عمدة الكتاب لأبي جعفر النحاس

باب ذكر المرتبة الثالثة
470- قال أبو جعفر: أذكر منها إن شاء الله الخط والهجاء وما يضاف إليهما من العدد وغيره، فمن ذلك:
باب الاصطلاح في الخط
471- اعلم أن الاصطلاح في الخط على ضربين، منه اصطلاحٌ قديمٌ ومنه اصطلاحٌ محدثٌ، من استعمله كان محطئاً عند النحويين الحذاق.
فمن الاصطلاح القديم كتبهم كل ما كان على فعل ثلاثي معتل إذا رددته إلى نفسك أو إلى المستقبل كان بالياء، كتبته بالياء، وهو نحو: رمى ومشى, لأنك تقول: رميت ومشيت؛ ونحو: يرمي ويمشي؛ فإن رجع إلى الواو كتبت بالألف, نحو دعا وغزا, لأنك تقول: دعوت وغزوت, وهو يدعو ويغزو, فإن كان الثلاثي اسماً, وكان يثنى ويجمع بالياء, كتبت بالياء, نحو مدىً وهدىً, تكتبان بالياء, لأنك تقول: مديان وهديان؛ فإن رجع إلى الواو كتب بالألف, نحو: عصاً وقطاً, لأنك تقول: عصوان وقطوان, وعصواتٌ وقطواتٌ.
فإن كان هذا كله تجاوز ثلاثة أحرف, كتب بالياء, نحو: استقرى

(1/160)


واستقضى وملهىً ومثنى. وعلتهم في هذا أنهم أرادوا الفرق بين ذوات الياء وذوات الواو في الثلاثي, وردوا ذوات الواو إلى الياء في ما جاوز ثلاثة أحرف, لأن الياء أخف من الواو, فلما زاد على ثلاثة أحرف ثقل, فحملوه على الأخف, وقيل لأنه يرجع في المستقبل إلى الياء. وكذلك كتبوا يغزى بالياء اتباعاً للماضي على هذا القول, وعلى القول الآخر, لأنه جاوز الثلاثة.
ولا اختلاف بين النحويين في أن كتبت هذا كله بالألف فجائزٌ, ثم اختلفوا بعد إجازتهم إياه:
فمنهم من قال: كتب ذوات الياء بالياء أولى للفرق.
ومنهم من قال: الكاتب مخيرٌ في ذينك, والأمر واحدٌ فيهما.
ومنهم من قال: هذا الاصطلاح, وإن كان قديماً, وقد جرى عليه الكتاب, فإنه خطأٌ لا يجوز, واحتج في ذلك بحجج بينة, منها: أنه لو كانت العلة صحيحةً في الفرق بين ذوات الياء وذوات الواو بالياء, فقد نقضوا هذا, وكتبوا ضحىً بالياء, وهو من ضحا يضحو, وكتبوا ربىً بالياء, وهو من ربا يربو, واستعمل الكسائي والفراء هذا كله في كل مضموم أوله أو مكسور, إلا حمىً ورضىً, فإنهما أجازا كتبهما بالياء والألف, وكان إبراهيم بن السري أبو إسحاق يتعجب من هذا كله, ويقول: لم يأخذوا بما في كتاب الله جل وعز, ولا بالقياس الصحيح في كتاب الله جل وعز: {وما ءاتيتم من رباً ليربوا في أموال الناس}

(1/161)


472- وسمعت علي بن سليمان يحكي عن محمد بن يزيد أن أصل هذا من الأخفش سعيد احتال على الكتاب ليضطرهم إلى النظر في النحو, ثم سأل الكسائي فتابعه عليه.
473- قال: وقد علمنا أنا إنما ننقل إلى الكتاب ما كان في اللفظ, وإذا قلنا: رمى, فليس في اللفظ إلا ألفٌ؛ ثم ذكر المناقضة في هذا بإجماعهم على كتب ذوات الياء بالألف إذا اتصلت بمضمر, نحو: رماه, وملهاك. قال: وقولهم: إنما كتبنا رمى بالياء لتدل على أن الألف منقلبةٌ من ياء خطأً, لأنه يلزمهم أن يكتبوا غزا بالألف لأن الألف منقلبةٌ من واو.
474- وقال محمد بن يزيد: خاطبت أحمد بن يحيى على كتبهم ضحىً بالياء, فقال لي: لأنها ألف تأنيث فعلمت أن قد غلط غلطاً عظيماً فتجافيت عن كلامه على ما قال، لأني علمت أنه لم يقصده؛ ثم قال: لما انضم أولها توهموا أنها من ذوات الياء، فقلت له: نحن جميعاً على يقين أنها من ذوات الواو من ضحا يضحو؛ فانقطع، ولقيني بما أكره، إلى أن حلفت أني لا أكلمه في مسألة أبداً.
475- ومما أجمعوا عليه مما كتب بالألف وإن كان من ذوات

(1/162)


الياء في موضع ما كان قبل آخره ياءٌ، كراهة الجمع بين ياءين، من ذلك، نحو: خطايا وزوايا إذا كانت جمع خطيئة.
476- وكتبوا يحيى بالياء إذا كان اسماً، وجمعوا بين ياءين، فزعم بعض الكتاب أنهم لم يلزموا فيها القياس، وهذا غلطٌ منه، وقد سمعت أبا إسحاق يذكر ضعف هذا الرجل في النحو، وأنه خاطبه، فرأى ذلك منه.
477- قال أبو جعفر: والقياس في هذا مستمرٌ: أنك إذا سميت بيحيى أو بخطايى أو بزوايى كتبت هذا كله بالياء، وجمعت بين ياءين، فرقاً بين التسمية وغيرها، فإن قلت فلانٌ يحيا حياةً طيبةً، كتبته بالألف لا غير.
ومن الاصطلاح القديم
478- زيادتهم الألف بعد واو الجمع، نحو: كفروا، وذهبوا: فمذهب الخليل أنهم فرقوا بين واو الإضمار والأصلية وأولوه.
وقول أحمد بن يحيى: أنهم فرقوا بين واو المضمر المتصل والمنفصل.
479- واصطلحوا على أن كتبوا على بالياء، لقولهم: عليك،

(1/163)


وكذا إلى؛ وكتبوا حتى بالياء؛ قال أبو إسحاق: شبهوها بسكرى؛ وكتبوا متى وبلى وأنى بالياء، وهذا اصطلاحٌ يتعذر أن يقع فيه علةٌ، وعلى أن بعضهم قد قال: كتبن بالياء لأن الإمالة تحسن فيهن.
480- واصطلحوا على أن كتبوا هذا بغير ألف تلي الهاء، وكذا ذلك، قيل: لئلا تقرأ ذا لك.
481- وزادوا في عمرو واواً فرقاً بينه وبين عمر، وكان أولى بالزيادة لخفته، هذا إذا كان مخفوضاً أو مرفوعاً، فإن كان منصوباً لم تزد فيه واوٌ، لأن عمر لا ينصرف، فقد زال الإشكال؛ وقيل: لم تزد فيه واوٌ في النصب لئلا يجمع بين زائدين، وهما الألف والواو، فإن شكلت عمراً في موضع الخفض والرفع لم تلحق فيه واواً، لأنه لا يشكل بعمر، فإن قلت: لعمر الله، لم تلحق فيه واواً، لأنه لا يشكل.
482- وزادوا الواو في أولئك فرقاً بينه وبين إليك، وزادوها في أولى فرقاً بينها وبين إلى.
483- وكتبوا إذاً بالألف على اختلاف في ذلك.
حدثنا علي بن سليمان، عن محمد بن يزيد، أنه كان لا يجيز أن تكتب إذن إلا بالنون، لأنها مثل: لن، قال: وأشتهي أن أكوي يد من يكتبها بالألف.
وقال الفراء: ينبغي لمن نصب الفعل المستقبل بإذن أن يكتبها بالنون، فإذا توسطت الكلام، وكانت لغواً، كتبت بالألف, وهذا لعمري قولٌ ثابتٌ قد جاء به, غير أنه نقضه, فقال: وأحب إلي أن يكتبها

(1/164)


