عمدة الكتاب لأبي جعفر النحاس

المرتبة الأولى
نذكر فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
ولم حذفت الألف من بسم الله ومن الرحمن وغير ذلك مما فيها من العلم، ثم نذكر (أبا جادٍ) ومعانيها وإعرابها والحكمة فيها، ثم نذكر أب ت ث وما فيها، ثم نذكر أسماء الأيام، ثم أسماء الشهور واشتقاقها، وأصل تسميتها، ومحرماتها؛ فهذه المرتبة الأولى. ونذكر في أول كل مرتبةٍ ما نقدر على أن نأتي به ليكون ذلك تطلعاً إلى ما نأتي به وازدياداً في الحرص على النظر فيه إن شاء الله، وبه أستعين، وعليه أتوكل وإياه أسأل حسن التوفيق برحمته ولطفه.
أول المرتبة الأولى
باب ذكر بسم الله الرحمن الرحيم
111- روى الحسن بن فرقدٍ، قال: سمعت الحسن يقول: من كتب بسم الله الرحمن الرحيم، فحسنه أحسن الله إليه.

(1/63)


112- وروى معمرٌ، عن الزهري في قوله: {وألزمهم كلمة التقوى} قال: بسم الله الرحمن الرحيم.
113- وروى زيدٌ العمي، عن أنسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ستر ما بين الجن وعورات بني آدم أن يقولوا: بسم الله الرحمن الرحيم)) .
114- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب كما تكتب قريشٌ: باسمك اللهم، حتى نزلت: {وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها} فكتب: باسم الله؛ حتى نزلت: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} فكتبت: بسم الله الرحمن؛ حتى نزلت: {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} فكتب صلى الله عليه وآله: بسم الله الرحمن الرحيم.
115- واختلف العلماء في كتب بسم الله الرحمن الرحيم أمام الشعر، وكره ذلك سعيد بن المسيب والزهري، وأجازه النخعي، وكذا يروى عن ابن عباسٍ، قال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم في الشعر، وفي غيره. ورأيت علي بن سليمان يميل إلى هذا، وقال: ينبغي أن يكتب أمام الشعر بسم الله الرحمن الرحيم لأنه يجيء بعدها قال فلانٌ أو ما أشبهه.

(1/64)


116- قال أبو جعفر: أما ما مر في الحديث من قولك: ((باسمك اللهم)) فقول سيبويه والخليل فيه أن الأصل، ياالله، فضمه الهاء هي ضمة الاسم المفرد المنادى، والميم المشددة حرفان عوضٌ من حرفين، وهما: يا؛ وقول الفراء أن الأصل: الله أمنا بخيرٍ، فتركت الهمزة لكثرة الاستعمال، ووصلت الميمم بالهاء؛ وهذا القول عند البصريين عظيمٌ، ولو كان كما قال لجاز: أو مم، وجاز كسر الميم وضمها، وهذا ما لا يقال، وأشد من هذا أن التقدير الذي قدره لا يصح في المعنى؛ ولا يريده من قال: اللهم. ورد الكسائي والفراء على الخليل لأنهما حكيا عن العرب: يا اللهم! قالا: فلا يجمع بين الشيء وعوضه؛ وهذا الذي حكياه لا يصح ولا يعرف عن فصيحٍ.
117- والباء في بسم الله الرحمن الرحيم متعلقةٌ بشيء محذوفٍ عند جميع النحويين، والتقدير عند البصريين: أول ما أفتتح به أو أول كلامي بسم الله الرحمن الرحيم، فالموضع موضع رفعٍ عندهم؛ وقال الفراء: موضع الباء نصبٌ، والمعنى بدأت بسم الله الرحمن الرحيم، أو أبدأ بسم الله الرحمن الرحيم، فحذف الفعل لأن المعنى يدل عليه.
118- قال أبو جعفر: اسمٌ مشتقٌ من السمو، أي: العلو، وقيل: من السمة لأن صاحبه يعرف به. وسمعت محمد بن الوليد يقول: هذا القول خطأٌ، لأن الساقط منه لامه، ولو كان من السمة لكان الساقط منه فاؤه، وقد قيل: هذا جائزٌ، ويكون من المقلوب.

(1/65)


119- واشتقاق الرحمن من الرحمة، والرحمن مخصوصٌ، لأن فعلان في كلام العرب للمبالغة، كما يقال: كسلانٌ للكبير الكسل، فإن لم ترد الكثير قلت: كسلٌ؛ فمعناه: الذي وسعت رحمته كل شيء، وهذا لا يكون لغير الله عز وجل. وفي الجمع بينهما أقوالٌ للعلماء، وقد ذكرناها، فمنها قول العرزمي: الرحمن بجميع خلقه، الرحيم بالمؤمنين. ومن حسنها -وهو مذهب محمد بن يزيد وقول قطربٍ، ورأيت علي بن سليمان يستحسنه- أنه جمع بينهم للتوكيد، والفائدة في التوكيد عظيمةٌ. قال محمد بن يزيد في فائدته أن معناه: تفضلٌ بعد تفضلٍ وإنعامٌ بعد إنعامٍ وتقويةٌ لمطامع الراغبين، ووعدٌ لا يخيب آمله.
120- وقدم الرحمن على الرحيم لأنه أخص، ولهذا حذفت منه الألف، ومن الله. وقد قيل فيه غير هذا، وسنذكره في باب الحذف إن شاء الله.
باب الحذف في بسم الله الرحمن الرحيم
121- حذفت الألف في اللفظ من بسم الله لأنها ألف وصلٍ، الدليل على ذلك سميٌ، وأجاز أكثر النحويين قطعها في الشعر، وأنشدوا:

(1/66)


إذا جاوز الاثنين سرٌ فإنه ...
ومنع ذلك محمد بن يزيد، وأنشد:
إذا جاوز الخلين سرٌ فإنه ...
وحجته أنه إنما زيدت الألف لئلا يبتدأ بساكنٍ، فإذا زال الابتداء زالت العلة فحذفت إلا أن تكون ألف وصلٍ في أول ابتداء نصف البيت الثاني، فيجوز قطعها بإجماعٍ، كما قال [حسان بن ثابتٍ] :
لتسمعن وشيكاً في دياركم ... الله أكبر يا ثارات عثمانا
122- وأجمعوا على حذفها في الخط من بسم الله الرحمن الرحيم، واختلفوا في العلة، فقالوا فيه ستة أقوال:
قال الكسائي والفراء: حذفت لكثرة الاستعمال.
وقال الأخفش سعيدٍ: حذفت لأنها ليست في اللفظ.
وحكى أبو زيد أنه يقال: سمٌ وسمٌ، فالأصل على هذا أنه يقال: بسمٍ أو بسمٍ، حذفت الكسرة أو الضمة لثقلهما.
والقول الخامس: لأن الباء لا تنفصل.
والقول السادس: أنه شيءٌ قد عرف معناه.
123- وذهب محمد بن يزيد إلى قول الكسائي والفراء وترك قول

(1/67)


الأخفش، لأنه يلزمه أن يحذف إذا قال: اسمك كاسمي، لأنه ليس في اللفظ ألفٌ.
124- ورأيت علي بن سليمان يذكر قول الكسائي والفراء، ويقول: أترى أنه ثقل على الكاتب أن يزيد ألفاً؟
125- واحتج للفراء في كثرة الاستعمال أنه رأى بعض الكتاب تدعوه معرفته إلى أن يحذف السين منها.
126- قال أبو جعفر: وهذا مكروهٌ عند العلماء، تروى كراهية ذلك عن عمر وزيد بن ثابتٍ والحسن وابن سيرين، حتى إنه يروى أن عمر رضي الله عنه ضرب كاتباً على ذلك، فقيل له: فيم ضربك أمير المؤمنين؟ فقال: في سينٍ.
127- فإن قلت باسم الرحمن، أو باسم الخالق، أو {اقرا باسم ربك} فإن النحويين اختلفوا في حذف الألف منه:
قال الأخفش والكسائي: هذا كله تكتبه بغير ألفٍ، وكذا في سائر أسماء الله عز وجل.
وقال الفراء: تكتب هذا كله بألفٍ، ولا يجوز حذفها إلا في بسم الله الرحمن الرحيم، لأن الاستعمال وقع فيها خاصةً، وفي بسم الله إذا أريد بها تلك فأما مع غير اسم الله؛ فلا.
والصواب ما قال الفراء، لأنه لا يقاس على المحذوفات، وإنما تسلم في مواضعها.
128- فأما حذفك الألف من قولك: الله، ففيه خمسة أقوالٍ:

