شرح شافية ابن الحاجب ركن الدين الاستراباذي الفصل الأول: ركن
الدين: نشأته وحياته وآثاره
المبحث الأول: نشأته وحياته
أ- اسمه ونسبه:
هو السيّد أبو الفضائل ركن الدين، أبو علي الحسن بن أحمد1 ابن شرفشاه2
العلوي3 الحسيني4 الأستراباذي5.
تلك هي رواية العاملي، وقد اخترتها من بين الروايات الكثيرة وهي مع
كثرتها نراها تأتلف حينًا وتختلف أحيانًا؛ فتارة تقف عند الأب، وأخرى
تقف عند الجّد الأوّل، وثالثة تقف عند الثاني من الأجداد، وهي بين هذه
وتلك تضطرب اضطرابًا شديدًا، ولا تكاد تستقر على حال حتى تفجأنا
باختلاف يسير أو كثير في صيغ الأسماء وفي الكُنَى والألقاب إلى آخر ما
هنالك من خلاف.
والآن -وبعد هذا الإيجاز- آن لنا أن نُدْلِفَ إلى بيان الروايات حسب
الترتيب الزمني.
__________
1 أبو علي، وأحمد: من معجم الأدباء "8/ 5". وفي أعيان الشيعة "أبو
محمد، ومحمد".
2 وقيل: شرف الدين شاه. وهو لقب جده الأدنى "علي بن الحسين".
3 نسبة إلى جده الأدنى "علي".
4 نسبة إلى جده الأعلى "الحسين".
5 أعيان الشيعة، للعاملي: 23/ 141.
(1/22)
اضطراب الروايات في
زاوية الأسماء وما يتعلق بها من الكنى والألقاب:
1- فياقوت الحموي "ت 626هـ" وهو أقرب المؤرخين زمنًا إلى ركن الدين، بل
عاصره في فترة من حياته، كما سنحقق ذلك عند تحقيقنا للسنة التي ولد
فيها ركن الدين -إن شاء الله تعالى- أقول: إن ياقوت لا يذكر إلا
الكنية، ويأتي باسم الرجل واسم والده، ثم ينسبه إلى بلده أستراباذ،
فيقول في معجم الأدباء1: "الحسن بن أحمد الأستراباذي "أبو علي"".
وسلك مسلكه السيوطي "ت 911هـ"2، وحاجي خليفة "ت 1067هـ"3.
وحذا حذو هؤلاء من المحدثين عمر رضا كحالة في كتابه "معجم المؤلفين"4.
ويلاحظ أن هؤلاء جميعًا لم يذكروا اللقب وهو "ركن الدين"، غير أننا
رأينا حاجي خليفة "ت 1067هـ" في موضع آخر من كشف الظنون5 يصرح بذكر
اللقب، ليس هذا فحسب، بل وجدنا الأب عنده اسمه "محمد" وليس "أحمد"،
يقول: "مرآة الشفاء،
__________
1 8/ 5.
2 ينظر: بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: 2/ 218. ط السعادة
بمصر/ ط أولى/ سنة 1326هـ.
3 ينظر: كشف الظنون، ص1273. ويلاحظ أنه ذكر "حسن" مجردًا من "أل".
4 ينظر: معجم المؤلفين: 3/ 196 -دار إحياء التراث العربي- بيروت،
لبنان.
5 ص1648.
(1/23)
في الطب، للفاضل ركن الدين الأستراباذي،
الحسن بن محمد1 وهو في النقل الثاني يحذو حذو بعض المتقدمين مما
سنذكرهم الآن.
2- كل أولئك قد وقفوا عند الحلقة الأولى في سلسلة النسب، فلم يذكروا
الجد الأول لركن الدين، على حين نرى تاج الدين السبكي "ت 771هـ"، وهو
قريب عهد بركن الدين يطفر طفرة تقف به عند الجد الثالث، فيقول: "الحسن
بن شرف شاه، السيد ركن الدين أبو محمد، العلوي الحسيني الأستراباذي2؛
حيث صرح بنسبته إلى الجد الأول "علي"، وثنى بالجد الثاني وهو "حسين"،
ولم يرد ذكر الجد الثالث. فقوله "العلوي": نسبة إلى جده الأول "علي"،
وقوله: "الحسيني": نسبة إلى جده الثاني "الحسين".
وبماثله مسلك المقريزي "ت 845هـ"، غير أنه قدم ذكر "الحسيني" على
"العلوي"، وأتى بلفظة "الدين" بين جزأي لقب الجد الأول، فقال: "السيد
الإمام العلامة ركن الدين، أبو محمد الحسن بن شرف الدين شاه الحسيني
العلوي الأستراباذي3.
ويماثله أيضًا مسلك ابن حجر العسقلاني "ت 852هـ"، غير أنه اكتفى بذكر
لقب الجد الأول ولم يصرح باسمه، وكذلك لم يذكر كنية المترجم له؛ يقول:
"الحسن بن شرف شاه الحسيني الأستراباذي
__________
1 المصدر السابق.
2 طبقات الشافعية الكبرى: 9/ 407, ط. أولى 1384هـ.
3 السلوك لمعرفة دولة الملوك: 2/ 158, ط. لجنة الترجمة والتأليف والنشر
سنة 1941م.
(1/24)
ركن الدين1.
ويلاحظ أن السبكي "ت 771هـ"، والمقريزي "ت 845هـ"، وابن حجر "ت 852هـ"
قد أسقطوا الأب وهو "أحمد"، ولعلهم لم يعمدوا إلى الإسقاط، وإنما جنحوا
إلى الإيجاز في سلسلة النسب، كما يحدث في كثير من الأحيان قديمًا
وحديثًا ثم جاء ابن العماد الحنبلي بعد ابن حجر بما يقرب من قرنين ونصف
القرن "ت 1089هـ" فاقتفى أثره وحذا حذوه، في أحد قوليه2، غير أنه ههنا
جود الحسن من "ال".
3- أما المجموعة الثالثة من الروايات النسبية فهي تختلف عما سبقها من
روايات في اسم والد ركن الدين؛ حيث صرحت بأن اسمه "محمد" بدلًا من
"أحمد"؛ يقول ابن تغري بردي "ت 874هـ": "الشيخ الإمام العلامة السيد
ركن الدين حسن بن محمد بن شرف شاه الحسيني الأستراباذي3.
ويلاحظ أنه قد أسقط الكنية "أبا علي" وأيضًا جرد الحسن من "ال".
وقد حذا حذوه جماعة من المتأخرين، هم: حاجي خليفة "ت 1067هـ"، كما
ذكرنا، وابن العماد الحنبلي "ت 1089هـ"
__________
1 الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة: 2/ 16, ط. حيدر آباد سنة
1349هـ.
2 ينظر: شذرات الذهب: 6/ 35 "تحت وفيات سنة 715هـ".
3 النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: 9/ 231 طبعة مصورة عن طبعة دار
الكتب, أحداث سنة 715هـ.
(1/25)
في القول الآخر1. وإسماعيل باشا البغدادي
"ت 1339هـ"2 والزركلي "ت 1390هـ"3، حيث جاء اسم الوالد عددهم "محمدًا"
بدلًا من "أحمد".
ليس هذا فحسب، بل وجدنا البغدادي "ت 1339هـ" يضيف لقبًا أمام الوالد
محمد؛ حيث يقول: "ركن الدين، الحسن بن رضي الدين محمد بن شرف شاه
الحسيني الأستراباذي الشافعي"4.
هذه زاوية من زوايا اضطراب الروايات في اسم ركن الدين ونسبه تمخضت عن
تقسيمها ابتداء إلى مجموعات ثلاث، بعد أن انتهجنا فيها المنهج
التاريخي، وسنتناول بقية الزوايا بالمقارنة والتحليل بعد أن نفرغ من
متعلقات هذه الزاوية التي تتصل بأسماء الآباء؛ أعني اسم الوالد:
__________
1 ينظر: شذرات الذهب: وفيات سنة 718هـ.
2 ينظر: هدية العارفين: 1/ 283، ط1, إستانبول سنة 1387هـ.
3 ينظر: الأعلام: 2/ 215، دار العلم للملايين، بيروت، ط. سابعة، سنة
1986م.
4 هدية العارفين: 1/ 283.