بالألف في كل حال, لأن الوقوف عليها في كل حال بالألف.
باب الاصطلاح القديم في العدد والتاريخ
484- اصطلحوا قديماً على أن كتبوا التاريخ, ويقال: التوريخ, لأنه يقال: ورخت الكتاب وأرخته من مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
485- ويقال: إن المبتدي بهذا التاريخ كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه, لأن عامله على اليمن قدم عليه, فقال: أما تؤرخون كتبكم؟ فأراد عمر رضي الله عنه أن يبتدئ ببعث النبي صلى الله عليه وسلم , قال ابن سيرين: فقالوا: من وفاته؛ ثم أجمعوا على الهجرة.
486- وأرادوا أن يجعلوا أوله شهر رمضان, ثم اتفقوا على المحرم, لأنه منصرف الناس من حجهم, وهو شهرٌ حرامٌ.
487- وقال ابن عباس: والفجر المحرم فجر السنة؛ والتاريخ: اليوم قبل الهجرة بشهرين وثنتي عشرة ليلةً, لأن النبي صلى الله عليه وسلم هاجر في شهر ربيع الأول, فقدم المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلةً خلت منه, فقدموا التاريخ.
488- قال أبو جعفر: وهذا المعروف عند العلماء, غير أن محمد بن جرير قال: حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة, قال: حدثنا

(1/165)


أبو عاصم, عن ابن جريج, عن ابن أبي سلمة, عن ابن شهاب, أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة –وقدمها, في شهر ربيع الأول- أمر بالتاريخ.
489- قال محمد بن جرير: وقد كانوا أرخوا بعام الفيل, أعني قريشاً خاصةً؛ وفي عام الفيل ولد النبي صلى الله عليه وسلم , وكان بين عام الفيل والفجار عشرون سنةً, وبين الفجار وبناء الكعبة خمس عشرة سنةً, وبين بناء الكعبة ومبعث النبي صلى الله عليه وسلم خمس سنين, وبعث وهو ابن أربعين سنةً, فقرن بنبوته جبريل صلى الله عليه وسلم , ويقال: بل الذي قرن إليه بدءاً إسرافيل من غير أن يؤمر بإظهار الدعوة, ثم أمر بإظهارها؛ وأقام بمكة عشر سنين, وبالمدينة عشراً.
490- قال أبو جعفر: وهذا استخراجٌ حسن, لأن الصحابة اختلفوا في هذا, فقال ابن عباس: أنزل عليه الوحي وهو ابن ثلاث وأربعين سنةً, فمكث بمكة عشراً, وهو قول جماعة من الصحابة, والذي قال: قرن بنبوته إسرافيل صلى الله عليه وسلم الشعبي, قال: كان يسمع حسه ولا يرى شخصه, يعلمه الكلمة والشيء, ولم ينزل القرآن على لسانه, فلما مضت لنبوته ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل صلى الله عليه وسلم , فنزل القرآن على لسانه بعد.

(1/166)


491- وممن قال: أقام بمكة عشراً؛ عائشة رضي الله عنها وأنس بن مالك, كما روى مالكٌ, عن ربيعة, عن أنس سمعه يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، ولا بالأبيض الأمهق، وليس بالآدم، وليس بالجعد القطط ولا بالسبط، بعثه الله عز وجل على رأس أربعين سنةً، فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله على رأس ستين سنةً، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرةً بيضاء.
قال أبو جعفر: قوله بالأبيض الأمهق، هو البياض الذي ليس بمشرق، يخاله الناظر إليه برصاً؛ والقطط أشد الجعودة.
492- وإذا كان أول ليلة من الشهر كتب، بمعنى كتب الكتاب: غرة شهر كذا في أول ليلة من كذا. ومستهل شهر كذا ومهل شهر كذا ولا يجوز لليلة خلت ولا مضت لأنهم في الليلة بعد فإذا أصبحوا لم يجز من ذلك شيء لأن الاستهلال بالليل ولكن يليه خلت ومضت، لأن الليلة قد انقضت؛ ويجوز لغرة الشهر، ولأول يوم من صفر.
493- قصد أبو جعفر صفراً دون سائر الشهور في هذا الموضع، لأنا بلغنا هذا الفصل ونحن في صفر سنة سبع وعشرين.
494- ويكتبون: لثمان خلون، ولإحدى عشرة ليلةً خلت؛ اصطلحوا على هذا، ولو كتبوا لثمان خلت، ولإحدى عشرة ليلةً خلون

(1/167)


لجاز، وليس قول من قال: إنما قالوا لإحدى عشرة ليلة خلت، لأن الليلة موحدةٌ = شيئاً، لأن الخبر ليس عن الليلة. واحتج آخر بقول الله عز وجل: {منها أربعةٌ حرمٌ ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم} واحتج بمجيء النون في القليل، لأن {فيهن} عنده لأربعة، وقد قيل: {فيهن} لاثني عشر.
495- واصطلحوا على أن كتبوا: للنصف من الشهر، وأجازوا لخمس عشرة ليلةً خلت، ومضت، فإذا جاوزوا ذلك كتبوا لأربع عشرة ليلةً بقيت، لأن الشهر قد يكون ناقصاً. ورأيت علي بن سليمان يختار هذا. وبعضهم يقول: لأربع عشرة ليلةً إن بقيت. ورأيت بعض العلماء وأهل النظر يصوبون الكتاب في ما يكتبون به من هذا، واحتج لهم بأنهم إنما يكتبون هذا على أن الشهر تامٌ قد عرف معناه، وأن كاتبه وقائله يريد إن كان الشهر تاماً ولا يحتاج أن يلفظ بهذا، لأن اللفظ به عيٌ وشيءٌ لا يحتاج إليه. وقد علمنا أن قائلاً لو قال: أنا أدفع إليك كذا، لكان كلاماً صحيحاً، وأنه لا يحتاج أن يقول: إلا أن يحدث علي حدثٌ.
496- ومع هذا، فقد وجدنا من لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم مما رواه ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، في سابعة تبقى، أو خامسة تبقى)) .

(1/168)


497- واصطلحوا أيضاً على كتب ثلاث وثلاثين بغير ألف فيهما جميعاً، وكذلك ثلاث عشر وثلاث عشرة، وكذلك ثمانية بغير ألف اصطلاحاً قديماً، وربما يعاب من خالفه، وكذا ثماني نسوة بغير ألف, فإن قلت جاءني من النسوة ثمان فبالألف, لأنك قد حذفت ياءً, فلا تجمع حذفين, ومن قال جاءني من النسوة ثماني عشرة حذف الألف, ومن قال: ثمان عشرة لم يحذف, لأنه حذف الياء؛ كما أنشد بعض أهل اللغة للأعشى:
ولقد شربت ثمانياً وثمانياً ... وثمان عشرة واثنتين وأربعا
وأبو إسحاق ينشده: وثلاث عشرة.
فأما اثنتا عشرة, فمن العرب من يقول: جاءني ثنتا عشرة, فيحذف الألف من أوله.
وأما ثمانون فيكتب بالألف لأنه لا ياء فيه, فيشبه ثمانياً.
498- ومن الاصطلاح القديم كتبهم أربعة درهم بغير ألف, وكذلك أربعة دننير, وكذلك أربعة ألف بالحذف لكثرة استعمالهم إياه, وأنه لا يشكل, فإن قلت: عنده دراهم أو دنانير أو آلاف, فالألف لا غير, لئلا يشكل؛ وكتبوا: له أربعة دكاكين بالألف, لأنه لا يكثر استعمالهم إياه, وكتبوا: أربعة أثواب وخمسة أثواب وخمسة أجمال

(1/169)


بالألف, وإن كان قد كثر استعمالهم, لئلا يشكل بأثوب وأجمل, لأن فعلاً قد جمع على أفعل نحو زمن.
499- وكتبوا مائة بالألف ليفرقوا بينها وبين منه.
500- وإذا عرفت بالألف واللام فقد وقع في ذلك اصطلاحٌ متفقٌ عليه وآخر مختلفٌ فيه.
فأما المتفق عليه, فقولهم: ما فعلت خمسة الدراهم وعشرة الأثواب, كما قال ذو الرمة:
وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى ثلاث الأثافي والرسوم البلاقع
فإن شئت قلت: كتبت الخمسة الكتب, ودفعت الستة الدراهم, تنصبهما جميعاً, هذان الوجهان جائزان بإجماع, واختلفوا في قولهم: ما فعلت الخمسة الأثواب بالإضافة, فأجاز ذلك الكسائي, ومنع منه البصريون لاجتماع الألف واللام مع الإضافة, وهذا لا يشبه من الحسن الوجه شيئاً, وهو من الخطإ البين.
501- قال أبو إسحاق: سألت أحمد بن يحيى في مجلس الوزير القاسم بن عبيد الله: على أي شيء أجزتم عندي الخمسة الأثواب؟ فلم يكن عنده جوابٌ, غير أن قال: لأن الوزير يكتب بذلك؛ فأمسكت.
502- فإن قلت: عندي خمسة عشر درهماً, فأردت تعريفه,