(1/68)


منها أنه كتب على لغة من قال، أنشده أبو عبيدة:
قد جاء سيلٌ جاء من أمر الله ... يحرد حرد الجنة المغله
والقول الثاني: أن الألف الأولى تكفي من الثانية.
والثالث: أنهم كرهوا أن يشبه النفي.
والرابع: أنه قد عرف معناه.
والخامس -وهو أحسنها-: أنهم حذفوا الألف لأنه اسمٌ مخصوصٌ، فلما لم يلتبس بغيره حذفت منه الألف.
129- وكذلك العلة في حذف الألف من الرحمن، لأنه لا يكون لغير الله عز وجل، وليس كذا الرحيم، لأنه يقال: فلانٌ رحيمٌ، ولا يقال: فلانٌ رحمانٌ، ولا معنى لكثرة الاستعمال ها هنا، لأنه مخصوصٌ لا يتجاوز به موضعٌ واحدٌ.
وقد قيل: بل حذفت منه الألف لأن ما قبلها من الألفات تكفي دونها. وقيل:
لأن حذفها لا يشكل، كما قيل في أبي جاد.

(1/69)


باب ذكر أبي جادٍ
130- روي عن العلماء فيها أقوالٌ، فمنها ما روي عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: أول من وضع الكتاب العربي أبجد وهوز وحطي وكلمن وسعفص وقرشت، وكانوا من أميم، وهم رجالٌ من الجبلة الأولى، ومن أميم كان طسمٌ وجديسٌ وعنزٌ، فوضعوا الكتاب على أسمائهم وحذفوا حروفاً ليست في أسمائهم، وهي الخاء والذال والظاء والثاء والضاد والغين وهي الروادف، وهي التي تحسب في حساب الجمل بعد حروف أبي جادٍ وهوازٍ وحطي وكلمن وسعفصٌ وقرشت، فهم أول من كتب الكتاب العربي.
131- وحكى سلمة بن الفضل، عن أبي عبد الله البجلي، قال: أبو جادٍ وهوازٌ وحطي وكلمن وسعفصٌ وقرشت أسماء ملوك مدين، وكان هلكهم يوم الظلة في زمن شعيبٍ عليه السلام.
132- وأما محمد بن جريرٍ، فحكى عن المثنى بن إبراهيم، عن إسحاق بن الحجاج، عن عبد الرحمن بن واقدٍ، عن الفرات بن السائب، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباسٍ، قال: ليس شيءٌ إلا وله

(1/70)


سببٌ، وليس كل أحدٍ يفطن له، ولا بلغه ذلك، أن لأبي جادٍ حديثاً عجيباً؛ أما أبو جادٍ فأبى آدم صلى الله عليه الطاعة وجد في أكل الشجرة، وأما هوازٍ فزل آدم صلى الله عليه فهوى من السماء إلى الأرض، وأما حطي فحطت عنه خطيئته، وأما كلمن فأكل من الشجرة ومن عليه بالتوبة، وأما سعفص فعصى آدم ربه فأخرج من النعيم إلى النكد، وأما قرشت فأقر بالذنب وسلم من العقوبة.
133- قال محمدٌ: وحدثنا ابن حميدٍ، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني أبو جعفرٍ، عن الربيع بن أنسٍ، قال: أسلمت مريم عيسى إلى الكتاب، وقالت للمعلم: لا تضربه؛ فذهب المعلم يعلمه أبا جادٍ، فقال عيسى عليه السلام: وما أبو جادٍ؟ قال: اكتب ما يقال لك؛ قال: لا أكتب ما لا أعلم، فإن كنت لا تعلم علمتك؛ قال: علمني؛ قال: الألف من آلاء الله والباء من بهاء الله والجيم من جلال الله الدال أدوا الأمانات إلى أهلها.
134- قال: وحروف أبي جادٍ سبعٌ وعشرون كلمةً مكتوبةً على العرش، ما منها كلمةٌ إلا في آلاء الله وبهاء الله وفي مدةٍ وفي آجال قومٍ.
135- قال الضحاك: خلق الله السموات والأرض في ستة أيامٍ ليس منها يومٌ إلا وله اسمٌ: أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت.
136- قال محمد بن جريرٍ: الصواب من القول في ذلك عندنا قول

(1/71)


من قال: هي أسماء قومٍ أو غيرهم، وإن كانت الروايات مضطربةً، فالذي لا يشك فيها أن قول القائل: أبو جادٍ، اسمٌ لشيءٍ أشبه شيءٍ به الحروف المقطعة التي تدل على حرفٍ منها على ما فعل منه، أو على اسمٍ في قول من قطعها، وكذلك هوز وبقيتها؛ وإن كان الأمر على ذلك فهي أسماءٌ لمسيماتٍ بهن، ولا دلالة على أنها حروفٌ تقطع بكل حرفٍ على شيءٍ، ولو كان كذا جاءت كما جاء الم والمص وما أشبههما، فإن قيل: فلم لم تعرب أواخرها؟ قيل: إنما تعرب الأسماء إذا كان لها معربٌ أو قصد لها قصد الخبر عنها، وهذه ليست كذلك، ولو أخبر عنها مخبرٌ لأعربها، فقال: هلك أبو جادٍ، وبقي بعده هوازٌ.
137- قال أبو جعفرٍ: إن سميت رجلاً بأبي جادٍ قلت على قول البصريين: أعجبني أبو جادٍ، وكتبت أبا جادٍ، وعجبت من أبي جادٍ وكذلك إن جعلتها أسماءً للحروف، وكذلك هواز مصروفٌ.
138- سمعت محمد بن الوليد يقول: هو مشتقٌ من هوز الرجل إذا مات وإذا مر، وحطي مصروفٌ لا غير عند البصريين، وكلمن عجمي لا ينصرف، وقد جعل بعضهم الإعراب في الواو، وذلك شاذٌ، وسعفص لا ينصرف أيضاً.
139- وحكى بعض النحويين أن أعرابياً فصيحاً سئل عن أبي جادٍ، فصرفها كلها إلا صعفص، قال: هو اسم شيطانٍ، وقرشت مصروفٌ وإن سميت به مؤنثاً كما قال جل وعز: {فإذا أفضتم من عرفات}

(1/72)


وكما قال الشاعر، وهو امرؤ القيس:
تنورتها من أذرعاتٍ وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظرٌ عال
لأن التنوين هاهنا ليس علامةً للانصراف، وإنما هو بمنزلة النون في مسلمين، فلا يجوز حذفها بوجهٍ.
فقد ذكرنا في هذه الأشياء على قول البصريين، وأما الكوفيون فلهم فيها أقوالٌ لا يعرفها البصريون، فأذكرها لتكثر فائدة الكتاب، ولعل من لا يحسن غير علم الكوفيين ينظر فيه فيتوهم أن ذلك غاب عنا.
140- أجاز الكوفييون في أبي جادٍ أن تجعل الواو من بناء الاسم وعدد حروفه، وتوقع الإعراب على الدال فلا تجريه، فيقول: أعجبني أبو جاد، وكتبت أبو جاد، ونظرت إلى أبو جاد، واحتجوا بما روي ((وكتب علي بن أبو طالبٍ)) .
141- وسمعت علي بن سيلمان يقول: هذا خطأٌ عظيمٌ، وهدمٌ لأصول العربية، أو معنى هذا؛ قال: والقول فيه أن الواو والياء والألف حروف المد واللين عندهم واحدٌ، فيبدلون بعضها من بعضٍ في الخط واللفظ على ما يجب في العربية، فيقولون: رأيت أبا محمدٍ، ويكتبونه بالواو؛ وليس يستنكر أن يقال: لهم الفضل والتقدم، وليس لهم علمٌ

