والمسافر واحد سفر من قولهم قوم سفر.
ويقال: رجل الرجل رجلا (كفرح فرحا) فهو راجل ورجل (كعضد) ورجل (ككتف) ورجيل (كشيهد) ورجل (كضخم) ورجلان (كغضبان) ، إذا لم يكن له ظهر يركبه في سفره، وكما جاء الرجل (بسكون الجيم) وصفا للواحد
جاء للكثير أيضا، واختلف العلماء فيه حينئذ: فذهب سيبويه الى أنه جمع راجل، ورجح الفارسي قول سيبويه، وقال: لو كان جمعا ثم صغر لرد إلى واحده ثم جمع، ونحن نجده مصغرا على لفظه، وأنشد: بنيته بعصبة من ماليا * أخشى ركيبا ورجيلا عاديا (*)

(1/265)


ومذهب الأخفش - وهو أن ركباً جمع راكب، وسفراً جمع مسافر - يقتضي رد مثلهما إلى الواحد، نحو رُوَيْكبون ومُسَيْفِرون، وكذا يفعل.
وإن كان لفظه جمعاً: فإما أن يكون جمع سلامة، فهو يصغر على لفظه، سواء كان للمذكر، نحو ضُوَيْرِبون، أو للمؤنث، نحو ضُوَيْرِبات، إما أن يكون جمع تكسير، وهو إما للقلة، وهو أربعة: أَفْعُل، وأفعال، وَأَفْعِلة، وَفِعْلَة، فتصغر على لفظها، نحو أُكَيْلِب وَأُجَيْمَال وأُقَيْفِزة وغُلَيْمَة، وإما للكثرة، وهو ما عدا الأربعة، ولا يخلو إما أن يكون له من لفظه جمع قلة ككِلاَب وأكْلُب وفُلُوس وَأَفْلُس، أولا كدارهم ودنانير ورجال، فالثاني يرد إلى واحده ويصغر ذلك الواحد، ثم ينظر، فإن كان ذلك الواحد عاقلاً مذكر اللفظ والمعنى جمعته بالواو والنون لحصول العقل فيه أولا وعروض الوصف بالتصغير، كرُجَيْلون في تصغير رجال، وإن لم يكن عاقلاً جمعته بالألف والتاء مذكراً كان ككُتَيِّبَات في كُتُب، أو مؤنثاً كقُدَيْرَات في قُدُور، وكذا إن اتفق أن يكون عاقلاً مؤنث اللفظ مذكر المعنى، أو عاقلاً مذكر اللفظ مؤنث المعنى، فتقل في جَرْحَى وحَمْقى وَحُمْر وعِطَاش في المذكر: جُرَيِّحُون وأحَيْمِقون وأحَيْمِرُون وعطيشانون، وفي المؤنث: جُرَيِّحَات وَحُمَيْقَاوات وَحُمَيْرَاوات وعُطَيْشِيات، بجمع المصغرات جمع السلامة، وإن لم يجز ذلك في المكبرات، وكذا تقول في حوائض جمع حائض: حُوَيِّضَات، وإن لم تجمع حائضاً جمع السلامة.
وأما في القسم الأول - أي الذي له جمع قلة مع جمع الكثرة - فلك
التخيير بين رد جمع كثرته إلى جميع قلته وتصغيره، كتصغيرك كلاباً وفلوساً على أكيلب وأفيلس، وبين رد جمع كثرته إلى الواحد وتصغير ذلك الواحد ثم جمعه إما بالواو والنون أو بالألف والتاء، كما في ذلك القسم سواء.

(1/266)


وإنما لم يصغر جمع الكثر على لفظه لأن المقصود من تصغير الجمع تقليل العدد، فمعنى عندي غُلَيْمَة أي عدد منهم قليل، وليس المقصود تقليل ذواتهم، فلم يجمعوا بين تقليل العدد بالتصغير وتكثيره بإبقاء لفظ جمع الكثرة، لكونه تناقضاً، وأما أسماء الجموع فمشتركة بين القلة والكثرة، وكذا جمع السلامة على الصحيح كما مضى (1) في شرح الكافية، فيصغر جميعها نظراً إلى القلة، فلا يلزم التناقض، ولم يصغر شئ من جموه الكثرة على لفظه إلا أُصْلاَن جمع أصيل (2)
__________
(1) الذي قاله في شرح الكافية (ج 2 ص 177) هو " قالوا: مطلق الجمع على ضربين قلة وكثرة والمراد بالقليل من الثلاثة إلى العشرة، والحدان داخلان، وبالكثير ما فوق العشرة، قالوا: وجمع القلة من المكسر أربعة: أفعل، وأفعال، وأفعلة، وفعلة، وزاد الفراء فعلة (بفتح الفاء والعين) كقولهم: هم أكلة رأس: أي قليلون يكفيهم ويشبعهم رأى واحد، وليس بشئ، إذ القلة مفهومة من قرينة شبعهم بأكل رأس واحد لا من إطلاق فعلة، ونقل التبريزي أن منها أفعلاء كأصدقاء، وجمعا السلامة عندهم منها أيضا، استدلالا بمشابهتهما للتثنية في سلامة الواحد، وليس بشئ، إذ مشابهة شئ لشئ لفظا لا تقتضي مشابهته له معنى أيضا، ولو ثبت ما نقل أن النابغة قال لحسان لما أنشده قوله: لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى * وأسيافنا يقطن من نجدة دما قللت جفانك وسيوفك لكان فيه دليل على أن المجموع بالالف والتاء جمع قلة، وقال ابن خروف: جمعا السلامة مشتركان بين القلة والكثرة فيلحان لهما " اه كلامه.
وقد ذهب
بعضهم إلى أن الاسم إن كان له جمع تكسير وجمع سلامة كالجفان والجفنات فجمع السلامة للقلة وجمع التكسير للكثرة، وإن لم يكن له إلا جمع سلامة فجمع السلامة مشترك بين القلة والكثرة (2) الاصيل: العشى، وهو ما بعد الزوال إلى الغروب، وقيل: من زوال الشمس إلى الصباح.
يجمع على أصل كرسل، وأصلان كبعير وبعران، وآصال وأصائل.
(*)

(1/267)


تشبيهاً بِعُثْمَان، فيقال: أُصَيْلاَن، وقد يعوض من نونه اللام فيقال أُصَيْلاَل، وهو شاذ على شاذ.
وأجاز الكسائي والفراء تصغير نحو شُقْرَان وسُودَان جمع أشْقَر وأسْود على لفظه، نحو شُقَيْرَان وسُوَيْدَان.
وإن اتفق جمع كثرة ولم يستعمل واحده كعباديد وعباييد، بمعنى متفرقات، حقرته على واحدة القياسي المقدر ثم جمعته جمع السلامة، نحو عُبَيْدِيدُون، وعُبَيْبِيدون، لأن فعاليل جمع فُعْلُولٍ أو فِعْلِيلٍ أو فعلال (1)
__________
قال السيرافي: إن كان أصيلان تصغير أصلان جمع أصيل فتصغيره نادر، لانه إنما يصغر من الجمع ما كان على بناء أدنى العدد، وأبنية أدنى العدد أربعة أفعال وأفعل وأفعله وفعلة وليست أصلان واحدة منها، فوجب أن يحكم عليه بالشذوذ، وإن كان أُصْلاَنٌ واحداً كرُمَّان وقربان فتصغيره على بابه (1) اختلفت كلمة سيبويه في تصغيرها هذا الجمع (وهو جمع الكثرة الى لم يستعمل واحده) ، والنسب إليه، فذهب في النسب إلى أنه ينسب إليه على لفظه مخافة أن يحدث في لغة العرب شيئا لم يقولوه وذلك بأن يجئ بالواحد المقدر، وذهب في التصغير إلى أنه يجاء بالواحد المقدر ثم يصغر ويجمع جمع السلامة، والفرق بين البابين مشكل مادام الذى منعه من الرد إلى الواحد هو أن لا يقول على العرب ما لم يقولوه قال في باب النسب (ح 2 ص 89) : " وإن أضفت إلى عباديد قلت عباديدى، لانه
ليس له واحد، وواحده يكون على فعلول أو فعليل أو فعلال، فإذا لم يكن له واحد لم تجاوزه حتى تعلم، فهذا أقوى من أن أحدث شيئا لم تكلم به العرب " اه.
وقال في باب التصغير (ج 2 ص 142) : " وإذا جاء الجمع ليس له واحد مستعمل في الكلام من لفظه يكون تكسيره عليه قياسا ولا غير ذلك فتحقيره على واحد هو بناؤ هـ إذا جمع في القياس، وذلك نحو عباديد، فإذا حقرتها قلت: عبيديدون، لان عباديد إنما هو جمع فعلول أو فعليل أو فعلال، فإذا قلت: عبيديدات فأياما كان واحدها فهذا (*)

(1/268)