(1/170)


فالصواب على قول الجميع: ما فعلت الخمسة عشر درهماً, عرفته من أوله, لأنه بمنزلة اسم واحد, كما تقول رجلٌ والرجل؛ وأجاز الكسائي الخمسة العشر درهماً؛ وهذا نقض ما يقول النحويون؛ جعلوا الاسمين اسماً واحداً, وأجازوا: ما فعلت الخمسة العشر الدرهم, وهذا أبعد من ذاك, وهو خطأٌ عند البصريين والفراء, إلا أبا زيد؛ فإنه حكاه وأجازه, وأبو زيد وإن كان له المحل الجليل, صاحب شذوذ, وليس كالأصمعي.
فإن قلت: عندي خمسةٌ وعشرين درهماً، ثم عرفت، قلت: ما فعلت الخمسة والعشرون درهماً؟ وأجاز الكسائي: ما فعلت الخمسة والعشرون الدرهم؟ فإن قلت: ما فعلت الخمسة والعشرون الدراهم، جاز عند الجميع.
فإن قلت: له مائة درهم، ثم عرفت، قلت: ما فعلت مائة الدرهم؟ كما فعلت في أربعة الدراهم؟ غير أنه لا يجوز المائة الدرهم إلا أن يقول: المائة الدراهم، وكذا ألف الدرهم؛ ولا يجوز الألف الدرهم عند الفراء والبصريين، إلا أبا زيد، فإنه حكى أن من العرب من يقول: المائة الدرهم، والألف الدرهم، والخمس مائة الدرهم، والخمسة عشر الدرهم؛ ولا نعلم اختلافاً في الكسور أن الألف واللام تدخل في الآخر إذا عرفت، نحو أخذت نصف الدرهم، وربع الدينار، فيجب على هذا أن ترد ما اختلفوا فيه على ما اجتمعوا عليه، فيقال: ثلاثة الدراهم، ومائة الثوب، وألف الدينار؛ وهذا بينٌ؛ وكتبوا مائةً في

(1/171)


التثنية بزيادة ألف، كما قالوا في الواحد لئلا تخالف التثنية الواحد، إلا أن الكسائي والفراء وقطرباً ذكروا أن من مضى كان يكتب التثنية بإسقاط الألف، ولا اختلاف في الجمع أنه على أصله يكتب بغير ألف، قالوا: مئون ومئات، والأصل في مئة مئيةٌ، كما قال:
فقلت والمرء تخطيه منيته ... أدنى عطيته إياي مئيات
باب الاصطلاح القديم على حذف اللام من الخط وما يلحقه من حذف الألف واللام
503- كتبوا الذي والذين بلام واحدة، وكذا التي والاتي والواتي؛ وكتبوا اللذين بلامين. في كتبهم هذا بلامين ثلاثة أقوال:
فمن أصحها أن هذا كتب على أصله، فلا ينبغي أن يسأل عنه، وإنما يسأل عما كتب من هذا الجنس بلام واحدة، ونحن نبينه.

(1/172)


وقيل: كتبوا التثنية بلامين، لأن التثنية تجري على أصلها، وتعرب في كل مبني وفيما لا ينصرف.
والجواب الثالث أنهم أرادوا أن يفرقوا بين التثنية والجمع، والعلة فيما كتب من هذا الجنس بلام واحدة أن اللام لا تفارقه، ولا يتكلم به منفصلاً، فكتب على الادغام، وأصل الذي لذ عند سيبويه، مثل عم، ثم دخلت عليه الألف واللام للتعريف بلا مفارقة له؛ لأنه لا يستعمل إلا معرفةً. وقال الفراء: أصل الذي ذا التي للإشارة، ثم نقل إلى الغائب، فحطوا الألف إلى الياء، وأدخلوا الألف واللام للتعريف، فاندغمت اللام في الذال، فأدخلوا بينهما لاماً متحركةً، وأدغم لام التعريف فيها لسكون لام التعريف.
504- وكذلك كتبوا ((لان)) لام ألف نون وحذفوا الهمزة والألف، لأن الألف واللام لا يفارق، وكان أصلها ((أوان)) فحذفوا الألف الثانية وحولوا الواو ألفاً لانفتاح ما قبلها، فصار أان مثل حان، ثم دخلت الألف واللام عليها وتركت منصوبةً، لأنها صفةٌ في اللفظ والمعنى.
505- وكتبوا اللحم واللوح بلامين, لأنك تقول: لحمٌ ولوحٌ, ثم تجيء بالألف واللام للتعريف, وكذا كل ما كان مثله إلا شيئاً من الاصطلاح المحدث, فإنهم كتبوا الهو والعب بلام واحدة تشبيهاً بالذي

(1/173)


وذلك غلطٌ, والفرق بينهما ما بيناه.
506- فإن جاؤوا بلام الخفض ولام التوكيد, فأدخلوا إحداهما على هذا المكتوب بلامين, كتب أيضاً بلامين, والقياس أيضاً ثلاث لامات, نحو قولك: للهو مستمعٌ لام للهو ولامٌ للتعريف ولام للخفض, فحذفوا لاجتماع اللامات.
واختلف النحويون في العلة التي حذفوا من أجلها: فقال الفراء: إنهم لو كتبوه على الأصل لاجتمعت لامٌ بعدها ألفٌ وبعد الألف لامٌ, فكانوا يجمعون بين ثلاثة أشكال إذ كانت الألف في صورة اللام.
وقال غيره من البصريين: لام الخفض بمنزلة ما ليس في الكلام, ألا ترى أن معنى جاءني غلام زيد, جاءني غلامٌ لزيد؛ وكذا لا أخاك, ولا أخا لك, فلما كانت هكذا صارت مع ما بعدها بمنزلة شيء واحد, فوجب حذف الألف, ومنهم من قال: كرهوا أن يشبه لا التي للنفي.
ومن البصريين من قال: لما جامعت اللام لاماً قبلها, وكان الغالب على الكلام أن لا يلتقي فيه حرفان مثلان في أول كلمة إلا قليلاً, مثل قولهم: ددٌ ودداً ودد للعب وببة اسم رجل؛ ويروى عن عمر رضي الله عنه أنه قال: حتى يكون الناس بباباً واحداً, أي: شيئاً واحداً, وهي كلمةٌ عجميةٌ, وكذا ببغاء= فلهذا حذفوا الألف من قولك: للرجل, لما علموا أن هناك محذوفاً, وقيل لكثرة الاستعمال, كما كتبوا بلحارث وبلهجيم وبلعنبر بحذف النون والياء من بني, والألف من الحارث, والهجيم والعنبر, وهذا من أحسن ما قيل فيه, وهو يشبه قول من قال:

(1/174)


إن اللام دخولها وخروجها سواءٌ. وأما قول الفراء, فغلط, لأنهم جمعوا بين ثلاثة أشكال في قولهم الابن والاسم.
507- ومما يحذف منه أيضاً الألف مع اللام قولك: للألواح, بحذف ألف الوصل التي مع لام التعريف.
508- ومما حذفوا الألف فيه مع اللام قولك: للرجل, ومن حسن ما قيل في هذا من العلة أن الألف واللام عند سيبويه بمنزلة قد, فهما كحرف واحد, فكرهوا أن يجعلوا بعضه متصلاً باللام التي قبلها, فيكون كأن الألف منفصلةٌ من لامها, وقد فعلوا أكبر من هذا كتبوا ليكة في المصحف في موضعين بحذف الهمزة والألف, حتى قرأ بعضهم: {كذب أصحاب ليكة المرسلين} والأولى عند النحويين بالخفض, والحذاق منهم يقولون: لا يجوز إلا {كذب أصحاب الأيكة المرسلين} كما قرأ أكثر القراء, فإن كانت الألف التي مع اللام أصلاً, ولم تدخل عليها ألفٌ ولامٌ لم يجز حذفها, نحو قولك: مررت بألواحك ولألواحك, فهذا ما جاء على أصله.
باب حذف الألف مع غير اللام
509- اصطلحوا قديماً على حذف الألف من إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وهارون وعثمان ومروان ونحوهن من الأسماء, وذكر في ذلك

