عمدة الكتاب لأبي جعفر النحاس ذكر المرتبة الثانية
271- قال أبو جعفرٍ: نذكر فيها إن شاء الله اشتقاق الكتابة، ومم أخذت،
ولم قيل للكاتب كاتبٌ، وللخليفة خليفة، وأمير المؤمنين، وكذا الوزير
والقاضي والأمير وأصحاب الشرط وأتباعهم، ومعنى السلطان في اللغة.
ثم نذكر اشتقاق أسماء كتب الله عز وجل.
ثم نذكر القلم والسكين والمقط وما فيهن من الاشتقاق واللغة.
ثم نذكر الدواة وآلاتها والمداد والليقة والحبر.
ثم نذكر الديوان والدفتر والقرطاس والكراسة والسحاءة والخاتم وختم
الكتاب وطين الختم، والعنوان.
ثم نذكر آلات الكتابة وحسنها وقبيحها وتبيينها وإفسادها وقرمطتها
وتفسيحها.
ثم نذكر ما معنى المقابلة بالكتاب ومم أخذت.
(1/107)
باب اشتقاق الكتابة ومم أخذت ولم قيل
للكاتب كاتبٌ وما يدخل في ذلك
272- قال أبو جعفرٍ: فمن ذلك ما قال الأصمعي: إنما سميت كتابةً لأنه
يجمع بها بعض الحروف إلى بعضٍ كما يجمع الشيء إلى الشيء، وهو مأخوذٌ من
الكتيبة، وهي الخيل المجموعة، وتكتب القوم تجمعوا، ومنه: كتبت البغلة،
أي: جمعت بين شفريها بحلقةٍ. وكتبت القربة: جمعت خرزاً إلى خرزٍ،
والكتبة: السير الذي تخرز به المزادة، واكتب قربتك، أي: اخرزها.
273- وقيل للكاتب كاتبٌ، لأنه يضم بعض الحروف إلى بعض ويؤلفها، وقد كتب
الكتاب يكتبه كتباً وكتابا ومكتبةً وكتبةً واحدةً، وما أحسن كتبته في
الحال التي يكتب فيها، وصحيفةً مكتوبةٌ ومكتوبٌ فيها.
وكتبت فلاناً، وأكتبته، والموضع الذي يعلم فيه يقال له: مكتب، وقد حكى
غيره أنه يقال له: كتابٌ لتبيين الموضع، ولكن لمن يتعلم فيه على
التفاؤل أن يكونوا كتاباً.
ويقال كاتبته فكتبته، أي: كنت أكتب منه، كما يقال: غالبني فغلبته،
وطاولني فطلته، وأنشد النحويون.
إن الفرزدق صخرةٌ ملمومةٌ ... طالت فليس تنالها الأجبالا
(1/108)
ويقال: أكتب الرجل إذا صار ذا كتابٍ جيدٍ،
كقولك: أجاد، إذا صار له فرسٌ جوادٌ. وأتيت فلاناً فأكتبته، أي: أصبته
كاتباً؛ وأحسبته: أصبته حاسباً، وأنحيته وأفقهته.
واستكتبته: استدعى أن يكون كاتبه.
وجمع الكاتب كتابٌ وكتبٌ، مثل: صوامٍ وصومٍ، وكتبةٌ وكاتبون وكاتبٌ
وكتابٌ، مثل قائمٍ وقيامٍ.
وقد قيل هذا في قول الله عز وجل: {ولم تجدوا كاتباً} .
274- فأما قولهم: خليفةٌ وأمير المؤمنين، فلفظتان معروفتان، قال الله
عز وجل: {إني جاعلٌ في الأرض خليفةً}
قيل: أي يخلفه من بعده، مثل: قتيلٍ بمعنى مقتول، وقيل: أي يخلف من كان
قبله على قول من روى أنه كان قبله في الأرض الجن. فمعنى خليفةٍ لأمير
المؤمنين محتملٌ لهذين الوجهين، وأولاهما أنه يخلف من كان قبله، وعلى
هذا خوطب أبو بكر رضي الله عنه، فقيل له: يا خليفة رسول الله صلى الله
عليه؛ ثم خوطب عمر رضي الله عنه فقيل له: يا خليفة خليفة رسول الله صلى
الله عليه وآله، [ثم خوطب] بأمير المؤمنين وترك ذلك لئلا يكثر فيما
قيل.
(1/109)
فممن خاطب عمر بأمير المؤمنين عليٌ رضي
الله عنه، كما روى حميد ابن عبد الرحمن، عن ابن وبرة، أن أبا بكر كان
يجلد في الشراب أربعين، وكان عمر رضي الله عنه يجلد فيه أربعين؛ قال:
فبعثني خالد بن الوليد إلى عمر رضي الله عنه، فقدمت عليه، فقلت: يا
أمير المؤمنين! إن خالداً بعثني إليك؛ قال: فيم؟ قلت: إن الناس قد
تجافوا العقوبة وانهمكوا في الخمر، فما ترى في ذلك؟ قال عمر لمن حوله:
ما ترون؟ فقال عليٌ رضي الله عنه: نرى يا أمير المؤمنين ثمانين جلدة؛
فقبل ذلك عمر، فكان خالدٌ أول من جلد ثمانين، ثم جلد عمر رضي الله عنه
ناساً بعده.
275- وأما الهاء في ((خليفة)) ففيها ثلاثة أقوال:
من النحويين من يقول: إنه أدخلت الهاء فيه للمبالغة، كما يقال: داهيةٌ؛
وهذا قول الفراء.
وسمعت علي بن سليمان يقول: هذا خطأٌ، ولو كانت الهاء على ما قال لكان
تأنيثاً حقيقياً.
قال أبو جعفر: ومذهب الفراء في كل ما كان من المدح، نحو: علامة ونسابة،
أن تأنيثه بمعنى داهية، وفي الذم بمعنى بهيمة، نحو هلباجة وفقاقة.
ومن النحويين من يقول: الهاء للصيغة، وهو مذهب علي بن سليمان.
(1/110)
قال أبو جعفر: سمعته يقول: سمعت أبا إسحاق
يملي في قول الله جل وعز: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها}
يقال لكل من دب: دابٌ ودابةٌ، من الناس وغيرهم.
قال علي بن سليمان: وبقي عليه أن يأتي بالعلة في المجيء بالهاء، والقول
عندي أنه جيء بالهاء لتأنيث الصيغة.
قال أبو جعفر: ولكن النحويين ذهبوا إلى أن الهاء للمبالغة؛ وهذا أحسن
ما قيل فيه، كما يقال روايةٌ وعلامةٌ.
276- ويقول: قال الخليفة كذا, وأجاز الكوفيون, قالت الخليفة, على
اللفظ, وذلك خطأٌ عند البصريين, ولو جاز هذا لجاز: قالت طلحة, وأنت
تريد رجلاً.
277- وأجاز الكوفيون حذف الهاء, وأن يقال: فلانٌ خليف فلان؛ فإذا قلت:
قال الراضي الخليفة كذا, لم يجز قالت عند الجميع, لأن الفعل وليه مذكرٌ
في المعنى واللفظ.
278- وجمع خليفة خلفاء, مثل: كريم وكرماء؛ قال الله عز وجل: {واذكروا
إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح} , ويجوز خلافٌ, مثل: كرامٌ؛ لأن الهاء
زائدةٌ؛ ويجوز خلائف تشبيهاً بصحيفة وصحائف؛ قال الله عز وجل: {هو الذي
جعلكم خلائف في الأرض} .
(1/111)
279- على أن جماعةً من الفقهاء كرهوا هذا
الاسم لما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أحمد ابن حنبل, قال:
آخذ بحديث حماد بن سلمة, عن سعيد بن جمهان, أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: ((الخلافة بعدي ثلاثون)) يعني: خلافة أبي بكر وعمر وعثمان
وعلي والحسن, فلما انقضت الثلاثون صار ملكاً لا خلافةً.
280- قال أبو جعفر: وملك مصدر ملك, ويقال: ملكٌ وملكٌ, كما قال عمرو بن
كلثوم:
إذا ما الملك سام الناس خسفاً ... أبينا أن نقر الذل فينا
ويقال: مليكٌ, كما قال ابن الزبعرى:
يا رسول المليك إن لساني ... راتقٌ ما فتقت إذ أنا بور
281- والملك حلاحلٌ, واشتقاقه أن يحل حيث شاء, والجميع حلاحل.
282- وهو الهمام, أي: إذا هم بشيء أمضاه والجمع همامٌ.
283- وهو الحصير لأنه محصورٌ عن الناس, أي: محجوبٌ عنهم.
284- قال الفراء: وهو الكوثر, أي: الكثير العطايا.
285- وحكى الخليل أنه يقال له: قماقمٌ وقمقامٌ لكثرة خيره وسعة فضله.
قال أبو جعفر: مشتقٌ عند غيره من العدد [القمقام] وهو الكثير.
(1/112)
فأما قمقم الله عصبه, فيجوز أن يكون معناه:
سلط الله عليه القمقام, أي: السلطان, وقيل: إن القمقام ها هنا جمع
قمقامة, وهي: القردانة.
286- وقد استعمل الناس السيد, وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال: ((السيد الله)) جل ثناؤه.
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم في الحسن بغير ألف ولام: ((إن ابني هذا
سيدٌ –يعني: الحسن- وإن الله جل ثناؤه سيصلح به بين فئتين من
المسلمين)) .
