موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب

الْبَاب الثَّانِي

فِي الْجَار وَالْمَجْرُور فِيهِ أَيْضا أَربع مسَائِل

(1/73)


الْمَسْأَلَة الأولى تعلق الْجَار وَالْمَجْرُور بِفعل أَو بِمَا فِي مَعْنَاهُ

إِحْدَاهَا أَنه لَا بُد من تعلق الْجَار وَالْمَجْرُور بِفعل مَاض أَو مضارع أَو أَمر أَو بِمَا فِي مَعْنَاهُ من مصدر أَو صفة اَوْ نَحْوهمَا
وَالْمرَاد بِالتَّعْلِيقِ الْعَمَل فِي مَحل الْجَار وَالْمَجْرُور نصبا أَو رفعا
مِثَال تعلق الْجَار وَالْمَجْرُور بِالْفِعْلِ نَحْو مَرَرْت بزيد فالجار وَالْمَجْرُور فِي مَحل نصب بمررت
وَمِثَال تعلق الْجَار وَالْمَجْرُور بِمَا فِي معنى الْفِعْل نَحْو زيد ممرور بِهِ فالجار وَالْمَجْرُور فِي مَحل رفع على النِّيَابَة عَن الْفَاعِل بممرور
وَقد اجْتمعَا أَي التَّعَلُّق بِالْفِعْلِ والتعلق بِمَا فِي مَعْنَاهُ فِي قَوْله تَعَالَى {أَنْعَمت عَلَيْهِم غير المغضوب عَلَيْهِم} فَعَلَيْهِم الأول مُتَعَلق بِفعل وَهُوَ أَنْعَمت وَمحله نصب وَعَلَيْهِم الثَّانِي يتَعَلَّق بِمَا فِي معنى الْفِعْل وَهُوَ المغضوب وَمحله رفع على النِّيَابَة عَن الْفَاعِل
وَقد اجْتمعَا أَيْضا فِي قَول أبي بكر بن دُرَيْد فِي مقصورته

(1/75)


(واشتعل المبيض فِي مسوده ... مثل اشتعال النَّار فِي جزل الغضا)
فَفِي مسودة مُتَعَلق بِفعل وَهُوَ اشتعل وَفِي جزل مُتَعَلق بِمَا فِي معنى الْفِعْل وَهُوَ اشتعال وَإِن علقت الْجَار وَالْمَجْرُور الأول وَهُوَ فِي مسوده بالمبيض أَو جعلته حَالا مِنْهُ مُتَعَلقا ب كَائِنا محذوفا فَلَا دَلِيل فِيهِ على اجْتِمَاعهمَا لِأَن الْمَجْرُور الأول وَالثَّانِي متعلقان بِمَا فِي معنى الْفِعْل وَهُوَ المبيض أَو كَائِنا واشتعل مَعْنَاهُ انْتَشَر والمبيض شَدِيد الْبيَاض وَالضَّمِير فِي مسوده عَائِد على الرَّأْس فِي الْبَيْت قبله وَمثل بِالنّصب مفعول مُطلق والجزل الغليظ من الْحَطب الْيَابِس والغضا شجر مَعْرُوف إِذا وَقع فِيهِ النَّار يشتعل سَرِيعا وَيبقى زَمَانا شبه بَيَاض الشيب وانتشاره فِي رَأسه باشتعال النَّار فِي الْحَطب الغليظ وانتشارها فِيهِ
وَيسْتَثْنى من حُرُوف الْجَرّ أَرْبَعَة فَلَا تتَعَلَّق بِشَيْء
أَحدهَا الْحَرْف الزَّائِد كالباء الزَّائِدَة فِي الْفَاعِل نَحْو {كفى بِاللَّه شَهِيدا} وَنَحْو أحسن بزيد عِنْد الْجُمْهُور وَالْأَصْل كفى الله شَهِيدا واحسن زيد بِالرَّفْع
فزيدت الْبَاء فِي الْفَاعِل وَأحسن بِكَسْر السِّين فعل تعجب والزائدة فِي الْمَفْعُول نَحْو {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ} وَفِي الْمُبْتَدَأ نَحْو

(1/76)