(1/175)


عللٌ, منهن كثرة الاستعمال, وقيل: لما حذفوا منها التنوين اجترؤوا أيضاً على الحذف منها في الخط.
وقيل: لما كانت عجميةً, فنقلت إلى كلام العرب وغيرت اجترؤوا أيضاً على تغييرها في الخط.
وقيل: لما كانت حروف المد واللين يكثرن زوائد صرن كأنهن حركاتٌ ضعفن فحذفن ولم يلتبسن بغيرهن أيضاً.
وأقوى هذه العلل كثرة الاستعمال ألا ترى أنهم يحذفون من سليمان الألف وليس بأعجمي, ولا يحذفون من قارون وجارود وطالوت وجالوت, لأنه لم يكثر استعمالهم هذه الأسماء.
510- ولم يحذفوا من عباس وعامر شيئاً, وما جاء على أصله فلا ينبغي أن يسأل عنه, وقد قال بعض النحويين: لو حذفوا من عباس وعامر الألف أشكل بفعل, وقيل: لم يحذفوا من داود الألف لأنه قد حذفت منه واوٌ, وحذفوا الألف من صالح ومالك وخالد في التسمية, ولم يحذفوا في النعت, إذا قلت مررت برجل صالح؛ فقيل: للفرق, وقيل: لكثرة الاستعمال؛ وهذه علةٌ صحيحة. الدليل على ذلك: أنهم لا يحذفون من حاتم وحامد وسالم نعتاً, ولا غيره, وكذلك لا يحذفون من حارث إذا كان نعتاً, أو كان مسمىً بما ليس فيه ألفٌ ولامٌ, فإن سميته بالحارث حذفت الألف إذا كان علماً, وأثبتها في النعت.
511- وقد حذفوا الألف في النعت في قولك: الصالحت, ولم يحذفوا في المسلمات, لأنك إذا حذفت الألف من الصالحات

(1/176)


بقيت ألفٌ بعد الحاء, وليس هذا في المسلمات ولا المؤمنات, وتحذف الألف من القانتات والحافظات كما فعلت في الصالحات, وكذا الكافرات والخاسرات والشاكرات والفاسقات, وكذا السماوات تحذف الألف التي بعد الميم, ولم يحذفوا من العادات ولا الرادات والمارات والضالات والجادات لأنه مدغمٌ, والدال فيه مقام دالين, فقد حذفت منهما واحدةً, ومذكر هذا كمؤنثه, لئلا يختلف؛ ولا من الرامين ولا القاضين ولا الماضين؛ لأنه معتلٌ قد حذفت منه ياءٌ, ولا من مؤنثه, أتبعوا المذكر المؤنث.
ومن الاصطلاح القديم
512- كتبهم بلالاً وهلالاً بغير ألف, وكتبوا شيطاناً بألف, وكذلك دهقان وعمران, فأما عثمان وسفيان ومروان, فلك فيه الوجهان, وكتبوا الملائكة بغير ألف, وكذا السلام ويارسول الله.
513- ولو كتبت هذا كله على أصله لجاز, ولكنا ذكرنا اصطلاح الكتاب ووجه جواز ما اصطلحوا عليه؛ وبالله التوفيق.

(1/177)


باب حذف الواو
514- حذفوها من طاوس تخفيفاً, وكذا جاؤا وشاؤا, وكذا تلون؛ وجرى القياس في هذا على ما كان قبل الواو فيه ضمةٌ, وربما أجروه على الأصل, فكتبوه بواوين, ولم يستعملوا غير ذلك, نحو مؤونة كتبوها بواوين, كان القياس أن تكون بواحدة لأنها تشبه ما اصطلحوا عليه, وكتبوا يستون بواو واحدة في المصحف, وكذا {فاؤا إلى الكهف} وكتبوا يستهزؤن بواو واحدة, وكذا الصابؤن, حتى قرأ بعضهم {والصابون} وكتبوا يقرؤن ويهزؤن بواو واحدة, فإذا قالوا: صؤولٌ وقؤولٌ كتبوه بواوين, فإذا انفتحت الواو الأولى كتبوه بواوين نحو: اكتووا واستووا, فأما مدعوون, ومقروون, فبواوين, لأنه معتلٌ لئلا يشكل.

(1/178)


باب حذف الياء
515- اصطلحوا قديماً على حذف الياء من: لا أدر, وكان يجب أن تكتب بالياء, لأنه غير مجزوم, وهي لفظةٌ عربيةٌ معروفةٌ, واصطلحوا أيضاً على حذف ياء النفس في التسجيع, نحو قولهم: كلمن وقاتلن, وهذا جائزٌ صحيحٌ في التسجيع, والنحويون يسمونه الفواصل, ومثله: {فيقول ربي أكرمن} كما قال الأعشى:
فهل يمنعني ارتيادي البلاد ... من حدث الموت أن يأتين
ومثل هذا جائزٌ في الكلام, وسمعت أبا إسحاق يقول في قول الشاعر:
وقبيلٌ من لكيز شاهدٌ ... رهط مرجوم ورهط ابن المعل
هذا قبيحٌ, لأنه حذف الألف وحذف الفتحة, فلا يجوز هذا في الكلام.
516- وكذا يحذفون الياء إذا سجعوا, في مثل قوله عز وجل:

(1/179)


{المتعال} وكذا في الفواصل, وربما استعملوا هذا في غير تسجيع ولا فاصلة, فيقولون: هشام بن الغاز وعمرو بن العاص.
517- وسمعت علي بن سليمان يقول: سمعت محمد بن يزيد يقول: لا يجوز إلا عمرو بن العاصي, بالياء, لأن الياء إنما تحذف لسكونها وسكون التنوين, فلما دخلت الألف واللام زال التنوين, فلم يجز إلا إثبات الياء.
518- ثم رأيت علي بن سليمان قد خالفه, فقال: الأجود إثبات الياء وحذفها جائزٌ, والعلة في جواز حذفها أنها كانت محذوفةً من قبل دخول الألف واللام, وسبيل الألف واللام إن دخلتا في غير هذا أن لا يغير الاسم عما كان عليه, وأجري هذا مجرى ذلك, فتقول: العاص والمتعال.
والذي قاله علي بن سليمان حسنٌ, وفي المصحف منه غير حرف, منه {المناد} وغيره.
519- واصطلحوا على حذف الياء من المنادى المضاف في بعض المواضع, وذلك جائزٌ حسنٌ, لأن الكسرة تدل عليها, والنداء موضع حذف, فإذا جئت بالتنوين حذفت, نحو قولك: هذا قاض, ومررت بغاز, وغلامك صاف قادمٌ؛ لا فرق بين الاسم العلم والنكرة, لأن العلة فيهما واحدةٌ, وذلك أن الأصل صافيٌ, استثقلوا الحركة في الياء, فسكنت, والتنوين ساكنٌ, ولا يجمع بين ساكنين, فحذفت الياء

(1/180)


لسكونها وسكون التنوين بعدها, وفي كتاب الله جل وعز {فاقض ما أنت قاض} .
520- ورأيت علي بن سليمان يجيب بعض الكتاب: أنه لا يجوز إلا حذف الياء في موضع الخفض والرفع, فقلت له: ما الذي يمنع من إثبات الياء على القياس, لأنها قد تحذف لسكونها وسكون التنوين بعدها, والتنوين لا يكون في الوقف, والقياس إثبات الياء إذا زال التنوين؟ فقال: ما يمتنع هذا, ولكني لا أجيب به إذا اختصم اثنان, لأني لا أفصل بينهما إلا بذكر أجود الوجهين؛ وكان هذا مذهبه.
521- ومثل هذا مما يحذف منه الياء في الخط: جاءني جوار, ومررت بجوار, فإن كان هذا في موضع النصب, قلت: رأيت قاضياً, حركت الياء في موضع النصب لخفته, ورأيت جواري بغير ألف, لأنه لا ينصرف؛ ويجوز: مررت بجواري, بالياء, تجري المخفوض مجرى المنصوب وتشبهه بغير المعتل, وأنشد سيبويه:
فلو كان عبد الله مولىً هجوته ... ولكن عبد الله مولى مواليا
فإن جئت بالألف واللام أثبت الياء, فقلت: جاءني الجواري.