(1/26)
أحمد هو أم محمد:
جاء في سلسلة النسب -كما رأينا- تارة لفظ "أحمد"، وأخرى لفظ "محمد"،
وذلك في اسم والد ركن الدين، وثالثة أسقط ذكره، فأيهما هو الصحيح؟
وأبادر فأقول: إن والد ركن الدين هو "أحمد"، فيما أرجح، فإن قيل ما
السبيل إلى هذا الترجيح؟ قلنا إن أول من ترجم لركن
الدين هو ياقوت الحموي "ت 626هـ"، وقد عاصره حيث ترجم له في حياته، ثم
توفي ياقوت وعمر ركن الدين بعده إلى أن توفي سنة 715هـ، ولا يستبعد أن
يكونا قد تقابلا في الفترة التي تعاصرا فيها، ولا شك أن ترجمة المعاصر
لمعاصره أكثر ضبطًا وتأكيدًا من ترجمة المتأخرين.
وجاء السبكي "ت 771هـ" بعد وفاة ركن الدين بقليل، فلم يذكر اسم والد
الركن، لعله لم يقف عليه، أو ربما يكون قد أسقطه اختصارًا، ثم جاء بعده
بقليل المقريزي "ت 845هـ" فحذا حذوه ولم يذكره, وهذا عين ما فعله ابن
حجر "ت 852هـ" الذي عاصر المقريزي.
لكنا وجدنا ابن تغري بردي "ت 874هـ" الذي عاصر ابن حجر والمقريزي يعز
عليه أن يسقط الوالد من سلسلة النسب فأتى بلفظة "محمد" ربما لم يطلع
على معجم الأدباء وما ذكره فيه ياقوت "ت 626هـ"، وربما جاء بهذا الاسم
من مصدر مشكوك فيه.
ثم جاء حاجي خليفة "ت 1067هـ" وتابه ابن تغري بردي في ذلك في أحد قوليه
-كما ذكرنا- وأيضًا حذا حذو ابن تغري بردي: ابن العماد "ت 1089هـ"
وإسماعيل البغدادي "ت 1339هـ"، وخير الدين الزركلي "ت 1390هـ".
ولكن السيوطي "ت 911هـ" يأتي بعد ياقوت "ت 626هـ" بنحو ثلاثة قرون لكي
يتبنى ما قاله ياقوت ويصرح بأن والد ركن الدين اسمه "أحمد"، يقول:
"الحسن بن أحمد الأستراباذي أبو علي اللغوي الأديب الفاضل، أوحد زمانه،
شرح الفصيح والحماسة. قاله ياقوت1.
ويحذو حَذو السيوطي في ذلك حاجي خليفة في القول الآخر، وكذلك كحالة في
معجم المؤلفين2، الذي يحيل من أراد الوقوف على ترجمة ركن الدين إلى
معجم الأدباء3.
__________
1 بغية الوعاة: 1/ 499. في أحد قوليه..
2 3/ 196.
3 ينظر المصدر السابق.
(1/27)
ب- ألقابه:
وردت في ترجمة صاحبنا ركن الدين الحسن الأستراباذي التي تناولتها كتب
التراجم ألقاب عدة ارتبطت جميعها به، وعرف بها، وقد أطلقت عليه إما
للدلالة على مسقط رأسه، وإما للإحاطة بمذهبه الديني، وإما للدلالة على
مكانته العلمية، كما أن منها ما كان يطلق تيمنا وتفاؤلًا، كما أن منها
ما كان يطلق للدلالة على سلسلة نسبه، وها هي
ألقابه التي وقفت عليها.
- ركن الدين:
وهذا اللقب أثبته كثير من كتب التراجم1، حيث أثبته السبكي2 "ت 771هـ"
والمقريزي3"ت 845هـ" وابن حجر "ت 852هـ" وابن تغري بردي4 "ت 874هـ"
وحاجي خليفة5 "ت 1067هـ",
__________
1 ينظر: طبقات الشافية الكبرى: 9/ 407.
2 ينظر السلوك: 2/ 158.
3 ينظر: الدرر الكامنة: 2/ 16.
4 ينظر: النجوم الزاهرة: 9/ 231.
5 ينظر: كشف الظنون، ص 1648.
(1/28)
وابن العماد1 "ت 1089هـ" وإسماعيل
البغدادي2 "ت 1339هـ" والزركلي3 "ت 1390هـ".
وقد حذا حَذو هؤلاء من المعاصرين -في إثبات هذا اللقب- كل من العاملي4
وبروكلمان5 وآلورد6.
ولعل هذا اللقب من الألقاب التي كانت تطلق على أصحابها تيمنا وتفاؤلًا
شأنها شأن ألقاب أخرى كـ"بدر الدين وشمس الدين وجمالد الدين وكمال
الدين وزين الدين" ونحوها.
- السيد:
وهذا اللقب أثبته السبكي7 وتابعه في ذلك المقريزي8 ثم ابن تغري بردي9،
ثم جاء بعد ذلك ابن العماد10 ثم العاملي11 وأثبتوا هذا اللقب.
- العلوي:
__________
1 ينظر: شذرات الذهب: 6/ 35.
2 ينظر: هدية العارفين: 1/ 283.
3 ينظر: الأعلام: 2/ 15.
4 ينظر: أعيان الشيعة: 23/ 70، 141.
5 ينظر: تاريخ الأدب العربي: 5/ 312.
6 ينظر: فهرس آلورد: 6/ 80، 83.
7 ينظر: طبقات الشافعية الكبرى: 9/ 407.
8 ينظر: السلوك: 2/ 158.
9 ينظر: النجوم الزاهرة: 9/ 231.
10 ينظر: الشذرات: 6/ 35.
11 ينظر: أعيان الشيعة: 23/ 141.
(1/29)
نسبة إلى جده الأدنى علي بن الحسين الملقب
بشرف الدين شاه1 وهذا اللقب أثبته السبكي2، وتابعه المقريزي3، وأثبته
من المحدثين العاملي في أعيان الشيعة4.
- الحسيني:
وهذا اللقب نسبة إلى جده الأعلى الحسين الأستراباذي.
وهذا اللقب أثبته المؤرخون الثلاثة الذين أثبتوا لقب "العلوي" في
الفقرة السابقة، يضاف إليهم ابن تغري بردي5، وابن العماد6 وإسماعيل
البغدادي7. وخير الدين الزركلي8.
- الأستراباذي:
وهذا اللقب نسبة إلى مسقط رأسه "أستراباذ". وسوف نفرد لها حديثًا
يخصها.
- الشافعي:
وهذا اللقب نسبة إلى مذهبه الفقهي، وقد صرح به إسماعيل باشا البغدادي
في هدية العارفين9.
__________
1 ينظر ترجمته في: الذريعة إلى تصانيف الشيعة، للطهراني: 1/ 46، ط
المغربي/ النجف الأشرف 1355هـ-1936م.
2 ينظر: طبقات الشافعية الكبرى: 9/ 231.
3 ينظر: السلوك: 2/ 158.
4 23/ 141.
5 ينظر: النجوم الزاهرة: 9/ 231.
6 ينظر: الشذرات: 6/ 35.
7 ينظر: هدية العارفين: 1/ 283.
8 نظر: الأعلام: 2/ 215.
9 ينظر: هدية العارفين: 1/ 283.
(1/30)
جـ- كنيته:
يكنى ركن الدين بثلاث من الكنى، هي: أبو الفضائل، أبو علي أبو محمد،
وذلك على النحو التالى:
- أبو الفضائل:
وهذه الكنية تدل على مكانة ركن الدين العلمية وأنه جمع الكثير من
الفضائل؛ فهو إمام متقدم علامة في علوم اللغة والأدب، وأيضًا علّامة في
العلوم العقلية والنقلية، وغيرها.
وهذه الكنية أثبتها العاملي في أعيان الشيعة1، وجاءت أيضًا في فهرس دار
الكتب2 عند الحديث عن شرح الشافية لركن الدين؛ حيث جاء ما نصه: "شرح
الشافية، لأبي الفضائل ركن الدين الحسن بن محمد بن شرف شاه العلوي
الأستراباذي سنة 715هـ".
- أبو علي:
وهذه الكنية أثبتها ياقوت3، وتابعه في ذلك الإمام السيوطي4 وحاجي
خليفة5، وعمر رضا كحّالة6، وهذه من الكنى التي
__________
1 ينظر: 23/ 141.
2 حرف "ش".
3 ينظر: معجم الأدباء: 8/ 5.
4 ينظر: بغية الوعاة: 2/ 218.
5 ينظر: كشف الظنون، ص1273.
6 ينظر: معجم المؤلفين: 3/ 196.
(1/31)
تطلق تيمنًا وتفاؤلًا؛ كان يقال لمن اسمه
إبراهيم "أبو خليل" ولمن اسمه يعقوب "أبو يوسف" ولمن اسمه عمر "أبو
حفص" وهكذا.
