شرحان على مراح الأرواح في علم الصرف

[شرح ديكنقوز]
"فصل في اسم الفاعل":
قال ابن الحاجب: وبه سمي بلفظ الفاعل الذي هو وزن اسم الفاعل عن الثلاثي لكثرة الثلاثي، فجعلوا أصل الباب له فلم يقولوا اسم المفعل والمستفعل وفيما قال نظر؛ لأنه ليس القصد بقولهم اسم الفاعل اسم الصيغة الآتية على وزن فاعل، بل إيراد اسم ما فعل الشيء وهو الفاعل لا المفعول، فإنه اسم من وقع عليه الفعل، والمستفعل بمعنى الذي فعل الشيء إذا لم يأت المفعل والمستفعل بمعنى الذي فعل الشيء بخلاف الفاعل؛ فإنه جاء بمعنى الذي فعل الشيء، وإنما أطلقوا اسم الفاعل على من لم يفعل الفعل كالمنكسر والمتدحرج والجاهل والضامر؛ لأن الأغلب فيما بني له هذه الصيغة؛ أي الصيغة التي تسمى في الاصطلاح اسم الفاعل أن يفعل فعلا كالقائم والقاعد والمخرج والمستخرج "وهو اسم" يتناول غير المقصود وقوله: "مشتق" بالذات "من المضارع" يخرج المصادر وأسماء الذوات، وإنما حكم بكونه مشتقا من المضارع دون غيره لموازنته إياه في الحركات والسكنات والمفهوم من كلام بعضهم أنه مشتق من الماضي فكأنه نظر إلى أن الماضي أصل بالنسبة إلى المضارع، وأن التصرف في الاشتقاق من الماضي أقل وقوله: "لمن قام به الفعل" في الجملة فيدخل فيه نحو: زيد مقابل عمرو أو أنا مقرب من فلان أو مبتعد منه أو مجتمع معه، فإن هذه الأحداث نسبة بين الفاعل والمفعول لا يقوم بأحدهما معينا دون الآخر إلا أن قيامه ينسب إلى ما ينسب إليه الحدث صريحا ولا يعتبر قيامه بما نصب إليه ضمنا فكأنه قام بأحدهما معينا ويخرج أسماء المفعول والموضع والزمان والآلة دون أفعل التفضيل؛ لأن زيادة الكرم مثلا كرم فيصدق عليه أنه قام به الفعل، والأولى أن يقول لما قام، وذلك لأن المجهول أمره يذكر بلفظ ما واسم الفاعل لم يوضع للشيء باعتبار كونه عاقلا، بل وضع لمعنى قائم بذات عاقلة كانت تلك الذات أو غير عاقلة، ولعله قصد تغليب العاقل على غير العاقل وقوله: "بمعنى الحدوث" بحسب الوضع فدخل فيه نحو: مؤمن وكافر وواجب ودائم وباق وضامر في فرس ضامر وعالم في الله عالم يخرج الصفة المشبهة؛ لأن وضعها على الإطلاق لا الحدوث ولا الاستمرار، فإن قصد بها الحدوث ردت إلى صيغة اسم الفاعل فيقال: في حسن حاسن الآن أو غدا، وكذلك يخرج أفعل التفضيل؛ لأن معناه ليس بمقيد بأحد الأزمنة كالصفة المشبهة فمعنى كريم وأكرم شخص ثبت له الكرم وزيادة لا أنهما حدثا له "واشتق" اسم الفاعل "منه"؛ أي من المضارع "لمناسبتهما"؛ أي لمناسبة كل واحد من اسم الفاعل والمضارع الآخر
__________

[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
"فصل في اسم الفاعل":
لما فرغ من قسم الأفعال شرع في قسم الأسماء المشتقة، وقدم منها الفاعل لعدم اختصاصه بفعل دون فعل، ولكثرة استعماله بالنسبة إلى ما عداه "وهو اسم مشتق من المضارع المعلوم لمن قام به الفعل بمعنى الحدوث" قوله: اسم جنس يشمل جميع الأسماء مشتقة أو غير مشتقة، وقوله: مشتق من المضارع يخرج الأسماء الغير المشتقة كالفاعل الذي أسند إليه الفعل وكالمصدر وغيرهما، وقوله: لمن قام به الفعل يخرج اسم المفعول والآلة واسمي الزمان والمكان، وقيل: يخرج أيضا اسم التفضيل ولا يخرج الصفة المشبهة، لكن هذا القيد لا يشمل بعض أسماء الفاعلين، نحو: زيد مقابل عمرو وأنا مقرب من فلان أو مبتعد عنه ومجتمع به، فإن هذه الأحداث نسب بين الفاعل والمفعول لا يقوم بأحدهما معينا دون الآخر كذا قيل، وقوله: بمعنى الحدوث يخرج الصفة المشبهة؛ لأن وضعها على الثبوت والدوام لا على الحدوث ولهذا لو قصد بها الحدوث ردت إلى صيغة اسم الفاعل فيقال في حسن حاسن الآن أو غدا ومنه قوله تعالى في ضيق {وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} وهذا مطرد في كل صفة مشبهة، ولا ينتقض التعريف بمثل: دائم وباق بناء على أنهما ليسا بمعنى الحدوث، بل بمعنى الاستمرار؛ لأن الاستمرار مدلول جوهر الكلمة لا مدلول الصيغة فيدلان بصيغتها على الحدوث أيضا، كما يدل يدوم ويبقى بحسب الصيغة على الحدوث، اعلم أن قوله: بمعنى الحدوث يخرج ما هو على وزن اسم الفاعل إذا لم يكن بمعنى الحدوث بل بمعنى الاستمرار نحو فرس ضامر؛ أي مهزول خفيف اللحم، وشازب بالشين والزاي المعجمتين بمعنى الضامر، وعذره أن يقال إن قصد الاستمرار فيها عارض ووضعها على الحدوث كما في قولك: الله عالم أو كائن أبدا كذا قرره الفاضل الرضي "واشتق" اسم الفاعل "منه"؛ أي من المضارع دون غيره من الأفعال ومن المصدر "لمناسبتها"؛ أي لمناسبة بينهما

(1/65)



[شرح ديكنقوز]
"في الوقوع صفة للنكرة وغير" من المشابهات التي مر ذكرها وأعمل المصدر المعرف باللام على غير القياس "وصيغته"؛ أي صيغة اسم الفاعل "من الثلاثي" المجرد صحيحا كان أو غيره "على وزن ضارب" غالبا؛ إذ قد يجيء على وزن فعول كصبور وفعيل كرحيم "و" إنما ترك هذا القيد على أنه سيذكر هذين الوزنين "حذف علامة الاستقبال من يضرب" لئلا يتوهم من أول الأمر أنه مستقبل "وأدخل الألف" للفرق بينه وبين الماضي وخص الألف بالزيادة من بين سائر حروف المد "لخفتها بين الفاء والعين؛ لأنه"؛ أي الإدخال "في الأول يصير" اسم الفاعل "مشابها للمتكلم" على تقدير فتح الألف الذي هو الأصل لخفته نحو: أنصر وأضرب وأعلم وعلى تقدير الضم مع كونه ثقيلا يلتبس بالأمر في الوقف وبالمتكلم المجهول في مثل: يعلم ويلزم النزول من الضمة إلى الكسرة في مثل: يضرب، وعلى تقدير الكسر يلتبس بالأمر في مثل: يضرب ويعلم، ويلزم الخروج من الكسرة إلى الضمة في مثل: نصر ولا مجال لإبقائه على السكون وأن الإدخال في الآخر يصير أنه مشابها بتثنية الماضي بعد تحريك الفاء للضرورة "وكسر عينه"؛ أي عين المضارع فيما لم يكن مكسورا وعلم منه حكم ما كان مكسورا، وهو الإبقاء على الكسر ولذا لم يذكره "لأنه"؛ أي اسم الفاعل "بتقدير النصب"؛ أي الفتح أطلق حركة الإعراب على حركة البناء على طريق الاستعارة للمشابهة الصورية؛ أي بتقدير نصب عين المضارع لاستقامة منه فيما لم يكن منصوبا اتباعا لما كان منصوبا حتى يكون كله منصوبا "يصير مشابها لماضي المفاعلة" وكان التزام الزيادة بعد حذف علامة الاستقبال لدفع الالتباس بالماضي وإن كان من غير هذا الباب فلو اختاروا هذه المشابهة لوقعوا فيما فروا منه "وبتقدير الضم" فيما لم يكن مضموما اتباعا لما كان مضموما "يثقل" اسم الفاعل "وبتقدير الكسر" فيما لم يكن مكسورا للاتباع "أيضا"؛ أي كتقدير النصب "يلزم الالتباس بأمر باب المفاعلة ولكن أبقى" اسم الفاعل "مع ذلك" الالتباس "للضرورة" واختيار الالتباس أولى من اختيار الثقل؛ لأن لغتهم سالمة عن كل بشاعة وثقلة "وقيل اختيار
__________