وإن جاء بعض الجموع على واحد مهمل وله واحد مستعمل غير قياسي رد في التصغير إلى المستعمل، لا إلى المهمل القياسي، يقال في مَحَاسن ومَشَابه: حُسَيْنَات وشُبَيْهَات، وفي العاقل المذكر: حُسَيْنُون وشُبَيْهُون، وكان أبو زيد يرده إلى المهمل (1) القياسي، نحو مُحَيْسِنُون وَمُشَيْبِهُون وَمُحَيْسِنَاتٍ ومُشَيْبِهَات، قال يونس: إن من العرب من يقول في تصغير سَرَاويل: سُرَيِّيلات (2) اعتقاداً منه أنها
__________
تحقيره " اه.
ولعل الفرق بين البابين أنك في باب النسب تحافظ على لفظ الواحد الذى قدرته مفردا لهذا الجمع فكنت تقول عبدادى أو عبديدى أو عبدودى، فأما في التصغير فانك لا تحافظ على هذا المفرد.
بل تنطق بجمع التصحيح مصغرا بصورة واحدة فتقول عبيديدون وعبيديدات مهما فرضت المفرد، ألا ترى أن تصغير عبداد أو عبدود أو عبديد هو عبيديد على كل حال، هذا، والعباديد والعباييد كما في القاموس الفرق من الناس والخيل الذاهبون في كل وجه، والاكام، والطرق البعيدة.
وفي اللسان " قال الاصمعي: يقال: صاروا عباديد وعباييد: أي متفرقين، وذهبوا عباديد كذلك إذا ذهبوا متفرقين، ولا يقال: أقبلوا عباديد " اه، وعلى هذا يكون عبيديدون للفرق من الناس وعبيديدات للفرق من الخيل أو للطرق أو الاكام.
(1) أبو زيد ينسب إلى الجمع الذى له واحد من لفظه غير قياسي على لفظه فيقول
في محاسن محاسني، وفي ملامح ومشابه ومذاكير وأباطيل وأحاديث: ملامحي ومشابهي ومذاكيري وأباطيلي وأحاديثي، فأى فرق بين التصغير والنسب، وهلا صغر على لفظه ههنا كما نسب إلى لفظه إذا كان يريد ألا يحدث في كلام العرب ما لم يقولوه (2) لا خلاف بين العلماء في أن ساويل كلمة أعجمية عربت، وإنما الخلاف بينهم في أنها مفرد أو جمع، فذهب سيبويه إلى أنها مفرد، وذهب قوم إلى أنها جمع من قبل أن هذه الصيغة خاصة بالجمع في العربية فمثلها مثل سرابيل فالواحد سروال أو سروالة كما كان واحد السرابيل سربالا، والذي يظهر من كلام المؤلف أنه فهم من كلام يونس أنه يذهب إلى أن سراويل جمع في اللفظ وإن كان مسماه واحدا (*)

(1/269)


جمع سِرْوَالة، لأن هذه الصيغة مختصة بالجمع، فجعل كل قطعة منها سِرْوَالَة، قال: 39 - عَلَيْهِ مِن اللُّؤمِ سِرْوَالةٌ (1) ومن جعلها مفرداً - وهو الأولى - قال: سُرَيِّيل أو سُرَيْويل، وقد شذّ عن القياس بعض الجموع، وذلك كما في قوله: - 40 - قَدْ رَوِيَتْ إلاَّ الدُّهَيْدِهِينَا * قُلَيِّصَاتٍ وَأبَيْكِرِينَا (2) والدَّهَداه صغار الإبل، وجمعه دهاديه، والأبيكر مصغر الا بكر جمع البكر فكان القياس دُهَيْدِهَات وأبيكرات
__________
(1) هذا صدر بيت من المتقارب لا يعلم قائله حتى ذهب جماعة من العلماء إلى أنه مصنوع، وعجزه: - * فليس يرق لمستعطف * واللؤم: الشح ودناءة الاباء، ويرق: مضارع من الرقة، وهى انعطاف القلب.
وقد أنشد المؤلف هذا الشاهد دليلا على أن السراويل جمع واحدة مستعمل وهو سروالة (2) هذا بيت من الرجز لم يعرف قائله، وقد أنشده أبو عبيد في الغريب المصنف وقبله.
يَا وَهْبُ فَابْدأ بِبَنِي أبينَا * ثُمَّتَ ثَنِّ بِبَنِي أخِينَا
وَجِيرَةِ البيت المجاورينا * قد رويت ... الخ إلا ثلاثين وأربعينا * قليصات ... الخ ومنه تعلم أن الشاهد الذي ذكره المؤلف ليس مرتبا على ما ذكر.
وقد أنشد البيت شاهدا على أن قوله الدهيدهين وقوله أبيكرين شاذان من قبل أن الاول تصغير دهادية، وهو جمع ما لا يعقل، فكان قياسه دهيدهات على ما قال، وأن الثاني تصغير أبكر وهو جمع بكر فكان حقه أبيكرات على ما قال، وقوله " فكان القياس دهيدهات " ليس بصواب، والقياس دهيديهات لان الدهادية جمع دهداه، وهو على خمسة أحرف (*)

(1/270)


وإذا حقرت السنين والأرضين قلت: سُنَيِّات وأرَيْضَات، لأن الواو والنون فيهما عوض من اللام الذاهبة في السنة والتاء المقدرة في أرض، فترجعنا في التصغير فلا يبدل منهما، بل يرجع جمعهما إلى القياس، وهو الجمع بالألف والتاء، وإذا جعلت نون سنين معتقب الإعراب من غير علمية صغرته على سُنَيِّن، إذ هو كالواحد في اللفظ، وكان الزجاج يرده إلى الأصل فيقول سُنَيَّات أيضاً، نظراً إلى المعنى، إذ هو مع كون النون معتقب الإعراب جمع من حيث المعنى، ولا يجوز جعل نون أرضين من دون العلمية معتقب الإعراب، لأنهما إنما تجعل كذلك في الشائع، إما في الذهاب اللام، أو في العلم، كما تبين في شرح الكافية في باب الجمع (1) وإذا سميت رجلاً أو امرأة بأرضين فإن جعلت النون معتقب الاعراب فتصغيره
__________
رابعها مد، فالقياس في مثله أن تقلب المدة ياء ولا تحذف، وقوله " وأبيكرات " ليس بصواب أيضا، لان الاكبر جمع القلة لبكر كنهر وأنهر، والقياس في مثله أن يصغر على لفظه ولا تلحق به علامة جمع التصحيح، فيقال: أبيكر، كما يقال أنيهر وأفيلس، ولهذا الذى لاحظناه على عبارته تجده قد ذكر في شرح الكافية عن البصريين غير ما ذكره ههنا، قال (ج 2 ص 1 17) : " وأبيكرون جمع أبيكر تصغير أبكر
مقدا كأضحى عند البصريين، فهو شاذ من وجهين: أحدهما: كونه بالواو والنون من غير العقلاء، والثاني: كونه جمع مصغر لمكبر مقدر، وهو عند الكوفيين جمع تصغير أبكر جمع بكر، فضذوذه من جهة جمعه بالواو والنون فقط كالدهيدهين " اه فالذي ذكره هنا هو مذهب الكوفيين وقد عرفت ملاحظتنا عليه (1) هذا الذي ذكره المؤلف من الاقتصار في لزوم الياء وجعل الاعراب بحركات على النون على جمع محذوف اللام كسنين وبنين وثبين وعلى ما صار علما من الجموع كفلسطين وما ألحق بها كأربعين هو مذهب جمهور النحاة وهو الذي قرره المؤلف في شرح الكافية (ج 2 ص 172) وقد ذهب الفراء إلى أن جعل الاعراب بحركات على (*)

(1/271)


كتصغير حَمَصِيصَة (1) .
تقول: أريضين، منصرفاً في المذكر غير منصرف في المؤنث، وإن لم تجعله معتقب الإعراب لم ترده أيضاً في التحقير إلى الواحد، إذ ليس جمعا وإن أعراب بإعرابه، كما أنك إذا صغرت مساجد علماً قلت: مسيجد، ولا ترده إلى الواحد ثم تجمعه، فلا تقول: مُسَيْجِدَات، فتقول: أُرَيْضُون رفعاً، وأريضين نصباً وجراً.
وأما إن سميت بسنين رجلاً أو امرأة ولم تجعل النون معتقب الإعراب رددته إلى واحدة، لأن علامة الجمع إذن باقية متصلة باسم ثنائي، ولا يتم بها بنية التصغير كما تمت في أريضون، فترد اللام المحذوفة، ولا تحذف الواو والنون لأنهما وإن كانتا عوضاً من اللام المحذوفة في الأصل إلا أنهما صارتا بالوضع العلمي جزأ من العلم، فتقول: سُنَيُّون رفعاً، وسنيين نصباً وجرا وإن جعلتا مع العلمية معتقب الإعراب قلت سُنَيِّين منصرفاً في المذكر غير منصرف في المؤنث، ولا يخالف الزجاج ههنا كما خالف حين جعلت النون متعقب الإعراب بلا علمية، لأن اللفظ والمعنى في حال العلمية كالمفرد مع جعل النون معتقب
الإعراب فكيف يرد إلى الواحد! ؟
__________
النون مع لزوم الياء مطرد في جمع المذكر السالم وما حمل عليه وعلى هذا جاء قول الشاعر: رب حى عرندس ذى طلال * لا يزالون ضاربين القباب وعلى هذا يص أن تجعل النون معتقب الاعراب في أرضين كما كان ذلك جائزا في سنين.
(1) الحمصيصة (بفتح أوله وثانيه وكسر ثالثه) : بقلة رميلة حامضة وقد تشدد ميمها وهى واحدة الحمصيص (*)

(1/272)


