شرح شافية ابن الحاجب ركن الدين الاستراباذي الدراسة: ركن الدين
الأستراباذي: حياته وآثاره
التمهيد: عصر ركن الدين الأستراباذي
أ- الحالة السياسية في عصره:
شهد بداية القرن السابع الهجري مولد عالم جليل من علماء الدولة
الإسلامية هو: ركن الدين الحسن بن أحمد الأستراباذي النحوي اللغوي
الأديب. عاش في عصر1 كان العالم الإسلامي آنذاك يموج بالفتن والقلاقل
والاضطرابات ويعمه الخراب والدمار؛ حيث كان أكثره تحت سيطرة المغول
سلالة جنكيز خان، حيث امتد سلطان هؤلاء المغول فيه من حدود الهند شرقا
إلى سوريا غربا وسيطروا سيطرة كاملة، فيما عدا فترات قصيرة كانت
السيادة المؤقتة في فارس والعراق للفرس والترك.
وكانت العراق وفارس في سلطة الدولة الألخانية، وهي مغولية ثم صارت
الأمور إلى الدولة التيمورية، وهي مغولية أيضًا، وتخلل ذلك فترات صارت
الأمور فيها إلى دولتين فارسيتين: "الجلابرية، والمظفرية" وأخريين
تركيتين هما: "القراقيونلية، والأقاقيونلية".
__________
1 يطلق على هذا العصر "العصر المغولي"، نظرًا لسيطرة المغول آنذاك على
معظم الممالك الإسلامية، ويؤرخ له بسقوط بغداد على يد هولاكو سنة
656هـ، وحتى دخول العثمانيين مصر سنة 923هـ ويطلق عليه أيضًا "عصر
سلاطين المماليك" نظرًا لسيطرة المماليك على جزء كبير من العالم
الإسلامي، وذلك من حدود سوريا شرقًا إلى حدود مصر غربًا بما في ذلك شبه
الجزيرة العربية، ويؤرخ له من سنة 646هـ وحتى سنة 923هـ بدخول
العثمانيين مصر أيضًا.
(1/11)
وكانت تركستان وأفغانستان في قبضة
الشغطائية، ثم صارت الأمور إلى التيمورية، وكلتاهما مغولية1.
والذي حدث أن هؤلاء التتار2 قد زحفوا كالجراد بقيادة جنكيز خان على
أواسط آسيا وغربها منذ عام 606هـ، فملكوا كثيرًا من البلاد، وقتلوا ما
لا يحصى من أهلها حتى بلغوا خراسان فانتزعوها من ملكها خوارزم شاه عام
617هـ، بعد أن أفنوا عددًا كبيرًا من مسلميها، ثم عبروا نهر جيحون،
وقصدوا مدينة بلخ، وساروا إلى نيسابور فملكوها لضعف أهلها عن مقاومة
هؤلاء التتر الكفرة المخربين, وأخرجوا أهلها إلى الصحراء فقتلوهم وسبوا
نساءهم وخربوا المنازل، ثم سارت طائفة منهم إلى طوس ففعلوا بها كما
فعلوا بغيرها وخربوها، ولم يسلم من شرهم وفسادهم شيء، كما قال المؤرخ
ابن الأثير3.
__________
1 ينظر: تاريخ آداب اللغة العربية: 3/ 110.
2 التتار أمم وثنية جاهلة من الجنس المغولي الأصفر، ومنهم الياقوتية
والجيرجيزية والساموية. ومساكنهم الأولى الأطراف الشمالية لبلاد الصين،
ومنذ الأزمنة السحيقة كانوا يعيشون عيشة البداوة، ويخضعون لأحد ملوك
الصين, ثم نجم فيهم رجل قوي الشكيمة شديد البأس، استطاع أن يتملك
عليهم، وأن يفوز بعرش الحكم فيهم، ودانت له أمم التتار جميعًا، وأخذ
يقودهم من نصر إلى نصر، حتى خضع لحكمهم الأمم المجاورة، ذلك الرجل هو
جنكيز خان، ومن صفات هؤلاء التتار الشجاعة وشدة البأس وحب البطش, وكان
من أعظم ملوكهم بعد جنكيز
خان حفيده هولاكو خان الذي نكبت بغداد على يديه سنة 656هـ، وتيمور لنك
الذي خرب بلاد الشام، ومنهم أيضًا أولوغ بك وطغرك بك، وأورخان بك،
وغازان، وأبو سعيد، وغيرهم. "نقلًا عن: عصر سلاطين المماليك، المجلد
الثالث، ص7، 8 بتصرف".
