شرح شافية ابن الحاجب ركن الدين الاستراباذي الفصل الثاني: كتاب
شرح شافية ابن الحاجب
المبحث الأول: دراسة الكتاب
من أبرز مؤلفات ركن الدين في الميدان الصرفي كتابه "شرح الشافية". وهو
شرح وافٍ على كتاب الشافية الذي صنفه الإمام ابن الحاجب في علم
التصريف:
- قيمة الكتاب:
يُعدُّ كتاب "شرح الشافية" الذي صنفه عالمنا ركن الدين إضافة علمية
عظيمة تثري المكتبة الصرفية التي لم تحظ -حتى الآن- بما حظيت به
المكتبة النحوية من المصنفات.
وتكمن أهمية الكتاب في أن صاحبه أودع فيه كل مباحث علم التصريف وعالجها
معالجة علمية وافية، وكان في معالجته يتوقف عند كل مسألة صرفية يعالجها
كي يطلعنا على آراء العلماء حولها، وكان يعرض تلك الآراء والأقوال
بطريقة جذابة بعيدة عن الملل، ثم يناقشها ويفندها ويختار أصحها،
ويُعلِّل رفضه للمذهب الآخر.
وركن الدين في كتابه هذا يطلعنا على اللهجات العربية الواردة في كل
مسألة من مسائله الصرفية التي يعالجها، أو قضية يتناولها, وسوف نُخصص
مبحثًا في هذا الفصل إن شاء الله تعالى للحديث عن اللهجات العربية
الواردة في الكتاب.
(1/100)
- منهج ركن
الدين في عرض قضاياه التصريفية في هذا الكتاب:
بدأ ركن الدين في كتابه هذا بخطبة استهلّها بحمد الله تعالى والصلاة
على نبيه -صلى الله عليه وسلم- وبعد ذلك بيّن الدافع وراء تأليفه وهو
إلحاح جماعة من العلماء من معاصريه عليه في أن يشرح لهم مقدمة ابن
الحاجب الموسومة بالشافية شرحًا سهل التناول والاستيعاب كما أشار إلى
ذلك في مقدمة هذا الكتاب.
وأمّا عن منهجه في الكتاب فهو منهج يتّسم بالوضوح؛ فعباراته واضحة
وألفاظه لائحة، على حدّ عبارته؛ إذ يقول في مقدّمته: "وشرحتها بعبارة
واضحة وألفاظ لائحة شرحًا بِفَسْر مشكلاتها حاويًا، وبحلِّ معضلاتها
وافيًا، مذلًِّلا من قشرها لبابها، مجتهدًا في كشف القناع عن مخدراتها،
متوغِّلًا في هتك السِّتر عن مستتراتها، مشيرًا إلى حقائقها المدفونة,
مُظهرًا لدقائقها المكنونة، ذاكرًا على أكثرها الأدلة المعهودة
والمسلمات المشهودة".
وكان الرجل يستعين في فهم قضايا الشافية بالرجوع إلى مُصنّفات ابن
الحاجب أعني كتابيه: الإيضاح في شرح المفصل وشرحه على شافيته، ويصرح
الركن بهذا فيقول: "مع عجزي عن فهم أكثر ما أودعه مصنِّفها إلا
باستعانة من تصانيفه".
وركن الدين يبدأ شرحه بذكر جزء من متن الشافية ثم يتناوله بالشرح
والتعليق شارحًا ما يُذكر في المتن وما لم يذكر من قضايا صرفية،
مُستشهدًا بشواهد من القرآن الكريم أربت على المائة، وبشواهد من الشعر
بلغت نيِّفًا وأربعين شاهدًا من الشعر والرجز، نسب منها ستة ولم ينسب
(1/101)
البواقي. وكذلك استشهد بالعديد من أقوال
العرب وأمثالهم وحكمهم.
ونلاحظ أن الركن لم يذكر في كتابه هذا من الأحاديث سوى حديث واحد، وهو
قوله -صلى الله عليه وسلم- على لهجة بعض العرب: "ليس من امبِرِّ
امصيِامِ في امسفَرِ". وأنشده شاهدًا على أنّ بعض العرب يبدلون لام
التعريف ميمًا.
وركن الدين بعد أن يفرغ من شرح المسألة الصرفية يورد ما قيل فيها من
أقوال ومذاهب ثم يناقشها مناقشة علمية جادة تدل على رجاحة عقله وسعة
أفقه واطلاعه، ثم يختار لنفسه ما يراه راجحًا -من وجهة نظره- مؤيِّدًا
اختياره بالدليل والبرهان والشاهد، كما سنوضح ذلك في المبحث الخاص
بالمسائل الخلافية في كتابه في هذا الفصل إن شاء الله تعالى.
ويعرض الرجل في كتابه جميع اللهجات العربية الواردة عن العرب في
الظاهرة اللغوية التي يعالجها، وكان في الأعمّ الأغلب ينسب اللهجة إلى
القبيلة التي تتكلّم بها، كما سيأتي.
والرجل يهتمّ اهتماما عظيمًا بتفسير الألفاظ اللغوية الصعبة التي تحتاج
إلى تفسير، ومما يؤيد ذلك قوله: "القاصعاءُ: جحر من جحرة اليربوع، وهو
الباب الذي يقصع فيه؛ أي: يدخل فيه. والنافقاءُ: إحدى جحرة اليربوع
يكتمها ويظهر غيرها ويعدها لهروبه. والداماء: إحدى جحرة اليربوع التي
يدمها بالتراب؛ أي: يطلي رأسه به.
(1/102)
والسابياء: المشيمة التي تخرج مع الولد"1.
ومنه قوله: "البازُل: هو البعير الذي طعن في السنة التاسعة2.
ومنه قوله: "الحَرْمَى: ناقةٌ تَشْتَهِي الفَحْل"3.
وقد اعتمد الرجل على مجموعة من المصادر اعتمادًا كبيرًا, نصّ على بعضها
ولم ينصّ على البعض الآخر؛ فنراه يعتمد على كتاب سيبويه4 فينقل منه
الكثير من آرائه وآراء شيخه الخليل.
وينقُل أيضًا عن يحيى بن زياد الفراء5، وعن أبي عثمان المازني6، وعن
أبي العباس المبرد7، وابن السراج8، وأبي
__________
1 شرح الشافية، ص459 من هذا الكتاب.
2 الكتاب ص460.
3 الكتاب ص464. وثمة مواضع أخرى كثيرة منتشرة في أثناء الكتاب.
4- ينظر الكتاب: 193، 195، 203، 217، 242، 244، 263، 278، 284، 291،
301، 305، 318، 326، 365، 366، 381، 382، 390، 392، 403، 406، 407،
411، 425، 457، 484، 517، 525، 532، 533، 548، 571، 598، 599، 600،
602، 604، 611، 621، 631، 632، 690، 698، 711، 714، 744، 773، 782،
783، 797، 798، 799، 801، 805، 808، 809، 836، 838، 924، 950، 1019،
1034.
5 ينظر الكتاب: 185، 194، 195، 293، 295، 301، 303، 437، 439، 570،
571، 602، 603، 616، 631، 651، 757.
6 ينظر الكتاب: 224، 532، 534، 724، 728، 952، 1035.
7 ينظر الكتاب: 221، 327، 352، 367، 381، 382، 403، 415، 531، 532،
533، 634، 933، 1021، 1035.
8 ينظر الكتاب: 222، 425، 582.
(1/103)
علي الفارسي1، وتلميذه ابن جني2،
والأزهري3.
