همع الهوامع في شرح جمع الجوامع [حالات الْمَاضِي]
ص والماضي للْحَال بالإنشاء والاستقبال بِطَلَب ووعد وَعطف على
مُسْتَقْبل وَنفي ب لَا وَإِن بعد قسم ويحتمله والمضي بعد همزَة
التَّسْوِيَة فَإِن كَانَت لم بعد أم تعين الْمُضِيّ وتحضيض وَكلما
وَحَيْثُ وواقعا صلَة أَو صفة نكرَة عَامَّة وَأنكر أَبُو حَيَّان
هَذَا الْقسم ش للماضي أَربع حالات أَيْضا أَحدهَا أَن يتَعَيَّن
مَعْنَاهُ للمضي وَهُوَ الْغَالِب الثَّانِي أَن ينْصَرف إِلَى الْحَال
وَذَلِكَ إِذْ قصد بِهِ الْإِنْشَاء كبعت واشتريت وَغَيرهمَا من
أَلْفَاظ الْعُقُود إِذْ هُوَ عبارَة عَن إِيقَاع معنى بِلَفْظ يقارنه
فِي الْوُجُود الثَّالِث أَن ينْصَرف إِلَى الِاسْتِقْبَال وَذَلِكَ
إِذا اقْتضى طلبا نَحْو غفر الله لَك وعزمت عَلَيْك إِلَّا فعلت أَو
لما فعلت أَو وَعدا نَحْو {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} الْكَوْثَر 1
أَو عطف على مَا علم استقباله نَحْو {يقدم قومه يَوْم الْقِيَامَة
فأوردهم النَّار} هود 98 {وَيَوْم ينْفخ فِي الصُّور فَفَزعَ} النَّمْل
87 أَو نفي ب لَا أَو إِن بعد قسم نَحْو {وَلَئِن زالتا إِن أمسكهما من
أحد من بعده} فاطر 41 أَي مَا يمسكهما
(ردُوا فواللَّهِ لَا ذُدْناكُمُ أبدا ... )
الرَّابِع أَن يحْتَمل الِاسْتِقْبَال والمضي وَذَلِكَ إِذا وَقع بعد
همزَة التَّسْوِيَة نَحْو سَوَاء عَليّ أَقمت أم قعدت إِذْ يحْتَمل أَن
يُرَاد مَا كَانَ مِنْك من قيام أَو قعُود أَو مَا يكون من ذَلِك
وَسَوَاء كَانَ الْفِعْل معادلا ب أم أم لَا نَحْو سَوَاء عَليّ أَي
وَقت جئتني فَإِن
(1/43)
كَانَ الْفِعْل بعد أم مَقْرُونا ب لم تعين
الْمُضِيّ نَحْو {سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} الْبَقَرَة
6 لِأَن الثَّانِي مَاض معنى فَوَجَبَ مُضِيّ الأول لِأَنَّهُ معادل
لَهُ أَو وَقع بعد أَدَاة تحضيض نَحْو هلا فعلت إِن أردْت الْمُضِيّ
فَهُوَ توبيخ نَحْو {فلولا كَانَ من الْقُرُون من قبلكُمْ أولُوا
بَقِيَّة} هود 116 أَو الِاسْتِقْبَال فَهُوَ أَمر بِهِ نَحْو {فلولا
نفر} التَّوْبَة 122 أَي لينفر أَو بعد كلما فالمضي نَحْو {كل مَا
جَاءَ أمة رسولها} الْمُؤْمِنُونَ 44 والاستقبال نَحْو {كلما نَضِجَتْ
جُلُودهمْ بَدَّلْنَاهُمْ} النِّسَاء 56 أَو بعد حَيْثُ فالمضي نَحْو
{فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله} الْبَقَرَة 222 والاستقبال نَحْو
{وَمن حَيْثُ خرجت فول} الْبَقَرَة 149 أَو وَقع صلَة فالمضي نَحْو
{الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس} آل عمرَان 173 والاستقبال نَحْو {إِلَّا