بحسبك دِرْهَم وَفِي خبر النَّاسِخ الْمَنْفِيّ نَحْو {أَلَيْسَ الله بكاف عَبده} {وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ}
وَكَمن الزَّائِدَة فِي الْفَاعِل نَحْو {أَن تَقولُوا مَا جَاءَنَا من بشير} وَفِي الْمَفْعُول نَحْو {مَا ترى فِي خلق الرَّحْمَن من تفَاوت} وَفِي الْمُبْتَدَأ نَحْو {مَا لكم من إِلَه غَيره} و {هَل من خَالق غير الله} واستفيد من الْأَمْثِلَة أَن الْبَاء تزاد فِي الْإِثْبَات وَالنَّفْي وَتدْخل على المعارف والنكرات وَأَن من لَا تزاد فِي الْأَثْبَات وَلَا تدخل على المعارف على الصَّحِيح
وَإِنَّمَا لم يتَعَلَّق الزَّائِد بِشَيْء لِأَن التَّعَلُّق هُوَ الارتباط الْمَعْنَوِيّ وَالزَّائِد لَا معنى لَهُ يرتبط بِمَعْنى مدخوله وَإِنَّمَا يُؤْتى بِهِ فِي الْكَلَام تَقْوِيَة وتوكيدا والحرف الثَّانِي مِمَّا لَا يتَعَلَّق بِشَيْء لَعَلَّ الجارة فِي لُغَة من يجر بهَا الْمُبْتَدَأ وهم عقيل بِالتَّصْغِيرِ وَلَهُم فِي لامها الأولى الْإِثْبَات والحذف فهاتان لُغَتَانِ وَلَهُم فِي لامها الْأَخِيرَة الْفَتْح وَالْكَسْر فهاتان لُغَتَانِ أَيْضا وَإِذا ضربت اثْنَيْنِ فِي مثلهمَا يحصل من ذَلِك أَربع لُغَات وَهِي لَعَلَّ وَلَعَلَّ وعل بِفَتْح الْأَخِيرَة وَكسرهَا فِيهِنَّ

(1/77)


واشتهر أَن عقيلا يجرونَ ب لَعَلَّ قَالَ شَاعِرهمْ وَهُوَ كَعْب بن سعد الغنوي
(وداع دَعَا يَا من يُجيب إِلَى الندى ... فَلم يستجبه عِنْد ذَاك مُجيب)
(فَقلت ادْع أُخْرَى وارفع الصَّوْت جهرة ... لَعَلَّ أبي المغوار مِنْك قريب)
فجر بهَا أبي المغوار تَنْبِيها على أَن الأَصْل فِي الْحُرُوف المختصة بِالِاسْمِ أَن تعْمل الْعَمَل الْخَاص بِهِ وَهُوَ الْجَرّ وَإِنَّمَا قيل بِعَدَمِ التَّعَلُّق فِيهَا لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْحَرْف الزَّائِد الدَّاخِل على الْمُبْتَدَأ
والحرف الثَّالِث مِمَّا لَا يتَعَلَّق بِشَيْء لَوْلَا الامتناعية إِذا وَليهَا ضمير مُتَّصِل لمتكلم أَو مُخَاطب اَوْ غَائِب فِي قَول بَعضهم لولاي ولولاك ولولاه كَقَوْل زيد بن الْحَكِيم
(وَكم موطن لولاي طحت ... )

(1/78)


وكقول الآخر (لولاك فِي ذَا الْعَام لم أحجج ... )
وكقول جحدر (ولولاه مَا قلت لدي الدَّرَاهِم ... )
فَذهب سِيبَوَيْهٍ إِلَى أَن لَوْلَا فِي ذَلِك كُله جَارة للضمير وَأَنَّهَا لَا تتَعَلَّق بِشَيْء وَأَنَّهَا بِمَنْزِلَة لَعَلَّ الجارة فِي أَن مَا بعْدهَا مَرْفُوع الْمحل بِالِابْتِدَاءِ
وَذهب الْأَخْفَش إِلَى أَن لَوْلَا فِي ذَلِك غير جَارة وَأَن الضَّمِير بعْدهَا مَرْفُوع الْمحل على الِابْتِدَاء وَلَكنهُمْ استعاروا ضمير الْجَرّ مَكَان ضمير الرّفْع وَالْأَكْثَر أَن يُقَال لَوْلَا أَنا وَلَوْلَا أَنْت وَلَوْلَا هُوَ بانفصال الضَّمِير فِيهِنَّ كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {لَوْلَا أَنْتُم لَكنا مُؤمنين}
والحرف الرَّابِع كَاف التَّشْبِيه نَحْو قَوْلك زيد كعمرو فَزعم الْأَخْفَش الْأَوْسَط وَهُوَ سعيد بن مسْعدَة وَأَبُو الْحسن بن عُصْفُور أَنَّهَا أَي كَاف التَّشْبِيه لَا تتَعَلَّق بِشَيْء محتجين بِأَن الْمُتَعَلّق بِهِ إِن