ويعتمد كثيرًا على صحاح الجوهري4، ومجمل ابن فارس5، ومحكم ابن سيده6،
ومفتاح عبد القاهر7، وأبنية ابن القطاع8، ومفصَّل الزمخشري9، وشرحه
لابن يعيش10.
وينقل عن ابن مالك في مواضع كثيرة من كتابه11.
واعتمد الركن من بين مصادره على كتب العلامة ابن الحاجب، ونصّ على ذلك
في مقدمته، حيث قال: "مع عجزي عن فهم أكثر ما أودعه مصنّفها إلاّ
باستعانة من تصانيفه"12.
وخصَّ من بين مصادره شرحَه على مفصَّل الزمخشريّ وشرحه على شافيته.
ومما يشار إليه ههنا أني رأيت ركن الدين يخرج على مذهب ابن الحاجب،
وكثيرًا ما كان يعترض على قوله ويصحح له؛ فلم يكن الرجل إذا مقلدًا ولا
تابعًا لأحد، بل كانت له شخصيته الواضحة وإسهاماته الجليلة, وسوف نفرد
حديثًا لهذه القضية:
__________
1 ينظر الكتاب: 424، 567، 832، 971، 980، 982، 983، 984، 985.
2 ينظر الكتاب: 175، 224، 985، 986.
3 ينظر الكتاب: 657.
4 ينظر الكتاب: 644، 723، 794.
5 ينظر الكتاب: 723.
6 ينظر الكتاب: 420، 707.
7 ينظر الكتاب: 200.
8 ينظر الكتاب: 462، 707، 822، 939.
9 ينظر الكتاب: 306، 315، 382.
10 ينظر الكتاب: 878، 879.
11 ينظر الكتاب: 593، 644، 697، 832، 980، 1021.
12 ينظر الكتاب: ص164.
(1/104)
بين ركن الدين وابن
الحاجب:
كثيرًا ما كان يعترض ركن الدين على ما يقوله ابن الحاجب ويصحح له، وكان
يأتي بعبارات منها قوله: "وفي عبارته تعسف عظيم"1.
وقال في موضع آخر: "واعلم أن في كلام المصنف نظرًا؛ لأنه يقتضي وجوب رد
المحذوف من "دم" في النسبة؛ لأنه محرَّك الأوسط، والمحذوف لام، ولم
يعوض همزة وصل، لكنه لا يجب رده فإنه يجوز الوجهان: الرد وعدم الرد"2.
وقال أيضًا: "وكان من الواجب أن يقول: وتقلب الألف الأخيرة الثالثة أو
الرابعة المنقلبة التي لغير الإلحاق، ثم يذكر حكمها فيما بعد"3.
وقال في موضع آخر: "واعلم أنه لو قيل: لم يُرَدّ في تصغير "عيد" إلى
أصله؛ للفرق بين تصغير "عِيد" وتصغير "عُود" لكان أصوب؛ لعدم الحاجة
إلى تلك الواسطة"4.
وقال في موضع آخر: "اعلم أنه لو قال: وحملوا أيما ويتيمًا على
__________
1 شرح الشافية: ص173.
2 الكتاب: 402.
3 الكتاب: 386.
4 الكتاب: 332.
(1/105)
"وَجِع وحَبِط" لكان أولى"1.
واعترض ركن الدين على جعل المصنف "تغافل" و"تكلم" ملحقًا بتدحرج2.
وقال في موضع آخر: "اعلم أن في قول المصنف -وهو أن حذف الهمزة في
"الله" غير قياس- نظرًا؛ لأنه قياس مرَّ في باب تخفيف الهمزة"3.
ونراه يختلف مع ابن الحاجب ومن تابعه كالرضي؛ حيث جعل مثال: "ملكوت" من
"قضيت" على "قضوت"، وأن أصله قضيوت فقلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح
ما قبلها، ثم حذفت الألف4.
على حين نجد ابن الحاجب والرضي يريان أن الأصل أن يقال "قَضَوُوت"
لخروج الاسم بهذه الزيادة عن موازنة الفعل، فلا تقلب الواو والياء
ألفًا، كما لا تقلب في الصوري والحيدي5.
واعترض عليه في موضع آخر قائلًا: "اعلم أن في عبارته نظرًا؛ لأن قوله:
"وقلب كل ألف" يغني عن قوله: "وقلبها"، وعن ذكر الهمزة في قوله: "وكذا
قلب ألف التأنيث نحو حبلى همزة"6.
__________
1 شرح الشافية: 455.
2 الكتاب: ص235.
3 الكتاب: ص982.
4 الكتاب: ص991.
5 ينظر: شرح الرضي على الشافية: 3/ 305.
6 الكتاب: ص535.
(1/106)
وقال في موضع آخر: "اعلم أنه لو قال: ما
أوله ميم زائدة من الصفات على أي وزن كان يستغنى بتصحيحه عن تكسيره إلا
"مُفعَلًا" المخصوص بالمؤنث كان أولى؛ ليشمل نحو: مُعَلِّم ومُعَلَّم
ومقاتِل ومقاتَل، فإنه يُجمع جمع السلامة ولا يكسّر، ويخرج عنه مُشدِن
ومُطْفِل ومُرْضِع ومُتْل ونحوها مما هو على وزن "مُفْعِل" مخصوص
بالمؤنث؛ فإنه يكسّر على "مفاعل" قياسًا، غير مقصور على السماع، نحو:
مشادن ومطافل ومراضع ومتال1.
ليس هذا فحسب؛ بل نجده يستدرك على المُصنف بعض المسائل الصرفية، نذكر
منها قوله في باب الجمع: "اعلم أنه لم يتعرّض لـ"فَعُول" المذكر، ولم
يبسط القول في "فَعول" المؤنث أيضًا، لكن يجب أن تعلم أن "فَعول" إذا
كان وصفًا يستوي فيه المُذكر والمؤنّث؛ فإن كان مُذكرًا يجمع على
"فُعُل" فحسب؛ كصَبُور وصُبُر، وغَدور وغُدُر، وعَقور وعُقُر. وإن كان
مؤنَّثًا يجمع على "فُعُل، وفعائل"؛ نحو: عَجوز وعُجُز وعجائز، وقَلوص
وقُلُص وقلائص، وسَلوب وسُلُب وسلائب. قال سيبويه: "وقد يستغنى ببعض من
هذا عن بعض؛ نحو: "صَعائد" في جمع "صَعود". ولا يقال "صُعُد". ويقال
"عُجُل" ولا يقال "عجائل". في جمع "عَجول""2.
وننتقل بعد هذا إلى الحديث عن المسائل الخلافية الواردة في الكتاب
وبيان طريقة ركن الدين في استعراض هذه المسائل وذكر الأقوال المُتعددة
في المسألة الواحدة وكيف كان يناقشها ويختار لنفسه مذهبًا منها.
__________
1 الكتاب: 472، 473.
2 الكتاب: 456, 457.
(1/107)
أولًا: المسائل الخلافية في الكتاب:
حرص ركن الدين -وهو يعالج قضاياه الصرفية ومسائله- على أن يذكر الآراء
المختلفة للنحويين الأوائل -رحمهم الله- في المسألة الواحدة إذا تعددت
حولها الآراء والأقوال، وذلك بطريقة سهلة ميّسرة تجذب القارئ وتعينه
على فهم المسألة بدقائقها، وكان يُناقش هذه الآراء، ويناقش أيضًا حجج
كلّ فريق، ثمّ بعد ذلك يختار لنفسه مذهبًا, مؤيِّدًا ما يختاره بالأدلة
المقنعة.