الَّذين تَابُوا من قبل أَن تقدروا عَلَيْهِم} الْمَائِدَة 34 وَقد
اجْتمعَا فِي قَوْله 12 -
(وإنِّي لآتيكم تَشَكُّرَ مَا مَضى ... من الأَمْر واستيجابَ مَا كَانَ
فِي غَدِ)
أَو وَقع صفو لنكرة عَامَّة فلمضي نَحْو 13 -
(رُبّ رفْدٍ هَرَقْتهُ ذَلِك الْيَوْم ... )
(1/44)
والاستقبال كَحَدِيث نضر الله امْرأ سمع
مَقَالَتي فوعاها فأداها كَمَا سَمعهَا أَي يسمع لِأَنَّهُ ترغيب لمن
أدْرك حَيَاته فِي حفظ مَا يسمعهُ مِنْهُ وَأنكر أَبُو حَيَّان هَذَا
الْقسم الرَّابِع بصوره كلهَا فَقَالَ بعد أَن سَاقهَا وَهَذِه الْمثل
فِي هَذِه الِاحْتِمَالَات من كَلَام ابْن مَالك وَالَّذِي نَذْهَب
إِلَيْهِ الْحمل على الْمُضِيّ لإبقاء اللَّفْظ على مَوْضُوعه
وَإِنَّمَا فهم الِاسْتِقْبَال فِيمَا مثل بِهِ من خَارج وَوَافَقَهُ
الْمرَادِي ص وَلَيْسَ أصلا للأفعال وَالْبَاقِي فرع وَالْأَمر مقتطع
من الْمُضَارع على الْأَصَح ش فِيهِ مَسْأَلَتَانِ الأولى ذهب بَعضهم
إِلَى أَن الأَصْل فِي الْأَفْعَال هُوَ الْمَاضِي لِأَنَّهُ أسبق
الْأَمْثِلَة لاعتلال الْمُضَارع وَالْأَمر باعتلاله وَلِأَن
الْمُضَارع هُوَ الْمَاضِي مَعَ الزَّوَائِد وَالْأَمر مِنْهُ بعد
طرحها وَالْجُمْهُور على أَن الثَّلَاثَة أصُول الثَّانِيَة ذهب
الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَن أصُول الْفِعْل الْمَاضِي والمضارع فَقَط
وَأَن الْأَمر مقتطع من الْمُضَارع إِذْ أصل افْعَل ليفعل كأمر
الْغَائِب وَلما كَانَ أَمر الْمُخَاطب أَكثر على ألسنتهم استثقلوا
مَجِيء اللَّام فِيهِ فحذفوها مَعَ حرف المضارعة طلبا للتَّخْفِيف مَعَ
كَثْرَة الِاسْتِعْمَال وبنوا على ذَلِك أَنه مُعرب والبصريون على أَنه
أصل بِرَأْسِهِ وَمَا ذكر فِي أَصله فَمَمْنُوع
(1/45)
[الْحَرْف وأقسامه]
ص والحرف لَا عَلامَة لَهُ فَإِن اخْتصَّ باسم أَو فعل عمل وَإِلَّا
فَلَا وَيسْتَثْنى من الأول هَل الَّتِي فِي حيزها فعل وَمن الثَّانِي
مَا وَلَا وَإِن النافيات ش الْحَرْف لَا عَلامَة لَهُ وجودية بل
علامته أَلا يقبل شَيْئا من خَواص الِاسْم وَلَا من خَواص الْفِعْل
وَهُوَ ثَلَاثَة أَقسَام مُخْتَصّ بالإسم ومختص بِالْفِعْلِ ومشترك
بَينهمَا وَالْأَصْل فِي كل حرف يخْتَص أَن يعْمل فِيمَا اخْتصَّ بِهِ
وَفِي كل حرف لَا يخْتَص أَلا يعْمل وَقيد أَبُو حَيَّان الأول بألا
يتنزل مِنْهُ منزلَة الْجُزْء فَإِن تنزل ك أل وسين التَّنْفِيس لم
يعْمل وَمِمَّا خرج عَن هَذَا الأَصْل هَل الَّتِي فِي حيزها فعل
فَإِنَّهَا تخْتَص بِهِ بِمَعْنى أَنه يجب إيلاؤه إِيَّاه كَمَا