- أبو محمد:
وهذه الكنية أطلقها السبكي في ترجمة ركن الدين1. وتابعه المقريزي2، ثم
ابن العماد3. ولعله كان يكنى باسم ابنه الأكبر كما يحدث في كل العصور
أن يكنى الشخص باسم ابنه الأكبر، هذا ترجيح فقط؛ لأنه لم يرد نص عمن
ترجموا له بقطع بذلك، ولم تذكر كتب التراجم التي ترجمت له شيئًا عن
أبنائه.
وبناًء على ما تقدم من ذكر اسم صاحبنا ركن الدين ونسبه وألقابه وكناه
يمكننا -على وجه من الاطمئنان- أن نذكر اسمه كاملًا شاملًا لكل ما
سقناه بعد تمحيصه وتجريده؛ فنقول، هو: السيد أبو الفضائل ركن الدين أبو
علي -وقيل: أبو محمد- الحسن بن أحمد بن شرف الدين شاه علي بن الحسين
الأستراباذي الشافعي.
__________
1 ينظر: طبقات الشافعية الكبرى: 9/ 407.
2 ينظر: السلوك: 2/ 158.
3 ينظر: شذرات الذهب "وفيات سنة 718هـ".
(1/32)
د- أسرته:
لم تذكر لنا كتب التراجم التي ترجمت لركن الدين شيئًا عن والده ويبدو
أن والده لم يكن من ذوي الجاه والسلطان والمكانة العلمية المرموقة
ليذكر وتتناوله الكتب، بدليل أن المؤرخين الذين أوردوه قد اختلفوا
حوله؛ فبعضهم ذكره "أحمد"، وبعضهم محمدًا كما ذكرنا.
ولم يرد ذكر أيضًا بشأن أولاده، غير أن بعض المؤرخين أثبت من كناه أبا
محمد ورجحنا أنه اسم واحد من أولاده.
أما عن جده الأدنى فهو: شرف الدين علي بن الحسن الأستراباذي1؛ جاء في
كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة2 للشيخ أغابزرك الطهراني "ت 1312هـ" ما
نصه: "الآيات الباهرة في فضل العترة الطاهرة، للشيخ شرف الدين بن علي
النجفي، كما ذكره في أمل الآمل، يأتي بعنوان: تأويل الآيات الطاهرة،
وأنه للسيد شرف الدين علي الحسيني الأستراباذي".
أما عن جده الأعلى "الحسين" فلم تقف على شيء من أخباره غير ما جاء من
إثبات كتب التراجم لاسمه والنص على نسبة ركن الدين إليه؛ وذلك بإثباتها
لقب "الحسيني" ضمن سلسلة النسبة.
__________
1 ينظر في ترجمته: الذريعة: 1/ 143.
2 جـ1/ 46.
(1/33)
هـ- ميلاده:
إن كتب التراجم التي بين أيدينا والتي تُرجمت لركن الدين لا تحدثنا عن
السنة التي ولد فيها، غير ما جاء في بعضها على سبيل التلميح لا
التصريح.
أقول: إن كتب التراجم يمكن تصنيفها بالنسبة إلى موقفها من ميلاد ركن
الدين إلى ما يلي:
أ- بعضها لم يتعرض لميلاده، لا بالتصريح ولا بالتلميح، وذلك هو القسم
الأكبر.
ب- بعضها تتعرض له بالتلميح دون التصريح؛ بأن تذكر تاريخ الوفاة ثم
تذكر عمر ركن الدين حين الوفاة، فكأنها أعطتنا تاريخ الميلاد وإن لم
تأت به صريحًا، مع العلم أن ثمة اختلافًا كبيرًا في ذلك بين هؤلاء
المؤرخين.
جـ- بعضها الآخر ورد به تصريح بتاريخ الميلاد، وذلك في القليل النارد.
وإليك البيان مع اضطراب أقوال المؤرخين:
أما القسم الأول الذي لم يتعرض لميلاده
إطلاقًا، لا بالتصريح ولا بالتلميح، فمنهم: ابن تغري بردي، وحاجي
خليفة، وإسماعيل البغدادي والعاملي، وعمر كحّالة.
وأما القسم الثاني، ذلك الذي ذكر تاريخ الميلاد بالتلميح، فإليك بيان
ما جاء فيه:
1- ذكر السبكي "ت 771هـ" في طبقات الشافعية الكبرى أن ركن الدين توفي
سنة 715هـ عن سبعين سنة1.
وتابعه في ذلك المقريزي "ت 845هـ" في كتابه السلوك2 ثم ابن حجر "ت
852هـ" في الدرر الكامنة3. فعلى هذا يكون ميلاد ركن الدين سنة 645هـ.
__________
1 ينظر: 9/ 407.
2 ينظر: 2/ 158.
3 ينظر: 2/ 17.
(1/34)
2- ذكر السيوطي "ت 911هـ" نقلًا عن صلاح
الدين الصفدي "ت 764هـ" أن ركن الدين عاش بضعًا وسبعين سنة. وهذا يعني
أنه ولد قبل سنة 645هـ.
3- وذكر العيني في عقد الجمان أن ركن الدين قد بلغ الثمانين, ويعني ما
قاله العيني أن ركن الدين ولد سنة "635هـ".
4 ويضطرب ابن قاضي شهبة "851هـ"؛ حيث يذكر أنه توفي بالموصل في المحرم
سنة "715هـ"، أو سنة 718هـ، عن نَيِّف وسبعين سنة، أو أنه جاوز
الثمانين1، وعلى ما قاله ابن قاضي شهبة يكون ركن الدين قد ولد سنة
635هـ، على رأي، أو ما بين هذا التاريخ و645هـ على الرأي الآخر.
5- وقد اضطرب أيضًا ابن العماد الحنبلي "ت 1089هـ" في حديثه عن السنة
التي توفي فيها ركن الدين، حيث إنه قد ترجم له تحت حوادث سنة 715هـ، ثم
عاد فترجم له تحت أحداث سنة 718هـ، ولم يذكر شيئًا عن مولده ولا عن
عمره الذي عاشه، غير أنه صرح بأنه قد شاخ2.
وهذه الشيخوخة تبدأ بعد الثمانين إلى ما لا نهاية.
وأما القسم الثالث فنراه يصرح بالسنة التي ولد فيها والسنة التي
__________
1 ينظر: طبقات النحاة واللغويين.
2 ينظر: شذرات الذهب: 6/ 35.
(1/35)
توفي فيها، وقد تفرد بهذا الزركلي في
أعلامه؛ حيث يقول وهو بصدد ترجمته: "ابن شرف شاه "645-715هـ": حسن بن
محمد بن شرف الحسيني الأستراباذي ركن الدين"1.
والزركلي من المُحدثين، حيث توفي سنة 1390هـ، وأراه قد اختار الرأي
القائل بأن ركن الدين توفي سنة 715هـ، عن سبعين سنة، ثم قام بعملية
حسابية صغيرة، وهي طرح سبعين سنة من تاريخ الوفاة وهو "715هـ" فكان
الحاصل أنه ولد سنة 645هـ.
لكن، وقد اضطربت الروايات التاريخية هكذا، ما الذي نرجحه بالنسبة إلى
السنة التي ولد فيها ركن الدين؟
موقفنا من الروايات السابقة:
أبادر فأقول: إنني لا أتفق مع كل هذه الروايات، بل أطرحها جميعًا وأرجح
أن ركن الدين ولد قبل أسبق رواية قيلت بشأن مولده "وهي رواية العيني
التي نستخلص منها أنه ولد سنة 635هـ". أقول أرجح أنه ولد قبل هذا
التاريخ بنحو من ربع قرن. فإن قيل من أين أتيت بهذا التحديد، وما
السبيل إلى هذا الترجيح؟
قلنا: إن أسبق رواية قيلت بشأن مولده هي رواية "635هـ"، كما ذكرنا، ثم
تعددت الروايات التي نستخلص من بعضها هذا التاريخ ومن بعضها الآخر
"645هـ"، وبعضها يتأرجح بين التاريخين.
فإذا كان الأمر كذلك ورجحنا واحدة من تلك الروايات التي تبدأ -عن
__________
1 الأعلام: 2/ 215.
(1/36)
طريق عملية حسابية- بسنة "635هـ" وتنتهى
بسنة "645هـ" فماذا نقول إذا علمنا أن ياقوت الحموي المتوفى سنة 626هـ
قد ترجم لركن الدين موضوع البحث، حيث جاء في معجم الأدباء "8/ 5" ما
نصه: "الحسن بن أحمد الأستراباذي، أبو علي: النحوي، اللغوي, الأديب،
حسنة طبرستان، وأوحد ذلك الزمان، وله من التصانيف: كتاب شرح الفصيح،
وكتاب شرح الحماسة".