287- فأما المولى, فلا نعلم اختلافاً بين العلماء أنه لا ينبغي لأحد أن
يقول لأحد من المخلوقين: مولاي, ولا يقول: عبده, ولا عبدك, ولا عبدي؛
وإن كان مملوكه؛ قد حظر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على
المملوكين, فكيف الأحرار! فقال: ((ليقل فتاي وفتاتي)) .
288- وكان العرب تقول له, البدء أيضاً, كما قال:
وبدؤهم إن أتانا كان ثنيانا ... والبدء عند العرب الرئيس الذي فوقه
رئيسٌ.
(1/113)
289- وقد حكي أيضاً أنه يقال في هذا: ربٌ,
وحكى الفراء: ربٌ بالتخفيف.
290- قال أبو جعفر: إلا أنه ينبغي للمسلمين أن يجتنبوا هذا كله, وكذا
المولى كما روى أبو هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا
يقولن أحدكم عبدي ولا أمتي, ولا يقل المملوك: ربي وربتي, ولكن ليقل
المالك: فتاي وفتاتي, والمملوك: سيدي وسيدتي, فإنكم المملوكون والرب
الله جل وعز)) .
وعن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقولن
أحدكم عبدي, فإن كلكم عبدٌ, ولكن ليقل: فتاي؛ ولا يقل أحدكم: مولاي,
فإن مولاكم الله جل ثناؤه, ولكن ليقل: سيدي)) .
291- قال أبو عبيدة: الصمد السيد الذي ليس فوقه سيدٌ, الذي يصمد إليه
الناس في حاجاتهم وأمورهم, وأنشد:
ألا بكر الناعي بخير بني أسد ... بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
292- وهو العميد والزعيم والمدره والنظورة والبارع والسميدع, أي: السيد
الموطأ الأكناف.
293- ويقال للملك: الغطريف. قال الأصمعي: الغطريف السري السخي.
(1/114)
294- وهو الخضرم, وأصل الخضرم: الكثير
العطية, مشتقٌ من بئر خضرم: إذا كانت كثيرة الماء.
295- وهو الخضم, وأصل الخضم: الموسع عليه في الدنيا, مشتقٌ من الخضم,
وهو أكل الشيء اللين, والقضم أكل الشيء اليابس.
296- وهو الرهشوش, قال أبو زيد: الرهشوش: الندي الكف, الكريم النفس.
ومثله الكهلول والبهلول والبحر والفياض.
297- ويقال للملك الأكبر: الصنتيت والصنديد والجحجاح والملاث واللهم.
ويقال: الهداكر, أصل الهداكر: المنعم.
298- فأما الوزير ففيه ثلاثة أقوال:
منها أنه يعتمد عليه ويلجأ إليه, مشتقٌ من الوزر, وهو الملجأ, والجبل:
وزرٌ.
والقول الثاني: أنه يقلد خزائن الملك وآلته, مأخوذٌ من الأوزار, وهي:
الأمتعة ومنه: {ولكنا حملنا أوزاراً من زينة القوم} أي: آنية الذهب
والفضة.
والقول الثالث قاله أحمد بن يحيى، قال: قيل: وزيرٌ لأنه يتحمل أثقال
الملك، ومنه قيل للذنب وزرٌ.
(1/115)
299- فأما القاضي، فمشتقٌ من القضاء، قال
أبو عبيدة: أصل القضاء في كلامهم هو: إحكام الشيء والفراغ منه، ومنه:
{وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب} أي: أخبرناهم بذلك وفرغنا منه لهم؛
ومنه: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} إنما هو عهد إليهم في ذلك وأحكمه
لهم؛ ومنه قضاء الله وقدره، أي: قد أتقن الأشياء كلها وأحكمها وأبرمها
وفرغ منها. وإنما سمي القاضي قاضياً بهذا المعنى، إنما يقال قضى بين
الخصمين، أي: فصل بينهما وفرغ منهما؛ ومنه قيل للميت: قد قضى، أي: فرغ
من الدنيا وفصل منها، وكذلك انقضاء النهار.
وقال غيره: قيل قاض لأنه يقطع أمور الناس، يقال: قضى الشيء، أي: قطعه،
ومنه {فاقض ما أنت قاض} ، وهو الفتاح، أي الناصر للمظلوم، ومنه: {افتح
بيننا وبين قومنا بالحق} وهو الحاكم، لأنه يرد الناس عن الظلم، مشتقٌ
من الحكمة، وهي حديدةٌ مستديرةٌ في اللجام، تمنع الدابة من الجري
والشباب، يقال: قد حكمت الرجل عن كذا، أي: رددته.
300- وأما السلطان، فأصله في اللغة الحجة، فقيل: سلطانٌ لأنه حجةٌ من
الله عز وجل، وسمعت علي بن سليمان يقول: سمعت محمد بن يزيد يقول:
السلطان جمع سليط، مثل رغيف ورغفانٌ، فمن أنثه ذهب به إلى الجماعة، ومن
ذكره ذهب به إلى اللفظ.
(1/116)
301- وأما الشرط، ففي اشتقاقه قولان،
أحدهما: أن يكون مشتقاً من الشرط، أي: الرذال.
والقول الآخر أنه مشتقٌ من الشرطة، وهي العلامة، لأنهم جعلوا لأنفسهم
علامات يعرفون [بها] ، ومنه أشراط الساعة، ومنه شرط الحكام وهم الوزعة،
لأنهم يدفعون الناس عن الظلم، الواحد وازعٌ.
قال الحسن: لا بد للناس من وزعة.
وعن عمر رضي الله عنه لما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن.
وقال الشاعر:
على حين عاتبت المشيب على الصبى ... وقلت ألما تصح والشيب وازع
أي: مانعٌ من الجهل. وقال جل وعز: {فهم يوزعون} أي: يدفعون عن التقدم
حتى يلحق أولهم بآخرهم، فيدخلوا النار.
ومنه: {قال رب أوزعني} قال أهل التفسير: ألهمني، واشتقه أبو إسحاق من
هذا، قال: أي: امنعني إلا من شكر نعمتك.
302- وأما المسلحي فمشتقٌ من السلاح، ومن قال بالصاد
(1/117)
جعله من الصلح، وحكي عن الأصمعي: من كان في
المدينة فهو مصلحيٌ، ومن خرج منها فهو مسلحيٌ.
وقال أحمد بن يحيى: كان الناس يقولون: ((أصحاب المسالح)) إلى زمان
المأمون يذهبون إلى حملهم السلاح, فلما ولي المأمون أمر الناس أمر أن
يسموهم أصحاب المصالح لإصلاحهم بين الناس.
303- وأما العون, فمشتقٌ من المعونة, وهو بمعنى معين, كما يقال: رجلٌ
عدلٌ, أي: هو ذو عون لصاحبه, والجماع أيضاً عونٌ؛ كما قال زهيرٌ:
متى يشتجر قومٌ يقل سرواتهم ... هم بيننا فهم رضاً وهم عدل
304- المحتسب, يكون مشتقاً من قولك: حسبك, أي: اكفف, فيكون معناه الذي
يكف الناس عن الظلم, أو من أحسبه, إذا كفاه, أي: الذي يكفي الناس مؤونة
من يبخسهم, وحقيقته في اللغة المجتهد في كفاية المسلمين ومنفعتهم, كذلك
حقيقة افتعل في كلام العرب عند الخليل وسيبويه: يقال: اكتسبت, أي:
اجتهدت وطلبت؛ وكسبت: أصبت وظفرت, وإذا تدبرت قول الله جل وعز: {لها ما
كسبت وعليها ما اكتسبت} أي: ما أصابت وعملت من خير وعليها ما اكتسبت,
أي: ما اجتهدت فيه وطلبته من
(1/118)
شر, فيكون الذي عليها من الشر ما اجتهدت
فيه ونوته لا ما غلطت فيه ونسيته, وفي حديث أم زرع: إن أكل التف, وإن
شرب اشتف, أي: إن أكل اجتهد في لف كل ما يجده, وإن شرب اجتهد فطلب أن
يستوعب كل ما في الإناء ليشربه.
305- وأما صاحب البريد, فهو مشتق عند الخليل من بردت الحديد, أي: أرسلت
ما يخرج منه؛ ومن أبرده, أي أرسله, وقيل: هو من برد, أي: ثبت, أي: يكتب
بما تستقر عليه الأخبار, وتثبت, كما قال:
اليوم يومٌ باردٌ سمومه
أي: ثابتٌ.
باب ذكر اشتقاق أسماء كتب الله جل وعز
306- التوراة مشتقةٌ من ورت زنادي, ووريت, وأوريتها: استخرجت ضوءها.
قال البصريون: وزنها فوعلةٌ, والأصل ووريةٌ, أبدل من الواو ياءً, وقبلت
الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها.
(1/119)
وقال الكوفيون: يصلح أن تكون تفعلةً
وتفعلةً, قلبت إلى تفعلة؛ وأنشد الفراء:
فما الدنيا بباقاة لحي ... وما حيٌ على الدنيا بباق
أراد ((بباقية)) فأبدل من الياء ألفاً.
وجمع التوراة توار.
307- وأما الإنجيل, ففي اشتقاقه أوجهٌ:
يكون من نجلت الشيء, أي: أخرجته, وولد الرجل نجله, كما قال زهيرٌ:
إلى معشر لم يورث اللؤم جدهم ... أصاغرهم وكل فحل له نجل
فيكون معناه: خرج به دارسٌ من الحق.