سَيَأْتِي فِي بَاب الِاشْتِغَال حَيْثُ رجح النصب بعْدهَا وَمَعَ
ذَلِك لَا تعْمل لِأَن هَذَا الِاخْتِصَاص عرضي لَا يلْزم وَمَا وَلَا
وَإِن النافيات فَإِنَّهَا لَا تخْتَص وَمَعَ ذَلِك تعْمل لِأَن لَهَا
شبها ب لَيْسَ فِي أَنَّهَا للنَّفْي وللحال وَتدْخل على الْمُبْتَدَأ
وَالْخَبَر فألحقت بهَا ص وَلَيْسَ مِنْهُ عَسى وَلَيْسَ وَكَانَ
وَأَخَوَاتهَا على الصَّحِيح ش الْمَشْهُور من مَذْهَب الْجُمْهُور أَن
الْمَذْكُورَات أَفعَال لَا تصال ضمائر الرّفْع وَالتَّاء الساكنة بهَا
وَذهب ابْن السراج إِلَى الحرفية عَسى وَلَيْسَ مُسْتَندا إِلَى عدم
تصرفهما وَوَافَقَهُ فِي الأولى ثَعْلَب وَفِي الثَّانِيَة الْفَارِسِي
وَابْن شقير ورد بِأَن ذَلِك لَا يصلح دَلِيلا للحرفية مَعَ قيام
دَلِيل الفعلية وَذهب الزجاجي إِلَى أَن كَانَ وَأَخَوَاتهَا حُرُوف
(1/46)
وَقَالَ ابْن هِشَام فِي حَوَاشِي التسهيل
الْخلاف فِي عَسى وَلَيْسَ شهير وَفِي كَانَ غَرِيب قَالَ ابْن الْحَاج
فِي النَّقْد حكى الْعَبْدي فِي شرح الْإِيضَاح أَن الْمبرد قَالَ إِن
كَانَ حرف قَالَ الْعَبْدي وَهَذَا أطرف من قَول من قَالَ إِن لَيْسَ
وَعَسَى حرفان قَالَ ابْن الْحَاج هُوَ وَإِن كَانَ فِي بادئ الرَّأْي
ضَعِيفا إِلَّا أَنه أقوى لمن تَأمل لِأَنَّهَا لَا تدل على حدث بل
دخلت لتفيد معنى الْمُضِيّ فِي خبر مَا دخلت عَلَيْهِ
(1/47)
[الْكَلَام وأقسامه]
ص وَالْكَلَام قَول مُفِيد وَهُوَ مَا يحسن سكُوت الْمُتَكَلّم
عَلَيْهِ وَقيل السَّامع وَقيل هما وَالأَصَح اشْتِرَاط الْقَصْد
وإفادة مَا يجهل لَا اتِّحَاد النَّاطِق وأشكال تَصْوِير خِلَافه ش
الْكَلَام يُطلق لُغَة على الْخط وَالْإِشَارَة وَمَا يفهم من حَال
الشَّيْء وإطلاقه على هَذِه الثَّلَاثَة مجَاز وعَلى التكليم الَّذِي
هُوَ الْمصدر وَفِي كَلَام بَعضهم مَا يَقْتَضِي أَن إِطْلَاقه على
هَذَا حَقِيقَة وعَلى مَا فِي النَّفس من الْمعَانِي الَّتِي يعبر
عَنْهَا وعَلى اللَّفْظ الْمركب أَفَادَ أم لم يفد وَهل هُوَ حَقِيقَة
فيهمَا أَو فِي الأول فَقَط أَو الثَّانِي فَقَط ثَلَاثَة مَذَاهِب
للنحويين وعَلى الْكَلِمَة الْوَاحِدَة كَمَا فِي الصِّحَاح وَأما فِي
الِاصْطِلَاح فَأحْسن حُدُودهَا وأخصرها أَنه قَول مُفِيد فَخرج ب
القَوْل الْخَمْسَة الأول الْمَذْكُورَة وب الْمُفِيد الْكَلِمَة
وَبَعض المركبات وَهُوَ الَّذِي لَا يُفِيد وَالْمرَاد ب الْمُفِيد مَا
يفهم معنى يحسن السُّكُوت عَلَيْهِ وَهل المُرَاد سكُوت الْمُتَكَلّم