(1/79)


كَانَ اسْتَقر فالكاف لَا تدل عَلَيْهِ وَإِن كَانَ فعلا مناسبا للكاف وَهُوَ أشبه فَهُوَ مُتَعَدٍّ لَا بالحرف
وَفِي ذَلِك بحث وَفِي بعض النّسخ نظر وَبَينه المُصَنّف فِي المغنى بِمَنْع انْتِفَاء دلَالَة الْكَاف على اسْتَقر فَقَالَ وَالْحق إِن جَمِيع الْحُرُوف الجارة الْوَاقِعَة فِي مَوضِع الْخَبَر وَنَحْوه تدل على الِاسْتِقْرَار وَهُوَ فِي ذَلِك تَابع لأبي حَيَّان

(1/80)


الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِي بَيَان حكم الْجَار وَالْمَجْرُور بعد الْمعرفَة والنكرة

أَخّرهَا عَن الأولى لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْجُزْء من الْكل حكم الْجَار وَالْمَجْرُور إِذا وَقع بعد المعرفه وَبعد النكرَة مَعَ التمحض وَغَيره حكم الْجُمْلَة الخبرية الْمَشْرُوطَة بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدّمَة فَهُوَ أَي الْجَار وَالْمَجْرُور صفة فِي نَحْو قَوْلك رَأَيْت طائرا على غُصْن لِأَنَّهُ أَي على غُصْن وَقع بعد نكرَة مَحْضَة وَهُوَ طَائِر
وَهُوَ حَال فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن قَارون {فَخرج على قومه فِي زينته} فَفِي زينته فِي مَوضِع الْحَال أَي متزينا على تَفْسِير الْمَعْنى وَكَائِنًا فِي زينته على تَفْسِير الْأَعْرَاب لِأَنَّهُ أَي فِي زينته وَقع بعد معرفَة مَحْضَة وَهِي الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي فَخرج وَهُوَ مُحْتَمل لَهما أَي الوصفية والحالية بعد غير الْمَحْض مِنْهُمَا وَذَلِكَ فِي نَحْو يُعجبنِي الزهر فِي أكمامه وَفِي نَحْو هَذَا ثَمَر يَانِع على أغصانه وَذَلِكَ لِأَن الزهر فِي الْمِثَال الأول معرف بأل الجنسية فَهُوَ قريب من النكرَة وقولك ثَمَر فِي الْمِثَال الثَّانِي مَوْصُوف ب يَانِع فَهُوَ قريب من الْمعرفَة فَيجوز فِي كل من الْجَار وَالْمَجْرُور فِي المثالين أَن يكون صفة وَأَن يكون حَالا والأكمام جمع كم بِكَسْر الْكَاف وَهُوَ وعَاء الطّلع والأغصان جمع غُصْن بِضَم الْغَيْن

(1/81)


الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فِي بَيَان مُتَعَلق الْجَار وَالْمَجْرُور والمحذوف فِي هَذِه الْمَوَاضِع