(1/73)


بالخط وبحقيقته، وقد كتبوا: {كمشكاةٍ} بالواو.
142- قال الفراء: إذا سميت رجلاً بأبي جادٍ، قلت: هذا أبو جادٍ، قال: وإن نويت أنك سميته بالكلمة التي يتعلمها الناس كان لك الإجراء وتركه، فمن أجرى قال: الاسم في الأب، ومن لم يجر توهم أن الاسم في جاد، أنشدني الكسائي:
فإلى ابن أم أناس تعمد ناقتي ...
لم يجر أناس لأنه قدر الاسم فيه.
143- قال أبو جعفرٍ: الذي أعرفه من قول الكوفيين أنهم يجيزون للشاعر إذا اضطر ترك صرف ما ينصرف، وهم ينشدون هذا البيت:
وإلى ابن أم أناس أرحل ناقتي ...
وهذا خطأٌ عند أكثر البصريين، والرواية:
وإلى ابن أم أناسٍ ارحل ناقتي ...
على تخفيف الهمزة.
144- قال الفراء: وإذا سميت رجلاً بهوازٍ أجرتيه، وإن نويت أنك سميته بالكلمة التي يتعلمها الناس لم تجر، لأنها مؤنثةٌ.
145- قال: وإذا سميت رجلاً بحطي تركته على لفظه في كل وجه،

(1/74)


لأنه حكايةٌ من قولك آمراً لامرأةٍ: حطي، فتقول: هذا حطي، وأكرمت حطي، ونظرت إلى حطي، قال الشاعر:
لما رأيت أمرها في حطي ...
أخذت منها بقرونٍ شمط ...
146- قال الفراء: وإن شئت جعلت الياء ألفاً في باب التسمية، فقلت: هذا حطاً، ومررت بحطاً، وأكرمت حطاً.
147- قال: وإن شئت شددت الياء في باب التسمية، فقلت: هذا حطيٌ، وأكرمت حطياً، ومررت بحطيٍ.
148- قال: فإذا سميت رجلاً بكلمن لم تجر لعجمته، وعربت النون، فإن قدر تقدير فعلولٍ من أبنية العرب أجري، فإذا سميت رجلاً بسعفص لم تجره لأنه أعجميٌ.
149- قال الفراء: وقد يحكى عن زكريا الأحمر أنه قال: ثقيف تسمي السكباجة السعفصة، والسعفص جمع سعفصةٍ، فإذا سميت رجلاً بسعفصٍ وأنت تنوي هذا المعنى أجريته، وإن نويت أن تسميه بالكلمة التي يتعلمها الناس لم تجرها، لأن الكلمة مؤنثةٌ.
150- قال: فإذا سميت رجلاً بقرشت أجريته، لأنه بمنزلة صنيبعاتٍ وعرينثاتٍ. قال: ويجوز أن لا تجريه إذا جعلته مجهولاً.

(1/75)


باب الحذف في أبي جادٍ والإعلال له، وذكر ما فيه من الاختلاف
151- اعلم أن حروف المد واللين تحذف كثيراً، لأن ما قبلها يدل عليها.
152- فلما كانت أبو جاد وأخواتها إنما قصد بها تعليم معرفة كتاب الحروف في الوصل لم تحتج فيها إلى تكريرٍ، فتحذف الواو من أبي جادٍ لأنها ثابتةٌ في هواز؛ وتحذف الألف الثانية من أبي جادٍ لأنها ثابتةٌ في أوله.
153- فإن قال [قائلٌ] : فهلا أثبتوا الواو في أبي جاد لأنها أول الحروف، فاكتفوا بها من الواو التي في هوازٍ. قيل: حروف أبي جادٍ كثيرةٌ، وحروف هوازٍ قليلةٌ، فكان الحذف من الكثير أولى لتعتدل الكلمتان، وحذفوا الألف من هوازٍ لأنها ثابتةٌ في أبي جادٍ، وجاءت حطي سالمة الياء لأنها ليس قبلها مثل صورتها، وحذفت الواو من كلمن لأنها في هواز.
154- فإن قال قائلٌ: لم كتبوا صعفص صادين، وقد قلت: إنه ليس من مذهبهم الجمع بين صورتين في هؤلاء الحروف؛ ففي هذا جوابان:
أحدهما: أنهم جمعوا بين صورتين ها هنا، لأن الصاد الثانية مخالفةً للصاد الأولى، لأن الأولى موصولةٌ والثانية معرفةٌ.
والقول الثاني: أن الحذف والاكتفاء إنما يكون في حروف المد

(1/76)


واللين، لأنهن يجرين مجرى الحركات وهذا القول أولى، لأن القول الأول يلزم قائله أن يثبت في أبي جادٍ ألفين لاختلاف صورتهما.
155- فأما قرشت فاختلف النحويون فيها، فمذهب البصريين أنها إنما كتبت بالألف، وذلك أجود عندهم، ويجيزون حذفها في أبي جادٍ، وإنما صار إثباتها أجود عندهم لأن التي في أبي جادٍ همزةٌ، وهذه ألفٌ، وكذا يثبتون الياء فيها وهي في حطي لاختلاف الصورتين، حكى هذا أحمد بن جعفرٍ.
156- وأما الكوفيون فلا نعلم بينهم اختلافاً أنهم يكتبون قرشت بغير ياء وبغير ألفٍ، وأنه من أثبت في قرشت ياءً بعد الراء، وتاءً بعد الشين، أو ألفاً، فليس يحسن يتهجى، وعلتهم أنهم حذفوا الياء اكتفاءً بالياء التي في حطي، وحذفوا الألف التي قبل التاء اكتفاءً بالألف التي في أبي جادٍ منها.
157- قال أبو جعفرٍ: فإذا أخرجت هذه الحروف من حد التعليم كتبتها على أصلها لا غير، وكذلك حروف المعجم.
باب حروف المعجم
158- روى كعب الأحبار، قال: أول من كتب الكتاب العربي والسرياني والحصوري والكتب كلها آدم صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاث مئة سنةٍ،

(1/77)


كتبها في الطين، ثم طبخه، فلما أصاب الأرض الغرق أصاب كل قومٍ كتابهم، فكتبوه، فكان إسماعيل بن إبراهيم صلى الله عليه أصاب كتاب العرب.
159- وروي عن ابن عباس، قال: أول من وضع الكتاب العربي إسماعيل صلى الله عليه وسلم، فوضع الكتاب على لفظه ومنطقه، ثم جعله كتاباً واحداً مثل الموصول حتى فرق بينه ولده صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا قول عروة أول من وضع الكتاب العربي أبو جادٍ وهوازٌ وحطي وكلمن وصعفص وقريشت، وكذا قال عبد الله بن عمروٍ.
160- وقال المدائني: بلغنا أن أول من كتب بالعربية مرامر بن مرة من أهل الأنبار، ويقال من أهل الحيرة.
161- وقال سمرة بن جندبٍ: نظرت في كتاب العربية فإذا هو قد مر بالأنبار قبل أن يمر بالحيرة.
162- وقد رأيت من ينكر على الفراء قوله: إن الذي رسم حروف التهجي لم يحسن، ويومئ أن الفراء غلط في هذا غلطاً عظيماً للحديث أنها نزلت على آدم صلى الله عليه وسلم، وأنها داخلةٌ في الأسماء التي علمها، وهذا لا يلزم الفراء، لأن هذا إن صح فليس يحلق الفراء منه تشنيعٌ، لأن الفراء إنما عاب التصوير لا الحروف في أنفسها، لأنه كان يجب عنده أن يصور الصاد خلاف صورة الضاد، حتى لا تحتاج إلى نقطٍ، وكيف يعيب

