شرح قطر الندى وبل الصدى الثَّالِث الْعَطف
وَعطف الْبَيَان وَهُوَ تَابع موضح أَو مُخَصص جامد غير مؤول ش هَذَا
الْبَاب الثَّالِث من أَبْوَاب التوابع والعطف فِي اللُّغَة الرُّجُوع
إِلَى الشَّيْء بعد الِانْصِرَاف عَنهُ وَفِي الِاصْطِلَاح ضَرْبَان
عطف نسق وَسَيَأْتِي وَعطف بَيَان وَالْكَلَام الْآن فِيهِ قولي تَابع
جنس يَشْمَل التوابع الْخَمْسَة وَقَوْلِي موضح أَو مُخَصص مخرج
للتَّأْكِيد ك جَاءَ زيد نَفسه ولعطف النسق ك جَاءَ زيد وَعَمْرو
وللبدل كَقَوْلِك أكلت الرَّغِيف ثلثه وَقَوْلِي جامد مخرج للنعت
فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ موضحا فِي نَحْو جَاءَ زيد التَّاجِر ومخصصا فِي
نَحْو جَاءَنِي رجل تَاجر لكنه مُشْتَقّ وَقَوْلِي غير مؤول مخرج لما
وَقع من النعوت جَامِدا نَحْو مَرَرْت بزيد هَذَا وبقاع عرفج فَإِنَّهُ
فِي تَأْوِيل الْمُشْتَقّ أَلا ترى أَن الْمَعْنى مَرَرْت بزيد
الْمشَار إِلَيْهِ وبقاع خشن
(1/297)
ص فيوافق متبوعه ش أَعنِي بِهَذَا أَن عطف
الْبَيَان لكَونه مُفِيدا فَائِدَة النَّعْت وَمن إِيضَاح متبوعه
وتخصيصه يلْزمه من مُوَافقَة الْمَتْبُوع فِي التنكير والتذكير
والافراد وفروعهن مَا يلْزم من النَّعْت ص كأقسم بِاللَّه أَبُو حَفْص
عمر وَهَذَا خَاتم حَدِيد ش أَشرت بالمثالين إِلَى مَا تضمنه الْحَد من
كَونه موضحا للمعارف ومخصصا للنكرات وَالْمرَاد بِأبي حَفْص عمر بن
الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَلَك فِي نَحْو خَاتم حَدِيد ثَلَاثَة أوجه
الْجَرّ بالاضافة على معنى من وَالنّصب على التَّمْيِيز وَقيل على
الْحَال والإتباع فَمن خرج النصب على التَّمْيِيز قَالَ إِن التَّابِع
عطف بَيَان وَمن خرجه على الْحَال قَالَ إِنَّه صفة وَالْأول أولى
لِأَنَّهُ جامد جمودا مَحْضا فَلَا يحسن كَونه حَالا وَلَا صفة وَمنع
كثير من النَّحْوِيين كَون عطف الْبَيَان نكرَة تَابعا للنكرة
وَالصَّحِيح الْجَوَاز وَقد خرج على ذَلِك قَوْله تَعَالَى ويسقى من
مَاء صديد وَقَالَ الْفَارِسِي فِي قَوْله تَعَالَى أَو كَفَّارَة
طَعَام مَسَاكِين يجوز فِي طَعَام أَن يكون بَيَانا وان يكون بَدَلا ص
ويعرب بدل كل من كل إِن لم يمْتَنع إحلاله مَحل الأول كَقَوْلِه أَنا
ابْن التارك الْبكْرِيّ بشر وَقَوله أيا أخوينا عبد شمس ونوفلا ش كل
اسْم صَحَّ الحكم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عطف بَيَان مُفِيد للإيضاح أَو
للتخصيص
(1/298)
صَحَّ أَن يحكم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ بدل كل
من كل مُفِيد لتقرير معنى الْكَلَام وتوكيده لكَونه على نِيَّة تكْرَار