ويقال: هو من تناجل القوم: تنازعوا؛ حكى ذلك أبو عمرو الشيباني، فسمي
إنجيلاً لما وقع فيه من التنازع، لأنه وقع فيه من التنازع ما لم يقع في
شيء من كتب الله جل وعز.
وقيل: سمي إنجيلاً لأنه أصل الذي أطلع الله عز وجل خلقه عليه، مشتقٌ من
قوله: نجله، أي: ولده، وكان أصلاً له. قال أبو الحسن بن كيسان: إنجيلٌ
إفعيلٌ من النجل، وجمعه: أناجيل.
(1/120)
308- والزبور، مشتقٌ من زبرت الكتاب، أي:
كتبته، وزبور بمعنى مزبور، أي: مكتوب.
309- والقرآن، عند أبي عبيدة مشتقٌ من قرأت، أي: جمعت، فسمي قرآناً
لجمعه وضم بعضه إلى بعض.
وقال قطربٌ: سمي قرآناً لأن القارئ يظهره ويبينه ويلقيه من فيه، من
قولهم: ما قرأت الناقة سلاً قط، أي: لم ترم بولد.
310- وسمي فرقاناً لأنه يفرق بين الحق والباطل.
311- وقيل: سورةٌ على قول أبي عبيدة لأنه يرتفع فيها منزلةً إلى منزلة،
مثل سورة البناء.
وقيل: لتمامها وكمالها، من قولهم: عند فلان سورةٌ من الإبل، أي: كرائم.
وقيل: لشرفها، من قولهم: لفلان سورةٌ في المجد.
قال أبو جعفر: وهذا من أحسنها وأعرفها، كما قال:
ألم تر أن الله أعطاك سورةً ... ترى كل ملك دونها يتذبذب
أي: شرفاً ومنزلةً.
فهذه ثلاثة أقوال على لفظ سورة.
(1/121)
وقولٌ رابعٌ على أن أصلها الهمز، فقيل
سؤرةٌ، لأنها قطعةٌ من القرآن، ومن أسأرت من الشيء، أي، قطعت منه
قطعةً، فخفف همزها.
312- وآيةٌ، لأنها جماعةٌ من حروف القرآن، حكى أبو عمرو عن العرب: خرج
القوم بآيتهم، أي: بجماعتهم، وقيل: بعلامتهم، لأنها علامةٌ، كما قال:
بآية ما تحبون الطعاما
313- وقيل: مصحفٌ، لأنه يجمع الورق التي تصحف فيه، من أصحفت، كمكرم.
ومن قال مصحفٌ جعله من صحفت مصحفاً، مثل، جلست مجلساً.
ومن كسر الميم شبهه بما لم ينتقل.
314- وأما السفر, فمشتقٌ من أسفر الشيء إذا تبين, فهو الذي فيه البيان,
ومنه أسفر الصبح إذا تبين, وأسفر وجه المرأة: إذا أضاء.
(1/122)
باب ذكر السكين
والمقط والقلم وما فيهن من الاشتقاق واللغات
315- حكى الأصمعي: أن السكين مذكرٌ, وزعم الفراء أنه يذكر ويؤنث, وحكى
الكسائي: سكينةٌ, وحكى ابن السكيت: سكينٌ حديدٌ وحداد, وزاد غيره حدادٌ
بالتخفيف, والجمع حدادٌ, وسكين محدٌ ومحدودٌ, لأنه يقال: أحددت السكين
وحددت, ويقال: سكينٌ مجلوٌ ومجليٌ؛ ويقال: صدئ صدأ, وصدءاً وصدأةً.
واشتقاق السكين من سكن, أي: هدأ ومات, أي: السكون بها.
316- قال أبو إسحاق: واشتقاق المدية من أن بها مدى الأجل.
317- واشتقاق النصاب من أنه أصل الشيء, كما قال:
فإن نصابي إن سألت وأسرتي ... من الناس حيٌ يقتنون المزنما
وأنصبت السكين: جعلت له نصاباً, وأقبضتها وأقربتها: جعلت لها مقبضاً
وقراباً, وقربتها: أدخلتها في قرابها, وكذا غلفتها وأغلفتها.
318- والشفرة: الجانب الذي يقطع به من السكين, والذي لا يقطع به كلٌ,
حكى ذلك أبو زيد.
(1/123)
319- والحديدة الذاهبة في النصاب سيلانٌ,
ونظيره من السهم الرعظ, وحد رأس السكين الذناب, والذي يليه الظبة,
والذمي يليه صبي, وصابيت السكين غمدته مقلوباً.
320- وقال ابن الأعرابي: يقال للسكين مديةٌ ومديةٌ ومدية.
باب ذكر القلم
321- فمن ذلك ما كتبناه عن علي بن سليمان, عن يعقوب بن يوسف صاحب
الطوسي, قال: القلم سمي بذلك لأنه يقلم, أي: يقطع, ومنه: قلمت أظافري,
فإن لم يكن القلم مقطوعاً فليس بقلم, ولكنه قضيبٌ وأنبوبٌ؛ قال زهيرٌ:
لدى أسد شاكي السلاح مقاذف ... له لبدٌ أظفاره لم تقلم
322- قال أبو جعفر: فهذا اشتق القلم من قلمته, أي: قطعته, فيكون سمي
قلماً لأنه قطع منه, وقال غيره: مشتقٌ من القلام, وهو: نبتٌ ضعيفٌ واهي
الأصل, قال لبيد:
فتوسطا عرض السري وصدعا ... مسجورةً متجاوراً قلامها
فقيل: قلمٌ لأنه خفف وأضعف بما أخذ منه, ورجلٌ مقلم الأظفار
(1/124)
من هذا, أي: ضعيفٌ في الحرب ناقصٌ, قال
النابغة:
وبنو قعين لا محالة أنهم ... آتوك غير مقلمي الأظفار
323- ويقال للشحمة التي في رأس القلم: الضرة، شبهت بضرة الإبهام، وهي
اللحمة التي في أصل الإبهام.
324- ويقال: رعف القلم إذا قطر، وأرعف الرجل القلم إذا أخذ فيه مداً
كثيراً حتى يقطر.
325- ويقال: استمدد ولا ترعف، أي: لا تكثر المداد حتى يقطر.
326- ويقال: ذنبت القلم، فهو مذنبٌ. وأما الرطب فيقال منه مذنبٌ من ذنب
هو.
327- ويقال: حفي القلم يحفى حفوةً وحفوةً وحفيةً وحفايةً وحفىً مقصورٌ.
فأما الحفاء ممدودٌ، فهو مشي الرجل بلا نعل، وقال أبو إسحاق: نظيره
الخلاء.
328- ويقال للقشر الرقيق المغطي للأنبوبة: ليطٌ، وهو جمع ليطة، مشتقٌ
من لاط الشيء يلوطه إذا ألصقه، والولد لوطةٌ، أي: يلصق بالقلب.
329- ويقال للقطعة التي تقع من الأنبوبة شظيةٌ، مشتقٌ من شظي القوم:
إذا تفرقوا.
(1/125)
330- وغلظ القلم غلظاً وغلاظةً.
331- واستوى فهو مستو، بحذف الياء لسكونها وسكون التنوين.
332- وقد اعوج، فهو معوجٌ، وعوج يعوج عوجاً، فهو عوجٌ وأعوج والجميع
عوجٌ وفيه عوجٌ. فأما العوج بكسر العين ففي الدين والأمر، ويقال أيضاً:
في الأرض عوجٌ، لأنه يتسع فلا يبلغه العيان، فصار كالدين، والأمر، قال
الله جل وعز: {لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً} .
وروى ابن أبي طلحة، عن ابن عباس {ولا أمتاً} : يقول: ولا رابيةً.
وعوجت القلم وقومته.
333- وهو قلمٌ رخوٌ، وأقلامٌ رخوةٌ؛ وأبو زيد يقول: رخوٌ، والفراء:
رخوٌ.
334- وقال عبد الله بن عبد العزيز: يقال: قلمٌ ذنوبٌ، إذا كان طويل
الذنب، كما يقال: فرسٌ ذنوبٌ.
335- وللقلم سنان، فإذا كان الأيمن أرفع من الأيسر قيل: محرفٌ، فإذا
كانا مستويين، قيل: قلمٌ مستوي السنين.
336- قال عبد الله بن عبد العزيز: أشحمت القلم تركت شحمه فيه، فلم
آخذه، فإن أخذت شحمه، قلت: شحمته أشحمه، فإن استأصلت شحمه قلت: بطنته
تبطيناً.
(1/126)
337- ويقال: بريت القلم برياً، وما يسقط
منه برايةٌ، ويقال للقلم نفسه برايةٌ، لأن العرب تجعل برايةً لكل ما
نقص منه، ويقال: قطاعةٌ وقوارةٌ.
338- ويقال: قططت القلم، أي: قطعت منه، والقلم مقطوطٌ وقطيطٌ، والمقط
الذي يقط القلم عليه، والمقط بفتح الميم: الموضع الذي يقطع من رأس
القلم، وهو مشتقٌ من قططت، أي: قطعت، وما رأيته قط، أي: انقطعت الرؤية
بيني وبينه، والقط الكتاب بالجائزة، لأنه يقطع، ومنه:
يعطي القطوط ويأفق
وقط بمعنى حسب, كما قال:
امتلأ الحوض وقال قطني
باب ذكر الدواة وآلاتها والمداد واللقية
والحبر
339- وللدواة أسماء، يقال لها: الرقيم، لأنه يرقم بها، أي
(1/127)
يكتب، وقد روي عن مجاهد في أصحاب الكهف
والرقيم: والرقيم الدواة. وروي ذلك عن عكرمة.