(1/181)


باب حذف النون من الخط وما يتصل به من باب لا وما غيرهما
522- كتبوا: ((لم يك)) بحذف النون وإثباتها, وجاء بهما القرآن, هذا إذا لم يكن بعدها ساكنٌ, فإن كان بعدها ساكنٌ لم يجز إلا إثبات النون عند أكثر النحويين, نحو قولك: لم يكن ابنك جالساً, ولا يكن الذاهب عمروٌ, وإنما لم يجز حذفها إذا لقيها ساكنٌ؛ لأن التحريك أولى بها, لأنها ليست من حروف المد واللين, فلما تحركت ثبتت, إلا أن قطرباً حكى حذفها, وحكى سيبويه حذف النون من لكن في الشعر, كما قال:
ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل
523- وكتبوا ((ألا)) متصلاً, وقد كتب في المصاحف متصلاً في مواضع ومنفصلاً في أخرى, واختلف النحويون في علة الحذف, وهو الذي يستعمله الكتاب.
ورأيت علي بن سليمان لا يجيز إلا الانفصال, لأنها ((أن)) دخلت عليها ((لا)) .

(1/182)


ومن النحويين من يقول: إن أدغمتها بغنة أثبت النون, وإن لم تأت بالغنة حذفتها.
ومنهم من يقول: إن رفعت ما بعدها كتبتها مفصولةً لا غير, نحو قوله جل وعز: {أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولاً} , لأن التقدير أنه لا يرجع, وقيل: التقدير أن ليس يرجع؛ وإن نصبت ما بعد ((لا)) كتبتها متصلةً, نحو: {حقيقٌ على أن لا أقول على الله إلا الحق} .
524- وكتبوا ((لئلا)) بحذف النون وإثبات الياء اصطلاحاً قديماً, وكان القياس كتبها بالألف, لأنها همزةٌ مبتدأٌ بها في الأصل, وهي ((أن)) , فالنون فيها أيضاً من الأصل.
525- وكتبوا: لئن قمت لأقومن, بالياء, وكان القياس كتبها بالألف لأنها همزةٌ مبتدأٌ بها في الأصل, وقد قيل: فرقوا بينها وبين ((لأن)) , وقيل: فعل هذا اتباعاً للمصحف.
526- وكتبوا ((هلا)) موصولاً, و ((بل لا)) مفصولاً, والفرق بينهما أن ((لا)) إذا دخلت على ((هل)) تغير معناها, وصار المعنى التحضيض, وإذا دخلت ((لا)) على ((بل)) فمعنى ((بل)) موجودٌ, وإن كان ((لا)) قد أفادت معنى الإباء, كما تقول: جئت كي تكرمني, وجئت كي لا تلومني؛ فـ ((لا)) ها هنا مفصولةٌ؛ فإن قلت: ((كيما)) فهي موصولةٌ؛ لأن ((ما)) زائدةٌ للتوكيد.
527- وحكى بعض أهل اللغة أنه يكتب ((عما)) إذا كانت بمعنى

(1/183)


((ما)) صلةً أو غير صلة موصولةً للادغام, وحكى: سله عما صار إليه, موصولاً. وهذا خطأٌ, لو وجب أن يكون الادغام علةً للوصل لكتبت الشمس بغير لام, وهذا ما يتفاحش ويخرج من الغاية.
528- والصواب أن يقال فيه: كان يجب أن تكون ((ما)) مفصولةً في كل موضع, لأنها على حرفين تنفصل مما قبلها, ولكنهم شبهوها إذا كانت صلةً أو كافةً بما لا ينفصل من المضمر.
529- ومن النحويين من يقول: أرادوا الفرق بين ((ما)) إذا لم تكن اسماً, وإذا كانت اسماً فتكتب: ((بينما زيدٌ قائمٌ أقبل عمرو)) , موصولةً, لأنها ليست اسماً, وتكتب: ((بين ما قلت وقال زيدٌ بونٌ بعيدٌ)) , مفصولةً, لأنها بمعنى الذي.
530- وكذا: ((عجبت من ما صنعت, وأعرضت عن ما قلت)) , وكذا: ((أين ما كنت تعد)) , وكذا: ((إن ما عندك يعجبني)) , و ((أي ما عندك أفضل)) , و ((أي ما تراه أوفق)) , و ((رغبت في ما عندك)) , وكذا ((اجعل هذا مع ما عندك)) أي: مع الذي عندك, وكذا ((عن ما سألت)) , و ((من من طلبت)) مفصولاً لأن ((ما)) اسمٌ, وكذا: ((سل عن من أحببت)) , و ((أنا أرغب في من رغبت)) .
وإذا لم يكن اسماً فهي موصولةٌ في أكثر المواضع, قال الله جل وعز: {عما قليل ليصبحن نادمين} , وكذا ((أيما الرجلين لقيت)) , وكذا: {إنما إلهكم الله} , وقال الشاعر:

(1/184)


وقال العذارى أنما أنت عمنا ... وكان الشباب كالخليط نزايله
و ((كأنما زيدٌ أميرٌ)) متصلٌ, وقال الله عز وجل: {كأنما يصعد في السماء} و ((ربما زرتنا)) , قال الله: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} ، و ((أينما تمض أمض)) ، قال الله جل وعز: {أينما تكونوا يدرككم الموت} ، و ((مهما تصنع أصنع)) ، قال الله جل ثناؤه: {وقالوا ومهما تأتنا به من آية} ، وكذا ((كلما جئتني أكرمتك)) ، قال الله جل وعز: {كلموا أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله} .
فإن قلت: ((كل ما يسرني يسرك)) فصلت، لأن معنى ((ما)) بمعنى ((الذي)) . وإنما تكتب ((كلما)) متصلة إذا كانت بمعنى ((إذا)) . فإن قلت: ((إنَّ ما عندك يسرني)) فصلت، لأن ((ما)) اسم.
وتقول: ((نعم ما فعلت)) ، و ((بئس ما فعلت)) جاز الاتصال والانفصال، فمن وصلها جعلها بمنزلة ((حبذا)) ، ومن فصل قال: المعنى: بئس الشيء. وقال الكسائي والفراء: إذا جاوزت نعم وبئس فصلت لا غير، نحو: لحسن ما فعلت، ولسرع ما جئت.
531- وأما ((كيما)) فموصولةٌ، وحكى الكوفيون معناها: ((كما)) وسيبويه يمنع من ذلك، وحكى ما بعد ((كما)) من الفعل

(1/185)


المستقبل مرفوعاً.
و ((كيلا)) موصولةٌ.
وتقول: ((إنما تكلمني أكلمك)) فتصلها، لأنها ليست باسم، وهذا من الاصطلاح القديم.
532- فأما على حقيقة النظر، فالقول ما قال علي بن سليمان في الفصل يدلك على ذلك أنك لو قلت: قام ما عمرو، وكان ما زيدٌ قائماً، لم يجز أن تكتب إلا مفصولاً، وإن كانت ((ما)) ليست اسماً. فإن قلت: كان ما زيداً أخوك، لم تكتب إلا مفصولاً، وإن كانت ليست اسماً. وقيل: أرادوا ها هنا الفرق بين ((ما)) الفاصلة وغير الفاصلة، ويكتبون: رب ما رجل صالح قد رأيت، وربت ما دار كبيرة قد ملكتها، وبالفصل، و ((ما)) ليست باسم.
فإن جعلت ((ما)) استفهاماً ومعها حرف خفض حذفت الألف فرقاً بين الاستفهام والخبر، فتقول في الخبر: ((سل عن ما أردت)) ، و ((تكلم في ما أحببت)) ، وتقول في الاستفهام: ((إلام تكدح)) ، و ((عم تسأل)) ، و ((فيم جئت)) ، و ((بم تقاتل)) و ((علام أنت ها هنا)) .
فإن وقفت وقفت بالهاء لا غير، وكذا يجب أن يكون في الخط بالهاء، لأن الخط مبني على الوقوف، تقول: لمه، وإلامه؛ وإنما هذا في حروف الجر خاصة، أعني الوصل، فأما ما كان لا يخفض بالإضافة فمفصولٌ، تقول: ((صاحب مه؟)) ، فإن وصلت قلت: ((صاحب م أنت؟)) والكتاب بالهاء في هذا كله أوكد، وكذا: ((م أنت)) ، مثل:

(1/186)


((من أنت)) .
وحكى الكوفيون أن مثلاً ينصب في كل موضع فيصير كحروف الخفض فيكتب على الاتصال نحو: ((مثلم أنت)) . فإن قلت: ((خلف م رأيتك)) فصلت بإجماع، وكتبت بالهاء لا غير.
ومن الاصطلاح القديم
533- ((سل عم شئت)) ، و ((خذه بم شئت)) ، و ((مم [و] فيم شئت)) بحذف الألف مع ((شئت)) وحده لا غير، وإن كانت ((ما)) بمعنى ((الذي)) ، فإن جئت بغير ((شئت)) أثبت الألف، فقلت: ((تكلم بما أحببت)) و ((قل في ما بدا لك)) .
534- وكتبوا ((يومئذ)) و ((حينئذ)) و ((ليتئذ)) موصولةً، وكذا ((ويلمه)) إذا لم تهمز.
535- وأما كتبهم مما وعما وفيما موصولةً في كل موضع فغلطٌ لم يجر على الأصل ولا اصطلاح قديم، وكذلك ((إن ما عندك يعجبني)) مفصولٌ لا غير، واحتجاج من احتج بأن حروف الجر مع الاسم شيءٌ واحدٌ غلطٌ، لأنهم قد أجمعوا على أن كتبوا: ((كن في من رغبت إليه)) مفصولاً، واحتجاج من احتج بخط المصحف لا معنى له، فقد كتب في المصحف: {إن ما توعدون لأت} مفصولاً على ما يجب، لأن ((ما)) بمعنى ((الذي)) .

(1/187)


باب حذف الهمز
536- اصطلحوا قديماً على حذف الهمز، إذا قالوا: ((مر فلاناً بكذا)) ولو جاء على الأصل لقيل: اؤمر مثل أوجر فلاناً، وكذا سل فلاناً، ولو جاء على الأصل لقيل: اسأل، فإن كان قبله واو أو فاء جاؤوا به على الأصل، فقالوا: وامض إلى فلان فاسأله عن كذا، وأمره بما تريد، ولو جاؤوا بأحدهما في موضع صاحبه لجاز. فأما: خذ وكل فلا يستعملان إلا بالحذف.
537- وكتبوا: ائذن لفلان على ما يجب, فإن جاؤوا بالواو والفاء حذفوا, فقالوا: ادخل وأذن لفلان لا غير, فإن جاؤوا بثم أثبتوا, فقالوا: ادخل ثم ائذن لفلان؛ والفرق بين الواو والفاء وثم أن ثم يوقف عليها.
538- ونظير الحذف والإثبات قولهم: امرؤٌ وامرأةٌ, فإذا جاؤوا بالألف واللام, قالوا: المرء والمرأة, والقياس الامرؤ والامرأة؛ وذلك جائزٌ.
539- واختلف النحويون في حذف الهمزة للاستفهام من الخط مع الألف واللام, ومع ألف القطع, وكان الكسائي والفراء يحذفانها في الخط؛ تقول: أالرجل قال ذاك, {ءالذكرين حرام أم الانثيين} ؛ وكذا أأبو محمد قال ذاك؟ أأخوك جالسٌ؟ وعلتهما الكراهة للجمع بين صورتين. فزعم الكسائي أن الساقط منهما ألف

(1/188)


الاستفهام لأنها دخيلٌ, ورد هذا عليه الفراء, قال: لأن ألف الاستفهام دخلت لأنها دخيلٌ لمعنىً, فإذا أسقطها سقط المعنى, فتركت الثانية, وكذا إن كانت ثلاث ألفات لم يجز أن تكتب إلا بألف واحدة, نحو قولك: سواءٌ علي أآمنت أو لم تؤمن, تكتب بألف واحدة عند الكسائي والفراء, وشبهاه بقولك: أخذت عطآ, وسمعت ندآ بألف واحدة, وكان سبيله أن يكون بثلاث ألفات. وقال البصريون: لا يجوز أن يكتب هذا إلا بألفين.
قال أبو جعفر: وسمعت علي بن سليمان يقول: لا يجيز البصريون أن يكتب هذا إلا بألفين, تقول: اشتريت رداءً, كما أنه لا يجوز في قولك: رأيت زيداً, أن تحذف منه الألف.
540- قال أبو جعفر: ورأيت بخط أبي إسحاق مما كتب به إلي مثل هذا بألف واحدة.
541- فإن أدخلت على ألف الوصل ألف الاستفهام, لم يجز عند الجميع أن تكتب إلا بألف واحدة, إلا أن الأخرى تسقط في اللفظ, تقول: آبنك قال كذا؟ آسمك زيدٌ؟، ووقع في كتاب أحمد بن جعفر في هذا غلطٌ قبيحٌ، قال: أابنك قال ذاك؟ أاسمك زيدٌ؟ قال: هذا بألفين. وهذا الذي قاله لا يجوز عند أحد علمته، قال الله عز وجل: {أصطفى البنات على البنين} ولا يجوز: أاصطفى، وكذا {أطلع الغيب} .
وعلة الكوفيين في كتبهم: ((أخذت عطاءك)) بألف واحدة، أنهم

(1/189)


كرهوا أن يجمعوا بين صورتين= غلطٌ، لأنهم يكتبون مؤونةً بواوين، وكذا صؤولٌ وقؤولٌ، فكما جاز الجمع بين واوين جاز الجمع بين ألفين، وكذا سواءٌ علي أآمنت أو لم تؤمن، بألفين عندهم لا غير، والأصل ثلاث ألفات، فأسقطوا واحدةً تخفيفاً، وكذا: بنيت بناءً، وابتعت كساءً، وكذا براآتٌ بألفين لا غير، والأصل ثلاث ألفات.
542- قال محمد بن يزيد: تكتب في غير النصب والتنوين بألف واحدة، يعني: أنك تكتب مررت بردآ، بألف واحدة، وكذا برآه، لأنهما ألفان، فتحذف إحداهما، وكذا: رأيت حمرآ وصفرآ وبيضآ؛ وقد قرأ حمزة {بما لا يسمع إلا دعآ وندآ} ممدودٌ بغير همز إذا وقف عليه، فعلى هذه اللغة يكتب بألف واحدة، غير أنها لغةٌ شاذةٌ لا ينبغي أن يقرأ بها، ومن يقرأ قراءة حمزة فالاختيار له أن يصله ولا يقف عليه.
543- ومن العرب من يقول: شربت ماياً يا هذا، فيبدل من الهمزة ياءً، فإن أضفت ألحقت في موضع الرفع واواً، وفي موضع الخفض ياءً، ولا اختلاف في ذلك؛ فقلت: هذا عطاؤك، ومررت بردائك؛ وتقول في النصب: رأيت عطاءك، بألفين عند البصريين، وواحدة عند الكسائي والفراء، فإن قلت: هذان رداآن وعطاآن، كتبته بألفين لا غير عند البصريين، وقد حكى سيبويه: رداوان، فإن قلت حمراوان لم يجز غير هذا عند البصريين، فرقاً بين المذكر والمؤنث، فإن أدخلت ألف

(1/190)


الاستفهام على همزة مضمومة أو مكسورة، فالاصطلاح أن تكتب المضمومة واواً، والمكسورة ياءً، نحو: ((أؤنبيك أيذا)) ، والقياس أن تكتب بألفين، وهو الصواب، لأنها ألفٌ مبتدأةٌ دخلت عليها ألف الاستفهام، فإن فرقوا بين ألف الاستفهام وبين الهمزة كتبت بألفين لا غير، وإن كانت مكسورةً أو مضمومةً، نحو: ((أإذا)) ؛ فإن أدخلت ألف الاستفهام على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وأيوب كتبت بألف واحدة عند الكسائي والفراء، وكان القياس على قولهما إذا قلت: ((أإبراهيم قال ذاك؟)) أن تكتب بعد الهمزة الأولى ياءً، كما فعلت في ((أيذا)) إلا أنهم فرقوا بينهما، فقالوا: الحذف في الأسماء الأعلام أحسن، لأنهم يحذفون منها في التصغير, قالوا: بريه, وهي أيضاً لا تنصرف, فأما قول البصريين فسليمٌ من التعقيد والتخليط, صحيحٌ في المعقول يكتبون أإبراهيم قال ذاك؟ بألفين, وكذلك أإذا لأنهما واحدٌ في أنهما مبتدأٌ بهما, ثم دخلت عليهما ألف الاستفهام.
باب مختصر ما تكتب عليه الهمزة
544- نملي هذا الباب عن أبي الحسن بن كيسان على نص كلامه, إذ كان قد جوده وأتقنه؛ قال أبو الحسن بن كيسان: الهمزة حرفٌ من الحلق مثل العين, إلا أنها أبعد منها مخرجاً, ولا صورة لها في الخط, إلا أن تستعار لها صورة الياء والواو والألف, لأنها تخفف وتبدل منهن,