ولكي يتضح منهجه في عرض مسائله الخلافية والخلاف حولها ومناقشة الآراء
وموقفه منها نورد طائفة من هذه المسائل، وإليك البيان:
1- خلافهم حول أصل "كَيَّنُونَة":
ذكر لنا ركن الدين خلافا بين البصريين والكوفيين حول أصل "كَيَّنونة"
ولنترك له المجال لنرى ماذا يدور بين الفريقين من خلاف: يقول: "قال
البصريون: إنه مغير عن "كَيْنُونة" بحذف العين، بدليل عوده إليه في
قوله:
حتى يعود الوصلُ كَيَّنونة
(1/108)
واستدلوا عليه بوجود "فَيْعَلول"
كـ"خَيْثَعو". وقال الكوفيون: هو مغيَّر بإبدال ضمة أوّله فتحة، وأصله
"كُونونة" على وزن "سُرْجُونة" وهي الطبيعة1، وبعد أن عرض رأي البصريين
والكوفيين نراه يرفض رأي الكوفيين بقوله: "وهو ضعيف؛ لأنّه لو كان
الأمر في هذا كما قال الكوفيون لم يكن لإبدال الواو ياء وجهٌ، ولا
لإبدال ضمّة أوّله فتحة"2.
وهو بهذا يختار رأي سيبويه وجمهور البصريين كما هو واضح3.
2- أصل الهاء المتطرقة في "هناه":
ذكر ركن الدين في هذه المسألة مجموعة من الأقوال بدأها برأي جمهور
البصريين، عدا أبي زيد والأخفش، ثُمَّ ذكر رأيًا ثانيًا لبعض البصريين،
ثم ذكر ثالثًا لبعضهم، ورابعًا، وبعد ذلك عرض رأي الكوفيين، ثم ختم
الحديث بذكر قول لأبي البقاء العكبري. ولنترك له الزمام ليحدثنا عن
أقوالهم التي وقف عليها: يقول: "والهاء في قول امرئ القيس:
وقد رابَنِي قَولها يا هَنَا ... هُ ويحك أَلْحَقْتِ شرًّا بشرّ
مبدلة عن الألف المُنقلبة عن الواو في هنوات، على رأي وأصله: هَنَاوٌ؛
فقلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها؛ لأن الفاصل غير
__________
1 الكتاب: ص807.
2 الكتاب: 807.
3 ينظر كتاب سيبويه: 4/ 365، والمنصف: 2/ 15، والممتع: 2/ 502, 503.
(1/109)
حصين، فالتقى ألفان؛ فقلبت الألف الثانية
هاء، على وجه الشذوذ, ولو سُلِكَ بها طريق القياس لقلبت همزة.
فإن قيل: من أين جاءت الألف التي قبل الهاء؟
قلنا: هي الألف التي في "هنات" جمع "هن"، فأبدلت الواو المقدرة بعدها
ألفًا، ثم أبدلت الألف هاء، وهي المتولدة من إشباع الفتحة.
وإنما قال: "على رأي"، لأنَّ في هاء "يا هناه" أقوالًا للبصريين غير ما
ذكره وقولًا واحدًا للكوفيين والأخفش.
أما أقوال البصريين؛ فأحدها: أنها بدل عن الواو1. وثانيها: أنها بدل عن
ألف مبدلة من واو2. وثالثها: أن الهاء أصلية وليست بدلًا، وضعف لقلة
باب سلس3. ورابعها: أن الألف بدل من الواو التي في هَنَوات، والهاء
للسكت.
وأما قول الكوفيين والأخفش، فهو أن الهاء والألف زائدتان، والهاء للسكت
والوقف واللام محذوفة: كما حذفت في: هن، وهنة.
ويبطل هذا القول الرابع للبصريين جوازُ تحريكها في السعة، وهاءُ السكت
والوقف لا يجوز تحريكُها في السعة.
وأجابوا عنه بأنها إنما حُرِّكتْ لمَّا وصلت؛ تشبيها لهاء السكت بهاء
الضمير. وقال أبو البقاء: "إنَّه هَنْ أضيف إلى ياء المتكلم
__________
1 ينظر الممتع: 1/ 401، والإيضاح: 2/ 410، وشرح الشافية للرضي: 3/ 225.
2 ينظر المنصف: 3/ 140-143، والمفصل: 370، والإيضاح: 2/ 410.
3 ينظر الممتع: 1/ 401، والإيضاح: 2/ 411.
(1/110)
فصار: يا هَنِي، ثم أبدلت من الكسرة فتحة
ومن الياء ألفًا، كما فعلوا في "غلام"، وألحق في آخره الهاء للوقف،
فصار: "يا هناه"، كما قيل يا غلاماه. وهو حسن"1.
فهو بهذا العرض الميسّر قد أوقفنا على كل ما قيل بشأن هذه المسألة من
أقوال ومذاهب.
3- وزن "أشياء" وعلة المنع من الصرف:
تعرض أبو البركات للحديث عن هذه المسألة في كتابه الإنصاف في المسألة
"118" إلا أنّ حديثه فيها كان حديثًا مجملًا؛ إذ يقول: "ذهب الكوفيون
إلى أنّ "أشياء" وزنه "أفعاء" والأصل "أفعلاء". وإليه ذهب أبو الحسن
الأخفش من البصريين. وذهب البصريون إلى أن وزنه "لفعاء" والأصل
"فعلاء""2.
ثم شرع يسرد حجج الفريقين ويناقش حجج الكوفيين، على حين نجد ركن الدين
فصَّل القول فيها, وينسب كلَّ رأي لصاحبه ولا يعمِّم كما فعل
الأنباريّ؛ يقول: "قال الخليل وسيبويه وأتباعهما: وزنه "لفعاء". وأصله
"شيئاء" على وزن "فعلاء" فمنع الصرف لألف التأنيث ثم تُقلب اللام إلى
موضع الفاء، فصار "أشياء" على وزن "لفعاء". وقال الكسائيّ: وزنه
"أفعال" لأنّ "فعلاء" معتلّ العين يجمع على "أفعال" كـ: قَيْل وأقيال.
وقال الفرّاء: وزنه: "أفعاء"
__________
1 الكتاب: ص876.
2 الكتاب: ص194.
(1/111)
وأصله "أشيئاء" على وزن "أفعلاء"؛ فخفف
بحذف الهمزة الأولى ورأى أن شيئًا أصله: "شَيِّء" على وزن "فيعل" ثمّ
خُفِّف كما خُفِّف "مَيْت" ثمّ جمع على "أشياء" كما جمع "نَبِيّ" على
"أنبياء" ثمّ حذفت الهمزة التي هي لام الفعل تخفيفًا كراهة اجتماع
همزتين بينهما ألف، فصار وزنه "أفعاء"1. ثم يرجح مذهب الخليل وسيبويه
على غيره من المذاهب مقدِّما الحجج والأدلة والبراهين التي تؤيِّد
اختياره؛ إذ يقول: "ومذهب الخليل وسيبويه أصحّ من مذهبي الكسائي
والفرَّاء. أما كونه أصحّ من مذاهب الكسائي؛ فلأنّ مذهب الكسائي مستلزم
لمنع صرف الاسم بغير علة، وانتفاؤه معلوم من لُغتهم. والقلب الذي هو
مذهب الخليل وسيبويه كثير شائع؛ فارتكابه أولى من ارتكاب ما لا نظير له
في كلامهم. وأمّا كونه أصحّ من مذهب الفرّاء؛ فلأنّ مذهب الخليل
وسيبويه يستلزم خلاف الظاهر -أعني القلب- وهو كثير شائع، ومذهب الفّراء
يستلزم خلاف الظاهر بوجهين أحدهما غير شائع والآخر غير جائز. والأول
تقديره "شيئاء". وأن "شيِّئًا" على وزن "فَيْعِل"؛ فإنه خلاف الظاهر مع
أنّه لم يسمع؛ فلو كان هو الأصل لكان هو الكثير الشائع، كما أنّه لما
كان "ميِّت وبيِّن" أصل "مَيْت وبيْن" كان أكثر من "مَيْت وبَيْن" لكنه
ليس كذلك"2.