قوله " إلى جمع قلته "، يعني إن كان له جمع قلة فأنت مخير بين الرد إليه والرد إلى واحده، وإن لم يكن له ذلك تعين الرد إلى واحده قوله " غُلَيِّمون " أي في العاقل، " ودُوَيْرات " أي في غيره، وغليمون تصغير غلمان، ودويرات تصغير دور، وكلاهما مما جاء له جمع قلة وهو غلمة وأدؤر.
والمركب يصغر صدره، مضافا كان أولا، نحو أبيّ بَكْر، وأمَيْمَة عمرو، ومُعَيْديكرب، وخميسة عشر، وذهب الفراء في المضاف إذا كان كنية إلى تصغير المضاف إليه، احتاجا بنحو أمّ حُبَيْن وأبي الْحُصَيْن (1) ، وقوله: - 41 - أَعْلاَقَةً أمَّ الْوُلَيِّدِ بَعْدَمَا * أَفْنَانُ رَأْسِكَ كَالثَّغَامِ الْمُخْلِسِ (2) قال: " وَمَا جَاءَ عَلَى غَيْرِ ذلِكَ كأنَيْسِيانٍ وعشيشية وأغيلمة وأصيبية شاذ "
__________
(1) أم حبين: دويبة على خلقة الحرباء عريضة الصدر عظيمة البطن، وقيل: هي أنثى الحرباء، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه رأى بلالا وقد عظم بطنه فقال له مازجا: " أم حبين " يريد تشبيهه بها في عظم بطنه.
وأبو الحصين:
كنية الثعلب، ويقال له أيضا: أبو الحصن، كما قالوا: أم عوف وأم عويف لدويبة (2) هذا البيت نسبه في اللسان للمرار الاسدي، ويقال هو للمرار الفقعسى.
والعلاقة: الحب.
وأم الوليد (بضم الواو وفتح اللام وتشديد الياء) تصغير أم الوليد وهو محل الشاهد حيث صغر العجز، ولو صغر الصدر لقال: أميمد الوليد.
والافنان: جمع فنن وأصله الغصن من الشجرة، وأراد به ههنا خصل شعر الرأس.
والثغام (بزنة سحاب) قال أبو عبيد: هو بنت أبيض الثمر والزهر يشبه بياض الشيب به، قال حسان بن ثابت: إما ترى رأسي تغير لونه * شمطا فصبح كالثغام الممحل والمخلس: اسم فاعل من أخلس النبات، إذا كان بعضه أخضر وبعضه أبيض وكذلك يقال: أخلس رأسه، إذا خالط سواده بياضه (*)

(1/273)


قِيَاسُ إنْسَانٍ أُنَيْسِين كَسُرَيْحِين في سِرْحَان، فَزَادُوا الْيَاء فِي التَّصغيرِ شَاذاً فصار كَعُقَيْرِبَان كما ذكرنا في أول الباب، ومن قال إن إنساناً إفعان من نَسِي - كما يجئ في باب ذي الزيادة - فأنَيْسِيَانٌ قياس عنده (1)
__________
(1) قال في اللسان: " الانسان أصله إنسيان (بكسر الهمزة) ، لان العرب قاطبة قالوا في تصغيره: أنيسيان، فدلت الياء الاخيرة على الياء في تكبيره، إلا أنهم حذفوها لما كثر الناس في كلامهم، وفي حديث ابن صياد قال النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم: انطلقوا بنا إلى أنيسيان قد رابنا شأنه، وهو تصغير إنسان جاء شاذا على غيرقياس، وقياسه أنيسان.
قال: وإذا قالوا: أناسين فهو جمع بين مثل بستان وبساتين، وإذا قالوا أناسى كثيرا فخففوا الياء أسقطو الياء التي تكون فيما بين عين الفعل ولامه، مثل قراقير، وقراقر، ويبين جواز أناسى بالتخفيف قول العرب أناسية كثيرة، والواحد إنسى، وأناسى إن شئت، وروى عن ابن عباس
رضى الله عنهما أنه قال: إنما سمى الانسان إنسانا لانه عهد إليه فنسى، قال أبو منصور: إذا كان الانسان في الاصل إنسيانا فهو إفعلان من النسيان، وقول ابن عباس حجة قوية له، وهو مثل ليل إضحيان من ضحى يضحى (كرضى يرضى) وقد حذفت الياء فقيل إنسان ... قال الازهري: وإنسان في الاصل إنسيان وهو فعليان من الانس والالف فيه فاء الفعل وعلى مثاله حرصيان: وهو الجلد الذي يلى الجلد الاعلى من الحيوان، سمى حرصيانا لانه يحرص: أي يقشر، ومنه أخذت الحارصة من الشجاج، يقال: رجل حذريان إذا كان حذرا.
قال الجوهري: وتقدير إنسان فعلان، وإنما زيد في تصغيره ياء كما زيد في تصغير رجل فقيل رويجل.
وقال قوم.
أصله إنسيان على إفعلان فحذفت الياء استخفافا لكثرة ما يجرى على ألسنتهم، فإذا صغروه ردوها لان التصغير لا يكثر " اه.
قال ابن سيده في المخصص (ج 1 ص 16) : " إنسان عندي مشتق من أنس، وذلك أن أنس الارض وتجملها وبهاءها إنما هو بهذا النوع الشريف اللطيف المعتمر لها والمعنى بها، فوزنه على هذا فعلان (بكسر فسكون) .
وقد ذهب بعضهم إلى أنه إفعلان من نسى، لقوله تعالى (*)

(1/274)


وعُشَيْشِية تصغير عَشِيَّة، والقياس عُشَيَّة، بحذف ثالثة الياآت كما في مُعَيَّة، وكأن مكبر عُشَيْشِية عَشَّاة، تجعل أولى ياءي عشية؟ ؟ ؟ فتدغم الشين في الشين وتنقلب الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، وكذا قالوا في تصغير عَشِيّ: عُشَيْشيان، وكأنه تصغير عَشَّيَان، وقد صغروا عَشِيًّا أيضاً على عُشَيَّانَات، كأن كل جزء منها عشي، فعُشَيَّانات جمع عُشَيْشِيان على غير القياس، كما أن عشيشياناً تصغير عشي على غير القياس (1)
__________
(ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى) ولو كان كذلك لكان إنسيانا ولم تحذف الياء منه لانه ليس هناك ما يسقطها، فأما قولهم: أناسى فجمع إنسان، شابهت النون
الالف لما فيها من الخفاء، فخرج جمع إنسان على شكل جمع حرباء، وأصلها أناسين وليس أناسى جمع إنسى كما ذهب إليه بعضهم لدلالة ما ورد عنهم من قول رويشد.
أنشده أبو الفتح عثمان بن جنى: - أهلا بأهل وبيتا مثل بيتكم * بالاناسين أبدال الاناسين قال: ياء أناسى الثانية بدل من هذه النون، ولا تكون نون أناسين هذه بدلا من ياء أناسي كما كانت نون أثانين بدلا من ياء أثاني جمع أثناء التى هي جمع الاثن بمعنى الاثنين لان معنى الاثانين ولفظها من باب ثنيت والياء هنا لام البتة فهى ثم ثابتة وليس أناسين مما لامه حرف علة، وإنما الواحد إنسان فهو إذن كضبعان وضباعين وسرحان وسراحين " اه (1) العشى والعشية: ما بين زوال الشمس إلى وقت غروبها، وقيل من زوال الشمس إلى الصباح، وقيل آخر النهار، وقال الليث: العشى بغير هاء، آخر النهار، فإذا قلت عشية فهو ليوم واحد، يقال: لقيته عشيد يوم كذا وكذا، ولقيته عشية من العشيات وقيل العشى والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة.
قال في اللسان: " وتصغير العشى عشيشيان على غير القياس، وذلك عند شفى وهو آخر ساعة من النهار، وقيل تصغير العشى عشيان على غير قياس مكبره كأنهم صغروا عشيانا (بفتح فسكون) والجمع عشيانات، ولقيته عشيشية، وعشيشيات، وعشيشيانات، وعشيانات، كل ذلك (*)

(1/275)


وكذا قالوا في تصغير مَغْرب: مُغَيْرِبان، ثم جمعوا فقالوا: مُغَيْرِبَانَات، وهذا جمع قياسي لتصغير غير قياسي، وكأنهم جعلوا كل جزء منه مَغْرِباً، كقولهم: بغير أصْهَب العثانين (1)
__________
نادر، ولقيته مغيربان الشمس ومغيربانات الشمس، وفي حديث جندب الجهنى فأتينا بطن الكديد فنزلنا عشيشية.
قال: هي تصغير عشيد على غير قياس أبدل من الياء الوسطى شين كأن أصله عشيية (بثلاث ياءات) وحكى عن ثعلب أتيته عشيشة
وعشيشيانا وعشيانا قال: ويجوز في تصغير عشية عشية وعشيشية، قال الازهري: كلام العرب في تصغير عشية عشيشية جاء نادرا على غير قياس، ولم أسمع عشية في تصغير عشية، وذلك أن عشية تصغير العشوة وهو أول ظلمة الليل فأرادوا أن يفرقوا بين تصغير العشية وبين تصغير العشوة " اه، وقول المؤلف: " وكأن مكبر عشيشية عشاة " بفتح العين وتشديد الشين - وهذا الذي ذكره هو قول النحاة، قال ابن يعيش: " وأما عشيشية فكأنه تصغير عشاة، فلما صغر وقعت ياء التصغير بين الشينين ثم قلبت الالف ياء لانكسار ما قبلها، فصار عشيشية " اه وقد سمعت في كلام صاحب اللسان ما يخالف هذا، وفي كل من الوجهين شذوذ، فما ذكره المؤلف فيه تقدير مكبر غير مسموع في اللغة، وما ذكره صاحب اللسان فيه إبدال الياء شينا وهو إبدال شاذ في اللغة.
ومثل هذا تماما ما ذكره المؤلف في تصغير عشى على عشيشيان.
وقول المؤلف " وقد صغروا عشيا أيضا على عشيانات " غير مستقيم وذلك لانه يفيد أن عشيانات تصغير العشى الواحد بتقدير أن أل جزء منه عشى، وقد سمعت عن اللسان أن عشيانات جمع عشيان الذى هو مصغر عشى، وهو كلام واضح، ومنه تعلم أيضا أن قول المؤلف " فعشيانات جمع عشيشيان على غير القياس " كلام غير مستقيم أيضا، بل العشيانات جمع العشيان الذى هو تصغير عشى، فالتصغير شاذ والجمع مطابق للقياس فافهم (1) العثانين جمع عثنون (كعصفور) : وهو شعيرات طول تحت حنك البعير وجعلوا كل واحدة منها عثنونا فجمعوها على عثانين.
وصهبتها أن يحمر ظاهرها وباطنها أسود (*)