340- وقيل: الدواة يقال لها: النون، كما روي عن ابن عباس، قال: نون
الدواة، والقلم القلم الذي كتب.
341- وفي جمع الدواة خمسة أوجه: دوياتٌ في العدد القليل، وفي الكثير
دوي بضم الدال، ويقال بكسرها؛ ويقال: دواةٌ ودويٌ، ويقال: دوايا.
342- ويقال: ادَّويت دواةً، إذا اتخذتها. ويقال دوى الدواة، أي: عملها،
فهو مدو، مثل: مقن للذي يعمل القنا، ويقال للذي يبيعها: دواءٌ، مثل:
تبان للذي يبيع التبن؛ والذي يحملها ويمسكها داو، مثل: رامح للذي يحمل
الرمح.
343-ويقال: حليت الدواة أحليها حلياً فحليت هي تحلى وحليتها على
التكثير، والذي عليها حليةً والجمع حلىً؛ وحكى الفراء حلىً بالضم، وهو
أيضاً حليٌ كالمصدر، كما قرأ يعقوب {من حليهم} قال الأعشى:
تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت ... كما استعان بريح عشرقٌ زجل
(1/128)
وجمع حلي حلي.
344- واشتقاق المداد من المدد للكاتب، وهو جمع مدادة، يذكر ويؤنث، وكذا
قال الفراء: إن جعلت المداد مصدراً لم تثنه ولم تجمعه. وقد يقال: امددت
الدواة إذا جعلت فيها المداد، فإن زدت على مدادها، قلت: مددتها كما قال
الله عز وجل: {والبحر يمده من بعده سبعة أبحر} واستمددت منها أخذت.
345- فإن أخذت مدادها كله قلت: قعرت الدواة أقعرها قعراً، واشتقاقه أنك
بلغت إلى قعرها، وقد سمع: أقعرت الإناء إقعاراً، إذا جعلت له قعراً.
346- ويقال: أكب الكاتب على الدواة يكتب منها، وكب دواته: قلبها.
347- ويقال للقطن قطنٌ وقطنٌ كجبن، وكرسفٌ وبرسٌ وطوطٌ. فإذا ألصق
بالمداد فهو: ليقةٌ، وذلك مشتقٌ من قولهم: ما يليق فلانٌ بقلبي، أي: ما
يلصق.
وفي خبر الأصمعي حين قدم فدخل على الرشيد فقال: ما خبرك؟ فقال: ما
ألاقتني أرضٌ حتى وافيت؛ أي: ما ثبت فيها.
348- ويقال ألقت الدواة إلاقةً، ولقتها ليقاً وليوقاً وليقاناً: إذا
ألصقت مدادها.
(1/129)
349- ويقال: دواة ملأى مداداً، والجميع
مليئاتٌ وملاءٌ.
350- ويقال: خثر المداد وغيره يخثر خثورةً، هذه الفصيحة، ويقال: خثر
خثارةً: إذا ثخن.
351- ويقال: أنعمت ليق الدواة إنعاماً زدت في ليقها وبالغت فيه، وأنعم
الشيء إذا زاد.
ومنه الحديث: ((إن أهل الجنة ليتراؤون أهل عليين، وإن أبا بكر وعمر
منهم وأنعما)) أي: زادا على ذلك. قال الشاعر:
رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما ... تجنبت تنوراً من النار حاميا
أي: زدت.
ومنه سحقت المداد سحقاً نعما.
352- فأما الحبر، فقال فيه محمد بن يزيد: حدثني التوزي، قال: سألت
الفراء: لم سمي المداد حبراً؟ قال: يقال للعالم: حبرٌ وحبرٌ، فإنما
أرادوا مداد حبر، فحذفوا مداد وجعلوا مكانه حبراً، مثل: {وسئل القرية}
.
353- قال: سألت الأصمعي، فقال: ليس هذا بشيء إنما هو لتأثيره، يقال:
على أسنانه حبرٌ إذا كثرت فيه الصفرة حتى تضرب إلى السواد.
(1/130)
354- وقال محمد بن يزيد: وأنا أحسب أنه
إنما سمي حبراً لأنه تحبر به الكتب، أي: تحسن.
باب ذكر الديوان والدفتر والقرطاس والكراسة
والإضبارة والسحاءة والخاتم وختم الكتاب وطين الختم والعنوان وتشقيقه
وتصريف لغاته وتتريب الكتاب وما يتبع ذلك
355- قال أبو جعفر: المعروف في لغة العرب أن معنى الديوان: الأصل الذي
يرجع إليه ويعمل بما فيه.
كما قال ابن عباس: إذا سألتموني عن شيء من غريب القرآن فالتمسوه في
الشعر، فإن الشعر ديوان العرب، أي: أصله.
356- قال أبو جعفر: ويقال: دون هذا، أي: أثبته واجعله أصلاً. وزعم بعض
أهل اللغة أن أصله عجميٌ، وبعضهم يقول عربيٌ. وقد ذكره سيبويه في
كتابه، وتكلم على أن أصله دوانٌ، واستدل على ذلك بقولهم في الجمع
دواوين، وهذا قولٌ حسنٌ: أبدلوا من إحدى الواوين ياءً، ونظيره دينارٌ،
والأصل فيه دنارٌ، وكذا قيراطٌ الأصل فيه قراطٌ.
(1/131)
357- فأما الفراء، فزعم أنك إذا سميت رجلاً
بديوان وأنت تريد به كلام الأعاجم لم تصرفه.
358- قال أبو جعفر: هذا غلطٌ، لأنك إذا سميت رجلاً ديواناً على أنه
أعجميٌ لم يجز إلا صرفه، لأن الألف واللام تدخلان فيه، فقد صار بمنزلة
طاووس، وراقود، وما أشبههما؛ وإن جعلته عربياًً صرفته أيضاً، لأنه
فعالٌ، والدليل على هذا قولهم: دواوين. وديوانٌ بالفتح خطأٌ، ولو كان
بالفتح لم يجز قلب الواو ياءًَ، وإن قيل: الياء أصلٌ، فقل: هذا خطأٌ؛
ولو كان كذا، لقيل في الجمع: دياوين، فديوانٌ لا يقال، كما لا يقال:
دينارٌ ولا قيراطٌ.
359- وقد زعم الأصمعي أن أصله عجميٌ، وروى أن كسرى أمر الكتاب أن
يجتمعوا في دار فيعملوا حساب السواد في ثلاثة أيام، فاجتمعوا في الدار
واجتهدوا، فأشرف عليهم وبعضهم يعقد وبعضهم يكتب فقال: أبيات ديو أشد،
هؤلاء مجانين، فلزم موضع الكتابة هذا الاسم من ذلك الدهر، ثم عربته
العرب فقالوا: ديوانٌ.
360- وأما الدفتر، فهو اسمٌ عربيٌ، ولا نعلم له اشتقاقاً، وكان أبو
إسحاق يذهب إلى أن كل اسم عربي فهو مشتقٌ، إلا أنه ربما غاب عن العالم
شيءٌ وعرفه غيره، ويقال: دفترٌ ودفترٌ وتفترٌ، ثلاث لغات.
361- فأما القرطاس، فإنه يقال بالضم والكسر وجمعه قراطيس، ويقال: قرطسٌ
وجمعه قراطيس، وإذا نسبت الرجل إلى أنه يبيع القراطيس، قلت: قرطاسيٌ،
وقراطيسيٌ خطأٌ، لا يجوز عند
(1/132)
الخليل وسيبويه، لأنك إذا نسبت إلى جماعة
لم يجز النسب إلا إلى واحدها. ويقال: تقرطس قرطاساً إذا اتخذه، وقرطس
إذا أتى بقرطاس، وإذا أصاب القرطاس، ومنه يقال: قرطس إذا جود.
362- فأما الكراسة، فمعناها: الكتب المضمونة بعضها إلى بعض، والورق
الذي ألصق بعضه إلى بعض، مشتقٌ من قولهم: رسمٌ مكرسٌ إذا ألصقت الريح
التراب [به] ، كما قال:
يا صاح هل تعرف رسماً مكرساً ... قال نعم أعرفه وأبلساً
أبلس: تحير فلم تكن له حجةٌ؛ والرسم: الأثر بلا شخص؛ والكرس أيضاً ما
تجمع من الوسخ في موضع القلادة، وانكرس الثور والظبي: إذا دخلا في
كناسهما.
363- وقال الخليل: الكراسة من الكتب مأخوذةٌ من اكراس الغنم، وهو أن
تبول في الموضع شيئاً بعد شيء فتتلبد.
364- وأما الإضبارة، فمعناها الجمع، أي: يجمع بعضها إلى بعض، وتضبر
القوم: تجمعوا، ورجلٌ مضبرٌ الخلق، أي: مجتمعه، وكذا ناقةٌ مضبرةٌ
ومضبورةٌ، وضبر الفرس جمع قوائمه ووثب، ويقال للإضبارة: إضمامةٌ، أي:
ضم بعضها إلى بعض.