3 ينظر الكامل في التاريخ: 10/ 421.
(1/12)
وبعد جنكيز خان جاء حفيده هولاكو خان،
فاتجه إلى الدولة العباسية ومقرها بغداد وذلك في سنة 654هـ، وفي طريقه
عرج على قلعة الموت ففتحها، وأخذها منهم، وقتل من فيها ثم استولى على
الريّ، ثم عرج على مدينة بخارى، وكذلك مدينتي سمرقند وبلخ فأحدث بها
وبأهلها من الدمار والهلاك والخراب ما أحدث بغيرها، ثم قصد بغداد سنة
656هـ، فمكن له الوزير الشيعي ابن العلقمي1 وزير الخليفة العباسي
المستعصم بالله2 من دخول بغداد والاستيلاء عليها وزلزلة الأرض تحت أرجل
الخليفة المستعصم3 وذلك نظرًا للخلاف الذي كان قائمًا بينه وبين
الخليفة، أو لنقل: الخلاف الكبير الذي كان قائمًا آنذاك بين الشيعة
وأهل السنة, فلما استولى هولاكو على بغداد أباحها لجنده أربعين يومًا،
وقتل منها، كما يقول بعض المؤرخين ما يقرب من مليوني مواطن، وخرب
عمرانها، ورمى كتبها في نهر دجله4.
وقد وصف سير توماس أرنولد ما قام به المغول من ضروب الوحشية في غزواتهم
للبلاد الإسلامية بقوله: "لا يعرف الإسلام من بين ما نزل به من الخطوب
والويلات خطبا أشد هولًا من غزوات
__________
1 في فوات الوفيات فصل عن ابن العلقمي، ينظر في: 3/ 252-255.
2 ينظر ترجمته في البداية والنهاية: 13/ 204-206.
3 ينظر المصدر السابق: 13/ 200-201.
4 ينظر: ظهر الإسلام: 4/ 193، وينظر كذلك: عصر سلاطين المماليك المجلد
الثالث، ص9.
(1/13)
المغول؛ فقد انسابت جيوش جنكيز خان انسياب
الثلوج من قُنن الجبال واكتسحت في طريقها الحواضر الإسلامية، وأتت على
ما كان لها من مدنية وثقافة، ولم يتركوا وراءهم من تلك البلاد سوى
خرائب وأطلال بالية، وكانت تقوم فيها قبل ذلك القصور الفخمة المحاطة
بالحدائق الغناء والمروج الخضراء، فبعد أن تحول جيش المغول عن مدينة
هراة خرج أربعون من أهلها من مخبئهم فرارًا من الموت، وكان هؤلاء
التعساء هم البقية الباقية من سكانها الذين كان يربو عددهم على المائة
ألف، ووقفوا مهطعين مقنعي رءوسهم يبكون أطلال مدينتهم، وقد أخذ الهلع
والفزع من نفوسهم كل مأخذ1.
والواقع أن غزو المغول للشرق الأدني سنة 617هـ هو أعظم كارثة حلت
بالإنسانية. ويصف المؤرخ ابن الأثير هَوْل تلك الحادثة بهذه الكلمات:
"لقد بقيت عدة سنين معرضًا عن ذكر هذه الحادثة استعظامًا لها كارها
لذكرها؛ فأنا أقدم رِجلًا وأؤخر أخرى، ومن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي
الإسلام والمسلمين، ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك، فيا ليت أمي لم تلدني،
ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا، إلا أنني حدثتني جماعة من
الأصدقاء على تسطيرها، وأنا متوقف، ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعًا،
فنقول: هذا الفصل يتضمن ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى، التي عقت
الأيام والليالي عن مثلها، عمت الخلائق وخصت المسلمين، فلو قال
__________
1 تاريخ الإسلام السياسي: 3/ 140.
