موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب الْبَاب الثَّالِث
فِي تَفْسِير كَلِمَات كَثِيرَة يحْتَاج إِلَيْهَا المعرب
(1/89)
النَّوْع الأول مَا جَاءَ على وَجه وَاحِد
لَا غير وَهُوَ أَرْبَعَة
أَحدهَا قطّ بِفَتْح الْقَاف وَتَشْديد الطَّاء وَضمّهَا فِي اللُّغَة
الفصحى فِيهِنَّ وَهِي اللُّغَة الأولى
وَالثَّانيَِة فتح الْقَاف وَتَشْديد الطَّاء مَكْسُورَة على أصل
التقاء الساكنين
وَالثَّالِثَة إتباع الْقَاف للطاء فِي الضَّم
وَالرَّابِعَة تَخْفيف الطَّاء مَعَ الضَّم
وَالْخَامِسَة تَخْفيف الطَّاء مَعَ السّكُون
وَهِي فِي اللُّغَات الْخمس ظرف لاستغراق مَا مضى من الزَّمَان ملازم
للنَّفْي تَقول هَذَا الشَّيْء مَا فعلته قطّ أَي لم يصدر مني فعله فِي
جَمِيع أزمنة الْمَاضِي
واشتقاقها من القط وَهُوَ الْقطع فَمَعْنَى مَا فعلته قطّ مَا فعلته
فِيمَا انْقَطع من عمري لانْقِطَاع الْمَاضِي عَن الْحَال والاستقبال
فَلَا تسْتَعْمل إِلَّا فِي الْمَاضِي
وَقَول الْعَامَّة لَا أَفعلهُ قطّ لحن أَي خطأ لأَنهم استعملوها فِي
(1/91)
الْمُسْتَقْبل وَذَلِكَ مُخَالف للوضع
والاشتقاق
وَسَماهُ لحنا لما فِيهِ من تَغْيِير الْمَعْنى يُقَال للمخطيء لاحن
لِأَنَّهُ يعدل بالْكلَام عَن الصَّوَاب
الثَّانِي عوض بِفَتْح أَوله وإهماله وَسُكُون ثَانِيه وتثليث آخِره
واعجامه وَهُوَ ظرف لاستغراق مَا يسْتَقْبل من الزَّمَان غَالِبا
وَيُسمى الزَّمَان عوضا لِأَنَّهُ كلما ذهبت مُدَّة عوضتها مُدَّة
أُخْرَى أَو لِأَنَّهُ أَي الزَّمَان يعوض مَا سلب فِي زعمهم الْفَاسِد
واعتقادهم الْبَاطِل
وَهُوَ ملازم للنَّفْي تَقول أَنْت هَذَا الشَّيْء لَا أَفعلهُ عوض أَي
لَا يصدر مني فعله فِي جَمِيع أزمنة الْمُسْتَقْبل
وَهُوَ مَبْنِيّ فَإِن أضفته أعربته ونصبته على الظَّرْفِيَّة فَقلت
لَا أَفعلهُ عوض العائضين كَمَا تَقول دهر الداهرين
وَمن غير الْغَالِب مَا ذكره ابْن مَالك فِي التسهيل من أَن عوض قد يرد
للماضي فَيكون بِمَعْنى قطّ وَأنْشد عَلَيْهِ قَوْله
(1/92)
(فَلم أر عَاما عوض أَكثر هَالكا ... )
وَكَذَلِكَ أَي وَمثل عوض فِي استغراق الْمُسْتَقْبل أبدا تَقول فِيهَا
ظرف لاستغراق مَا يسْتَقْبل من الزَّمَان إِلَّا أَنَّهَا لَا تخْتَص
بِالنَّفْيِ وَلَا تبنى كَقَوْلِه تَعَالَى {خَالِدين فِيهَا أبدا}
الثَّالِث مِمَّا جَاءَ على وَجه وَاحِد أجل بِسُكُون اللَّام وَفتح
الْهمزَة وَالْجِيم وَيُقَال فِيهَا بجل بِالْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ حرف
مَوْضُوع لتصديق الْخَبَر مثبتا كَانَ الْخَبَر أَو منفيا يُقَال فِي
الْإِثْبَات جَاءَ زيد وَفِي النَّفْي مَا جَاءَ زيد فَتَقول فِي
جَوَاب كل مِنْهُمَا تَصْدِيقًا للمخبر اجل أَي صدقت هَذَا قَول
الزَّمَخْشَرِيّ وَابْن مَالك وَجَمَاعَة
وَقَالَ المُصَنّف فِي المغنى أَنَّهَا ك نعم فَتكون حرف تَصْدِيق بعد
الْخَبَر ووعد بعد الطّلب وإعلام بعد الِاسْتِفْهَام فَتَقَع بعد نَحْو
قَامَ زيد وَمَا قَامَ زيد وَاضْرِبْ زيدا وأقائم زيد
(1/93)
وَقيد المالقي الْخَبَر بالمثبت والطلب
بِغَيْر النَّهْي وَقيل لَا تقع بعد الِاسْتِفْهَام وَعَن الْأَخْفَش
هِيَ بعد الْخَبَر أحسن من نعم وَنعم بعد الِاسْتِفْهَام أحسن انْتهى
الرَّابِع مِمَّا جَاءَ على وَجه وَاحِد بلَى وَهُوَ حرف مَوْضُوع
لإِيجَاب الْكَلَام الْمَنْفِيّ أَي لإثباته فتختص بِالنَّفْيِ وتفيد
ابطاله مُجَردا كَانَ النَّفْي عَن الِاسْتِفْهَام نَحْو {زعم الَّذين
كفرُوا أَن لن يبعثوا قل بلَى وربي لتبعثن} فبلى هُنَا أَثْبَتَت
الْبَعْث الْمَنْفِيّ وأبطلت النَّفْي
أَو كَانَ النَّفْي مَقْرُونا بالاستفهام الْحَقِيقِيّ نَحْو أَلَيْسَ
زيد بقائم فَيُقَال بلَى أَي بلَى هُوَ قَائِم
أَو التوبيخي نَحْو {أم يحسبون أَنا لَا نسْمع سرهم ونجواهم بلَى} أَي
بلَى نسْمع أَو التقريري نَحْو {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} أَي بلَى
أَنْت رَبنَا أجروا النَّفْي مَعَ التقريري مجْرى النَّفْي الْمُجَرّد
فَلذَلِك قَالَ ابْن عَبَّاس لَو قَالُوا نعم لكفروا وَوَجهه أَن نعم
لتصديق الْخَبَر بِنَفْي أَو إِثْبَات
(1/94)
النَّوْع الثَّانِي مَا جَاءَ من هَذِه
الْكَلِمَات على وَجْهَيْن
وَهُوَ إِذا بِغَيْر تَنْوِين فَتَارَة يُقَال فِيهَا ظرف مُسْتَقْبل
خافض لشرطه مَنْصُوب بجوابه غَالِبا فِيهِنَّ وَذَلِكَ فِي نَحْو إِذا
جَاءَ زيد أكرمتك
فَإِذا ظرف للمستقبل مُضَاف وَجَاء زيد شَرطه مُضَاف إِلَيْهِ إِذا
والمضاف خافض للمضاف إِلَيْهِ وأكرمتك جَوَاب إِذا وَفعل الْجَواب
وَمَا أشبهه هُوَ الناصب لمحل إِذا فَإِذا مُتَقَدّمَة من تَأْخِير
وَالْأَصْل أكرمتك إِذا جَاءَ زيد
وَمن غير الْغَالِب أَن تكون إِذا للماضي كَمَا سَيَأْتِي وَأَن تكون
لغير الشَّرْط نَحْو {وَإِذا مَا غضبوا هم يغفرون} فَلَا يكون لَهَا
شَرط وَلَا جَوَاب وتنتصب بِمَا لَا يكون جَوَابا تقدم عَلَيْهَا أَو
تَأَخّر عَنْهَا
وَهَذَا التَّعْرِيف الَّذِي ذكره المُصَنّف أَنْفَع معنى وأرشق عبارَة
وأوجز لفظا من قَول المعربين إِنَّهَا ظرف لما يسْتَقْبل من الزَّمَان
وَفِيه معنى حرف الشَّرْط غَالِبا أما أَنه أَنْفَع فَلَمَّا فِيهِ من
بَيَان عمل إِذا
(1/95)
وَالْعَامِل فِيهَا وَتَسْمِيَة مَا
يَليهَا شرطا وتاليه جَوَابا وعبارتهم لَا تفِيد ذَلِك وَأما أَنه أرشق
وأوجز فَظَاهر
وتختص إِذا الشّرطِيَّة هَذِه بِالدُّخُولِ على الْجمل الفعلية عكس
الفجائية على الْأَصَح فيهمَا نَحْو {فَإِذا انشقت السَّمَاء فَكَانَت
وردة كالدهان} وَأما نَحْو {إِذا السَّمَاء انشقت} مِمَّا دخلت فِيهِ
على الِاسْم فَمَحْمُول عِنْد جُمْهُور الْبَصرِيين على إِضْمَار
الْفِعْل وَيكون الِاسْم الدَّاخِلَة هِيَ عَلَيْهِ فَاعِلا بِفعل
مَحْذُوف يُفَسر الْفِعْل الْمَذْكُور وَالتَّقْدِير إِذا انشقت
السَّمَاء انشقت مثل {وَإِن امْرَأَة خَافت} فامرأة فَاعل بِفعل
مَحْذُوف على شريطة التَّفْسِير وَالتَّقْدِير وَإِن خَافت امْرَأَة
خَافت فقاس الشَّرْط غير الْجَازِم على الشَّرْط الْجَازِم فِي دُخُوله
على الِاسْم الْمَرْفُوع بِفعل مَحْذُوف
وَهَذَا الْقيَاس إِن كَانَ لمُجَرّد التنظير فَظَاهر وَإِن كَانَ
للاستدلال فَفِيهِ نظر لِأَن شَرط الْمَقِيس عَلَيْهِ أَن يكون مِمَّا
اتّفق
(1/96)
عَلَيْهِ الخصمان وَالْخلاف ثَابت فِي إِن
أَيْضا والمخالف فِي ذَلِك الْأَخْفَش والكوفيون فَإِنَّهُم يجيزون
دُخُول إِن وَإِذا الشرطيتين على الاسماء فامرأة عِنْدهم مُبْتَدأ
وخافت خَبره أَو فَاعل بالمذكور عِنْد الْكُوفِيّين أَو بِمَحْذُوف
عِنْد الْأَخْفَش
وَقد تخرج إِذا عَن الْمُسْتَقْبل وتستعمل ظرفا للماضي مُطلقًا
وللحال بعد الْقسم فَالْأول نَحْو {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهوا
انْفَضُّوا إِلَيْهَا} وَالثَّانِي نَحْو {والنجم إِذا هوى}
وَتارَة يُقَال فِيهَا حرف مفاجأة فَلَا تحْتَاج إِلَى جَوَاب وتختص
بِالدُّخُولِ على الْجمل الاسمية على الْأَصَح نَحْو {وَنزع يَده
فَإِذا هِيَ بَيْضَاء للناظرين} فَهِيَ مُبْتَدأ وبيضاء خَبره
وَقد تَلِيهَا الْجُمْلَة الفعلية إِذا كَانَت مصحوبة بقد نَحْو خرجت
فَإِذا قد قَامَ زيد حَكَاهُ الْأَخْفَش عَن الْعَرَب وَاخْتلف فِي
الْفَاء الدَّاخِلَة عَلَيْهَا فَقَالَ الْمَازِني زَائِدَة وَقَالَ
الزّجاج دخلت للربط كَمَا فِي جَوَاب الشَّرْط
(1/97)
وَاخْتلف فِي حَقِيقَة إِذا الفجائية هَل
هِيَ حرف أَو اسْم وعَلى الاسمية هَل هِيَ ظرف مَكَان أَو ظرف زمَان
أَقْوَال ثَلَاثَة ذهب إِلَى الأول الْأَخْفَش والكوفيون وَاخْتَارَهُ
ابْن مَالك وَإِلَى الثَّانِي الْمبرد والفارسي وَأَبُو الْفَتْح بن
جنى وعزي إِلَى سِيبَوَيْهٍ وَاخْتَارَهُ ابْن عُصْفُور
وَإِلَى الثَّالِث الزّجاج والرياشي وَاخْتَارَهُ الزَّمَخْشَرِيّ
وَالصَّحِيح الأول وَيشْهد لَهُ قَوْلهم خرجت فَإِذا إِن زيدا
بِالْبَابِ بِكَسْر إِن فَلَو كَانَت إِذا ظرف مَكَان أَو زمَان
لاحتاجت إِلَى عَامل يعْمل فِي محلهَا النصب وَأَن لَا يعْمل مَا
بعْدهَا فِيمَا قبلهَا وَإِذا بَطل أَن تكون ظرفا تعين أَن تكون حرفا
وَلكُل من إِذا الشّرطِيَّة والفجائية مَوَاضِع تخصها وَقد اجْتمعَا
فِي قَوْله تَعَالَى {ثمَّ إِذا دعَاكُمْ دَعْوَة من الأَرْض إِذا
أَنْتُم تخرجُونَ}
فَإِذا الأولى شَرْطِيَّة وليتها جملَة فعلية
وَالثَّانيَِة فجائية وليتها جملَة اسمية
(1/98)
النَّوْع الثَّالِث مَا جَاءَ من
الْكَلِمَات على ثَلَاثَة أوجه
وَهُوَ سبع إِحْدَاهَا إِذْ فَيُقَال فِيهَا ظرف لما مضى من الزَّمَان
غَالِبا وَتدْخل على الجملتين الاسمية والفعلية فَالْأولى نَحْو
{واذْكُرُوا إِذْ أَنْتُم} وَالثَّانيَِة نَحْو {واذْكُرُوا إِذْ
كُنْتُم قَلِيلا} وَمن غير الْغَالِب أَنَّهَا قد تسْتَعْمل للمستقبل
نَحْو {فَسَوف يعلمُونَ إِذْ الأغلال فِي أَعْنَاقهم} فَإذْ هُنَا
بِمَعْنى إِذا لِأَن الْعَامِل فِيهَا فعل مُسْتَقْبل
وَيُقَال فِيهَا تَارَة حرف مفاجأة إِذا وَقعت بعد بَينا أَو بَيْنَمَا
(1/99)
فَالْأول كَقَوْلِك بَينا أَنا فِي ضيق
إِذْ جَاءَ الْفرج
وَالثَّانِي كَقَوْلِه
(استقدر الله خيرا وارضين بِهِ ... فَبَيْنَمَا الْعسر إِذْ دارت
مياسير)
وَهل هِيَ ظرف زمَان أَو مَكَان أَو حرف بِمَعْنى المفاجأة أَو حرف
زَائِد للتوكيد أَقْوَال وَيُقَال فِيهَا تَارَة حرف تَعْلِيل
بِالْعينِ كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلنْ ينفعكم الْيَوْم إِذْ ظلمتم
أَنكُمْ فِي الْعَذَاب مشتركون} أَي وَلنْ ينفعكم الْيَوْم اشتراككم
فِي الْعَذَاب لأجل ظلمكم فِي الدُّنْيَا
وَهل هِيَ حرف بِمَنْزِلَة لَام التَّعْلِيل أَو ظرف وَالتَّعْلِيل
مُسْتَفَاد من قُوَّة الْكَلَام قَولَانِ
الثَّانِيَة من الْكَلِمَات الَّتِي جَاءَت على ثَلَاثَة أوجه لما
بِفَتْح اللَّام
(1/100)
وَتَشْديد الْمِيم فَيُقَال فِيهَا فِي
نَحْو لما جَاءَ زيد جَاءَ عَمْرو لما حرف وجود لوُجُود فوجود مَجِيء
عَمْرو لوُجُود مَجِيء زيد
وتختص بِالدُّخُولِ على الْفِعْل الْمَاضِي على الْأَصَح وَكَونهَا
حرفا هُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَزعم الْفَارِسِي ومتابعوه كَابْن جنى
أَنَّهَا ظرف للزمان بِمَعْنى حِين وَالْمعْنَى فِي الْمِثَال حِين
جَاءَ زيد جَاءَ عَمْرو
فَيَقْتَضِي مجيئهما فِي زمن وَاحِد وَهُوَ غير لَازم
وَتارَة يُقَال فِيهَا إِذا دخلت على الْمُضَارع فِي نَحْو {بل لما
يَذُوقُوا عَذَاب} حرف جزم لنفي حدث لمضارع وَقَلبه أَي قلب زَمَنه
مَاضِيا نَفْيه بِالْحَال متوقعا ثُبُوته فِي الِاسْتِقْبَال أَلا ترى
أَن الْمَعْنى فِي الْمِثَال أَنهم لم يذوقوه أَي الْعَذَاب إِلَى
الْآن وَأَن ذوقهم لَهُ متوقع فِي الْمُسْتَقْبل
وَتارَة يُقَال فِيهَا حرف اسْتثِْنَاء بِمَنْزِلَة إِلَّا الاستثنائية
فِي لُغَة هُذَيْل فَإِنَّهُم يجْعَلُونَ لما بِمَعْنى إِلَّا فِي
نَحْو قَوْلهم
أنْشدك الله لما فعلت كَذَا
أَي مَا أَسأَلك إِلَّا فعلك كَذَا وَمِنْه أَي وَمن مَجِيء لما
بِمَعْنى إِلَّا قَوْله تَعَالَى
(1/101)
{إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} فِي
قِرَاءَة التَّشْدِيد وَهِي قِرَاءَة ابْن عَامر وَعَاصِم وَحَمْزَة
وَأبي جَعْفَر أَلا ترى أَن الْمَعْنى مَا كل نفس إِلَّا عَلَيْهَا
