شرح قطر الندى وبل الصدى

الْفِعْل الْمُضَارع أقسامه وعلامات إعرابه
وَهِي كل فعل مضارع اتَّصَلت بِهِ ألف الِاثْنَيْنِ نَحْو يقومان للغابين وتقومان للحاضرين أَو وَاو الْجمع نَحْو يقومُونَ للغائبين وتقومون للحاضرين أَو يَاء المخاطبة نَحْو تقومين وَحكم هَذِه الْأَمْثِلَة الْخَمْسَة أَنَّهَا ترفع بِثُبُوت النُّون نِيَابَة عَن الضمة وتجزم وتنصب بحذفها نِيَابَة عَن السّكُون والفتحة تَقول أَنْتُم تقومون وَلم تقوموا وَلنْ تقوموا رفعت الأولى لخلوه من الناصب والجازم وَجعلت عَلامَة رَفعه النُّون وجزمت الثَّانِي بلم ونصبت الثَّالِث بلن وَجعلت عَلامَة النصب والجزم النُّون قَالَ الله تَعَالَى فَإِن لم تَفعلُوا وَلنْ تَفعلُوا الأول جازم ومجزوم وَالثَّانِي ناصب ومنصوب وعلامة الْجَزْم وَالنّصب الْحَذف ص وَالْفِعْل الْمُضَارع المتعل الآخر فيجزم بِحَذْف آخِره نَحْو لم يغز وَلم يخْش وَلم يرم ش هَذَا الْبَاب السَّابِع مِمَّا يخرج عَن الأَصْل وَهُوَ الْفِعْل الْمُضَارع المعتل الآخر نَحْو يَغْزُو ويخشى وَيَرْمِي فَإِنَّهُ يجْزم بِحَذْف آخِره فينوب حذف الْحَرْف عَن حذف الْحَرَكَة تَقول لم يغز وَلم يخْش وَلم يرم ص فصل تقدر جَمِيع الحركات فِي نَحْو غلامي والفتى وَيُسمى الثَّانِي مَقْصُورا والضمة والكسرة فِي نَحْو القَاضِي وَيُسمى منقوصا والضمة والفتحة فِي نَحْو يخْشَى والضمة فِي نَحْو يَدْعُو وَيَقْضِي وَتظهر الفتحة فِي نَحْو إِن القَاضِي لن يقْضِي وَلنْ يَدْعُو ش عَلامَة الْإِعْرَاب على ضَرْبَيْنِ ظَاهِرَة وَهِي الأَصْل وَقد تقدّمت أمثلتها ومقدرة وَهَذَا الْفَصْل مَعْقُود لذكرها

(1/55)


فَالَّذِي يقدر الْإِعْرَاب خَمْسَة أَنْوَاع أَحدهَا مَا يقدر فِيهِ حركات الْإِعْرَاب جَمِيعهَا لَكِن الْحَرْف الآخر مِنْهُ لَا يقبل الْحَرَكَة لذاته وَذَلِكَ الِاسْم الْمَقْصُور وَهُوَ الَّذِي آخِره ألف لَازِمَة نَحْو الْفَتى تَقول جَاءَ الْفَتى وَرَأَيْت الْفَتى ومررت بالفتى فتقدر فِي الأول ضمة وَفِي الثَّانِي فَتْحة وَفِي الثَّالِث كسرة وَمُوجب هَذَا التَّقْدِير أَن ذَات الْألف لَا تقبل الْحَرَكَة لذاتها الثَّانِي مَا يقدر فِيهِ حركات الْإِعْرَاب جَمِيعهَا لَا لكَون الْحَرْف الآخر مِنْهُ لَا يقبل الْحَرَكَة لذاته بل لاجل مَا اتَّصل بِهِ وَهُوَ الِاسْم الْمُضَاف إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم نَحْو غلامي وَأخي وَأبي وَذَلِكَ لِأَن يَاء الْمُتَكَلّم تستدعي انكسار مَا قبلهَا لأجل الْمُنَاسبَة فاشتغال آخر الِاسْم الَّذِي قبلهَا بكسرة الْمُنَاسبَة منع من ظُهُور حركات الاعراب فِيهِ الثَّالِث مَا يقدر فِيهِ الضمة والكسرة فَقَط للاستثقال وَهُوَ الِاسْم المنقوص ونعني بِهِ الِاسْم الَّذِي آخِره يَاء مكسور مَا قبلهَا كَالْقَاضِي والداعي الرَّابِع مَا تقدر فِيهِ الضمة والفتحة للتعذر وَهُوَ الْفِعْل المعتل بِالْألف نَحْو يخْشَى تَقول يخْشَى زيد وَلنْ يخْشَى عَمْرو فتقدر فِي الأول الضمة وَفِي الثَّانِي الفتحة لتعذر ظُهُور الحركات على الْألف الْخَامِس مَا تقدر فِيهِ الضمة فَقَط وَهُوَ الْفِعْل المعتل بِالْوَاو نَحْو زيد يَدْعُو وبالياء نَحْو زيد يَرْمِي وَتظهر الفتحة لخفتها على الْيَاء فِي الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال وعَلى الْوَاو فِي الْأَفْعَال كَقَوْلِك إِن القَاضِي لن يقْضِي وَلنْ يَدْعُو قَالَ الله تَعَالَى أجِيبُوا دَاعِي الله

(1/56)