(1/276)


وأُصَيْلان شاذ أيضاً، لكونه تصغير جمع الكثرة على لفظه، كما ذكرنا، كأنهم جعلوا كل جزء منه أصيلاً، وأُصَيْلال شاذ على شاذ، والقياس أُصَيِّلاَت
وقالوا في بَنُون: أُبَيْنُونَ، والقياس بنيون كم امر في شرح الكافية في باب الجمع (1) وقالوا في تصغير ليلة لُيَيْلِيَة بزيادة الياء كما في أنسيان، وكأنه تصغير لَيْلاَة، قال: 42 - * في كُلِّ يَوْمٍ ما وكل ليلاه (2) * وعلية بنى الليالى
__________
(1) قال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 170) : " الشاذ من جمع المذكر بالواو والنون كثير، منها أبينون، قال: زعمت تماضر أننى إما أمت * يسدد أبينوها الاصاغر خلتى وهو عند البصريين جمع أبين وهو تصغير أبنى مقدرا على وزن أفعل فأضحى فشذوذة عندهم لانه جمع لمصغر لم يثبت مكبره، وقال الكوفيون: هو جمع أبين، وهو تصغير أبن مقدرا، وهو جمع ابن، كأدل في جمع دلو، فهو عندهم شاذ من وجهين: كونه جمعا لمصغر لم يتبت مكبره، ومجئ أفعل في فعل، وهو شاذ كأجبل وأزمن.
وقال الجوهري: شذوذه لكونه جمع أبين تصغير ابن يجعل همزة الوصل قطعا.
وقال أبو عبيد: هو تصغير بنين على غير قياس " اه (2) هذا بيت من مشطور الرجز لم نعثر على قائله، وبعده: حتى يقول كل را إذ رآه * يا ويحه من جمل ما أشقاه والظاهر أن المعنى أنه يعمل جمله في جميع أوقات الليل والنهار من كل يوم وكل ليلة حتى يرثى له كل من رآه ويترحم عليه قائلا ويحه ما أشقاه، و " ما " في قوله " في كل يوم ما " زائدة، وقد أنشد المؤلف البيت شاهدا على وجود ليلاة التى بمعنى ليلة، وهى التى صغرت على لييلية بقلب ألفها ياء لوقوعها بعد الكسرة، فلما أرادوا تصغير ليلد استغنوا عنه بتصغير ليلاة لكونهما بمعنى واحد كما أنهم حينما أرادوا (*)

(1/277)


وقالوا في تصغير رَجُل: رُوَيْجِل، قيل: إن رجلاً جاء بمعنى راجل، قال: - 43 - أما أقائل عَنْ دِينِي عَلَى فَرَسِي * وَهَكَذَا رَجُلاً إلاَّ بِأَصْحَاب (1) أي: راجلاً، فرويجل في الأصل تصغير راجل الذي جاء بمعناه رجل، فكأنه تصغير رجل بمعنى راجل، ثم استعمل في تصغير رجل مطلقاً، راجلا كان أولا فإن سميت بشئ من مكبرات هذه الشواذ ثم صغرته جرى على القياس المحض، فتقول في إنسان وليلة ورجل أعلاما: أنيسين ورجيل ولُيَيْلة، إذ العلم وَضْع ثان وأُغَيْلمة وأُصَيْبية في تصغير (2) غِلْمة وَصِبْية شاذَّان أيضاً، والقياس غُلَيْمَة وصُبَيَّة، ومن العرب من يجئ بهما على القياس
__________
تكسير ليلة استغنوا بتكسير ليلاة فقالوا: ليال، كما في قوله تعالى (والفجر وليال عشر) وهذا كقولهم أهال في تكسير أهل، وإنما هو تكسير أهلات (1) هذا بيت من البسيط قائله حيى بن وائل، وكان قد أدرة قطرى بن الفجاءة الخارجي أحَدَ بني مازن، وقد رواه أبو زيد في نوادره (ص 5) وذكر بعده بيتا آخر، وهو قوله: لقد لقيت إذا شر وأدركني * ما كنت أزعم في خَصْمي مِنَ العاب وقد وقع في النوادر رواية عجز بيت الشاهد * ولا كذا رجلا إلا بأصحابي * وروى عن أبى الحسن رواية صدر البيت: * أما أقاتلهم إلا على فرس * وأما بتخفيف الميم وفتح الالف.
ورجلا معناه راجلا، كما يقول العرب: جاءنا فلان حافيا رجلا: أي راجلا، كأنه قال: أما أقاتل فارسا ولا كما أنا راجلا إلا ومعى أصحابي، فلقد لقيت إذن شرا: أي إنى أقاتل وحدي، يريد أنه يقاتل عن دينه وعن حسبه وليس تحته فرس ولا معه أصحاب.
والعاب: العيب (2) في جميع النسخ التي رأيناها المخطوطة منها والمطبوعة قوله (في جمع غلمة
وصبية) وهو تحريف ظاهر، والصواب ما أثبتناه (*)

(1/278)


قال: " وَقَوْلُهُمْ أُصَيْغِرُ مِنْكَ وَدُوَيْنَ هَذَا وَفُوَيْقَهُ لِتَقْلِيلِ مَا بَيْنَهُمَا " أقول: قوله " أصيغر منك " اعلم أن المقصود من تحقير النعوت ليس تحقير الذات المنعوت غالباً، بل تحقير ما قام بها من الوصف الذي يدل عليه لفظ النعت، فمعنى ضويرب ذو ضرب حقير، وقولهم أُسَيْود وأُحَيْمر وَأُصَيْفر أي ليست هذه الألوان فيه تامة، وكذا بُزَيْزِيز وَعُطَيْطِير (1) أي الصنعتان فيهما ليستا كاملتين، وربما كانا كاملين في أشياء أخرى، وقولك " هو مُثَيْل عمرو " أي المماثلة بينهما قليلة، فعلى هذا معنى " أصيغر منك " أي زيادته في الصغر عليك قليلة، وكذا " أُعَيْلم منك " و " أفيضل منك " ونحوه، لأن أفعل التفضيل ما وضع لموصوف بزيادة على غيره في المعنى المشتق هو منه، وقد تجئ لتحقير الذات كما في قول على " يَا عُدَيَّ نَفْسه " وأما تحقير العلم نحو زيد وعمرو فلمطلق التحقير، وكذا في الجنس الذي ليس بوصف كرجل وفرس، ولا دليل فيه على أن التحقير إلى أي شئ يرجع إلى الذات أو الصفة أو إليهما قوله " وَدُوَيْنَ هذا، وفُوَيْقه "، قد ذكرنا حقيقة مثله في أول باب التحقير قال: " ونَحْوُ مَا أُحَيْسِنَهُ شَاذٌّ، وَالْمُرَادُ الْمُتَعَجَّبُ مِنْهُ " أقول: عند الكوفيين أفعل التعجب اسم، فتصغيره قياس، وعند البصريين هو فِعل كما تقدم في بابه في شرح للكافية، وإنما جَرَّأهم عليه تجرده عن معنى الحدث والزمان اللذين هما من خواص الأفعال، ومشابهته معنىً لأفعل التفضيل، ومن ثم يُبْنَيان من أصل واحد، فصار أفعل التعجب كأنه اسم فيه معنى الصفة
__________
(1) بزيزيز: تصغير بزاز وهو صيغة نسب لمن يبيع البز وهى الثياب، وقيل
ضرب منها.
وعطيطير: تصغير عطار وهو صيغة نسب أيضا يبيع العطر (*)

(1/279)