__________
1 الكتاب، ص194.
2 الكتاب، ص196.
(1/112)
4- أصل الألف المنقلبة عن التنوين في الاسم
المقصور حال الوقف:
قال ركن الدين: "اعلم أنه يوقف على كل شيء منون مقصور ثلاثيا كان أو
غير ثلاثي، على الألف باتفاق، سواء كان مرفوعًا أو منصوبًا أو مجرورًا،
نحو: هذه عصى ورحى ومسمّى ومُعلَّى، ورأيت عصى وروحى ومُسمّى ومُعلَّى،
ومررت بعصى ورحى ومُسَمَّى ومُعَلَّى. لكن اختلفوا في هذه الألف؛ فقال
المُبرِّد: هي الألف الأصلية في الأحوال الثلاث. وقال المازنيُّ: هي
الألف المبدلة من التنوين في الأحوال الثلاث. وقال سيبويه: هي الألف
المبدلة من التنوين حال النصب، والألف الأصلية حالتي الرفع والجرّ
واستدلّ على قول المبرد بوجهين: أحدهما: أنهم أمالوا رحى ومسمى ومعلى
في الوقف حالة النصب والرفع والجر، فلو كانت الألف فيها عوضا عن
التنوين لم تمل. والثاني: أنهم كتبوا معلى ومسمى بالياء في الأحوال
الثلاث، فلو كانت الألف عوضًا عن التنوين لوجب أن يكتب ألفًا كما كتبت:
رأيت زيدا، بالألف. واستدل على قول المازني بأنه إنما قلب التنوين
ألفًا في الوقف حالة النصب، لوقوعه بعد الفتحة، وهذه العلة موجودة في
الأحوال الثلاث في هذا الباب فوجب قلبهما ألفًا في الأحوال الثلاث عملا
بالعلّة واستدل على قول سيبويه بأن المعتل الذي يشكل أمره يحمل على
مثاله من الصحيح، لكنه قد ثبت في الصحيح أنهم يقلبون التنوين ألفًا في
حالة النصب ويحذفونه في حالة الرفع، فوجب أن يكون المُعتل كذلك"1.
__________
1 الكتاب: ص533.
(1/113)
واختار رأي سيبويه واعترض على ما قاله
المبرد والمازني بقوله: "ويمكن أن يجاب عن دليل المبرد بأنا لا نسلم أن
من كان رأيه غير رأي المبرد أمالها وكتبها بالياء، بل أمالها وكتبها
بالياء من كان رأيه رأي المبرد، فلم قلتم إنه ليس كذلك. وعن دليل
المازني بأنا لا نسلّم أن الفتحة المقتضية لقلب التنوين ألفًا موجودة
قبل التنوين في الأحوال الثلاث؛ لأنّ الفتحة المقتضية له هي الفتحة
المقدرة لا الملفوظة العارضة ولهذا لا اعتبار للحركة والسكون العارضين،
بل للحركة والسكون الأصليين، كما مرَّ في باب التقاء الساكنين"1.
5- وزن "إنسان":
ذكر ركن الدين خلافًا حول وزن لفظة "إنسان"؛ فبعضهم يرى أن وزنه
"فِعْلان"، والبعض الآخر يرى أن الوزن "إفْعان" يذكر ركن الدين هذين
المذهبين ثم يختار المذهب الأول ويرى أنه الصواب, يقول: "اختلف في
إنسان؛ فقال بعضهم: إنه فِعْلان، من الأنس".
وقال بعضهم: إفعان -من نَسِي- لمجيء تصغير إنسان على أُنَيْسِيَان.
والتصغير يردُّ الأشياء إلى أصولها؛ فأصل إنسان أنيسان، فحذفت الياء
على غير قياس، فبقي إنسان على وزن "إفعان".
والأول هو الصواب؛ لأن الإنسان موافق لأنس وأنيس في اللفظ والمعنى،
فيكون الألف والنون زائدتين، والإنسان ليس بموافق لِنَسِيَ
__________
1 الكتاب: ص534.
(1/114)
لا في اللفظ ولا في المعنى"1.
والرأي الأول اختاره الجوهري في صحاحه، وذكر أن أصحاب الرأي الثاني
استدلوا على مذهبهم بقول ابن عباس -رضي الله عنه- سُمي إنسانًا؛ لأنه
عُهِدَ إليه فنسِيَ2.
6- وزن "هَمَّرِش":
ذكر ركن الدين خلافًا حول وزن "هَمَّرِش"، وأن اتجاهًا يرى أن الميم
المكررة زائدة والآخر يرى أن الميم منقلبة عن نون "هَنْمَرِش" يقول:
"اختلف في "همّرِش" على قولين: أحدهما: وهو قول الأكثرين: بتضعيف
العين؛ أي: تكرير الميم، فالميم الثانية زائدة.
والثانية وهو قول الأخفش: ليس بتضعيف عينه. بل أصله "هَنْمَرِش"؛ فقلبت
النون ميمًا، وأدغمت الميم في الميم، فلهذا توهم التضعيف وليس بتضعيف،
فوزنه: فَعْلَلِلٌ كجَحْمَرِش. ويؤكد عدم كونه مضعفا مجيء فعلل. ولعدم
مجيء فعلل. ولعدم مجيء فعلل لم يظهروا النون؛ لأنه حينئذ لا يحصل
الالتباس؛ لتعيين كونه فَعْلَلِلًا، فلو التبس وجب الإظهار؛ لئلا يلتبس
المثالان، كما فعل في غيره"3.
__________
1 الكتاب: ص597, 598.
2 ينظر: الصحاح: "أنس": 3/ 904.
3 الكتاب: ص620.
(1/115)
والأول هو رأي الخليل وسيبويه وجمهور
البصريين1 والثاني: هو رأي الأخفش، كما ذكر ركن الدين، ووافقه
الكوفيون2.
وينشأ عن خلافهما خلاف حول التصغير، فتصغير هَمَّرِش عند الخليل
وسيبويه "هُمَيْرِشٌ"، وعند الأخفش "هُنَيْمِرٌ".
7- اشتقاق لفظة "سُرِّيَّة":
قال ركن الدين: "واختلفوا في اشتقاق سُرِّيَّة؛ فقال بعضهم: إنها من
السرِّ الذي هو الجماع أو الذي يكتم؛ لأنها توافق معنى الجماع ومعنى
الذي يكتم، لأن الغالب في السرية الإسرار عن حرية وهي فُعْلِيَّةٌ
منسوبة إلى السر بمعنى الجماع والإخفاء، وإنما ضمت سينها؛ لأن الأبنية
قد تغير في النسب خاصة كما قالوا في النسبة إلى الدهر: دُهْرِيّ، وإلى
الأرض السهلة سُهَلِيّ. والجمع السراري فالياءان زائدتان. وقال بعضهم:
وزنها فُعْوُلَةٌ -سُرُّورة من السرِّ أيضا- أبدلوا من الراء الأخيرة
ياء للتضعيف ثم أدغموا.