[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
"في الوقوع" موقعه في كونه "صفة للنكرة وفي غيره" من المناسبات المذكورة في صدر فصل المضارع، وإذا كان مشتقا من المضارع وهو من الماضي وهو من المصدر كان مشتقا من المصدر بواسطة كما هو مذهب السيرافي، وقد سبق منا إشارة إليه في صدر الكتاب "وصيغته من الثلاثي المجرد" صحيحا كان أو معتلا "على وزن فاعل" نحو: ناصر وبائع قيل: ولهذا يسمى به لكثرة الثلاثي؛ أي ولأجل أن اسم الفاعل من الثلاثي على فاعل سمي بلفظ الفاعل لجميع اسم الفاعل كالمنفعل والمستفعل لكثرة الثلاثي ولم يقولوا اسم المنفعل ولا اسم المستفعل، ورد بأنه ليس القصد بقولهم: اسم الفاعل اسم الصيغة الذي يجيء على وزن اسم الفاعل، بل المراد اسم ما فعل الشيء، ولم يأت المنفعل والمستفعل بمعنى الذي فعل الشيء حتى يقال اسم المنفعل والمستفعل. واعلم أنهم أطلقوا اسم الفاعل على من لم يفعل الفعل كالمنكسر والجاهل والضامر والمائت؛ لأن الأغلب فيما بني له هذه الصيغة أن يفعل فعلا كالقائم والقاعد والمخرج والمستخرج وغير ذلك قوله: "وحذف" شروع في بيان كيفية اشتقاق اسم الفاعل الثلاثي من المضارع المعلوم؛ أي حذف أولا "علامة الاستقبال من يضرب" مثلا ولو قال: من يفعل لكان أوفق لما بعده "فأدخل الألف" عقيب الحذف دون سائر حروف المد "لخفتها بين الفاء والعين" نحو: الضاد والراء في يضرب "لأن في الأول" أي؛ لأن الشأن لو زيد في الأول "يصير" اسم الفاعل "مشابها"؛ أي ملتبسا "بالمتكلم" وحده؛ لأنه لو زيد في الأول تحرك بالفتح لتعذر الابتداء بالساكن وخفة الفتحة فيلتبس بالمتكلم الذي عينه مكسور مثل: اضرب ولو كسر الألف يلتبس أيضا بالأمر من مكسور العين؛ إذ لا اعتبار بحركة الآخر نحو: واصبر، ولو ضم يلتبس أيضا بالأمر من مضموم العين نحو: انصر، ولو زيد في الآخر قيل: يلتبس بتثنية الماضي في مثل فتحا، وقيل: يلزم أن يصير إعرابه تقديريا، ولو زيد بين العين واللام يلتبس بصيغة المبالغة نحو: فتاح وصبار؛ إذ لا اعتبار بالإعجام، وإذا بطل الأقسام بأسرها تعين أن يزاد بين الفاء والعين "وكسر عينه بعد زيادة الألف"؛ أي لا يجوز غير الكسر في عين المضارع، فإن كان مضموما أو مفتوحا في الأصل كسر نحو: ناصر وعالم، وإن كان مكسورا أبقى عليه نحو: ضارب "لأن" الشأن "بتقدير الفتحة" وفي بعض النسخ بتقدير النصب والمراد الفتح "يصير مشابها"؛ أي ملتبسا "بماضي المفاعلة" فإنك إذا قلت: ضارب بفتح الراء لم يعلم أنه اسم الفاعل من يضرب أو فعل ماض من المضاربة "وبتقدير الضمة يثقل"؛ أي يصير ثقيلا وهو ظاهر "وبتقدير الكسرة أيضا"؛ أي كتقدير الفتحة "يلزم الالتباس بأمر باب المفاعلة" فإذا قلت: ضارب بكسر الراء لم يعلم أنه اسم الفاعل من يضرب أو أمر من المضاربة؛ إذ لا اعتبار بحركة الطرف "ولكن أبقى" الكسر "مع ذلك" الالتباس "للضرورة"؛ أي لعدم إمكان الفتح والضم كما بينا ولعدم إمكان السكون لالتقاء الساكنين واعترض عليه بعض الشارحين بأن هذا الجواب ضعيف؛ لأن التزام الثقل أولى من التزام الالتباس فتقول التزام الالتباس سيما في قليل الوقوع سيما فيما يمكن دفعه؛ إذ يمكن ها هنا دفعه بالتنوين وتركه أولى من التزام الثقل بالضمة سيما بعد ألف المد؛ إذ بذلك يكون أثقل، ويدل على ما ذكرنا أنهم قلبوا الياء ألفا في مثل: مختار في الفاعل والمفعول دفعا للثقل مع أنه يلتبس أحدهما بالآخر بعد القلب لا قبله، واكتفوا بالفرق التقديري "وقيل اختيار

(1/66)



[شرح ديكنقوز]
الالتباس بالأمر أولى" من اختيار الالتباس بالماضي "لأن الأمر" مأخوذ "من المستقبل والفاعل مشابه به" بل اسم الفاعل مأخوذ من المستقبل أيضا على ما ذكره المصنف، ولهذه المناسبة اختير اتحادهما في الصيغة "وتجيء الصفة المشبهة" باسم الفاعل مع أنها لمن قام به الفعل ولفظا؛ لأنها تثنى وتجمع وتؤنث كما أن اسم الفاعل كذلك، وهي اسم مشتق من فعل لازم لمن قام به فقط على معنى الثبوت، وقولنا فقط ليخرج أفعل التفضيل؛ إذ كما يقوم الفعل لمن اشتق له يقوم به الزيادة أيضا، وباقي القيود ظاهرة ولم يتعرض لتعريفها، وتعريف أفعل التفضيل لقرب تعريفها من تعريف اسم الفاعل حتى عدا عند أهل هذا الفن من اسم الفاعل ولذلك لم يعدهما في المشتقات من المصدر وأوردهما في فصل اسم الفاعل وإما قدمهما على بيان صيغة اسم الفاعل من غير الثلاثي؛ لأنهما مختصان بالثلاثي "على هذه الأبنية"؛ أي ليست صيغ الصفة المشبهة قياسية كصيغ اسم الفاعل والمفعول؛ لأنهم لم يجروا فيها على قياس يضبط بأصل كما في اسم الفاعل والمفعول، بل أتوا بها مختلفة الصيغ مع اتفاق صيغة الفعل في كثير منها، ولم يأت شيء منها على القياس إلا الألوان والحلي والعيوب الظاهرة، فإنها أتي بها على أفعل كأبيض وأبلج وأعور "نحو فرق" بفتح الفاء وكسر العين وهذا غالب من فعل بكسر العين "وشكس" بفتح الفاء وسكون العين من فعل مكسور العين "وصلب" بضم الفاء وسكون العين "وملح" بكسر الفاء وسكون العين "وجنب" بضمهما "وحسن" بفتحهما "وخشن" بفتح الفاء وكسر العين "وشجاع" بضم الفاء "وجبان" بفتحها وهذه السبعة من فعل مضموم العين ولذلك ذكر خشن
__________