فإن قيل: قد يكون المراد عند ياقوت شخصًا آخر غير الحسن بن أحمد
الأستراباذي موضوع البحث؟
أقول: إنني وضعت هذا الاحتمال أمام عيني وذهبت لأستشير كل كتب التراجم،
وأبحث عن علماء أستراباذ المتقدمين والمتأخرين، الشافعية والشيعة، ممن
سبقوا عالمنا بقليل ولهم شرح الحماسة والفصيح، ولكنني بعد جهد جهيد زال
ما في نفسي من شك وتأكدت من أن المراد عند ياقوت هو عالمنا المترجم له،
وأن ركن الدين هذا قد شرح الفصيح والحماسة, وقد نصت كتب التراجم التي
أتت بعد وفاته على أنه شرح هذين الكتابين من بين مؤلفاته، وقد نقل
السيوطي "ت 911هـ" ترجمته عن ياقوت "ت 626هـ"، وجاء كحالة بعد ياقوت
بما يقرب من ثمانية قرون لينقل ترجمة ركن الدين عن ياقوت أيضًا ويحيل
إلى معجم الأدباء "8/ 5" من بين كتب التراجم التي أشار إليها.
لذا أرى أن ركن الدين قد عاصره ياقوت "ت 626هـ" في
(1/37)
شطر من حياته، وكان ركن الدين شابًا يافعا
عرف عنه النبوغ المُبكر في عصره وطارت شهرته، وأنه قد شرح هذين
الكتابين في وقت مبكر من حياته، ربما لا يكون قد بلغ العشرين من عمره
آنذاك، وهما أول مصنفاته، وصل ذكره وذكر كتابيه إلى ياقوت فترجم له قبل
وفاته، وكان ركن الدين لا يزال شابا في مقتبل العمر فأثار ذلك إعجاب
ياقوت، وقال عنه: "حسنة طبرستان وأوحد ذلك الزمان". ثم توفي ياقوت سنة
"626هـ" وكان ركن الدين لا يزال آنذاك حيا، بدليل أن ياقوت لم يذكر
تاريخ وفاته ولا حتى مولده.
وأرى كذلك أن أصحاب الروايات السابقة التي حددت تلميحًا سنة ميلاده لم
يكونوا قد اطلعوا على ترجمة ياقوت له، وإلا كانوا قد رجحوا ما رجحناه.
ويؤيد ما رجحناه أيضًا بشأن ميلاد ركن الدين وأنه كان من المعمرين ما
قاله ابن العماد الحنبلي؛ حيث نص على أن ركن الدين "قد شاخ"1. ومرحلة
الشيخوخة -كما نعلم- تبدأ من بعد الخمسين إلى ما لا نهاية2، وليس بغريب
في أي زمن أن يعيش المرء "115" عامًا، أو "120" عامًا أو نحو ذلك، وعلى
هذا يكون ركن الدين قد ولد سنة 600هـ، أو حول هذا التاريخ، وهذه
__________
1 شذرات الذهب: 6/ 35.
2 ذكره صاحب اللسان، وأضاف: "وقيل: من الخمسين إلى الثمانين" اللسان
"شيخ: 4/ 2373".
(1/38)
نتيجة قد سلكنا في إثباتها سبيل الظن
والترجيح، وذلك بعد معايشة تامة لكتب التراجم جميعها، وبعد جهد جهيد في
تقصي أخبار ركن الدين والوقوف على ترجماته.
ومما استرعى انتباهي أثناء تَجوالي وتَطوافي بين كتب الطبقات أنني وجدت
السيوطي -رحمه الله- ينقل ترجمته لركن الدين عن ياقوت، ويصرح بذلك عقب
الترجمة، بقوله: "قاله ياقوت"1، ثم في موضع آخر يذكر نقلًا عن صلاح
الدين الصفدي أن ركن الدين عاش بضعا وسبعين سنة, ولم يقف أمام هذه
المسألة ليحققها, ولم يلفت انتباهه أنه على ما نقله عن الصفدي يكون قد
ولد بعد وفاة ياقوت, فكيف يترجم ياقوت لمن يأتي بعد وفاته؟ كان من
المتوقع أن يحقق السيوطي هذه القضية غير أنه -كما عهدنا عنه رحمه الله-
لا يكلف نفسه في كثير من الأحيان سوى عناء النقل فقط.
__________
1 بغية الوعاة: 1/ 499.
(1/39)
و موطنه:
ونقصد بموطنه مسقط رأسه حيث ولد
ونشأ وقضى طفولته وصباه حتى شب عن الطوق, وبدت عليه معالم النبوغ
والتفوق.
وكتب التراجم التي بين أيدينا والتي ترجمت لركن الدين لا تحدثنا عن
المكان الذي ولد فيه، ولكنا نرجح أنه ولد في مدينة "أستراباذ" بفتح
الهمزة وكسرها1؛ وذلك لإجماع المؤرخين على نسبته إليها.
- أستراباذ:
مدينة كبيرة مشهورة أخرجت الكثيرين من أهل العلم في كل فن، وهي مدينة
في شمال فارس، من أعمال طبرستان في بلاد مازندران بين سارية وجرجان.
وتقع بالقرب من الجانب الجنوبي الشرقي من بحر قزوين، وتبعد عن البحر من
جهة الشرق ثلاثة وعشرين ميلًا، وهي على ارتفاع 380 قدمًا على سطح البحر
على سفح جبال شاهقة الارتفاع مغطاة بالغابات الكثيفة، وهي فرع من جبال
البرنس، وعلى حافته واد متسع تكثر المستنقعات في كثير من أرجائه، وتقل
الزراعة فيه على الرغم من خصوبته، وينتهى بصحراء التركمان الرملية
"قُرَه قُمْ".
ويفسر البعض معنى "أستراباذ" بمدينة النجوم؛ إذ "أستروستاره" بمعنى
"نجم" في الفارسية. والبعض الآخر يفسر معناها بمدينة أو مكان البغال
"أستروستر" بالفارسية: البغل؛ إذ يقال إنه لم يسكنها في أول عهدها سوى
أصحاب البغال والحمير2.
__________
1 وهذا الضبط لابن الأثير في اللباب: 1/ 51. أما ياقوت فيذكر في معجم
البلدان 1/ 174 أنها بفتح الهمزة.
2 ينظر: اللباب: 1"/ 51"، ومعجم البلدان: "1/ 174-175"، ودائرة المعارف
الإسلامية: "2/ 87-88".
(1/40)
ونقل ياقوت عن ابن البناء أن "أستراباذ"
كَورة بنسا من نواحي خراسان1.
وقيل: أستراباذ كَورة بالسواد يقال لها كَرخ مَيْسان2.
وقد يطلق عليها: أستراد، وستراباذ3. واستاراباذ4.
إلا أن الأشهر والأكثر "أستراباذ"5.
__________
1 ينظر: معجم البلدان: "1/ 175".
2 ينظر: المصدر السابق.
3 ينظر: دائرة المعارف الإسلامية "2/ 87".
4 ينظر: اللباب "1/ 51".
5 ومن مشاهير أهلها: أبو نُعيم الأستراباذي "ت 320هـ" "ينظر ترجمته في:
طبقات الشافعية الكبرى: 3/ 335-336 والنجوم الزاهرة: 3/ 251". وأبو
أحمد عمرو بن أحمد بن محمد بن الحسن الأستراباذي "ت 362هـ" "ترجمته في
المصدر السابق: "3/ 468-469". ورضي الدين الأستراباذي "ت 362هـ"
"ترجمته في المصدر السابق: 3/ 468-469". ورضي الدين الأستراباذي "ت
686هـ" "ترجمته في أعيان الشيعة: 44/ 12-16".
(1/41)
ز- نشأته
وحياته العلمية:
إن الفترة الأولى من فترات حياة ركن الدين يكتنفها غموض تام، بل هي
مجهولة تمامًا, إذ إن كتب التراجم لم تذكر شيئًا عن مولده أو نشأته
الأولى، أو حياته حتى سنة "667هـ" وهي السنة التي رحل فيها إلى مراغة
بأذربيجان، ويبدو أنه بدأ حياته بدراسة القرآن الكريم وعلوم اللغة
العربية بأستراباذ وبعد أن حَصَّل كل ما يمكن تحصيله في موطنه، تاقت
نفسه إلى المزيد من العلم فرحل إلى مراغة سنة 667هـ، حيث كانت مراغة
آنذاك مركزًا هاما من مراكز العلم والثقافة خاصة بعد سقوط بغداد. وفي
مراغة التقى بالعلامة نصير الدين الطوسي وعمل تحت لوائه وتتلمذ عليه
وصار من أكبر تلاميذه حتى عينه الطوسي معيدًا في حلقته، وذلك بعد أن
حصل منه علومًا كثيرة1 يقول ابن رافع في "ذيل تاريخ بغداد": "قدم
مراغة، واشتغل على مولانا نصير الدين وكان يتوقد ذكاء وفطنة، وكان
المولى قطب الدين حينئذ في ممالك الروم، فقدمه النصير، وسار رئيس
الأصحاب بمراغة، وكان يجيد دروس الحكمة"2.