أَو السَّامع أَو هما أَقْوَال أرجحها الأول لِأَنَّهُ خلاف
التَّكَلُّم فَكَمَا أَن التَّكَلُّم صفة الْمُتَكَلّم كَذَلِك
السُّكُوت صفته أَيْضا وَالْمرَاد ب حسن السُّكُوت عَلَيْهِ أَلا يكون
مُحْتَاجا فِي إفادته للسامع كاحتياج الْمَحْكُوم عَلَيْهِ إِلَى
الْمَحْكُوم بِهِ أَو عَكسه فَلَا يضرّهُ احْتِيَاجه إِلَى المتعلقات
من المفاعيل وَنَحْوهَا وَهل يشْتَرط إِفَادَة الْمُخَاطب شَيْئا يجهله
قَولَانِ أَحدهمَا نعم وَجزم بِهِ ابْن مَالك فَلَا يُسمى نَحْو
السَّمَاء فَوق الأَرْض وَالنَّار حارة وَتكلم رجل كلَاما وَالثَّانِي
لَا وَصَححهُ أَبُو حَيَّان قَالَ وَإِلَّا كَانَ الشَّيْء الْوَاحِد
كلَاما وَغير كَلَام إِذا خُوطِبَ بِهِ من يجهله فاستفاد مضمونه ثمَّ
خُوطِبَ بِهِ ثَانِيًا وَمحل
(1/48)
الْخلاف مَا إِذا ابتدئ بِهِ فَيصح أَن
يُقَال زيد قَائِم كَمَا أَن النَّار حارة بِلَا خلاف ذكره أَبُو
حَيَّان فِي تَذكرته وَهل يشْتَرط فِي الْكَلَام الْقَصْد قَولَانِ
أَحدهمَا نعم وَجزم بِهِ ابْن مَالك وخلائق فَلَا يُسمى مَا ينْطق بِهِ
النَّائِم الساهي كلَاما وعَلى هَذَا يُزَاد فِي الْحَد مَقْصُور
وَالثَّانِي لَا وَصَححهُ أَبُو حَيَّان وَهل يشْتَرط فِي اتِّحَاد
النَّاطِق قَولَانِ أَحدهمَا نعم فَلَو اصْطلحَ رجلَانِ على أَن يذكر
أَحدهمَا فعلا وَالْآخر فَاعِلا أَو مُبْتَدأ وَالْآخر خَبرا لم يسم
ذَلِك كلَاما وَعلل بِأَن الْكَلَام عمل وَاحِد فَلَا يكون عَامله
إِلَّا وَاحِدًا وعَلى هَذَا يُزَاد فِي الْحَد من نَاطِق وَاحِد
وَالثَّانِي لَا وَصَححهُ ابْن مَالك وَأَبُو حَيَّان كَمَا أَن
اتِّحَاد الْكَاتِب لَا يعْتَبر فِي كَون الْخط خطا وَقَالَ ابْن أم
قَاسم صُدُور الْكَلَام من ناطقين لَا يتَصَوَّر لِأَن كل وَاحِد من
الْمُتَكَلِّمين إِنَّمَا اقْتصر على كلمة وَاحِدَة اتكالا على نطق
الآخر بِالْأُخْرَى فَكَأَنَّهَا مقدرَة فِي كَلَامه وَهَذَا معنى قولي
وأشكل تَصْوِير خِلَافه تَنْبِيه تَخْصِيص النُّحَاة الْكَلَام بالمفيد
مُجَردا اصْطِلَاح لَا دَلِيل عَلَيْهِ وَقد بَالغ الخفاجي فِي
إِنْكَار ذَلِك عَلَيْهِ فَقَالَ فِي كِتَابه سر الفصاحة الْكَلَام
عندنَا مَا انتظم من حرفين فَصَاعِدا من الْحُرُوف المعقولة إِذا وَقع
مِمَّن تصح مِنْهُ أَو من قبيله الإفادة قَالَ وَإِنَّمَا شرطنا
الانتظام لِأَنَّهُ لَو أُتِي بِحرف وَمضى زمَان وَأتي بِحرف لم يَصح
وصف فعله بِأَنَّهُ كَلَام وَذكرنَا الْحُرُوف المعقولة لِأَن أصوات
بعض الجمادات رُبمَا تقطعت على وَجه
(1/49)
يلتبس بالحروف لَكِنَّهَا لَا تتَمَيَّز