(1/133)
365- وأما السحاءة، فمما كتبناه عن علي بن
سليمان، عن يعقوب بن إسحاق صاحب الطوسي، قال: أصل سحوت: قشرت، سحوت
سحواً، وسحيت سحياً، وسحيت تسحيةً، وكتابٌ مسحوٌ ومسحيٌ ومسحىً،
والسحاءة جمعها سحاء، وحكى غيره: سحايةٌ، ويقال جاء المطر فسحى وجه
الأرض، أي قشره، والمسحاة مأخوذةٌ من ذلك.
قال النابغة:
ردت عليه أقاصيه ولبده ... ضرب الوليدة بالمسحاة في الثأد
ويقال في مثل: ما لمسحاتك عندي طينٌ، أي: مالك عندي ما ترجو أن تناله.
366- ويقال: ما أحسن تسحيته للكتاب، فإن أردت المرة الواحدة قلت: سحى
سحيةً، وإن شئت جئت به بالواو.
367- ويقال: قد أسحى الكتاب إذا أمكن أن تؤخذ منه السحاءة، وتسمى
السحاءة خزامةً، وكل ما شددت به شيئاً فهو خزامةٌ، وأصله: الزيادة،
ومنه الخزم في الشعر.
368- وأما الخاتم؛ فقد روي فيه أحاديث، ومن العلماء من كره لبسه إلا
لذي سلطان، ومنهم من أباح ذلك.
(1/134)
369- فمنه ما رواه أنسٌ، قال: لما أراد
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الروم، قيل له: إنهم لا
يقبلون كتاباً إلا مختوماً، قال: فاتخذ خاتماً من فضة، قال: فكأني أنظر
إلى بياضه في يده؛ ونقش عليه: محمدٌ رسول الله.
370- وروى ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتماً من
ذهب، وكان يجعل فصه في باطن كفه إذا لبسه، فصنع مثله، ثم إنه جلس على
المنبر، فنزعه، وقال: ((إني كنت ألبس هذا الخاتم وأجعل فصه من داخل))
فرمى به، وقال: ((والله لا ألبسه أبداً)) فنبذ الناس خواتيمهم.
371- وقال الليث: بلغنا أنه اصطنع بعد ذلك خاتماً من ورق.
372- وقالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تختموا
بالعقيق، فإنه مباركٌ)) .
373- وروى مجمع بن عتاب بن شمير، عن أبيه، قال: وضأت علي ابن أبي طالب
عليه السلام، وعليه خاتمٌ من ورق ما يقوم بدرهم.
374- فهذا كله يدل على إباحة لبس الخاتم لجميع الناس.
375- فأما من كره ذلك من العلماء، فمنهم سعيد بن المسيب، فإنه سئل عن
شيء في فص خاتم مثل رأس الطير، فقال: ما علمت أن أحداً من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم تختم، لا أبو بكر ولا عمر ولا فلان ولا فلان؛
حتى عد ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
376- وقال جعفر بن سليمان: لم يكن على مالك بن دينار
(1/135)
ولا محمد بن واسع ولا حبيب بن محمد خواتم،
وشهدت مالكاً شهد على شهادة، فحل إزاره، فأخرج خاتماً من حديد، فختم
به، ثم أدخله إزاره.
377- وروى ليثٌ أن عطاء ومجاهداً وطاوساً لا يتختمون.
378- وروى أبو ريحانة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم عشراً:
الوشر، والوشم، والنتف، ومكامعة الرجل الرجل بغير شعار، ومكامعة المرأة
المرأة بغير شعار، والحرير أن تصنعوه [تضعوه؟] من أعلى ثيابكم كما
تصنعه [تضعه؟] العجم، والنمر والنهية والخاتم إلا لذي سلطان.
379- قال أبو جعفر: الوشر أن تشر المرأة أسنانها حتى تحددها. والوشم أن
تغرز ظهر كفها ومعصمها بإبرة ثم تحشوه بالكحل. والمكامعة المضاجعة،
مشتقٌ من الكميع، وهو الضجيع، وزوج المرأة كميعها.
380- وقد يروى المكاعمة، قال أبو عبيدة: المكاعمة أن يلثم الرجل صاحبه،
أخذ من الكعام كعام البعير، وهو أن يشد فمه إذا هاج.
381- وقال غيره: هو ضم الشيء إلى الشيء، مشتقٌ من عكمت الثياب.
382- والنمر، هو: النهي عن الركوب بجلود النمر، وهو مبينٌ في حديث أبي
ريحانة هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الركوب بجلود النمور.
383- فأما النهي عن لبس الخاتم إلا لذي سلطان، فيجوز أن يكون منسوخاً،
ولا سيما مع حديث أنس، قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يكتب إلى الروم، فقيل: إنهم لا يقبلون كتاباً إلا بخاتم،
(1/136)
فاتخذ خاتماً من فضة؛ فدل على أنه اتخذه
عند حاجة إليه.
384- وأيضاً، فمن صحيح الأسانيد ما رواه يحيى بن القطان، عن عبد الله،
قال: حدثني نافعٌ، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ
خاتماً من ذهب، وجعل فصه مما يلي كفه، فاتخذه الناس، فرمى به واتخذ
خاتماً من ورق. وهذا إسنادٌ لا مطعن فيه، ففي هذا الحديث دليلٌ على أن
المسلمين كانوا يفعلون كما يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتداءً
به، ودل هذا على إباحة الخواتيم لجميع الناس إلا ما كان من الذهب، فإن
أكثر العلماء على كراهته، ولو لم يكن فيه إلا ما رواه عبد الله بن
جبير، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس المعصفر وعن قراءة
القرآن في الركوع وعن التختم بالذهب.
385- وفي خاتم أربع لغات، يقال: خاتمٌ، وخاتامٌ، وخيتامٌ، والرابعة
خاتمٌ بالكسر، إلا أن الرابعة لغةٌ رديئةٌ، لأنها تشكل بقولهم: ختمت
الكتاب، فأنا خاتمٌ؛ وجمع خاتم وخاتم خواتم، وهذه سبيل فاعل إذا كان
اسماً غير نعت؛ وجمع خاتام خواتيم، وجمع خيتام خياتيم، ويقال: استختم
الكتاب إذا بلغ أن يختم، وحكي اختتم بهذا المعنى. ويقال: أختمت الكتب،
أي: وجدتها مختومةً، مثل أحمدت فلاناً، أي: وجدته محموداً. ويقال:
الكتاب في الختم والختام، ولا يقال: في الخاتم. ويقال: أول من ختم
الكتاب سليمان صلى الله عليه، وأن معنى {كتابٌ كريمٌ} مختومٌ، ويقال:
فض الكتاب: إذا كسر خاتمه؛ ومعنى الفض في
(1/137)
اللغة: التفريق والكسر، ومنه انفض القوم،
ومنه لا يفضض الله فاك؛ وإن شئت قلت: لا يفض بالكسر والفتح والضم.
386- قال أبو جعفر: ورأيت بعض النحويين قد جعل في كتابه أن معنى لا
يفضض الله فاه: لا جعله الله فضاء لا أسنان فيه، لأن الفضاء المكان
الواسع، وهذا غلطٌ في الاشتقاق، لأن لام الفعل من الفضاء ليست ضاد،
ولام الفعل من فض ضادٌ، وهذا من أقبح الغلط، ولا سيما ممن يدعي الرياسة
في النحو.
387- ويقال: هو فص الخاتم، والجمع القليل أفص، والكثير الفصوص والفصاص.
388- وأما طين الكتاب، فالفعل منه: طنت الكتاب أطينه طيناً، فأنا
طائنٌ، وقد طين الكتاب، وإن شئت أشرت إلى الضمة كما قرأ نافعٌ: {سيء
بهم} .
389- وحكى النحويون: طون الكتاب، والأصل: طين، قلبت الياء واواً،
والكتاب مطينٌ، قال المثقب:
فأبقى باطلي والجد منها ... كدكان الدرابنة المطين
ويجوز مطيونٌ ومبيوعٌ، هذا في ذوات الياء، ولا يجوز في بنات الواو،
خاتمٌ مصووغٌ لثقل الواو، هذا قول البصريين، فأما الكوفيون، فأجازوا
ذلك.
(1/138)
390- وحكى الكسائي والفراء أيضاً: مطونٌ
ومبوعٌ، على قولك قد طون، ورجلٌ مهوبٌ.
391- ويقال: طينت الكتاب تطييناً، إذا أعدت عليه الطين مراراً؛ والتي
يجعل فيها الطين مطينةٌ، بكسر الميم.
392- العنوان: أما العنوان، ففيه لغاتٌ أفصحها عنوانٌ، ويقال: علوان،
ويقال: عنيانٌ وعنيانٌ، وفي الفعل منه خمس لغات: عنونت الكتاب عنونةً
وعلونته علونةً وعننت بنونين، الأولى منهما مشددةٌ، تعنيناً وعنيت
تعنيةً بنون مشددة بعدها ياء، والخامسة عنوت الكتاب أعنوه عنواً
وعنواً، ويقال منه: يا عان أعن كتابك، مثل دعا يدعو؛ وجمع عنوان
عناوين، وجمع علوان علاوين.