(1/14)
قائل: إن العالم منذ خلق الله -سبحانه
وتعالى- آدم إلى الآن لم يتبلور بمثلها لكان صادقًا؛ فإن التواريخ لم
تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها ... وهؤلاء لم يبقوا على أحد، بل
قتلوا النساء والرجال والأطفال، وشقوا بطون الحوامل، وقتلوا الأجنة،
فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛
فهذه الحادثة استطار شررها وعم ضررها، وصارت في البلاد كالسحاب استد
برتهُ الريحُ"1.
__________
1 الكامل في التاريخ: 10/ 399.
(1/15)
ب- الحالة
الاقتصادية والاجتماعية في عصره:
قلنا إن هجوم التتار على المجتمع الإسلامي كان هجوما مدمرًا ومخربًا
اجتاح كل شيء أمامه من أخضر ويابس: خربوا الحضارات، وهدموا القصور
والمنازل، وفتشوا البيوت وأخذوا ما فيها من أموال وغيره، وشردوا أهلها،
وأصبح المجتمع الإسلامي الخاضع لسيطرتهم يعاني من أزمات طاحنة، وتدهورت
حالة أفراده الصحية وغير الصحية، وعم هذا المجتمع الخراب والدمار.
أما عن حال المجتمع الإسلامي في مصر وشبه الجزيرة العربية، ذلك المجتمع
الجديد الذي وفد إليه علماء المشرق الفارون من وجه التتار، ذلك المجتمع
الذي وقاه الله شر هجمات التتار المخربين، فكان الوضع فيه مختلفًا؛ حيث
كان أكثر غنى وثراء ولكنه كان مُقسمًا إلى طبقات اتسعت الهوة بينها؛
فهناك طبقة رجال الدولة،
(1/15)
وهي الطبقة المرفهة المنعمة، وهي طبقة
سلاطين المماليك والأمراء وأتباعهم من جند المماليك، وهناك طبقة
التجار، ثم طبقة الباعة، ثم طبقة الفلاحين، ثم طبقة الفقراء، وهم جُلُّ
الفقهاء وطلاب العلم، ثم طبقة الحرفيين والأجراء، ثم طبقة المتسولين1.
هذا وقد انتشر التصوف في المجتمع الإسلاميّ بعد سقوط بغداد وتعددت
الطرق الصوفية وانتشرت انتشارًا عريضًا، وتغلغلت في أوساط الشعب
والخاصة على السواء، وتعددت أسماؤها وأسماء رجالها وشيوخها، وشاعت
فلسفة احتقار الدنيا في كتابات العلماء ورجال الدين والكُتاب، ورجال
الأدب.
والتصوف في صورته الاجتماعية مظهر من مظاهر الانصراف عن الحياة الدنيا
لحقارتها وخستها، كما يقول تاجُ الدين السُبكي المتوفى سنة 771هـ2،
والإحساس بحقارة الحياة الدنيا يتزايد في أوقات الشدة والضيق، ولا شك
أن ما كان فيه العالم الإسلامي آنذاك هو أقصى درجات الشدة والضيق3.
__________
1 ينظر: إغاثة الأمة بكشف الغمة، لتقي الدين المقريزي، ص72.
2 ينظر: معبد النعم ومبيد النقم، ص95.
3 ينظر: الأدب في العصر المملوكي: 1/ 198، وينظر كذلك: ظهر الإسلام: 4/
219.
(1/16)
جـ- الحالة
العلمية والفكرية والثقافية في عصره:
ظلَّت بغدادُ زُهاء خمسة قرونٍ العاصمةَ الروحيَّةَ والفكرية للمسلمين
قاطبة ولكل الناطقين بلغة الضادِ، ينزِح إليها العلماء من أبناء
الأوطان الأخرى يشهدون حلقاتها ودروس علمائها ومناظرات أدبائها
ومحاورات ظرفائها، ومسابقات شعرائها، ومفاكهات أئمة المجالس فيها،
وامتلأت مكتباتها ودور كتبها بذخائر علمية نفيسة، وأصبحت بغدادُ -بحق-
دارة العلم وهالة الأدب -كما يقال- واستمرت على هذه الحال إلى أن وقعت
فريسة في يد التتار في عام 656هـ -كما قلنا- ففرقوا أهلها وقتلوا
علماءها وشردوا من نجا منهم من القتل، وألقوا بكتبها في نهر دجلة.