لن يُؤْتِيهم الله خيرا لن نَدْعُو من دونه إِلَهًا
رفع الْفِعْل الْمُضَارع
ص فصل يرفع الْمُضَارع خَالِيا من ناصب وجازم نَحْو يقوم زيد ش أجمع النحويون على أَن الْفِعْل الْمُضَارع إِذا تجرد من الناصب والجازم كَانَ مَرْفُوعا كَقَوْلِك يقوم زيد وَيقْعد عَمْرو وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي تَحْقِيق الرافع لَهُ مَا هُوَ فَقَالَ الْفراء وَأَصْحَابه رافعه نفس تجرده من الناصب والجازم وَقَالَ الْكسَائي حُرُوف المضارعة وَقَالَ ثَعْلَب مضارعته للاسم وَقَالَ البصريون حُلُوله مَحل الِاسْم قَالُوا وَلِهَذَا إِذا دخل عَلَيْهِ نَحْو أَن وَلنْ وَلم وَلما امْتنع رَفعه لَان الِاسْم لَا يَقع بعْدهَا فَلَيْسَ حِينَئِذٍ حَالا مَحل الِاسْم وَأَصَح الْأَقْوَال الأول وَهُوَ الَّذِي يجْرِي على أَلْسِنَة المعربين يَقُولُونَ مَرْفُوع لتجرده من الناصب والجازم وَيفْسد قَول الْكسَائي أَن جُزْء الشَّيْء لَا يعْمل فِيهِ وَقَول ثَعْلَب أَن المضارعة إِنَّمَا اقْتَضَت إعرابه من حَيْثُ الْجُمْلَة ثمَّ يحْتَاج كل نوع من أَنْوَاع الْإِعْرَاب إِلَى عَامل يَقْتَضِيهِ ثمَّ يلْزم على المذهبين أَن يكون الْمُضَارع مَرْفُوعا دَائِما وَلَا قَائِل بِهِ وَيرد قَول الْبَصرِيين ارتفاعه فِي نَحْو هلا يقوم لَان الِاسْم لَا يَقع بعد حُرُوف التحضيض ص
نواصب الْفِعْل الْمُضَارع
وَينصب بلن نَحْو لن نَبْرَح ش لما انْقَضى الْكَلَام على الْحَالة الَّتِي يرفع فِيهَا الْمُضَارع ثنى بالْكلَام على الْحَالة الَّتِي ينصب فِيهَا وَذَلِكَ إِذا دخل عَلَيْهِ حرف من حُرُوف أَرْبَعَة وَهِي

(1/57)


لن وكي وَإِذن وَأَن وَبَدَأَ بالْكلَام على لن لِأَنَّهَا مُلَازمَة للنصب بِخِلَاف الْبَوَاقِي وَختم بالْكلَام على أَن لطول الْكَلَام عَلَيْهَا وَلنْ حرف يُفِيد النَّفْي والاستقبال بالِاتِّفَاقِ وَلَا يَقْتَضِي تأبيدا خلافًا للزمخشري فِي أنموذجه وَلَا تَأْكِيدًا خلافًا لَهُ فِي كشافه بل قَوْلك لن أقوم مُحْتَمل لِأَن تُرِيدُ بذلك أَنَّك لَا تقوم أبدا وَأَنَّك لَا تقوم فِي بعض أزمنة الْمُسْتَقْبل وَهُوَ مُوَافق لِقَوْلِك لَا أقوم فِي عدم إِفَادَة التَّأْكِيد وَلَا تقع لن للدُّعَاء خلافًا لِابْنِ السراج وَلَا حجَّة لَهُ فِيمَا اسْتدلَّ بِهِ من قَوْله تعاى قَالَ رب بِمَا أَنْعَمت عَليّ فَلَنْ أكون ظهيرا للمجرمين مُدعيًا أَن مَعْنَاهُ فَاجْعَلْنِي لَا أكون لِإِمْكَان حملهَا على النَّفْي الْمَحْض وَيكون ذَلِك معاهدة مِنْهُ لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَلا يظاهر مجرما جَزَاء لتِلْك النِّعْمَة الَّتِي أنعم بهَا عَلَيْهِ وَلَا هِيَ مركبة من لَا أَن فحذفت الْهمزَة تَخْفِيفًا وَالْألف لالتقاء الساكنين خلافًا للخليل وَلَا أَصْلهَا لَا فأبدلت الْألف نونا خلافًا للفراء ص وبكي المصدرية نَحْو لكيلا تأسوا ش الناصب الثَّانِي كي وَإِنَّمَا تكون ناصبة إِذا كَانَت مَصْدَرِيَّة بِمَنْزِلَة أَن وَإِنَّمَا تكون كَذَلِك إِذا دخلت عَلَيْهَا اللَّام لفظا كَقَوْلِه تَعَالَى لكيلا تأسوا لكيلا يكون على الْمُؤمنِينَ حرج أَو تَقْديرا نَحْو جئْتُك كي تكرمني إِذا قدرت أَن الأَصْل لكَي وَأَنَّك حذفت اللَّام اسْتغْنَاء عَنْهَا بنيتها فَإِن تقدر اللَّام كَانَت كي حرف جر بِمَنْزِلَة اللَّام فِي الدّلَالَة على التَّعْلِيل وَكَانَت أَن مضمرة بعْدهَا إضمارا لَازِما ص وبإذن مصدرة وَهُوَ مُسْتَقْبل مُتَّصِل أَو مُنْفَصِل بقسم نَحْو إِذن أكرمك وَإِذن وَالله نرميهم بِحَرب

(1/58)