393- فأما الاشتقاق، ففي بعضه اختلافٌ عن النحويين، وقد علق الكتاب
ببعض أقاويلهم حتى صار أكثرهم لا يعرف غيره، فهم يعرفون أن العنوان
الأثر، فالعنوان يبين أثر الكتاب ممن هو وإلى من هو. وقال الشاعر يرثي
عثمان بن عفان رضي الله عنه:
ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا
394- وزعم بعضهم أن العنوان مأخوذٌ من قول العرب: عنت الأرض تعنو إذا
أخرجت النبات وأعناها المطر، إذا أخرج نباتها، فيكون
(1/139)
عنواناً على هذا فعلاناً، ينصرف في النكرة
ولا ينصرف في المعرفة، وقيل: هو مشتقٌ من عن يعن، إذا عرض وبدا، فعلى
هذا ينصرف في المعرفة والنكرة، لأنه فعوالٌ، ومن قال: علوانٌ، أبدل من
النون لاماً، مثل صيدلانيٌ وصيدنانيٌ، فيكون الاشتقاق واحداً.
395- وفي الحديث، أن معاوية قال لبعض الوفود، ورأى أجساماً ضخمةً: ما
هذه الفدامة منكم؟ قالوا: عنوانٌ نعم الله علينا.
396- وقيل: علوانٌ، مشتقٌ من العلانية، لأنه خطٌ مظهرٌ على الكتاب.
397- ورأيت محمد بن الوليد ينكر أن يعنون على كتاب لأبي فلان، وقال:
الصواب: إلى أبي فلان، قال لأن الكتاب إليه لا له، ولا يجوز لأبي فلان
إلا على مجاز بعيد.
والصواب ما قال، وأكثر العلماء من الصحابة عليه كما روى ابن سيرين، عن
ابن عمر، قال: يكتب الرجل: من فلان إلى فلان، ولا يكتب لفلان.
398- قال: وكتب رجلٌ عند ابن عمر: بسم الله الرحمن الرحيم، لفلان بن
فلان؛ فقال ابن عمر: مه! إن اسم الله جل وعز هو له إذن!.
399- وقال إبراهيم: كانوا يكرهون أن يكتبوا: بسم الله الرحمن
(1/140)
الرحيم، لفلان بن فلان؛ وكانوا يكرهونه في
العنوان.
400- قال أبو جعفر: ولا أحفظ عن أحد من المتقدمين أنه رخص في أن يكتب
لأبي فلان في عنوان ولا غيره.
401- فأما ابتداء الإنسان بنفسه وكتبه: من فلان إلى فلان، أو إلى أبي
فلان، فابتداؤه بالمكتوب إليه ففيه اختلافٌ بين العلماء في العنوان
وصدر الكتاب، فأكثر العلماء يرى أن يبدأ بنفسه، لأن ذلك عنده هو السنة.
402- كما روى ابن سيرين، أن العلاء بن الحضرمي كتب إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فبدأ بنفسه.
403- وكان ابن عمر يقول لغلمانه وولده: إذا كتبتم إلي فلا تبدؤوا بي؛
وكان إذا كتب إلى الأمراء بدأ بنفسه.
404- وقال يحيى بن سعيد: قلت لسفيان الثوري: اكتب إلى أمير المؤمنين
–يعني: المهدي- قال: إن كتبت إليه بدأت بنفسي؛ قلت: فلا تكتب إليه إذن.
405- قال أبو جعفر: وقال الربيع بن أنس: ما كان أحدٌ أعظم حرمةً من
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أصحابه يكتبون إليه فيبدؤون
بأنفسهم.
406- قال أبو جعفر: فهذا عند أكثر الناس الإجماع الصحيح، لأنه إجماع
الصحابة، ثم جرت عادة الناس على غير هذا في العنوان والتصدير إلا في
أشياء خواص قد اصطلح الكتاب عليها.
(1/141)
منها أن الكتاب إذا كان من إمام كاتب: بسم
الله الرحمن الرحيم. من عبد الله فلان أو أبي فلان الإمام –ثم يذكر
صفته التي يسميها العامة لقبه: أمير المؤمنين- إلى فلان بن فلان: سلامٌ
عليك، فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو –ويسأله أن
يصلي على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم - ثم يقال: أما بعد؛ فإن
كذا وكذا؛ ويؤتى على المعنى.
407- وكذا ولي العهد، يبدأ بنفسه، وهذه الكتابة التي يجب أن تستعمل مع
كل واحد، وأن يبدأ الإنسان بنفسه.
408- ثم وقع الأمر على غير ذلك وغير، وكان هذا من أسهل ما غير؛ لأنه
شيءٌ قد اختلف فيه العلماء ورخص فيه جماعةٌ منهم.
409- كما روي أن زيد بن ثابت كتب إلى معاوية، فبدأ باسم معاوية.
410- وقال محمد بن الحنفية: فلا بأس أن تبدأ بالرجل إذا كتبت إليه.
411- وروى حميدٌ، عن بكر بن عبد الله، أنه كتب إلى عامل في حاجة، فكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم، إلى فلان من بكر؛ فقلت له: أتبدأ باسمه! قال:
فما علي أن أرضي صاحبي وأقضي حاجة أخي المسلم.
412- وروى ضمرة، عن أبي شوذب، قال: قلت لأيوب السختياني: إن لي إلى عبد
الرحمن بن القاسم حاجةً، وقد أردت أن أكتب إليه، قال:
(1/142)
فابدأ به.
413- قال أبو جعفر: فجاز على هذا أن يكتب إلى أبي فلان من فلان بن
فلان.
414- وقد ذكرنا إنكار من أنكر أن يكتب على العنوان لأبي فلان، والقول
كما قال، لأن الكتاب إليه لا له، إلا أنه يجوز على وجه يحتال فيه، وذلك
أن تكون اللام بمعنى إلى، فقد قال قومٌ في قول الله عز وجل: {بأن ربك
أوحى لها} معناه: إليها. وأنشد أبو عبيدة:
وحى لها القرار فاستقرت
415-فإن أعدت الكنية خفضت على البدل، ويجوز الرفع على إضمار مبتدإ،
ويجوز النصب بمعنى: أعني؛ وفي إعادة الكنية معنى التعظيم والتبجيل.
وأنشد سيبويه:
لا أرى الموت يسبق الموت شيءٌ ... نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
416- فأما تتريب الكتاب فإنه محمودٌ عند العلماء، كما روى جابرٌ، عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا كتب أحدكم كتاباً
فليتربه، فإن
(1/143)
التراب مباركٌ وهو أنجح للحاجة)) .
417- وقال عمر رضي الله عنه: تربوا الكتاب.
418- ويقال: أتربت الكتاب وتربته بمعنى واحد, كما يقال: أكرمته وكرمته.
قال زهيرٌ:
ومن يغترب يحسب عدواً صديقه ... ومن لا يكرم نفسه لا يكرم
419- ويقال: ترب الرجل: إذا افتقر, واشتقاقه أنه كأنه صار إلى التراب؛
وأترب استغنى, معناه: أنه كثر ماله حتى إنه صار كالتراب؛ وأكثر
الاستعمال: أتربت الكتاب, فوافق لفظه لفظ أترب, إذا استغنى.
420- وفي التراب لغاتٌ, يقال: ترابٌ وتوربٌ وتورابٌ وتيربٌ, وبمعناه
يقال: بفيه الأثلب والأثلث, أي: التراب, وكذا الكثيب والكثكث والدقعم
والدقعاء والرغام, ومنه: أرغم الله أنفه, أي: أذله حتى يلصق بالتراب,
والبرى مقصورٌ والكلحم والكملح والعثير.
(1/144)
باب ذكر الإملاء
وحقيقة معناه عند العرب
421- يقال: أمليت الكتاب إملاءً وأمللت إملالاً, جاء القرآن بهما
جميعاً, قال الله جل وعز: {فليملل وليه بالعدل} فهذا من أمل, وقال جل
ثناؤه: {فهي تملى عليه} فهذا من أملى, فيجوز أن تكونا لغتين بمعنىً
واحد, ويجوز أن يكون أصل أمليت أمللت, فاستثقلوا الجمع بين حرفين على
لفظ واحد, فأبدلوا من أحدهما ياءً, كما يقال: تظينت. وسألت أبا إسحاق
عن ذبيان, فقال: هو من ذب عنه يذب الأصل ذبان, فأبدلوا من إحدى الباءين
ياءً؛ وهذا قولٌ حسنٌ, ما علمت أن أحداً سبقه إليه, فإذا كانتا لغتين
بمعنىً واحد, كان أصل أمليت من قولهم أمليت لفلان, وأملى الله له, أي:
أطال له في العمر, ومنه: {وأملي لهم إن كيدي متين} فيكون معنى أمليت
الكتاب على فلان: أطلت قراءتي عليه في الحروف حتى يفهمها ويكتبها, ومنه
تمل حبيبك, وقال متمم بن نويرة:
كهولٌ ومردٌ من بني مالك معاً ... وأيفاع صدق لو تمليتهم رضا
ويكون هذا مشتقاً من الملي, والملي: القطعة من الدهر الطويلة, قال الله
جل وعز: {واهجرني ملياً} ويقال: ملاوةٌ وملاوةٌ. والملوان: الليل
والنهار, كما قال:
(1/145)
أمل عليها بالبلى الملوان
ويجوز أن يكون: أمللت من أمل أيضاً, إذا طال.