وقد كان نصير الدين الطوسي هذا من أبرز علماء المسلمين في عصره في بلاد
خوارزم شاه، وطارت شهرته في الآفاق، وكانت شهرته في جميع العلوم، وخاصة
في الهيئة والفلك والنجوم والأرصاد، وكانت شهرته في علم النجوم والرصد
قد بلغت مسامع
__________
1 ينظر: النجوم الزاهرة: 9/ 231.
2 نقلًا عن بغية الوعاة: 1/ 521. وقد اعتمدنا على النقل لعدم تمكننا من
الحصول على كتاب ذيل تاريخ بغداد.
(1/42)
هولاكو، فأراد أن يكون هذا العالم الجليل
ضمن حاشيته، ليستعين به وبخبرته في النجوم، فاحتل مكانة مرموقة عنده،
وحيث إنه برع في العلم الذي يهتم به سلاطين المغول، وهو علم الرصد
والنجوم، فكان هولاكو يطيعه ويضع الأموال الطائلة تحت تصرفه، فاستغل
الطوسي ذلك وأرسل إلى علماء المشرق والمغرب يدعوهم إلى مراغة وابتنى
لهم فيها مرصدًا كبيرًا، ومكتبة ضخمة بلغت محتوياتها زهاء "400.000"
مجلد من المخطوطات معظمها من المنهوبات من خزائن بغداد والشام والجزيرة
العربية. وكان ركن الدين واحدًا ممن لبوا دعوة الطوسي للتلمذة عليه،
والعمل تحت لوائه في الميدان العلمي. وكان ركن الدين مبجلًا عند التتار
وجيهًا متواضعًا، يقال إنه كان يقوم لكل واحد حتى للسقاء، وتخرج به
جماعة من الأفاضل1، 2.
__________
1 ينظر: الدرر الكامنة: 2/ 16.
2 لم تحدثنا المصادر التي بين أيدينا والتي ترجمت لركن الدين عن أفراد
أسرته ووجوده بينهم، ويبدو أن أسرته لم تكن من ذوي الجاه والسلطان، ولا
من ذوي المكانة العلمية أو الاجتماعية المرموقة حتى تتناقل أخبارها كتب
التراجم.
(1/43)
ح- رحلاته:
1- رحيله إلى بغداد:
رحل ركن الدين مع أستاذه الطوسي إلى بغداد، وذلك في عام 672هـ، فلما
مات الطوسي في هذه السنة رحل ركن الدين إلى الموصل1.
2- رحيله إلى الموصل:
ترك ركن الدين بغداد متوجهًا إلى الموصل وذلك لما مات أستاذه وفي
الموصل احتل مكانة علمية مرموقة وصار عالم المَوْصل المتفرد2 ودرس
للشافعية3 وولي التدريس بالمدرسة النورية، وبالموصل صنف غالب مؤلفاته4
يقول السيوطي: "ولما توجه النصير إلى بغداد سنة 672هـ لازمه فلما مات
النصير في هذه السنة صعد إلى الموصل واستوطنها ودرس بالمدرسة النورية
بها وفوض إليه النظر في أوقافها"5.
__________
1 ينظر: بغية الوعاة: 1/ 522.
2 ينظر: الدرر الكامنة: 2/ 16، وهدية العارفين: 1/ 283.
3 ينظر: السلوك: 2/ 158.
4 ينظر: النجوم الزاهرة: 9/ 231.
5 بغية الوعاة: 1/ 522.
(1/44)
ط- أخلاقه
وصفاته:
كان ركن الدين وجيهًا حليمًا متواضعًا، يقال إنه كان من شدة تواضعه
يقوم لكل واحد حتى للسقاء2.
ويقول السبكي في طبقات الشافعية الكبرى1: "وكان جليل القدر معظمًا عند
ملوك الزمان حسن السمت والطالع, حكي أنه كان مدرسًا بماردين بمدرسة
هناك تسمى مدرسة الشهيد، فدخلت عليه امرأة يومًا، فسألته عن أشياء
مُشْكِلة في الحيض، فعجز عن الجواب، فقالت له المرأة: أنت عَذَبَتُكَ3
واصلة إلى وَسَطِكَ وتعجز عن جواب امرأة؟ فقال لها: يا خالة لو علمت كل
مسألة أُسأل عنها لوصلت عذبتي إلى قرن الثور".
__________
1 ينظر: الدرر الكامنة: 2/ 16، والشذرات: 6/ 35.
2 9/ 407.
3 عذبة كل شيء: أعلاه أو طرفه. ينظر: القاموس المُحيط/ عذب/ 1: 101.
ويقصد بها ههنا: خرقة اللواء؛ أي: العمامة.
(1/45)
ى- مكانته
العلمية وثقافته:
كان ركن الدين -رحمه الله- نحويا، صرفيا، لغويا، أديبا، فقيهًا. يضاف
إلى ذلك أنه كان عالمًا في المنطق والطب وعلم الكلام، وله تصانيف مفيدة
في كل هذه المجالات، سوف نتحدث عنها في موضعها من هذا المبحث, إن شاء
الله تعالى.
وهذا يعني أنه كان على جانب عظيم من الثقافة والاطلاع. قال صاحب أعيان
الشيعة: "كان تلميذ المحقق الطوسي الخواجة نصير الدين، ومن أخص أصحابه
ومثله في التحقيق وكان علامة في العلوم العقلية والنقلية"1.
__________
1 أعيان الشيعة: 23/ 145.
(1/45)
وقال كحّالة في معجم المؤلفين1: "عالم
مشارك في النحو والتصريف والفقه والمنطق والطب والكلام والأصول".
وسوف تبرز مكانته العلمية بصورة أوضح من خلال ما سوف نعرضه من آراء
للعلماء فيه، وذلك في موضعه من بحثنا هذا إن شاء الله تعالى.
فإن قيل: من أين استمد ركن الدين ثقافته؟ قلنا: إنه اشتغل على النصير
الطوسي وحصل منه علومًا كثيرة، لدرجة أنه صار معيدًا في درس أصحابه.
يضاف إلى هذا أنه قد شغف بمصنفات ابن الحاجب -رحمه الله- وعلى وجه خاص
بالكافية وشرحها، وبالشافية، ومختصر ابن الحاجب في علم الأصول وهو
المعروف باسم: "مختصر منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل".
ومؤلفات ابن الحاجب هذه قد طارت شهرتها وعمّت الآفاق في كل الأوقات
وخاصة في عصر ركن الدين الذي هو عصر ابن الحاجب "ت 646هـ"، فتبناها ركن
الدين، وتتلمذ عليها، وصار تلميذًا لابن الحاجب بواسطة مؤلفاته هذه.
__________
1 3/ 196.
(1/46)
ك- مذهب ركن الدين الفقهي:
وعده واحدًا من أكابر علماء الشافعية، وتابعه في هذا المقريزي "ت
845هـ"، ونص في كتابه السلوك على أنه كان مدرسًا للشافعية.
وتابعهما في ذلك إسماعيل البغدادي في كتابه هدية العارفين. يضاف إلى
ذلك أنه شرح واحدًا من أهم كتب الشافعية، وهو كتاب الحاوي الصغير في
فقه الشافعية للقزويني "ت 665هـ"1.
وأيضًا نجده يستشهد بكلام الإمام الشافعي؛ حيث أورد له شاهدًا في
الوافية2 بعد أن استشهد به في البسيط3، وهو قول الشافعي رحمه الله:
ولولا الشعر بالعلماء يزري ... لكنت اليوم أشعر من لبيد4
- صلة ركن الدين بالمذهب المالكي:
اتصل ركن الدين بالمذهب المالكي عن طريق الإمام ابن الحاجب "ت 646هـ"
حيث إن المعروف عن ابن الحاجب أنه اشتغل بالفقه على مذهب الإمام مالك
-رضي الله عنه-5 وفيه صنف غالب مؤلفاته, ومن بينها كتابه منتهى الوصول
والأمل في علمي الأصول والجدل ومختصره؛ وهما كتابان في أصول الفقه
المالكي. وقد تناول ركن الدين هذا المختصر الأصولي بالشرح،
__________
1 ينظر: الأعلام: 2/ 223.