كأسْوَد وأحْمَر، والصفة - كما ذكرنا - إذا صغرت فلتصغير راجع إلى ذلك الوصف المضمون، لا إلى الموصوف، فالتصغير في " ما أحَيْسِنَهُ " راجع إلى الحسن، وهو تصغير التلطف كما ذكرنا في نحو بُنَيَّ وَأُخَيّ، كأنك قلت هو حُسَيْنٌ، وقوله 30 - يَامَا أميْلِحَ غِزْلاَناً (1) أي: هن مُلَيِّحَات، ولما كان أفعل التعجب فعلاً على الصحيح لم يمنعه تصغيره عن العمل، كما يمنع في نحو ضويرب على ما يجئ.
قوله " والمراد المتعجب منه " أي: مفعول أُحَيْسِن، فإذا قلت " ما أحيسن زيداً " فالمراد تصغير زيد، لكن لو صغرته لم يعلم أن تصغيره من أي وجه هو، أمن جهة الحسن، أم من جهة غيره؟ فصغرت أحسن تصغير الشفقة والتلطف، لبيان أن تصغير زيد راجع إلى حسنه، لا إلى سائر صفاته.
قال: " وَنَحْوُ جُمَيْلٍ وكُعَيْتٍ لِطَائِرَيْنِ وَكُمَيْتٍ لِلْفَرَس مَوْضُوعٌ عَلَى التَّصْغير ".
أقول: جميل طائر صغير شبيه بالعصفور (2) ، وأما كُعَيْت فقيل هو البلبل، وقال المبرد: هو شبيه بالبلبل وليس به.
وإنما نطقوا بهذه الأشياء مصغرة لأنها مستصغرة عندهم، والصغر من لوازمها فوضعوا الألفاظ على التصغير، ولم تستعمل مكبراتها، وقولهم في جمع جميل
__________
(1) سبق في أول هذا الباب القول في شرح هذا البيت (أنظر ص 190 هـ 1) (2) في اللسان: " قال سيبويه: الجميل البلبل، لا يتكلم به إلا مصغرا فإذا جمعوه قالوا: جملان " (*)

(1/280)


وَكُعَيْت جِمْلاَن وكِعْتَان كصِرْدان (1) ونِغْرَان (2) تكسير لمكبريهما المقدرين وهما الجُمَلُ والْكُعَت، وإنما قدرا على هذا الوزن لأنه أقرب وزن مكبر من صيغة المصغر، فلما لم يسمع مكبراهما قدرا على أقرب الأوزان من وزن المصغر، وإنما قلنا إن جِمْلاَنًا وكِعْتَاناً جمعان للمكبر المقدر لا المصغر لأنه جرت عادتهم أن لا يجمعوا المصغر إلا جمع السلامة إما بالواو والنون وبالالف والتاء، قيل: وذلك لمضارعة التصغير للجمع الأقصى بزيادة حرف لين ثالثة، ولا يجمع الجمع الأقصى إلا جمع السلامة كالصَّرَادين والصَّوَاحبات، ولا منع أن نقول: إن كُعَيْتاً وَجُمَيْلاً لما وضعا على التصغير نظراً إلى استصغارهما في الأصل ثم استعملا بعد ذلك من غير نظر إلى معنى التصغير فيهما لأن الكعيت كالبلبل معنى، ولا يقصد في البلبل معنى التصغير، وإن كان في نفسه صغيراً - انمحى عنهما معنى التصغير في الاستعمال، وإن كانا موضوعين عليه، وصارا كلفظين موضوعين على التكبير، فجمعا كما يجمع المكبر، وأقرب المكبرات إلى هذه الصيغة فُعَل كنُغَر وصُرَد فجمعا جمعهما، فعلى هذا كِعتان وجملان جمعان للفظي كُعَيْت وجُمَيْل، لا لمكبريهما المقدرين وأما كميت فهو تصغيرأ كمت وكَمْتَاء تصغير الترخيم (3) ، وقد ذكرنا
__________
(1) الصردان (بكسر فسكون) جمع صرد - بضم ففتح - وهو طائر فوق العصفور، وقيل هو طائر أبقع ضخم الرأس يكون في الشجر نصفه أبيض ونصفه أسود ضخم المنقار.
قال الازهري: يصيد العصافير، وفي الحديث الشريف: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربعة: النملة، والنحلة، والصرد، والهدهد (2) النغران: جمع نغر - كصرد - وهو طير كالعصافير حمر المناقير، ومؤنثه نغرة (كهمزة) ، وأهل المدينة يسمونه البلبل، وبتصغيره جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لبن كان لابي طلحة الانصاري وكان له نغر يلعب به فمات
" فما فعل النغير يا أبا عمير " (3) قال في اللسان: " قال ابن سيده: الكمتة لون بين السواد والحمرة يكون (*)

(1/281)


أن المراد بتصغير الصفة تصغير المعنى المضمون، لا تصغير ما قام به ذلك المعنى، والكمتة، لون يلزمه الصغر، إذ هي لون ينقصُ عن سواد الأدهم ويزيد على حمرة الأشقر، فهي بين الحمرة والسواد، فوضعوا كُمَيْتاً على صيغة التصغير لصغر معناه المضمون، وهو يقع على المذكر والمؤنث، وجمعه كُمْت، وهو جمع مكبره المقدر، وهذا يقوي إن جِمْلاَناً وكِعتاناً جمعان للمكبر أيضاً وسُكَيْت بالتخفيف مصغر سُكَّيْت - بالتشديد - تصغير الترخيم (1)
__________
في الخيل والابل وغيرهما، وقد كمت ككرم، كمتا وكمته وكماتة واكمات (كاحمار) والكميت من الخيل يستوى فيه المذكر والمؤنث.
قال سيبويه: سألت الخليل عن كميت فقال هو بمنزلة جميل يعنى الذي هو البلبل.
وقال: إنما هي حمرة يخالطها سواد ولم تخلص، وإنما حقروها لانها بين السواد والحمرة ولم تخلص لواحد منهما فيقال له أسود أو أحمد فأرادوا بالتصغير أنه منهما قريب، وإنما هذا كقولك هو دوين ذاك، والجمع كمت، كسروه على مكبره المتوهم، وإن لم يلفظ به، لان قياس الاوصاف من الالوان هو أفعل كأحمر وأشقر وأسود وقياس جمعها على فعل كحمر وخضر وسود.
وقد جاء جمع الكميت على كمت في قول طفيل: وكمتا مدماة كأن متونها * جرى فوقها واستشعرت لون مذهب والكميت أيضا: الخمر التي فيها سواد وحمرة " اه ملخصا من اللسان (1) قال في اللسان: " والسكيت والسكيت بالتشديد والتخفيف: الذي يجئ في آخر الحلبة آخر الخيل، قال الليث السكيت مثل الكميت خفيف: العاشر الذي يجئ في آخر الخيل إذا أجريت بقى مسكتا، وفي الصحاح آخر ما يجئ من الخيل في الحلبة من العشر المعدودات، وقد يشدد فيقال السكيت وهو القاسور والفسكل
أيضا، وما جاء بعده لا يعتد به.
قال سيبويه: سكيت بالتخفيف ترخيم سكيت (بالتشديد) يعنى أن تصغير سكيت إنما هو سكيكيت، فإذا رخم حذفت زائدتاه " اه (*)

(1/282)


وإذا صغرت مبيطرا وميسطرا كان التصغير بلفظ المكبر، لأنك تحذف الياء كما تحذف النون في منطلق، وتجئ بياء التصغير في مكانه، ولو صغرتهما تصغير الترخيم لقلت: بطير، وسطير قال: " وَتَصْغِيرُ التَّرْخِيمِ أنْ تَحْذِفَ كلَّ الزَّوائِدِ ثُمَّ تُصَغِّرَ كَحُمَيْدِ فِي أَحْمَدَ " أقول: اعلم أن مذهب الفراء أنه لا يصغر تصغير الترخيم إلا العلم، لأن ما أبقى منه دليلٌ على ما ألقى لشهرته، وأجاز البصرية في غير العلم أيضاً، وقد ورد في المثل " عَرَفَ حُمَيْقٌ جَمَله " (1) تصغير أحمق وإذا صغرت مُدَحْرجاً تصغير الترخيم قلت: دُحَيْرج، وما قال بعض العرب في تصغير إبراهيم وإسماعيل - أعني بُرَيْه وسُمَيع - فإما أن يكون جعل الميم واللام زائدتين، وإن لم يكونا من الغوالب في الزيادة في الكلم العربية في مثل مواضعهما، كما يجئ في باب ذي الزيادة، لكنهم جعلوا حكم العجمية غير حكم العربية، أو يكون حذف الحرف الأصلي شاذاً، لأن تصغير الترخيم شاذ، والأعجمي غريب شاذ في كلامهم، فشبهوا الميم واللام لااصليتين، لكونهما من حروف " اليوم تنساه " بحروف الزيادة، وحذفوهما حذفاً شاذاً، لإتباع الشذوذ للشذوذ، فعلى هذا يكون الهمزة أصلاً كما في إصطبل، فيكون تصغيرهما على بُرَيْهيم وسُمَيْعِيل، بحذف الهمزة وهما المشهوران، شاذا أيضا، والقياس
__________
(1) قال العلامة الميداني في مجمع الامثال (ج 1 ص 401 طبع بولاق) " عرف حميق جمله: أي عرف هذا القدر وإن كان أحمق، ويروى عرف حميقا جمله: أي
أن جمله عرفه فاجترأ عليه.
يضرب في الافراط في مؤانسة الناس.
ويقال: معناه عرف قدره.
ويقال: يضرب لمن يستضعف إنسانا ويولع به فلا يزال يؤذيه ويظلمه " (*)

(1/283)