الْعَامِل وَاسْتثنى بَعضهم من ذَلِك مَسْأَلَة وَبَعْضهمْ
مَسْأَلَتَيْنِ وَبَعْضهمْ أَكثر من ذَلِك وَيجمع الْجَمِيع قولي إِن
لم يمْتَنع إحلاله مَحل الأول وَقد ذكرت لذَلِك مثالين أَحدهمَا قَول
الشَّاعِر أَنا ابْن التارك الْبكْرِيّ بشر عَلَيْهِ الطير ترقبه وقوعا
(1/299)
وَالثَّانِي قَول الآخر أيا أخوينا عبد شمس
ونوفلا أُعِيذكُمَا بِاللَّه أَن تحدثا حَربًا وَبَيَان ذَلِك فِي
الْبَيْت الأول أَن قَوْله بشر عطف بَيَان على الْبكْرِيّ
(1/300)
وَلَا يجوز أَن يكون بَدَلا مِنْهُ لِأَن
الْبَدَل فِي نِيَّة إحلاله مَحل الأول وَلَا يجوز أَن يُقَال أَنا
ابْن التارك بشر لِأَنَّهُ لَا يُضَاف مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام
نَحْو التارك إِلَّا لما فِيهِ الْألف وَاللَّام نَحْو الْبكْرِيّ
وَلَا يُقَال الضَّارِب زيد كَمَا تقدم شَرحه فِي بَاب الاضافة
وَبَيَان ذَلِك فِي الْبَيْت الثَّانِي أَن قَوْله عبد شمس ونوفلا عطف
بَيَان على قَوْله أخوينا وَلَا يجوز أَن يكون بَدَلا لِأَنَّهُ
حِينَئِذٍ فِي تَقْدِير إحلاله مَحل الأول فكأنك قلت أيا عبد شمس
ونوفلا وَذَلِكَ لَا يجوز لِأَن الْمُنَادِي إِذا عطف عَلَيْهِ اسْم
مُجَرّد من الْألف وَاللَّام وَجب أَن يعْطى مَا يسْتَحقّهُ لَو كَانَ
منادى ونوفلا لَو كَانَ منادى لقيل فِيهِ يَا نَوْفَل بِالضَّمِّ لَا
يَا نوفلا بِالنّصب فَلذَلِك كَانَ يجب أَن يُقَال هُنَا أيا أخوينا
عبد شمس وَنَوْفَل
الرَّابِع عطف النسق بِالْوَاو
ص وَعطف النسق بِالْوَاو ش الرَّابِع من التوابع عطف النسق وَقد مضى
تَفْسِير الْعَطف فَأَما النسق فَهُوَ التَّابِع الْمُتَوَسّط بَينه
وَبَين متبوعه أحد حُرُوف الْعَطف الْآتِي ذكرهَا وَلم أحده بِحَدّ
لوضوحه على أنني فسرته بِقَوْلِي بِالْوَاو إِلَخ فَإِن مَعْنَاهُ أَن
عطف النسق هُوَ الْعَطف بِالْوَاو وَالْفَاء وأخواتهما واعترضت بعد
ذكري كل حرف بتفسير مَعْنَاهُ ص وَهِي لمُطلق الْجمع ش قَالَ السيرافي
أجمع النحويون واللغوين من الْبَصرِيين والكوفيين على أَن الْوَاو
للْجمع من غير تَرْتِيب اه وَأَقُول إِذا قيل جاءزيد وَعَمْرو
فَمَعْنَاه أَنَّهُمَا اشْتَركَا فِي الْمَجِيء ثمَّ يحْتَمل
(1/301)
الْكَلَام ثَلَاثَة معَان أَحدهَا أَن
يَكُونَا جائا مَعًا وَالثَّانِي أَن يكون مجيئهما على التَّرْتِيب
وَالثَّالِث أَن يكون على عكس التَّرْتِيب فَإِن فهم أحد الْأُمُور
بِخُصُوصِهِ فَمن دَلِيل آخر كَمَا فهمت الْمَعِيَّة فِي نَحْو قَوْله
تَعَالَى وَإِذ يرفع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد من الْبَيْت