إعلم أَنه مَتى وَقع الْجَار وَالْمَجْرُور صفة لموصوف أَو صلَة لموصول أَو خَبرا لمخبر عَنهُ أَو حَالا لذِي حَال تعلق الْجَار وَالْمَجْرُور بِمَحْذُوف وجوبا تَقْدِيره كَائِن لِأَن الأَصْل فِي الصّفة وَالْحَال وَالْخَبَر الْإِفْرَاد
أَو تَقْدِيره اسْتَقر لِأَن الأَصْل فِي الْعَمَل للأفعال ويعضده الإتفاق عَلَيْهِ فِي الصِّلَة الْمشَار إِلَيْهِ بقوله إِلَّا الْوَاقِع صلَة فَيتَعَيَّن فِيهِ تَقْدِير اسْتَقر اتِّفَاقًا لِأَن الصِّلَة لَا تكون إِلَّا جملَة وَالْوَصْف مَعَ مرفوعه الْمُسْتَتر فِيهِ مُفْرد حكما
وَقد تقدم مِثَال الصّفة وَالْحَال فِي قَوْله رَأَيْت طائرا على غُصْن وَخرج على قومه فِي زينته
وَمِثَال الْخَبَر الْحَمد لله وَمِثَال الصِّلَة وَله من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَيُسمى الْجَار وَالْمَجْرُور فِي هَذِه الْمَوَاضِع الْأَرْبَعَة بالظرف المستقر بِفَتْح الْقَاف لاستقرار الضَّمِير فِيهِ بعد حذف عَامله وَفِي غَيرهَا بالظرف اللَّغْو لألغاء الضَّمِير فِيهِ

(1/82)


الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة حكم الْمَرْفُوع بعد الْجَار وَالْمَجْرُور فِي الْمَوَاضِع السَّابِقَة

يجوز فِي الْجَار وَالْمَجْرُور حَيْثُ وَقع فِي هَذِه الْمَوَاضِع الْأَرْبَعَة صفة أَو صلَة أَو خَبرا أَو حَالا وَحَيْثُ وَقع بعد نفي أَو اسْتِفْهَام أَن يرفع الْفَاعِل لاعتماده على ذَلِك تَقول مَرَرْت بِرَجُل فِي الدَّار أَبوهُ فلك فِي أَبوهُ وَجْهَان أَحدهمَا أَن تقدره فَاعِلا بالجار وَالْمَجْرُور وَهُوَ فِي الدَّار لنيابته عَن اسْتَقر أَو مُسْتَقر محذوفا وَهَذَا الْوَجْه هُوَ الرَّاجِح عِنْد الحذاق من النَّحْوِيين كَابْن مَالك وحجته أَن الأَصْل عدم التَّقْدِير وَالتَّأْخِير
وَالْوَجْه الثَّانِي أَن تقدره أَي أَبوهُ مُبْتَدأ مُؤَخرا وتقدر الْجَار وَالْمَجْرُور وَهُوَ فِي الدَّار خَبرا مقدما وَالْجُمْلَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر صفة لرجل الرابط بَينهمَا الْهَاء من أَبوهُ وَكَذَا تَقول فِي الصِّلَة وَالْخَبَر وَالْحَال
وَتقول فِي الْوَاقِع بعد النَّفْي والاستفهام مَا فِي الدَّار أحد وَهل فِي الدَّار أحد فلك فِي أحد الْوَجْهَانِ قَالَ الله تَعَالَى {أَفِي الله شكّ} فلك فِي شكّ الْوَجْهَانِ

(1/83)


وَحكى ابْن هِشَام الخضراوي عَن الْأَكْثَرين إِن الْمَرْفُوع بعد الْجَار وَالْمَجْرُور يجب أَن يكون فَاعِلا وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ والأخفش رفعهما أَي الْجَار وَالْمَجْرُور الْفَاعِل فِي غير هَذِه الْمَوَاضِع السِّتَّة أَيْضا نَحْو فِي الدَّار زيد فزيد عِنْدهم يجوز أَن يكون فَاعِلا وَيجوز أَن يكون مُبْتَدأ مُؤَخرا وَالْجَار وَالْمَجْرُور خَبره وَأوجب البصريون غير الْأَخْفَش ابتدائيتة
تَنْبِيه جَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْجَار وَالْمَجْرُور من أَنه لَا بُد من تعلقه بِالْفِعْلِ أَو بِمَا فِي مَعْنَاهُ وَمن كَونه صفة للنكرة الْمَحْضَة وَحَالا من الْمعرفَة الْمَحْضَة ومحتملا للوصفية والحالية بعد غير الْمَحْض مِنْهُمَا وَغير ذَلِك ثَابت للظرف فَلَا بُد من تعلقه بِفعل زمانيا كَانَ الظّرْف أَو مكانيا
فَالْأول نَحْو {وجاؤوا أباهم عشَاء يَبْكُونَ} فعشاء ظرف زمَان مُتَعَلق ب جَاءُوا وَالثَّانِي نَحْو {أَو اطرحوه أَرضًا} فأرضا ظرف مَكَان مُتَعَلق ب اطرحوه وَإِنَّمَا نصبت على الظَّرْفِيَّة لأبهامها من