حَافظ فَإِن نَافِيَة وَلما بِمَعْنى إِلَّا وَلَا الْتِفَات إِلَى
إِنْكَار الْجَوْهَرِي ذَلِك حَيْثُ قَالَ إِن لما بِمَعْنى إِلَّا غير
مَعْرُوف فِي اللُّغَة وَسَبقه إِلَى ذَلِك الْفراء وَأَبُو عُبَيْدَة
وَمَا قَالَه المُصَنّف حَكَاهُ الْخَلِيل وسيبويه
(1/102)
وَالْكسَائِيّ وَمن حفظه حجَّة على من لم
يحفظ والمثبت مقدم على النَّافِي
الثَّالِثَة من الْكَلِمَات الَّتِي جَاءَت على ثَلَاثَة أوجه نعم
بِفتْحَتَيْنِ فَيُقَال فِيهَا حرف تَصْدِيق إِذا وَقعت بعد الْخَبَر
الْمُثبت نَحْو قَامَ زيد أَو الْخَبَر الْمَنْفِيّ نَحْو مَا قَامَ
زيد وَيُقَال فِيهَا حرف اعلام إِذا وَقعت بعد الِاسْتِفْهَام نَحْو
هَل قَامَ زيد وَيُقَال فِيهَا حرف وعد إِذا كَانَت بعد الطّلب نَحْو
أَن يُقَال لَك أحسن إِلَى فلَان فَتَقول نعم
وَمن مجيئها أَيْضا للإعلام بعد الِاسْتِفْهَام قَوْله تَعَالَى {فَهَل
وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا قَالُوا نعم} وَهَذَا الْمَعْنى وَهُوَ
مَجِيء
(1/103)
نعم للإعلام لم ينص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ
فَإِنَّهُ قَالَ نعم عدَّة وتصديق وَلم يزدْ على ذَلِك
الْكَلِمَة الرَّابِعَة مِمَّا جَاءَ على ثَلَاثَة أوجه إِي بِكَسْر
الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء المخففة وَهِي حرف جَوَاب بِمَنْزِلَة نعم
فَتكون لتصديق الْخَبَر ولإعلام المستخبر ولوعد الطَّالِب فَتَقَع بعد
نَحْو قَامَ زيد وَمَا قَامَ زيد وَهل قَامَ زيد وَاضْرِبْ زيدا
كَمَا تقع نعم بعده هَذَا مُقْتَضى التَّشْبِيه وَزعم ابْن الْحَاجِب
أَنَّهَا إِنَّمَا تقع بعد الِاسْتِفْهَام خَاصَّة إِلَّا أَنَّهَا نعم
من حَيْثُ كَونهَا تخْتَص بالقسم بعْدهَا نَحْو قَوْله تَعَالَى
{ويستنبئونك أَحَق هُوَ قل إِي وربي إِنَّه لحق}
الْكَلِمَة الْخَامِسَة مِمَّا جَاءَ على ثَلَاثَة أوجه حَتَّى فأحد
أوجهها أَن تكون جَارة فَتدخل على الِاسْم الصَّرِيح الظَّاهِر فَتكون
بِمَعْنى إِلَى فِي الدّلَالَة على الِانْتِهَاء من الْغَايَة نَحْو
{حَتَّى مطلع الْفجْر} {حَتَّى حِين} وَهل مجرورها دَاخل فِيمَا قبلهَا
أَو خَارج عَنهُ أَو دَاخل تَارَة وخارج أُخْرَى أَقْوَال ذهب
(1/104)
سِيبَوَيْهٍ والمبرد وَأَبُو بكر وَأَبُو
عَليّ إِلَى الأول
وَذهب أَبُو حَيَّان وَأَصْحَابه إِلَى الثَّانِي وَذهب ثَعْلَب
وَصَاحب الذَّخَائِر إِلَى الثَّالِث
وَتدْخل على الإسم المؤول من أَن حَال كَونهَا مضمرة وجوبا وَمن
الْفِعْل الْمُضَارع وَهِي فِي ذَلِك على وَجْهَيْن فَتكون تَارَة
بِمَعْنى إِلَى نَحْو قَوْله تَعَالَى {لن نَبْرَح عَلَيْهِ عاكفين
حَتَّى يرجع إِلَيْنَا مُوسَى} التَّقْدِير حَتَّى أَن يرجع بِأَن
وَالْفِعْل الْمُضَارع أَي إِلَى رُجُوعه بِتَأْوِيل الْمصدر من أَن
وَالْفِعْل أَي زمَان رُجُوعه بِتَقْدِير زمَان وَذَلِكَ لِأَن
الرُّجُوع لَا بُد لَهُ من زمَان يكون حُصُوله فِيهِ كالفعل إِلَّا أَن
دلَالَة الْمصدر على الزَّمَان التزامية وَدلَالَة الْفِعْل المؤول
مِنْهُ الْمصدر على الزَّمَان وضعية
(1/105)
وَتَكون حَتَّى تَارَة بِمَعْنى كي
التعليلية نَحْو قَوْلك للْكَافِرِ أسلم حَتَّى تدخل الْجنَّة أَي كي
تدخل الْجنَّة أَي لأجل دُخُولهَا
وَقد تكون حَتَّى فِي الْموضع الْوَاحِد تحتملهما أَي الْمَعْنيين معنى
إِلَى وَمعنى كي كَقَوْلِه تَعَالَى {فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي حَتَّى
تفيء إِلَى أَمر الله} يحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى على الْغَايَة أَو
التَّعْلِيل أَي إِلَى أَن تفيء أَو كي أَن تفيء وَالْغَالِب أَنَّهَا
لَا تكون لغير ذَلِك
وَزعم ابْن هِشَام الخضراوي وَتَبعهُ ابْن مَالك أَنَّهَا أَي حَتَّى
تكون بِمَعْنى إِلَّا الاستثنائية كَقَوْلِه
(لَيْسَ الْعَطاء من الفضول سماحة ... حَتَّى تجود وَمَا لديك قَلِيل)
أَي إِلَّا تجود ووهو أَي أَن تجود اسْتثِْنَاء مُنْقَطع لِأَن الْجُود
فِي حَالَة قلَّة المَال لَيْسَ من جنس الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَهُوَ
الْعَطاء فِي حَالَة الْكَثْرَة
(1/106)
قَالَ الدماميني وَتَبعهُ الشمني وتحتمل
الْغَايَة احْتِمَالا مرجوحا بِأَن يكون الْمَعْنى أَن انْتِفَاء كَون
عطائك معدودا من السماحة ممتدا إِلَى زمن عطائك فِي حَال قلَّة مَالك
فَإِذا أَعْطَيْت فِي تِلْكَ الْحَالة تثبت سماحتك انْتهى
الْوَجْه الثَّانِي من أوجه حَتَّى أَن تكون حرف عطف خلافًا للكوفيين
تفِيد مُطلق الْجمع من غير تَرْتِيب وَلَا معية على الْأَصَح كالواو
فِي ذَلِك إِلَّا أَن الْمَعْطُوف بهَا أَي بحتى مَشْرُوط بأمرين
أَحدهمَا أَن يكون بَعْضًا من الْمَعْطُوف عَلَيْهِ إِمَّا حَقِيقَة
أَو حكما كَمَا سَيَأْتِي
وَالْأَمر الثَّانِي أَن يكون الْمَعْطُوف بهَا غَايَة لَهُ أَي
للمعطوف عَلَيْهِ كالشرف نَحْو قَوْلك مَاتَ النَّاس حَتَّى
الْأَنْبِيَاء فَإِن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام هم
الْمَعْطُوف بحتى وهم غَايَة النَّاس فِي شرف الْمِقْدَار
بِالنِّسْبَةِ إِلَى كمالات النَّوْع الانساني وَعَكسه كالدناءة نَحْو
قَوْلك زارني النَّاس حَتَّى الحجامون فَإِن الحجامون هم الْمَعْطُوف
بحتى وهم غَايَة فِي دناءة الْمِقْدَار وكالقوة والضعف كَمَا قَالَ
الشَّاعِر
(1/107)
(قهرناكم حَتَّى الكماة فَأنْتم ...
تهابوننا حَتَّى بنينَا الأصاغرا)
فالكماة جمع كمي وَهُوَ البطل من الْكمّ وَهُوَ السّير لِأَنَّهُ يستر
نَفسه بالدرع والبيضة غَايَة فِي الْقُوَّة والبنون الأصاغر غَايَة فِي
الضعْف
وَتقول فِي الْبَعْض الْحَقِيقِيّ أكلت السَّمَكَة حَتَّى رَأسهَا
وَفِي الْحكمِي أعجبتني الْجَارِيَة حَتَّى كَلَامهَا
لِأَن الْكَلَام فِي عدم استقلاله بِنَفسِهِ واحتياجه إِلَيْهَا كجزئها
لما بَينهمَا من التَّعَلُّق الاشتمالي
وَيمْتَنع أَن تَقول أعجبتني الْجَارِيَة حَتَّى وَلَدهَا لِأَن
الْوَلَد مُسْتَقل بِنَفسِهِ وَغير قَائِم بهَا
وَفِي تمثيله للثَّانِي لف وَنشر غير مُرَتّب وَالضَّابِط وَهُوَ أَمر
كلي منطبق على جزئياته أَن يُقَال مَا صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِمَّا
قبله على الِاتِّصَال صَحَّ دُخُول حَتَّى عَلَيْهِ وَمَا لَا يَصح
اسْتِثْنَاؤُهُ مِمَّا قبله فَلَا دُخُول حَتَّى عَلَيْهِ أَلا ترى
أَنه يَصح إِن يُقَال أعجبتني الْجَارِيَة إِلَّا كَلَامهَا وَيمْتَنع
إِلَّا وَلَدهَا لعدم دُخُوله فِيهَا الْوَجْه الثَّالِث من أوجه
حَتَّى أَن تكون حرف ابْتِدَاء على الْأَصَح فَتدخل على ثَلَاثَة
أَشْيَاء على الْجُمْلَة الفعلية المبدوءة بِالْفِعْلِ الْمَاضِي نَحْو
قَوْله تَعَالَى {حَتَّى عفوا وَقَالُوا}
(1/108)
والمبدوءة بِالْفِعْلِ الْمُضَارع
الْمَرْفُوع نَحْو قَوْله تَعَالَى {وزلزلوا حَتَّى يَقُول الرَّسُول}
فِي قِرَاءَة من رفع وَهُوَ نَافِع
وعَلى الْجُمْلَة الاسمية كَقَوْلِه وَهُوَ جرير
(فَمَا زَالَت الْقَتْلَى تمج دماءها ... بدجلة حَتَّى مَاء دجلة أشكل)
وَقد تقدم وَقيل هِيَ مَعَ الْجُمْلَة الفعلية المصدرة بِالْفِعْلِ
الْمَاضِي جَارة أَن بعْدهَا مضمرة وَالتَّقْدِير فِي حَتَّى عفوا
حَتَّى أَن عفوا كَذَا يُقَال ابْن مَالك قَالَ المُصَنّف فِي المغنى
وَلَا أعرف لَهُ فِي ذَلِك سلفا وَفِيه تكلّف من غير ضَرُورَة انْتهى
وَقد مضى خلاف الزّجاج وَابْن درسْتوَيْه فِي الْكَلَام على الْجُمْلَة
الابتدائية
الْكَلِمَة السَّادِسَة مِمَّا جَاءَ على ثَلَاثَة أوجه كلا بِفَتْح
الْكَاف وَتَشْديد اللَّام فَيُقَال فِيهَا تَارَة حرف ردع وزجر وَهُوَ
قَول الْخَلِيل وسيبويه
(1/109)
وَجُمْهُور الْبَصرِيين فِي نَحْو
{فَيَقُول رَبِّي أهانن كلا} أَي انته وانزجر عَن هَذِه الْمقَالة
الَّتِي هِيَ إِخْبَار بِأَن تَقْدِير الرزق أَي تضييقه إهانة فقد تكون
كَرَامَة ليؤديه إِلَى سَعَادَة الْآخِرَة
وَيُقَال فِيهَا تَارَة حرف جَوَاب وتصديق بِمَنْزِلَة إِي بِكَسْر
الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء وَهُوَ قَول الْفراء وَالنضْر بن شُمَيْل
فِي نَحْو {كلا وَالْقَمَر} وَالْمعْنَى إِي وَالْقَمَر
وَيُقَال فِيهَا حرف بِمَعْنى حَقًا أَو بِمَعْنى أَلا بِفَتْح
الْهمزَة وَاللَّام المخففة الاستفتاحية على خلاف فِي ذَلِك النَّحْو
{كلا لَا تطعه} فَالْمَعْنى على الأول حَقًا لَا تطعه وَهُوَ قَول
الْكسَائي وَابْن الْأَنْبَارِي وَمن وافقهما
وعَلى الثَّانِي أَلا لَا تطعه وَهُوَ قَول أبي حَاتِم والزجاج
وَالصَّوَاب الثَّانِي وَهِي أَنَّهَا للاستفتاح لكسر الْهمزَة من إِن
بعْدهَا
(1/110)
فِي نَحْو {كلا إِن الْإِنْسَان ليطْغى}
كَمَا تكسر بعد الاستفتاحية فِي نَحْو {أَلا إِن أَوْلِيَاء} وَلَو
كَانَت بِمَعْنى حَقًا لفتحت الْهمزَة بعْدهَا كَمَا تفتح بعد حَقًا
كقولة
(أحقا أَن جيرتنا استقلوا ... )
بِفَتْح الْهمزَة وَيدْفَع بِأَنَّهُ إِنَّمَا لم تفتح همزَة إِن بعد
كلا إِذا كَانَت بِمَعْنى حَقًا لِأَنَّهَا حرف لَا يصلح للخبرية
صَلَاحِية حَقًا لَهَا
الْكَلِمَة السَّابِعَة مِمَّا جَاءَ على ثَلَاثَة اوجه لَا تكون
تَارَة نَافِيَة وَتارَة ناهية وَتارَة زَائِدَة
فالنافية تعْمل فِي النكرات عمل إِن كثيرا فتنصب الِاسْم وترفع
الْخَبَر إِذا أُرِيد بهَا نفي الْجِنْس على سَبِيل التَّنْصِيص نَحْو
لَا إِلَه إِلَّا الله فإله اسْمهَا وخبرها مَحْذُوف تقديرة لنا
وَنَحْوه
(1/111)
وتعمل عمل لَيْسَ قَلِيلا فَترفع الِاسْم
وتنصب الْخَبَر إِذا أُرِيد بهَا نفي الْجِنْس على سَبِيل الظُّهُور
أَو أُرِيد بهَا نفي الْوَاحِد فَالْأول كَقَوْلِه
(تعز فَلَا شَيْء على الأَرْض بَاقِيا ... وَلَا وزر مِمَّا قضى الله
واقيا)
وَالثَّانِي كَقَوْلِك لَا رجل قَائِما بل رجلَانِ
والناهية تجزم الْفِعْل الْمُضَارع سَوَاء اسند إِلَى مُخَاطب أَو
غَائِب فَالْأول نَحْو {وَلَا تمش} وَالثَّانِي نَحْو {فَلَا يسرف فِي
الْقَتْل} ويقل إِسْنَاده للمتكلم مَبْنِيا للْمَفْعُول نَحْو لَا أخرج
وَلَا تخرج ويندر جدا فِي الْمَبْنِيّ للْفَاعِل
(1/112)
وَالْفرق بَين النافية والناهية من حَيْثُ
اللَّفْظ اخْتِصَاص الناهية بالمضارع وجزمه بِخِلَاف النافية
وَمن حَيْثُ الْمَعْنى إِن الْكَلَام مَعَ الناهية طلبي وَمَعَ النافية
خبري والزائدة الَّتِي دُخُولهَا فِي الْكَلَام كخروجها وفائدتها
التقوية والتوكيد نَحْو {مَا مَنعك أَلا تسْجد} فِي سُورَة الْأَعْرَاف
أَي أَن تسْجد كَمَا جَاءَ أَن تسْجد بِدُونِ لَا مُصَرحًا بِهِ فِي
مَوضِع آخر فِي سُورَة ص
(1/113)
النَّوْع الرَّابِع مَا جَاءَ من
الْكَلِمَات على أَرْبَعَة أوجه
وَهن أَربع إِحْدَاهَا لَوْلَا فَيُقَال فِيهَا تَارَة حرف يَقْتَضِي
امْتنَاع جَوَابه لوُجُود شَرطه وتختص بِالْجُمْلَةِ الاسمية المحذوفة
الْخَبَر وجوبا غَالِبا وَذَلِكَ إِذا كَانَ الْخَبَر كونا مُطلقًا
نَحْو لَوْلَا زيد أَي مَوْجُود لأكرمتك امْتنع الاكرام الَّذِي هُوَ
الْجَواب لوُجُود زيد الَّذِي هُوَ الشَّرْط
وَمِنْه أَي وَمن دُخُولهَا على الْجُمْلَة الاسمية المحذوفة الْخَبَر
لولاى لَكَانَ كَذَا أَي لَوْلَا أَنا مَوْجُود فَأَقَامَ الْموصل
الْمُتَّصِل مقَام الْمُنْفَصِل وَحذف الْخَبَر لكَونه كونا مُطلقًا