(1/78)


الفراء هذه الحروف مع بيان فضلها، والقرآن نزل بها، ولغات العرب عليها تدور، وقد انقادت اللغات كلها للغة العرب، فأقبلت الأمم إليها يتعلمونها، ودين الإسلام عربيٌ، وبيان الشرائع والأحكام والفرائض والسنن بالعربية!؟
163- ويقال: إن لغة العرب هي اللغة التامة الحروف، الكاملة الألفاظ، لم ينقص عنها شيءٌ من الحروف، فيشينها نقصانه، ولم يزد فيها شيءٌ فيعيبها زيادته، وسائر اللغات فيها حروف مولدةٌ، وتنقص عنها حروفٌ أصليةٌ، كاللغة الفارسية تجد فيها زيادةً ونقصاناً.
164- وحروف المعجم ثمانيةٌ وعشرون حرفاً، وقد ذكر سيبويه زيادةً على هذا، إلا أنها راجعةٌ إليها، والأصل هذه، وإنما ذكرها ليحيط باللغة، نحو قولهم: بييرٌ وما أشبه ذلك، والدليل على أن الأصل تلك أن ما خرج عنها معيبٌ عندهم، وقد بطل عن غيرها من اللغات فيما قيل أسامٍ كثيرةٌ لا تكاد توجد لها أسماءٌ بالفارسية حتى تذكر بلسان العرب، نحو: الحق والباطل والصواب والخطإ والحلال والحرام، وهذا الخلل قد دخل على سائر اللغات وكاد يدخل على لسان العرب حين خالطوا العجم، حتى استدرك ذلك أبو الأسود بأمر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
165- قال الفراء: وجدنا للغات العرب فضلاً على لغة جميع الأمم اختصاصاً من الله عز وجل لهم، وكرامةً كرمهم بها، فبعث منهم رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه قرآناً بلسانٍ عربيٍ مبينٍ.

(1/79)


ثم نظرنا في السمات التي وسمت العرب بها كلامها من الخفض والرفع والنصب، فوجدناهم أدخلوا ذلك للإيجاز في القول والاكتفاء بقليله الدال على كثيره.
166- وذكر الفراء أن من الإيجاز في القول أن الضرب كلمةٌ واحدةٌ، فوسعوا فيها، فجعلوا الضرب في الوجه لطمٌ، وفي القفا صفعٌ، وفي الرأس شجٌ إذا دمي، وكان قولهم لطم أوجز من ضرب على وجهه. وقالوا في الرمح: طعنه، وفي السيف ضربه، وفي السهم رشقه، وفي السكين وجأه، وفي الحجر شدخه.
167- قال أبو عبيدٍ: للعرب في كلامها علاماتٌ لا يشركها فيها أحدٌ من الأمم، نعلمه: إدخالهم الألف واللام في أول الاسم وإلزامهم إياه الإعراب في كل وجهٍ؛ وذكر نقلهم كل ما احتاجوا إليه من كلام العجم إلى كلامهم، ولا يتهيأ هذا للعجم، لأن العرب نقلت ما قالت حكماء العجم إلى كلامهم وكلام الفلاسفة إلى العربية، ولم يقدر أحدٌ من الأمم على نقل القرآن إلى لغتهم، لكمال لغة العرب، وقد حاول ذلك كثيرٌ من الناس، فعسر عليهم من نقله، وتعذرت ترجمته، فترجموا منه حروفاً، مثل: بسم الله الرحمن الرحيم، على نقلٍ بعيدٍ واستخراجٍ شديدٍ، حتى قال بعض العلماء: لو اجتهد جميع الناس أن ينقلوا: {سيهزم الجمع ويولون الدبر} ما قدروا، وكذا: {وغيض الماء} الآية، وكذا: {فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه} الآية، وكذا: {فانبذ إليهم على سواءٍ}

(1/80)


لما فيه من الاختصار الذي هو من إعجاز القرآن، ومثله كثيرٌ، ولغات الأمم أكثر من أن تحصى، ويقال: إن أفضلها العربية والسريانية والعبرانية والفارسية، لأن الكتب بها نزلت، ويقال: إن المجوس نزل عليها كتابٌ بالفارسية، ويقال: إن العبرانية هي السريانية، إلا أنه زيد فيها حين عبر إبراهيم صلى الله عليه نهر الأردن، فسميت العبرانية لذلك.
168- وحكى أبو روق، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان كلام آدم صلى الله عليه وسلم بالعربية، فلما أكل من الشجرة نسي العربية، فتكلم بالسريانية، فلما تيب عليه ردت عليه العربية.
169- قال الشرقي بن قطامي: كان آدم صلى الله عليه أول من تكلم بالعربية، وأول من قال الشعر، قال يبكي على الجنة:
تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مسودٌ قبيح
تغير كل ذي طعمٍ ولونٍ ... وقل بشاشة الوجه المليح
170- وروى مقاتلٌ، عن عطاءٍ، عن ابن عباسٍ، قال: من الأنبياء خمسةٌ تكلموا بالعربية: محمدٌ وهودٌ وشعيبٌ وصالحٌ وإسماعيل صلى الله عليهم.

(1/81)


171- قال: وكان كلام الأنبياء السريانية ما خلا موسى صلى الله عليه، فإنه تكلم بالعبرانية.
172- وبغير هذا الإسناد عن ابن عباسٍ: كان هودٌ صلى الله عليه أول من تكلم بالعربية، وقال الشعر، ونزل عن يمين الشمس فسمي اليمن لذلك.
173- وأما أبو جعفرٍ محمد بن علي [كذا] ، فقال: أول من تكلم بالعربية إسماعيل صلى الله عليه وهو يومئذٍ ابن ثلاث عشرة سنةً وأقر إبراهيم على السريانية.
باب اشتقاق حروف المعجم وإعرابها
174- قيل: سميت حروف المعجم لأنها مبنيةٌ للكلام، مشتقةٌ من قولهم: أعجمت الشيء إذا بينته، ويجوز أن تكون مشتقةً من عجمت العود وغيره إذا اختبرته فيكون معناها حروف الاختبار، ولا نعلم بين النحويين اختلافاً في أنها تذكر وتؤنث، بمعنى الحرف والكلمة، وأن الأحسن فيها التأنيث، تقول: هذه ألفٌ حسنةٌ، وإن شئت هذا ألفٌ حسنٌ، وحروف المعجم غير معربةٍ عند الجميع إذا لم يعطف بعضها على بعضٍ، واختلفوا في العلة، فقول البصريين أنها لم تعرب، فقيل: ألف ب ت ث حكايةً لحروف الأسماء، ولا يعرب بعض الاسم.

(1/82)


175- قال الفراء: لم تعرب حروف المعجم لأن المتكلم أراد أن يعلم المخاطب الهجاء، فقال: اب ت ث حكايةً لحروف الأسماء، فوقفه، لأنه لم يرد أن يخبر عنه بشيءٍ، فإن أخبر عنه بشيءٍ أعربه، فقال: هذه باءٌ قصيرةٌ، وكذا إن نسق، فقال: هذه ألفٌ وباءٌ. وكلام الفراء في هذا حسنٌ.
176- وفي حروف المعجم لغاتٌ، فما كان منها على حرفين ففيه ثلاث لغاتٍ: القصر بغير تنوينٍ، وبتنوينٍ، وبالمد؛ تقول: هذه با قصيرةٌ، وإن شئت قلت باءٌ. وكذلك إن نسق، فقال: هذه ألفٌ وبا، وإن شئت مددت. وفي الزاء خمس لغاتٍ، يقال: هذه زايٌ، فاعلم، هذه اللغة الفصيحة، وإن شئت زي بالتشديد، وإن شئت زا بالقصر بغير تنوينٍ، وتنوينٍ، واللغة الخامسة المد. وما كان منها على ثلاثة أحرفٍ جرى بالإعراب تقول: هذه ألفٌ وجيمٌ وما أشبههما، فإن أردت أن تكتب فعلت منها، قلت من الألف: ألفت ألفاً، ومن الباء وما أشبهها على لغة من قصر: بييت با، وتييت تا، وهييت ها، وعلى لغة من مد بالواو بويت وتويت وهويت، وكذا من قال زاءٌ فمد، قال: زويت؛ ومن قصر، قال: زييت؛ ومن قال: زايٌ، قال: زويت، كما قال في الأول؛ ونظير زويت من الزاي قولك: كوفت كافاً، وقوفت قافاً، ودولت دالاً، ولومت لاماً، هذه اللغة الصحيحة، وقد حكي كيفيت وقيفت وزييت وليمت.