(1/191)


فكتبت بصورتهن, وربما لم يثبتوا لها في الخط صورةً, وأنا مبينٌ لك ذلك بقول مجتمعٌ عليه.
545- اعلم أنهم اجتمعوا على أن يكتبوها في أول الكلمة ألفاً, وكل ألف في أول الكلمة همزةٌ, والألف نفسها لا يبتدأ بها, وذلك قولك: أبٌ وأخٌ وأمٌ وإبلٌ وأكلٌ.
وإن دخلت عليها ألف الاستفهام كتبت ألف الاستفهام وحذفت هي من الخط, فتقول: آبوك خرج, آمك, آخوك؛ يكتب هذا كله بألف واحدة, كذا جرى عليه الكتاب, ومنهم من يستوثق فيكتب بألفين, ومنهم من يكتب المضمومة بعد ألف الاستفهام واواً في يعض المصاحف, نحو {أؤلقي} ويكتب المكسورة بعد ألف الاستفهام ياءً, وأكثر المصاحف {أءذا} : ((أي ذالٌ)) . وإن كانت الألف تسقط في الأصل ودخلت عليها ألف الاستفهام سقطت البتة.
546- وإذا كانت الهمزة طرفاً في آخر الكلمة يوقف عليه كما يبتدأ بالتي في أول الكلمة, فاكتبها على حركة ما قبلها, فاكتبها بعد الضمة واواً, نحو قولك: جرؤ الرجل, والتهيؤ يا فتى؛ وتكتبها بعد الكسرة ياءً, نحو قولك: هو قارئٌ يا فتى, ومخطئٌ يا فتى, وتكتبها بعد الفتحة ألفاً, نحو قولك: أخطأ الرجل وهو الخطأ. فإن كان ما قبلها

(1/192)


ساكناً لم تكتب لها في الخط صورةٌ, وذلك قولك: المرء, وخبء, والهزء, والجزء, والعبء, والدفء, والملء؛ فهذا المختار.
547- ومنهم من يكتب الهمزة التي قبلها حرفٌ ساكنٌ على حركة ما قبلها بالكسر والضم, ولا يكتبها على الفتح؛ فيكتب الخبء والمرء على ما ذكرنا, ويكتب الجزؤ والهزؤ, بالواو, والدفئ والعبئ بالياء.
548- ومنهم من يكتبها بعد الضم والكسر على حركتها, ولا يلتفت إلى ما قبلها, فيكتب: هذا عبؤٌ, بالواو وجئته بالجزئ, بالياء؛ فإذا نصبوا هذه الحروف ونونوها كتبوها بألف تكون بدلاً من التنوين, ولم يثبتوا للهمز صورةً, نحو: أعطيته جزءاً, وخبأته خبئاً, وحملته عبئاً؛ لا اختلاف في ذلك.
549- قال أبو جعفر: في هذا غلط البصريون, يكتبون هذا بألفين, وكذا ذكر محمد بن يزيد, لأن الهمزة متوسطةٌ, فصورتها ألفٌ لأنها مفتوحةٌ, وبعدها ألفٌ عوضاً من التنوين, فإن لم ينون حمل على ما قدمنا.
فإن اتصل بالهمزة التي تكون طرفاً حروف المكني، نحو قولك: هو يقرؤه، ويخطئه، وقرأه، وهذا قارئهم، وعجبت من التهيؤ لذلك الأمر= اختلفوا في كتابتها: فمنهم من يجعل حكمها حكم الهمزة المتوسطة، ومنهم من يقر الياء والواو على حالها ويختلف في الألف، ومنهم من يقرها، ومنهم من يجعلها واواً إذا انضمت الهمزة فيقول: هو يقرؤه،

(1/193)


فيكتبها بواو واحدة. ومنهم من يكتبها ألفاً على هيئتها في ((يقرأ)) قبل أن تلحقها الهاء. ومنهم من يزيد على الألف واواً، فيجعل مكان الهمزة حرفين: الألف التي كانت في يقرأ والواو التي زادها لزوم الضمة لها؛ وكذلك يفعل في قوله: هذا خطؤه، يكتب بألف واحدة وواو واحدة، وبألف وواو؛ وكذلك الخفض: عجبت من خطئه، بياء واحدة وبألف واحدة، وبألف وياء معاً؛ وأجود ذلك أن تكتب بالواو وحدها في الرفع، وبالياء وحدها في الخفض، ويقر الألف في النصب. هذا ما في الهمزة إذا كانت طرفاً
550- وأما الهمزة المتوسطة، فإن سكنت كتبت على ما قبلها؛ تكتب بعد الضمة واواً، نحو قولك: جؤية، ويؤمنون، وجرؤت يا رجل، وتكتب بعد الفتحة ألفاً، نحو قولك: رأسٌ، فأسٌ، وقرأت، وتكتب بعد الكسرة ياءً، نحو: بئر، وذئب، ولم يخطئه.
وكذلك إذا انفتحت كتبت على ما قبلها أيضاً، تكتب بعد الضمة واواً، نحو: الجؤن، وبعد الكسرة ياءً، نحو: المئر؛ وبعد الفتحة ألفاً، نحو: سأل؛ وإذا انضمت كتبت واواً لقوة الضمة، وإذا انكسرت كتبت ياءً، فالواو قولك: لؤم الرجل، والياء قولك: بئس الرجل.
فإن سكن ما قبلها ففيها ثلاثة أوجه، أجودها أن يكتبها على

(1/194)


حركتها، نحو قولك: أسؤلٌ جمع سؤل، وأذؤبٌ وأدؤرٌ، وهذا أسأل منك، تكتبها بالألف لفتحتها، والأفئدة تكتبها بالياء لكسرتها، ومنهم من [لا] يكتب لها صورةً في هذه المواضيع، فيكتب: هو أسل منه أس ل وأ ذ بٌ وأفدةٌ أف د ة. ومنهم من يكتبها ألفاً في كل حالها بجعلها بمنزلة الهمزة المبتدأة، فهي ثلاثة أوجه، الأول أجودها.
وإن كانت الهمزة مكسورةً وبعدها ياءٌ أو واوٌ مضمومةٌ وبعدها واوٌ= كتبت الواو أو الياء ولم تكتب الهمزة، نحو: ريس ومونة، ومنهم من يكتبها بواوين ويائين.
وإن كانت بعد ياء ساكنة أو واو ساكنة أثبتت الواو والياء ولم تثبت هي نحو شنوة وبطية ومشنو وبطي.
وإن جاءت بعد ألف، ولم تكن طرفاً كتبت الهمزة المضمومة بعد الألف واواً، نحو: هذا كساؤك؛ والمكسورة تكتب بعد الألف ياءً، نحو: جئت بكسائه؛ ولا تكتب المفتوحة بعد الألف ألفاً، تقول: رأيت كسآه، فيكتب بألف واحدة.
فإذا كانت قبل الألف وقبلها ضمةٌ كتبت واواً نحو السؤال، وإن كانت مكسورةً كتبت ياءً، نحو: جيآ البرمة، وهو غشاؤها.
فإن كانت قبلها فتحةٌ لم تكتب لها صورةٌ, نحو: شآه ورآه, كما لم

(1/195)