هَذَا مَذْهَب الاخفش وَذهب سيبوية إِلَى أَن لَوْلَا جَارة للضمير
كَمَا تقدم وَمن غير الْغَالِب لَوْلَا زيد سالمنا مَا سلم
وَيُقَال فِيهَا تَارَة حرف تحضيض بِمُهْملَة فمعجمتين وَتارَة حرف عرض
بِسُكُون الرَّاء أَي طلب بإزعاج فِي التحضيض أَو طلب بِرِفْق فِي
الْعرض على التَّرْتِيب فتختص فيهمَا بِالْجُمْلَةِ الفعلية
(1/114)
المبدوءة بالمضارع أَو مَا فِي تَأْوِيله
فالتحضيض نَحْو {لَوْلَا تستغفرون الله} أَي استغفروه وَلَا بُد
وَنَحْو {لَوْلَا أنزل إِلَيْهِ ملك} فَأنْزل مؤول بالمضارع أَي ينزل
وَالْعرض نَحْو لَوْلَا تنزل عندنَا فتصيب خيرا وَنَحْو {لَوْلَا
أخرتني إِلَى أجل قريب} فأخرتني مؤول بالمضارع أَي تؤخرني
وَيُقَال فِيهَا تَارَة حرف توبيخ مصدر وبخه أَي عيره بِفِعْلِهِ
الْقَبِيح فتختص بِالْجُمْلَةِ الفعلية المبدوءة بالماضي نَحْو {فلولا
نَصرهم الَّذين اتَّخذُوا من دون الله قربانا آلِهَة} أَي فَهَلا
نَصرهم
قيل وَتَكون لَوْلَا حرف اسْتِفْهَام مُخْتَصّ بالماضي نَحْو {لَوْلَا
أخرتني إِلَى أجل قريب} {لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ ملك} قَالَه أَحْمد
أَبُو عُبَيْدَة الْهَرَوِيّ وَالْمعْنَى هَل أخرتني وَهل أنزل
وَالظَّاهِر أَنَّهَا أَي لَوْلَا فِي الْآيَة الأولى وَهِي لَوْلَا
أخرتني للعرض كَمَا تقدم وَفِي الْآيَة الثَّانِيَة وَهِي {لَوْلَا
أنزل عَلَيْهِ ملك} للتحضيض أَي هلا أنزل
(1/115)
وَزَاد الْهَرَوِيّ معنى آخر وَهُوَ أَن
تكون لَوْلَا نَافِيَة بِمَنْزِلَة لم وَجعل مِنْهُ أَي من الْمَنْفِيّ
{فلولا كَانَت قَرْيَة آمَنت} أَي لم تكن قَرْيَة آمَنت وَهَذَا بعيد
وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بلولا هُنَا التوبيخ وَالْمعْنَى فَهَلا
وَهُوَ قَول الْأَخْفَش وَالْكسَائِيّ وَالْفراء وَيُؤَيِّدهُ أَن فِي
حرف أبي بن كَعْب وحرف عبد الله بن مَسْعُود أَي قراءتهما فَهَلا
وَيلْزم من ذَلِك الْمَعْنى الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَهُوَ التوبيخ معنى
النَّفْي الَّذِي ذكره الْهَرَوِيّ لِأَن اقتران التوبيخ بِالْفِعْلِ
الْمَاضِي يشْعر بِانْتِفَاء وُقُوعه
الْكَلِمَة الثَّانِيَة مِمَّا جَاءَ على أَرْبَعَة أوجه إِن
الْمَكْسُورَة الْهمزَة الْخَفِيفَة النُّون فَيُقَال فِيهَا
شَرْطِيَّة وَمَعْنَاهَا تَعْلِيق حُصُول مَضْمُون جملَة بِحُصُول
مَضْمُون جملَة أُخْرَى كَالَّتِي فِي نَحْو {إِن تخفوا مَا فِي صدوركم
أَو تبدوه يُعلمهُ الله} فحصول مَضْمُون الْعلم مُعَلّق بِحُصُول
مَضْمُون مَا يخفونه أَو يبدونه
وَإِن الشّرطِيَّة حكمهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَمَل أَن تجزم فعلين
مضارعين أَو ماضيين أَو مُخْتَلفين وَيُسمى الأول مِنْهُمَا شرطا
وَالثَّانِي جَوَابا وَجَزَاء
(1/116)
وَتارَة يُقَال فِيهَا نَافِيَة وَتدْخل
على الْجُمْلَة الاسمية كَالَّتِي فِي نَحْو {إِن عنْدكُمْ من سُلْطَان
بِهَذَا} وعَلى الفعلية الماضوية كَالَّتِي فِي نَحْو {إِن أردنَا
إِلَّا إحسانا} والمضارعية كَالَّتِي فِي نَحْو {إِن يعد الظَّالِمُونَ
بَعضهم بَعْضًا إِلَّا غرُورًا} وَحكمهَا الإهمال عِنْد جُمْهُور
الْعَرَب
وَأهل الْعَالِيَة يعملونها عمل لَيْسَ فيرفعون بهَا الِاسْم وينصبون
الْخَبَر نثرا أَو شعرًا فالنثر نَحْو قَول بَعضهم إِن أحد خيرا من أحد
إِلَّا بالعافية فأحذ اسْمهَا وَخيرا خَبَرهَا وَالشعر وكقول شَاعِرهمْ
(إِن هُوَ مستوليا على أحد ... إِلَّا على أَضْعَف المجانين)
فَهُوَ اسْمهَا ومستوليا خَبَرهَا
وَقد اجْتمعَا إِن الشّرطِيَّة وَإِن النافية فِي قَوْله تَعَالَى
(1/117)
{وَلَئِن زالتا إِن أمسكهما من أحد من
بعده} فَإِن الدَّاخِلَة على زالتا شَرْطِيَّة وَإِن الدَّاخِلَة على
أمسكهما نَافِيَة
وَيُقَال فِيهَا تَارَة مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة كَالَّتِي فِي نَحْو
قَوْله تَعَالَى {وَإِن كلا لما ليوفينهم} فِي قِرَاءَة من خفف
الثَّقِيلَة وَهُوَ الحرميان وَأَبُو بكر
ويقل إعمالها عمل إِن الْمُشَدّدَة من نصب الِاسْم وَرفع الْخَبَر كهذه
الْقِرَاءَة فكلا اسْمهَا وَمَا بعده خَبَرهَا
وَمن وُرُود إهمالها قَوْله تَعَالَى {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ}
فِي قِرَاءَة من خفف لما وَهُوَ نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو
وَالْكسَائِيّ وَخلف وَيَعْقُوب
فَكل نفس مُبْتَدأ ومضاف إِلَيْهِ وَجُمْلَة لما عَلَيْهَا حَافظ خَبره
وَمَا صلَة وَالتَّقْدِير إِن كل نفس لعليها حَافظ وَأما من شدد لما
وَهُوَ أَبُو
(1/118)
جَعْفَر وَابْن عَامر وَعَاصِم وَحَمْزَة
فَهِيَ أَي إِن عِنْده نَافِيَة وَلما إيجابية على لُغَة هُذَيْل
وَالتَّقْدِير مَا كل نفس إِلَّا عَلَيْهَا حَافظ
وَيُقَال فِيهَا تَارَة زَائِدَة لتقوية الْكَلَام وتوكيده وَالْغَالِب
أَن تقع بعد مَا النافية كَالَّتِي فِي نَحْو مَا إِن زيد قَائِم وتكف
مَا الحجازية عَن الْعَمَل فِي الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر كَقَوْلِه
(فَمَا إِن طبنا جبن وَلَكِن ... منايانا ودولة آخرينا)
وَحَيْثُ اجْتمعت مَا وَإِن فَإِن تقدّمت مَا على إِن فَهِيَ أَي مَا
نَافِيَة وَإِن زَائِدَة نَحْو مَا تقدم فِي الْمِثَال وَالْبَيْت
وَإِن تقدّمت إِن على مَا فَهِيَ أَي إِن الشّرطِيَّة وَمَا زَائِدَة
نَحْو {وَإِمَّا تخافن من قوم خِيَانَة}
الْكَلِمَة الثَّالِثَة مِمَّا جَاءَ على أَرْبَعَة أوجه أَن
الْمَفْتُوحَة الْهمزَة الْخَفِيفَة النُّون فَيُقَال فِيهَا تَارَة
حرف مصدري تؤول مَعَ صلتها
(1/119)
بِالْمَصْدَرِ وَينصب الْمُضَارع لفظا أَو
محلا فَالْأول نَحْو {يُرِيد الله أَن يُخَفف عَنْكُم} وَالثَّانِي
يُرِيد النِّسَاء أَن يرضعن أَوْلَادهنَّ
وَأَن هَذِه هِيَ الدَّاخِلَة على الْفِعْل الْمَاضِي فِي نَحْو أعجبني
أَن صمت بِدَلِيل أَنَّهَا تؤول بِالْمَصْدَرِ أَي صيامك لَا أَن
غَيرهَا خلافًا لِابْنِ طَاهِر فِي زَعمه أَنَّهَا غَيرهَا محتجا بِأَن
الدَّاخِلَة على الْمُضَارع تخلصه للاستقبال فَلَا تدخل على غَيره
كالسين وَنقض بإن الشّرطِيَّة فَإِنَّهَا تدخل على الْمُضَارع وتخلصه
للاستقبال وَتدْخل على الْمَاضِي بِاتِّفَاق
وَيُقَال فِيهَا تَارَة زَائِدَة لتقوية الْمَعْنى وتوكيده كَالَّتِي
فِي نَحْو {فَلَمَّا أَن جَاءَ البشير} وَكَذَا يحكم لَهَا
بِالزِّيَادَةِ حَيْثُ جَاءَت بعد لما التوقيتية كَهَذا الْمِثَال أَو
وَقعت بَين فعل الْقسم وَلَو كَقَوْلِه
(فأقسم أَن لَو الْتَقَيْنَا وَأَنْتُم ... لَكَانَ لكم يَوْم من
الشَّرّ مظلم)
(1/120)
أَو بَين الْكَاف ومجرورها كَقَوْلِه كَأَن
ظَبْيَة تعطو إِلَى وارق السّلم فِي رِوَايَة الْجَرّ
وَيُقَال فِيهَا تَارَة مفسرة لمضمون جملَة قبلهَا فَتكون بِمَنْزِلَة
أَي التفسيرية كَالَّتِي فِي نَحْو {فأوحينا إِلَيْهِ أَن اصْنَع
الْفلك}
أَي اصْنَع فَالْأَمْر بصنع الْفلك تَفْسِير للوحي وَكَذَا يحكم لَهَا
بِأَنَّهَا مفسرة حَيْثُ وَقعت بعد جملَة اسمية وفعلية فِيهَا معنى
القَوْل دون حُرُوفه أَي حُرُوف القَوْل وَلم تقترن أَن بخافض ويتأخر
عَنْهَا جملَة اسمية أَو فعلية فالفعلية كالمثال الْمُتَقَدّم
والاسمية نَحْو {ونودوا أَن تلكم الْجنَّة أورثتموها} فَلَيْسَ مِنْهَا
أَي المفسرة نَحْو {وَآخر دَعوَاهُم أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين}
لِأَن الْمُتَقَدّم عَلَيْهَا غير جملَة وَإِنَّمَا
(1/121)
هِيَ المخففة من الثَّقِيلَة وَلَا نَحْو
كتبت إِلَيْهِ بِأَن افْعَل لدُخُول الْخَافِض عَلَيْهَا
وَإِنَّمَا هِيَ أَن المصدرية وَلَا نَحْو ذكرت عسجدا أَن ذَهَبا لِأَن
الْمُتَأَخر عَنْهَا مُفْرد لَا جملَة فَيجب أَن يُؤْتى بِأَيّ
مَكَانهَا وَلَا نَحْو قلت لَهُ أَن افْعَل لِأَن الْجُمْلَة
الْمُتَقَدّمَة فِيهَا حُرُوف القَوْل
وَأما قَول بعض الْعلمَاء وَهُوَ سليم الرَّازِيّ فِي قَوْله تَعَالَى
{مَا قلت لَهُم إِلَّا مَا أَمرتنِي بِهِ أَن اعبدوا الله رَبِّي
وربكم} إِنَّهَا أَي أَن الدَّاخِلَة على اعبدوا مفسرة فَفِيهِ
إِشْكَال لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن تكون مفسرة لأمرتنى أَو
لَقلت قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَكِلَاهُمَا لَا وَجه لَهُ لِأَنَّهُ إِن
حمل على أَنَّهَا مفسرة لأمرتني دون قلت منع مِنْهُ فَسَاد الْمَعْنى
أَلا ترى أَنه لَا يَصح أَن يكون {اعبدوا الله رَبِّي وربكم} مقولا لله
تَعَالَى وَذَلِكَ لِأَن أَمرتنِي مقول قلت وَهُوَ مُسْند إِلَى ضمير
الله تَعَالَى فَلَو فسر بِالْعبَادَة الْوَاقِعَة على الله رَبِّي
وربكم لم يستقم لِأَن الله لَا يَقُول اعبدوا الله رَبِّي وربكم أَو
حمل على أَنَّهَا أَي أَن مفسرة لَقلت دون أمرت فحروف القَوْل تأباه
أَي تأبى التَّفْسِير لما تقدم من أَن شَرط الْمُفَسّر بِفَتْح السِّين
أَن لَا يكون فِيهِ حُرُوف القَوْل لِأَن القَوْل يحْكى بعده الْكَلَام
من غير أَن يتوسط بَينهمَا حرف التَّفْسِير انْتهى كَلَام
الزَّمَخْشَرِيّ فَإِن أول لفظ
(1/122)
القَوْل بِغَيْرِهِ جَازَ التَّفْسِير
وَلِهَذَا جوزه أَي التَّفْسِير الزَّمَخْشَرِيّ إِن أول قلت بأمرت
وَالتَّقْدِير مَا أَمرتهم إِلَّا مَا أَمرتنِي بِهِ أَن اعبدوا الله
وَاسْتَحْسنهُ المُصَنّف فِي الْمُغنِي
وَجوز الزَّمَخْشَرِيّ أَيْضا مصدريتها أَي مَصْدَرِيَّة أَن هَذِه على
أَن الْمصدر المؤول من أَن وصلتها وَهُوَ أَن اعبدوا بَيَان للهاء أَي
عطف بَيَان على الْهَاء المجرورة بِالْبَاء فِي بِهِ لَا أَن الْمصدر
بدل من الْهَاء لِأَن الْمُبدل مِنْهُ فِي حكم السَّاقِط وعَلى
تَقْدِير إِسْقَاط الضَّمِير الْمُبدل مِنْهُ تخلى الصِّلَة من عَائِد
على الْمَوْصُول الَّذِي هُوَ مَا وَذَلِكَ لَا يجوز وَاللَّازِم
بَاطِل وَكَذَا الْمَلْزُوم وَالصَّوَاب الْعَكْس وَهُوَ كَون الْمصدر
بَدَلا من الْهَاء فِي بِهِ لَا عطف بَيَان عَلَيْهَا لِأَن الْبَيَان
فِي الجوامد كالصفة فِي المشتقات فَكَمَا أَن الضمائر لَا تنْعَت
كَذَلِك لَا يعْطف عطف بَيَان نَص على ذَلِك ابْن السَّيِّد وَابْن
مَالك وعَلى هَذَا فَلَا يتبع الضَّمِير بعطف الْبَيَان كَمَا أَن
الضَّمِير لَا ينعَت وَإِذا امْتنع أَن يكون بَيَانا تعين أَن يكون
بَدَلا
فَإِن قَائِل يلْزم على القَوْل بالبدلية إخلاء الصِّلَة من عَائِد
كَمَا تقدم بِنَاء على أَن الْمُبدل مِنْهُ فِي نِيَّة الطرح قُلْنَا
ذَلِك غَالب لَا لَازم
(1/123)
وَلَئِن سلمنَا لُزُومه فلنا جَوَاب آخر
وَهُوَ أَن نقُول الْعَائِد الْمُقدر الْحَذف مَوْجُود لَا مَعْدُوم
فَلَا يلْزم الْمَحْذُور وَلَا يَصح أَن يُبدل الْمصدر الْمَذْكُور من
مَا الموصولة المعمولة لَقلت لِأَن الْعِبَادَة مصدر مُفْرد لَا يعْمل
فِيهَا فعل القَوْل لِأَن القَوْل وَمَا تصرف مِنْهُ لَا يعْمل إِلَّا
فِي جملَة أَو مُفْرد يُؤَدِّي معنى الْجُمْلَة كقلت قصيدة
وَالْعِبَادَة لَيست كَذَلِك
نعم يجوز أَن تبدل الْعِبَادَة من مَا إِن أول قلت بأمرت لِأَن أمرت
يعْمل فِي الْمُفْرد الْخَالِي من معنى الْجُمْلَة نَحْو أَمرتك
الْخَيْر وَالْأَكْثَر تعديته إِلَى الْمَأْمُور بِهِ بِالْبَاء
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ مَا حَاصله وَلَا يمْتَنع فِي أَن من قَوْله