تميزها وشرطنا وُقُوع ذَلِك مِمَّن تصح مِنْهُ أَو من قبيله الإفادة
لِئَلَّا يلْزم عَلَيْهِ أَن يكون مَا يسمع من بعض الطُّيُور كلَاما
وَقَوْلنَا الْقَبِيل دون الشَّخْص لِأَن مَا يسمع من الْمَجْنُون
يُوصف بِأَنَّهُ كَلَام وَإِن لم تصح مِنْهُ الْفَائِدَة وَهُوَ
بِحَالهِ لَكِنَّهَا تصح من قبيله وَلَيْسَ كَذَلِك الطَّائِر وَلَا
يجوز أَن يشْتَرط فَيحد الْكَلَام كَونه مُفِيدا على مَا ذهب إِلَيْهِ
أهل النَّحْو لِأَن أهل اللُّغَة قسموا الْكَلَام إِلَى مهمل ومستعمل
فالمهمل مَا لم يوضع لشَيْء من الْمعَانِي والمستعمل هُوَ الْموضع
لِمَعْنى لَهُ فَائِدَة فَلَو كَانَ الْكَلَام هُوَ الْمُفِيد عِنْدهم
وَمَا لم يفد لَيْسَ بِكَلَام لم يَكُونُوا قسموه على قسمَيْنِ بل
كَانَ يجب أَن يسلبوا مَا لم يفد اسْم الْكَلَام رَأْسا على أَن
الْكَلَام إِنَّمَا يُفِيد بالمواضعة وَلَيْسَ لَهَا تَأْثِير فِي
كَونه كلَاما كَمَا لَا تَأْثِير لَهَا فِي كَونه صَوتا وَقد تصدى
أَبُو طَالب الْعَبْدي فِي شرح الْإِيضَاح لنصر مَذْهَب النَّحْوِيين
فِي ذَلِك وَأكْثر مَا اسْتدلَّ بقَوْلهمْ لمن يُورد مَا تقل فَائِدَته
هَذَا لَيْسَ بِكَلَام وَبقول سِيبَوَيْهٍ إِن الْكَلَام إِنَّمَا يَقع
على الْجمل وَقَررهُ بِأَنَّهُ اسْم لمصدر ونائب عَنهُ وَذَلِكَ
الْمصدر وَهُوَ التكليم مَوْضُوع للْمُبَالَغَة والتكثير لِأَن فعله
كلم دَال على ذَلِك فَلَمَّا جرى الْكَلَام عَلَيْهِ وَجب أَن يُرَاد
بِهِ التكثير وَأَقل أَحْوَال التكثير والتكرير أَن يكون وَاقعا على
جملَة قَالَ وَلَا حجَّة لَهُ فِي ذَلِك وَأما قَوْلهم لقَلِيل
الْفَائِدَة لَيْسَ بِكَلَام فَمن بَاب الْمجَاز وَالْمُبَالغَة
كَقَوْلِك للبليد لَيْسَ بِإِنْسَان وَأما قَول سِيبَوَيْهٍ فَلَا تقوم
بِهِ حجَّة لِأَن الْخصم قَالَ نعم يُمكن أَن يُقَال إِن
الْمُتَقَدِّمين من أهل النَّحْو تواضعوا فِي عرفهم على أَن سموا
الْجُمْلَة المفيدة كلَاما دون مَا لم يفد لِأَن ذَلِك على سَبِيل
التَّحْقِيق كَمَا أَنهم سموا هَذِه الْحَوَادِث الْوَاقِعَة ك ضرب
أفعالا وَلَو عدلنا إِلَى التَّحْقِيق كَانَت أَسمَاء لما وَقع من
الْحَوَادِث اهـ
(1/50)
وَقَالَ ابْن جنى فِي الخصائص فَإِن قيل لم
وضع الْكَلَام على مَا كَانَ مُسْتقِلّا بِنَفسِهِ وعَلى الْجُمْلَة
التَّامَّة دون غَيرهَا الِاشْتِقَاق قضى بذلك أم مُجَرّد السماع قيل
لَا بل الِاشْتِقَاق قضى بِهِ دون مُجَرّد السماع لِأَن الْكَلَام
مَأْخُوذ من الْكَلم وَهُوَ الْجرْح والتأثير وَإِنَّمَا يحصل
التَّأْثِير بالتام الْمَفْهُوم دون غَيره قَالَ وَمِمَّا يؤنسك بذلك