(1/83)


وقيل لأبي العالية: أنقرأ {ننشرها} أو {ننشزها} فقال: إنها زايٌ فزوها.
وأما نونت نوناً فلا يجوز غيره، لأن أوسطها واوٌ.
فإن كان الأوسط ياءً لم يجز فعلت إلا بالياء، تقول: سينت سيناً، وعينت عيناً، وميمت ميماً.
وقد حكي عن العرب في ما ولا: مويت ولويت، والأصل الياء، كما تقول: بييت في لغة من قصر؛ هذه حكاية النحويين.
والقول فيه عندي أنه على لغة من مد، فشبهه بما مد، وهو على حرفين من حروف المعجم. والدليل على صحة ما قلت أنه قد سمع مويت ما حسنةً وماءً حسنةً.
فإن كانت ثلاثة أحرف، الثاني منها ألف، والثالث واوٌ؛ قيل: وويت واواً حسنةً. والعلة فيه عندي أن الألف صارت رابعةً، فصار مثل أغويت، ويجوز قلب الواو إلى الهمزة، فيقال: أويت، مثل: أحدٍ ووحدٍ وأناةٍ ووناةٍ، وهو في وويت أحسن لاجتماع الواوات.
وروى أبو العالية، عن زيد بن ثابتٍ {كيف ننشزها} ، وقال: إنما هي زايٌ، فزوها.

(1/84)


باب النسبة إلى حروف المعجم
177- إن نسبت قصيدة إلى الباء والتاء، قلت: بائيةٌ وتائيةٌ، وإن شئت باييةٌ وتاييةٌ بغير همزٍ، وإن شئت تاويةٌ، كما قيل في النسب إلى كساءٍ كساويٌ، وهذا كله في لغة من قال: تاءٌ، فمد، ومن قصر فكذا يجب أن يقول، لأن النسبة إلى ما كان على حرفين ليس أحدهما حرف مد أو لينٍ بابه إن كان يرد في التثنية جاز في النسيبة الرد وتركه، يقول: دمويٌ ودميٌ، فإن كان ثانيه حرف مدٍ ولينٍ لم يجز في النسبة إلا الرد لا اختلاف في ذلك، نحو قولك في النسبة إلى شيةٍ وشيي، هذا قول الأخفش، وقال سيبويه: وشويٌ، حرك الشين، وإن كان أصلها السكون ليدل على أنها كانت متحركةً، وإنما وجب الرد لئلا يكون اسمٌ على حرفين، أحدهما حرف مدٍ ولينٍ، ألا ترى أنهم قالوا: هذا فوك، فلما أرفدوا قالوا: هذا فمٌ.
178- فإن قال قائلٌ: فكيف أجزتم: هذا با؟ فجئتم بشيءٍ على حرفين، أحدهما حرف مدٍ ولينٍ؟ قيل له: هذا لعمري شاذٌ، إنما يؤخذ على ما سمع، وله وجهٌ من القياس، وذلك أنهم كرهوا أن يكون اسمٌ على حرفين، أحدهما حرف مدٍ ولينٍ لئلا يلحقه التنوين،

(1/85)


فيسقط، فيبقى اسمٌ على حرفٍ واحدٍ، وهذا محالٌ لعلةٍ موجبةٍ، ألا ترى أنك لو سميت رجلاً بلو لقلت: هذا لوٌ قد جاء لا غير؛ وأنشد الفراء:
ولكن أهلكت لو كثيراً ... وقبل اليوم عالجها قدار
179- فأما ما في كتاب ((العين)) من أنك إذا سميت رجلاً بقد شددت الدال، فغلطٌ.
سمعت أبا إسحاق يقول: ليس هذا من كلام الخليل، وإنما هذا زيادةٌ في الكتاب، وقول الخليل أن يقول: هذا قدٌ جاء.
180- قال أبو جعفرٍ: وأشد من كل ما ذكرناه ما رواه الكوفيون من قولهم: هذه باً، فاعلم، فجاؤوا برسمٍ على حرفين، أحدهما حرف مدٍ ولينٍ، وجاؤوا بالتنوين، وظاهره ظاهرٌ محالٌ إلا أنا حكيناه على ما رووه.
181- وقد روي عن العرب: هذه قصيدةٌ بيويةٌ ولوويةٌ وموويةٌ إذا نسبت إلى [با و] ما ولا، فإن نسبتها إلى الزاي، قلت: زايية بغير همزٍ وبالهمز وبالواو، فإن كانت الياء أخف عليهم من الواو فإن هذه الأشياء شاذةٌ يحتاج فيها إلى السماع، والقياس قلب الواو إلى الياء، لأنها أخف، ألا تراهم قالوا؟ أيام، والأصل أيوامٌ!؟

(1/86)


باب أسماء أيام الجمعة
182- لها ثلاثة أسماء، فأشهرها ما رواه عطاءٌ، عن ابن عباس، قال: إن الله جل وعز خلق يوماً واحداً، فسماه: الأحد؛ ثم خلق ثانياً، فسماه: الاثنين؛ ثم خلق ثالثاً، فسماه: الثلاثاء؛ ثم خلق رابعاً، فسماه: الأربعاء؛ ثم خلق خامساً، فسماه: الخميس.
183- وأما الضحاك، فقال: إن الله عز وجل خلق السموات والأرض في ستة أيام ليس منها يومٌ إلا وله اسمٌ: أبجد، هوز، حطي، كلمن، صعفص، قريشت.
وهذان القولان ليسا متناقضين، لأنه يجوز أن يسمي ذلك بلسان عربٍ وبلسان آخرين.
184- والأسماء في الكتاب الثالثة تروى عن العرب العاربة، أي القديمة: أنهم يسمون الأحد أول، والاثنين أهون وأوهد، والثلاثاء جباراً، والأربعاء دباراً، والخميس مؤنساً، والجمعة العروبة بالألف واللام، ولغةٌ شاذةٌ عروبة بغير ألفٍ ولامٍ وغير صرفٍ، ويسمى أيضاً حربة، ويوم السبت شياراً؛ وسنذكر الاشتقاق بعد هذا إن شاء الله.
185- واختلف المسلمون في اليوم الذي ابتدئ فيه الخلق، وفي أول الأيام فقال قومٌ: أولها الأحد؛ وقال قومٌ: أولها السبت؛ وقال قومٌ: أول الأيام الأحد، وأول الجمعة السبت، وهذا أحسنها؛ والدليل

(1/87)


على أن أولها الأحد أن الاثنين بمعنى الثاني.
186- فأما الاختلاف في ابتداء الخلق، فقال ابن سلام فيه: ابتداؤه يوم الأحد، وكذا قال مجاهدٌ والضحاك، وعليه أكثر الناس، وقال بعض العلماء: يوم السبت؛ وكذا قال محمد بن إسحاق.
187- وفيهما جميعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثٌ، فمن ذلك ما روي عن أبي هريرة، قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي، فقال: ((خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه فيها يوم الثلاثاء، وخلق النور فيها يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم صلى الله عليه وسلم بعد العصر من يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعةٍ من ساعات الجمعة في ما بين العصر إلى الليل)) .
188- وأما الحديث الآخر فرواه عكرمة عن ابن عباس: أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فسألته عن خلق السموات والأرض، فقال: ((خلق الله جل وعز الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع، وخلق يوم الأربعاء البحر والماء والمدائن والعمارات والخراب وهذه أربعة أيامٍ، قال الله عز وجل: {قل إئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين} إلى آخر الآيات، وقال: {في أربعة أيامٍ سواء للسائلين} قال لمن سأل: وخلق يوم الخميس