وَإِسْمَاعِيل وكما فهم التَّرْتِيب فِي قَوْله تَعَالَى إِذا زلزلت
الأَرْض زِلْزَالهَا وأخرجت الأَرْض أثقالها وَقَالَ الْإِنْسَان مَا
لَهَا وكما فيهم عكس التَّرْتِيب فِي قَوْله تَعَالَى إِخْبَارًا عَن
منكري الْبَعْث مَا هِيَ إِلَّا حياتنا الدُّنْيَا نموت ونحيا وَلَو
كَانَت للتَّرْتِيب لَكَانَ اعترافا بِالْحَيَاةِ بعد الْمَوْت وَهَذَا
الَّذِي ذَكرْنَاهُ قَول أَكثر أهل الْعلم من النُّحَاة وَغَيرهم
وَلَيْسَ بِإِجْمَاع كَمَا قَالَ السيرافي بل رُوِيَ عَن بعض
الْكُوفِيّين أَن الْوَاو للتَّرْتِيب وَأَنه أجَاب عَن هَذِه الْآيَة
بِأَن المُرَاد يَمُوت كبارنا وتولد صغارنا فنحيا وَهِي بعيد وَمن أوضح
مَا يرد عَلَيْهِم قَول الْعَرَب اخْتصم زيد وَعَمْرو وامتناعهم من أَن
يعطفوا فِي ذَلِك بِالْفَاءِ أَو بثم لكَونهَا للتَّرْتِيب فَلَو
كَانَت الْوَاو مثلهمَا لامتنع ذَلِك مَعهَا كَمَا امْتنع مَعَهُمَا ص
وَالْفَاء للتَّرْتِيب والتعقيب ش إِذا قيل جَاءَ زيد فعمرو فَمَعْنَاه
أَن مَجِيء عَمْرو وَقع بعد مَجِيء زيد من غبير مهلة فَهِيَ مفيدة
لثَلَاثَة أُمُور التَّشْرِيك فِي الحكم وَلم أنبه عَلَيْهِ لوضوحه
وَالتَّرْتِيب والتعقيب وتعقيب كل شَيْء بِحَسبِهِ فَإِذا قلت دخلت
الْبَصْرَة فبغداد وَكَانَ بَينهمَا ثَلَاثَة أَيَّام وَدخلت بعد
الثَّالِث فَذَلِك تعقيب فِي مثل هَذَا عَادَة فَإِذا دخلت بعد
الرَّابِع أَو الْخَامِس فَلَيْسَ بتعقيب وَلم يجز الْكَلَام
(1/302)
وللفاء معنى آخر وَهُوَ التَّسَبُّب
وَذَلِكَ غَالب فِي عطف الْجمل نَحْو قَوْلك سَهَا فَسجدَ وزنى فرجم
وسرق فَقطع وَقَوله تَعَالَى فَتلقى آدم من ربه كَلِمَات فَتَابَ
عَلَيْهِ ولدلالتها على ذَلِك استعيرت للربط فِي جَوَاب الشَّرْط نَحْو
من يأتيني فَإِنِّي أكْرمه وَلِهَذَا إِذا قيل من دخل دَاري فَلهُ
دِرْهَم أَفَادَ اسْتِحْقَاق الدِّرْهَم بِالدُّخُولِ وَلَو حذف
الْفَاء احْتمل ذَلِك وَاحْتمل الاقرار بالدرهم لَهُ وَقد تَخْلُو
الْفَاء العاطفة للجمل عَن هَذَا الْمَعْنى كَقَوْلِه تَعَالَى الَّذِي
خلق فسوى وَالَّذِي قدر فهدى وَالَّذِي أخرج المرعى فَجعله غثاء أحوى ص
وَثمّ للتَّرْتِيب والتراخي ش إِذا قيل جَاءَ زيد ثمَّ عَمْرو
فَمَعْنَاه أَن مَجِيء عَمْرو وَقع بعد مَجِيء زيد بمهلة فَهِيَ مفيدة
أَيْضا لثَلَاثَة أُمُور التَّشْرِيك فِي الحكم وَلم أنبه عَلَيْهِ
لوضوحه وَالتَّرْتِيب والتراخي فَأَما قَوْله تَعَالَى وَلَقَد
خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صورناكم ثمَّ قُلْنَا للْمَلَائكَة فَقيل