تَعَالَى {وَأوحى رَبك إِلَى النَّحْل أَن اتخذي} أَن تكون مقسرة
بِمَنْزِلَة أَي مثلهَا فِي {فأوحينا إِلَيْهِ أَن اصْنَع الْفلك}
فَيكون التَّقْدِير أَي اتخذي فسر الْوَحْي إِلَى النَّحْل بِأَنَّهُ
الْأَمر بِأَن تتَّخذ من الْجبَال بُيُوتًا انْتهى
خلافًا لمن منع ذَلِك وَهُوَ الإِمَام الرَّازِيّ فَإِنَّهُ قَالَ
متعقبا لكَلَام الزَّمَخْشَرِيّ إِن الْوَحْي هُنَا إلهام بِاتِّفَاق
وَلَيْسَ فِي الإلهام معنى القَوْل وَإِنَّمَا هِيَ مَصْدَرِيَّة أَي
باتخاذ الْجبَال بُيُوتًا وَأَشَارَ المُصَنّف إِلَى دَفعه نصْرَة
للزمخشري بقوله لِأَن الإلهام فِي معنى القَوْل لِأَن الْمَقْصُود من
القَوْل الْإِعْلَام والإلهام فعل من الله يتَضَمَّن الْإِعْلَام
بِحَيْثُ يكون الملهم عَالما بِمَا ألهم بِهِ والهام الله النَّحْل من
هَذَا الْقَبِيل
(1/124)
وَيُقَال فِيهَا تَارَة مُخَفّفَة من
الثَّقِيلَة كَالَّتِي فِي نَحْو {علم أَن سَيكون مِنْكُم مرضى}
{وَحَسبُوا أَلا تكون فتْنَة} فِي قِرَاءَة الرّفْع فِي يكون وَهِي
قِرَاءَة أبي عَمْرو وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ وَيَعْقُوب وَخلف فِي
اخْتِيَاره
وَكَذَا يحكم لَهَا بِالتَّخْفِيفِ من الثَّقِيلَة حَيْثُ وَقعت بعد
علم وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ ع ل م بل كل مَا يدل على الْيَقِين أَو ظن
ينزل ذَلِك الظَّن منزلَة الْعلم
وَتقدم مثالهما
الْكَلِمَة الرَّابِعَة مِمَّا جَاءَ على أَرْبَعَة أوجه من بِفَتْح
الْمِيم فَتكون تَارَة شَرْطِيَّة كَالَّتِي فِي نَحْو {من يعْمل سوءا
يجز بِهِ} وَتارَة مَوْصُولَة كَالَّتِي فِي نَحْو {وَمن النَّاس من
يَقُول} على أحد الِاحْتِمَالَيْنِ فتحتاج إِلَى صلَة وعائد وَتارَة
استفهامية كَالَّتِي فِي نَحْو
(1/125)
{من بعثنَا من مرقدنا} فتحتاج إِلَى جَوَاب
وَتارَة نكرَة مَوْصُوفَة كَالَّتِي فِي نَحْو مَرَرْت بِمن معجب لَك
إِنْسَان معجب لَك وتحتاج إِلَى صفة وَأَجَازَ ابو عَليّ الْفَارِسِي
أَن تقع نكرَة تَامَّة فَلَا تحْتَاج إِلَى صفة
وَحمل عَلَيْهِ قَوْله
(وَنعم من هُوَ فِي سر وإعلان ... )
ففاعل نعم مستتر فِيهَا وَمن تَمْيِيز بِمَعْنى شخصا وَالضَّمِير
الْمُنْفَصِل هُوَ الْمَخْصُوص بالمدح أَي وَنعم شخصا هُوَ أَي بشر بن
مَرْوَان الْمَذْكُور فِي الْبَيْت قبله
(1/126)
النَّوْع الْخَامِس مَا يَأْتِي من
الْكَلِمَات على خَمْسَة أوجه
وَهُوَ شَيْئَانِ أَحدهمَا أَي بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء
فَتَقَع تَارَة شَرْطِيَّة فتحتاج إِلَى شَرط وَجَوَاب وَالْأَكْثَر
أَن تتصل بهَا مَا الزَّائِدَة نَحْو {أَيّمَا الْأَجَليْنِ قضيت فَلَا
عدوان عَليّ} فَأَي اسْم شَرط مفعول مقدم لقضيت وقضيت فعل الشَّرْط
وَجُمْلَة فَلَا عدوان عَليّ جَوَاب الشَّرْط
وَتَقَع تَارَة استفهامية فتحتاج إِلَى جَوَاب نَحْو {أَيّكُم زادته
هَذِه إِيمَانًا} فَأَي مُبْتَدأ وَخَبره مَا بعده
وَتَقَع تَارَة مَوْصُولَة خلافًا لثعلب فِي زَعمه أَنَّهَا لَا تقع
مَوْصُولَة أصلا وَيَردهُ نَحْو {لننزعن من كل شيعَة أَيهمْ أَشد}
فَأَي مَوْصُولَة حذف صدر صلتها أَي الَّذِي هُوَ اشد قَالَه
سِيبَوَيْهٍ وَمن تَابعه وَهِي عِنْده مَبْنِيَّة على الضَّم إِذا
أضيفت وَحذف صدر صلتها كهذه الْآيَة وَقَالَ
(1/127)
من رأى أَن أيا الموصولة لَا تبنى
وَإِنَّمَا هِيَ معربة دَائِما وَهِي هُنَا فِي هَذِه الْآيَة
استفهامية فَأَي مُبْتَدأ وَأَشد خَبره وَعَلِيهِ الْكُوفِيُّونَ
وَجَمَاعَة من الْبَصرِيين مِنْهُم الزّجاج وَقَالَ مَا تبين لي أَن
سِيبَوَيْهٍ مَا غلط إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا هَذِه
فَإِنَّهُ يسلم أَنَّهَا تعرب إِذا أفردت فَكيف يَقُول ببنائها إِذا
أضيفت وَتَقَع تَارَة دَالَّة على معنى الْكَمَال للموصوف فِي
الْمَعْنى فَتَقَع صفة للنكرة قبلهَا نَحْو قَوْلك هَذَا رجل أَي رجل
فاي صفة لرجل دَالَّة على معنى الْكَمَال أَي هَذَا رجل كَامِل فِي صفة
الرِّجَال
وَتَقَع حَالا لمعْرِفَة قبلهَا كمررت بِعَبْد الله أَي رجل فَأَي
مَنْصُوبَة على الْحَال من عبد الله أَي كَامِلا فِي صفة الرِّجَال
وَتَقَع تَارَة وصلَة لنداء مَا فِيهِ أل نَحْو {يَا أَيهَا
الْإِنْسَان} فَأَي منادى وَهَا للتّنْبِيه وَالْإِنْسَان نعت أَي
وحركته اعرابية وحركة أَي بنائية
والكلمة الثَّانِيَة مِمَّا جَاءَ على خَمْسَة أوجه لَو فأحد أوجهها
وَهُوَ الْغَالِب أَن تكون حرف شَرط فِي الْمَاضِي نَحْو لَو جَاءَ زيد
أكرمته
وَإِذا دخلت على الْمُضَارع صرفته إِلَى الْمَاضِي نَحْو لَو يَفِي كفى
فَيُقَال فِيهَا تَارَة حرف يَقْتَضِي امْتنَاع مَا يَلِيهِ وَهُوَ فعل
الشَّرْط مثبتا كَانَ أَو منفيا وَيَقْتَضِي استلزامه أَي فعل الشَّرْط
لتاليه وَهُوَ جَوَاب
(1/128)
الشَّرْط مثبتا كَانَ أَو منفيا فالأقسام
أَرْبَعَة لِأَنَّهُمَا إِمَّا مثبتان نَحْو لَو جَاءَ زيد أكرمته أَو
منفيان نَحْو لَو لم يجىء مَا أكرمته أَو الأول مُثبت وَالثَّانِي منفي
نَحْو لَو قصدني مَا خيبته أَو عَكسه نَحْو لَو لم يجئني مَا عتبت
عَلَيْهِ
والمنطقيون يسمون الشَّرْط مقدما لتقدمه فِي الذّكر ويسمون الْجَواب
تاليا لِأَنَّهُ يتلوه ثمَّ يَنْتَفِي التَّالِي إِن لزم الْمُقدم وَلم
يخلف الْمُقدم غَيره نَحْو {وَلَو شِئْنَا لرفعناه بهَا} فَلَو هُنَا
دَالَّة على أَمريْن أَحدهمَا أَن مَشِيئَة الله الَّتِي هِيَ الْمُقدم
لرفع هَذَا المنسلخ الَّذِي هُوَ التَّالِي منفية بِدُخُول لَو
عَلَيْهَا وَيلْزم من هَذَا النَّفْي الْمُقدم الَّذِي هُوَ مَشِيئَة
الله أَن يكون رَفعه أَي رفع هَذَا المنسلخ الَّذِي هُوَ التَّالِي
منفيا للزومه للمقدم ولكونه لم يخلف الْمُتَقَدّم غَيره إِذْ لَا سَبَب
لَهُ أَي للتالي وَهُوَ الرّفْع إِلَّا الْمُقدم وَهُوَ الْمَشِيئَة
وَقد انْتَفَت وَلَا يخلفها غَيرهَا فَيَنْتَفِي الرّفْع وَهَذَا الحكم
بِخِلَاف مَا إِذا خلف الْمُقدم غَيره نَحْو قَول عمر فِي صُهَيْب لَو
لم يخف الله لم يَعْصِهِ فَإِنَّهُ لَا يلْزم من انْتِفَاء الْمُقدم
الَّذِي هُوَ لم يخف انْتِفَاء التَّالِي الَّذِي هُوَ لم يعْص حَتَّى
يكون الْمَعْنى أَنه قد خَافَ وَعصى بِنَاء على أَن لَو إِذا دخلت على
يكون الْمَعْنى أَنه منفى أثبتته مقدما كَانَ أَو تاليا وَذَلِكَ متخلف
هُنَا لِأَن انْتِفَاء الْعِصْيَان الَّذِي هُوَ التَّالِي لَهُ سببان
أَحدهمَا الْخَوْف من الْعقَاب وَهِي طَريقَة الْعَوام وَالثَّانِي
الإجلال لله والتعظيم لَهُ وَهِي طَريقَة الْخَواص العارفين بِاللَّه
المُرَاد أَن صهيبا رَضِي الله عَنهُ من هَذَا الْقسم أَي من
(1/129)
قسم الْخَواص وَهُوَ أَن سَبَب خَوفه من
الله تَعَالَى وتعظيمه وَأَنه لَو قدر أَي فرض خلوه عَن الْخَوْف لم
تقع مِنْهُ مَعْصِيّة فَكيف وَالْخَوْف مَعَ ذَلِك حَاصِل لَهُ وَهَذِه
الْمَسْأَلَة كالمستثناة من حكم لَو وَهُوَ أَنَّهَا إِذا دخلت على
مُثبت صيرته منفيا وَإِذا دخلت على منفي صيرته مثبتا وَكَذَا حكم
جوابها وَمن هُنَا أَي من أجل أَنه لَا يلْزم من امْتنَاع الْمُقدم
امْتنَاع التَّالِي فِي نَحْو لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ تبين فَسَاد
قَول المعربين أَن لَو حرف امْتنَاع للجواب لِامْتِنَاع الشَّرْط
وَالصَّوَاب أَنَّهَا لَا تعرض لَهَا إِلَى امْتنَاع الْجَواب أصلا
وَلَا إِلَى ثُبُوته وأنما لَهَا تعرض لِامْتِنَاع الشَّرْط فَقَط
فَإِن لم يكن للجواب سَبَب سوى ذَلِك الشَّرْط لَا غير بِحَيْثُ لَا
يخلفه غَيره لزم من انتفائه أَي الشَّرْط انتفاؤه أَي الْجَواب نَحْو
لَو كَانَت الشَّمْس طالعة لَكَانَ النَّهَار مَوْجُودا فَيلْزم من
انْتِفَاء الشَّرْط وَهُوَ طُلُوع الشَّمْس انْتِفَاء الْجَواب وَهُوَ
وجود النَّهَار
وَإِن خلف الشَّرْط غَيره بِأَن كَانَ لَهُ أَي للجواب سَبَب آخر غير
الشَّرْط لم يلْزم من انتفائه أَي الشَّرْط انْتِفَاء الْجَواب وَلَا
ثُبُوته لِأَنَّهَا لَا تعرض إِلَى امْتنَاع الْجَواب وَلَا إِلَى
ثبوتة نَحْو لَو كَانَت الشَّمْس طالعة كَانَ الضَّوْء مَوْجُودا
فَأَنَّهُ لَا يلْزم من انْتِفَاء طُلُوع الشَّمْس انْتِفَاء وجود
الضَّوْء وَلَا ثُبُوته وَمِنْه قَول عمر رَضِي الله عَنهُ نعم العَبْد
صُهَيْب لَو لم يخف الله لم يَعْصِهِ وَتقدم تَوْجِيهه
الْأَمر الثَّانِي مِمَّا دلّت عَلَيْهِ لَو فِي الْمِثَال الْمَذْكُور
وَهُوَ وَلَو شِئْنَا لرفعناه بهَا إِن ثُبُوت الْمَشِيئَة من الله
تَعَالَى مُسْتَلْزم لثُبُوت الرّفْع ضَرُورَة لِأَن الْمَشِيئَة سَبَب
للرفع وَالرَّفْع سَبَب عَنْهَا
وَثُبُوت السَّبَب مُسْتَلْزم لثُبُوت الْمُسَبّب
(1/130)
وَهَذَانِ المعنيان الْمعبر عَنْهُمَا
بالأمرين قد تضمنتهما أَي شملتهما الْعبارَة الْمَذْكُورَة وَهِي
قَوْله حرف يَقْتَضِي امْتنَاع مَا يَلِيهِ واستلزامه لتاليه دون
عبارَة المعربين وَهِي قَوْلهم حرف امْتنَاع لِامْتِنَاع فَإِنَّهَا
لَا تتضمنها
الْوَجْه الثَّانِي من أوجه لَو أَن تكون حرف شَرط فِي الْمُسْتَقْبل
مرادفا لِأَن الشّرطِيَّة إِلَّا أَنَّهَا أَي لَوْلَا تجزم على
الْمَشْهُور كَقَوْلِه تَعَالَى {وليخش الَّذين لَو تركُوا من خَلفهم
ذُرِّيَّة ضعافا خَافُوا عَلَيْهِم} فَلَو هُنَا شَرْطِيَّة
بِمَنْزِلَة إِن أَي إِن تركُوا أَي شارفوا وقاربوا أَن يتْركُوا
وَإِنَّمَا احْتَاجَ إِلَى التَّفْسِير الثَّانِي لِأَن الْخطاب
للأوصياء أَو لمن يحضر الْمُوصي حَالَة الايصاء وَإِنَّمَا يتَوَجَّه
الْخطاب إِلَيْهِم قبل التّرْك لأَنهم بعده أموات قَالَه المُصَنّف فِي
الْمُغنِي
وَنَحْو قَول الشَّاعِر وَهُوَ تَوْبَة صَاحب ليلى الأخيلية
(1/131)
مُسْتَلْزم لثُبُوت الْمُسَبّب
(وَلَو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا ... وَمن دون رمسينا من الأَرْض سبسب)
أَي وَإِن تلتقي واثبات الْيَاء دَلِيل على أَن لَو غير جازمة وَزعم
قوم أَن الْجَزْم بهَا مطردَة وَخَصه ابْن الشجري بالشعر
الْوَجْه الثَّالِث من أوجه لَو أَن تكون حرفا مصدريا أَي مؤولا مَعَ
صلته بمصدر مرادفا لِأَن المصدرية إِلَّا أَنَّهَا أَي لَوْلَا تنصب
كَمَا تنصب أَن وَأكْثر وُقُوعهَا بعد ود {ودوا لَو تدهن فيدهنون} أَي
ودوا الإدهان وَبعد يود نَحْو {يود أحدهم لَو يعمر} أَي التَّعْمِير
وَمن الْقَلِيل قَول قتيلة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(مَا كَانَ ضرك لَو مننت وَرُبمَا ... من الْفَتى وَهُوَ المغيظ
المحنق)
أَي مِنْك
(1/132)
وَوُقُوع لَو مَصْدَرِيَّة قَالَ بِهِ
الْفراء والفارسي والتبريزي وَأَبُو الْبَقَاء وَابْن مَالك من
النَّحْوِيين وَأَكْثَرهم لَا يثبت هَذَا الْقسم وَهُوَ وُقُوع لَو
مَصْدَرِيَّة حذرا من الِاشْتِرَاك وَتخرج الْآيَة الثَّانِيَة
وَنَحْوهَا على حذف مفعول الْفِعْل الَّذِي قبلهَا وَهُوَ يود وَحذف
الْجَواب بعْدهَا أَي يود أحدهم التَّعْمِير لَو يعمر ألف سنة لسره
ذَلِك وَلَا يخفي مَا فِي هَذَا التَّقْدِير من كَثْرَة الْحَذف
الْوَجْه الرَّابِع من أوجه لَو أَن تكون حرفا لِلتَّمَنِّي
بِمَنْزِلَة لَيْت إِلَّا أَنَّهَا لَا تنصب وَلَا ترفع نَحْو {فَلَو
أَن لنا كرة فنكون} فَلَو لِلتَّمَنِّي أَي فليت لنا كرة قيل وَلِهَذَا
أَي تكون لَو لِلتَّمَنِّي نصب فنكون فِي جوابها كَمَا انتصبت فأفوز