تكتب لها بعد الألف صورةٌ.
وإن انضمت أو انكسرت وانضم ما قبلها وبعدها ياءٌ أو واوٌ, لم تكتب لها صورةٌ, نحو قولك: مخطون ويستهزون وفمالون, هذا المستعمل؛ فإن خففت كتبت على حركتها, وهو الوجه الثاني في الاختيار, وأجاز الكسائي أن يكتبها على حركة ما قبلها.
باب ما في الشكل
551- أصل الشكل الضبط, ومنه شكلت الدابة, وحكى ابن كيسان, عن محمد بن يزيد, قال: الشكل الذي في الكتب من عمل الخليل, قال: وهو مأخوذٌ من صور الحروف, فالضمة واوٌ صغيرة الصورة في أعلى الحرف لئلا تلتبس بالواو المكتوبة, والكسرة ياءٌ تحت الحرف, والفتحة ألفٌ مبطوحةٌ فوق الحرف.
552- وحكى علي بن سليمان, عن محمد بن يزيد: وإن كان الحرف منوناً أتبعت كل شيء فما ذكرنا خطاً.
553- وحكى عنه ابن كيسان بصورة النون إلا أنه لطفه.
554- قال: وجعل للحرف الساكن صورة الحاء.
555- وحكى عنه علي بن سليمان, قال: لأنك تريد أول خفيف, ولا يجوز على هذا أن تجعل هاءً,؛ إلا أن ابن كيسان, قال: استعمل

(1/196)


الناس بعده الهاء, لأن الهاء حرفٌ مهموسٌ يلزم موضعه, فهو مشبهٌ للوقفة على الحرف.
556- وجعل التشديد صورة الشين.
557- وحكى أبو إسحاق, عن محمد بن يزيد: إن كان مهموزاً أثبت الهمزة كالعين, لقرب مخرجها.
558- وحكى عنه: إن أردت أن تقف بالإشمام أثبت أمامه نقطةً, وإن أردت الروم أثبت راء مكان الواو التي تقع للمضموم.
559- قال: والإشمام ما ضممت به شفتيك ولم تسمع معه صوتاً, وروم الحركة ما سمعت له مع ضمك لشفتيك صوتاً, كما يستعمل القراء في المرفوع.
560- قال: وسمعت أحمد بن يحيى, وقد غلط في هذا, فجعل الروم إشماماً والإشمام روماً, ولا يتهيأ الإشمام في المخفوض ولا المنصوب. والروم في المرفوع حسنٌ لا يكاد يستعمل في المخفوض ولا المنصوب.
باب الاصطلاح المحدث الذي استعماله خطأٌ
561- من ذلك أنهم كتبوا: لن ((نرجوا)) فلاناً, بألف بعد

(1/197)


الواو, وهذا خطأٌ, لأن الألف إنما تثبت في الجمع للفرق بينه وبين الواحد, وللفرق بين الواو الأصلية والواو الزائدة للجمع.
562- فإن قلت: فلانٌ يرجو فلاناً, فهو أيضاً بغير ألف عند البصريين؛ إلا أن الفراء أجاز أن تكتب فيه ألفٌ في موضع الرفع, لأنها واوٌ ساكنةٌ, فجعل لها –زعم- صلةً إذا سكنت, فيلزم على هذا أن تكتب ((لو)) بألف, لأنها واوٌ ساكنةٌ.
563- وكتب بعضهم: جاءني ((مسلموا)) القرية بألف, وهذا لا معنى له ولا وجه؛ وكذلك: جاءني مكاتبوا زيد.
564- واصطلحوا على أن كتبوا ((إحديهما)) بالياء, وهذا خطأٌ فاحشٌ, لأنه مثل قولك: حبلاه وحبلاك.
وكتبوا: ((وحيوتك)) بالواو, وذا لا معنى له.
وكتبوا: ((يا ؤخي)) بالواو, وهذا خطأٌ, لأن الهمزة مبتدأه, فلا يكتب إلا ألفاً, غير أنها تضم, ولا ينكر الشكل في مثل هذا, للفرق بينه وبين يا أخي.
وكتبوا: ((ثلاث سجلات)) بغير هاء, وهذا خطأٌ, والصواب ثلاثةٌ, لأن سجلاً مذكرٌ, فهو مثل قولك ثلاثة أيام وثلاثة حمامات.
565- وكتبوا: ((رحمت)) بالتاء, وإنما تؤنث الأسماء بالهاء.

(1/198)


566- واصطلحوا اصطلاحاً محدثاً على أن كتبوا ((عي حديث فلان)) بالياء, وهذا خطأٌ, لأنه أمرٌ.
567- وقد ذكرنا كتبهم ((عما)) و ((فيما)) و ((مما)) و ((معما)) موصولات.
568- واصطلحوا اصطلاحاً محدثاً على أن فرقوا بين المضاف والمضاف إليه, في قولهم: دفعت إليه كذا وكذا, وحصل منه كذا وكذا, ((حساب في كل شهر عشرون)) .
قال أبو جعفر: وهذا خطأٌ إنما يأتي مثله في الشعر, كما قال:
كأن أصوات من إيغالهن بنا ... أواخر الميس أصوات الفراريج
وفي هذه المسألة وجوهٌ.
قال أبو جعفر: رأيت علي بن سليمان يختار منها وجهين؛ أحدهما أن يقال: حساباً في كل شهر عشرون, وإن شئت: عشرين, ويجوز أن ترده على ما قبله فتقول: إذا كان قبله حصل أو ما أشبهه قلت: عشرون, على إضمار فعل مثل الأول, ويجوز النصب على هذا أيضاً. والوجه الخامس: الرفع بالابتداء, والاختيار عندي ما قاله أبو الحسن: أن يكون متعلقاً بحساب, ويكون الكلام متصلاً.

(1/199)


569- واستعملوا: نشجت في معنى تغنت, ولا يعرف نشجت في معنى تغنت.
570- واستعملوا ((احتشم)) بمعنى ((استحيا)) , ولا يعرف ((احتشم)) إلا بمعنى ((غضب)) .
571- واستعملوا ((يفعل ذلك)) بغير لام الأمر, وهذا الخطأ القبيح الذي ينقلب معه المعنى فيصير خبراً والمراد الأمر, وإن جزم أيضاً فخطأٌ, لأن الأمر للغائب لا يكون بغير لام إلا في شذوذ واضطرار, على أنه قد حكى لنا علي بن سليمان أنه لا يجوز عنده ولا عند أصحابه حذف اللام من الأمر للغائب, لأن الحروف لا تضمر, ولا سيما وعوامل الأفعال أضعف من عوامل الأسماء, وإن ما أنشد فيه من الشعر ليس بحجة, لأنه لا يعرف قائله.
ومن الاصطلاح المحدث
572- كتبهم: ((أطال الله بقاء سيدنا)) , فسمعت علي بن سليمان يقول: ما أدري مم أخذوا هذا! زعموا أنه أجل الدعاء, ونحن ندعو رب العالمين جل وعز على غير هذا, ومع هذا, ففيه انقلاب المعنى.

(1/200)


573- وسمعت علي بن سليمان يقول –ولم أر أحداً من النحويين أعرف بحقيقة هذه الأشياء منه, لأنه من أهل بيت الكتبة؛ يتعجب من قول بعض الكتاب الذين ينتحلون العلم, وقد فرق بين ((فرأيك)) , وبين ((فإن رأيت)) , فجعل ((فرأيك)) لا يكتب إلى جليل, لأنه أمرٌ-: ما أعجب هذا! أتراه لا يعلم أن الإنسان يخاطب الرجل الجليل فيقول: انظر في أمري؛ فيكون لفظه لفظ الأمر, ومعناه السؤال والطلب.
ومن الاصطلاح المحدث
574- كتبهم: ((أطال الله بقاءك)) وجعلهم إياه أجل الدعاء, وقد حكى إسماعيل بن إسحاق أنه دعاءٌ محدثٌ, واستدل على هذا بأن الكتب المتقدمة كلها لا يوجد فيها هذا الدعاء, غير أنه قد ذكر أن أول من أحدثه الزنادقة.
575- وجعلوا ((أعزك الله)) , أجل من ((أكرمك الله)) وهو من الاصطلاح المحدث, وقد حكي عن الشافعي أنه عوتب على أن قال لنصراني: أعزك الله! فقال: أخذته من عز الشيء, إذا قل.
576- ومع هذا فأنا أذكر هذه الأدعية التي قد اصطلحوا عليها, ونذكر ترتيبها على ما تعارفوا عليه, ونذكر ما يحضرنا من حجة, إن كانت لهم أو عليهم, ليكون الكتاب كامل المنفعة.

(1/201)


ونذكر هذا في المرتبة الرابعة تالياً للخط والهجاء, لأنه من شكله, ونذكر فيه التفريق بين مكاتبة الرؤساء والأوساط والدون, ونذكر مكاتبة الفقهاء والمتدينين, والفرق بين النساء والرجال في المكاتبات, وما أشبه ذلك؛ إن شاء الله.

(1/202)