2 ص72.
3 1/ 136.
4 ديوان الإمام الشافعي ص73.
5 ينظر: وفيات الأعيان: 3/ 248.
(1/47)
وسمي شرحه: حل العقد والعقل في شرح مختصر
منتهى الوصول والأمل. ومن هنا جاء اتصال عالمنا ركن الدين بمذهب الإمام
مالك رحمه الله.
- اتصاله بالشيعة:
إن أحدًا لم يذكر إن ركن الدين الأستراباذي كان متشيعًا؛ بل كان الرجل
سلفيا من أهل السنة يتبع مذهب الإمام الشافعي كما ذكرنا. إذن فمن أين
جاء اتصاله بالشيعة؟
أقول: إنه اتصل بالشيعة من الطرق التالية:
أ- تلمذته على نصير الدين الطوسي "ت 672هـ"، وكان النصير الطوسي شيعيا
تحدد مذهبه السياسي بتميزه الشديد للاثنى عشرية، مما بوأه مقعد الزعامة
للشيعة الإيرانية بفضل مواهبه وتفننه في علوم شتى1.
ب- ألف كتابًا أسماه "نهج الشيعة" ألفه باسم السلطان إدريس بهادرخان2،
وواضح أنه ألفه لكسب رضا هذا السلطان الشيعي.
جـ- محاولة علماء الشيعة جاهدين أن يستخلصوه لأنفسهم، فيجعلوه من أعيان
الشيعة، ويترجم له العاملي في كتابه أعيان الشيعة3.
ولعل الذي دفع العاملي ليترجم لركن الدين في أعيان الشيعة أنه
__________
1 ينظر: أعيان الشيعة: 46/ 4-19.
2 ينظر: المصدر السابق: 23/ 145.
3 في: 23/ 70، 145, 146.
(1/48)
عرف من أخباره أنه كان تلميذ الخواجه
الطوسي المفضل ومن أخص أصحابه، ومثله في التحقيق على حد تعبيره1.
يضاف إلى ذلك ما عرف عن أسرته؛ حيث كان جده الأدنى علي بن الحسن شرف
الدين شاه، من علماء الشيعة، ذكر ذلك صاحب الذريعة إلى تصانيف الشيعة2.
وكذلك ما عرف عن ركن الدين من أنه كان فارسي الأصل.
وبلاد فارس كانت مرتعًا للشيعة بوجه عام، وإن كانت مدينة "قُم" مركزًا
للعصبية الشيعية منذ زمن بعيد3، وهي في بلاد فارس تضاهي الكوفة في
العراق4.
خلاصة القول في عقيدته وهواه:
بعد ما ذكرناه حول عقيدته ومذهبه الفقهي والأدلة التي ذكرناها تأييدًا
لما ذهبنا إليه يمكننا القول بأن ركن الدين كان مسلمًا متدينًا ورعا
تقيا سلفيا يتبع مذهب أهل السنة على مذهب الإمام الشافعي،
__________
1 المصدر السابق.
2 هو الشيخ أغا بزرك الطهراني. استغرق ستة وعشرين عامًا في تأليف كتاب
الذريعة إلى تصانيف الشيعة من سنة 1329هـ إلى سنة 1355هـ. ينظر الكلمة
التي كتبها الأوربادي عن حياة المؤلف في مقدمة الكتاب.
3 ينظر: تاريخ الحضارة الإسلامية للمستشرق الروسي "ف. بارتولد" ترجمة
حمزة طاهر ص63 الطبعة الثانية.
4 ينظر: الفهرست لابن النديم ص98/ ط. الرحمانية، وينظر كذلك: الفن
ومذاهبه في الشعر، د. شوقي ضيف، ص203.
(1/49)
وليس شيعيا بالرغم من صلته بالمتشيعين.
ويؤيد ذلك أننا نراه يستشهد بالحديث النبوي الشريف على القواعد النحوية
وأيضًا بكلام الصحابة مثل: عمر بن الخطاب وابن الزبير -رضي الله عنهما-
وأيضًا يستشهد بكلام لابن عباس -رضي الله عنه- كما سنوضح في الفصل
الخاص بالشواهد النحوية، ولم نره يستشهد بكلام للإمام علي -رضي الله
عنه- بعكس عالم آخر هو الرضي الأستراباذي الذي عاصره وظهرت نزعته
الشيعية بصورة كبيرة من خلال ما استشهد به في مواطن كثيرة من كلام
الإمام علي كرم الله وجه.
(1/50)
ل- شيوخ ركن
الدين وتلاميذه:
أولًا: شيوخه:
لم تذكر لنا كتب التراجم التي ترجمت لركن الدين من شيوخه سوى العلامة
نصير الدين الطوسي وسيف الدين الآمدي، وكذلك لم يشر ركن الدين في
مؤلفاته التي وصلت إلينا إلى واحد من شيوخه الآخرين. ولكنني أرجح أنه
تتلمذ أيضًا على الإمام ابن الحاجب.
فإن قيل: ما السبيل إلى هذا الترجيح. قلنا: إننا لو تأملنا ميلاد كل من
الطوسي وابن الحاجب وركن الدين، وكذلك تاريخ وفاتهم، لوجدنا أنهم
تعاصروا؛ فالطوسي ولد سنة 597هـ، وتوفي سنة 672هـ، وابن الحاجب ولد سنة
571هـ، وتوفي سنة 646هـ، وركن الدين رجحنا أنه ولد حول سنة 600هـ
تقريبًا؛ حيث ترجم له ياقوت المتوفى سنة 626هـ، وتوفي سنة 715هـ، وكان
من المعمرين،
(1/50)
وقد شاخ على حد عبارة ابن العماد الحنبلي.
وقد تعرف الطوسي على كافية ابن الحاجب وشرحها، ومن هذا الشرح نسخة في
الأسكوريال ثان رقمها "191"1. وأيضًا تعرف ركن الدين على الكافية
وشرحها ثلاثة شروح، وشرح الشافية شرحًا واحدًا، وشرح مختصر المنتهى
الأصولي له أيضًا. أقول: فكيف عثر الطوسي وركن الدين على مؤلفات
معاصرهم ابن الحاجب في زمن يصعب فيه نشر الكتب وتداولها وطباعتها إلا
أن يكونوا قد تقابلوا وتدارسوا هذه الكتب؟.
وعلى كل فهذا مجرد ظن وترجيح وإن لم يكن ركن الدين قد تتلمذ مباشرة على
ابن الحاجب فقد تتلمذ عليه بطريق غير مباشرة، أعني: تتلمذ على كتبه
التي تبناها وجمعها وقرأها وأفاد منها ودرسها وشرحها، وهذا مما لا شك
فيه. ويؤكد اهتمامه بجمع كتب ابن الحاجب وبخاصة نسخ الكافية وشرح
المصنف لها ما قاله في الوافية2 حيث قال ما نصه: "اعلم أني وجدت نسخة
قرئت على المصنف وعليها خطه كان "على الأفصح" بعد قوله: "والآخر
الهمزة". وكان فيها بدل قوله: "ومن ثم لم يجز": "ومن ثم ضعف"، وهو قريب
من الأول، لكن شرح المصنف يوافق ما ذكرناه أولًا.
وعلى كل فسوف نعده واحدًا من شيوخه الذين تتلمذ على كتبهم إن لم تكن
تلمذة مباشرة، وفي سطور موجزة نقدم ترجمة مختصرة
__________
1 تاريخ الأدب العربي: 5/ 310.
2 ص320.
(1/51)
للطوسي ولابن الحاجب، ولنبدأ بالطوسي؛ حيث
لا شك في أنه تتلمذ عليه مباشرة:
1- نصير الدين الطوسي:
هو أبو جعفر محمد بن محمد بن الحسن أشهر علماء القرن السابع الهجري،
فيلسوف، فلكي، إذ كان رأسًا في العلوم العقلية وعلامة بالأرصاد
والمجسطي والرياضيات. وهو إخباري متعدد الجوانب، وهو سياسي شيعي. ولد
بطوس في الحادي عشر من جمادى الأولى 597هـ/ الثامن عشر من فبراير سنة
1201م. ودرس علوم اللغة من نحو وصرف وأدب بعد دراسته للقرآن الكريم،
وتوفي ببغداد في الثامن عشر من ذي الحجة سنة 672هـ/ السادس والعشرين من
شهر يولية سنة 1274م.