فِي جَوَاب لَيْت بِأَن مضمرة بعد الْفَاء وجوبا فِي قَوْله تَعَالَى
{يَا لَيْتَني كنت مَعَهم فأفوز فوزا عَظِيما} هَكَذَا استدلوا وَلَا
دَلِيل لَهُم فِي هَذَا الِاسْتِدْلَال لجَوَاز أَن يكون النصب فِي
فنكون بِأَن مضمرة جَوَازًا بعد الْفَاء وَأَن الْفِعْل فِي تَأْوِيل
مصدر مَعْطُوف على كرة مثله فِي قَوْله وَهُوَ الشَّخْص الْمُسَمّى
مَيْسُونُ أم يزِيد بن مُعَاوِيَة وَكَانَت بدوية
(وَلبس عباءة وتقر عَيْني ... أحب إِلَيّ من لبس الشفوف)
(1/133)
فتقر مَنْصُوب بِأَن مضمرة بعد الْوَاو
جَوَازًا وَأَن وَالْفِعْل فِي تَأْوِيل مصدر مَعْطُوف على لبس وَمثله
فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إِلَّا وَحيا
أَو من وَرَاء حجاب أَو يُرْسل رَسُولا} فَيُرْسل مَنْصُوب بِأَن مضمرة
بعد أَو جَوَازًا وان وَالْفِعْل فِي تَأْوِيل مصدر مَعْطُوف على وَحيا
وَمثله فِي قَول الشَّاعِر
(إِنِّي وقتلى سليكا ثمَّ أعقله ... كالثور يضْرب لما عافت الْبَقر)
فاعقل مَنْصُوب بِأَن مضمرة جَوَازًا بعد ثمَّ وَأَن وَالْفِعْل فِي
تَأْوِيل مصدر مَعْطُوف على قَتْلِي وَهُوَ من خَصَائِص الْفَاء
وَالْوَاو وأو وَثمّ
الْوَجْه الْخَامِس من أوجه لَو أَن تكون للعرض وَهُوَ الطّلب بلين
ورفق نَحْو لَو تنزل عندنَا فتصيب خيرا ذكره ابْن مَالك فِي التسهيل
(1/134)
وَذكر لَهَا ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ
وَغَيره معنى آخر سادسا وَهُوَ أَن تكون للتقليل بِالْقَافِ نَحْو
قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتصدقوا وَلَو بظلف محرق وَفِي
رِوَايَة النَّسَائِيّ ردوا السَّائِل وَلَو بظلف محرق وَالْمعْنَى
تصدقوا بِمَا تيَسّر وَلَو بلغ فِي الْقلَّة كالظلف وَهُوَ بِكَسْر
الظَّاء الْمُعْجَمَة للبقر وَالْغنم كالحافر للْفرس وَالْمرَاد
بالمحرق المشوي وَفِي رِوَايَة الشَّيْخَيْنِ اتَّقوا النَّار وَلَو
بشق تَمْرَة
وَقد يَدعِي أَن التقليل إِنَّمَا من مدخولها لَا مِنْهَا لِأَن الظلْف
والشق يشعران بالتقليل
(1/135)
النَّوْع السَّادِس مَا يَأْتِي من
الْكَلِمَات على سَبْعَة أوجه
وَهُوَ قد لَا غير فأحد أوجهها أَن تكون اسْما بِمَعْنى حسب أَي كَافِي
وفيهَا مذهبان أَحدهمَا أَنَّهَا معربة رفعا على الِابْتِدَاء وَمَا
بعْدهَا خبر وَإِلَيْهِ ذهب الْكُوفِيُّونَ وعَلى هَذَا فَيُقَال
فِيهَا إِذا أضيفت إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم قدي دِرْهَم بِغَيْر نون
للوقاية كَمَا يُقَال حسبى دِرْهَم بِغَيْر نون وجوبا
وَالثَّانِي أَنَّهَا مَبْنِيَّة على السّكُون لشبهها بالحرفية لفظا
وَهُوَ مَذْهَب الْبَصرِيين وعَلى هَذَا يُقَال قدي بِغَيْر نون حملا
على حسبى وقدني بالنُّون حفظا للسكون لِأَنَّهُ الأَصْل فِي الْبناء
الْوَجْه الثَّانِي من أوجه قد أَن تكون اسْم فعل بِمَعْنى يَكْفِي
وَهِي مَبْنِيَّة اتِّفَاقًا ويتصل بهَا يَاء الْمُتَكَلّم فَيُقَال
قدني دِرْهَم بالنُّون وجوبا كَمَا يُقَال يَكْفِينِي دِرْهَم فياء
الْمُتَكَلّم فِي مَحل نصب على المفعولية وَدِرْهَم فَاعل
الْوَجْه الثَّالِث من أوجه قد أَن تكون حرف تَحْقِيق لكَونهَا تفِيد
تَحْقِيق وُقُوع الْفِعْل بعْدهَا فَتدخل على الْفِعْل الْمَاضِي
اتِّفَاقًا
(1/136)
نَحْو {قد أَفْلح من زكاها} فحققت حُصُول
الْفَلاح لمن اتّصف بذلك قيل وَتدْخل أَيْضا على الْفِعْل الْمُضَارع
نَحْو {قد يعلم مَا أَنْتُم عَلَيْهِ} أَي قد علم فحصول الْعلم مُحَقّق
لله تَعَالَى وَهَذَا مَأْخُوذ من قَول التسهيل وَعَلَيْهِمَا للتحقيق
الْوَجْه الرَّابِع من أوجه قد أَن تكون حرف توقع لكَونهَا تفِيد توقع
الْفِعْل وانتظاره فَتدخل عَلَيْهِمَا أَي على الْمَاضِي والمضارع على
الْأَصَح فيهمَا وَفِي قَوْله أَيْضا تسمح لِأَن قد الَّتِي للتحقيق
لَا تدخل على الْمُضَارع إِلَّا فِي قَول ضَعِيف عبر عَنهُ بقيل تَقول
فِي الْمُضَارع قد يخرج زيد إِذا كَانَ خُرُوجه متوقعا منتظرا فَدلَّ
على أَن الْخُرُوج منتظر متوقع وَتقول فِي الْمَاضِي قد خرج زيد لمن
يتَوَقَّع خُرُوجه وَفِي التَّنْزِيل {قد سمع الله قَول الَّتِي
تُجَادِلك فِي زَوجهَا} لِأَنَّهَا كَانَت تتَوَقَّع سَماع شكواها
هَذَا مَذْهَب الْأَكْثَر من النَّحْوِيين
وَزعم بَعضهم أَنَّهَا أَي قد لَا تكون للتوقع مَعَ الْمَاضِي لِأَن
التوقع انْتِظَار الْوُقُوع فِي الْمُسْتَقْبل والماضي قد وَقع فَكيف
يتَوَقَّع وُقُوع مَا وَقع
(1/137)
وَقَالَ الَّذين أثبتوا معنى التوقع مَعَ
الْمَاضِي أَنَّهَا تدل على أَنه أَي الْفِعْل الْمَاضِي كَانَ منتظرا
تَقول قد ركب الْأَمِير لقوم ينتظرون هَذَا الْخَبَر وَهُوَ ركُوب
الْأَمِير ويتوقعون الْفِعْل وَهُوَ الرّكُوب وَذهب المُصَنّف فِي
المغنى أَن قد لَا تفِيد التوقع أصلا
الْوَجْه الْخَامِس من أوجه قد تقريب الزَّمن الْمَاضِي من الزَّمن
الْحَال نَحْو قد قَامَ فَإِنَّهَا قربت الْمَاضِي من الْحَال
وَلِهَذَا التَّقْرِيب تلْزم قد مَعَ الْمَاضِي الْوَاقِع حَالا
اصطلاحية إِمَّا ظَاهِرَة فِي اللَّفْظ نَحْو {وَقد فصل لكم مَا حرم
عَلَيْكُم} {وَقد فصل لكم} حَالية أَو مقدرَة نَحْو {هَذِه بضاعتنا
ردَّتْ إِلَيْنَا} أَي قد ردَّتْ إِلَيْنَا وَالْجُمْلَة حَالية
وَذهب الْكُوفِيُّونَ والأخفش إِلَى أَن اقتران الْمَاضِي الْوَاقِع
حَالا ب قد لَيْسَ بِلَازِم لِكَثْرَة وُقُوعه حَالا بِدُونِ قد
وَالْأَصْل عدم التَّقْدِير هَذَا هُوَ الظَّاهِر إِذْ لَيْسَ بَين
الْحَال الاصطلاحية وَالْحَال الزمانية ارتباط معنوي بِدَلِيل أَنهم
قسموا الْحَال الاصطلاحية إِلَى ماضوية ومقارنة ومستقبلة اللَّهُمَّ
إِلَّا أَن يُقَال الْكَلَام فِي الْحَال الْمُقَارنَة لِأَنَّهَا
المتبادرة إِلَى الذِّهْن عِنْد الْإِطْلَاق
(1/138)
وَقَالَ ابْن عُصْفُور إِذا أُجِيب الْقسم
بماض معنى مُثبت لَا منفي متصرف لَا جامد فَإِن كَانَ الْمَعْنى
قَرِيبا من الْحَال جِئْت قبل الْفِعْل الْمَاضِي بِاللَّامِ وَقد
جَمِيعًا منحو تالله لقد قَامَ زيد وَفِي التَّنْزِيل {تالله لقد آثرك
الله علينا} وَإِن كَانَ الْمَعْنى بَعيدا من الْحَال جِئْت قبل
الْفِعْل الْمَاضِي بِاللَّامِ فَقَط كَقَوْلِه وَهُوَ امْرُؤ الْقَيْس
(حَلَفت لَهَا بِاللَّه حلفة فَاجر ... لناموا فَمَا إِن من حَدِيث
وَلَا صال)
قَالَ المُصَنّف فِي المغنى وَالظَّاهِر فِي الْآيَة وَالْبَيْت عكس
مَا قَالَ إِذْ المُرَاد فِي الْآيَة لقد فضلك الله علينا بِالصبرِ
وَذَلِكَ مَحْكُوم لَهُ بِهِ فِي الْأَزَل وَهُوَ متصف بِهِ مذ عقل
وَالْمرَاد فِي الْبَيْت أَنهم نَامُوا قبل مَجِيئه انْتهى
(1/139)
وَزعم جَار الله الزَّمَخْشَرِيّ فِي كشافه
عِنْدَمَا تكلم على قَوْله {لقد أرسلنَا نوحًا} فِي تَفْسِير سُورَة
الْأَعْرَاف أَن قد الْوَاقِعَة مَعَ لَام الْقسم تكون بِمَعْنى التوقع
وَهُوَ الِانْتِظَار لِأَن السَّامع يتَوَقَّع الْخَبَر وينتظره عِنْد
سَماع الْمقسم بِهِ هَذَا معنى كَلَام الزَّمَخْشَرِيّ وَلَفظه فَإِن
قلت فَمَا بالهم لَا يكادون ينطقون بِهَذِهِ اللَّام إِلَّا مَعَ قد
وَقل عَنْهُم نَحْو قَوْله حَلَفت بِاللَّه الْبَيْت قلت الْجُمْلَة
القسمية لَا تساق إِلَّا توكيدا للجملة الْمقسم عَلَيْهَا الَّتِي هِيَ
جوابها فَكَانَت فطنة لِمَعْنى التوقع الَّذِي هُوَ معنى قد عِنْد
اسْتِمَاع الْمُخَاطب كلمة الْقسم انْتهى وَلَا يُنَافِي ذَلِك كَونهَا
للتقريب قَالَ فِي التسهيل وَتدْخل على فعل مَاض متوقع لَا يشبه
الْحَرْف لتقريبه من الْحَال انْتهى وَاحْترز بقوله لَا يشبه الْحَرْف
من الْفِعْل الجامد نَحْو نعم وَبئسَ وَافْعل التَّعَجُّب فَلَا تدخل
عَلَيْهَا قد لِأَنَّهَا سلبت الدّلَالَة على الْمُضِيّ
الْوَجْه السَّادِس من أوجه قد التقليل بِالْقَافِ وَهُوَ ضَرْبَان
الأول تقليل وُقُوع الْفِعْل نَحْو قَوْلهم فِي الْمثل قد يصدق الكذوب
وَقد يجود الْبَخِيل فوقوع الصدْق من الكذوب والجود من الْبَخِيل
قَلِيل
(1/140)
وَالثَّانِي تقليل مُتَعَلّقه أَي مُتَعَلق
الْفِعْل نَحْو قَوْله تَعَالَى {قد يعلم مَا أَنْتُم عَلَيْهِ} فمتعلق
الْفِعْل الْعلم بِمَا هم عَلَيْهِ أَي أَن مَا هم منطوون عَلَيْهِ من
الْأَحْوَال والمتعلقات هُوَ أقل معلوماته وَزعم بَعضهم أَنَّهَا أَي
قد فِي ذَلِك أَي فِي قَوْله تَعَالَى {قد يعلم مَا أَنْتُم عَلَيْهِ}
للتحقيق لَا للتقليل كَمَا تقدم فِي قَوْله وَقد تدخل على الْمُضَارع
نَحْو قَوْله تَعَالَى {قد يعلم مَا أَنْتُم عَلَيْهِ} وَزعم هَذَا
الْبَعْض أَيْضا أَن التقليل فِي المثالين وهما قد يصدق الكذوب وَقد
يجود الْبَخِيل لم يستفد من لفظ قد بل من نفس قَوْلك الْبَخِيل يجود
وَمن قَوْلك الكذوب يصدق فَإِنَّهُ أَي الشَّأْن إِن لم يحمل على أَن
صُدُور ذَلِك أَي الْجُود من الْبَخِيل والصدق من الكذوب قَلِيل على
جِهَة الندور كَانَ متناقضا لِأَن الْبَخِيل والكذوب صِيغَة مُبَالغَة
تَقْتَضِي كَثْرَة الْبُخْل وَالْكذب فَلَو كَانَ كل من يجود وَيصدق
بِدُونِ قد يَقْتَضِي كَثْرَة الْجُود والصدق لزم تدافع الكثيرين لِأَن
آخر الْكَلَام وَهُوَ الْبَخِيل والكذوب يدْفع أَوله وَهُوَ يجود
وَيصدق
(1/141)
الْوَجْه السَّابِع من أوجه قد التكثير
قَالَه سِيبَوَيْهٍ فِي قَوْله وَهُوَ الْهُذلِيّ
(قد أترك الْقرن مصفرا أنامله ... كَأَن أثوابه مجت بفرصاد)
والقرن بِكَسْر الْقَاف الْكُفْء فِي الشجَاعَة والأنامل جمع أنمله
وَهِي رَأس الْأصْبع ومجت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول أَي رميت يُقَال مج
الرجل من فِيهِ إِذا رمى بِهِ والفرصاد بِكَسْر التَّاء التوت
الْأَحْمَر
وَقَالَهُ الزَّمَخْشَرِيّ أَي قَالَ إِنَّهَا ترد للتكثير فِي قَوْله
تَعَالَى {قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء} وَالْكَثْرَة هُنَا فِي
مُتَعَلق الْفِعْل لَا فِي نَفسه وَإِلَّا لزم تَكْثِير الرُّؤْيَة
وَهِي قديمَة وتكثير الْقَدِيم بَاطِل عِنْد أهل السّنة
(1/142)
النَّوْع السَّابِع مَا يَأْتِي من
الْكَلِمَات على ثَمَانِيَة أوجه
وَهُوَ الْوَاو وَذَلِكَ أَي الانحصار فِي الثَّمَانِية أَن لنا واوين
يرْتَفع مَا بعدهمَا من الِاسْم وَالْفِعْل الْمُضَارع وهما وَاو
الِاسْتِئْنَاف وَهِي الْوَاقِعَة فِي ابْتِدَاء كَلَام آخر غير
الْأَخير نَحْو قَوْله تَعَالَى {لنبين لكم ونقر فِي الْأَرْحَام مَا
نشَاء} بِرَفْع نقر فالواو الدَّاخِلَة عَلَيْهِ وَاو الِاسْتِئْنَاف
فَإِنَّهَا لَو كَانَت للْعَطْف على نبين لَا تنصب الْفِعْل
الدَّاخِلَة عَلَيْهِ وَهُوَ نقر كَمَا نصب فِي قِرَاءَة أبي زرْعَة
وَعَاصِم فِي رِوَايَة الْمفضل
وَالْوَاو الثَّانِيَة وَاو الْحَال وَهِي الدَّاخِلَة على الْجُمْلَة
الحالية اسمية كَانَت أَو فعلية وَتسَمى وَاو الِابْتِدَاء أَيْضا
نَحْو قَوْلك جَاءَ زيد وَالشَّمْس طالعة وَنَحْو دخل زيد وَقد غربت
الشَّمْس وسيبويه يقدرها بإذ لِأَنَّهَا تدخل على الجملتين بِخِلَاف
إِذا لاختصاصها بِالْجُمْلَةِ الفعلية على الْأَصَح
(1/143)
وَإِن لنا واوين ينْتَصب مَا بعدهمَا من
الِاسْم وَالْفِعْل الْمُضَارع ويفيدان الْمَعِيَّة وهما وَاو
الْمَفْعُول مَعَه نَحْو قَوْلك سرت والنيل بِنصب النّيل على أَنه
مفعول مَعَه
وَالثَّانيَِة وَاو الْجمع الدَّاخِلَة على الْفِعْل الْمُضَارع