التَّقْدِير خلقنَا أَبَاكُم ثمَّ صورنا أَبَاكُم فَحذف الْمُضَاف
مِنْهُمَا ص وَحَتَّى للغاية والتدريج ش معنى الْغَايَة آخر الشَّيْء
وَمعنى التدريج أَن مَا قبلهَا يَنْقَضِي شَيْئا فَشَيْئًا إِلَى أَن
يبلغ إِلَى الْغَايَة وَهُوَ الِاسْم الْمَعْطُوف وَلذَلِك وَجب أَن
يكون الْمَعْطُوف بهَا جُزْءا من الْمَعْطُوف عَلَيْهِ إِمَّا
تَحْقِيقا كَقَوْلِك أكلت السَّمَكَة حَتَّى رَأسهَا أَو تَقْديرا
كَقَوْلِه
(1/303)
ألْقى الصَّحِيفَة كي يُخَفف رجله والزاد
حَتَّى نَعله أَلْقَاهَا فعطف نَعله بحتى وَلَيْسَت جُزْءا مِمَّا
قبلهَا تَحْقِيقا لَكِنَّهَا جُزْء تَقْديرا لِأَن معنى الْكَلَام
ألْقى مَا يثقله حَتَّى نَعله ص لَا للتَّرْتِيب ش زعم بَعضهم أَن
حَتَّى تفِيد التَّرْتِيب كَمَا تفيده ثمَّ وَالْفَاء وَلَيْسَ كَذَلِك
وَإِنَّمَا هِيَ لمُطلق الْجمع كالواو وَيشْهد لذَلِك قَوْله عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام كل شَيْء بِقَضَاء وَقدر حَتَّى الْعَجز والكيس
وَلَا تَرْتِيب بَين الْقَضَاء وَالْقدر وَإِنَّمَا التَّرْتِيب فِي
ظُهُور المقضيات والمقدرات
(1/304)
ص وأو لأحد الشَّيْئَيْنِ أَو الْأَشْيَاء
مفيدة بعد الطّلب التَّخْيِير أَو الْإِبَاحَة وَبعد الْخَبَر الشَّك
أَو التشكيك ش مثالها لأحد الشَّيْئَيْنِ قَوْله تَعَالَى لبثنا
يَوْمًا أَو بعض يَوْم ولأحد الْأَشْيَاء فكفارته إطْعَام عشرَة
مَسَاكِين من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم أَو كسوتهم أَو تَحْرِير
رَقَبَة ولكونها لأحد الشَّيْئَيْنِ أَو الْأَشْيَاء امْتنع أَن يُقَال
سَوَاء عَليّ أَقمت أَو قعدت لِأَن سَوَاء لَا بُد فِيهَا من
شَيْئَيْنِ لِأَنَّك لَا تَقول سَوَاء عَليّ هَذَا الشَّيْء وَلها
أَرْبَعَة معَان مَعْنيانِ بعد الطّلب وهما التَّخْيِير وَالْإِبَاحَة
وومعنيان بعد الْخَبَر وهما الشَّك والتشكيك فمثالها للتَّخْيِير تزوج
هندا أَو أُخْتهَا وللإباحة جَالس الْحسن أَو ابْن سِيرِين وَالْفرق
بَينهمَا أَن التَّخْيِير يَأْبَى جَوَاز الْجمع بَين مَا قبلهَا وَمَا
بعْدهَا وَالْإِبَاحَة لَا تأباه أَلا ترى أَنه لَا يجوز لَهُ أَن يجمع
بَين تزوج هِنْد وَأُخْتهَا وَله أَن يُجَالس الْحسن وَابْن سِيرِين
جَمِيعًا ومثالها للشَّكّ قَوْلك جَاءَ زيد أَو عَمْرو إِذا لم تعلم
الجائي مِنْهُمَا ومثالها للتشكيك قَوْلك جَاءَ زيد أَو عَمْرو إِذا
كنت عَالما بالجائي مِنْهُمَا وَلَكِنَّك أبهمت على الْمُخَاطب وأمثلة
ذَلِك من التَّنْزِيل قَوْله تَعَالَى فكفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين
الْآيَة فَإِنَّهُ لَا يجوز لَهُ الْجمع بَين الْجَمِيع على اعْتِقَاد
أَن الْجَمِيع هُوَ الْكَفَّارَة وَقَوله تَعَالَى لَيْسَ عليم جنَاح
أَن تَأْكُلُوا من بُيُوتكُمْ أَو بيُوت آبائكم الْآيَة
(1/305)
وَقَوله تَعَالَى لبثنا يَوْمًا أَو بعض
يَوْم وَقَوله تَعَالَى وَإِنَّا أَو إيَّاكُمْ لعلى هدى أَو فِي ضلال
مُبين ص وَأم لطلب التَّعْيِين بعد همزَة دَاخِلَة على أحد المستويين ش
تَقول أَزِيد عنْدك أم عَمْرو إِذا كنت قَاطعا بِأَن أَحدهمَا عِنْده
وَلَكِنَّك شَككت فِي عينه وَلِهَذَا يكون الْجَواب بِالتَّعْيِينِ لَا
ب نعم وَلَا ب لَا وَتسَمى أم هَذِه معادلة لِأَنَّهَا عادلت الهمة فِي
الِاسْتِفْهَام بهَا أَلا ترى أَنَّك أدخلت الْهمزَة على أحد الاسمين
اللَّذين اسْتَوَى الحكم فِي ظَنك بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا وأدخلت أم
على الآخر ووسطت بَينهمَا مَا لَا تشك فِيهِ وَهُوَ قَوْلك عنْدك
وَتسَمى أَيْضا مُتَّصِلَة لِأَن مَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا لَا
يسْتَغْنى بِأَحَدِهِمَا عَن الآخر ص وللرد عَن الْخَطَأ فِي الحكم لَا
بعد إِيجَاب وَلَكِن وبل بعد نفي ولصرف الحكم إِلَى مَا بعْدهَا بل بعد
إِيجَاب ش حَاصِل هَذَا الْموضع أَن بَين لَا وَلَكِن وبل اشتراكا
وافتراقا فَأَما اشتراكها فَمن وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنَّهَا عاطفة
وَالثَّانِي أَنَّهَا تقيد رد السَّامع عَن الْخَطَأ فِي الحكم إِلَى
الصَّوَاب وَأما افتراقها فَمن وَجْهَيْن أَيْضا أَحدهمَا أَن لَا تكون
لقصر الْقلب
(1/306)
وَقصر الْإِفْرَاد وبل وَلَكِن إِنَّمَا
يكونَانِ لقصر الْقلب فَقَط تَقول جَاءَنِي زيد لَا عَمْرو ردا على من
اعْتقد أَن عمرا جَاءَ دون زيد أَو أَنَّهُمَا جاءاك مَعًا وَتقول مَا
جَاءَنِي زيد لَكِن عَمْرو أَو بل عَمْرو ردا على من اعْتقد الْعَكْس
وَالثَّانِي أَن لَا إِنَّمَا يعْطف بهَا بعد الْإِثْبَات وبل يعْطف
بهَا بعد النَّفْي وَلَكِن إِنَّمَا يعْطف بهَا بعد النَّفْي وَيكون
مَعْنَاهَا كَمَا ذكرنَا
(1/307)
ويعطف ببل بعد الْإِثْبَات وَمَعْنَاهَا
حِينَئِذٍ إِثْبَات الحكم لما بعْدهَا وَصَرفه عَمَّا قبلهَا وتصييره
كالمسكوت عَنهُ من قبل أَنه لَا يحكم عَلَيْهِ بِشَيْء وَذَلِكَ
كَقَوْلِك جَاءَنِي زيد بل عَمْرو وَقد تضمن سكوتي عَن إِمَّا أَنَّهَا
غير عاطفة وَهُوَ الْحق وَبِه قَالَ الْفَارِسِي وَقَالَ
الْجِرْجَانِيّ عدهَا فِي حُرُوف الْعَطف سَهْو ظَاهر ص وَالْبدل
وَهُوَ تَابع مَقْصُود بالحكم بِلَا وَاسِطَة وَهُوَ سِتَّة بدل كل
نَحْو مفازا حدائق وَبَعض نَحْو من اسْتَطَاعَ واشتمال نَحْو قتال