وعندما اكتسح التتارُ الممالك الإسلامية خربوا الحضارات، وهدموا
العمارات، وكانت هذه العمارات نتيجة حضارة قرون، وكانت الكتب التي
ألقوا بها في نهر دجلة نتيجة ثقافة قرون, والحضارات والعلوم إنما تبنى
على ما قبلها، وتؤسس على ما سبقها، وهي كالماء للنبات الغض فإذا حرم
النبات الغض الماء ذبل وجف بعد قليل، وكذلك كان العلم والحضارة
الإسلاميان، هذا فضلًا عما أصيبت به الثقافة من نكبات للعلماء، فإذا
بقي شيء من العلم فقليل يكفى للتقليد ولا يبعث على التجديد1.
وبعد هذه الكارثة العظيمة التي حلت ببغداد وبخارى ونيسابور والري
وسمرقند وبلخ، وغيرها من مدن العلم والأدب، انتقل العلم وانتقلت مراكزه
إلى القاهرة، وأصبحت القاهرة خليفة بغداد، وعُقد لها لواء الزعامة
الفكرية والثقافية منذ منتصف القرن السابع الهجري
__________
1 ظهر الإسلام: 4/ 193.
(1/17)
وتوافد عليها علماء المشرق والمغرب من
أمثال ابن خلكان الإربلي، وابن مالك الأندلسي، وابن منظور الإفريقي،
وابن خلدون المغربي، وغيرهم.
وقد شعر علماء ذلك العصر بنقص الكتب في أيامهم، فقال الإمام السيوطي في
المزهر1 بعد ذكر حكاية الصاحب بن عباد، لما دعي للذهاب إلى بعض الملوك
فاعتذر بمشقة الانتقال؛ لأنه يحتاج إلى ستين بعيرًا ينقل عليها كتب
اللغة التي كانت عنده: "وقد ذهب جُلٌ الكتبِ في الفتن الكائنة بين
التتر وغيرهم؛ بحيث إن الكتب الموجودة الآن في اللغة من تصانيف
المتقدمين والمتأخرين لا يجيء حمل جمل واحد".
وإذا كان السيوطي -رحمه الله- يبالغ في ذلك إلا أنه إن دل على شيء
فإنما يدل على مقدار قلق العلماء لضياع الكتب بالفتن، ويدل أيضا على
كثرة الكتب التي ضاعت، سواء بالحرق أو بإلقائها في نهر دجلة.
وكان إحراق الكتب قد بدأ في المملكة الإسلامية قبل ذلك بسبب التنازع
بين الفرق الإسلامية؛ فكل فرقة تحاول إحراق كتب الأخرى؛ كإحراق السلطان
محمود الغزنوي لكتب المُعتزلة، وناهيك عمّا أحرق من كتب العلماء
المتهمين بالزندقة والفلسفة، وهي كثيرة، ولعل بينها ما ليس مثله بين ما
بقي كما قال جرجي زيدان2.
أما التتار فبالغوا في الإحراق والتخريب؛ قال ابن تغري بردي: "وخربت
بغداد الخراب العظيم، وأُحرقت كتبُ العلم التي كانت بها
__________
1 1/ 49.
2 ينظر: تاريخ آداب اللغة العربية 3/ 113.
(1/18)
في سائر العلوم والفنون التي ما كانت في
الدنيا، قيل: إنهم بنوا بها جسرًا من الطين والماء عوضًا عن الأجر1.
وإذا كان الغزو المغولي للشرق الأدني قد نتج عنه ذلك الركودُ العلمي
والأدبي، إلا أنه كان ركودًا مؤقتًا؛ حيث أخذ النشاط يدب في هذين
الميدانين، وذلك بعد أنْ استقر المغول في البلاد التي فتوحها؛ ويرجع
ذلك إلى أن بعض المؤلفات العلمية قد نجت من أيدي المغول وبخاصة ما كان
منها في المدن الجنوبية من البلاد الخوارزمية.
ثم أخذ المغول يتقبلون آراء المسلمين وأفكارهم، ورغبوا تدريجيا في
اعتناق المدنية الإسلامية. ليس هذا فحسب، بل وجدنا الكثيرين من
سلاطينهم قد اعتنق الإسلام، مثل أبغا بك، وغازان، وأبي سعيد وغيرهم،
وبرز كثير من العلماء والأدباء بفضل تشجيع المغول لهم، ومن أشهر هؤلاء
في عهد هولاكو العلاّمة نصير الدين الطوسيُّ أستاذ ركن الدين
الأستراباذي. وقد امتاز الطوسيُّ بأبحاثه في علم الفلك فشجعه المغول
وبنوا له مرصدا عظيمًا في مراغة بأذربيجان، ومكتبة بجانبه, يقال إنها
كانت تحوي أربعمائة ألف من المجلدات.