الْمَسْبُوق بِنَفْي اَوْ طلب محضين وَتسَمى عِنْد الْكُوفِيّين وَاو
الصّرْف لصرفهم نصب مَا بعْدهَا عَن سنَن الْكَلَام مِثَال الدَّاخِلَة
على الْفِعْل الْمَسْبُوق بِالنَّفْيِ نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَلما
يعلم الله الَّذين جاهدوا مِنْكُم وَيعلم الصابرين} أَي وَأَن يعلم
وَمِثَال الدَّاخِلَة على الْفِعْل الْمَسْبُوق بِالطَّلَبِ نَحْو قَول
أبي الْأسود الدؤَلِي
(لَا تنه عَن خلق وَتَأْتِي مثله ... عَار عَلَيْك إِذا فعلت عَظِيم)
أَي وَأَن تَأتي وَعبارَة المغنى والواوان اللَّذَان ينصب مَا بعدهمَا
وَاو الْمَفْعُول مَعَه وَالْوَاو الدَّاخِلَة على الْمُضَارع
الْمَنْصُوب بعطفه على اسْم صَرِيح أَو مؤول فالصريح كَقَوْلِه
(وَلبس عباءة وتقر عَيْني ... )
والمؤول نَحْو الْوَاقِع قبل وَاو الصّرْف انْتهى
(1/144)
وَأَن لنا واوين ينجر مَا بعدهمَا من
الْأَسْمَاء وهما وَاو الْقسم يجر مَا بعْدهَا بهَا نَحْو قَوْله
تَعَالَى {والتين وَالزَّيْتُون} وَالثَّانيَِة وَاو رب ينجر مَا
بعْدهَا بإضمار رب لَا بِالْوَاو على الْأَصَح كَقَوْلِه وَهُوَ عَامر
بن الْحَرْث
(وبلدة لَيْسَ بهَا أنيس ... إِلَّا اليعافير وَإِلَّا العيس)
أَي وَرب بَلْدَة واليعافير والظباء الْبيض والعيس الْإِبِل
وَإِن لنا واوا يكون مَا بعْدهَا على حسب مَا قبلهَا وَهِي وَاو
الْعَطف وَهَذِه هِيَ الأَصْل وَالْغَالِب وَهِي لمُطلق الْجمع على
الْأَصَح فَلَا تدل على تَرْتِيب وَلَا معية إِلَّا بِقَرِينَة خارجية
وَعند التجرد من الْقَرِينَة يحْتَمل معطوفها الْمعَانِي الثَّلَاثَة
فَإِذا قلت قَامَ زيد وَعَمْرو
كَانَ مُحْتملا للمعية والتأخر والتقدم
وَإِن لنا واوا يكون دُخُولهَا فِي الْكَلَام كخروجها وَهِي الْوَاو
الزَّائِدَة وَتسَمى فِي الْقُرْآن صلَة نَحْو قَوْله تَعَالَى {حَتَّى
إِذا جاؤوها وَفتحت أَبْوَابهَا} ففتحت جَوَاب إِذا وَالْوَاو صلَة
جِيءَ بهَا لتوكيد الْمَعْنى بِدَلِيل الْآيَة الْأُخْرَى قبلهَا وَهِي
{حَتَّى إِذا جاؤوها فتحت أَبْوَابهَا} بِغَيْر وَاو
(1/145)
وَقيل لَيست زَائِدَة وَإِنَّهَا عاطفة
وَالْجَوَاب مَحْذُوف وَالتَّقْدِير كَانَ كَيْت وَكَيْت قَالَه
الزَّمَخْشَرِيّ والبيضاوي
وَقيل وَاو الْحَال أَي وَقد فتحت فَدخلت الْوَاو لبَيَان أَنَّهَا
كَانَت مفتحة قبل مجيئهم وحذفت فِي الْآيَة الأولى لبَيَان أَنَّهَا
كَانَت مغلقة قبل مجيئهم قَالَه الْبَغَوِيّ وَقَول جمَاعَة من الأدباء
كالحريري وَمن النَّحْوِيين كَابْن خالويه وَمن الْمُفَسّرين
كَالثَّعْلَبِيِّ أَنَّهَا أَي الْوَاو فِي وَفتحت وَاو الثَّمَانِية
لِأَن أَبْوَاب الْجنَّة ثَمَانِيَة وَلذَلِك لم تدخل فِي الْآيَة
قبلهَا لِأَن أَبْوَاب جَهَنَّم سَبْعَة
وَقَوْلهمْ إِن مِنْهَا أَي من وَاو الثَّمَانِية قَوْله تَعَالَى
{وثامنهم كلبهم} وَهَذَا القَوْل لَا يرضاه نحوي لِأَنَّهُ لَا
يتَعَلَّق بِهِ حكم إعرابي وَلَا سر معنوي
(1/146)
وَالْقَوْل بذلك أَي بِأَن الْوَاو وَاو
الثَّمَانِية فِي قَوْله تَعَالَى {والناهون عَن الْمُنكر} لِأَنَّهُ
الْوَصْف الثَّامِن ابعد من القَوْل بذلك فِي الْآيَتَيْنِ قبلهَا
وَالْقَوْل بذلك فِي قَوْله تَعَالَى {ثيبات وأبكارا} لِأَن الْبكارَة
وصف ثامن ظَاهر الْفساد لِأَن وَاو الثَّمَانِية صَالِحَة للسقوط عِنْد
الْقَائِل بهَا وَهِي فِي هَذِه الْآيَة لَا يَصح إِسْقَاطهَا إِذْ لَا
تَجْتَمِع الثيوبة والبكارة وَلَيْسَت أَبْكَارًا صفة ثامنة وَإِنَّمَا
هِيَ تاسعة إِذْ أول الصِّفَات {خيرا مِنْكُن}
وَقَول الثَّعْلَبِيّ إِن مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {سبع لَيَال
وَثَمَانِية أَيَّام} سَهْو ظَاهر لِأَنَّهَا عاطفة وَذكرهَا وَاجِب
(1/147)
النَّوْع الثَّامِن مَا يَأْتِي من
الْكَلِمَات على اثْنَي عشر وَجها
وَهُوَ مَا وَهِي على ضَرْبَيْنِ اسمية وحرفية
فالضرب الأول الاسمية وَهِي الْأَشْرَف وأوجها سَبْعَة أَحدهَا معرفَة
تَامَّة فَلَا تحْتَاج إِلَى شَيْء وَهِي ضَرْبَان عَامَّة وخاصة
فالعامة هِيَ الَّتِي لم يتقدمها اسْم تكون هِيَ وعاملها صفة لَهُ فِي
الْمَعْنى نَحْو قَوْله تَعَالَى {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ}
فَمَا فَاعل نعم مَعْنَاهَا الشَّيْء
وَهِي ضمير الصَّدقَات على تَقْدِير مُضَاف مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ تبدو
أَو هُوَ الْمَخْصُوص بالمدح أَي فَنعم الشَّيْء إبداؤها
والخاصة هِيَ الَّتِي يتقدمها اسْم تكون هِيَ وعاملها صفة لَهُ فِي
الْمَعْنى وَيقدر من لفظ ذَلِك الِاسْم الْمُتَقَدّم نَحْو غسلته غسلا
نعما ودققته دقا نعما
أَي نعم الغسيل وَنعم الدق
وَالثَّانِي معرفَة نَاقِصَة وَهِي الموصولة وتحتاج إِلَى صلَة وعائد
نَحْو قَوْله تَعَالَى {مَا عِنْد الله خير من اللَّهْو وَمن
التِّجَارَة} فَمَا مَوْصُول اسْمِي فِي مَحل رفع على الِابْتِدَاء
وَعند صلته وَخير خَبره أَي الَّذِي
(1/148)
عِنْد الله خير
وَالثَّالِث شَرْطِيَّة زمانية وَغير زمانية فَالْأولى نَحْو قَوْله
تَعَالَى {فَمَا استقاموا لكم فاستقيموا لَهُم} أَي اسْتَقِيمُوا لَهُم
مُدَّة استقامتهم لكم
وَالثَّانيَِة نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَمَا تَفعلُوا من خير يُعلمهُ
الله}
وَالرَّابِع استفهامية نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَمَا تِلْكَ بيمينك يَا
مُوسَى} وَيجب فِي الاستفهامية حذف ألفها إِذا كَانَت مجرورة نَحْو
قَوْله تَعَالَى {عَم يتساءلون} {فناظرة بِمَ يرجع المُرْسَلُونَ}
الأَصْل عَن مَا وَبِمَا فحذفت الْألف فرقا بَين الاستفهامية والخبرية
وَسمع إِثْبَاتهَا على الأَصْل نثرا وشعرا فالنثر كَقِرَاءَة عِيسَى
وَعِكْرِمَة {عَمَّا تَعْمَلُونَ} بِإِثْبَات الْألف
وَالشعر كَقَوْل حسان رَضِي الله عَنهُ
(على مَا قَامَ يَشْتمنِي لئيم ... كخنزير تمرغ فِي دمان)
(1/149)
فالدمان كالرماد وزنا وَمعنى إِلَّا أَن
حذف الْألف هُوَ الأجود وإثباتها لَا يكَاد يُوجد وَلِهَذَا أَي
وَلأَجل أَن مَا الاستفهامية تحذف ألفها إِذا جرت رد الْكسَائي على
الْمُفَسّرين قَوْلهم فِي قَوْله تَعَالَى {بِمَا غفر لي رَبِّي}
إِنَّهَا استفهامية وَجه الرَّد أَن نفي اللَّازِم يسْتَلْزم نفي
الْمَلْزُوم وَكَون مَا الاستفهامية مَدْخُول حرف الْجَرّ ملزوم لحذف
الْألف وَحذف الْألف لَازم فَإِذا ثبتَتْ الْألف فقد انْتَفَى
اللَّازِم وَإِذا انْتَفَى اللَّازِم وَهُوَ حذف الْألف انْتَفَى
الْمَلْزُوم وَهُوَ كَون مَا استفهامية وَإِذا انْتَفَى كَون مَا
استفهامية ثَبت نقيضه وَهُوَ كَونهَا غير استفهامية وَجَوَابه يُؤْخَذ
مِمَّا تقدم
قَالَ فِي الْكَشَّاف وَيحْتَمل أَن تكون مَا استفهامية أَعنِي بِأَيّ
شَيْء غفر لي رَبِّي فَطرح الْألف أَجود وَإِن كَانَ إِثْبَاتهَا
جَائِزا يُقَال قد علمت بِمَا صنعت هَذَا وَبِمَ صنعت انْتهى
وعَلى وجوب حذف الْألف إِنَّمَا جَازَ إِثْبَات الْألف فِي لماذا فعلت
لِأَن ألفها صَارَت حَشْوًا بالتركيب مَعَ ذَا وصيرورتها كالكلمة
الْوَاحِدَة فَأَشْبَهت مَا الاستفهامية فِي حَال تركيبها مَعَ ذَا
الموصولة فِي وُقُوع ألفها حَشْوًا لصيرورة الْمَوْصُول مَعَ صلته
كالشيء الْوَاحِد
وَالْخَامِس نكرَة تَامَّة غير محتاجة إِلَى صفة وَذَلِكَ وَاقع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع فِي كل مِنْهَا خلاف يذكر أَحدهَا الْوَاقِعَة فِي
بَاب نعم
(1/150)
وَبئسَ إِذا وَقع بعْدهَا اسْم أَو فعل
فَالْأول نَحْو قَوْله {فَنعما هِيَ} وَالثَّانِي كَقَوْلِك نعم مَا
صنعت فَمَا فِي المثالين نكرَة تَامَّة مَنْصُوبَة الْمحل على
التَّمْيِيز للضمير الْمُسْتَتر فِي نعم الْمَرْفُوع على الفاعلية
والمخصوص بالمدح فِي الْمِثَال الأول مَذْكُور أَي نعم شَيْئا هِيَ
وَفِي الْمِثَال الثَّانِي مَحْذُوف وَالْفِعْل وَالْفَاعِل صفته أَي
نعم شَيْئا شَيْء صَنعته
وَالْخلاف فِي الأول ثَلَاثَة أَقْوَال وَفِي الثَّانِي عشرَة أَقْوَال
أتركها خوف الإطالة
والموضع الثَّانِي من الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة قَوْلهم إِذا أَرَادوا
الْمُبَالغَة فِي الْإِكْثَار من فعل إِنِّي مِمَّا أَن أفعل فخبر إِن
مَحْذُوف وَمن مُتَعَلقَة بِهِ وَمَا نكرَة تَامَّة بِمَعْنى أَمر
وَأَن وصلتها فِي مَوضِع جر بدل من مَا أَي إِنِّي مَخْلُوق من أَمر
ذَلِك الْأَمر هُوَ فعلي كَذَا وَكَذَا
وَزعم السيرافي وَابْن خروف وتبعهما ابْن مَالك وَنَقله عَن
سِيبَوَيْهٍ أَن مَا معرفَة تَامَّة بِمَعْنى الْأَمر وَأَن وصلتها
مُبْتَدأ والظرف خَبره وَالْجُمْلَة خبر إِن أَي إِنِّي من الْأَمر
فعلى كَذَا وَكَذَا وَالْأول أظهر وَذَلِكَ لِأَنَّهُ على سَبِيل
الْمُبَالغَة مثل {خلق الْإِنْسَان من عجل} جعل الْإِنْسَان لمبالغته
فِي العجلة كَأَنَّهُ مَخْلُوق مِنْهَا وَيُؤَيِّدهُ أَن بعده فَلَا
(1/151)
تَسْتَعْجِلُون وَقيل الْعجل الطين بلغَة
حمير ورصده المُصَنّف فِي شرح بَانَتْ سعاد بِأَن ذَلِك لم يثبت عِنْد
عُلَمَاء اللُّغَة
والموضع الثَّالِث وَهُوَ آخرهَا التَّعَجُّب نَحْو مَا أحسن زيدا
فَمَا نكرَة تَامَّة مُبْتَدأ وَمَا بعْدهَا خَبَرهَا أَي شَيْء حسن
زيدا وَهَذَا القَوْل هُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ وَجوز الْأَخْفَش أَن تكون
مَوْصُولَة وَأَن تكون نكرَة نَاقِصَة وَمَا بعْدهَا صلَة أَو صفة
وَالْخَبَر مَحْذُوف وجوبا مُقَدّر بعظيم وَنَحْوه
وَذهب الْفراء وَابْن درسْتوَيْه إِلَى أَنَّهَا استفهامية وَمَا
بعْدهَا الْخَبَر
وَالسَّادِس نكرَة مَوْصُوفَة بعْدهَا كَقَوْلِهِم أَي الْعَرَب
مَرَرْت بِمَا معجب لَك أَي شَيْء معجب لَك وَمِنْه أَي وَمن وُقُوع
مَا نكرَة مَوْصُوفَة فِي قَول قَالَ بِهِ الْأَخْفَش والزجاج
والزمخشري نعم مَا صنعت فَمَا نكرَة نَاقِصَة فَاعل نعم وَمَا بعْدهَا
صفتهَا أَي نعم شَيْء صَنعته
وَمِنْه ايضا مَا أحسن زيدا عِنْد الْأَخْفَش فِي أحد احتماليه أَي
شَيْء مَوْصُوف بِأَنَّهُ حسن زيدا عَظِيم فَحذف الْخَبَر كَمَا تقدم
عَنهُ
(1/152)
وَالسَّابِع نكرَة مَوْصُوف بهَا نكرَة
قبلهَا إِمَّا للتحقير أَو التَّعْظِيم أَو التنويع
فَالْأول نَحْو {مثلا مَا بعوضة} وَالثَّانِي نَحْو قَوْلهم أَي
الْعَرَب كالزباء بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَة وبالمد علم امْرَأَة
لأمر مَا جدع قصير أَنفه فَمَا فيهمَا نكرَة مَوْصُوف بهَا مثلا فِي
الأول وَأمر فِي الثَّانِي مؤولة بمشتق أَي مثلا بَالغا فِي الحقارة
بعوضة ولأمر عَظِيم جدع قصير أَنفه وقصير اسْم رجل وَهُوَ قصير بن سعد
اللَّخْمِيّ صَاحب جذيمة الأبرش وقصته مَشْهُورَة مَعَ الزباء لما
احتال على قَتلهَا
وَالثَّالِث ضَربته ضربا مَا
أَي نوعا من الضَّرْب من أَي نوع كَانَ
وَقيل إِن مَا فِي هَذِه الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة حرف لَا مَوضِع لَهَا
زَائِدَة منبئة عَن وصف لَائِق بِالْمحل وَهُوَ أولى لِأَن زيادتها
عوضا عَن مَحْذُوف ثَابِتَة فِي كَلَامهم قَالَه ابْن مَالك فِي شرح
التسهيل
وَالضَّرْب الثَّانِي حرفية وأوجهها خَمْسَة الأول نَافِيَة فتعمل فِي
دُخُولهَا على الْجمل الإسمية عمل لَيْسَ فَترفع الِاسْم وتنصب