فِيهِ وإضراب وَغلط ونسيان نَحْو تَصَدَّقت بدرهم دِينَار بِحَسب قصد
الأول وَالثَّانِي أَو الثَّانِي وَسبق اللِّسَان أَو الأول وَتبين
الْخَطَأ
الْخَامِس الْبَدَل
ش الْبَاب الْخَامِس من أَبْوَاب التوابع الْبَدَل وَهُوَ فِي اللُّغَة
الْعِوَض قَالَ الله تَعَالَى عَسى رَبنَا أَن يبدلنا خيرا مِنْهَا
وَفِي الِاصْطِلَاح تَابع مَقْصُود بالحكم بِلَا وَاسِطَة فَقولِي
تَابع جنس يَشْمَل جَمِيع التوابع وَقَوْلِي مَقْصُود بالحكم مخرج
للنعت والتأكيد وَعطف الْبَيَان فَإِنَّهَا مكملة للمتبوع الْمَقْصُود
بالحكم لَا أَنَّهَا هِيَ الْمَقْصُودَة بالحكم وَبلا وَاسِطَة مخرج
لعطف النسق ك جَاءَ زيد وَعَمْرو فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ تَابعا
مَقْصُودا بالحكم وَلكنه بِوَاسِطَة حرف الْعَطف وأقسامه سته أَحدهمَا
بدل كل من كل وَهُوَ عبارَة عَمَّا الثَّانِي فِيهِ عين
(1/308)
الأول كَقَوْلِك جَاءَنِي مُحَمَّد أَبُو
عبد الله وَقَوله تَعَالَى مفازا حدائق وَإِنَّمَا لم أقل بدل الْكل من
الْكل حذرا من مَذْهَب من لَا يُجِيز إِدْخَال أل على كل وَقد
اسْتَعْملهُ الزجاجي فِي جمله وَاعْتذر عَنهُ بِأَنَّهُ تسَامح فِيهِ
مُوَافقَة للنَّاس الثَّانِي بدل بعض من كل وضابطه أَن يكون الثَّانِي
جُزْءا من الأول كَقَوْلِك أكلت الرَّغِيف ثلثه وَكَقَوْلِه تَعَالَى
وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا فَمن
اسْتَطَاعَ بدل من النَّاس هَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَقيل فَاعل
بِالْحَجِّ أَي وَللَّه على النَّاس أَن يحجّ مستطيعهم وَقَالَ
الْكسَائي إِنَّهَا شَرْطِيَّة مُبْتَدأ وَالْجَوَاب مَحْذُوف أَي من
اسْتَطَاعَ فليحج وَلَا حَاجَة لدعوى الْحَذف مَعَ إِمْكَان تَمام
الْكَلَام وَالْوَجْه الثَّانِي يَقْتَضِي أَنه يجب على جَمِيع النَّاس
أَن مستطيعهم يحجّ وَذَلِكَ بَاطِل بِاتِّفَاق فَيتَعَيَّن القَوْل
الأول وَإِنَّمَا لم أقل الْبَعْض بِالْألف وَاللَّام لما قدمت فِي كل
وَالثَّالِث بدل الاشتمال وضابطه أَن يكون بَين الأول والثان مُلَابسَة
بِغَيْر الْجُزْئِيَّة كَقَوْلِك أعجبني زيد علمه وَقَوله تَعَالَى
يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ ونبهت بالتمثيل
بِالْآيَاتِ الثَّلَاث على أَن الْبَدَل والمبدل مِنْهُ يكونَانِ
نكرتين نَحْو قَوْله تَعَالَى مفازا حدائق ومعرفتين مثل النَّاس وَمن
ومختلفين مثل الشَّهْر وقتال
(1/309)
وَالرَّابِع وَالْخَامِس وَالسَّادِس بدل
الإضراب وَبدل الْغَلَط وَبدل النسْيَان كَقَوْلِك تَصَدَّقت بدرهم