[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
الالتباس" على تقدير الكسر "بالأمر"؛ أي بأمر باب المفاعلة "أولى" من اختيار الالتباس بماضي المفاعلة "لأن الأمر مأخوذ من المستقبل والفاعل مشابه به" مشابهة تامة فيكون بين الأمر واسم الفاعل مؤاخاة ومناسبة بخلاف الأمر وماضي باب المفاعلة فاختيار الالتباس بين الأمرين المتناسبين أولى من اختيار بين الأمرين المتباينين إذا تعين اختيار أحدهما، ولما فرغ من بيان كيفية بناء اسم الفاعل من الثلاثي المجرد شرع في كيفية بناء الصفة المشبهة فقال: "ويجيء الصفة المشبهة" ولم يجعل لها فصلا على حدة، بل ذكرها في ذيل اسم الفاعل من الثلاثي للمشابهة التامة بينهما كما يذكره فكأنها منه وقدمها على اسم الفاعل من غير الثلاثي؛ لعدم المناسبة بينهما؛ إذ الصفة المشبهة لا تجيء من غير الثلاثي، وعرفوها بأنها اسم اشتق من فعل لازم لمن قام به على معنى الثبوت، قولنا: اسم جنس يشمل جميع الأسماء مشتقة أو غير مشتقة، وقولنا: اشتق من فعل لازم يخرج غير المشتقات ومشتقات الفعل المتعدي، وقولنا: لمن قام به يخرج اسم المفعول اللازم المتعدي بحرف الجر كمعدول عنه وممرور به، واسم الزمان والمكان والآلة، وقولنا: على الثبوت؛ أي الاستمرار يخرج اسم الفاعل اللازم كقائم وقاعد فإنه مشتق من فعل لازم لمن قام به لكن على معنى الحدوث، ويخرج أيضا مثل ضامر وشازب وطالق وإن كان بمعنى الثبوت؛ لأنه في أصل وضعه للحدوث، وذلك لأن صيغة الفاعل موضوعة للحدوث كما بيناه في اسم الفاعل. واعلم أن المشابهة بينها وبين اسم الفاعل من حيث المعنى ومن حيث اللفظ أما الأول فلأن الصفة المشبهة ما قام بها الحدث المشتق هي منه، فمعنى زيد حسن، زيد ذو حسن، والحسن حدث أى مصدر قائم بزيد كما أن اسم الفاعل محل للحدث المشتق هو منه، فمعنى زيد ضارب زيد ذو ضرب، فلا فرق بينهما معنى إلا من حيث الحدوث فى إحدهما وضعا والثبوت فى الآخر كما عرفت، وأما الثاني فلأن الصفة المشبهة اسم يثنى ويجمع ويذكر ويؤنث، كما كان اسم الفاعل كذلك فلما كانت مشابهة له سميت مشبهة وعملت عمله، ولما كانت صيغة الصفة المشبهة سماعية ومختلفة لا يضبطها قياس بل أمرها يتوقف على المسموع أشار إلى الأمثلة المسموعة بقوله: وتجيء الصفة المشبهة "على هذه الأبنية" أى تجيء على وزن فَعِل بفتح الفاء وكسر العين "نحو فرق" من الباب الرابع بمعنى الجبان "و" على وزن فَعْل بفتح الفاء وسكون العين نحو: "شكس" من الباب الرابع أيضا بمعنى سيئ الخلق، وحكى الفراء رجل وشكس بكسر الكاف وهو القياس؛ لأن ماضيه بالكسر أيضا والجمع شكس بضم الأول وسكون الفاء "و" على وزن فعل بضم الفاء وسكون العين نحو "صلب" من الباب الخامس بمعنى الشديد وكذا الصليب منه "و" على وزن فعل بكسر الفاء وسكون العين نحو "ملح" من الباب الأول وكذا من الباب الخامس يقال هو ماء ملح ولا يقال مالح إلا فى لغة رديئة "و" على وزن فعل بضمتين نحو "جنب"من الباب الخامس من الجانبة سواء فرده وجمعه ومؤنثه ومذكره وربما قالوا فى جمعه أجناب وجنوب "و" على وزن فعل بفتحتين نحو "حسن" من الباب الخامس وهو ضد القبيح والجمع المحاسن غير قياس ومؤنثه حسنة وحسناء أيضا "و" على وزن فعل بفتح الفاء كسر العين نحو "خشن" من الباب الخامس وهو ضد اللين هذا تكرار لما سبق من المثال الاول؛ إذ وزنه هذا الوزن أيضا أجاب عنه بعض الشارحين بأن الأول من الباب الرابع وهذا من الخامس فلا يتكرر، فنقول هذا الجواب ضعيف؛ إذ المقصود بيان أوزان الصفة من أى باب كان لا بيان وزن الصفة من كل باب، وإلا لوجب أن يذكر صفر مثلا من الباب الرابع بمعنى الخالى بوزن ملح لاختلاف ما بينهما، ويؤيد ما ذكرناه إطلاق قوله: وتجيء الصفة المسبهة على هذه الأبنية إلخ وعدم تقييد شيء منها بأنه من الباب كذا، وأما تخصيص أحوال فلعلة يذكرها "و" على وزن فعال بفتح الفاء نحو "جبان" من الباب الخامس من الجبن وهوت ضد الشجاعة يقال: رجل جبين وامرأة جبان فهو مؤنث، وإن جعلته من الباب الأول يكون وزن الصفة فعال بكسر الفاء نحو: جبان فيكون مذكر أو عبارة المصنف تحتملهما "و" على وزن فعال بضم الفاء نحو: "شجاع" من الباب الخامس بمعنى شديد القلب عند البأس وجمعه شجعة وشجعان بكسر

(1/67)



[شرح ديكنقوز]
"وعطشان" بفتح الفاء وسكون العين من فعل مكسور العين "وأحول" بفتح الهمزة والعين وسكون الفاء "وهو"؛ أي وزن أحول "مختص بباب فعل" مكسور العين "إلا ستة" منه فإنها "تجيء من فعل" بضم العين "نحو أحمق وأخرق وآدم وأرعن وأعجف وأسمر، وزاد الأصمعي" على هذه الستة "الأعجم و" قال إنه من فعل بالضم أيضا "قال الفراء: الأحمق من حمق" بكسر العين "وهو لغة في حمق" بضم العين "وكذلك"؛ أي كما أن حمق يجيء بالضم "يجيء خرق وسمر وعجف أعني فعل" بضم العين "لغة فهن"؛ أي في هذه الثلاثة يعني أن أصلها من فعل بالكسر إلا أنها لغة من فعل بالضم "ويجيء أفعل" بفتح الهمزة والعين وسكون الفاء "لتفضيل الفاعل" على غيره وهو المبني على أفعل لزيادة صاحبه على غيره فى المصدر المشتق هو منه فيخرج عنه نحو فاضل وزائد وغالب ويخرج عنه أيضا نحو طائل؛ أي زائد فى الطول على غيره، ويدخل فيه خير وشر لكونهما فى الأصل أخير وأشرر فخففا بالنقل والاستغناء لكثرة الاستعمال، وقد يستعملان على القياس فى لغة رديئة وعليها جاء قولها: صغراها شراها هذا من قول امرأة قالت لحليلها: إني أتماوت فإذا دفنوني فأتني ليلا فأخرجني واذهب بي إلى مكان لا يعرفنا أهله، ثم فعلت المرأة ما قالت وأخرجها الرجل، وانطلق بها أياما إلى مكان آخر ثم تحولت إلى الحي بعد برهة، فبينا هى ذات يوم قاعدة مرت بها بناتها فنظرت إليها الكبرى، فقالت: أمي والله، وقالت لها الوسطى: صدقت والله، قالت المرأة:
__________