(1/88)


السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعاتٍ بقين منه، وخلق في أول ساعةٍ من هذه الثلاث الساعات الآجال يموت من مات، وفي الثانية ألقى الألفة على كل شيءٍ ينتفع به الناس، وفي الثالثة آدم صلى الله عليه وسلم وأسكنه الجنة وأمر بالسجود له، وأخرجه في آخر ساعةٍ)) قالت اليهود: ثم ماذا يا محمد؟ قال: (( {ثم استوى على العرش} )) قالوا: أصبت؛ ثم استراح؛ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً، فنزلت: {ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيامٍ وما مسنا من لغوب. فاصبر على ما يقولون} .
189- قال أبو جعفر: زعم محمد بن إسحاق أن الحديث الأول أولى، واستدل بأن الفراغ كان يوم الجمعة؛ وخالفه غيره من العلماء الحذاق النظار، فقال: دليله هو الدليل على خطائه، لأن الخلق في ستة أيام يوم الجمعة منها، كذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم برواية الجماعة، فلو لم يدخل في الأيام كان الخلق في سبعةٍ أيامٍ، وذلك خلاف ما جاء به التنزيل.
190- قال أبو جعفرٍ: الحديثان ليسا بمتناقضين، لأنا إن عملنا على الأول فالخلق في ستة أيام، وليس في التنزيل أنه لا يخلق بعدها شيئاً، فيكون هذا متناقضاً؛ وإن عملنا على الثاني، فليس في التنزيل أنه لم يخلق قبلها شيئاً.

(1/89)


191- ثم نرجع إلى هذه الأيام فنبين كم مقدار كل يومٍ على ما قاله العلماء إذ كانت هذه الأشياء إنما تؤخذ عن العلماء لا بالآراء.
192- فمن ذلك حديث أبي مالكٍ وأبي صالحٍ، عن ابن عباسٍ؛ ومرة الهمداني، عن ابن مسعودٍ: {ثم استوى إلى السماء وهي دخانٌ} قال: وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس، فجعلها سماءً واحدةً، ثم فتقها، فجعلها سبع سمواتٍ في يومين، في الخميس والجمعة، وإنما سمي الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض.
193- وقال غيره: وصح أن ابتداء خلق السموات والأرض إلى حين الفراغ في ستة أيامٍ، مقدار كل يومٍ ألف سنةٍ من أيام الدنيا، وكان بين ابتدائه جل وعز في خلق ذلك وخلقه القلم الذي أمره بكتابة ما هو كائنٌ إلى قيام الساعة يومٌ، وهو ألف عامٍ، فصار ابتداء الخلق إلى الفراغ منه سبعة آلاف عامٍ.
194- وقول ابن عباس: مدة إقامة الخلق إلى قيام الساعة سبعة أيامٍ كما كان الخلق في سبعة أيامٍ وهي سبعة آلاف سنةٍ.
قال ابن عباسٍ: الدنيا سبعة آلاف سنةٍ.
195- وقد اختلف فيما مضى منها، فاليهود تقول شيئاً والنصارى تقول غيره؛ والمجوس أيضاً تخالفهم إلا أن بعض جلة العلماء قال: الصحيح أنه مضى من الدنيا قبل الهجرة ستة آلاف سنةٍ وخمس مئة،

(1/90)


واستدل على ذلك بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أجلكم في أجل من كان قبلكم من صلاة العصر إلى مغرب الشمس)) وذلك مقدار نصف سبع اليوم، يزيد قليلاً أو ينقص قليلاً، وكذا فضل ما بين الوسطى والسبابة.
196- وإنما قلنا كل يومٍ مقداره ألف سنةٍ كما جاء به القرآن، وكذا التوقيف عن عكرمة، عن ابن عباسٍ: خلق الله جل وعز السموات والأرض في ستة أيامٍ، كل يومٍ منها كألف سنةٍ مما تعدون أنتم. وكذلك قال كعبٌ ومجاهدٌ.
باب الاشتقاق
197- السبت الراحة، ومنه قيل للنوم: السبات؛ والسبت القطع؛ ففي يوم السبت الاشتقاقان جميعاً.
198- وأحدٌ بمعنى واحدٍ، وقيل: أصله وحدٌ، كما قال النابغة:
على مستأنسٍ وحدٍ ...

(1/91)


ومثله وناةٌ وأناةٌ ...
وقيل: أحدٌ بمعنى أول. وهذا أولى ما قيل، لأن معنى الاثنين: الثاني، والثلاثاء: الثالث، لا نعلم اختلافاً في ذلك، ولهذا قيل ليوم الأحد أول، لأنه أول أعداد الأيام.
199- ويوم الاثنين أهون وأوهد لأنه ينحط من الأول إلى الثاني، وأهون مشتقٌ من الهون والهوينى، قال الأعشى:
تمشي الهوينى كما يمشي الوجى الوحل ...
وأوهد من الوهدة، وهي الانخفاض من الأرض.
200- والثلاثاء جبارٌ، أي: جبر به العدد.
201- والأربعاء دبارٌ لأنه دبر ما جبر به العدد.
202- ويوم الخميس مؤنسٌ يؤنس به لبركته، ولم يزل ذلك أيضاً في الإسلام، وكان النبي عليه السلام يتبرك به ولا يسافر إلا فيه، وقال صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم خميسها)) .
203- والجمعة العروبة، لا يعرفه أهل اللغة إلا بالألف واللام إلا شاذاً، أي: اليوم البين المعظم من أعرب إذا بين. ولم يزل يوم الجمعة معظماً عند أهل كل ملةٍ، ويقال له: حربة، أي: مرتفعٌ كالحربة، وقد قيل: من هذا اشتق المحراب.

(1/92)


204- ويوم السبت شيارٌ، أي: ظهر أول أيام الجمعة، مشتقٌ من شورت الشيء، أي: أظهرته، ويقال: رجلٌ شيرٌ، أي: حسن الشارة، وهو ظاهر منظره، وتشاور القوم: أظهروا آراءهم.
205- قال الفراء: استأجرته مياومةً، أي: كل يومٍ بكذا، ومجامعةً، أي: كل جمعةٍ بكذا، لم نسمع إلا في الجمعة، كما قيل: استأجرته مساناةً.
باب جمع الأيام
206- جمع السبت في أقل العدد: أسبتٌ وسبتاتٌ، بالتحريك لا غير، لأنه ليس بنعتٍ، كما قال:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدةٍ دما
والكثيرة: السبوت، ويجوز السبات، مثل: فروخٍ وفراخٍ.
207- وأحدٌ وآحادٌ وأحداتٌ في القليل، والكثيرة: أحودٌ، وقد حكي، أحدٌ، كأنه جمع الجمع.

(1/93)


208- والاثنان سبيله أن لا يثنى ولا يجمع، وأن يقال فيه: مضت أيام الاثنين، إلا أن يقول: ذوات، وقد حكى البصريون: الأثن، والجمع: الثنى، وفي كتاب الفراء: الأثانين، والأثاني الكثيرة.
209- قال أبو جعفرٍ: يجوز الأثانين على حيلةٍ بعيدةٍ، وهي أن يقول: اليوم الاثنان فتضم النون فيصير مثل عمران فتثنيه وتجمعه على هذا، وتقول: مضت أثانٍ، مثل: أسماءٍ وأسامٍ.
210- وقرأت على أبي إسحاق في كاب سيبويه في ما حكاه: اليوم الثنى، فيقول على هذا في الجمع: الأثناء.
211- ويقول: مضت الثلاثاء، على اللفظ، ومضى على تذكير اليوم، وكذا الجمع ثلاث ثلثاواتٍ.
وحكى الفراء في الجمع الأثالث، ويجوز الأثاليث، ويجوز الثلائث، مثل جمع ثلاثةٍ، لأن ألف التأنيث كالهاء.
212- وأربعاوات وأرابيع الياء عوضٌ مما حذف، وإن لم تعوض قلت: أرابع، وأجاز الكوفيون: أربعاءات وثلاثاءات، ولا يجوز هذا عند البصريين للفرق بين ألف التأنيث وغيرها.
213- وخميسٌ وأخمسةٌ، والكثيرة خمسٌ وخمسان، كرغيف ورغفانٍ، ويقال: أخمساء كأنصباء، وفي كتاب الفراء: الأخامس الكثيرة.