وقال بعضهم: إنها من السراة، وهي الخيار؛ لأنه لا يجعل الأمة سُرّيَّة
إلا بعدما اختارها لنفسه، ولا يختارها لنفسه إلا إذا كانت سُرِّيَّة،
فوزنها عند هؤلاء فُعِّيلَة، فتكون الراء الواحدة زائدة، وكذا الياء
الواحدة. وكونها من السر أنسب من كونها من السراة؛ لقوة المعنى واللفظ.
أما قوة المعنى؛ فلما تقدم، وأما قوة اللفظ فلكثرة فُعْلِيَّة وعدم
فُعَّيلَة. وقال الأخفش: إنها مشتقة من السرور، يسر بها، فوزنها
فُعْلُولة إلا أنهم
__________
1 ينظر الكتاب: 4/ 330.
2 ينظر حاشية "3" من ص620 من الكتاب.
(1/116)
أبدلوا من الراء الأخيرة ياء لكثرة التضعيف
ثم قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء"1.
والرأي الأول: هو رأي الجوهري صرح به في صحاحه2، والرأي الأخير حكاه
الجوهري عن أبي الحسن الأخفش3. واختار ركن الدين رأي صاحب الصحاح.
8- اشتقاق لفظة "مَئُوَنة":
قال: واختلف في مئونة؛ فقال بعضهم إنها مشتقة من: مَانَ يَمُونَ، لفظا،
وهو ظاهر. ومعنى؛ لأن معنى: مَانَه: قام بمَئُونَتِهِ. ووزنها عندهم
فَعُولَة؛ قلبت الواو الأولى همزة.
وقال بعضهم: إنها مشتقة من الأَوْن -وهو الثقل- لاستلزام المَؤُونَةِ
الثِّقل، فوزنها عندهم مَفْعُلَة. وأصلها: مَأْوُنَة، فنقلت حركة الواو
إلى الهمزة على مقتضى القياس، فصار: مَئُونَة.
وقال الفراء: إنها مشتقة من الأَيْنِ -وهو التعب- بناء على أصله، وهو
أن الياء إذا وقعت عينا وكان ما قبلها مضموما قلبت الياء واوا ليسلم ضم
ما قبلها، ولم تبدل الضمة كسرة لتسلم كما هو مذهب سيبويه، فأصل "مئونة"
على مذهب الفراء: مَأْيُنَة، على وزن مَفْعُلَة، فنقلت حركة الياء إلى
الهمزة، ثم قلبت الياء واوا لضمة ما قبلها فصار: مَأْوُنَة.
__________
1 ص601 من الكتاب.
2 ينظر "سرر": 2/ 682.
3 ينظر المصدر السابق.
(1/117)
والأول هو الوجه، لدلالة مَئُونَة على
مدلول: مان يمون، مباشرة، وعدم دلالتها على الثقل والتعب، لا مباشرة
ولا لزوما، بل اتفاقا؛ لأنه يمونه من غير ثقل ولا تعب في بعض الصور.
ولئن سلمنا دلالتها على الثقل والتعب لزوما، لكن لا نسلم دلالتها
عليهما مباشرة1.
وبعد أن استعرض هذه المذاهب في المسألة المذكورة واختار الوجه الأول،
عاد إلى مذهب الفراء ومن تابعه من الكوفيين قائلا: "وأما مذهب الفراء
فأبعد المذاهب؛ لأنه إذا وقعت ياء قبلها ضمة كان الأولى، بل الواجب، أن
تبدل الضمة كسرة لتسليم الياء، كما في "أدل" جمع "دلو"2.
9- خلافهم حول وزن "أوّل":
استعرض ركن الدين مذاهب النحاة؛ فبدأ بمذهب جمهور البصريين، ثم ثنى
بمذهب لبعض البصريين، ثم بقول آخر لبعضهم واختار المذهب الأول وعلل له،
وفي نهاية المسألة ذكر رأي الكوفيين وأبطله، واستدل على بطلانه. ولنترك
الحديث لركن الدين ليحدثنا عن هذه الأقوال والمذاهب: قال: "وكان وزن
"أَوَّل" أَفْعَل، لمجيء مؤنثه على الأُولى وجمع مؤنثه على الأُوَل،
وظاهر أنهما الفُعلَى والفُعَل، فيكون أَوَّل أَفْعَل، والصحيح أنه من
"وول"؛ أي:
__________
1 الكتاب: 602, 603.
2 ينظر ص603.
(1/118)
حروفه الأصول واو وواو ولام؛ فأصله على
هذا: أوول؛ فأدغمت الواو في الواو فصار أول. وقال بعضهم: إنه من "وأل"؛
أي: حروفه الأصلية: واو وهمزة ولام. فأصله على هذا: "أو أل"؛ فقلبت
الهمزة واوا وأدغمت الواو في الواو, والتزم ذلك لكثرته واستثقال الهمزة
بعد الواو وقال بعضهم: من "أول"، أي: حروفه الأصول: همزة وواو ولام.
فأصله على هذا: ""أأول"؛ قلبت الهمزة واوا وأدغمت الواو في الواو.
والصحيح الأول: لمخالفة غيره القياس. وقال بعضهم: ليس أول على وزن
أَفْعَل، بل على وزن فَوْعَل -من أول- فزيدت عليه واو فَوْعَل، وأدغمت
في الواو التي هي عين، فصار أول. ويدل على بطلانه مجيء الأول؛ فإنه لا
يجيء من "فَوْعل" مثل ذلك"1.
10- الزائد في التضعيف: الثاني أم الأول؟:
ذكر ركن الدين ثلاثة آراء بشأن هذه المسألة؛ الأول رأي الجمهور،
والثاني رأي الخليل، والثالث رأي سيبويه، واختار رأي الأكثرين، يقول:
"اعلم أنهم اختلفوا في الزائد في التضعيف نحو كرَّم؛ فقال الأكثرون: هو
الثاني، وقال الخليل: هو الأول وجوز سيبويه الأمرين.
والصحيح أن يكون الزائد هو الثاني؛ لأنا نعلم بأن الدال في "قَرْدَد"
إنما جعلت بإزاء الراء في "جَعْفَر" والدال التي بإزاء راء
__________
1 الكتاب: ص 588, 589.
(1/119)
"جَعْفَر" هي الثانية: وإذا كان في
"قَرْدَد" كذلك كان الزائد هو الثاني في غير "قَرْدَد"، لأنه مثله"1.
11- الهاء في "هِجْرَع" زائد أم أصلية:
اختلف حول أصالة الهاء في "هِجرع"؛ فذهب الأخفش إلى أنها زائدة، وأن
الهجرع مشتق من الجَرع، وذهب ركن الدين إلى أن الهاء أصلية غير زائدة،
وأن وزن هجرع: فعلل2.
وركن الدين ههنا يذهب إلى ما ذهب إليه جمهور النحاة واللغويين3،
ويستبعد مذهب الأخفش ومن وافقه كعبد القاهر الجرجاني في كتابه
"المفتاح"4.
12- أصل "استطاع":
ذكر ركن الدين خلافا بين سيبويه والفراء، فذكر أن أصل "اسطاع" عند
سيبويه: "أطاع" زيدت السين تعويضا عما فات الفعل من التصحيح فصار
"اسطاع" ولا اعتداد بالسين عنده؛ لأنها زائدة عنده5.
__________
1 الكتاب: ص621. وقد وثقنا هذه المذاهب في حواشي الصفحة المذكورة.
2 ينظر ص637 من الكتاب.