[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
الشين وسكون الجيم فيهما ومؤنثه شجاعة، وقال أبو زيد: لا توصف به المرأة ولك أن تكسر الشين فتقول: شجاع، وحينئذ يجيء جمعه شجعة بفتح الشين وسكون الجيم، وشجعة بفتحتين "و" على وزن فعلان بفتح الفاء وسكون العين نحو "عطشان" من الباب الرابع معناه ظاهر وجمعه عطشى بفتح العين وسكون الطاء وعطاش بفتح العين وعطاش بالكسر ومؤنثه عطشى أيضا وجمعه عطاش بالكسر فقط، قال ابن الحاجب: تجيء الصفة المشبهة من جميع الأبواب الثلاثية إذا كان بمعنى الجوع والعطش، وضدهما على فعلان كجوعان وشبعان عطشان وريان "و" على وزن أفعل بفتح الهمزة وفتح العين نحو "أحول" من الباب الرابع "وهو"؛ أي هذا الوزن "مختص بباب فعل"بكسر العين ولم يجئ من مفتوح العين ومضمومه "إلا ستة" كلمات فإنها تجيء من فعل بضم العين يعني أن أفعل يجيء قياسا من فعل مكسور العين من الألوان والعيوب والحلي إلا هذه الكلمات، ولا يجيء شيء من الأبنية المذكورة سوى أفعل قياسا من شيء من الأبواب، فلهذا صرح بأنه مختص بباب فعل، ولم يصرح فيما عداه بأنه مختص بكذا قال ابن الحاجب فى كافية التصريف؛ إن كان الماضى المجرد من فعل بكسر العين من الألوان والعيوب والحلي فيبنى على أفعل قياسا ومثله بعض شارحيه بنحو أسود وأعور وأملح "نحو أحمق"؛ أي قليل العقل "وأخرق" وهو ضد الرفيق "وآدم" فى مختار الصحاح؛ الآدم من الناس الاسم والجمع أدمان، والآدم من الإبل الشديد البياض وقليل هو الأبيض والأسود المقلتين يقال: بعير آدم وناقة أدماء "وأرعن" وهو الأحمق ومؤنثه رعناء "وأعجف" العجف الهزال والإنثى عجفاء والجمع عجاف بالكسر على قياس "وأسمر" وهو لون معروف "وزاد الأصمعى"على هذه الستة "الأعجم" يقال فى لسانه عجمة؛ أي عجز لا يقدر على الكلام أصلا، وبهذا سميت البهيمة عجماء؛ لأنها لا تتكلم والأعجم أيضا من لا يفصح ولا يبين كلامه والأنثى عجماء "وقال الفراء" فى جواب هذه السبعة "أحمق من حمق" بالكسر "وهو لغة فى حمق" بالضم فكان أحمق قياسا وفيه بحث؛ لأن حمق إذا كان بالضم يجيء الصفة منه أحمق، وأما إذا كان بالكسر يجيء الصفة منه حمق بفتح الحاء وكسر الميم لا أحمق كذا فى مختار الصحاح، فلا يغني في الجواب كون الكسر لغة فى الضم "وكذلك"؛ أي كما أن حمق بالكسر لغة في حمق بالضم "يجيء خرق وسمر وعجف" بالكسر في الكل كما يجيء بالضم فيه، فالكسر لغة في الضم أيضا، ثم لما أراد تعميم الحكم للكلمات السبعة بعد ذكر أربعة منها قال "أعني فعل" بالكسر "لغة فيهن"؛ أي فى السبعة المذكورة كلها فيكون كل واحد من الكلمات السبعة قياسيا، واعلم أن أبنية الصفة المشبهة ليست منحصرة فيما ذكره المصنف من الأبنية العشرة، بل يجيء أيضا على وزن فعيل مثل: كريم، وعلى وزن فعول بفتح الفاء وتشديد العين نحو: غيور، وعلى وزن فيعل بفتح الفاء وكسر العين نحو: ضيق، وعلى وزن فعول بفتح الفاء نحو: وقور، وعلى وزن فعال بضم الفاء وتخفيف العين نحو: ملاح، ولما فرغ من بيان أبنية الصفة المشبهة شرع في اسم التفضيل فقال: "ويجيء أفعل التفضيل الفاعل"ولم يجعل لها فصلا على حدة أيضا لقوة مشابهته لاسم الفاعل وللصفة المشبهة أيضا، وبيان المشابهة لهما يعرف مما ذكرناه فى الصفة المشبهة مع أن اسم الفاعل فى المشابهة بحسب المعنى كذا قيل، والأشبه أن يقال لما ذكر أن أفعل يجيء للصفة كان مظنة أن يتوهم أن أفعل لا يجيء لغير الصفة فلدفع هذا الوهم قال: ويجيء أفعل لتفضيل الفاعل؛ أي كما يجيء للصفة المشبهة، وعرفوه بأنه اسم اشتق من فعل لموصوف بزيادة على غيره فقولنا: اسم اشتق من فعل يتناول جميع المشتقات من الأفعال، وقولنا: لموصوف بزيادة على غيره يخرج ما عدا اسم التفضيل، قال الفاضل الرضي: وهو ينتقض بنحو: فاضل وغالب وزائد، ولو احترز عن مثله بأن قال: المراد ما اشتق من فعل لموصوف بزيادة على غيره فيه أى فى الفعل المشتق منه لانتقض بنحو: طائل؛ أي زائد في الطول على غيره، والأولى أن يقال هو المبني على أفعل لزيادة صاحبه على غيره في الفعل؛ أي في الفعل المشتق هو منه، ويدخل فيه خير وشر لكونهما في الأصل أخير وأشرر، فخففتا بالحذف لكثرة الاستعمال، وقد يستعملان على القياس. ا. هـ. كلامه.

(1/68)



[شرح ديكنقوز]
كذبتما ما أنا لكما بأم، ولا لأبيكما بامرأة، فقالت لهما الصغرى: أما تعرفان محياها وتعلقت وخرجت بها، فقالت الأم عند ذلك: صغراها شراها، وإنما يجيء أفعل التفضيل الفاعل بشرط كونه "من الثلاثى" احترز به عن الرباعى المجرد والمزيد فيه فإنه لا يجيء منهما حال كونه "غير مزيد فيه"؛ أي فى الثلاثى بشرط كونه "مما ليس بلون ولا عيب ولا يجيء من المزيد فيه" ولا مما كان فى حكمه من الرباعى المجرد والمزيد فيه "لعدم إمكان محافظة جميع حروفها فى أفعل" إذا لم تحذف منه شيئا وإن حذفت الزوائد فقلت: هو أخرج من استخرج معلا يلتبس بأفعل من الثلاثى؛ أي لم يعلم أن المراد منه كثير الخروج أو كثير الاستخراج "ولا يجيء" أيضا "من لون ولا عيب"؛ أي لا يجيء من عيب على القياس ظاهرا كان العيب أو باطنا، وأما ما جاء من العيوب الباطنة من نحو: أجهل وأحمق وأضل، فهو على غير قياس فعلى هذا لا يحتاج إلى تقييد العيب بالظاهر كيف وقد عد الزمخشري وصاحب اللباب والمصنف وغيرهم أحمق من الشواذ مع أنه من العيوب الباطنة "لأن" الشأن "فيهما"؛ أي فى اللون والعيب "يجيء أفعل للصفة فيلزم الالتباس"؛ إذ لو جاء فيهما أفعل للتفضيل أيضا فقيل: أسود مثلا لم يعلم أن المراد ذو سواد أو زائد في السواد، وإن قصد تفضيل الزائد على الثلاثة وتفضيل اللون والعيب توصل إليه بأشد ونحوه مثل: هو أشد منه استخراجا وأحسن منه بياضا وأحسن دحرجة وأقبح وأقبح عمى
__________