ش الناصب الثَّالِث إِذن وَهِي حرف جَوَاب وَجَزَاء عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَقَالَ الشلوبين هِيَ كَذَلِك فِي كل مَوضِع وَقَالَ الْفَارِسِي فِي الْأَكْثَر وَقد تتمحض للجواب بِدَلِيل أَنه يُقَال أحبك فَتَقول إِذا أَظُنك صَادِقا إِذْ لَا مجازاة بهَا هُنَا وَإِنَّمَا تكون ناصبة بِثَلَاثَة شُرُوط الأول أَن تكون وَاقعَة فِي صدر الْكَلَام فَلَو قلت زيد إِذن قلت أكْرمه بِالرَّفْع الثَّانِي أَن يكون الْفِعْل بَعْدَمَا مُسْتَقْبلا فَلَو حَدثَك شخص بِحَدِيث فَقلت إِذن تصدق رفعت لِأَن المُرَاد بِهِ الْحَال الثَّالِث أَن لَا يفصل بَينهمَا بفاصل غير الْقسم نَحْو إِذن أكرمك وَإِذن وَالله أكرمك وَقَالَ الشَّاعِر إِذن وَالله نرميهم بِحَرب تشيب الطِّفْل من قبل المشيب

(1/59)


وَلَو قلت إِذن يَا زيد قلت أكرمك بِالرَّفْع وَكَذَا إِذا قلت إِذن فِي الدَّار أكرمك وَإِذن يَوْم الْجُمُعَة أكرمك كل ذَلِك بِالرَّفْع ص وَبِأَن المصدرية ظَاهِرَة نخو أَن يغْفر لي مَا لم تسبق بِعلم نَحْو علم أَن سَيكون مِنْكُم مرضى فَإِن سبقت بِظَنّ فَوَجْهَانِ نَحْو وَحَسبُوا أَن لَا تكون فتْنَة ومضمرة جَوَازًا بعد عاطف مَسْبُوق باسم خَالص نَحْو وَلبس عباءة وتقر عَيْني وَبعد اللَّام نَحْو لتبين للنَّاس إِلَّا فِي نَحْو لِئَلَّا يعلم لِئَلَّا يكون للنَّاس فتظهر

(1/60)


لَا غير وَنَحْو وَمَا كَانَ الله ليعذبهم فتضمر لَا غير كإضمارها بعد حَتَّى إِذا كَانَ مُسْتَقْبلا نَحْو حَتَّى يرجع إِلَيْنَا مُوسَى وَبعد أَو الَّتِي بِمَعْنى إِلَى نَحْو أَو أدْرك المنى أَو الَّتِي بِمَعْنى إِلَّا نَحْو وَكنت إِذا غمرت قناة قوم كسرت كعوبها أَو تستقيما وَبعد فَاء السَّبَبِيَّة أَو وَاو الْمَعِيَّة مسبوقتين بِنَفْي مَحْض أَو طلب بِالْفِعْلِ نَحْو لَا يقْضى عَلَيْهِم فيموتوا وَيعلم الصابرين وَلَا تطغوا فِيهِ فَيحل وَلَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللَّبن ش الناصب الرَّابِع أَن وَهِي أم الْبَاب وَإِنَّمَا أخرت فِي الذّكر لما قدمْنَاهُ ولأصالتها فِي النصب عملت ظَاهِرَة ومضمرة بِخِلَاف بَقِيَّة النواصب فَلَا تعْمل إِلَّا ظَاهِرَة مِثَال إعمالها ظَاهِرَة قَوْله تَعَالَى وَالَّذِي أطمع أَن يغْفر لي خطيئتي يُرِيد الله أَن يُخَفف عَنْكُم وقيدت أَن بالمصدرية احْتِرَازًا من المفسرة والزائدة فَإِنَّهُمَا لَا ينصبان الْمُضَارع فالمفسرة هِيَ المسبوقة بجملة فِيهَا معنى القَوْل دون حُرُوفه نَحْو كتبت إِلَيْهِ أَن يفعل كَذَا إِذا أردْت بِهِ معنى أَي

(1/61)


والزائدة هِيَ الْوَاقِعَة بَين الْقسم وَلَو نَحْو أقسم بِاللَّه أَن لَو يأتيني زيد لأكرمنه واشترطت أَن لَا تسبق المصدرية بِعلم مُطلقًا وَلَا بِظَنّ فِي أحد الْوَجْهَيْنِ احْتِرَازًا عَن المخففة من الثَّقِيلَة وَالْحَاصِل أَن لِأَن المصدرية بِاعْتِبَار مَا قبلهَا ثَلَاث حالات إِحْدَاهَا أَن يتَقَدَّم عَلَيْهَا مَا يدل على الْعلم فَهَذِهِ مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة لَا غير وَيجب فِيمَا بعْدهَا أَمْرَانِ أَحدهمَا رَفعه وَالثَّانِي فَصله مِنْهَا بِحرف من حُرُوف أَرْبَعَة وَهِي حرف التَّنْفِيس وحرف النَّفْي وَقد وَلَو فَالْأول نَحْو علم أَن سَيكون وَالثَّانِي نَحْو أَفلا يرَوْنَ أَن لَا يرجع إِلَيْهِم قولا وَالثَّالِث نَحْو علمت أَن قد يقوم زيد وَالرَّابِع نَحْو أَن لَو يَشَاء الله لهدى النَّاس جَمِيعًا وَذَلِكَ لِأَن قبله أفلم ييأس الَّذين آمنُوا وَمَعْنَاهُ فِيمَا قَالَه الْمُفَسِّرُونَ أفلم يعلم وَهِي لُغَة النخع وهوازن قَالَ سحيم أَقُول لَهُم بِالشعبِ إِذْ يأسرونني ألم تيأسوا أَنِّي ابْن فَارس زَهْدَم

(1/62)