3 ينظر الكتاب: 4/ 289، والصحاح "هجرع": 3/ 1306، واللسان "هجرع": 6/
4621، والقاموس "هجرع": 3/ 89، والمقتضب: 1/ 66، 256، 2/ 108، و3/ 338،
وإصلاح المنطق: 222، وتهذيبه: 1/ 513.
4 ص89.
5 ينظر ص631. وينظر كتاب سيبويه: 4/ 285.
(1/120)
وذكر أن أصلها عند الفراء: "استطاع" حذفت
التاء للتخفيف، فبقي "اسطاع" -بكسر الهمزة- على القياس، ثم فتحت الهمزة
على غير القياس1.
وبعد أن يذكر ركن الدين رأي سيبويه والفراء، يقول: "وقول سيبويه أشذ
وأقيس؛ لأنه لم يرتكب شذوذا"2.
13- تثنية اللَّذَيَّا واللتيا:
ذكر ههنا خلافا بين سيبويه والأخفش، وهذا الخلاف بمثابة خلاف بين
البصريين، ويعبر عنهم مذهب سيبويه، وبين نظرائهم الكوفيين منضما إليهم
أبو الحسن الأخفش من البصريين, قال ركن الدين: "وقالوا في تثنيتهما:
اللَّذَيَّانِ واللَّتَيَّانِ، في الرفع واللَّذَيِّين واللَّتَيِّين
في النصب والجر. واختلف سيبويه والأخفش في ذلك؛ فسيبويه لا يقدر المزيد
في تصغير مفرديهما، وهو ألف اللَّذَيَّا واللَّتَيَّا، والأخفش يقّدره
ويحذفه لالتقاء الساكنين.
ولا يظهر أثر الخلاف بينهما في التثنية، بل في الجمع؛ فتقول على مذهب
سيبويه في جمع اللَّذَيَّا: اللَّذَيُّون في الرفع، بفتح الذال وضم
الياء وتشديدها، واللَّذِيِّين بكسر الذال والياء، في النصب والجر.
وتقول على مذهب الأخفش: اللَّذَيٌّون، في الرفع، واللَّذَيِّين
__________
1 ينظر ص631.
2 الكتاب: ص632.
(1/121)
في النصب والجر، بفتح الياء فيهما، فلفظة
التثنية والجمع متساوية على مذهبه"1.
14- خلافهم حول كتابة الألف الثلاثية في الاسم المنون:
قال ركن الدين: "وعلى تقرير كتابة الألف الثلاثية بالياء، فإن كان
الاسم الذي فيه الألف منونا فالمختار عندنا أنه يكتب أيضا بالياء، وهو
قياس المبرد. وقياس المازني أن تكتب بالألف في الأحوال كلها؛ أي: في
النصب والجر والرفع؛ لأنها ألف التنوين في الأحوال الثلاث عنده. وقياس
سيبويه أن يكتب المنصوب بالألف وأن يكتب ما سواه، أعني: المرفوع
والمجرور، بالياء؛ لأن الألف الموجودة في النصب ألف التنوين عنده،
بخلاف الألف الموجودة في الرفع والجر. وقد تقدم في باب الوقف ما يرشد
إلى ذلك"2.
وبعد هذا العرض لمسائل الخلاف عند ركن الدين، وبعد أن وضح من خلاله
منهجه في عرض المذاهب المتعددة في المسألة الواحدة ومناقشته لها
واختيار أصحها، أود أن أشير إلى نقطة مهمة، وهي أن الطابع البصري كان
واضحا عند عالمنا الكبير في كل مسألة صرفية يعالجها كما كان واضحا أيضا
في معالجته مسائله النحوية، كما أثبتنا من قبل، عند الحديث عن مذهبه
النحوي3.
__________
1 الكتاب: ص365, 366.
2 الكتاب: ص1036. وينظر توثيق المذاهب المذكورة في حواش هذه الصفحة.
3 ينظر كتابنا: ركن الدين الأستراباذي وجهوده النحوية والتصريفية،
ص148, 190.
(1/122)
ثانيا: اللهجات
العربية الواردة في الكتاب
1- قلب الكسرة والياء ألفا في كل ياء مفتوحة فتحة بناء وقبلها كسرة
لهجة طيئ:
تحدث ركن الدين عن هذه اللهجة، فقال: "وطيئ يقلبون الكسرة فتحة ويقلبون
الياء ألفا في كل ياء مفتوحة بناء وقبلها كسرة، فيقولون في بقِي يبقى:
بقَى يبقَى, وفي فَنِي يفنَى: فنىَ يفنَى وفي دُعِي وبُنِي: دُعَى
وبُنَى قياسا؛ طلبا للتخفيف؛ لأن الفتحة والألف أخف من الكسرة
والياء"1.
وركن الدين بعد أن يذكر هذه اللهجة يأتي لها بما يؤيدها من كلامهم،
فيقول2: "ومنه قول الشاعر على لغتهم:
نستوقد النَّيل بالحضيض ونصـ ... طاد نفوسا بُنَتْ على الكَرم3
وهذا الشاهد الذي أتى به لرجل من بني بَوْلان4.
وبنو بولان حي في طيء، وفيه جاء: "بُنَتْ"، من الفعل "بُنِيَ" المبني
للمفعول من "بَنى" متصلة به تاء التأنيث، وحذف الألف. وعلى لغة غيرهم:
"بُنِيَتْ"، كما هو القياس.
2- لهجة هُذَيل في الثلاثي المعتل العين إذا جُمع جمعَ مؤنث سالما:
__________
1 الكتاب: ص281.
2 المصدر السابق.
3 ينظر المصدر السابق.
4 ينظر السابق.
(1/123)
إذا جمع باب "فَعلة" -بفتح الفاء وسكون
العين- جمع التصحيح يجمع على "فَعَلات" إن كان اسما صحيحا، نحو تَمْرَة
وتَمرات؛ فرقا بين الاسم والصفة. ويجوز إسكان العين للضرورة.
أما إذا كان الاسم معتل العين جمع على فَعْلات بسكون العين، نحو
بَيْضَة وبَيْضَات، وجَوْزَة وجَوْزات؛ لاستثقال الحركة على الواو
والياء إن لم يقلبوهما ألفا، وحصول التغيرات قلبوهما ألفا.
هذه هي اللغة المشهورة، ولكننا نجد هذيلا تسوي بين الصحيح والمعتل
ههنا، فتحرك العين في المعتل كما تحركها في الصحيح، نقول في جمع بَيْضة
وجَوْزة: بَيَضات وجَوَزات، استمع إلى ركن الدين وهو يحدثنا عن هذه
اللهجة فيقول: "وهذيل تسوي بين الصحيح والمعتل العين فتقول في جمع
بَيْضة وجَوْزة: بَيَضات وجَوَزات بفتح الباء والواو، ولم يلتفت إلى
حركتهما لعروضهما"1.
وقد أشار سيبويه في كتابه إلى هذه اللغة2.
3- تسكين العين في نحو حُجْرات وكِسْرات لهجة تميم:
إذا جمع "فُعْلَة" -بضم الفاء وسكون العين- جمع التصحيح وكان صحيح
العين جمع على "فُعَلات" -بفتح العين- على الأصل
__________
1 الكتاب: ص432.
2 ينظر كتاب سبيويه: 3/ 600.
وعلى هذه اللغة ورد قوله تعالى في "ثَلَاثُ عَوَرَاتٍ لَكُمْ" [سورة
النور الآية: 58] في قراءة ابن أبي إسحاق. "ينظر مختصر ابن خالويه
103".
(1/124)
وضم العين اتباعا، نحو: "حَجَُرات" -بفتح
الجيم وضمها- في جمع: "حُجْرة".