أَن الْعَرَب لما أَرَادَت الْآحَاد من ذَلِك خصته باسم لَهُ لَا يَقع
إِلَى على الْوَاحِد وَهُوَ قَوْلهم كلمة ثمَّ قَالَ فِي آخر كَلَامه
(ولكلّ قَوْم سُنَّةٌ وإمامُها ... )
[الْكَلَام فِي الْإِسْنَاد]
ص وَلَا يُمكن فِي كلمة خلافًا لِابْنِ طَلْحَة وَلَا اسْم وحرف خلافًا
للفارسي وَلَا فعل وحرف خلافًا للشلوبين بل فِي اسْمَيْنِ وَاسم وَفعل
(1/51)
ش الضَّمِير عَائِد إِلَى الْكَلَام أَو
إِلَى الإفادة وَالْحَاصِل أَن الْكَلَام لَا يتأتي إِلَّا من
اسْمَيْنِ أَو من اسْم وَفعل فَلَا يَتَأَتَّى من فعلين وَلَا حرفين
وَلَا اسْم وحرف وَلَا فعل وحرف وَلَا كلمة وَاحِدَة لِأَن الإفادة
إِنَّمَا تحصل بِالْإِسْنَادِ وَهُوَ لَا بُد لَهُ من طرفين مُسْند
ومسند إِلَيْهِ وَالِاسْم بِحَسب الْوَضع يصلح أَن يكون مُسْندًا
وَمُسْندًا إِلَيْهِ وَالْفِعْل لكَونه مُسْندًا لَا مُسْندًا إِلَيْهِ
والحرف لَا يصلح لأَحَدهمَا فالاسمان يكونَانِ كلَاما لكَون أَحدهمَا
مُسْندًا وَالْآخر مُسْندًا إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ الِاسْم مَعَ الْفِعْل
لكَون الْفِعْل مُسْندًا وَالِاسْم مُسْندًا إِلَيْهِ والفعلان
وَالْفِعْل والحرف لَا مُسْند إِلَيْهِ فيهمَا وَالِاسْم مَعَ الْحَرْف
إِمَّا أَن يفقد مِنْهُ الْمسند أَو الْمسند إِلَيْهِ والحرفان لَا
مُسْند إِلَيْهِ فيهمَا وَلَا مُسْند والكلمة لَا إِسْنَاد فِيهَا
بِالْكُلِّيَّةِ وَزعم ابْن طَلْحَة أَن الْكَلِمَة الْوَاحِدَة قد
تكون كلَاما إِذا قَامَت مقَام الْكَلَام ك نعم وَلَا فِي الْجَواب ورد
بِأَن الْكَلَام هُوَ الْجُمْلَة الْمقدرَة بعْدهَا وَزعم أَبُو عَليّ
الْفَارِسِي أَن الِاسْم مَعَ الْحَرْف يكون كلَاما فِي النداء نَحْو
يَا زيد وَأجِيب بِأَن يَا سدت مسد الْفِعْل وَهُوَ أَدْعُو أَو أنادي
وَزعم بَعضهم أَن الْفِعْل مَعَ الْحَرْف يكون كلَاما فِي نَحْو مَا
قَامَ بِنَاء على أَن الضَّمِير الْمُسْتَتر لَا يعد كلمة
[أَقسَام الْكَلَام]
ص وَهُوَ خبر إِن احْتمل الصدْق وَالْكذب وَإِلَّا فإنشاء وَالأَصَح
انحصاره فيهمَا (ش) اخْتلف النَّاس فِي أَقسَام الْكَلَام
(1/52)
فالحذاق من النُّحَاة وَغَيرهم وَأهل
الْبَيَان قاطبة على انحصاره فِي الْخَبَر والإنشاء وَقَالَ كَثِيرُونَ
أقسامه ثَلَاثَة خبر وَطلب وإنشاء قَالُوا لِأَن الْكَلَام إِمَّا أَن
يقبل التَّصْدِيق والتكذيب أَو لَا الأول الْخَبَر وَالثَّانِي إِن
اقْترن مَعْنَاهُ بِلَفْظِهِ فَهُوَ الْإِنْشَاء وَإِن لم يقْتَرن بل
تَأَخّر عَنهُ فَهُوَ الطّلب والمحققون على دُخُول الطّلب فِي