دِينَار فَهَذَا الْمِثَال مُحْتَمل لِأَن تكون قد أخْبرت بأنك
تَصَدَّقت بدرهم ثمَّ عَن لَك أَن تخبر بأنك تَصَدَّقت بِدِينَار
وَهَذَا بدل الاضراب وَلِأَن تكون قد أردْت الاخبار بالتصدق بالدينار
فَسبق لسَانك إِلَى الدِّرْهَم وَهَذَا بدل الْغَلَط وَلِأَن تكون قد
أردْت الْإِخْبَار بالتصدق بالدرهم فَلَمَّا نطقت بِهِ تبين فَسَاد
ذَلِك الْقَصْد وَهَذَا بدل النسْيَان وَرُبمَا اشكل على كثير من
الطّلبَة الْفرق بَين بدلي الْغَلَط وَالنِّسْيَان وَقد بَيناهُ ويوضحه
أَيْضا أَن الْغَلَط فِي اللِّسَان وَالنِّسْيَان فِي الْجنان
السَّادِس الْعدَد
ص بَاب الْعدَد من ثَلَاثَة إِلَى تِسْعَة يؤنث مَعَ الْمُذكر وَيذكر
مَعَ الْمُؤَنَّث دَائِما نَحْو سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام
وَكَذَلِكَ الْعشْرَة إِن لم تركب وَمَا دون الثَّلَاثَة وفاعل كثالث
ورابع على الْقيَاس دَائِما ويفرد فَاعل أَو يُضَاف لما اشتق مِنْهُ
أَو لما دونه أَو ينصب مَا دونه ش اعْلَم أَن أَلْفَاظ الْعدَد على
ثَلَاثَة أَقسَام أَحدهَا مَا يجْرِي دَائِما على الْقيَاس فِي
التَّذْكِير والتأنيث فيذكر مَعَ الْمُذكر وَيُؤَنث مَعَ الْمُؤَنَّث
وَهُوَ الْوَاحِد والاثنان وَمَا كَانَ على صِيغَة فَاعل تَقول فِي
الْمُذكر وَاحِد وَاثْنَانِ وثان وثالث ورابع إِلَى عَاشر وَفِي
الْمُؤَنَّث وَاحِدَة وَاثْنَتَانِ وثانية وثالثة ورابعة إِلَى عاشرة
وَالثَّانِي مَا يجْرِي على عكس الْقيَاس دَائِما فيؤنث مَعَ الْمُذكر
وَيذكر مَعَ الْمُؤَنَّث وَهُوَ الثَّلَاثَة والتسعة وَمَا بَينهمَا
تَقول ثَلَاثَة رجال وَثَلَاث نسْوَة قَالَ تَعَالَى سخرها عَلَيْهِم
سبع لَيَال وَثَمَانِية أَيَّام حسوما
(1/310)
وَالثَّالِث مَا لَهُ حالتان وَهُوَ
الْعشْرَة فَإِن اسْتعْملت مركبة جرت على الْقيَاس تَقول ثَلَاثَة عشر
عبدا بالتذكير وَثَلَاث عشرَة أمة بالتأنيث وَإِن اسْتعْملت غير مركبة
جرت على خلاف الْقيَاس تَقول عشرَة رجال بالتأنيث وَعشر إِمَاء
بالتذكير وَاعْلَم أَن لاسماء الْعدَد الَّتِي على وزن فَاعل أَربع
حالات احداها الْأَفْرَاد تَقول ثَان ثَالِث رَابِع خَامِس وَمَعْنَاهُ
وَاحِد مَوْصُوف بِهَذِهِ الصّفة الثَّانِيَة أَن يُضَاف إِلَى مَا
هُوَ مُشْتَقّ مِنْهُ فَتَقول ثَانِي اثْنَيْنِ وثالث ثَلَاثَة ورابع
أَرْبَعَة وَمَعْنَاهُ وَاحِد من اثْنَيْنِ وَوَاحِد من ثَلَاثَة
وَوَاحِد من أَرْبَعَة قَالَ الله تَعَالَى إِذْ أخرجه الَّذين كفرُوا
ثَانِي اثْنَيْنِ وَقَالَ الله تَعَالَى لقد كفر الَّذين قَالُوا ان
الله ثَالِث ثَلَاثَة الثَّالِثَة أَن يُضَاف إِلَى مَا دونه كَقَوْلِك