وكانت منزلته عالية عند هولاكو، فكان هولاكو يطيعه فيما يشير به عليه،
حتى بنى له مرصدًا عظيمًا في مراغة، واتخذ خزانة ملأها بالكتب التي
نهبت من بغداد والشام وشبه الجزيرة العربية، اجتمع فيها من الكتب نحو
أربعمائة ألف مجلد وقرر منجمين لرصد الكواكب وجعل أوقافًا تقوم
بمعاشهم، وكان هولاكو يمده بالأموال. وصحبه في غزو بغداد. وقيل إن
الطوسي هذا هو الذي أشار على هولاكو بقتل الخليفة العباسي المستعصم
بالله، بعد دخول بغداد، وساعده
(1/52)
في ذلك الوزير ابن العلقمي1.
وقد تحدد مذهبه السياسي بتحيزه الشديد للاثنى عشرية مما بوأه مقعد
الزعامة للشيعة الإيرانية بفضل مواهبه وتفننه في علوم شتى2.
وللطوسي مصنفات كثيرة جدا في كل فروع المعرفة جاوزت المائة بين كتاب
ورسالة ومقالة، في مختلف المواضيع، وباللغتين العربية والفارسية، حيث
صنف في الحكمة والفلسفة والهيئة والنجوم والرياضيات والطبيعيات والعلوم
الدينية وعلوم العربية وغيرها.
ومن مؤلفاته التي لا تحصى: شرح كافية ابن الحاجب3، وشكل القطاع، وتجريد
العقائد، وتلخيص المحصل، ورسالة في الموسيقي شرحها، وغير ذلك4.
2- السيف الآمدي:
هو: علي بن علي بن محمد بن سالم التغلبي، الإمام أبو الحسن سيف الدين
الآمدي المشهور صاحب التصانيف الكثيرة. ولد بـ"آمد" سنة 511هـ وتوفي
بها سنة 636هـ. وقد نص السيوطي5.
__________
1 ينظر: البداية والنهاية، لابن كثير: 13/ 201.
2 ينظر: ترجمته في: الأعلام: 7/ 257, 258، وأعيان الشيعة: 46/ 4-19،
ومعجم المؤلفين: 11/ 307، ودائرة المعارف الإسلامية: 15/ 378-382.
3 ينظر: تاريخ الأدب العربي: 5/ 310. وينظر مؤلفاته في هذا المصدر في:
1/ 508.
4 في فوات الوفيات، لابن شاكر الكتبي، فصل عن نصير الدين الطوسي
ومصنفاته؛ ينظر: 3/ 246-252.
5 في بغية الوعاة: 1/ 522.
(1/53)
على أن ركن الدين قد أخذ عنه.
وللرجل مصنفات مفيدة منها: الباهر في علم الأوائل والأواخر، وأبكار
الأفلاك في أصول الفقه، والحقائق في علوم الأواخر، وإحكام الأحكام في
أصول الفقه، وغير ذلك1.
3- ابن الحاجب:
هو أبو عمرو، عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، جمال الدين الدوني2
الكردي الأصل، المشهور بابن الحاجب، وقد اشتهر بذلك؛ لأن أباه كان
حاجبًا للأمير عز الدين موسك الصلاحي. ولد بإسنا بصعيد مصر سنة 570هـ،
ونشأ بالقاهرة ثم هاجر إلى دمشق، ومات بالأسكندرية سنة 646هـ، وله
مؤلفات كثيرة جدا وعظيمة في مختلف المجالات، تدل على غزارة علمه ودقه
فهمه، من بينها المقدمة الكافية في النحو، والشافية في الصرف، وشرحمها
والإيضاح في شرح المفصل للزمخشري، ومنتهى الوصول والأمل في علمي الأصول
والجدل، ومختصره المعروف بمختصر المنتهى الأصولي، وغير ذلك مما يضيق
المقام عن حصره3.
__________
1 ينظر في ترجمته: لسان الميزان: 3/ 134, 135، ومفتاح السعادة: 2/ 179،
والأعلام: 5/ 53.
2 قال ابن فرحون في الديباج المذهب: 2/ 89: "ودونه موضع الأكراد ببلاد
المشرق".
3 ينظر ترجمة ابن الحاجب في:
- وفيات الأعيان، لابن خلكان "ت 581هـ": 3/ 248. تحقيق إحسان عباس "دار
الثقافة العربية".
(1/54)
ثانيًا: تلاميذه
لم تذكر لنا كتب التراجم من تلاميذ ركن الدين سوى تاج الدين الأردبيلي،
وإن كنت أرى أنه تتلمذ على يديه كثير من أهل العلم والفضل، بدليل قول
ابن حجر وهو بصدد ترجمته: "وتخرج به جماعة من الفضلاء"1.
تاج الدين الأردبيلي:
هو تاج الدين، أبو الحسن، علي بن عبد الله أبي الحسن2 ابن أبي بكر،
الأردبيلي، التبريزي، الشافعي، عالم جامع لأنواع العلوم؛ النحو الفقه،
التفسير، الحديث، الأصول، الحساب، الهندسة، الكلام، الطب.
__________
- الطالع السعيد، للإدفوي "ت 648هـ"، ص 356، تحقيق سعد محمد حسن, الدار
المصرية للتأليف/ سنة 1966م.
- البداية والنهاية، لابن كثير "ت 774هـ"، 13/ 176.
- الديباج المذهب، لابن فرحون "ت799هـ": 2/ 86. تحقيق الأحمدي أبو
النور/ دار التراث بالقاهرة.
- مفتاح السعادة، طاش كبري زادة "ت 968هـ" 1/ 139. دار الكتب الحديثة
بالقاهرة.
- شذرات الذهب، لابن العماد "ت 1089هـ": 5/ 234.
- روضات الجنات, للخوانساري "ت 1311هـ": تحقيق أسد الله إسماعيل/ قم
سنة 1392هـ.
- تاريخ الأدب العربي، بروكلمان: 5/ 308-343.
- ابن الحاجب النحوي: آثاره ومذاهبه، طارق عبدعون الجنابي دار التربية
ببغداد.
1 الدرر الكامنة: 2/ 16.
2 وفي الأعلام: "5/ 121": "أبو الحسن".
(1/55)
ولد في أردبيل بآذربيجان سنة 677هـ1، وسكن
تبريز، ورحل إلى بغداد فمكة حاجا، فمصر، وتوفي بالقاهرة في رمضان سنة
746هـ، أخذ النحو والفقه عن عالمنا ركن الدين الأستراباذي2، وقرأ عليه
شرحه للكافية، وله شيوخ في مختلف العلوم والفنون.
وله مؤلفات كثيرة منها: حاشية على شرح الحاوي الصغير للقزويني في الفقة
الشافعي. ومبسوط الأحكام، ومختصر علوم الحديث لابن الصلاح والتذكرة في
الحساب. وغير ذلك كثير3.
__________
1 وفي الشذرات: 6/ 148: "ولد سنة 667هـ".
2 وتاج الدين الأردبيلي المترجم له: شيخ العلامة ابن هشام الأنصاري
"708هـ-761هـ" تعلم النحو والفقه على ركن الدين الأستراباذي، وعلمه
لتلميذه ابن هشام، وعلى هذا يكون ابن هشام تلميذًا غير مباشرًا لركن
الدين الأستراباذي موضوع البحث.
3 ينظر ترجمته في: الدرر الكامنة: 3/ 72-74، والأعلام: 5/ 121، وهدية
العارفين: 1/ 7719، ومعجم المؤلفين: 7/ 134.
(1/56)
م- وفاته:
اختلف المؤرخون حول السنة التي توفي فيها عالمنا ركن الدين وكذلك حول
الشهر الذي توفي فيه، والأكثرون على أنه توفي سنة 715هـ، وهذا ما ذكره
السبكي "ت 771هـ" في طبقات الشافعية الكبرى1 والمقريزي "ت 845هـ" في
السلوك2 وابن حجر "ت 852هـ" في الدرر الكامنة3، وتابعهم في
__________
1 في: 9/ 407-408.
2 2/ 158.
3 2/ 17.
(1/56)
التصريح بهذا التاريخ إسماعيل البغدادي "ت
1339هـ" في هدية العارفين1. وهناك من عين الشهر الذي توفي فيه في هذه
السنة "715هـ"؛ حيث ذكر ابن تغري بردي أنه توفي في صفر سنة 715هـ2، وهو
عين ما أثبته العيني في عقد الجمان.
وذكر ابن رافع في ذيل تاريخ بغداد أنه توفي في الرابع عشر من صفر سنة
715هـ.
وقد اضطرب المتأخرون في تحديد السنة التي توفي فيها؛ حيث ترجم له ابن
العماد مرة تحت وفيات "715هـ" وأخرى تحت وفيات "718هـ". وذكر حاجي
خليفة أنه توفي سنة "715هـ"3. وهذا ما نص عليه عمر كحّالة في معجم
المؤلفين4.