الْخَبَر فِي لُغَة الْحِجَازِيِّينَ نَحْو قَوْله تَعَالَى {مَا هَذَا
بشرا} {مَا هن أمهاتهم}
(1/153)
وَالثَّانِي مَصْدَرِيَّة غير ظرفية نَحْو
قَوْله تَعَالَى {بِمَا نسوا يَوْم الْحساب} فتسبك مَعَ صلتها بمصدر
أَي بنسيانهم إِيَّاه أَي يَوْم الْحساب
وَالثَّالِث مَصْدَرِيَّة ظرفية زمانية نَحْو قَوْله تَعَالَى {مَا دمت
حَيا} فتنوب عَن الْمدَّة وتؤول بمصدر أَي مُدَّة دوامي حَيا
وَلَا تقع ظرفية غير مَصْدَرِيَّة فَأَما قَوْله تَعَالَى {كلما أَضَاء
لَهُم مَشوا فِيهِ} فالزمان الْمُقدر هُنَا مجرور أَي كل وَقت
وَالْمَجْرُور لَا يُسمى ظرفا اصْطِلَاحا
وَالرَّابِع كَافَّة عَن الْعَمَل وَهِي فِي ذَلِك ثَلَاثَة أَقسَام
الأول كَافَّة عَن عمل الرّفْع فِي الْفَاعِل كَقَوْلِه وَهُوَ المرار
يُخَاطب امْرَأَة
(صددت فأطولت الصدود وقلما ... وصال على طول الصدود يَدُوم)
فَقل فعل مَاض يقبل التائين وَمَا كَافَّة لَهُ عَن طلب الْفَاعِل
وَأما وصال فَهُوَ فَاعل لفعل مَحْذُوف وجوبا يفسره الْفِعْل
الْمَذْكُور وَهُوَ يَدُوم وَالتَّقْدِير قَلما يَدُوم وصال يَدُوم على
حد إِن امْرُؤ هلك وَلَا يكون وصال مُبْتَدأ وَخَبره يَدُوم لِأَن
الْفِعْل المكفوف عَن طلب
(1/154)
الْفَاعِل لَا يدْخل إِلَّا على الْجمل
الفعلية لِأَنَّهُ أجري مجْرى حرف النَّفْي فقولك قَلما تَقول بِمَعْنى
مَا تَقول قَالَه ابْن مَالك فِي شرح التسهيل
فَإِن قلت ايْنَ فَاعل قَلما قلت لَا فَاعل لَهُ فَإِن قلت الْفِعْل
لَا بُد لَهُ من فَاعل قلت أَقُول بِمُوجبِه وَلَكِن فِي غير الْفِعْل
المكفوف فَإِن قلت هَل لذَلِك نَظِير قلت نعم الْفِعْل الْمُؤَكّد
كَقَوْلِه أَتَاك أَتَاك اللاحقون فاللاحقون فَاعل للْأولِ وَلَا فَاعل
للثَّانِي قَالَه المُصَنّف فِي التَّوْضِيح
وَلم تكف مَا من الْأَفْعَال عَن عمل الرّفْع إِلَّا ثَلَاثَة قل
وَطَالَ وَكثر فَالْأول
(قَلما يبرح اللبيب ... )
وَالثَّانِي
(يَا ابْن الزبير طالما عصيكا ... )
(1/155)
وَالثَّالِث
كثر مَا فعلت كَذَا
وَلَا تدخل هَذِه الْأَفْعَال المكفوفة ب مَا إِلَّا على فعلية صرح
بِفِعْلِهَا وَأما قَلما وصال الْبَيْت مِمَّا الْجُمْلَة غير مُصَرح
بِفِعْلِهَا فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ ضَرُورَة
وَالْقسم الثَّانِي كَافَّة عَن عمل النصب وَالرَّفْع وَذَلِكَ مَعَ
إِن وَأَخَوَاتهَا نَحْو قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الله إِلَه وَاحِد}
وَالْقسم الثَّالِث كَافَّة عَن عمل الْجَرّ ومهيئة للدخول على الْجمل
الفعلية
فالمهيئة نَحْو قَوْله تَعَالَى {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو
كَانُوا مُسلمين} والكافة عَن عمل الْجَرّ نَحْو قَوْله وَهُوَ السموأل
(أَخ ماجد لم يخزني يَوْم مشْهد ... كَمَا سيف عَمْرو لم تخنه مضاربه)
بِرَفْع سيف على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر
(1/156)
وَاخْتلف فِي مَا التالية للفظ بعد فِي
قَوْله وَهُوَ المرار يُخَاطب نَفسه
(أعلاقة أم الْوَلِيد بعيد مَا ... أفنان رَأسك كالثغام المخلس)
على قَوْلَيْنِ فَقيل كَافَّة لبعد عَن الْإِضَافَة إِلَى أفنان
وَقيل مَصْدَرِيَّة عِنْد من يجوز وَصلهَا بِالْجُمْلَةِ الاسمية
والعلاقة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة علاقَة الْحبّ والوليد تَصْغِير
الْوَلَد وَهُوَ الصَّبِي والأفنان جمع فنن وَهُوَ الْغُصْن مُبْتَدأ
وكالثغام بِفَتْح الْمُثَلَّثَة والغين الْمُعْجَمَة جمع ثغامة خَبره
وَهُوَ نبت فِي الْجَبَل يبيض إِذا يبس شبه بِهِ الشيب والمخلس
بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالسِّين الْمُهْملَة اسْم فَاعل من اخلس
النَّبَات إِذا اخْتَلَط رطبه ويابسه واختلس رَأسه إِذا خالط سوَاده
الْبيَاض
وَالْوَجْه الْخَامِس زَائِدَة وَتسَمى هِيَ وَغَيرهَا من الْحُرُوف
الزَّوَائِد صلَة وتأكيدا فِي اصْطِلَاح المعربين فِرَارًا من أَن
يتَبَادَر إِلَى الذِّهْن أَن الزَّائِد لَا معنى لَهُ
وَالْحَامِل على هَذِه التَّسْمِيَة خُصُوص الْمقَام القرآني والتعميم
لطرد الْبَاب وَقطع الْمَادَّة نَحْو {فبمَا رَحْمَة من الله لنت
لَهُم} {عَمَّا قَلِيل ليصبحن نادمين} أَي فبرحمة وَعَن قَلِيل ليصبحن
نادمين
(1/157)
الْبَاب الرَّابِع
فِي الإشارات إِلَى عِبَارَات محررة مستوفاة موجزة وَهِي ثَمَانِيَة
أَنْوَاع عدد أَبْوَاب الْجنَّة
(1/159)
الْبَاب الرَّابِع فِي الإشارات إِلَى
عِبَارَات محررة مهذبة منقحة مستوفاة للمقصود موجزة من الإيجاز وَهُوَ
تَجْرِيد الْمَعْنى من غير رِعَايَة للفظ الأَصْل بِلَفْظ يسير وَلم
يقل مختصرة لِأَن الِاخْتِصَار تَجْرِيد اللَّفْظ الْيَسِير من
اللَّفْظ الْكثير مَعَ بَقَاء الْمَعْنى وَلَيْسَ مرَادا هُنَا
يَنْبَغِي لَك أَيهَا المعرب أَن تَقول فِي نَحْو ضرب بِضَم أَوله
وَكسر مَا قبل آخِره من قَوْلك ضرب زيد ضرب فعل مَاض لتبين نوع
الْفِعْل لم يسم فَاعله لتبين أَنه لم يبْق على صيغته الْأَصْلِيَّة
أَو تَقول فعل مَاض مَبْنِيّ للْمَفْعُول لَو جازة هَاتين العبارتين
وَلَا تقل مَعَ قَوْلك فعل مَاض مَبْنِيّ لما أَي لشَيْء لم يسم فَاعله
لما فِيهِ أَي لما فِي هَذَا التَّعْبِير بِمَعْنى الْعبارَة من
التَّطْوِيل والخفاء أما التَّطْوِيل فَلِأَن هَذِه الْعبارَة سبع
كَلِمَات والعبارتان السابقتان دون ذَلِك وَأما الخفاء فلإبهام مَا
وَقعت عَلَيْهِ مَا المجرورة بِاللَّامِ وَفِي كلتا العبارتين
السابقتين نظر أما الأولى فَلِأَنَّهَا تصدق على الْفِعْل الَّذِي لَا
فَاعل لَهُ نَحْو قَلما إِنَّه فعل مَاض لم يسم فَاعله مَعَ أَنه
لَيْسَ مرَادا وَأما الثَّانِيَة فَلِأَن الْمَفْعُول حَيْثُ أطلق
انْصَرف إِلَى الْمَفْعُول بِهِ لِأَنَّهُ أَكثر المفاعيل دورا فِي
الْكَلَام كَمَا قَالَه المُصَنّف فِي المغنى فَلَا يَشْمَل الْمسند
إِلَى الْمَجْرُور والظرف
(1/161)
والمصدر
يَنْبَغِي لَك أَن تَقول فِي نَحْو زيد الْمسند إِلَيْهِ الْفِعْل
الْمَبْنِيّ للْمَفْعُول نَائِب عَن الْفَاعِل لجلائه ووجازته
وَلَا تقل مفعول لما لم يسم فَاعله لخفائه وَطوله كَمَا يُؤْخَذ مِمَّا
تقدم وَصدقه بِالْجَرِّ أَي ولصدق هَذَا القَوْل على الْمَفْعُول
الثَّانِي مثل درهما من نَحْو أعطي زيد درهما فَيصدق على درهما فِي
هَذَا الْمِثَال أَنه مفعول لما لم يسم فَاعله مَعَ أَنه لَيْسَ مرَادا
وَمن ثمَّ سَمَّاهُ المتقدمون خبر مَا لم يسم فَاعله
وَيَنْبَغِي لَك أَن تَقول فِي قد حرف لتقليل زمن الْمَاضِي وتقريبه من
الْحَال وتقليل حدث الْمُضَارع وَتَحْقِيق حدثيهما وَتَقَدَّمت
أَمْثِلَة ذَلِك فِي بحث قد
وَأَن تَقول فِي لن من نَحْو لن أقوم حرف نفي واستقبال وَلَا يَقْتَضِي
تَأْكِيد النَّفْي على الْأَصَح خلافًا للزمخشري فِي كشافه وَلَا
تأييده خلافًا لَهُ فِي أنموذجه فَلَنْ أقوم يحْتَمل أَنَّك تُرِيدُ
لَا تقوم أبدا وَأَنَّك لَا تقوم فِي بعض أزمنة الْمُسْتَقْبل
وَأَن تَقول فِي لم من نَحْو لم يقم حرف جزم لنفي الْمُضَارع وَقَلبه
مَاضِيا
(1/162)
وَأَن تَقول فِي أما الْمَفْتُوحَة
الْهمزَة الْمُشَدّدَة الْمِيم من نَحْو {فَأَما الْيَتِيم فَلَا تقهر}
الْآيَة حرف شَرط وتفصيل وتوكيد
وَمن نَحْو أما زيد فمنطلق حرف شَرط وتوكيد بِدُونِ تَفْصِيل
وَأَن تَقول فِي أَن الْمَفْتُوحَة الْهمزَة الساكنة النُّون من نَحْو
أَن تقوم حرف مصدري ينصب الْمُضَارع وَيُخَلِّصهُ للاستقبال
وَأَن تَقول فِي الْفَاء الَّتِي بعد الشَّرْط من نَحْو {وَإِن يمسسك
بِخَير فَهُوَ على كل شَيْء قدير} الْفَاء رابطة لجواب الشَّرْط
بِالشّرطِ وَلَا تقل جَوَاب الشَّرْط كَمَا يَقُولُونَ كالحوفي وَغَيره
لِأَن الْجَواب فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ الْجُمْلَة بأسرها
يَعْنِي الْفَاء ومدخولها لَا الْفَاء وَحدهَا وَفِيه تجوز لِأَن
الْفَاء لَا مدْخل لَهَا فِي الْجَواب وَإِنَّمَا جِيءَ بهَا لربط
الْجَواب بِالشّرطِ كَمَا قَالَ قبل التَّعْلِيل
وَالْجَوَاب عَن الْقَائِلين بِأَن الْفَاء جَوَاب الشَّرْط أَنه على
حذف مُضَاف وَالتَّقْدِير حرف جَوَاب الشَّرْط أَولا حذف فَيكون
مجَازًا علاقته الْمُجَاورَة من إِطْلَاق أحد المتجاورين وَهُوَ
الْجَواب على مجاوره وَهُوَ الْفَاء
وَأَن تَقول فِي نَحْو زيد بِالْجَرِّ من جَلَست أَمَام زيد زيد مخفوض
بِالْإِضَافَة أَي بِإِضَافَة أَمَام إِلَيْهِ أَو بالمضاف وَلَا تقل
مخفوض بالظرف وَهُوَ أَمَام لِأَن الْمُقْتَضِي للخفض إِنَّمَا هِيَ
الْإِضَافَة لاكون الْمُضَاف ظرفا بِخُصُوصِهِ بِدَلِيل أَن الْمُضَاف
قد يَأْتِي غير ظرف كَأَن يكون اسْم ذَات أَو اسْم معنى نَحْو غُلَام
زيد وإكرام عَمْرو وَفِي
(1/163)
بعض النّسخ إِنَّمَا هُوَ الْمُضَاف من
حَيْثُ أَنه مُضَاف وَهُوَ مُتَعَيّن لِأَن الْأَصَح أَن الْعَامِل فِي
الْمُضَاف إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ الْمُضَاف لَا الْإِضَافَة
وَأَن تَقول فِي الْفَاء من نَحْو {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر فصل
لِرَبِّك وانحر} الْفَاء فَاء السَّبَبِيَّة وَلَا تقل فَاء الْعَطف
لِأَنَّهُ لَا يجوز على رَأْي أَو لَا يحسن على آخر عطف الطّلب وَهُوَ
قسم من الْإِنْشَاء على الْخَبَر الْمُقَابل للإنشاء فَلَو جعلنَا
الْفَاء عاطفة صل على {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} لزم عطف الْإِنْشَاء
على الْخَبَر وَلَا الْعَكْس أَي عطف الْخَبَر على الْإِنْشَاء وَهُوَ
مَسْأَلَة خلاف منع من ذَلِك البيانيون لما بَينهمَا من التَّنَافِي
وَعدم التناسب وَأَجَازَهُ الصفار وَقَالَ الْمرَادِي فِي شرح التسهيل
أجَاز سِيبَوَيْهٍ التخالف فِي تعاطف الجملتين بالْخبر والاستفهام
فَأجَاز هَذَا زيد وَمن عَمْرو انْتهى
وَأَن تَقول فِي الْوَاو العاطفة من نَحْو جَاءَ زيد وَعَمْرو الْوَاو
حرف لمُجَرّد الْجمع بَين المتعاطفين قَالَ المُصَنّف فِي الْمُغنِي
لَا تقل للْجمع الْمُطلق انْتهى لِأَنَّهَا قد تكون للْجمع الْمُقَيد
نَحْو جَاءَ زيد وَعَمْرو قبله اَوْ بعده أَو مَعَه
(1/164)
وَأَن تَقول فِي حَتَّى من نَحْو قدم
الْحجَّاج حَتَّى المشاة
حَتَّى حرف عطف للْجمع والغاية والتدريج
وَأَن تَقول فِي ثمَّ من نَحْو قَامَ زيد ثمَّ عَمْرو ثمَّ حرف عطف
للتَّرْتِيب بَين المتعاطفين والمهلة فِي الزَّمَان
وَأَن تَقول فِي الْفَاء من نَحْو قَامَ زيد فعمرو وَالْفَاء حرف عطف
للتَّرْتِيب والتعقيب وتعقيب كل شَيْء بِحَسبِهِ تَقول تزوج فلَان فولد
لَهُ إِذا لم يكن بَينهمَا إِلَّا مُدَّة الْحمل
وَإِذا اختصرت فِيهِنَّ أَي فِي أحرف الْعَطف الْأَرْبَعَة وَمَا عطفت
فَقل عاطف ومعطوف على طَرِيق اللف والنشر على التَّرْتِيب الأول
للْأولِ وَالثَّانِي للثَّانِي كَمَا تَقول فِي بِسم جَار ومجرور
وَكَذَلِكَ تَقول فِي لن نَبْرَح وَلنْ نَفْعل ناصب ومنصوب وَفِي لم
يقم جازم ومجزوم
وَأَن تَقول فِي إِن الْمَكْسُورَة الْهمزَة الْمُشَدّدَة النُّون حرف
تَأْكِيد تنصب الِاسْم اتِّفَاقًا وترفع الْخَبَر على الْأَصَح وتزيد
على ذَلِك فِي أَن الْمَفْتُوحَة الْهمزَة الْمُشَدّدَة النُّون مصدري
فَتَقول حرف توكيد مصدري ينصب الِاسْم اتِّفَاقًا وَيرْفَع الْخَبَر
على الْأَصَح
وَتقول فِي كَأَن حرف تَشْبِيه ينصب الِاسْم وَيرْفَع الْخَبَر