باب ذكر آلات الكتابة وحسنها وقبحها
وتبيينها وفسادها وقرمطتها وتفسيحها
422- فمن آلات الكتابة حسن الخط, وتقديره, وما يستحسن فيه ويستقبح,
ومعرفة الأضداد مما يقع في الكتب والرسائل والخطب, والبلاغة, والمعرفة
بترتيب الأعمال, والدربة بوجوه استخراج الأموال مما يحل ويحسن ويسع؛
فهذه آلات الكتابة داخلةٌ فيها لا تنحاز عنها, ولا تنفرد باسم؛ لا يدخل
في جملتها, وليس كذا, صناعة الحساب والمساحة, والمعرفة بإجراء المياه
والنجوم, والمعرفة بالفقه والفرائض, والعلم بالأنساب, والعلم بالنحو
واللغة؛ فهذه أشياء تنفرد بذاتها, فيقال: الفقيه, والحاسب, والماسح,
والنحوي, والنسابة؛ وإن كان يستحب للرئيس في الكتابة أن ينظر فيها.
423- ومن أحسن ما سمعت في هذا الذي حكاه لنا علي بن سليمان, قال: سمعت
محمد بن يزيد يقول: ينبغي لمن يحب العلم أن
(1/146)
يفتن في كل ما يقدر عليه من العلوم, إلا
أنه يكون منفرداً غالباً عليه منها علمٌ يقصده بعينه ويبالغ فيه.
424- وقال الأصمعي: ما أعياني إلا المنفرد.
425- قال أبو جعفر: وقد ذكرنا أمر الخط العربي وأصله, فأما التقدير فيه
وما يستحسن ويستقبح, فهذا موضع ذكره.
426- فمن حسن تقدير الكاتب أن يكون المضاف والمضاف إليه في سطر لا يفرق
بينهما, نحو: دار عمرو, وكذا أعزه الله, لا يقطعه, وكذا أحد عشر,
لأنهما بمنزلة اسم واحد.
427- ويستحسنون المشق في السين والشين, إلا في أواخر الكلام, نحو:
الناس والبأس؛ وأصل المشق في اللغة الخفة, يقال: مشقه بالرمح, ومشق
الرجل الرغيف: إذا أكل أكلاً خفيفاً, فمعنى مشق الكاتب: خفف يده, وهو
اختيارٌ محدثٌ.
428- فأما رؤساء الكتاب المتقدمون, فكانوا يكرهون المشق كله وإرسال
اليد فيه, ويقول بعضهم: هو للمبتدئ مفسدةٌ لخطه, وللمنتهي دليلٌ على
تهاونه بما يكتب.
429- وقد كره الفقهاء أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم بغير سين, وقد
ذكرنا ما روي في ذلك.
430- ويستحسنون إذاً توالت السين والشين في كلمة أن يقدر الكاتب فصلاً
بينهما بمدة.
(1/147)
431- ويستحسنون التقدير في كتابة بين أو
بير أو ما أشبهها أن ترفع الوسطى من الثلاث للفرق بين ذلك وبين السين
والشين.
432- ويستحسنون أن تكون الكاف غير مشقوقة, وأقبح ما تكون مشقوقةً إذا
كانت طرفاً عندهم, ويجيزون تعليمها إذا كانت مبسوطةً ولا تعلم طرفاً.
433- ويستحسنون أن تكون الألفاظ سهلة سمحةً غير بشعة, ومما يستحسن
لإبراهيم بن المهدي توقيعه إلى كاتبه: إياك والتتبع لحوشي الكلام طمعاً
في نيل البلاغة, فإن ذلك العي الكبير, وعليك بما سهل مع تجنبك لألفاظ
السفلة.
434- وكذا ما وصف به يحيى بن زياد كاتباً, فقال: أخذ بزمام الكلام
فقاده أسهل مقاد, وساقه أحسن مساق, واسترجع به القلوب النافرة, واستصرف
به الأبصار الطامحة.
435- وقال الجاحظ: لم أر قوماً في مثل طبقة الكتاب من البلاغة, وذلك
أنهم التمسوا من الألفاظ ما لم يكن متوعراً حوشياً ولا ساقطاً عامياً.
436- حدثني جعفر بن محمد البلخي, قال: قال أحمد بن محمد بن الفضل
البصري, صاحب كتاب ((الديباج)) : يجب للكاتب أن يعدل بكلامه عن الغريب
الحوشي والعامي السوقي والرذل
(1/148)
السليقي, ويجانب التقعير, ويجب أن يستعمل
نفسه في تنزيل الألفاظ.
437- ومن آلات الكتاب, معرفة الأضداد, لأنهم يحتاجون إلى ذلك في الكتب
والرسائل والخطب, لأن ذلك يقع في كتبهم كثيراً, فيشكل عليهم, لأن أصله
من جوهر اللغات الفصاح, فيقولون: السرف والإمساك, وإنما هو السرف
والتقتير, قال الله جل وعز: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا}
. ويجوز السرف والقصد, وإنما ضد الإمساك والإعطاء, وإن كان غير إسراف.
ويقولون: الجمال والقبح, وإنما هو الجمال والدمامة, والحسن والقبح.
باب الأضداد مما يحتاج إليه الكاتب في
الكتب والرسائل والمخاطبات
438- اعلم أن الكلام يجيء كثيراً على الأضداد, فربما غلط الكاتب, فجعل
مع الشيء غير ضده, فيلزم النقصان بذلك, ونحن نملي منه ما فيه كفايةٌ إن
شاء الله فمن ذلك:
الأمانة والخيانة, والنصيحة والغش, والجور والعدل, والإنصاف والحيف,
والإثم والأجر, والثواب والعقاب, والطلاقة والانقباض, والجلالة والدقة,
والصغر والكبر, والشباب والهرم, والغنى والفقر, والبلاغة والعي, والفرح
والترح, والضحك والبكاء, والنشاط والكسل, والشبع والجوع, والإقلال
والإكثار, والنباهة والخمول,
(1/149)
والحرية والعبودية, والطاعة والمعصية,
والموافقة والمخالفة, والحرص والقناعة, والوفاء والغدر, والاستبشار
والعبوس, والإنجاز والخلف, والإهانة والإكرام, والرتق والفتق, واليأس
والطمع, والربح والوضاعة, والنقص والزيادة, والخفة والوقار, والعقل
والحمق, والعقد والحل, والشح والسخاء, والنزول والمسير, والكبر
والتواضع, والبعد والقرب, والإغلاق والفتح, والإقبال والإعراض,
والإقبال والإدبار, والإرشاد والإضلال, والرشاد والضلال, والتسديد
والتضليل, والعزوبة والتأهل, وبره وهره, والوضوح والغموض, ودب أحباؤه,
ودرج أعداؤه, والإشكال والبيان, والسهولة والحزونة, والرعاية والإذالة,
والتشمير والتقليص, والطيب والخبث, والطيب والخبيث, والنسك والفسق,
والصفاء والكدر, والعناء والراحة, والجمام والكلال, والندى والجفوف,
واليبس والرطوبة, والخشونة واللين, والجمال والدمامة, والسرف والتقتير,
والحسن والقبيح, والاعتدال والاعوجاج, والانحطاط والارتفاع, والانكماش
والتواني, والإزراء والإعظام, والعجز والإطاقة, والعجز والاحتيال,
والإذن والحجب, والتحريم والتحليل, والإعفاء والإلزام, والأخذ والترك,
والسكر والصحو, والجدب والخصب, والغلو والتقصير, والعطش والري, والتسهل
والتعسر, والمساهلة والمعاسرة, والمسامحة والمباخلة, والمعاداة
والمصافاة, والاتصال والفرقة, والإلحاح والرفق, والصيانة والمهنة,
والمواصلة والمقاطعة, والداء والدواء, والصحة والسقم, والعلة والبرء,
والحلم والسفه, والرفق والخرق, والإكباب والإغفال,
(1/150)
والحزم والتفريط, والصعوبة والاستكانة,
والاستغفار والإصرار, والنعمة والنقمة, والشكر والكفر, والجزع والصبر,
والسلو والحنين, والعداوة والصداقة, والصلاح والفساد, والمبالغة
والتقصير, والهزل والجد, والنسيان والذكر, والحفظ والإضاعة, والإمساك
والإرسال, والإمساك والتسريح, والقبض والبسط, والنعمة والبؤس, والدعة
والنصب, والراحة والتعب, والسلامة والعطب, والعافية والبلاء, والنجاة
والهلكة, والرحمة والسخط, والحبس والتخلية, والأسر والإطلاق, والعذاب
الأليم والنعيم المقيم, والعلاء والسفال, والعلو والسفل, والأناة
والعجلة, والفهم والبلادة, والحمل والوضع, والخفض والرفع, والصعود
والهبوط, والإصعاد والانحدار, والورد والصدر, والإيراد والإصدار,
والنقض والإبرام, والنبل والقماءة, والشغل والفراغ, والتقتير والتوسعة,
والحرب والسلم, والرفق والعنف, والرزق والحرمان, والجد والحد, والاتفاق
والنفار, والخوف والأمن, والنصر والخذلان, والعقوق والبر, والحمد
والذم, واللوم والعذر, والإجلال والاستخفاف, والإلطاف والجفاء,
والإقامة والظعن, والإصلاح والإفساد, والصلاح والطلاح, والإباء والسلس,
والتوفير والتقصير, والقيام والقعود, واليقظة والهجوع.
439- قال أبو جعفر: سمعت علي بن سليمان يقول: لا تكاد
(1/151)
العرب تستعمل القيام والجلوس, ولا قام
وجلس, ولكن قام وقعد لمكان القاف من القاف.