[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
"من الثلاثي" الذي "غير مزيد فيه" يعني الثلاثي المجرد "مما ليس بلون ولا عيب" لفظة لا زائدة لتأكيد النفي ولما خص أفعل التفضيل بالفاعل" وبالثلاثي المجرد بما ليس بلون ولا عيب وجب عليه أن يبين عدم مجيئه للمفعول، وعدم مجيئه من غير الثلاثي المجرد، وعدم مجيئه من الألوان والعيوب فبين الثاني بقوله: "ولا يجيء" أفعل التفضيل "من" الفعل "المزيد فيه"؛ أي من غير الثلاثي المجرد "لعدم إمكان محافظة جميع حروفها لضمير يرجع إلى المزيد فيه باعتبار الكلمة التي هو يصدق عليها ولهذا أنث "في" بناء "أفعل"؛ لأن أفعل ثلاثي مزيد في أوله همزة للتفضيل، فاستحال محافظة جميع حروف الكلمات الرباعي والخماسية والسداسية في وزن أفعل على تقدير عدم حذف حرف أو حروف منها، وإن حذفت التبس المعنى؛ إذ لو قلت من دحرج مثلا: أدحر بحذف الجيم من آخره لم يعلم أنه من تركيب دحرج، وكذا لو حذفت الهمزة من أخرج وزيدت في أوله همزة التفضيل وقلت: أخرج لم يعلم أن معناه كثير الخروج أو كثير الإخراج، وقس عليه ما عداه، وكل ما ذكر مبني على أنه لا صيغة للتفضيل إلا أفعل، وإنما اقتصروا عليه اختصارا، واعلم أن بناء أفعل من الزوائد مطلقا غير قياس عند الجمهور، وأما عند سيبويه فغير قياس فيما عدا باب الأفعال، وأما في باب الأفعال فمع كونه ذا زيادة قياس عنده، واختار المصنف مذهب الجمهور وبين الثابت بقوله: "ولا" يجيء "من لون ولا عيب؛ لأن فيهما يجيء أفعل للصفة المشبهة" كما ذكرنا "فيلزم الالتباس" بين الصفة والتفضيل على تقدير بناء أفعل منهما للتفضيل أيضا، فإنك إذا قلت: زيد الأسود ولم يعلم أنه بمعنى ذو سواد أو بمعنى الزائد في السواد، وهذا التعليل إنما يتم إذا بين أن أفعل للصفة يقدم بناؤه على أفعل للتفضيل وهو كذلك؛ لأن ما يدل على ثبوت مطلق الصفة مقدم بالطبع على ما يدل على زيادة على الآخر في الصفة، والأولى موافقة الوضع لما بالطبع. واعلم أنه أجاز الكوفيون بناء أفعل التفضيل من لفظي السواد والبياض خاصة قياسا وقالوا: لأنهما أصلا الألوان ويحتجون أيضا في البياض بقول الراجز:
جارية في درعها الفضفاض ... أبيض من أخت بني إياض
وقال المبرد: ليس البيت الشاذ بحجة على الأصل المجمع عليه، وفي السواد بقول الآخر؛ لأنت أسود في عيني من الظلم، والبيتان شاذان عند البصريين، واعلم أنه يجب على المصنف أن يقول وأنه لا يجيء من لون ولا عيب ظاهر؛ لأن العيب الباطن يبنى منه أفعل التفضيل نحو: فلان أبلد من فلان وكذا أرعن وأهوج وأخرق وأعجم وأنوك وأحمق وألد وأشكس وأعين وأجهل وغير ذلك، مع أن بعضها يجيء منها أفعل للصفة أيضا كما مر فلا يطرد تعليلة كما لا يطرد دعواه، والحكم بأن كل هذه الأمثلة مع كثرتها شاذ غير معقول وغير واقع في كلامهم، بل الواقع الجواز قياسا، والجواب عنه بأن المراد من العيب العيب الظاهر ليس بشيء؛ لأن قوله فيما سيأتي وأحمق من هبنقة من العيوب شاذ يدل على أن مراده من العيب ما هو عام للظاهر والباطن فافهم، والتحقيق فيه ما ذكره الفاضل الرضي من أنه لا يفعل التفضيل من الألوان والعيوب الظاهرة؛ لأن غالب الألوان يأتي أفعالها على أفعل وأفعال بتشديد اللام فيهما كأبيض وأسود وأحمر واحمار فحمل ما جاء من الثلاثي عليهما في عدم بناء أفعل التفضيل، وأما العيوب المحسوسة فليس الغالب فيها المزيد فيه، بل الغالب الثلاثي، لكن بعض المزيد فيه أكثر استعمالا فيه من غيره كأحول وأعور فإنهما أكثر استعمالا من حول وعور، ولهذا لم تقلب واوهما ألفا حملا على أحول وأعور، وما لم يجئ منه أفعل ولا أفعال كالعرج والعمى لم يبن منه لكون بعضه مما لا يقبل الزيادة والنقصان كالعمى والبواقي محمولة على القسمين في الامتناع، إذا عرفت هذا فاعلم أنك إذا قصدت التفضيل من الأفعال التي تعذر بناء أفعل منها كالرباعيات والمزيدات وكالألوان والعيوب فطريقة أن تبنى أفعل من فعل يصح بناء أفعل منه على حسب غرضك الذي تقصده، ثم جئت بمصادر تلك الأفعال التي امتنع بناء أفعل منها فتنصب على التمييز مثلا: إذا قصدت كثرة الفعل قلت: أكثر دحرجة، وإذا قصدت حسنه قلت: أحسن انتقاشا، وإذا قصدت قبحه قلت: أقبح عورا، وإذا قصدت شدته أشد بياضا، وقس عليه ما عداه

(1/69)



[شرح ديكنقوز]
"ولا يجيء" أفعل "لتفضيل المفعول حتى لا يلتبس" تفضيل المفعول "بتفضيل الفاعل"؛ إذ لو قيل اضرب لم يعلم أن المراد أكثر ضاربية أو أكثر مضروبية "فإن قيل لم لا يجعل على العكس" بأن يجيء أفعل لتفضيل المفعول دون تفضيل الفاعل "حتى لا يلزم الالتباس قلنا: جعله للفاعل أولى" من عكسه "لأن الفاعل مقصود" حيث لم يتم الكلام بدونه "والمفعول فضلة في الكلام"؛ لأن الكلام يتم بدونه فبناؤه للمقصود أولى "وأيضا يمكن التعميم في الفاعل دون المفعول"؛ إذ لا مفعول إلا وله فاعل في الأغلب ولا ينعكس فلو جعلوه حقيقة في المفعول لبقي اسم الفاعل مع أنه أكثر عريا عن معنى التفضيل إلا بالقرينة لعدم اللفظ الدال عليه حقيقة ويبقى كثير من الأفعال بلا تفضيل؛ لأن المفعول لا يجيء من اللوازم والفاعل عام "ونحو أشغل"؛ أي أثر مشغولية "من" امرأة "ذات النحيين"؛ أي الزقين وقصتها معروفة "لتفضيل المفعول وهو"؛ أي فلان "أعطاهم"؛ أي أكثرهم إعطاء للدينار "وأولاهم"؛ أي أكثرهم إيلاء؛ أي إعطاء للمعروف "من الزوائد"؛ لأنهما من المعطي والمولى بضم الميم وكسر العين "وأحمق"؛ أي أكثر حماقة "من هبنقة" اسم رجل وقصته معروفة "من العيوب شاذ لا يقاس عليه
__________

[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
وبين الأول بقوله "ولا يجيء" بناء أفعل "لتفضيل المفعول" بعد بنائه لتفضيل الفاعل "حتى لا يلتبس" تفضيل المفعول "بتفضيل الفاعل، فإن قبل لم لا يجعل الأمر على العكس حتى لا يلزم الالتباس" بين تفضيل الفاعل وتفضيل المفعول "قلنا جعله"؛ أي التفضيل "للفاعل أولى" من جعله للمفعول؛ يعني أنهم لو جعلوه مشتركا لالتبس أحدهما بالآخر لاطراده فأرادوا جعله لأحدهما دون الآخر لدفع الاشتباه، فوجدوا جعله للفاعل أقيس وأولى من المفعول "لأن الفاعل مقصود في الكلام"؛ أي لا يفيد الكلام بدونه لكونه مسندا إليه "والمفعول فضلة" في الكلام لإفادته بدونه، فإن قلت: المراد من الفاعل الذي بني أفعل لتفضيله صيغة الفاعل مثل: ضارب والفاعل الذي هو مقصود في الكلام هو الفاعل في الإعراب، وهو ما أسند إليه الفعل مقدما عليه مثل: زيد في قولنا: ضرب زيد فكم بين المعنيين فلم يلزم من كون الثاني مقصودا في الكلام كون الأول كذلك؛ إذ يجوز أن يقال: قتلت الضارب بجعل ضارب مفعولا وفضلة في الكلام، وكذا المفعول الذي هو فضلة في الكلام هو المفعول في الإعراب لا المفعول في الصيغة؛ إذ يجوز أن يقال: جاءني المضروب بجعل المضروب فاعلا، قلت: المراد أن الفاعل في الإعراب لما كان مقصودا والفاعل في الصيغة عليه هو الدال عليه كان مقصودا أيضا وكذا المفعول في الإعراب لما كان فضلة والمفعول في الصيغة هو الدال عليه كان فضلة أيضا، والضارب في قولنا: قتلت الضارب مفعول بالنسبة إلى قتلت فهو مقتول المتكلم، وإن كان بالنسبة إلى الضرب فاعلا والمضروب في قولنا: جاءني المضروب فاعل بالنسبة إلى جاءني فهو جاء، وإن كان مفعولا بالنسبة إلى الضرب "وأيضا يمكن التعميم في" قسم "الفاعل"؛ لأنه لا مفعول إلا وله فاعل في الأغلب، وإنما قلنا في الأغلب احترازا عن نحو مجنون ومبهوت "دون" قسم "المفعول"؛ إذ لا يقال لا فاعل إلا وله مفعول لعدم مجيء المفعول من الفعل اللازم، فلو جعل التفضيل للمفعول لبقي الفاعل مع كونه مقصودا في الكلام وأكثر وأعم من المفعول خاليا عن معنى التفضيل، وهو معنى القياس وترك الأولى لاستلزامه أن يبقى كثيرا من الأفعال بلا تفضيل كما نقل عن سيبويه، ولما بين أن أفعل لا يجيء من المزيد فيه ولا من عيب ولا لتفضيل المفعول، وكان يرد على كل واحد من هذه الأحكام الثلاثة النقض بأمر ينافيه أشار إلى الجواب عنه فقال "و" نحو "أشغل من ذات النحيين" حال كونه "لتفضيل المفعول" وكذا أشهر وأعذر وألوم، وهذا إشارة إلى ما يرد على الحكم الثالث، ومعنى أشغل من ذات النحيين أشد مشغولية من امأة ذات النحيين والنحي بالكسر زق السمن، قيل: هي امرأة من بني تميم كانت تبيع السمن فأتاها ضراب بن جبير الأنصاري يبتاع منها سمنا فلم ير عندها أحدا "و" نحو "هو أعطاهم" للدينار "وأولاهم" للمعروف حال كونهما "من الزوائد" من باب الأفعال وكذا أنت أكرم لي من فلان، وهذا إشارة إلى ما يرد على الحكم الأول، وإنما حكموا بأنهما من الزوائد لعدم بناء الثلاثي منهما؛ إذ لا يقال عطى وولى "و" نحو "أحمق من هبنقة" حال كونه "من العيوب" الباطنة، وهذا إشارة إلى ما يرد على الحكم الثاني، فإن قلت: لِمَ حكمت أن أحمق ها هنا لتفضيل الفاعل فلم لا يجوز أن يكون صفة مشبهة؟ قلت: استعماله بمن يدل على أنه للتفضيل وهبنقة اسم رجل حكي في حماقته أنه اتخذ لنفسه طوقا من عظام ليعرف به نفسه، وفقد وأصبح ذات يوم ورأى ذلك الطوق على أخيه، فقال: يا أخي أنت أنا فمن أنا "شاذ"؛ أي كل ذلك من الأمور الثلاثة خارج عن القياس ففي الكلام لف ونشر غير مرتب فافهم. واعلم أن شرط أفعل التفضيل أن يبنى من الثلاثي المجرد الذي جاء من فعل تام غير لازم للنفي متصرف قابل معناه للكثرة، فقولنا: جاء منه فعل احترازا عن أيد وأرجل من اليد والرجل؛ فإنه لم يثبت، وقولهم: أحنك الشاتين؛ أي آكلهما من الحنك وأول شاذ، وقولنا: تام احتراز عن الأفعال الناقصة ككان وصار فإنه لا يقال أكون وأصير، وقولنا: غير لازم للنفي احتراز عن مثل ما نبس بكلمة؛ أي ما تكلم؛ فإنه لا يقال هو أنبس منك؛ لئلا يصير مستعملا في الإثبات، وقولنا: متصرف احتراز عن نحو: نعم وبئس وليس، وقولنا: قابل معناه للكثرة احتراز عن نحو: غربت الشمس وطلعت، فلا يقال الشمس اليوم أغرب منها أمس، وهذه الشروط غير ما ذكره المصنف، وقد ذكرها الفاضل الرضي. ولما فرغ من بيان صيغة الفاعل القياسي مع ما يتعلق به من الصفة المشبهة وأفعل التفضيل شرع في الفاعل الغير قياسي فقال:

(1/70)



[شرح ديكنقوز]
ويجيء اسم الفاعل على" وزن "فعيل نحو نصير" بمعنى ناصر "ويستوي فيه"؛ أي في فعيل "المذكر والمؤنث" في المفرد والتثنية والجمع في جميع الأوقات "إذا كان" فعيل "بمعنى المفعول" وذكر الموصوف "نحو" رجل "قتيل" وامرأة قتيل بمعنى مقتول ومقتولة "و" رجل "جريج" وامرأة جريح بمعنى مجروح ومجروحة، وأما إذا لم يذكر الموصوف فإنهما لا يستويان، بل يفرقان بالتاء خوف اللبس، نحو: مررت بقتيل فلان وقتيلته اكتفى في الالتباس بالفاعل بالقرائن؛ إذ الالتباس بالأقرب أشكل "فرقا"؛ أي يستويان فيه حينئذ للفرق "بين" الفعيل بمعنى "الفاعل و" بينه بمعنى "المفعول" مع أن القرينة حاصلة بالموصوف، ويعلم من هذا أن فعيلا إذا كان بمعنى الفاعل لا يستوي فيه المذكر والمؤنث سواء أجريا على الموصوف أو لا، تقول رجل نصير وامرأة نصير ومررت بنصير زيد أو نصيرة هند، هذا هو الأكثر والأقل أنه لا يلزمة الهاء ولم يعكس؛ لأن الأصل عدم الاستواء فأعطي للفاعل الذي هو الأصل "إلا إذا جعلت الكلمة" أعني فعيلا من عداد الأسماء" وقبيلتها دون الصفات وحينئذ لا يستوي في فعيل الذي بمعنى المفعول المذكر والمؤنث، بل يفرق بينهما بالتاء ليكون دليلا على النقل من الوصفية إلى الاسمية، وإن كان الموصوف مذكرا نحو: كبش ذبيح ونعجة "ذبيحة" وصبي لقيط "و" صبية "لقيطة" فذبيح اسم لحيوان مذبوحه وعلى هذا ونظيره إطلاق أحمر على شخص له حمرة وإرادة أنه شخص ذو حمرة، ويجوز إطلاقه على شخص آخر له حمرة فيكون حينئذ صفة وتسمية شخص له حمرة بالأحمر وإرادة ذلك الشخص الأحمر، فحينئذ لا يجوز إطلاقه على شخص له حمرة بهذا الوضع فيكون اسما "وقد شبه به"؛ أي بالفعيل الذي بمعنى المفعول "ما"؛ أي الفعيل الذي "هو بمعنى فاعل" فيستوي فيه المذكر والمؤنث لموافقته له في اللفظ نحو قوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} و"نحو قوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} بمعنى قارب والقياس أن يقال قريبة؛ لأنه مسند إلى ضمير الرحمة، وقيل إن قريبا هنا إنما ذكر؛ لأن رحمة مصدر والمصدر المؤنث يجوز تذكيره حملا على لفظ آخر في معناه، فالرحمة بمعنى الترحم أو بمعنى ذو رحمة أو لأن في الكلام حذفا؛ أي أن رحمة الله شيء قريب أو أثر رحمة الله قريب هذا على الأكثر، وأما على الأقل فلا حاجة إلى التأويل "ويجيء" على وزن "فعول للمبالغة"؛ أي لمبالغة الفعل وتكثيره "نحو منوع" بمعنى كثير المنع "ويستوي فيه"؛ أي في فعول "المذكر والمؤنث إذا كان" فعول "بمعنى فاعل" وذكر الموصوف "نحو امرأة صبور ورجل صبور" بمعنى صابرة ورجل صبور بمعنى صابر
__________

[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
ويجيء اسم الفاعل من الثلاثي المجرد "على" وزن "فعيل" فلا يستوي فيه المذكور والمؤنث سواء ذكر موصوفه أو لا، بل يفرق بينهما بتاء التأنيث للمؤنث "نحو نصير" ونصيره عملا بالأصل؛ إذ الأصل التمييز وعدم الالتباس "ويستوي فيه"؛ أي فعيل "المذكر والمؤنث" بترك التاء في المؤنث أيضا "إن كان" فعل "بمعنى المفعول" لا مطلقا بل عند ذكر موصوفه "نحو" رجل "قتيل وجريح" بمعنى مقتول ومجروح وامرأة قتيل وجريح بمعنى مقتولة ومجروحة، وأما إذا لم يذكر الموصوف فيه فالتمييز بينهما بالتاء لازم "فرقا بين الفعيل" الذي "بمعنى الفاعل و" بين الذي بمعنى "المفعول" يعني لو لم يسو بين المذكر المؤنث، بل فرق بينهما بالتاء فقيل: مررت بامرأة قتيلة لم يعلم أنها بمعنى قاتلة وبمعنى مقتولة، وإذا ترك التاء في فعيل يعني مفعول في المؤنث علم أنها بمعنى الفاعل، وإذا قيل بامرأة قتيلة علم أنه بمعنى المفعول فلم يلتبس أحدهما بالآخر، فإن قيل: لِمَ لَمْ يعكس الأمر أجيب بأن الفاعل أصل بالنسبة إلى المفعول والفرق بالتاء أيضا أصل فأعطى الأصل للأصل قوله: "إلا إذا جعلت الكلمة" التي على وزن فعيل "من عداد الأسماء" استثناء من قوه ويستوي فيه المذكر والمؤنث إذا كان بمعنى فعول والمراد من كون الكلمة من عداد الأسماء أن لا يعتبر وصفتيه، بل جعل كأنه اسم لشيء كالأسماء الجامدة "نحو" ناقة "ذبيحة" فالذبيح يستعمل كثيرا اسما لما يذبح من الشاة والإبل، فغلبت الاسمية على الوصفية فصار كأنه اسم لا وصف فلذلك لا يستوي فيه المذكر والمؤنث، بل يفرق بالتاء كما لا يستوي في سائر الأسماء "و" امرأة "لقيطة" واللقيطة اسم أيضا لما يلتقط، في الصحاح اللقيط منبوذ يلتقط، والمنبوذ الصبي تلقيه أمه في الطريق فلما غلبت الاسمية وجب الفرق بالتاء كسائر الأسماء "وقد يشبه" بصيغة المجهول من باب التفعيل "به"؛ أي بالفعيل الذي هو بمعنى مفعول "ما"؛ أي الفعيل الذي "هو بمعنى فاعل" في الصورة فلم يفرق بين المذكر والمؤنث كما لا يفرق فيه "نحو" قريب في "قوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} والقياس قريبة؛ لأنه مسند إلى ضمير الرحمة "ويجيء فعول للمبالغة" سواء كان بمعنى الفاعل أو بمعنى المفعول، والمراد بالمبالغة التكثير وتكرير أصل الفعل، وفي بعض النسخ ويجيء على فعول؛ أي يجيء اسم الفاعل على وزن فعول وهذا أولى؛ لأنه يناسب قوله فيما سبق ويجيء الفاعل على فعيل ويناسب لما سيأتي أيضا من قوله ويجيء للمبالغة "نحو منوع" لكثير المنع وضروب لكثير الضرب "ويستوي فيه"؛ أي فعول "المذكر والمؤنث إذا كان" فعول "بمعنى فاعل" بترك التاء في المؤنث أيضا لكن لا مطلقا، بل عند ذكر موصوفه "نحو امرأة صبور"؛ أي صابرة كما يقال رجل صبور؛ أي صابر ولا يستوي فيه المذكر والمؤنث إذا كان بمعنى المفعول سواء ذكر موصوفه أو لم يذكر، بل يفرق