وَفِي لَكِن حرف اسْتِدْرَاك ينصب الِاسْم وَيرْفَع الْخَبَر
وَفِي لَعَلَّ حرف ترج ينصب الِاسْم وَيرْفَع الْخَبَر
وَفِي لَيْت حرف تمن ينصب الِاسْم وَيرْفَع الْخَبَر
(1/165)
وَاعْلَم أَنه يعاب على الناشىء فِي صناعَة
بِكَسْر الصَّاد وَهِي الْعلم الْحَاصِل من التمرن فِي الْعَمَل
الْإِعْرَاب بِكَسْر الْهمزَة وَتقدم بَيَانه أَن يذكر فعلا من
الْأَفْعَال الثَّلَاثَة وَلَا يبْحَث عَن فَاعله إِن كَانَ لَهُ فَاعل
وَلَو قَالَ أَن يذكر عَاملا وَلَا يبْحَث عَن معموله لَكَانَ اشمل
ليدْخل فِي الْعَامِل جَمِيع الْأَفْعَال وأسمائها والمصادر وأسمائها
وَالصِّفَات وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَيدخل فِي الْمَعْمُول الْفَاعِل
ونائبه وَاسم كَانَ وَأَخَوَاتهَا وَخبر إِن وَأَخَوَاتهَا وَمَا أشبه
ذَلِك
أَو يذكر مُبْتَدأ فِي الأَصْل أَو فِي الْحَال وَلَا يفحص عَن خَبره
اهو مَذْكُور أم مَحْذُوف وجوبا أم جَوَازًا
أَو يذكر ظرفا أَو مجرورا لَهما مُتَعَلق وَلَا يُنَبه على مُتَعَلّقه
أَو هُوَ فعل أم شبهه وَتقدم أَن الْمَجْرُور بِحرف زَائِد لَا
يتَعَلَّق بِشَيْء فَلَا مُتَعَلق لَهُ
أَو يذكر جملَة فعلية أَو اسمية وَلَا يذكر لَهَا مَحل من الْإِعْرَاب
أم لَا وَهل الْمحل رفع أَو نصب خفض أَو جزم
أَو يذكر مَوْصُولا اسميا وَلَا يبين صلته وعائده
وَمَا يعاب على الناشىء فِي صناعَة الْإِعْرَاب أَن يقْتَصر فِي
إِعْرَاب الِاسْم الْمُبْهم من قَوْلك قَامَ ذَا أَو قَامَ الَّذِي على
أَن يَقُول فِي الأول ذَا اسْم إِشَارَة أَو يَقُول فِي الثَّانِي
الَّذِي اسْم مَوْصُول فَإِن
(1/166)
ذَلِك لَا يبْنى عَلَيْهِ إِعْرَاب من رفع
أَو غَيره فَالصَّوَاب أَن يُقَال فِي ذَا أَو الَّذِي فِي المثالين
فَاعل مَحَله رفع وَهُوَ اسْم إِشَارَة أَو فَاعل وَهُوَ اسْم مَوْصُول
وَهل الْمحل للموصول دون صلته أَولهمَا صحّح فِي الْمُغنِي الأول
وَقد أورد المُصَنّف سؤالا على مَا قَرَّرَهُ وَأجَاب عَنهُ فَقَالَ
فَإِن قلت لَا فَائِدَة فِي قَوْله فِي ذَا أَنه اسْم إِشَارَة بعد
قَوْله فَاعل لِأَن الْغَرَض بَيَان الْإِعْرَاب وَكَونه اسْم إِشَارَة
لَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ إِعْرَاب بِخِلَاف قَوْلك فِي الَّذِي مَعَ
بَيَان مَحَله من الْإِعْرَاب إِنَّه اسْم مَوْصُول فَإِن فِيهِ
فَائِدَة وتنبيها على مَا يفْتَقر الْمَوْصُول إِلَيْهِ من الصِّلَة
والعائد ليطلبهما المعرب وليعلم أَن جملَة الصِّلَة لَا مَحل لَهَا قلت
بلَى فِيهِ أَي فِي قَوْله اسْم إِشَارَة فَائِدَة وَهِي التَّنْبِيه
على أَن مَا يلْحقهُ من الْكَاف حرف خطاب وَإِن كَانَت متصرفة تصرف
الْأَسْمَاء لَا أَنَّهَا اسْم مُضَاف إِلَيْهِ
وليهتد إِلَى أَن الِاسْم المقرون بأل الَّذِي يَقع بعده أَي بعد اسْم
الْإِشَارَة من نَحْو قَوْلك جَاءَنِي هَذَا الرجل نعت
(1/167)
عِنْد ابْن الْحَاجِب اَوْ عطف بَيَان
عِنْد ابْن مَالك على الْخلاف الْمَذْكُور فِي الْمُعَرّف بأل
الْوَاقِع بعد الْإِشَارَة وَالْوَاقِع بعد أَيهَا فِي نَحْو يَا
أَيهَا الرجل فَذهب بَعضهم إِلَى أَنه نعت أَيهَا وَبَعْضهمْ إِلَى
أَنه بَيَان عَلَيْهَا وَقيل بدل مِنْهَا
وَمِمَّا لَا يَبْنِي عَلَيْهِ إِعْرَاب أَن يَقُول فِي غُلَام من
نَحْو غُلَام زيد مُضَاف مُقْتَصرا عَلَيْهِ فَإِن الْمُضَاف لَيْسَ
لَهُ إِعْرَاب مُسْتَقر كالفاعل فَإِن لَهُ إعرابا مُسْتَقرًّا وَهُوَ
الرّفْع أَو محلا وَنَحْوه أَي الْفَاعِل مِمَّا لَهُ اعراب مُسْتَقر
كالمفعول لَهُ إعرابا وَهُوَ النصب بِخِلَاف الْمُضَاف فَإِنَّهُ
لَيْسَ لَهُ إِعْرَاب مُسْتَقر وَإِنَّمَا إعرابه بِحَسب مَا يدْخل
عَلَيْهِ مِمَّا يَقْتَضِي رَفعه أَو نَصبه أَو خفضه فَالصَّوَاب أَن
يبين موقع إعرابه فَيَقُول فَاعل أَو مفعول أَو نَحْو ذَلِك من الْعمد
والفضلات بِخِلَاف الْمُضَاف إِلَيْهِ فَإِن لَهُ إعرابا مُسْتَقرًّا
وَهُوَ الْجَرّ بالمضاف فَإِذا قيل مُضَاف إِلَيْهِ علم أَنه مجرور
لفظا أَو محلا
وَيَنْبَغِي للمعرب أَن لَا يعبر عَن مَا هُوَ مَوْضُوع على حرف وَاحِد
بِلَفْظِهِ فَيَقُول فِي الضَّمِير الْمُتَّصِل بِالْفِعْلِ من نَحْو
ضربت ت فَاعل إِذْ لَا يكون اسْم هَكَذَا فَالصَّوَاب أَن يعبر باسمه
الْخَاص الْمُشْتَرك فَيَقُول التَّاء أَو الضَّمِير فَاعل وَأما مَا
صَار بالحذف على حرف وَاحِد فَلَا بَأْس بذلك
(1/168)
فَتَقول فِي م مُبْتَدأ حذف خَبره
لِأَنَّهُ بعض أَيمن وَفِي ق من نَحْو قَوْلك ق نَفسك فعل أَمر
لِأَنَّهُ من الْوِقَايَة
فَإِن كَانَ مَوْضُوعا على حرفين نطق بِهِ فَتَقول من اسْم اسْتِفْهَام
وَمَا أشبه بذلك وَلَا يحسن أَن ينْطق عَن الْكَلِمَة بحروف هجائها
وَلَا يُقَال الْمِيم وَالنُّون اسْم اسْتِفْهَام وَلذَلِك كَانَ
قَوْلهم أل فِي أَدَاة التَّعْرِيف أَقيس من قَوْلهم الْألف وَاللَّام
وَيَنْبَغِي أَن يجْتَنب المعرب أَن يَقُول فِي حرف من كتاب الله
تَعَالَى إِنَّه زَائِد تَعْظِيمًا لَهُ واحتراما لِأَنَّهُ يسْبق
إِلَى الأذهان ان الزَّائِد هُوَ الَّذِي لَا معنى لَهُ أصلا وَكَلَامه
سُبْحَانَهُ منزه عَن ذَلِك لِأَن مَا من حرف فِيهِ إِلَّا وَله معنى
صَحِيح وَمن فهم خلاف ذَلِك فقد وهم
وَقد وَقع هَذَا الْوَهم بِفَتْح الْهَاء مصدر وهم بِكَسْرِهَا إِذا
غلط الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ خطيب الرّيّ قَالَ الكافيجي فَإِن
قلت من ايْنَ علم المُصَنّف أَن هَذَا الْوَهم وَقع للْإِمَام فَخر
الدّين الرَّازِيّ قلت من أَمريْن الأول أَنه نقل إِجْمَاع الأشاعرة
على عدم وُقُوع المهمل فِي كَلَام الله تَعَالَى وَهُوَ عين
الْإِجْمَاع على عدم وُقُوع الزَّائِد فِيهِ إِذْ الزَّائِد بِهَذَا
الْمَعْنى هُوَ عين المهمل فَلَو لم يَقع لَهُ هَذَا الْوَهم لما
احْتَاجَ إِلَى التَّعَرُّض لهَذَا الْإِجْمَاع
وَالثَّانِي أَنه حمل مَا فِي قَوْله تَعَالَى {فبمَا رَحْمَة} على
أَنَّهَا
(1/169)
استفهامية بِمَعْنى التَّعَجُّب كَقَوْلِه
تَعَالَى {مَا لي لَا أرى الهدهد} فَأَشَارَ المُصَنّف إِلَى الأول
بقوله فَقَالَ الْفَخر الرَّازِيّ الْمُحَقِّقُونَ من الْمُتَكَلِّمين
وهم الأشاعرة على أَن المهمل لَا يَقع فِي كَلَام الله تَعَالَى لترفعه
عَن ذَلِك واشار إِلَى الثَّانِي بقوله فَأَما مَا فِي قَوْله تَعَالَى
{فبمَا رَحْمَة} فَيمكن أَن تكون استفهامية للتعجب وَالتَّقْدِير
فَبِأَي رَحْمَة يَعْنِي زَائِدَة انْتهى كَلَام الْفَخر الرَّازِيّ
وَالظَّاهِر أَن هَذَا الْوَهم لَا يَقع لوَاحِد من الْعلمَاء فضلا عَن
أَن يَقع لمثل الإِمَام الرَّازِيّ وَإِنَّمَا أنكر إِطْلَاق القَوْل
بِالزَّائِدِ إجلالا لكَلَام الله تَعَالَى وللملازمة لباب الْأَدَب
كَمَا هُوَ اللَّائِق بِحَالهِ
وَأما حمل مَا فِي قَوْله {فبمَا رَحْمَة} يُمكن أَن تكون استفهامية
بِمَعْنى التَّعَجُّب على سَبِيل الْجَوَاز والإمكان الَّذِي قَالَه
المعربون
وَعبارَة بَعضهم قيل مَا زَائِدَة للتوكيد وَقيل نكرَة وَقيل
مَوْصُوفَة برحمة وَقيل غير مَوْصُوفَة وَرَحْمَة بدل مِنْهَا فَهُوَ
بمعزل عَن الدّلَالَة على وُقُوع الْوَهم مِنْهُ بمراحل انْتهى كَلَام
الكافيجي
وَلما فرغ المُصَنّف من نقل كَلَام الإِمَام الرَّازِيّ وتوجيهه
وَأَرَادَ إِبْطَاله وَبَيَان تَعْرِيف الزَّائِد قَالَ وَالزَّائِد
عِنْد النَّحْوِيين هُوَ الَّذِي لم يُؤْت بِهِ إِلَّا لمُجَرّد
التقوية والتوكيد لَا إِن الزَّائِد عِنْدهم هُوَ المهمل كَمَا توهمه
الإِمَام
(1/170)
الرَّازِيّ وَأَنت قد علمت أَن الإِمَام
الرَّازِيّ بَرِيء من ذَلِك والتوجيه الْمَذْكُور للْإِمَام الرَّازِيّ
فِي الْآيَة بَاطِل لأمرين
أَحدهمَا أَن مَا الاستفهامية إِذا خفضت وَجب حذف ألفها فرقا بَين
الِاسْتِفْهَام وَالْخَبَر نَحْو {عَم يتساءلون} وَمَا فِي الْآيَة
ثَابِتَة الْألف وَلَو كَانَت استفهامية لحذفت ألفها لدُخُول حرف
الْخَفْض عَلَيْهَا وَأجِيب بِأَن حذف ألف مَا الاستفهامية إِذا دخل
الْخَافِض اكثري لَا دائمي فَيجوز إِثْبَاتهَا للتّنْبِيه على إبْقَاء
الشَّيْء على أَصله وعورض بِأَن إِثْبَات الْألف لُغَة شَاذَّة لَا
يحسن تَخْرِيج التَّنْزِيل عَلَيْهَا
وَالْأَمر الثَّانِي أَن خفض رَحْمَة حِينَئِذٍ أَي حِين إِذْ قَالَ
إِن مَا الاستفهامية يشكل على الْقَوَاعِد لِأَنَّهُ أَي خفض رَحْمَة
لَا يكون بِالْإِضَافَة إِذْ لَيْسَ فِي أَسمَاء الِاسْتِفْهَام مَا
يُضَاف إِلَّا أَي عِنْد النُّحَاة الْجَمِيع وَكم عِنْد أبي إِسْحَق
الزّجاج وَلَا يكون خفضها بالإبدال من مَا وَذَلِكَ لَا يجوز لِأَن
الْمُبدل من اسْم الِاسْتِفْهَام لَا بُد أَن يقْتَرن بِهَمْزَة
الِاسْتِفْهَام إشعارا بتعلق معنى الِاسْتِفْهَام بِالْبَدَلِ قصدا
واختصت الْهمزَة بذلك لِأَنَّهَا أصل الْبَاب ووضعها على حرف وَاحِد
نَحْو كَيفَ أَنْت اصحيح أم سقيم وَرَحْمَة لم تقترن بِهَمْزَة
الِاسْتِفْهَام فَلَا تكون بَدَلا من مَا وَلَا يكون خفضها على أَن
تكون رَحْمَة صفة ل مَا لِأَن مَا لَا تُوصَف إِذا كَانَت شَرْطِيَّة
أَو استفهامية وكل مَا لَا يُوصف لَا يكون لَهُ صفة فَوَجَبَ أَلا يكون
صفة لما وَلَا يكون خفضها
(1/171)
على أَن تكون رَحْمَة بَيَانا أَي عطف
بَيَان على مَا لِأَن مَا لَا تُوصَف وكل مَا لَا يُوصف لَا يعْطف
عَلَيْهِ عطف بَيَان كالمضمرات عِنْد الْأَكْثَرين
وَللْإِمَام الرَّازِيّ أَن يَقُول لما كَانَت مَا على صُورَة الْحَرْف
نقل الْإِعْرَاب مِنْهَا إِلَى مَا بعْدهَا فجرت بالحرف على حد مَرَرْت
بالضارب على القَوْل باسمية ال وَهُوَ الْأَصَح
وَكثير من النُّحَاة الْمُتَقَدِّمين يسمون الزَّائِد صلَة لكَونه
يتَوَصَّل بِهِ إِلَى نيل غَرَض صَحِيح كتحسين الْكَلَام وتزيينه
وَبَعْضهمْ يُسَمِّيه مؤكدا لِأَنَّهُ يُعْطي الْكَلَام معنى
التَّأْكِيد والتقوية وَبَعْضهمْ يُسَمِّيه لَغوا لَا لغاية أَي عدم
اعْتِبَاره فِي حُصُول الْفَائِدَة بِهِ لَكِن اجْتِنَاب هَذِه
الْعبارَة الْأَخِيرَة فِي التَّنْزِيل وَاجِب لِأَنَّهُ يتَبَادَر
إِلَى الأذهان من اللَّغْو الْبَاطِل وَكَلَام الله تَعَالَى منزه عَن
ذَلِك
وَفِي هَذَا الْقدر الَّذِي ذكره المُصَنّف كِفَايَة لمن تَأمله فَإِن
التَّأَمُّل أصل فِي إِدْرَاك الْأُمُور كلهَا فَلذَلِك نَص على
التَّأَمُّل فِي ختم الْكتاب كَمَا فعل فِي افتتاحه حَيْثُ قَالَ
تَقْتَضِي بمتأملها جادة الصَّوَاب
وَالله الْمُوفق وَالْهَادِي إِلَى سَبِيل الْخيرَات بمنه وَكَرمه
سَأَلَ الله التَّوْفِيق وَالْهِدَايَة إِلَى طَرِيق الْخَيْر بمنه
وَكَرمه كَمَا فعل فِي أول الْكتاب حَيْثُ قَالَ وَمن الله استمد
التَّوْفِيق وَالْهِدَايَة إِلَى اقوم طَرِيق بمنه وَكَرمه فختم
كِتَابه بِمَا ابْتَدَأَ بِهِ
(1/172)
وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَالصَّلَاة
وَالسَّلَام على سيد الْمُرْسلين مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ
قَالَ مُؤَلفه خَالِد بن عبد الله الْأَزْهَرِي فرغت من تسويد هَذِه
النُّسْخَة ثَالِث شَوَّال سنة ثَمَان وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة 3
شَوَّال سنة 898 هـ جعله الله خَالِصا مُوجبا للفوز لَدَيْهِ ونفع بِهِ
كَمَا نفع بِأَصْلِهِ إِنَّه على ذَلِك قدير وبالإجابة جدير
(1/173)
|