أَي ألم تعلمُوا وَيُؤَيِّدهُ قِرَاءَة ابْن عَبَّاس أفلم يتَبَيَّن وَعَن الْفراء إِنْكَار كَون ييأس بِمَعْنى يعلم وَهُوَ ضَعِيف الثَّانِيَة أَن يتَقَدَّم عَلَيْهَا ظن فَيجوز أَن تكون مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة فَيكون حكمهَا كَمَا ذكرنَا وَيجوز أَن تكون ناصبة وَهُوَ الْأَرْجَح فِي الْقيَاس وَالْأَكْثَر فِي كَلَام وَلِهَذَا أَجمعُوا على النصب فِي قَوْله تَعَالَى ألم أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا وَاخْتلفُوا فِي قَوْله تَعَالَى وَحَسبُوا أَن لَا تكون فتْنَة فقرئ بِالْوَجْهَيْنِ الثَّالِثَة أَن لَا يسبقها وَلَا ظن فَيتَعَيَّن كَونهَا ناصبة كَقَوْلِه تَعَالَى وَالَّذِي أطمع أَن يغْفر لي خطيئتي وَأما أَعمالهَا مضمرة فعلى ضَرْبَيْنِ لِأَن إضمارها إِمَّا جَائِز أَو وَاجِب فالجائز فِي مسَائِل إِحْدَاهَا أَن تقع بعد عاطف مَسْبُوق باسم خَالص من التَّقْدِير بِالْفِعْلِ كَقَوْلِه تَعَالَى وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إِلَّا وَحيا أَو من وَرَاء حجاب أَو يُرْسل رَسُولا فِي قِرَاءَة من قَرَأَ من السَّبْعَة بِنصب يُرْسل وَذَلِكَ بإضمار أَن وَالتَّقْدِير أَو أَن يُرْسل وَأَن وَالْفِعْل معطوفان على وَحيا أَي وَحيا أَو إرْسَالًا ووحيا لَيْسَ فِي تَقْدِير الْفِعْل وَلَو أظهرت أَن فِي الْكَلَام لجَاز وَكَذَا قَول الشَّاعِر

(1/64)


وَلبس عباءة وتقر عَيْني أحب إِلَيّ من لبس الشفوف

(1/65)


تَقْدِيره وَلبس عباءة وَأَن تقر عَيْني الثَّانِيَة أَن تقع بعد لَام الْجَرّ سَوَاء كَانَت للتَّعْلِيل كَقَوْلِه تَعَالَى وأنزلنا إِلَيْك الذّكر لتبين للنَّاس وَقَوله تَعَالَى إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله أَو للعاقبة كَقَوْلِه تَعَالَى فالتقطه آل فِرْعَوْن ليَكُون لَهُم عدوا وحزنا وَاللَّام هُنَا لَيست للتَّعْلِيل لأَنهم لم يلتقطوه لذَلِك وَإِنَّمَا التقطوه ليَكُون لَهُم قُرَّة عين فَكَانَت عاقبته أَن صَار لَهُم عدوا وحزنا أَو زَائِدَة كَقَوْلِه تَعَالَى إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَتّ فالفعل فِي هَذِه الْمَوَاضِع مَنْصُوب بِأَن مضمرة وَلَو أظهرت فِي الْكَلَام لجَاز وَكَذَا بعد كي الجارة وَلَو كَانَ الْفِعْل الَّذِي دخلت عَلَيْهِ اللَّام مَقْرُونا بِلَا وَجب إِظْهَار أَن بعد اللَّام سَوَاء كَانَت لَا نَافِيَة كَالَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى لِئَلَّا يكن للنَّاس على الله حجَّة أَو زَائِدَة كَالَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب أَي ليعلم أهل الْكتاب

(1/66)


وَلَو كَانَت اللَّام مسبوقة بماض منفي من الْكَوْن وَجب إِضْمَار أَن سَوَاء كَانَ الْمُضِيّ فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى نَحْو وَمَا كَانَ الله ليعذبهم وَأَنت فيهم أَو فِي الْمَعْنى فَقَط نَحْو لم يكن الله ليغفر لَهُم وَتسَمى هَذِه اللَّام لَام الْجُحُود وتلخص أَن لِأَن بعد اللَّام ثَلَاث حالات وجوب الاضمار وَذَلِكَ بعد لَام الْجُحُود وَوُجُوب الْإِظْهَار وَذَلِكَ إِذا اقْترن الْفِعْل بِلَا وَجَوَاز الوجهن وَذَلِكَ فِيمَا بَقِي قَالَ الله تَعَالَى وأمرنا لنسلم لرب الْعَالمين وَقَالَ تَعَالَى وَأمرت لِأَن أكون وَلما ذكرت أَنَّهَا تضمر وجوبا بعد لَام الْجُحُود استطردت فِي ذكر بَقِيَّة الْمسَائِل الَّتِي يجب فِيهَا اضمار أَن وَهِي أَربع إِحْدَاهَا بعد حَتَّى وَاعْلَم أَن للْفِعْل بعد حَتَّى حالتين الرّفْع وَالنّصب فَأَما النصب فشرطه كَون الْفِعْل مُسْتَقْبلا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا قبلهَا سَوَاء كَانَ مُسْتَقْبلا بِالنِّسْبَةِ إِلَى زمن التَّكَلُّم أَولا فَالْأول كَقَوْلِه تَعَالَى لن نَبْرَح عَلَيْهِ عاكفين حَتَّى يرجع إِلَيْنَا مُوسَى فَإِن رُجُوع مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُسْتَقْبل بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَمريْنِ جَمِيعًا وَالثَّانِي كَقَوْلِه تَعَالَى وزلزلوا حَتَّى يَقُول الرَّسُول لِأَن قَول الرَّسُول وَإِن كَانَ مَاضِيا بِالنِّسْبَةِ إِلَى زمن الْإِخْبَار إِلَّا أَنه مُسْتَقْبل بِالنِّسْبَةِ إِلَى زلزالهم ولحتى الَّتِي ينْتَصب الْفِعْل بَعْدَمَا مَعْنيانِ فَتَارَة تكون بِمَعْنى كي وَذَلِكَ إِذا كَانَ مَا قبلهَا عِلّة لما بعْدهَا نَحْو أسلم حَتَّى تدخل الْجنَّة وَتارَة تكون بِمَعْنى إِلَى وَذَلِكَ إِذا كَانَ مَا بعْدهَا غَايَة لما قبلهَا كَقَوْلِه تَعَالَى لن نَبْرَح عَلَيْهِ عاكفين حَتَّى يرجع إِلَيْنَا مُوسَى وكقولك لأسيرن حَتَّى تطلع الشَّمْس