(1/71)



[شرح ديكنقوز]
اكتفاء في الفرق بين المذكر والمؤنث بالموصوف، واكتفاء بالقرائن في الفرق بين الفاعل والمفعول على قياس ما ذكر في الفعيل، وأما إذا لم يذكر الموصوف فلا يستوي فيه لئلا يقع الالتباس بين المذكر والمؤنث "ويقال في فعول بمعنى المفعول نحو: ناقة حلوب" وحلوبة بالتاء في المؤنث وذكر الموصوف أولا فرقا بين المذكر والمؤنث، وأما الفرق بين الفاعل والمفعول فموكول إلى القرائن كما في فعول بمعنى الفاعل إذا ذكر الموصوف، ولما كان الغرض الفرق بين المذكر والمؤنث بدخول التاء في المؤنث اكتفى في صور عدم الاستواء بذكر أمثلة المؤنث نحو: ذبيحة ولقيطة وحلوبة؛ إذ يلزم فيه بقاء المذكر على حاله "فأعطي الاستواء" بين المذكر والمؤنث "في فعيل" إذا ذكر الموصوف "للمفعول" الاستواء لأحدهما وعدم الاستواء للآخر فيهما ولم يعكس؛ لأن في الفعول ثقلا لاشتماله على الضمة والفاعل كثير الاستعمال لجريانه في الأفعال كلها والخفة فيه مطلوبة، ولا شك أن الاستواء خفة فأعطي لما هو كثير الاستعمال "ويجيء للمبالغة" في الفعل من الفاعل قوله: "نحو صبار" فاعل يجيء بفتح الصاد وتشديد العين "وسيف مجزوم" بكسر الميم وسكون الفاء وفتح العين أو بالجيم والخاء المعجمة والحاء الغير المعجمة وبالذال المعجمة في الكل، ومعناه واحد وهو القطع "وهو"؛ أي وزن مجزم "مشترك بين الآلة" كالمثقب، ولهذا ذكر السيف ليتعين كونه مثالا للمبالغة "وبين مبالغة الفاعل" كمجزم "وفسيق" بكسر الفاء وتشديد العين "وكبار" بضم الفاء وتخفيف العين كعجاب "وطوال" بضم الفاء وتشديد العين وهذا مشترك بين الجمع المذكر المكسر لاسم الفاعل وبين مبالغة الفاعل، ولم يذكر اشتراكه بينهما اكتفاء بإرشاده إليه في المجزم مع اشتهار أمره في الجميع "وعلامة ونسابة" بفتح الفاء وتشديد العين فيهما، وأورد مثالين إشارة إلى كثرة استعمال هذا الوزن بالنسبة إلى أخواتها التي بالتاء، ونحو: صبار لشهرة كثرة أمره في كثرة استعماله لم يحتج إلى الإشارة إليها "وراوية" بكسر العين "وفروقه" بفتح الفاء وضم العين "وضحكة" بضم الفاء وفتح العين "وضحكة" بضم الفاء وسكون العين لمبالغة اسم المفعول، والأولى تأخيره عن أوزان مبالغة اسم الفاعل أجمع إلا أنه لما ناسب ضحكة بالفتح أورده عقيبه "ومجذامة ومسقام ومعطير"
__________

[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
"ويقال في" فعول الذي يراد به "المفعول ناقة حلوبة"؛ أي محلوبة وبعير حلوب؛ أي محلوب "فأعطي الاستواء" بين المذكر والمؤنث "في فعيل للمفعول"؛ أي للفعيل الذي بمعنى المفعول "و" أعطي "في فعول للفاعل"؛ أي للمفعول الذي بمعنى الفاعل "طلبا للعدل" بين الفعيل والمفعول في الاستواء وعدمه، وهذا التعليل إنما يتم إذا بين أن فعيلا يقدم بناؤه على فعول وهو كذلك؛ لأن فعيلا كما يجيء للمبالغة يجيء لمطلق الاتصاف بالفعل من غير مبالغة وفعولا لا يدل إلا على زيادة اتصاف بالفعل لبنائه على المبالغة، والأول مقدم بالطبع على الثاني والأولى موافقة الوضع لما هو بالطبع، وقد مر نظيره في أفعل التفضيل، واعلم أن ذكر كون الفعيل بمعنى المفعول وكون الفعول بمعنى المفعول لمناسبة اشتراك الصفتين بين الفاعل والمفعول وإلا لما ذكر المفعول في فصل الفاعل "ويجيء" اسم الفاعل "للمبالغة" سماعا، ولهذا لم يذكر له ضابطه، بل بادر إلى الأمثلة فيجيء على وزن فعال بفتح الفاء وتشديد العين "نحو صبار"؛ أي كثير الصبر "و" على وزن مفعل بكسر الميم وفتح العين نحو "سيف مجزم" من الباب الرابع؛ أي سريع القطع "وهو"؛ أي أن مجزم "مشترك بين اسم الآلة" نحو منقب "وبين مبالغة الفاعل و" على وزن فعيل بكسر الفاء وتشديد العين "نحو فسيق" من الباب الخامس؛ أي دائم الفسق "و" على وزن فعال بضم الفاء وتشديد العين نحو "كبار" من الباب الخامس "و" كذا "طوال" من الباب الأول مبالغة الطويل "و" على وزن فعالة بفتح الفاء وتشديد العين نحو "علامة" من الباب الرابع؛ أي عالم جدا "ونسابة" من الباب الثاني؛ أي عالم بالأنساب والهاء في الأول للمبالغة في العلم، وفي الثاني للمبالغة في المدح؛ أي في مدح من يعلم الأنساب "و" على وزن فاعلة بكسر العين نحو "راوية" من الباب الثاني من روى الحديث والشعر والهاء للمبالغة "و" على وزن فعولة بفتح الفاء نحو "فروقة" من فرق بمعنى خاف والهاء للمبالغة. فإن قلت: ما معنى كون الهاء للمبالغة في علامة ونسابة وفروقة مع أن الصيغة فيها بدون الهاء للمبالغة؟ قلت: بوجهين أحدهما أنه إذا أريد إدخال الهاء للمبالغة جردت الصيغة عن معنى المبالغة فأدخل الهاء، والثاني أن معنى المبالغة لا يكون له حد معين فإذا كانت الصيغة للمبالغة وجدت فيها أصل المبالغة، فإذا أدخل هاء المبالغة عليها زاد المبالغة فيها فيكون الهاء له لزيادة المبالغة وهي منها "و" على وزن فعلة بضم الفاء وفتح العين نحو "ضحكة"؛ أي كثير الضحك "و" على وزن فعلة بضم الفاء وسكون العين نحو "ضحكة"؛ أي رجل يضحك منه "و" على وزن مفعالة بكسر الميم وسكون الفاء نحو "مجذامة"؛ أي كثير القطع والكلام في هائها كالكلام في هاء فروقة؛ إذ هذه الصيغة تجيء للمبالغة بغيرها أيضا كما ذكرها بقوله: "ومسقام"؛ أي كثير السقم، وهذا البناء للآلة أيضا نحو: مفتاح ومقراض كما سيجيء "و" على وزن مفعيل بكسر الميم والعين وسكون الفاء نحو "معطير"؛ أي كثير العطر؛ أي الطيب والستة الأخيرة كلها من الباب الرابع