ثَالِث اثْنَيْنِ ورابع ثَلَاثَة وخامس أَرْبَعَة وَمَعْنَاهُ جَاعل
الِاثْنَيْنِ بِنَفسِهِ ثَلَاثَة وجاعل الثَّلَاثَة بِنَفسِهِ
أَرْبَعَة قَالَ الله تَعَالَى مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ
رابعهم وَلَا خَمْسَة الا هُوَ سادسهم الرَّابِعَة أَن ينصب مَا دونه
فَتَقول رَابِع ثَلَاثَة بتنون رَابِع وَنصب ثَلَاثَة كَمَا تَقول
جَاعل الثَّلَاثَة أَرْبَعَة وَلَا يجوز مثل ذَلِك فِي الْمُسْتَعْمل
مَعَ مَا اشتق مِنْهُ خلافًا للأخفش وثعلب
مَوَانِع صرف الِاسْم تِسْعَة
ص بَاب مَوَانِع صرف الِاسْم تِسْعَة يجمعها وزن الْمركب عجمة
تَعْرِيفهَا عدل وَوصف الْجمع زد تأنيا كأحمد وأحمر وبعلبك وابراهيم
وَعمر وَأخر وأحاد
(1/311)
وموحد إِلَى الْأَرْبَعَة ومساجد ودنانير وسلمان وسكران وَفَاطِمَة
وَطَلْحَة وَزَيْنَب وسلمى وصحراء فألف التَّأْنِيث وَالْجمع الَّذِي
لَا نَظِير لَهُ فِي الْآحَاد كل مِنْهُمَا يتأثر بِالْمَنْعِ والبواقي
لَا بُد من مجامعة كل عِلّة مِنْهُنَّ للصفة أَو العلمية وتتعين
العلمية مَعَ التَّرْكِيب والتأنيث والعجمة وَشرط العجمة علمية فِي
العجمية وَزِيَادَة على الثَّلَاثَة وَالصّفة أصالتها وَعدم قبُولهَا
التَّاء فعريان وأرمل وَصَفوَان وارنب بِمَعْنى قَاس وذليل منصرفة
وَيجوز فِي نَحْو هِنْد وَجْهَان بِخِلَاف زَيْنَب وسقر وبلخ وكعمر
عِنْد تَمِيم بَاب حذام ان لم يخْتم برَاء كسفار وأمس لمُعين ان كَانَ
مَرْفُوعا وَبَعْضهمْ لم يشْتَرط فيهمَا وسحر عِنْد الْجَمِيع ان كَانَ
ظرفا معينا ش الاصل فِي الِاسْم المعرب بالحركات الصّرْف وَإِنَّمَا
يخرج عَن ذَلِك الأَصْل اذا وجد فِيهِ عِلَّتَانِ من علل تسع اَوْ
وَاحِدَة مِنْهَا تقوم مقامهما وَقد جمع الْعِلَل التسع فِي بَيت
وَاحِد من قَالَ اجْمَعْ وزن عادلا انث بِمَعْرِِفَة ركب وزد عجمة
فالوصف قد كملا وَهَذَا الْبَيْت احسن من الْبَيْت الَّذِي اثبته فِي
الْمُقدمَة وَهُوَ لِابْنِ النّحاس وَقد مثلتها فِي الْمُقدمَة على
التَّرْتِيب وَهَا انا اشرحها على هَذَا التَّرْتِيب فَأَقُول
الْعلَّة الأولى وزن الْفِعْل
وَحَقِيقَة ان يكون الِاسْم على وزن خَاص بِالْفِعْلِ أَو يكون فِي
أَوله زِيَادَة كزيادة الْفِعْل وَهُوَ مسَاوٍ لَهُ فِي وَزنه فَالْأول
كَأَن تسمى رجلا قتل بِالتَّشْدِيدِ أَو ضرب أَو نَحوه من ابنية مَا لم
يسم فَاعله أَو انْطلق وَنَحْوه من الْأَفْعَال الْمَاضِيَة المبدوءة
بِهَمْزَة الْوَصْل فَإِن هَذِه الأوزان كلهَا خَاصَّة بِالْفِعْلِ
وَالثَّانِي مثل احْمَد وَيزِيد ويشكر وتغلب ونرجس علما |