(1/94)


214- وجمعةٌ وجمعةٌ، والجمع جمع وجمعات، ويجوز الفتح والتسكين.
باب ذكر الشهور
215- قال الله جل وعز: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعةٌ حرمٌ} أي: إن عدة شهور السنة عند الله في كتابه الذي كتب فيه ما هو كائنٌ، وفي قضائه الذي قضى به من خلق السموات والأرض، منها: من هذه الاثني عشر شهراً أربعة أشهرٍ حرمٌ، كانت الجاهلية تعظمهن وتحرم القتال فيهن حتى لو لقي الرجل فيهن قاتل أبيه لم يهجه، وكان ذلك أيضاً في أول الإسلام ثم نسخ، على أن بعض العلماء يقول: لم ينسخ.
216- وقد اختلف العلماء في اللفظ بهن بعد الإجماع على تعيينهن. والكوفيون يقولون: هن المحرم، ورجبٌ، وذو القعدة، وذو الحجة، والكتاب يميلون إلى هذا القول ليأتوا بهن من سنةٍ واحدةٍ. وأهل المدينة يقولون: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجبٌ، فيأتون بثلاثةٍ منهن متواليات، وقومٌ منهم ينكرون هذا، ويقولون: جاؤوا بهن من سنتين. وهذا غلطٌ بينٌ وجهلٌ باللغة، لأنه قد علم المراد في ذلك أن

(1/95)


المقصود ذكرها وأنها في كل سنةٍ، وكيف يتوهم أنها من سنتين، وقد أجمع أهل اللغة أن قائلاً لو قال: أخذت من فلانٍ ديناراً ودرهماً أنه يجوز أن يكون أخذ الدرهم قبل الدينار. والأولى والاختيار ما قال أهل المدينة، لأن الأخبار قد تظاهرت عن رسول الله صلى الله عليه كما قالوا، من رواية ابن عمر وأبي هريرة وأبي بكرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجته فقال: ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض؛ السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعةٌ حرمٌ، ثلاثةٌ متوالياتٌ ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجبٌ الذي بين جمادى وشعبان)) .
وهذا أيضاً قول أكثر أهل التأويل.
217- ويسمى أيضاً رجبٌ الأصم، يدلك على ذلك ما رواه معمرٌ، عن الزهري، قال: شهر الله الأصم رجبٌ.
218- قال أبو إسحاق في تسميته بالأصم: لأن صوت السلاح لا يسمع فيه.
قال: وجائزٌ أن يكون سمي بذلك لأنه لا تسمع فيه الاستغاثة.
219- قال أبو جعفرٍ: ووجدنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمى ذا الحجة

(1/96)


الأصم وذو الحجة أيضاً من الحرم، والاشتقاق واحدٌ.
220- فمن ذلك ما رواه مرة الهمداني، قال: سمعت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقةٍ حمراء مخضرمةٍ، فقال: ((أتدرون أي يومٍ يومكم هذا؟)) قلنا: يوم النحر؛ قال: ((صدقتم، يوم الحج الأكبر؛ أتدرون أي شهرٍ شهركم هذا؟)) قلنا: ذو الحجة؛ قال: ((صدقتم؛ هو شهر الله الأصم، أو تدرون أي بلدٍ بلدكم هذا؟)) قلنا: هذا المشعر الحرام؛ قال: ((صدقتم)) ثم قال: ((إن دماءكم وأموالكم عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا؛ ألا إني فرطكم على الحوض، وإني مكاثرٌ بكم الأمم، فلا تسودوا وجهي، ألا وقد رأيتموني وسمعتم مني، وستسألون عني، فمن كذب علي فليتبوأ مقعده من النار)) .
221- وأدخلت الألف واللام في المحرم دون غيره من الشهور، لأن الأشهر الحرم أربعةٌ، فلما خص بهذا الاسم دونها ألزم الألف واللام ليكون علماً بذلك.
222- وجاء منها ثلاثةٌ مضاعفاتٌ: شهر رمضان وشهرا ربيع، كما روي عن جاهدٍ، قال: لا تقل رمضان، ولكن قل كما قال الله عز وجل: {شهر رمضان} فإنك لا تدري ما رمضان.

(1/97)


223- وروي عن مجاهدٍ وعطاءٍ أنهما كانا يكرهان أن يقولا رمضان، ولكن يقولان كما قال الله عز وجل {شهر رمضان} قالا: أجل، رمضان اسمٌ من أسماء الله عز وجل.
224- قال أبو جعفرٍ قد وجدنا من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم رمضان بغير شهرٍ مما رواه الحسن، عن أبي بكرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يقولن أحدكم صمت رمضان، ولا قمته كله)) . فلا أدري أكره التزكية أم لا، قال [عبيد الله بن سعيدٍ] : لأنه لا بد من غفلةٍ ورقدةٍ.
225- وروى ابن عباسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لامرأةٍ من الأنصار: ((إذا كان رمضان فاعتمري فيه تعدل حجةً)) .
باب اشتقاق أسماء هذه الشهور
226- سمي المحرم محرماً لأنهم كانوا يحرمون فيه القتال، وسمي صفرٌ لأنهم كانوا يخرجون فيه إلى المغارات، فتبقى بيوتهم صفراً، هذا أصح ما قيل فيه.
227- وقيل: شهرا ربيعٍ، لأنهم يحصلون فيه ما أصابوه في صفر،

(1/98)


والربيع في اللغة الخصب؛ وقد قيل لارتباعهم فيهما، والأول أولى بالصواب.
228- وجماديان من جمد الماء، لأن الوقت الذي سميتا فيه [كان] جامداً، فوقعت التسمية فيه على ذلك.
229- ورجبٌ لتعظيمهم إياه، ورجبته عظمته.
قال محمد بن يزيد: سمي رجباً لأنه في وسط السنة، مشتق من الرواجب.
230- وشعبان لتشعبهم فيه لكثرة الغارات.
231- وشهر رمضان أي: شهر الحر، مشتقٌ من الرمضاء.
232- وشوالٌ من شالت الإبل بأذنابها، إذا حملت، ومن شال يشول إذا ارتفع.
233- وذو القعدة لقعودهم فيه عن القتال، وهو من الأشهر الحرم، كانوا لا يقاتلون فيه.
234- وذو الحجة لأن الحج فيه.
باب جمع هذه الشهور
235- جمع المحرم محرماتٌ، وفي المكسر: محارم، وإن عوضت قلت: محاريم.