(1/72)



[شرح ديكنقوز]
بكسر الميم ويكون الفاء في الثلاثة "ويستوي المذكر والمؤنث في التسعة الأخيرة" وهو من علامة إلى معطير، إلا أنه في السبعة الأول بالتاء في المذكر والمؤنث، وفي الأخيرين بدون التاء فيهما "لقلتهن" في الاستعمال، فإنها تقتضي أن لا يكون الموصوف بها على الأصل الذي هو عدم الاستواء، ويعلم منه أن غيرها على الأصل الذي هو الفرق بالتاء بين المذكر والمؤنث "وأما قولهم مسكينة" بالتاء في المؤنث مع أنه على وزن معطير وهو من التسعة الأخيرة "فمحمول على فقيرة" حمل النظير على النظير؛ لأنه بمعناه وهذا "كما" حمل النقيض على النقيض وقالوا "هي عدوة الله" بالتاء "وإن لم تدخل الهاء"؛ أي التاء أطلق عليها الهاء لصيروتها هاء في الوقف "في فعول الذي للفاعل حملا له على صديقة" بفتح الصاد وتخفيف الدال، فإنه فعيلة بمعنى الفاعل، وقد سبق أن الهاء يدخل عليه، وإنما حملوه عليه "لأنه"؛ أي صديقة "نقضية"؛ أي عدوة في المعنى؛ لأنه ما ليس بعدوة "وصيغته"؛ أي صيغة اسم الفاعل "من" باب "غير الثلاثي" المجرد؛ أي مما يكون حروفه زائدة على ثلاثة أحرف مطلقا "على صيغة المستقبل"؛ أي مستقبل ذلك الباب كائنة "بميم مضمومة" موضع حرف المضارعة بعد حذفه "وكسر ما قبل الآخر" لفظا "نحو مكرم" أو تقديرا نحو مختار ومحمر تبعا لمستقبله فيما إذا كان المستقبل مكسور العين وتبعا لمكسور العين فيما لم يكن المستقبل فيه مكسور العين كمتدحرج ومتضارب ومتكسر "فاختير الميم" للزيادة "لتعذر" زيادة "حروف العلة" التي هي الأولى بالزيادة، أما الواو فلأنها لا تزاد في الأول كما مر، وأما الياء فلعدم الفائدة في زيادتها؛ إذ لا معنى لحذف الحرف ثم الإتيان بمثله ولو فعله يلزم الالتباس، وأما الألف فللالتباس بالمتكلم "وقرب الميم من الواو في كونها شفويا وضم الميم"؛ إذ لا مجال للكسر؛ لأن الحرف الذي أقيم هو مقامه؛ أعني حرف المضارعة إما مضموم كما في الرباعيات أو مفتوح كما في الخماسيات والسداسيات، فالوجه أن يضم أو يفتح، فاختير الضم دون الفتح "للفرق بينه"؛ أي بين اسم الفاعل "وبين" اسم "الموضع"؛ إذ لو فتح لالتبس باسم المكان من الثلاثي المجرد المكسور العين "ونحو: مسهب للفاعل على صيغة المفعول" والقياس مسهب بكسر ما قبل الآخر؛ لأنه "من أسهب ويافع" على وزن فاعل والقياس موفع بضم الميم وكسر ما قبل الآخر؛ لأنه "من أيفع شاذ" لا يقاس عليه "وبني ما قبل تاء التأنيث على الحركة في نحو ضاربة"؛ أي إذا اتصل بآخر اسم الفاعل مطلقا تاء التأنيث كضاربة ومكرمة مع أن اسم الفاعل معرب وقوله: "لأنه"؛ أي ما قبل تاء التأنيث "صار بمنزلة وسط الكلمة" باتصال التاء به والإعراب لا يجري في الوسط، فبني تعليل للبناء لا للبناء على الحركة "كما" كان آخر الكلمة "في" اتصال "نون التأكيد به" نحو اضربن "و" اتصال "ياء بالنسبة" نحو: بصرى بمنزلة وسط الكلمة مبني وإنما بني على الحركة مع أن الأصل في البناء السكون لعروض البناء "و" بني "على الفتحة للخفة".
__________

[الفلاح شرح المراح] لابن كمال باشا
"ويستوي المذكر والمؤنث في التسعة الأخيرة" وهي من قوله علامة إلى معطير، فيقال رجل علامة ومعطير امرأة علامة ومعطير، فالتاء وعدمه سيان معنى وإن كان للتأنيث لفظا وقس عليهما الباقية "لقلتهن" في الاستعمال، ولما توجه أن يقال إن مسكينا لا يستوي فيه المذكر والمؤنث، بل يقال: امرأة مسكينة مع أنه بوزن معطير أجاب بقوله: "وأما قولهم مسكينة فمحمول على فقيرة" الفقير من له أدنى شيء والمسكين من لا شيء له قال يونس: قلت لأعرابي: أفقير أنت؟ فقال: لا والله بل مسكين، وقيل هما من لا شيء له يعني أن فعيلا إذا كان بمعنى الفاعل يفرق بين مذكره ومؤنثه بالتاء كما مر، وفقير فعيل بمعنى الفاعل فيكون مؤنثه بالتاء، ومسكين وإن كان بوزن معطير لكنه نظير لفقير بحسب المعنى فحمل في الفرق بالتاء، فكما يقال: امرأة فقيرة يقال: امرأة مسكينة، وقد يستعمل على القياس المذكور، فيقال: امرأة مسكين كذا في مختار الصحاح "كما قالوا هي عدوة الله" بإدخال الهاء "وإن لم تدخل الهاء في فعول الذي للفاعل" كما سبق "حملا على صديقة" يعني أن صديقة فعيل بمعنى الفاعل وهو حينئذ يفرق مؤنثه بالهاء فحمل عليه عدوة مع أنها فعول بمعنى الفاعل وهو لا يفرق "لأنه"؛ أي عدوة "نفضية"؛ أي نقيض صديقة بحسب المعنى، فكما يحمل النظير على النظير يحمل النقيض على النقيض "وصيغته"؛ أي صيغة اسم الفاعل "من غير الثلاثي" المجرد يجيء "على صيغة المستقبل" المبني للفاعل قياسا "بميم مضمومة" في موضع حرف المضارعة "وكسر ما قبل الآخر" إن لم يكن مكسورا في الأصل "نحو مكرم" ومدحرج ومتدحرج وربما كسر الميم في باب الأفعال إتباعا للعين أو يضم عينه إتباعا للميم فيقال: في منتن من أنتن منتن بكسر الميم ومنتن بضم التاء "فاختير الميم" موضع حرف المضارعة بعد حذفه مع أن الأولى بالزيادة حروف العلة "لتعذر حرف العلة" أما الواو؛ فلأنها لا تزاد في أول الكلمة كما مر، ولو قلبت تاء لالتبس بالمضارع المخاطب، وأما الألف؛ فلأنها لو زيدت التبس بالمضارع المتكلم وحده، وأما الياء؛ فلأنها لو زيدت التبس بالمضارع الغائب "وقرب الميم من الواو" التي هي من حروف العلة "في كونها شفوية" فكان كأنه من حروف العلة "وضم الميم" مع أن الفتح أخف "للفرق بينه وبين" اسم "الموضع" من الثلاثي المجرد المكسور العين نحو: مضرب ولم يعكس؛ لأن الثلاثي أصل والفتح أيضا أصل، فاختير الأصل بالأصل تخفيفا ولم يكسر أيضا مع أن الكسر خفيف بالنسبة إلى الضم للفرق بينه وبين اسم الآلة قوله: "ونحو: مسهب للفاعل بصيغة المفعول من أسهب" إلى قوله: شاذ جواب سؤال مقدر تقديره ظاهر يعني المسهب بضم الميم وفتح الهاء فاعل من أسهب، والقياس بكسر الهاء في الصحاح أسهب الرجل؛ أي أكثر الكلام فهو مسهب بفتح الهاء، ولا يقال بكسر الهاء وهو نادر فبطل ما قيل مسهب بفتح الميم والقياس بالضم فهو شاذ، وكذا محصن بفتح الصاد من أحصن والقياس بالكسر، "ويافع من أيفع" بالياء لا بالنون يقال: أيفع الغلام؛ أي ارتفع والقياس موفع، وكذا عاشب ووارس من أعشب وأورس، والقياس معشب ومورس "شاذ"؛ أي كل ما ذكرنا خارج عن القياس "ويبنى ما قبل تاء التأنيث على الفتح في نحو ضاربة" وكذا في مكرمة ومدحرجة

(1/73)