ما قال المبرد: أي أبيريه وأسيميع، وقد مر، وتصغير الترخيم شاذ قليل قال: " وَخُوْلِفَ بِاسْمِ الإِشَارَةِ وَالْمَوْصُولِ فَأُلْحِقَ قَبْلَ آخِرِهِما يَاءٌ، وَزِيدَتْ بَعْدَ آخِرِهما ألِفٌ، فَقِيلَ: ذَيَّا وتيا وأوليا واللذيا واللتيا واللَّذيَّانِ وَاللَّتَيَّانِ وَاللَّذَيُّونَ وَاللَّتَيَّات " أقول: كان حق اسم الإشارة أن لا يصغر، لغلبة شبه الحرف عليه، ولأن أصله وهو " ذا " على حرفين، لكنه لما تصرف تصرف الأسماء المتمكنة فوُصِف (ووُصف) به وثني وجُمِع وأُنث أُجْرِيَ مُجْرَاها في التصغير، وكذا كان حق الموصولات أن لا تصغر، لغلبة شبه الحرف عليها، لكن لما جاء بعضها على ثلاثة أحرف كالَّذي والتَّي وتُصُرف فيه تصرف المتمكنة فوصف به وأنث وثنى وجمع جاز تصغيره وتصغير ما تصرف منه، دون غيرهما من الموصولات، كمن وما قيل: لما كان تصغيرهما على خلاف الأصل خولف بتصغيرهما تصغير الأسماء المتمكنة، فلم تُضم أوائلهما، بل زيد في الآخر ألف بدل الضمة بعد أن كملوا لفظ " ذا " ثلاثة أحرف بزيادة الياء على آخره، كما تقدم أنه يقال في تصغير مَنْ: مُنَيّ، فصار ذايا، فأدخلوا ياء التصغير ثالثة بعد الألف ما هو حقها، فوجب فتح ما قبلها كما في سائر الأسماء المتمكنة، فقلبت الألف ياء، لا واواً، ليخالف بها الألفات التي لا أصل لها في المتمكنة، فإنها تقلب في مثل هذا الموضع واواً، لوقوعها بعد ضمة التصغير كما في ضُوَيْرِب، فصار ذَيَيّا أو تقول: كان أصل " ذا " ذَيَيُ أو ذَوَيُ، قلبت اللام ألفاً، وحذفت العين
شاذاً كما في سَهٍ، ورُدَّت في التصغير كما هو الواجب، وزيد ياء التصغير بعد العين، فرجعت الألف إلى أصلها من الياء كما في الْفَتى إذا صغر، فصار ذَيَيًّا، أو ذَوَيًّا، وكون

(1/284)


عينه واواً في الأصل أولى (1) ، لكون باب طوى أكثر من باب حيى، وأما
__________
(1) قال المؤلف في شرح الكافية (ج 2 ص 28) : " قال الاخفش: هو - يريد ذا اسم الاشارة - من مضاعف الياء لان سيبويه حكى فيه الامالة، وليس في كلامهم تركيب نحو حيوت فلامه أيضا ياء، وأصله ذيى بلا تنوين لبنائه، محرك العين، بدليل قلبها ألفا، وإنما حذفت اللام اعتباطأ أولا كما في يد ودم ثم قلبت العين ألفا، لان المحذوف اعتباطا كالعدم، ولو لم يكن كذا لم تقلب العين، ألا ترى إلى نحو مرتو.
فان قيل: فلعله ساكن العين وهى المحذوفة لسكونها والمقلوب هو اللام المتحركة، قلت: قيل ذلك، لكن الاولى حذف اللام لكونها في موضع التغيير، ومن ثم قل المحذوف العين اعتباطا كسه، وكثر المحذوف اللام كدم، ويد، وغد، ونحوها.
وقيل: أصله ذوى، لان باب طويت أكثر من باب حييت، ثم إما أن نقول: حذفت اللام فقلبت العين ألفا، والامالة تمنعه، وإما أن نقول: حذفت العين وحذفها قليل كما مر فلا جرم كان جعله من باب حييت أولى.
وقال الكوفيون.
الاسم الذال وحدها والالف زائدة، لان تثنيته ذان بحذفها، والذي حمل البصريين على جعله من الثلاثية لا من الثنائية غلبة أحكام الاسماء المتمكنة عليه كوصفه، والوصف به، وتثنيته، وجمعه، وتحقيره، ويضعف بذلك قول الكوفيين، والجواب عن حذ الالف في التثنية أنه لاجتماع الالفين، ولم يرد إلى أصله فرقا بين المتمكن وغيره، نحو فتيان وغيره، كما حذف الياء في اللذان.
قال ابن يعيش: لا بأن بأن نقول هو ثنائي كما، وذلك أنك إذا سميت به قلت: ذاء، فتزيد ألفا أخرى ثم تقلبها همزة، كما تقول: لاء، إذا سميت ب " لا " وهذا حكم الاسماء التي لا ثالث لها وضعا إذا كان ثانيها حرف لين وسمى بها، ولو كان أصله ثلاثة قلت:
ذاى، رداله إلى أصله " اه كلام المؤلف في شرح الكافية.
وأنت إذا تدبرته وجدته يرجح فيه غير ما رجحه هنا، فهو هنا يرجح أن أصل " ذا " ذوى ويدفع ما اعترض به على ذلك من حكاية سيبويه فيها الامالة الدالية على كون العين ياء بأن المحذوف هو العين وهذه الالف بدل من اللام التي هي ياء، مع أنه يرجح فيما نقلناه أن المحذوف هو اللام، لان حذف اللام اعتباطا أكثر من حذف العين كذلك، (*)

(1/285)


إمالة ذا فلكون الالف لا ما في ذوي والعين محذوفة، ثم حذفوا العين شاذاً لكون تصغير المبهمات على خلاف الأصل كما مر، فجرأهم الشذوذ على الشذوذ، ألا ترى أنهم لم يحذفوا شيئا من الياآت في حُيَيّ وطُوَيّ تصغيري حَي وطَي، ولا يجوز أن يكون المحذوفة ياء التصغير لكونها علامة، ولا لام الكلمة للزوم تحرك ياء التصغير بحذفها، فصار ذَيًّا.
ولم يصغر في المؤنث إلا تا وتي، دون ذي، لئلا يلتبس بالمذكر، وأما ذِهِ، فأصله ذي كما يجئ في باب الوقف (1)
__________
وهذه الالف بدل من الياء التي هي عين (ثم انظر ج 3 ص 126 من شرح ابن يعيش للمفصل) (1) ذكر في باب الوقف أن بنى تميم يقلبون ياء هذى في الوقف هاء، فيقولون هذه بسكون الهاء، وإنما أبدلت هاء لخفاء الياء بعد الكسرة في الوقف، والهاء بعدها أظهرتها، وإنما أبدلت هاء لقرب الهاء من الألف التي هي أخت الياء في المد، فإذا وصل هؤلاء ردرها ياء، فقالوا: هذى هند، لأن ما بعد الياء يبينها، وقيس وأهل الحجاز يجعلون الوقف والوصل سواء بالهاء الح، وقال ابن يعيش: (ج 3 ص 131) : " وأماذه فهى ذى والهاء فيها بدل من الياء وليس للتأنيث أيضا، فان قيل: فلم قلتم إن الهاء بدل من الياء في ذى، وهلا كان الامر فيهما بالعكس؟ قيل: إنما قلنا إن الياء هي الاصل لقولهم في تصغير ذا ذيا، وذى إنما هو تأنيث ذا فكمال أن الهاء ليس لها
أصل في المذكر فكذلك هي في المؤنث لانها من لفظه، فان قيل: فهلا كانت الهاء للتأنيث على حدها في قائمة وقاعدة؟ فالجواب أنه لو كانت للتأنيث على حدها في قائمة وقاعدة لكانت زائدة وكان يؤدى إلى أن يكون الاسم على حرف واحد، وقد بينا ضعف مذهب الكوفيين في ذلك، وأمر آخر أنك لا تجد الهاء علامة للتأنيث في موضع من المواضع، والياء قد تكون علامة للتأنيث في قولك اضربي، فاما قائمة وقاعدة فانما التأنيث بالتاء، والهاء من تغيير الوقف، ألا تراك تجدها تاء في الوصل نحو طلحتان، وهذه طلحة يا فتى، وقائمة يا رجل، فإذا وقفت كانت هاء، والهاء (*)

(1/286)


وحذفوا في المثنى الألف المزيد عوضاً من الضمة، اكتفاء بياء التصغير، وذلك لاجتماع ألفي المثنى والعوض، والقياس في اجتماع الساكنين حذف الأول، إذا كان مداً، كما يجئ في بابه وقالوا في " أولى " المقصور وهو مثل هُدًى: أُولَيَّا، والضمة في أُوَليَّا هي التي كانت في أُولَى وليست للتصغير، فلذا زيد الألف بدلاً من الضمة، وأما " أولاء " بالمد فتصغيره أولياء، قال المبرد: زيد أَلف العوض قبل الآخر، إذ لو زيدت في الآخر كما في أخواته لالتبس تصغير أولاء الممدود بتصغير أولى المقصور.
وذلك أن أولاء كقَضَاء لما صرفته وجعلته كالأسماء المتمكنة قَدَّرت همزته التي بعد الألف منقلبة عن الواو أو الياء كما في ردَاء وكساء، فكما تقول في تصغير رداء: ردى، بحذف ثالثة الياآت، فكذا كنت تقول أُوليٌّ ثم تزيد الألف على آخره فيصير أوَليَّا فيلتبس بتصغير المقصور، فلذا زدت ألف العوض قبل الهمزة بعد الألف، فانقلبت ألف " أولاء " ياء كالف حمار إذا قلت حُمَيِّر، لكنه لم يكسر الياء كما كسرت في نحو حُمَيِّر لتسلم ألف العوض، فصار أولَيَّاء وأما الزجاج فإنه يزيد ألف العوض في آخر أولاء كما في أخواته، لكنه
يقدر همزة " أولاء " في الأصل ألفاً، ولا دليل عليه، قال: فإذا دخلت ياء التصغير اجتمع بعدها ثلاث ألفات: الاولى الذي كان بعد لام أُولاء، والثاني أصل الهمزة على ما ادعى، والثالث ألف العوض، فينقلب الأول ياء كما في حمار
__________
في " ذه " ثابتة وصلا ووقفا، والكلام إنما هو في حقيقته وما يندرج عليه، ألا ترى أننا نبدل من التنوين ألفا في النصب وهو في الحقيقة تنوين على ما يندرج عليه الكلام.
ويؤيد ذلك أن قوما من العرب وهم طيئ يقفون على هذا بالتاء فيقولون شجرت، وجحفت، فثبت بما ذكرناه أن الهاء في " ذه " ليست كالهاء في قائمة فلا تفيد فائدتها من التأنيث " اه (*)