ولكن بني تميم يسكنون العهين فيقولون: "حُجْرات"، قال ركن الدين: "وقد
يسكن في لغة بني تميم العين في جمع "فِعْلة" -بكسر الفاء وسكون العين-
وفي جمع فُعْلة -بضم الفاء وسكون العين- فيقال في جمع كِسْرة وحُجْرة:
كِسْرات وحُجْرات بسكون العين والجيم"1.
4- لهجات العرب في نطق الأمر المدغم للواحد والمضارع المجزوم بالسكون:
قال ركن الدين: "ونحو "رُدَّ" و"لم يَرُدَّ" في لغة تميم؛ لأن أصل
"رُدَّ": ارْدُدْ، وأصل "لم يَرُدَّ": لم يَرْدُدْ؛ فثقلت حركة الدال
الأولى إلى ما قبلها للإدغام لاجتماع المثلين، فاجتمع ساكنان وهما:
الدال الأولى المسكنة للإدغام والدال المسكنة للأمر أو النهي، فحركت
الثانية لالتقاء الساكنين وأدغمت الأولى في الثانية"2.
وعلق على قول ابن الحاجب: "في تميم" بقوله: "وإنما قال: "في تميم؛ لأن
أهل الحجاز يقولون: "ارْدُدْ"، و"لم يَرْدُدْ" على الأصل من غير تسكين
الدال الأولى للإدغام؛ لأن من شرط الإدغام تحرك الحرف الثاني؛ لتلا
يلزم التقاء الساكنين، وكان بني تميم لا يلتفتون إلى سكون الثانية؛
لكونه عارضا"3.
__________
1 الكتاب: ص435.
2 السابق: ص498.
3 السابق.
(1/125)
وقال في موضع آخر: "يجوز في مثل "رُدَّ"،
و"لم يَرُدَّ": الضم للاتباع، والفتح لكونه أخف، والكسر على الأصل"1.
وقال في موضع آخر: "وأما كسر الدال نحو "رُدَّه" فلغة قليلة سمعها
الأخفش من بني عقيل؛ لأن الواو تنقلب ياء لكسرة الهاء ولا يستكره
اجتماع الياء مع الكسرتين، لكون الهاء خفيفة"2.
وركن الدين في هذه المواضع يشير إلى اللهجات العربية في الأمر المضعف
للواحد وكذلك المضارع المجزوم بالسكون المضعف، وهذه اللهجات هي:
- لهجات بني أسد وغيرهعم من بني تميم بفتح الدال. وهذه اللغة حكاها
سيبويه في كتابه3 ونقلها عنه الزمخشري في مفصله4.
- لهجة كعب وغني ونمير كسر الدال، فيقولون: "رد"، و"لم يرد"5.
- لهجة حكاها الأخفش عن بني عقيل: وهي التي تكسر الدال لكسرة الهاء
__________
1 الكتاب: ص505.
2 السابق: ص508.
3 3/ 533.
4 354.
5 وهذه اللهجة ذكرها سيبويه في كتابه: 3/ 534. وينظر شرح الشافية
للرضي: 2/ 243.
(1/126)
بعدها، فيقولون: "رَدِّهِ"1.
- لهجة الحجازيين الإظهار: "ارْدُدْ"، و"لم يَرْدُدْ".
وقد أكدت المصادر أن هناك قبائل عربية عرفت بالإدغام وهي: تميم وطيئ
وأسد وبكر بن وائل وتغلب وعبد القيس، وهي القبائل التي تسكن وسط
الجزيرة وشرقها، وهناك قبائل عربية أخرى تؤثر الإظهار وهي: قريش وثقيف
والأنصار وهذيل2.
وقد جاء القرآن الكريم غالبا بلهجة الحجازيين بالنسبة لهذه الظاهرة،
يقول الله تبارك وتعالى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} 3.
ويقول: {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} 4، ويقول
أيضا، {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} 5. ويقول أيضا: {وَلا تَمْنُنْ
تَسْتَكْثِرُ} 6.
وقد ورد في القرآن بلهجة تميم ومن على شاكلتهم، قال تعالى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} 7.
ومثله {مَنْ يُشَاقِّ} 8
__________
1 ينظر في هذه اللهجة: المفصل: 354، وشرح الأشموني: 3/ 897.
2 ينظر الخصائص: 3/ 92، وابن عقيل: 2/ 611, 912.
3 سورة "آل عمران": من الآية "120".
4 سورة "طه": من الآية "81".
5 سورة "لقمان": من الآية "19".
6 سورة "المدثر": من الآية "6".
7 سورة "المائدة": من الآية "54".
8 سورة "الحشر": من الآية "4".
(1/127)
وعلى هذا يمكننا أن نقول: إن اللغة الأدبية
اعترفت بشقي الظاهرة، أما القرآن الكريم فقد فضل الحجازية وإن اعترف
بالتميمية كذلك.
والسر في التزام الحجازيين فك الإدغام أنه يترتب على الجزم عادة نقل
النبر من موضعه إلى المقطع الذي قبله؛ لأن النبر يختصر أواخر الكلمات
على حد تعبير الدكتور إبراهيم أنيس رحمه الله1.
والقبائل التي تؤثر الإدغام في المضارع المجزوم والأمر المضعف للواحد
في نحو "لم يَرُدَّ"، و"رُدَّ" ليست على نمط واحد في هذه اللهجة، بل
انقسموا إلى لهجات أخرى من حيث ضبط الحرف الأخير، فبنو أسد وغيرهم من
بني تميم يؤثرون الإدغام مع التحريك بالفتح على كل حال؛ فهم يقولون:
حجَّ, و"إن تَحُجَّ، أحُجَّ". ولغة بني أسد2 كلغة أهل نجد إلا أن يقع
بعد الفعل حرف ساكن؛ فإنهم أجازوا الكسر في نحو: "غُضِّ الطرف". وكعب
ونمير وغني3 يدغمون مع الكسر في كل حال، فيقولون: رِدِّ وغُضِّ وفِرِّ
وإن تردِّ أرُدِّ.
5- حذف الواو والياء اللتين هما ضميران لغة لبعض قيس وأسد:
__________
1 ينظر: في اللهجات العربية، ص150.
2 ينظر شرح ابن عقيل: 2/ 612.
3 ينظر التصريح: 2/ 406.
(1/128)
قال ركن الدين: "ونحو: "الزيدون صنعُ" قليل
قبيح؛ لأن الواو والياء فيما ذكرناه اسم مستقل وحذفه محال، بخلاف الواو
والياء في نحو: زيد يغزو، وزيد يرمي وجاءني القاضي؛ لأنها جزء كلمة في
الآخر فإذا حذفت في الآخر كانت بقية الكلام دالة عليها فلذلك استقبح
قوله:
لا يبعد الله أقواما تركتهم ... لم أدرِ بعد غداة البين ما صنعُ1
أي: ما صنعوا. وقوله:
يَا دَارَ عَبْلَةَ بِالْجِوَاءِ تكلَّمِ ...
.............................2
يريد: تكلمي.
وهذه اللغة التي ذكرها ركن الدين ونص على أنها قليلة قبيحة هي لغة لبعض
قيس وبني أسد، كما ذكر الرضي في شرح الشافية3.
6- إبدال الميم من لام التعريف لغة طائية:
قال ركن الدين في مواضع إبدال الميم4: وإبدالها من لام التعريف ضعيف،
وهي لغة طائية، كقوله عليه السلام: "لَيْسَ مِنْ أمْبِرِّ أمصيامِ فِي
أمْسفَر" 5.