(1/67)


وَقد تصلح للمعنيين مَعًا كَقَوْلِه تَعَالَى فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله يحْتَمل ان الْمَعْنى كي تفيء أَو أَن تفيء وَالنّصب فِي هَذِه الْمَوَاضِع وَمَا أشبههَا بِأَن مضمرة بعد حَتَّى حتما لَا بحتى نَفسهَا خلافًا للكوفيين لِأَنَّهَا قد عملت فِي الْأَسْمَاء الْجَرّ كَقَوْلِه تَعَالَى حَتَّى مطلع الْفجْر حَتَّى حِين فَلَو عملت فِي الْأَفْعَال النصب لزم أَن يكون لنا عَامل وَاحِد يعْمل تَارَة فِي الْأَسْمَاء وَتارَة فِي الْأَفْعَال وَهَذَا لَا نَظِير لَهُ فِي الْعَرَبيَّة وَأما رفع الْفِعْل بعْدهَا فَلهُ ثَلَاثَة شُرُوط الأول كَونه مسببا عَمَّا قبلهَا وَلِهَذَا امْتنع الرّفْع فِي نَحْو سرت حَتَّى تطلع الشَّمْس لِأَن السّير لَا يكون سَببا لطلوعها الثَّانِي أَن يكون زمن الْفِعْل الْحَال لَا الِاسْتِقْبَال على الْعَكْس من شَرط النصب إِلَّا أَن الْحَال تَارَة يكون تَحْقِيقا وَتارَة يكون تَقْديرا فَالْأول كَقَوْلِك سرت حَتَّى أدخلها إِذا قلت ذَلِك وَأَنت فِي حَالَة الدُّخُول وَالثَّانِي كالمثال الْمَذْكُور إِذا كَانَ السّير وَالدُّخُول قد مضيا وَلَكِنَّك أردْت حِكَايَة الْحَال وعَلى هَذَا جَاءَ الرّفْع فِي قَوْله تَعَالَى حَتَّى يَقُول الرَّسُول لِأَن الزلزال وَالْقَوْل قد مضيا وَالثَّالِث أَن يكون مَا قبلهَا تَاما وَلِهَذَا امْتنع الرّفْع فِي نَحْو سيري حَتَّى أدخلها وَفِي نَحْو كَانَ سيري حَتَّى أدخلها إِذا حملت كَانَ على النُّقْصَان دون التَّمام الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة بعد أَو الَّتِي بِمَعْنى إِلَى أَو إِلَّا فَالْأول كَقَوْلِك لألزمنك أَو تقضيني حَقي أَي إِلَى أَن تقضيني حَقي وَقَالَ الشَّاعِر

(1/68)


لأستسهلن الصعب أَو أدْرك المنى فَمَا انقادت الآمال إِلَّا لصابر

(1/69)


وَالثَّانِي كَقَوْلِك لأقتلن الْكَافِر أَو يسلم أَي إِلَّا أَن يسلم وَقَول الشَّاعِر وَكنت إِذا غمزت قناة قوم كسرت كعوبها أَو تستقيما

(1/70)


أَي إِلَّا أَن تستقيم فَلَا أكسر كعوبها وَلَا يَصح أَن تكون هُنَا بِمَعْنى إِلَى لِأَن الاسْتقَامَة لَا تكون غَايَة للكسر الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة بعد فَاء السَّبَبِيَّة إِذا كَانَت مسبوقة بِنَفْي مَحْض أَو طلب بِالْفِعْلِ فالنفي كَقَوْلِه تَعَالَى لَا يقْضى عَلَيْهِم فيموتوا وقولك مَا تَأْتِينَا فتحدثنا واشترطنا كَونه مَحْضا احْتِرَازًا من نَحْو مَا تزَال تَأْتِينَا فتحدثنا وَمَا تَأْتِينَا إِلَّا فتحدثنا فَإِن مَعْنَاهُمَا الْإِثْبَات فَلذَلِك وَجب رَفعهَا أما الأول فَلِأَن زَالَ للنَّفْي وَقد دخل عَلَيْهِ النَّفْي وَنفي النَّفْي إِثْبَات وَأما الثَّانِي فلانتقاض النَّفْي بإلا وَأما الطّلب فَإِنَّهُ يَشْمَل الْأَمر كَقَوْلِه يَا ناق سيري عنقًا فسييحا إِلَى سُلَيْمَان فنستريحا

(1/71)


وَالنَّهْي نَحْو قَوْله تَعَالَى وَلَا تطغوا فِيهِ فَيحل عَلَيْكُم غَضَبي والتحضيض نَحْو لَوْلَا أخرتني إِلَى أجل قريب فَأَصدق وَالتَّمَنِّي نَحْو يَا لَيْتَني كنت مَعَهم فأفوز والترجي كَقَوْلِه تَعَالَى لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب أَسبَاب السَّمَوَات فَأطلع فِي قِرَاءَة بعض السَّبْعَة بِنصب أطلع وَالدُّعَاء كَقَوْلِه رب وفقني فَلَا أعدل عَن سنَن الساعين فِي خير سنَن

(1/72)


والاستفهام كَقَوْلِه هَل تعرفُون لباناتي فأرجو أَن تقضي فيرتد بعض الرّوح للجسد

(1/73)


وَالْعرض كَقَوْلِه بِابْن الْكِرَام أَلا تَدْنُو فتبصر مَا قد حدثوك فَمَا رَاء كمن سميعا