وقد امتاز الطوسيُّ أيضًا بمؤلفاته القيمة في الجبر والهندسة والطبيعة
والحكمة والأخلاق وآلات الرصد، كما اشتهر بترجمة كثير من الكتب
اليونانية في مختلف العلوم، وكان من أكبر المشتغلين بالعلوم العقلية
بعد ابن سينا.
__________
1 النجوم الزاهرة: 7/ 51.
(1/19)
وقد حاول الطوسيُّ جاهدًا أن ينقذ حياة
أكبر عدد من العلماء وأن يحفظ أكبر عدد من الكتب الباقية، لذلك اتخذ من
مرصد مراغة حجة لجمع الجم الغفير من العلماء وحمايتهم من القتل،
واستخلاص الكتب وحفظها والعناية بها، وكان من نتيجة ذلك أن انقلب الأمر
وعاد المغول بعد ذلك مسلمين منافحين عن الإسلام.
ونبغ في هذا العصر علماء كثيرون من بينهم: ابن مالك "ت 672هـ"، ومحي
الدين النووي: "ت 676هـ"، ورضي الدين الأستراباذي: "ت 686هـ"، وجمال
الدين بن منظور الإفريقي: "ت 711هـ"، وركن الدين الأستراباذي: "ت
715هـ", وابن آجروم الصنهاجي "ت 723هـ", وأبو حيان "ت 745هـ"، وتقي
الدين السبكي: "ت 756هـ"، وابن خلدون المغربي المتوفى سنة 818هـ، ومجد
الدين الفيروزابادي المتوفى سنة 817هـ. وغيرهم.
وبالجملة يمكن القول بأنه بالرغم مما حَلَّ بالأمصار الإسلامية من خراب
ودمار على أيدي التتار، فإنّ سند التعليم كان لا يزال قائمًا كما قال
العلامة ابن خلدون رحمه الله تعالى1.
__________
1 ينظر: تاريخ ابن خلدون: 1/ 361.
(1/20)
د- الحياة
الدينية في عصره:
كانت الحياة الدينية في بلاد المشرق العربي آنذاك أوفر حظًّا من غيرها
من الحَيَوات؛ نظرًا لأن المماليك كانوا يدينون بالدين الإسلاميّ
وكانوا يعرفون مدى تأثير الروح الدينية على الناس في الشرق العربي فقد
أرادوا أن يتخذوا من الدين دعامة قوية يشجبون عليها كلّ مساوئهم؛
فكانوا يبالغون في الظهور بالمظاهر الدينية؛ من بناء المساجد والزوايا،
والاحتفال بالأعياد الدينية وإقامة الموالد والاهتمام ببناء الأضرحة
للأولياء.
وكان العلماء النازحون من الأقطار الإسلامية يتفاعلون مع هذا الجو
الديني ومع هذه الطبيعة الدينية، وبخاصة أن هؤلاء العلماء المضطهدين
الفارين من وجه التتار، والذين كانوا يدينون بالدين الإسلامي الحنيف،
كانوا متمسكين غاية التمسك بأصول دينهم ومقررات شريعتهم الإسلامية
الغراء، يدافعون عن الإسلام والمسلمين وخاصة في تلك الأوقات العصيبة
التي يقفون فيها أمام أعدائهم ممن لا دين لهم ولا خلاق.
في ظل هذا الجو السياسي المائج بالفتن والقلاقل والاضطرابات، وفي ظل
هذه الحياة الاجتماعية والاقتصادية القاسية ... وفي ظل هذه البيئة
العلمية الناضجة بالتنافس المزدهرة بالتأليف الحافلة بالموسوعات عاش
عالمنا الكبير، ركن الدين الحسن بن أحمد الأستراباذي، وسنرى في السطور
التالية -إن شاء الله تعالى- مدى التفاعل بينه وبين بيئته مؤثرًا
ومُتأثرًا.
(1/21)
|