__________
1 البيت لتميم بن أبي بن مقبل. ينظر تخريجه في حاشية "2"، ص552.
2 البيبت لعنترة وهو في ديوانه برواية "تكلمي" ينظر تخريجه في حاشية
"4" ص552.
3 ينظر: 2/ 305.
4 الكتاب: ص866.
5 ينظر ص866.
(1/129)
وبعد أن ذكر هذه اللغة عاد وذكر أن هذه
الميم التي جاءت على هذه اللغة قد لا تكون بدلا من اللام لجواز أن تكون
مرادفة لها ويكون التعريف بالاستقلال لا لكونها بدلا من اللام1.
7- إبدال الهاء من الهمزة لهجة طائية:
تحدث ركن الدين عن هذه اللهجة وهو بصدد الحديث عن مواضع إبدال الهاء من
الهمزة، فقال: "وهو في "هن فعلت"، لغة طائية"2.
8- أهل اليمن ينطقون الجيم كافا:
نص على ذلك ركن الدين، حكاية عن ابن دريد قال: "الكاف التي كالجيم، قال
ابن دريد: هي لغة أهل اليمن، يقولون في جمل: "كمل"، وهي كثيرة في عوام
أهل بغداد، فإنهم يقولون في جَمَل: كَمَل، وفي رَجُل: رَكُل وهي مردودة
رديئة"3.
9- قلب ألف التأنيث ياء في الوقف لهجة بعض فزارة، وقلبها واوا لهجة بعض
طيئ:
نص على ذلك ركن الدين، حيث قال: "اعلم أن ناسا من فزارة يقلبون ألف
التأنيث ياء في الوقف، فيقولون: "حُبْلَيْ" بالياء وأن بعض طيئ يقلب
ألف التأنيث واوا، فيقول: "حُبْلَوْ" ومنهم من يسوي
__________
1 ينظر الكتاب، ص866.
2 ينظر الكتاب: 873، وهذه اللهجة ذكرها ابن عصفور في الممتع: 1/ 397،
والرضى في شرح الشافية: 3/ 224.
3 الكتاب: 922.
(1/130)
في القلب بين الوقف والوصل فيقول فيهما:
"حُبْلَوْ وحُبْلَيْ"1.
وهذه اللغة ذكرها الرضي في شرح الشافية2.
10- قيس يقربون الصاد من الزاي في النطق:
تحدث ركن الدين عن هذه اللغة، وذكر أنها لغة لقيس وأنهم يقربون الصاد
في نطقهم من الزاي في مثل: يصدر، ويصدق، ثم قال3: "وقرئ على لغتهم في
المشهور: "حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ"4 و"الصِّرَاطَ"5. وذكر الشيخ
محمد الدمياطي الشهير بالبناء أنها لغة أسد6.
11- اللهجات العربي في الوقف على المنون:
تحدث ركن الدين عن الوقف على المنون فذكر ثلاث لهجات: الأولى: قلب
التنوين حرف مد من جنس حركة ما قبله، والثانية: حذف التنوين في الأحوال
الإعرابية الثلاثة. والثالثة إبدال الألف من التنوين في المنصوب
المنون، وعدم الإبدال في المرفوع والمجرور يقول: "اعلم أن في المنون في
الوقف ثلاث لغات: إحداها: أن يقلب التنوين حرف مد من جنس حركة ما قبله،
فتقول: جاءني زيدو،
__________
1 الكتاب: 535.
2 ينظر: 2/ 286.
3 الكتاب: 919.
4 القصص: من الآية "23". وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف، ووافقهم رويس،
ينظر النشر: 2/ 250، 341.
5 سورة "الفاتحة" من الآية "6"، وكذلك: طه "135"، والصافات: "128". وهي
قراءة خلف عن حمزة، ووافقه المطوعي، كما ذكرنا في تخريجها في ص919.
6- ينظر الإتحاف: 123.
(1/131)
ورأيت زيدا، ومررت بزيدي.
والثانية: أن يحذف التنوين في الأحوال الثلاثة كلها، ويوقف عليها كما
يوقف على غير المنون فتقول: جاءني زيد ورأيت زيد، مرت بزيد، وليست
هاتان اللغتان فصيحتين. والثالثة: أن تبدل الألف من التنوين في المنصوب
المنون، ولا يبدل في المرفوع والمجرور الواو والياء من التنوين، لثقل
الضمة والكسرة مع الواو والياء، وخفة الفتحة مع الألف، وهذه اللغة هي
الفصيحة"1.
واللغة الأولى التي ذكرها ركن الدين ذكر أبو الخطاب أنها لغة أزد
السَّراة2. واللغة الثانية حكاها أبو الحسن الأخفش عن بعض العرب3، وذكر
الأشموني أن ابن مالك نسبها إلى ربيعة4.
واللغة الثالثة، وهي المشهورة، ذكرها سيبويه في كتابه5.
12- بعض العرب يقف على الهاء في المؤنث بالتاء:
ذكر ذلك ركن الدين وهو بصدد الحديث عن الوقف على تاء التأنيث في نحو
رحمة، وشجرة، ونعمة وغيرها من الكلمات المؤنثة بالتاء، وذكر أن الوقف
على مثل هذه الكلمات بالهاء على اللغة
__________
1 الكتاب: ص 529, 530.
2 ينظر كتاب سيبويه: 4/ 166, 167.
3 ذكر ذلك الأستاذ عبد السلام هارون في حاشية "2" في كتاب سيبويه: 4/
168.
4 ينظر شرح الأشموني: 3/ 747.
5 ينظر: 4/ 166, 167.
(1/132)
المشهورة، وفي المقابل ذكر أن بعض العرب
يقف عليها بالتاء في مثله، يقول1: "وإنما قلنا: عند الأكثر"، لأن بعض
العرب لا يقلبها هاء في الوقف، بل يقف عليها تاء، فيقول: رحمت وظلمت.
وقد قرئ به في القرآن بالهاء والتاء جميعا، ومنه قول الشاعر:
دارا لسلمى بعد حول قد عفت ... بل جَوْزَ تَيْهاءَ كظهرِ الحَجْفَتْ2
وهذه اللغة حكاها أبو الخطاب عن ناس من العرب3، ولها ما يؤيدها من
الشواهد، كقول الراجز:
الله نجاك بكفَّيْ مَسْلَمَتْ
من بعد ما وَبَعْدِ مَا وَبَعْدِ مَتْ
صَارَتْ نُفُوسُ الْقَوْمِ عند الغَلْصَمَتْ
وكادت الحُرَّةُ أن تُدْعَى أمَتْ4
وعلى هذه اللغة جاءت كلمات وقف عليها بالتاء عند نافع وابن عامر وعاصم
وحمزة، وقد ذكرنا هذه الكلمات جميعا في موضعها من الكتاب5.
__________
1 الكتاب: ص536.
2 ينظر تخريج الشاهد في ص537, 538 من هذا الكتاب.
3 ينظر كتاب سيبويه: 4/ 167.
4 ينظر ص536, 537.
5 وذلك في ص537.
(1/133)
13- وَجَدَ يَجُدُ لغة عامرية:
تحدث ركن الدين عن هذه اللهجة، فقال: "وأما: وجد يجُد -بضم العين في
المضارع فضعيف، لا اعتداد به، لخروجه عن القياس واستعمال الفصحاء"1.
وهذه لغة عامرية لا نظير لها في المثال، ذكرها ابن منظور في اللسان2.
__________
1 الكتاب: ص274.
2 ينظر: "وجد": 6/ 4770. وينظر كذلك: شرح الشافية للرضي: 1/ 132.
(1/134)
|