(1/99)


236- وصفرٌ صفراتٌ، وفي المكسر: أصفارٌ، والكثير: صفورٌ وصفارٌ.
237- وشهراً ربيعٍ الأولان ومضت شهرات ربيعٍ الأولات والأوائل، وإن شئت قلت: أشهرٌ في القليل وشهورٌ في الكثير. قال قطربٌ: ويقال في الجمع: الأربعة الأوائل والأواخر. وحكى غيره أنه يقال: ربعٌ.
238- ومضت جماديان الأوليان، وإن شئت: مضى على معنى الشهر، وجمادياتٌ الأولياتٌ؛ ويجوز جمادى وجمادٍ وجمادي على العوض.
239- فإن قيل: لم لم يقل: شهر ربيع الثاني، وقيل: الآخر؛ وكذا جمادى الآخرة، ولم يقل: الثانية؛ كما يقال: السنة الأولى والثانية؟ فالجواب: إنه يقال الثاني والثانية لما له ثالثٌ وثالثةٌ، فلما لم يكن لهذين ثالثٌ ولا ثالثةٌ قيل فيهما: الآخر والآخرة، كما قيل: الدنيا والآخرة.
240- ورجبٌ ورجباتٌ وأرجاب، والكثيرة رجوبٌ ورجابٌ.
241- وشعبان وشعباناتٌ وشعابٍ على حذف الزوائد، وحكى الكوفيون: شعابين، وذلك خطأٌ على قول سيبويه، لا يجوز عنده في جمع عثمان عثامين، ولو جاز هذا لجاز في التصغير عثيمين، وهذا

(1/100)


عندنا إنما يجوز في فعلان، نحو سرحان.
242- وشهر رمضان وأشهر رمضان، ومن أجاز رمضان قال: رمضاناتٌ، وحكى الكوفيون: رماضين، والقول فيه كالقول في شعابين، وحكوا: أرمضةٌ على غير الواحد، ويجوز رماضٌ، كما قلت شعابٌ في جمع شعبان، وشوالاتٌ وشواويل وشواول.
243- وذوات القعدة وذوات الحجة، وحكى الكوفيون: مضت أوليات القعدة.
وحكوا في الجمع ذات، وهو جائزٌ، كما يقال: هذه الشهور وهؤلاء.
باب أسماء الشهور القديمة
244- حكى النحويون أن العرب العاربة، أي: القديمة، تسمي المحرم المؤتمر، ويقولون لصفر: ناجرٌ، ولشهر ربيع الأول: خوانٌ، ولشهر ربيع الآخر: وبصان، ولجمادى الأولى: حنين، وجمادى الآخر: ربى وربة، ولرجب: الأصم، ولشعبان: عاذلٌ، ولشهر رمضان: ناتقٌ، ولشوالٍ: وعلٌ، ولذي القعدة: ورنة وهواعٌ، ولذي الحجة: برك.

(1/101)


باب اشتقاق هذه الأسماء
245- المحرم المؤتمر مشتقٌ من أمر القوم إذا كثروا، أي يحرمون القتال فيه فيكثرون، ومؤتمرٌ على النسب، وقيل: مشتقٌ من الائتمار، أي: مؤتمرٌ فيه بترك الحرب.
246- وصفر ناجرٌ يكون مشتقاً من أشياء قد جاءت في اللغة، يقال للأصل: نجرٌ ونجارٌ ونجارٌ، فيقال له: ناجرٌ، أي: هو أصل الحرب، أي: تبتدأ فيه، وهذا قولٌ؛ ويجوز أن يكون مشتقاً مما روى أبو عمرو قال: النجر السوق الشديد، نجرها ينجرها نجرا، فهو منجرٌ، فسمي ناجراً لشدة سوقهم الخيل إلى الحرب فيه. ويجوز أن يكون مشتقاً من النجر وهو شدة الحر لشدة حرارة الحرب والحديد فيه.
قال أبو جعفرٍ: ويقال نجر من الماء ومجر، إذا أكثر من شربه، فلم يكد يروى؛ والنجار اللون، والنجيرة الجزاء.
247- وشهر ربيعٍ الأول خوان، لأن الحرب تشتبك فيه، فتخونهم، فتنقصهم.
248- وشهر ربيعٍ الآخر وبصان، مشتق من الوبيص، وهو البريق، لبريق الحديد فيه.
وحكى أبو زيد: وبص الشيء يبص وبيصاً، أي: برق.

(1/102)


وحكى القناني: وبص الجرذ: إذا فتح عينيه.
249- وجمادى حنين، قال أبو إسحاق: لأن الناس يحنون فيه إلى أوطانهم.
250- وجمادى الآخرة ربى وربة، لأنه به يجتمع جماعةٌ من الشهور ليست بحرمٍ.
قال أبو عبيدٍ: ربان كل شيءٍ جماعته.
وقال الأصمعي: ربان كل شيءٍ حدثانه، قال: والرباب سحابٌ دون سحابٍ، والربة الفرقة من القوم.
وقال قطربٌ: الربة شجرةٌ، وقيل: هي شجرة الخروب.
والربى: الشاة الحديثة النتاج.
251- ورجبٌ الأصم، لأنهم لم يكونوا يحاربون فيه، أي: لا يسمع فيه صوت السلاح ولا الاستغاثة.
252- وشعبان عاذل، أي: ذو عذلٍ، أي: يعذلون على الإقامة فيه وترك تشعبهم في الذي قبله وإغارتهم على الأموال.
253- وشهر رمضان ناتقٌ، أي: يكثر عندهم المال فيه لتشعبهم في الذي قبله وإغارتهم على الأموال.
254- وشوال وعلٌ، لأنهم يهربون فيه من الغارات، لأنها تكثر، لأن بعده الحرم، فيلجؤون فيه إلى أمكينةٍ يتحصنون فيها، يقال: وعل إلى كذا إذا لجأ إليه.

(1/103)


255- وذو القعدة ورنة، تكون الواو فيه مبدلةً من همزةٍ، يكون مشتقاً من أرن: إذا تحرك، أي هو الوقت الذي يتحركون فيه إلى الحج؛ أو من الأرون، أي: الدنو من الحج. قال الأصمعي: أرن يأرن أروناً تقبض ودنا بعضه إلى بعضٍ.
256- وقيل له هواع، أي: يهوع بالناس، أي: يخرجهم من أمكنتهم إلى الحج.
257- وذو الحجة برك، معدول عن باركٍ، غير مصروفٍ، ويجوز أن يصرف يكون على التكثير، كما يقال: رجل حطمٌ؛ ويكون مشتقاً من البركة، لأن الحج فيه، وقيل: هو مشتقٌ من برك الجمل، كأنه الوقت الذي تبرك فيه الإبل للموسم.
وقال ابن الأعرابي: البرك طائرٌ أبيض صغير يسمى الشيق.
وقال قطرب: البرنكان كل ما كان من الحمض وسائر الشجر لا يطول ساقه.
وحكى غيره أن البرنكان كساءٌ من صوفٍ له علمان.

(1/104)


باب جمع الشهور القديمة
258- جمع مؤتمر مؤتمراتٌ، وإذا جمعته مكسراً قلت: مآمر، كما تقول في مقتدر مقادر، وإن عوضت قلت: مآمير.
259- وإن جمعت ناجراً قلت: نواجر، لأن فاعلاً إذا كان اسماً غير نعتٍ جمع على فواعل. وإن كان نعتاً لمؤنث جمع على فواعل، وفي المذكر بابه فعل وفعالٌ، وربما اختلف.
260- وخوان جمعه خواناتٌ وخواوين وخواون.
261- ووبصان جمعه وبصاناتٌ. وحكى قطربٌ أنه يقال بصان، فجمعه على هذا: أبصنةٌ، وفي الكبير بصنانٌ.
262- وحنين جمعه أحنةٌ وحننٌ، كأرغفةٍ ورغفٌ.
263- وربى وربياتٌ وربابى مثل حبالى، ويقال: ربابٌ ورباب للجميع، ومن قال ربةٌ فجمعها رببٌ.

(1/105)


264- وجمع الأصم أصام يا هذا، ولا يقال صم، لأنه ليس بنعتٍ، ألا ترى أنك لو سميت رجلاً بأحمر، قلت في الجميع: أحامر، ولم تقل: حمرٌ.
265- وعاذلٌ وعواذل.
266- وناتقٌ ونواتق.
267- ووعلٌ وأوعالٌ، ككتفٍ وأكتافٍ؛ والكثيرة الوعول.
268- وورنة وورناتٌ وورنانٌ كخفان.
269- وهواع وهواويع، كعوارٍ وعواوير.
270- وبركٌ وبركانٌ، مثل نغرٍ ونغران.

(1/106)