(1/287)


ويبقى الأخيران، فيجعل الأخير همزة كما في حمراء وصفراء، فتكسر كما كانت في المكبر وتقول في الذى والتي: اللَّذيَّا واللَّتَيَّا بزيادة ياء التصغير ثالثة وفتح ما قبلها، وفتح الياء التي بعد ياء التصغير، لتسلم ألف العوض، وقد حكى اللّذَيَّا واللُّتَيَّا بضم الأول جمعاً بين العوض والمعوض منه وتقول في المثنى: اللَّذَيَّان واللَّتَيَّان، واللَّذَيَّيْنِ وَاللَّتَيَّينِ، بحذف ألف العوض قبل علامتي المثنى، لاجتماع الساكنين، فسيبويه يحذفها نَسْياً فيقول في المجموع: اللَّذَيُّون واللَّذيِّينَ، بضم الياء وكسرها، يحذف ألف العوض في المثنى والمجموع نَسْياً، كما حذف ياء الذي في المثنى، والأخفش لا يحذفها نَسْياً، لا في المثنى ولا في المجموع، فيقول في الجمع: اللَّذَيُّونَ وَاللَّذَيِّينَ (بفتح الياء) كالمَصطَفَوْنَ وَالمُصْطَفينَ فيكون الفرق عنده بين المثنى والمجموع في النصب والجر بفتح النون وكسرها، والمسموع في الجمع ضم الياء وكسرها كما هو مذهب سيبويه ونما اطرد في المصغر اللَّذَيُّون رفعاً وَاللَّذَيَّينَ نصباً وحراوشد في المكبر
اللَّذُون رفعاً لأنه لما صغر شابه المتمكن فجرى جمعه في الإعراب مجرى جمعه وعند سيبويه استغنوا باللَّتَيَّات جمع سلامة اللَّتَيَّا بحذف ألف العوض للساكنين عن تصغير اللاتي واللائي، وقد صغرهما الأخفش على لفظهما، قياساً لا سماعاً، وكان لا يبالي بالقياس في غير المسموع فقال في تصغير اللاتي: اللَّوَيْتَا، بقلب الألف واواً كما في الجمع: أي اللواتي، وحذف ياء اللاتي لئلا يجتمع مع ألف العوض خمسة أحرف سوى الياء، وقال في تصغير اللائي: اللَّوَيْئَا، بفتح اللام فيهما، وقال المازني: إذا كان لابد من الحذف فحذف الزائد أولى، يعني الألف التي بعد اللام فتصغير اللاتي كتصغير التي سواء، قال بعض البصريين: اللَّوَيْتِيَا (*)

(1/288)


وَاللَّوَيْئِيَا، من غير حذف شئ، وكل لك هَوَسٌ وتجاوز عن المسموع بمجرد القياس، ولا يجوز، هذا ما قيل وأنا أرى أنه لما كان تصغير المبهمات على خلاف الأصل، كما ذكرنا، جُعِلَ عوض الضمة ياء، وأدغم فيها ياء التصغير، لئلا يستثقل الياآن، ولم يدغم في ياء التصغير لئلا يتحرك ياء التصغير التي لم تجر عادتها بالتحرك، فحصل في تصغير جميع المبهمات ياء مشددة: أولاهما ياء التصغير، والثانية عوض من الضمة، فاضطر إلى تحريك ياء العوض، فألزم تحريكها بالفتح، قصداً للخفة، فإن كان الحرف الثاني في الاسم ساكناً كما في " ذا " و " تا " و " ذان " و " تان " جعلت هذه الياء المشددة بعد الحرف الأول، لأنها إن جعلت بعد الثاني - كما هو حق ياء التصغير - لزم التقاء الساكنين، فألف ذياوتيا، على هذا، هي التي كانت في المكبر، وإن كان ثاني الكلمة حرفاً متحركاً كأولى وأولاء جعلت ياء التصغير في موضعها بعد الثاني، فعلى هذا كان حق الذي والتي اللَّذَيَّيْ واللَّتَيَّيْ بياء ساكنة في الآخر بعد ياء مفتوحة مشددة، لكنه خفف ذلك بقلب الثالثة ألفاً كراهة لاجتماع الياآت،
ويلحق بذيّا وَتَيّا ومثنييهما وجمعيهما من هاء التنبيه وكاف الخطاف ما لحقها قبل التصغير، نحو هذيا وذيا لك، قال 30 - * من هؤليائكن الضال والسمر * (1) قَالَ: " وَرَفَضُوا تَصْغِيرَ الضَّمَائِرِ، وَنَحْو مَتَى وَأَيْنَ ومن وما وحيت وَمُنْذُ وَمَعَ وَغَيْرِ وَحَسْبُكَ، وَالاسْمِ عَامِلاً عَمَلَ الْفِعْلِ، فَمِنْ ثَمَّ جَازَ ضُوَيْرِبُ زَيْدٍ وَامْتَنَعَ ضُوَيْرِبٌ زَيْداً " أقول: إنما امتنع تصغير الضمائر لغلبة شبه الحرف عليها مع قلة تصرفها، إذ
__________
(1) انظر (ص 190 هـ 1) (*)

(1/289)


لا تقع لا صفة ولا موصوفة كما تقع أسماء الإشارة، ولمثل هذه العلة لم تصغر أسماء الاسفتهام والشرط، فانه تشابه الحرف ولا تتصرف بكونها صفات وموصوفات وأما مَنْ ومَا الموصولتان فأوغل في شبه الحرف من " الذي " لكونهما على حرفين ولعدم وقوعهما صفة كالذي وحيث وإذ وإذا ومُنْذُ مثل الضمائر في مشابهة الحرف، وأقلُّ تصرفاً منها، لانها مع كونه لا تقع صفات ولا صفات وَلا موصوفات تلزم في الأغلب نوعاً من الإعراب وأما مع فإنه وإن كان معرباً لكنه غير متصرف في الاعراب، ولا يقع صفة ولا موصوفاً، مع كونه على حرفين وكذا عند لا يتصرف (1) وإن كان معرباً على ثلاثة، وكذا لم يصغر لَدُن لعدم تصرفه وإنما لم يصغر غير كما صغر مثل وإن كانت المغايرة قابلةً للقلة والكثرة كالمماثلة، لقصوره في التمكن، لأنه لا يدخله اللام ولا يثنى ولا يجمع بخلاف مثل ولا يصغر سوى (2) وسواء بمعنى غير أيضاً، ولا يصغر حَسْبُك لتضمنه معنى
__________
(1) قال سيبويه (ح 2 ص 136) : " ولا تحقر عندكما تحقر قبل وبعد ونحوهما لانك إذا قلت عند فقد قللت ما بينهما وليس يراد من التقليل أقل من ذا، فصار ذا كقولك قبيل ذاك إذا أردت أن تقلل ما بينهما " اه.
وهذا وجه من التعليل لعدم تصغير عند حاصله أنه لما كان مصغرا بمعناه الاصلى لم يحتج إلى التصغير لان المصغر لا يصغر، وهو وجه حسن (2) هذا الذي ذكره المؤلف في هذه الكلمة هو ما ذكره سيبويه في الكتاب (ح 2 ص 135) حيث قال: " ولا يحقر غير لانها ليست بمنزلة مثل، وليس كل شئ يكون غير الحقير عندك يكون محقرا مثله، كما لا يكون كل شئ مثل الحقير حقيرا، وإنما معنى مررت برل غيرك معنى مررت برجل سواك، وسواك لا يحقر، لانه ليس اسما متمكنا، وإنما هو كقولك مررت برجل ليس بك، فكما قبح تحقير (*)

(1/290)