باب تحسين الكتابة وإفسادها وقرمطتها وغير
ذلك من آلاتها
440- يقال لمن حسن كتابته زينها وحسنها وحبرها ونمقها ونمنمها وذهبها
ورقشها, كما قال:
كما ... رقش في ظهر الأديم قلم
441- وقد يقال رقش إذا حرش, كما قال الحارث بن حلزة:
أيها الناطق المرقش عنا ... عند عمرو وهل لذاك خفاء
كأنه الذي يحرش بتحسين القول.
442- فإن أفسد كتابته قيل: شرمخها وهلهلها ولهلهها, وكذا في الكلام,
كما قال:
(1/152)
أتاك بقول لهله النسج كاذب ... ولم يأت
بالحق الذي هو ناصع
443- فإن لم يبين كتابته قيل: دخمسها, وكذا دخمس كلامه إذا لم يبينه,
ولواها وعقمها وعلقها ومجمجها وجمجمها.
444- فإن جمع الحروف وقارب السطور بعضها من بعض, قيل: قرمطها.
قال الخليل بن أحمد: القرمطة في الكتاب مأخوذٌ من القرمطة في المشي,
يقال: قرمط الشيخ في مشيه, إذا قارب بين خطاه.
445- فإذا أجاد القراءة قيل: أعرب وأفصح وأبان وبين, وكذا يقال: أبان
الشيء في نفسه, وقد يقال: بان, وهي قليلةٌ, ويقال: استبان وتبين, فإن
تردد في قراءته قيل: لجلج لجلجةً, فإذا أخفى قراءته, قيل: دندن.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم , أنه مر بأعرابي يخفي كلامه, فقال: ((ما
هذه الدندنة؟)) قال: أسأل الله الجنة, وأتعوذ به من النار. فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: ((حولهما ندندن)) .
فإن زاد في الإخفاء, قال: هينم وهتمل.
446- ويقال تصفح الكتاب إذا تفقده, وكذا توسمه, قال زهيرٌ:
(1/153)
وفيهن ملهىً للعيون ومنظرٌ ... أنيقٌ لعين
الناظر المتوسم
447- وخط الكتاب يخطه, فإذا أكثر حروفه قيل: خططه.
448- وذبر الكتاب وزبره, أي: كتبه.
وحكى الأصمعي زبر الكتاب يزبره ويزبره إذا كتبه, وذبره يذبره ويذبره
إذا قرأه.
449- وحكى: أوحيت, أي: كتبت, قال الله عز وجل: {فأوحى إليهم أن سبحوا}
قال الحكم: أي: كتبت والأمر منه: أوح يا هذا, ومن وحى: ح يا هذا؛
والنحويون يقولون: تكتب بهاء بعد الحاء, لتكون الهاء لبيان الحركة,
لأنه لا ينطق بحرف واحد, والكتاب يكتبونه بياء بعد الحاء, وكذا: ش
ثوبك؛ وكتابه بالياء خطأٌ, لأنه مجزومٌ أو غير معربٌ, وأصل الوحي في
اللغة أن يؤتى بالشيء على خفية, هذا أصله, ثم يتفرع, فيكون الوحي من
الله عز وجل إلى أنبيائه, ويكون الوحي إلهاماً, قال الله عز وجل:
{وأوحى ربك إلى النحل} وقد يكون إلهاماً للأنبياء صلى الله عليهم في
غير الفرائض, ويكون الوحي إشارة, كما قال ذو الرمة:
يوحي إليها بأنقاض ونقنقة ... كما تراطن في أفدانها الروم
(1/154)
ويكون الوحي بإسرار, قال الله عز وجل:
{يوحى بعضهم إلى بعض} وبمعنى الأمر, قال الله جل وعز: {وإذ أوحيت إلى
الحواريين} كما قال:
وحى لها القرار فاستقرت
450- فإن أسرع في قراءته, قيل: خطرف, وكذا خطرف في إملائه مشتقٌ من
خطرفة البعير, وهو إسراعه في السير.
451- فإن بالغ في القراءة وجودها, قيل: أسهب, مشتقٌ من السهب, وهو
المكان الواسع, وقد يكون مشتقاً من أسهب الحافر, أي: بلغ إلى الرمل في
حفره, فإن بلغ إلى الماء, قيل: أنبط.
452- فإن حذف بعض الحروف, قيل: زلف, مشتقٌ من الزلفة, أنشد سيبويه:
مر الليالي زلفاً فزلفا
453- فإن تردد في القراءة, قيل: درس, مشتقٌ من قولهم: طريقٌ مدروسٌ,
أي: كثر وطء الناس فيه.
قال الخليل: يقال درسته ودسته ودرس الطعام وداسه بمعنىً واحد. فمعنى
درس فلانٌ السورة على هذا راضها, وذلل بها لسانه, ودرس المنزل والأثر,
أي: امحى لمرور الرياح عليهما.
(1/155)
454- ومعنى عارضت بالكتاب الكتاب: جعلت ما
في أحدهما مثل ما في الآخر, مأخوذٌ من: عارضت بالثوب, إذا أعطيته أخذت
غيره.
455- ومعنى تلا فلانٌ الكتاب: قرأه فأتبع بعض حروفه بعضاً, مشتقٌ من
تلوت الرجل, أي: تبعته.
456- يقال: تمنى الكتاب, إذا قرأه, ومنه قول الله عز وجل: {لا يعلمون
الكتاب إلا أماني} .
457- ويقال: رتل الكاتب قراءته, إذا تثبت فيها, وفصل كل حرف من الحرف
الذي يجيء بعده, ولم يستعجل فيدخل بعض الحروف في بعض, ومنه قول الله عز
وجل: {ورتل القرآن ترتيلاً} وهو مشتقٌ من الرتل, قال الأصمعي: في
الأسنان الرتل, وهو أن يكون بين الأسنان الفرج, لا يركب بعضها بعضاً,
ويقال: ثغرٌ رتل. قال أبو جعفر: وهذا قولٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد قيل: الترتيل الضعف والتبتير, وأن معنى رتل القراءة لمها ولم
يستعجل.
458- وقولهم سرد الكاتب قراءته أحكمها, مشتقٌ من سرد الدرع, إذا
أحكمها, وجعل حلقها ولاءً غير مختلفة, وأحسن صنعة المسامير, أنشد أبو
عبيدة:
وعليهما مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السوابغ تبع
(1/156)
459- وروى ابن عيينة, عن ابن أبي نجيح, عن
مجاهد في قول الله جل وعز: {وقدر في السرد} أي: قدر المسامير, لا يكن
رقيقاً فتسلس ولا غليظاً فيفصمها.
460- ويقال للإشفى: المسرد, وقد سرد إذا خرز بإحكام, وحكى سيبويه أنه
يقال: سرندٌ وسرندى للذئب.
461- فأما معنى عبر الكاتب الكتاب, فهو قراءته فيما بينه وبين نفسه
وتدبره.
462- ويقال: كتابٌ نزلٌ, أي: مجتمع السطور, وطعامٌ نزلٌ, أي: كثير
الريع, وأرضٌ نزلةٌ, أي: كثيرة الخير ويقال: كتابٌ له نزلٌ, بفتح النون
والزاي.
463- ويقال: همز القارئ حروفه, وأصل الهمز في اللغة الغمز والتحريك.
464- ويقال: فهم تأويل كتابه, أي: مرجعه ومصيره, مشتقٌ من آل الشيء
يؤول إذا رجع.
465- ويقال: واتر كتبه, قال الأصمعي: معناه جعل بين كل كتابين فترةً,
وتابعه على ذلك يونس بن حبيب, وزعم أن قول الله عز وجل: {ثم أرسلنا
رسلنا تتراً} أي: بين كل
(1/157)
رسولين فترةٌ ومدةٌ من الزمان.
466- قال أبو جعفر: التاء الأولى في تترى بدلٌ من الواو، يدلك على ذلك
واتر، فمن نون جعل الألف بدلاً من التنوين، وكتبه بالألف لا غير، ومن
لم ينون جعلها فعلى، وكتبها بالياء على مذهب الكتاب.
467- وحكي عن الأصمعي وابن حبيب أن معنى واتر كتبه تابعها، وتواترت
الخيل تتابعت.
468- وقولهم: سطر الكاتب كتابه وسيطره وسطره، معناه: حظر أن تتجاوز
العلامة، وكذا استطار البيان، وقال الله عز وجل: {لست عليهم بمسيطر}
ويقال: سطرٌ وسطرٌ، فمن قال سطرٌ قال: أسطارٌ، كما قال:
إني وأسطارٌ سطرن سطراً
لقائلٌ يا نصر نصراً نصرا
وجمع أسطار أساطير. وحكي عن محمد بن يزيد أنه قال: أساطير جمع أسطورة،
مثل: أحدوثة وأحاديث.
ومن قال: سطرٌ، بإسكان الطاء، قال في الجمع القليل: أسطرٌ، والكثير
سطورٌ.
(1/158)
باب المقابلة
469- يقال: قابل بالكتاب قبالاً ومقابلةً، أي: جعله قبالته، وجعل فيه
كل ما في الآخر، ومنه: منازل القوم تقابل، أي: يقابل بعضها بعضاً،
والقابلة من هذا، والعام القابل، ومنه قابله الطريق، أي: صار قبالته،
ومنه أقبلت المكواة أفواه العروق، أي: جعلتها قبالتها، كما قال:
شربت الشكاعى والتددت ألدةً ... وأقبلت أفواه العروق المكاويا
(1/159)
|