(1/74)


واشترطت فِي الطّلب أَن يكون بِالْفِعْلِ احْتِرَازًا من نَحْو قَوْلك نزال فنكرمك وصه فنحدثك خلافًا للكسائي فِي إجَازَة ذَلِك مُطلقًا وَلابْن جني وَابْن عُصْفُور فِي إِجَازَته بعد نزال ودراك وَنَحْوهمَا مِمَّا فِيهِ لفظ الْفِعْل دون صه ومه وَنَحْوهمَا مِمَّا فِيهِ معنى الْفِعْل دون حُرُوفه وَقد صرحت بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة فِي الْمُقدمَة فِي بَاب اسْم الْفِعْل الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة بعد وَاو الْمَعِيَّة إِذا كَانَت مسبوقة بِمَا قدمنَا ذكره مِثَال ذَلِك قَوْله تَعَالَى وَلما يعلم الله الَّذين جاهدوا مِنْكُم وَيعلم الصابرين يَا ليتنا نرد وَلَا نكذب بآيَات رَبنَا ونكون من الْمُؤمنِينَ فِي قِرَاءَة حَمْزَة وَابْن عَامر وَحَفْص وَقَالَ الشَّاعِر ألم أك جَار كم وَيكون بيني وَبَيْنكُم الْمَوَدَّة والإخاء

(1/76)


وَقَالَ آخر لآتنه عَن خلق وَتَأْتِي مثله عَار عَلَيْك إِذا فعلت عَظِيم

(1/77)


وَتقول لَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللَّبن فتنصب تشرب إِن قصدت النَّهْي عَن الْجمع بَينهَا وتجزم إِن قصدت النَّهْي عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا أَي لَا تَأْكُل السّمك وَلَا تشرب اللَّبن وترفع إِن نهيت عَن الأول وأبحت الثَّانِي أَي لَا تَأْكُل السّمك وَلَك شرب اللَّبن ص فَإِن سَقَطت الْفَاء بعد الطّلب وَقصد الْجَزَاء جزم نَحْو قَوْله تَعَالَى قل تَعَالَوْا أتل وَشرط الْجَزْم بعد النَّهْي صِحَة حُلُول إِن لَا مَحَله نَحْو لَا تدن من الْأسد تسلم بِخِلَاف يَأْكُلك ويجزم أَيْضا بلم نَحْو لم يلد وَلم يُولد وَلما نَحْو وَلما يقْض وباللام وَلَا السلبيتين نَحْو لينفق ليَقْضِ لَا تشرك لَا تُؤَاخِذنَا ويجزم فعلين إِن وَإِذ مَا وَأَيْنَ وأنى وأيان وَمَتى ومها وَمن وَمَا وحيثما نَحْو إِن يَشَأْ يذهبكم من يعْمل سواءا يجز بِهِ مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها نأت بِخَير مِنْهَا وَيُسمى الأول شرطا وَالثَّانِي جَوَابا وَجَزَاء وَإِذا لم يصلح لمباشرة الأداة قرن بِالْفَاءِ نَحْو وَإِن يمسسك بِخَير فَهُوَ على كل شَيْء قدير أَو بإذا الفجائية نَحْو وَإِن تصبهم سَيِّئَة بِمَا قدمت أَيْديهم إِذا هم يقنطون ش لما انْقَضى الْكَلَام على مَا ينصب الْفِعْل الْمُضَارع
جوازم الْفِعْل الْمُضَارع
شرعت فِي الْكَلَام على مَا يجزمه والجازم ضَرْبَان جازم لفعل وَاحِد وجازم لفعلين
مَا يجْزم فعل وَاحِد
فالجازم لفعل وَاحِد خَمْسَة أُمُور أَحدهَا الطّلب وَذَلِكَ أَنه إِذا تقدم لنا لفظ دَال على أَمر أَو نهي أَو اسْتِفْهَام أَو غير ذَلِك من أَنْوَاع الطّلب وَجَاء بعده فعل مضارع مُجَرّد من الْفَاء وَقصد بِهِ

(1/79)


الْجَزَاء فَإِنَّهُ يكون مَجْزُومًا بذلك الطّلب لما فِيهِ من معنى الشَّرْط ونعني بِقصد الْجَزَاء أَنَّك تقدره مسببا عَن ذَلِك الْمُتَقَدّم كَمَا أَن جَزَاء الشَّرْط مسبب عَن فعل الشَّرْط وَذَلِكَ كَقَوْلِه تَعَالَى قل تَعَالَوْا أتل تقدم الطّلب وَهُوَ تَعَالَوْا وَتَأَخر الْمُضَارع الْمُجَرّد من الْفَاء وَهُوَ أتل وَقصد بِهِ الْجَزَاء إِذْ الْمَعْنى تَعَالَوْا فَإِن تَأْتُوا أتل عَلَيْكُم فالتلاوة عَلَيْهِم مسببة عَن مجيئهم فَلذَلِك جزم وعلامة جزمه حذف آخر وَهُوَ الْوَاو وَقَول الشَّاعِر قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بَين الدُّخُول فحومل

(1/80)