(1/84)


حَيْثُ كَونهَا منكورة مَجْهُولَة
أَو بِمَعْنى فعل فالزماني نَحْو زيد مبكر يَوْم الْجُمُعَة والمكاني نَحْو زيد جَالس أَمَام الْخَطِيب فالظرفان متعلقان باسم الْفَاعِل لما فِيهِ من معنى الْفِعْل
وَمِثَال وُقُوعه أَي الظّرْف المكاني صفة بعد النكرَة الْمَحْضَة مَرَرْت بطائر فَوق غُصْن ففوق غُصْن صفة لطائر
وَمِثَال وُقُوعه حَالا بعد الْمعرفَة الْمَحْضَة رَأَيْت الْهلَال بَين السَّحَاب فَبين السَّحَاب حَال من الْهلَال
وَمِثَال وُقُوعه مُحْتملا لَهما أَي للوصفية والحالية بعد غير الْمَحْض يُعجبنِي الثَّمر بِالْمُثَلثَةِ فَوق الأغصان وَرَأَيْت ثَمَرَة بِالْمُثَلثَةِ يانعة فَوق غُصْن ففوق فِي المثالين يحْتَمل الوصفية والحالية
أما الأول فَلِأَنَّهُ وَقع بعد الْمُعَرّف بأل الجنسية وَهُوَ قريب من النكرَة فَإِن راعيت مَعْنَاهُ جعلت الظّرْف صفة لَهُ وَإِن راعيت لَفظه جعلته حَالا مِنْهُ
أما الثَّانِي فَلِأَنَّهُ وَقع بعد النكرَة الموصوفة ب يانعة وَالْمُنكر الْمَوْصُوف قريب من الْمعرفَة فَإِن لم تكتف بِالصّفةِ جعلت الظّرْف صفة ثَانِيَة وَإِن اكتفيت بهَا جعلته حَالا من النكرَة الموصوفة

(1/85)


وَمِثَال وُقُوعه خَبرا نَحْو {والركب أَسْفَل مِنْكُم} فِي قِرَاءَة السَّبْعَة نَافِع ابْن كثير وَابْن عَامر وَأبي عَمْرو وَعَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ بِنصب أَسْفَل فأسفل ظرف مَكَان خبر عَن الركب
وَمِثَال وُقُوعه صلَة {وَمن عِنْده لَا يَسْتَكْبِرُونَ} عَن عِبَادَته
فَمن بِفَتْح الْمِيم اسْم مَوْصُول وَعِنْده صلتها
وَمِثَال رَفعه الْفَاعِل الظَّاهِر زيد عِنْده مَال فَمَال فَاعل عِنْده لِأَنَّهُ اعْتمد على مخبر عَنهُ هَذَا هُوَ الرَّاجِح وَيجوز تقديرهما أَي الظّرْف وَالْمَرْفُوع بعده مُبْتَدأ مُؤَخرا وخبرا مقدما وَالْجُمْلَة خبر زيد والرابط بَينهمَا الْهَاء من عِنْده

(1/86)


وَكَذَا الحكم إِذا وَقع بعد نفي اَوْ اسْتِفْهَام نَحْو أعندك زيد وَمَا عنْدك زيد فَيَأْتِي فِي زيد وَجْهَان وَيَأْتِي فِي نَحْو عنْدك زيد المذهبان المتقدمان فِيمَا إِذا لم يعْتَمد الظّرْف على شَيْء وَوَقع بعده مَرْفُوع فمذهب الْبَصرِيين إِلَّا الْأَخْفَش وجوب رَفعه على الِابْتِدَاء والظرف خبر مقدم وَمذهب الْكُوفِيّين والأخفش جَوَاز رَفعه على الفاعلية لأَنهم لَا يشترطون الِاعْتِمَاد

(1/87)