ونحن نرجح أنه توفي سنة 715هـ. وهو الرأي الذي عليه الأكثرون من
المتقدمين الذين هم أقرب زمنًا إليه، وكانت وفاته في مدينة الموصل في
الرابع عشر من شهر صفر عند مشهد الكف وكانت جنازته مشهودة، رحمه الله
رحمة واسعة5.
__________
1 1/ 283.
2 ينظر: النجوم الزاهرة: 9/ 231.
3 ينظر: كشف الظنون، ص 1273، 1648.
4 في: 3/ 196.
5 ينظر ترجمة ركن الدين في: معجم الأدباء: 8/ 5، تتمة المختصر بأخبار
البشر: 2/ 263، طبقات الشافعية الكبرى: 9/ 407, 408، السلوم في معرفة
دولة الملوك: 2/ 158، طبقات النحاة واللغويين لابن قاضي شهبة: 6/ 86،
والدرر الكامنة: 2/ 16, 17، النجوم الزاهرة: 9/ 231، وبغية الوعاة: 2/
218، كشف الظنون: ص1273، 1648، شذرات الذهب: 6/ 35، والأعلام: 2/ 223،
هدية العارفين: 1/ 283، أعيان الشيعة: 23/ 70، 145، معجم المؤلفين: 3/
196، 197.
(1/57)
ن- آراء
العلماء فيه:
عرف القدماء مكانة ركن الدين، وكذلك المحدثون، فكان له من الثناء
والتقدير والإعجاب من هؤلاء وأولئك، ما رأيناه يتفق في جملته مع شخصيته
وعبقريته، وسنورد بعض ما قيل فيه، وفاء بحقه ومشاركة في التقدير
والإعجاب من جهة، واستيفاء للبحث من جهة أخرى، مع الوقوف عند بعض
النصوص ومناقشتها كلما دعا الأمر إلى ذلك ثم التعقيب عليها في النهاية
لإبداء رأينا الخاص في مثل هذه الآراء مدحًا أو قدحًا.
والآن أكتفي بهذه العجالة، وأدلف إلى ما نحن بصدده من البيان:
فهذا ياقوت الحموي "ت 626هـ"، ذلك الذي عاصره، يصفه بقوله: "النحوي،
اللغوي، الأديب، حسنة طبرستان، وأوحد ذلك الزمان"1.
ويقول السبكي "ت 771هـ": "وكان جليل القدر، معظما عند ملوك الزمان، حسن
السمت والطالع"2.
وقال المقريزي "ت 845هـ" في السلوك3: "عالم بالموصل
__________
1 معجم الأدباء: 8/ 5.
2 طبقات الشافعية الكبرى: 9/ 407.
3 2/ 158.
(1/58)
ومدرس الشافعية ... وتقدم عند التتار،
وتوفرت حرمته، وبرع في علوم المعقولات وكان يجيد الفقه وغيره".
وقال ابن حجر "ت 852هـ": "كان من كبار تلامذة النصير الطوسي وكان
مبجلًا عند التتار، وتخرج به جماعة من الفضلاء"1.
وقال ابن تَغْري بَرْدي "ت 874هـ": "الشيخ الإمام العلامة السيد ركن
الدين: كان إمامًا مصنفًا عالمًا بالمعقول"2.
ويقول إسماعيل بن علي الذي شرح أبيات شواهد الوافية، وسماه "كشف
الوافية في شرح الكافية": "وكان كتاب الوافية، للسيد العلامة، قدوة
العلماء والمتبحرين، زبدة المتقدمين والمتأخرين ركن الملة والدين
-أسكنه الله تعالى بحابيح جناته- دستورًا في هذا الفن؛ إذ به يعرف أكثر
مسائله، ومشهورًا؛ إذ كل واحد يستضيء بنور معالمه مع ما للطلبة من
الحرص عليه وقراءته والشغف بدراسته"3.
وبصفه ابن العماد الحنبلي "ت 1089هـ" بأنه كان "علامة متكلمًا،
نحويا"4.
ويقول العاملي: "كان تلميذ المحقق الخواجة نصير الدين، ومن أخص أصحابه،
ومثله في التحقيق. وكان علامة في العلوم العقلية والنقلية"5.
__________
1 الدرر الكامنة: 2/ 16.
2 النجوم الزاهرة: 9/ 231.
3 مقدمة كشف الوافية في شرح الكافية.
4 شذرات الذهب: 6/ 35.
5 أعيان الشيعة: 23/ 145.
(1/59)
وجدير بركن الدين أن يكون موضع تقدير
الجميع؛ فهو من عرفت علمًا وخلقًا وتدينًا، وتواضعًا، ولعل ياقوت
الحموي "ت 626هـ" قد اكتشف مواهبه المبكرة واتصل به عن قرب وعرف عنه من
العلم والفضل أكثر مما عرفناه بكثير، فأطلق عليه عبارته المشهورة التي
حفظها التاريخ الطويل وسوف يحفظها للأجيال اللاحقة إن شاء الله، وهي
عبارته التي يصف فيها ركن الدين بقوله: "النحوي، اللغوي، الأديب، حسنة
طبرستان، وأوحد ذلك الزمان".
وقد أعجب العلماء بنحو ركن الدين، لدرجة أننا نرى بعضهم من شدة إعجابه
بما كتبه ركن الدين تشحذ قريحته، فينشد شعرًا يصرح فيه بأنه من أراد
نحوًا مهذبًا فعليه بكتاب المتوسط، لركن الدين، ويصرح ثانية بأن من
يريد نحو الأعالي فعليه بمقال ركن الدين في المتوسط, استمع إليه وهو
يقول عن كتاب المتوسط:
يا من يهذب منطقا بالنحو خذ ... بالحاجبية وامش في المتوسط
إن النتيجة لا يفوز بصدقها ... من لم يفز يوما بخير أوسط
لا تطلب الأعلى فإن مناله ... صعب ولا ترض المذل فتسقط
فالخير في وسط الأمور وإنني ... شاهدت كل النفع في المتوسط
يا قاصدا نحو الأعالى جاهدًا ... في النحو خذ منه بوجه أحوط
بالحاجبية خذ وثق في حلها ... بمقال ركن الدين في المتوسط
هذا إلى أنني لست أزعم أن صاحبي ركن الدين مبرأ من كل عيب، فما هو
بمعصوم ولقد أخذت عليه أنه كان -مع دقته الشديدة-
(1/60)
غير دقيق في مسألتين اثنتين: إحداهما1:
تتعلق بنسبة رأي إلى صاحبه، حيث ذكر أن عيسى بن عمر، وأبا العباس
المبرد، كانا يريان أن المؤنث إذا سمي باسم مذكر، على ثلاثة أحرف ساكن
الوسط، مثل زيد ونحوه، يمنع الصرف فقط. ولكني رأيت أنهما يجوزان
الأمرين في هذه المسألة، مع ترجيح الصرف.
والثانية2 تتعلق بنسبة قراءة إلى صاحبها، وهي قراءة قوله تعالى:
"يُسَبَّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِِ، رِجَالٌ"3. ببناء
"يُسَبَّحُ" للمفعول، فقد نسب هذه القراءة لعاصم وابن عامر. والحق أنها
قراءة ابن عامر وأبي بكر، أما قراءة حفص التي رواها عن عاصم فهي
{يُسَبِّحُ} بالبناء للفاعل.
وسوف نتحدث عن هذين المأخذين في موضعهما من البحث إن شاء الله تعالى4.
وعلى كل فمأخذ في كتاب البسيط على ضخامته، ومأخذ آخر في كتاب الوافية
لا يقللان بحال من الأحوال من شأن عالمنا الكبير.
فلست إذن بالغاوي ولا المتعصب، ولكنها بموضوعية شديدة الصورة التي
انطبعت في نفسي وذهني، بعد دراسة الرجل دراسة فاحصة واعية
__________
1 في البسيط: 1/ 150.
2 في الوافية: ص49.
3 سورة النور: من الآيتين: "36، 37".
4 ينظر: ص من الكتاب.
(1/61)
فيما أحسب.
وفي نهاية المطاف أعود فأقول: رحم الله أبا علي، لقد كان شخصية قوية في
جبين التاريخ أحبها الجميع فأثنوا عليه ثناء حارا مستفيضًا، وأعترف أني
مستريح الآن، بعد أن كشفت النقاب عن شخصية كهذه عرفها القدماء فاعترفوا
بفضلها، ولم يكن المحدثون يعرفونها فبعضهم ظنه الرضي، وبعضهم لم يظنه
شيئًا.
(1/62)
|