وَتقول إئتني أكرمك وَهل تأتني أحَدثك وَلَا تكفر تدخل الْجنَّة وَلَو كَانَ الْمُتَقَدّم نفيا أَو خَبرا مثبتا لم يجْزم الْفِعْل بعده فَالْأول نَحْو مَا تَأْتِينَا تحدثنا بِرَفْع تحدثنا وجوبا وَلَا يجوز لَك جزمه وَقد غلط فِي ذَلِك صَاحب الْجمل وَالثَّانِي نَحْو أَنْت تَأْتِينَا تحدثنا بِرَفْع تحدثنا وجوبا بِاتِّفَاق النَّحْوِيين وَأما قَول الْعَرَب أتقي الله إمرؤ فعل خيرا يثب عَلَيْهِ بِالْجَزْمِ فوجهه أَن أتقي الله وَفعل وَإِن كَانَا فعلين ماضيين ظاهرهما الْخَبَر إِلَّا أَن المُرَاد بهما الطّلب وَالْمعْنَى ليتق الله امْرُؤ وليفعل خيرا وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى هَل أدلكم على تِجَارَة تنجيكم من عَذَاب أَلِيم تؤمنون بِاللَّه وَرَسُوله وتجاهدون فِي سَبِيل الله بأموالكم وَأَنْفُسكُمْ ذَلِكُم خير لكم إِن كُنْتُم تعلمُونَ يغْفر لكم فَجزم يغْفر لِأَنَّهُ جَوَاب لقَوْله تَعَالَى تؤمنون بِاللَّه وَرَسُوله وتجاهدون لكَونه فِي معنى آمنُوا وَجَاهدُوا وَلَيْسَ جَوَابا للاستفهام لِأَن غفران الذُّنُوب لَا يتسبب عَن نفس الدّلَالَة بل عَن الْإِيمَان وَالْجهَاد وَلَو لم يقْصد بِالْفِعْلِ الْوَاقِع بعد الطّلب الْجَزَاء امْتنع جزمه كَقَوْلِه تَعَالَى خُذ من

(1/81)


أَمْوَالهم صَدَقَة تطهرهُمْ فتطهرهم بِاتِّفَاق الْقُرَّاء وَإِن كَانَ مَسْبُوقا بِالطَّلَبِ وَهُوَ خُذ لكَونه لَيْسَ مَقْصُودا بِهِ معنى إِن تَأْخُذ مِنْهُم صَدَقَة تطهرهُمْ وَإِنَّمَا أُرِيد خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة مطهرة فتطهرهم صفة لصدقة وَلَو قرئَ بِالْجَزْمِ على معنى الْجَزَاء لم يمْتَنع فِي الْقيَاس كَمَا قرئَ قَوْله تَعَالَى فَهَب لي من لَدُنْك وليا يَرِثنِي بِالرَّفْع على جعل يَرِثنِي صفة لوليا وبالجزم على جعله جَزَاء لِلْأَمْرِ وَهَذَا بِخِلَاف قَوْلك إئتني بِرَجُل يحب الله وَرَسُوله فَإِنَّهُ لَا يجوزفيه الْجَزْم لِأَنَّك لَا تُرِيدُ أَن محبَّة الرجل لله وَرَسُوله مسببة عَن الْإِتْيَان بِهِ كَمَا تُرِيدُ فِي قَوْلك إئتني أكرمك بِالْجَزْمِ لِأَن الْإِكْرَام مسبب عَن الْإِتْيَان وَإِنَّمَا أردْت ائْتِنِي بِرَجُل مَوْصُوف بِهَذِهِ الصّفة وَاعْلَم أَنه لَا يجوز الْجَزْم فِي جَوَاب النَّهْي إِلَّا بِشَرْط أَن يَصح تَقْدِير شَرط فِي مَوْضِعه مقرون بِلَا النافية مَعَ صِحَة الْمَعْنى وَذَلِكَ نَحْو قَوْلك لَا تكفر تدخل الْجنَّة وَلَا تدن من الْأسد تسلم فَإِنَّهُ لَو قيل فِي موضعهما إِن لَا تكفر تدخل الْجنَّة وَإِن لَا تدن من الْأسد تسلم صَحَّ بِخِلَاف لَا تكفر تدخل النَّار وَلَا تدن من الْأسد يَأْكُلك فَإِنَّهُ مُمْتَنع فَإِنَّهُ لَا يَصح أَن يُقَال إِن لَا تكفر تدخل النَّار وَإِن لَا تدن من الْأسد يَأْكُلك وَلِهَذَا أَجمعت السَّبْعَة على الرّفْع فِي قَوْله تَعَالَى وَلَا تمنن تستكثر لِأَنَّهُ لَا يَصح أَن يُقَال إِن لَا تمنن تستكثر وَلَيْسَ هَذَا بِجَوَاب وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَوضِع نصب على الْحَال من الضَّمِير فِي تمنن فَكَأَنَّهُ قيل وَلَا تمنن مستكثرا وَمعنى الْآيَة أَن الله تَعَالَى نهى نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَن يهب شَيْئا وَهُوَ يطْمع أَن يتعوض من الْمَوْهُوب لَهُ أَكثر من الْمَوْهُوب فَإِن قلت فَمَا تصنع بِقِرَاءَة الْحسن الْبَصْرِيّ تستكثر بِالْجَزْمِ

(1/82)


قلت يحْتَمل ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن يكون بَدَلا من تمنن كَأَنَّهُ قيل لَا تستكثر أَي لَا تَرَ مَا تعطيه كثيرا وَالثَّانِي أَن يكون قدر الْوَقْف عَلَيْهِ لكَونه رَأس آيَة فسكنه لأجل الْوَقْف ثمَّ وَصله بنيه الْوَقْف وَالثَّالِث أَن يكون سكنه لتناسب رُؤُوس الْآي وَهِي فَأَنْذر فَكبر فطهر فاهجر الثَّانِي مِمَّا يجْزم فعلا وَاحِدًا لم وَهُوَ حرف يَنْفِي الْمُضَارع ويقلبه مَاضِيا كَقَوْلِك لم يقم وَلم يقْعد وَكَقَوْلِه تَعَالَى لم يلد وَلم يُولد الثَّالِث لما أُخْتهَا كَقَوْلِه تَعَالَى لما يقْض مَا أمره بل لما يَذُوقُوا عَذَاب وتشارك لم فِي أَرْبَعَة أُمُور وَهِي الحرفية والاختصاص بالمضارع وجزمه وقلب زَمَانه إِلَى الْمُضِيّ وتفارقها فِي أَرْبَعَة أُمُور أَحدهَا أَن الْمَنْفِيّ بهَا مُسْتَمر الانتفاء إِلَى زمن الْحَال بِخِلَاف الْمَنْفِيّ بلم فَإِنَّهُ قد يكون مستمرا مثل لم يلد وَقد يكون مُنْقَطِعًا مثل هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر لم ين شَيْئا مَذْكُورا لِأَن الْمَعْنى أَنه