الفعل، لأنه بمعنى اكتف، وكذا ما هو بمعناه من شَرْعك (1) وكَفيك ولا يصغر شئ من أسماء الأفعال، وكذا لا يصغر الاسم (2) العامل عمل الفعل، سواء كان اسم فاعل أو اسم مفعول أو صفة مشبهة، لأن الاسم إذا صغر صار
__________
ليس قبح تحقير سوى، وغير أيضا ليس باسم متمكن، ألا ترى أنها لا تكون إلا نكرة، ولا تجمع ولا تدخلها الالف واللام " اه.
والذي نريد أن ننبهك إليه هو أن عدم التمكن في سوى الذي علل به سيبويه عدم تصغير ما ليس معناه عدم التصرف أي ملازمة هذه الكلمة للنصب على الظرفية كما هو المعروف من مذهب سيبويه، بل معناه أنها ليس كسائر الاسماء المتمكنة كما أشار إليه، مع أن القائلين بخروجها عن النصب على الظرفية والجر بمن إلى سائر مواقع الاعراب قد ذهبوا أيضا إلى أنها لا تصغر، ومنهم من علل عدم تصغيرها بأنها غير متمكنة، فوجب أن يكون التمكن في هذا الموضع بمعنى آخر، ويشير إلى ذلك المعنى تعليل بعضهم عدم
جواز التصغير بشدة شبه هذه الكلمة بالحرف ودلالتها على معناه وهو إلا الاستثنائية (1) تقول: هذا رجل شرعك من رجل فتصف به النكرة ولا تثنيه ولا تجمعه ولا تؤنثه، ومعناه كافيك من رجل، وقد ورد في المثل شرعك ما بلغك المحل أي حسبك من الزاد ما بلغك مقصدك (انظر مجمع الامثال ح 1 ص 319 طبع بولاق) قال في اللسان: " قال أبو زيد: هذا رجل كافيك من رجل، وناهيك، وجازيك من رجل، وشرعك من رجل، كله بمعنى واحد " اه وفى القاموس: " وكافيك من رجل، وكفيك من رجل مثلثة الكاف: حسبك " اه زاد في اللسان أنك تقول: هذا رجل كفاك به، وكفاك به، بكسر الكاف أو ضمها مع القصر، لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث (2) قد أطلق الشارح القول هنا كما أطلقه المصنف، وفي المسألة تفصيل خلاصته أنك لو قلت: هذا ضارب زيدا، فأعملت اسم الفاعل فيما بعده النصب لم يجز تصغيره بحال، وإذا قلت هذا ضارب زيد، فأضفت اسم الفاعل إلى ما بعده فان أردت به الحال أو الاستقبال لم يجز أن تصغره: لانه حينئذ كالعامل، وإن أردت به المضى جاز تصغيره.
قال سيبويه (ح 2 ص 136) : " واعلم أنك لا تحقر الاسم إذا كان (*)

(1/291)


موصوفاً بالصغر، كما تكررت الإشارة إليه، فيكون معنى " ضُوَيْرب " مثلاً ضارب صغير، والأسماء العاملة عمل الفعل إذا وصفت انعزلت عن العمل، فلا تقول: " زَيْدٌ ضاربٌ عظيم عمراً ولا أضَارِبٌ عظيم الزَّيْدَانِ، وذلك لبعدها إذَنْ عن مشابهة الفعل، إذ وضعه على أن يسند ولا يسند إليه، والموصوف يسند إليه الصفة، هذا في الصفات، أعني اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، أما المصدر فلا يعزله عن العمل كونه مسندأً إليه، لقوة معنى الفعل فيه، إذ لا يعمل الفعل الذي هو الأصل في الفاعل ولا في المفعول إلا لتضمنه معنى المصدر، كما ذكرنا في شرح
الكافية في باب المصدر، فيجوز على هذا أن تقول أعجبني ضَرْبُكَ الشديدُ زَيْداً، وَضُرَيْبُكَ زَيْداً (1) وقيل: إنما لم يصغر الاسم العامل عمل الفعل لغلبة شبه الفعل عليه إذن، فكما لا يصغر الفعل لا يصغر مشبهة، ويلزم منه عدم جواز تصغير المصدر العامل عمل الفعل
__________
بمنزلة الفعل ألا ترى أنه قبيح هو ضويرب زيدا وهو ضويرب زيد إذا أردت بضارب زيد التنوين، وإن كان ضارب زيد لما مضى فتصغيره جيد " اه (1) هذا الذي ذكره المؤلف ههنا من أن المصدر يعمل مصغرا ويعمل موصوفا في المفعول به أيضا غير المعروف عن النحاة، أما المصغر فقد قال ابن هشام في شرح القطر: " ويشترط (أي في إعمال المصدر عمل الفعل) ألا يكون مصغرا، فلا يجوز أعجبني ضريبك زيدا، ولا يختلف النحويون في ذلك " اه.
بل الذي ذكره المؤلف نفسه في شرح الكافية يناقض ما قاله هنا ويوافق ما قاله ابن هشام فيما سمعت.
قال في شرح الكافية (ح 2 ص 183) " والتصغير يمنع المصدر عن العمل كما يمنع اسم الفاعل والمفعول لضعف معنى الفعل بسبب التصغير الذى لا يدخل الافعال، ومن ثمت يمنع الوصف ثلاثتها عن العمل " اه وأما ما ذكره في المصدر المنعوت فهو رأى ضعيف من ثلاثة آراء وحاصله جواز إعمال المصدر المنعوت مطلقا: أي سواء (*)

(1/292)


ويصغر الزمان المحدود من الجانبين، كالشهر واليوم والليلة والسَّنَة، وإنما تصغر باعتبار اشتمالها على أشياء يستقصر الزمان لأجلها من المسار (1) وأما غير المحدود كالوقت والزمان والحين فقد يصغر لذلك، وقد يصغر لتقليله في نفسه وأما أمس وغد فإنهما لم يصغرا وإن كانا محدودين كيوم وليلة لأن الغرض
الأهم منهما كون أحد اليومين قبك يومك بلا فصل والآخر بعد يومك، وهما من هذه الجهة لا يقبلان التحقير، كما يقبله قبل وبعد، كما ذكرنا في أول باب التصغير، ولم يصغرا (أيضاً) باعتبار مظروفيهما وإن أمكن ذلك كما لم يصغرا باعتبار تقليلهما في أنفسهما لما كان الغرض الأهم منهما ما لا يقبل التحقير ومثل أمس وغد عند سيبويه كل زمان يعتبر كونه أولاً وثانياً وثالثاً ونحو ذلك، فلا تصغر عنده أيام الأسابيع كالسبت والأحد والاثنين إلى الجمعة، وكذا أسماء الشهور كالمحرم وصفر إلى ذي الحجة، إذ معناها الشهر الأول والثاني ونحو ذلك، وجوز الجرمي والمازني تصغير أيام الأسبوع وأسماء الشهور، وقال بعض
__________
أكان نعته سابقا على المعمول أم متأخرا عنه، والرأى الثاني المنع مطلقا، والثالث إن تقدم المعمول عن النعت جاز وإ فلا وهذا اختيار ابن هشام.
قال في شرح القطر: " ويشترط ألا يكون موصوفا قبل العمل، فلا يقال: أعجبني ضربك الشديد زيدا، فأن أخرت الشديد جاز، قال الشاعر: إن وجدى بك الشديد أرانى * عاذرا فيك من عهدت عذولا فأخر الشديد عن الجار والمجرور المتعلق بوجدي " (1) المسار: جمع مسرة، ووقع في النسخ التي بين أيدينا كافة " من المساد " بدال مهملة، وهو تحريف (*)

(1/293)


النحاة: إنك إذا قلت اليوم الجمعة أو السبت بنصب اليوم فلا تصغر الجمعة والسبت إذ هما مصدران بمعنى الاجتماع والراحة، وليس الغرض تصغيرهما، وقال: ولا يجوز تحقير اليوم المنتصب أيضاً لقيامه مقام وقع أو يقع، والفعل لا يصغر، وإذا رفعت اليوم فالجمعة والسبت بمعنى اليوم فيجوز تصغيرهما، وحكى عن بعضهم عكس هذا القول، وهو جواز تصغير الجمعة والسبت مع نصب اليوم وعدم جوازه مع رفعه
زيدا، فأن أخرت الشديد جاز، قال الشاعر: إن وجدى بك الشديد أرانى * عاذرا فيك من عهدت عذولا فأخر الشديد عن الجار والمجرور المتعلق بوجدي " (1) المسار: جمع مسرة، ووقع في النسخ التي بين أيدينا كافة " من المساد " بدال مهملة، وهو تحريف (*)

(1/294)


النحاة: إنك إذا قلت اليوم الجمعة أو السبت بنصب اليوم فلا تصغر الجمعة والسبت إذ هما مصدران بمعنى الاجتماع والراحة، وليس الغرض تصغيرهما، وقال: ولا يجوز تحقير اليوم المنتصب أيضاً لقيامه مقام وقع أو يقع، والفعل لا يصغر، وإذا رفعت اليوم فالجمعة والسبت بمعنى اليوم فيجوز تصغيرهما، وحكى عن بعضهم عكس هذا القول، وهو جواز تصغير الجمعة والسبت مع نصب اليوم وعدم جوازه مع رفعه واعلم أنك إذا حقرت كلمة فيها قلب لم ترد الحروف إلى أماكنها نقول في لاثٍ وأصله لائث وشاكٍ واصله شائك وفي قِسِي علماً وأيْنُق وأصلهما قووس وأنوق: لُوَيْثٍ وشُوَيْكٍ - بكسر الثاء والكاف - وقُسَيٌّ بحذف تالثة الياآت نسيا، وأُيَيْنِقٌ، وذلك لأن الحامل على القلب سعة الكلام ولم يزلها التصغير حتى ترد الحروف إلى أماكنها.
والحمد لله، وصلى الله على رسوله وآله بحمد الله تعالى وحسن توفيقه قد انتهينا من مراجعة الجزء الاول من شرح شافية ابن الحاجب الذي ألفه العلامة المحقق رضى الدين الاستراباذى، في أثناء سبعد أشهر آخرها يوم الاثنين المبارك الثالث عشر من شهر ذي الحجة أحد شهور عام 1356 ست وخمسين وثلثمائة وألف من الهجرة.
ويليه الجزء الثاني مفتتحا بباب " النسب " نسأل الله الذي جلت قدرته أن يعين على إكماله.

(1/294)