(1/83)


كَانَ بعد ذَلِك شَيْئا مَذْكُورا وَمن ثمَّ امْتنع أَن تَقول لما يقم ثمَّ قَامَ لما فِيهِ من التَّنَاقُض وَجَاز لم يقم ثمَّ قَامَ وَالثَّانِي أَن لما تؤذن كثيرا بتوقع ثُبُوت مَا بعْدهَا نَحْو {بل لما يَذُوقُوا عَذَاب} أَي إِلَى الْآن لم يذوقوه وسوف يذوقونه وَلم لَا تَقْتَضِي ذَلِك ذكر هَذَا الْمَعْنى الزَّمَخْشَرِيّ والاستعمال والذوق يَشْهَدَانِ بِهِ وَالثَّالِث أَن الْفِعْل يحذف بعْدهَا يُقَال هَل دخلت الْبَلَد فَنَقُول قاربتها وَلما تُرِيدُ وَلما أدخلها وَلَا يجوز قاربتها وَلم وَالرَّابِع أَنَّهَا لَا تقترن بِحرف الشَّرْط بِخِلَاف لم تَقول أَن لم تقم قُمْت ولأيجوز إِن لما تقم قُمْت
الْجَازِم الرَّابِع اللَّام الطلبية وَهِي الدَّالَّة على الْأَمر نَحْو (لينفق ذُو سَعَة من سعته) أَو الدُّعَاء نَحْو (ليَقْضِ علينا رَبك)
الْجَازِم الْخَامِس لَا الطلبية وَهِي الدَّالَّة على النَّهْي نَحْو (لَا تشرك بِاللَّه) أَو الدُّعَاء نَحْو (لَا تُؤَاخِذنَا)

(1/84)


فَهَذِهِ خُلَاصَة القَوْل فِيمَا يجْزم فعلا وَاحِدًا
مَا يجْزم فعلين
وَأما مَا يجْزم فعلين فَهُوَ إِحْدَى عشرَة أَدَاة وَهِي إِن نَحْو إِن يَشَأْ يذهبكم واين نَحْو أَيْنَمَا تَكُونُوا يدرككم الْمَوْت وَأي نَحْو أيا مَا تدعوا فَلهُ الْأَسْمَاء الْحسنى وَمن نَحْو من يعْمل سوءا يجز بِهِ وَمَا نَحْو وَمَا تَفعلُوا من خير يُعلمهُ الله وَمهما كَقَوْل امْرِئ الْقَيْس أغرك مني أَن حبك قاتلي وَأَنَّك مهما تأمري الْقلب يفعل

(1/85)


وَمَتى كَقَوْل الآخر مَتى أَضَع الْعِمَامَة تعرفوني

(1/86)


وأيان كَقَوْلِه فأيان مَا تعدل بِهِ الرّيح تنزل وحيثما كَقَوْلِه

(1/88)


حَيْثُمَا تستقم يقدر لَك الله نجاحا فِي غابر الْأَزْمَان وَإِذ مَا كَقَوْلِه وَإنَّك إِذْ مَا تأت مَا أَنْت آمُر بِهِ تلف من إِيَّاه تَأمر آتِيَا

(1/89)


وَأَنِّي كَقَوْلِه فَأَصْبَحت أَنى تأتها تستجر بهَا تَجِد

(1/90)


فَهَذِهِ الأدوات الَّتِي تجزم فعلين وَيُسمى الأول مِنْهُمَا شرطا وَيُسمى الثَّانِي جَوَابا وَجَزَاء وَإِذا لم تصلح الْجُمْلَة الْوَاقِعَة جَوَابا لِأَن تقع بعد أَدَاة الشَّرْط وَجب اقترانها بِالْفَاءِ وَذَلِكَ إِذا كَانَت الْجُمْلَة اسمية أَو فعلية فعلهَا طلبي أَو جامد أَو منفي بلن أَو مَا أَو مقرون بقد أَو حرف تَنْفِيس نَحْو قَوْله تَعَالَى وَإِن يمسسك

(1/92)


بِخَير فَهُوَ على كل شَيْء قدير قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله وَيغْفر لكم ذنوبكم إِن ترن أَنا أقل مِنْك مَالا وَولدا فَعَسَى ربى وَمَا يَفْعَلُوا من خير فَلَنْ يكفروه وَمَا افاه الله على رَسُوله مِنْهُم فَمَا أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خيل وَلَا ركاب إِن يسرق فقد سرق أَخ من قبل وَمن يُقَاتل فِي سَبِيل الله فَيقْتل أَو يغلب فَسَوف نؤتيه أجرا عَظِيما وَيجوز فِي الْجُمْلَة الاسمية أَن تقترن بإذا الفجائية كَقَوْلِه تَعَالَى وَإِن تصبهم سَيِّئَة بِمَا قدمت أَيْديهم إِذا هم يقنطون وَإِنَّمَا لم أقيد فِي الأَصْل إِذا الفجائية بِالْجُمْلَةِ الإسمية لِأَنَّهَا لَا تدخل إِلَّا عَلَيْهَا فأغناني ذَلِك عَن الِاشْتِرَاط