الْإِنْشَاء وَأَن معنى اضْرِب مثلا وَهُوَ طلب الضَّرْب مقترن
بِلَفْظِهِ وَأما الضَّرْب الَّذِي يُوجد بعد ذَلِك فَهُوَ مُتَعَلق
الطّلب لَا نَفسه وَقَالَ قطرب أَقسَام الْكَلَام أَرْبَعَة خبر
واستخبار وَهُوَ الِاسْتِفْهَام وَطلب ونداء فأدرج الْأَمر وَالنَّهْي
تَحت الطّلب وَضعف بِأَن الاستخبار دَاخل تَحْتَهُ أَيْضا وَبِأَن
نَحْو بِعْت واشتريت خَارج مِنْهُ وَقَالَ بَعضهم خَمْسَة خبر وَأمر
وتصريح وَطلب ونداء وَقَالَ الْأَخْفَش سِتَّة خبر واستخبار وَأمر
وَنهي ونداء وتمن وَقَالَ بَعضهم عشرَة نِدَاء وَمَسْأَلَة وَأمر
وَتشفع وتعجب وَقسم وَشرط وَوضع وَشك واستفهام وَقَالَ بَعضهم تِسْعَة
فإسقاط الاستقهام لدُخُوله فِي الْمَسْأَلَة وَقَالَ بَعضهم ثَمَانِيَة
بِإِسْقَاط التشفع لدُخُوله فِيهَا وَقَالَ بَعضهم سَبْعَة بِإِسْقَاط
الشَّك لِأَنَّهُ من قسم الْخَبَر وَقَالَ بَعضهم سِتَّة عشر أَمر
وَنهي وَخبر واستخبار وَطلب وجحود وتمن وإغلاظ وتلهف واختبار وَقسم
وتشبيه ومجازاة وَدُعَاء وتعجب واستثناء وَالتَّحْقِيق انحصاره فِي
الْقسمَيْنِ الْأَوَّلين وَرُجُوع بَقِيَّة الْمَذْكُورَات إِلَيْهِمَا
(1/53)
[الْكَلم]
(ص) والكلم الْمركب من ثَلَاث وَإِن
لم يفد وَهُوَ اسْم جنس ل كلمة لَا جمع كَثْرَة وَلَا قلَّة وَلَا
شَرطه تعدد الْأَنْوَاع خلافًا لزاعميها ش الْكَلم القَوْل الْمركب من
ثَلَاث كَلِمَات فَصَاعِدا أَفَادَ أم لَا فَهُوَ أخص من الْكَلَام
لِأَنَّهُ يكون بالتركيب من ثَلَاث وأعم مِنْهُ لعدم اشْتِرَاط
الْفَائِدَة وَالْكَلَام عَكسه فيتأتي اجْتِمَاعهمَا فِي قد قَامَ زيد
وارتفاعهما فِي إِن قَامَ وَوُجُود الْكَلَام دون الْكَلم فِي زيد
قَائِم وَعَكسه فِي إِن قَامَ زيد وَهل يشْتَرط أَن تكون الثَّلَاث من
الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة أَو لَا فَتكون من نوع أَو من نَوْعَيْنِ ذكر
ابْن النّحاس فِيهِ خلافًا وَالصَّحِيح عدم الِاشْتِرَاط وَالصَّحِيح
أَنه اسْم جنس للكلمة كتمر وَتَمْرَة لَا جمع كَثْرَة وَلَا قلَّة
خلافًا لزاعمي ذَلِك بِدَلِيل تذكيره فِي قَوْله {إِلَيْهِ يصعد
الْكَلم الطّيب} فاطر 10 وَأَنه لم يتَغَيَّر فِيهِ نظم واحده ذكر
ذَلِك ابْن الصَّائِغ فِي شرح الألفية وَابْن فلاح فِي مغنيه قَالَ
ابْن الخشاب وَلَا يُطلق الْكَلم على الْمركب من كَلِمَتَيْنِ إِلَّا
عِنْد من يجوز إِطْلَاق اسْم الْجمع على اثْنَيْنِ
(1/54)
وَفِي شرح التسهيل لناظر الْجَيْش اخْتلف
النُّحَاة فِي الْكَلم فَذهب جمَاعَة مِنْهُم الْجِرْجَانِيّ إِلَى
أَنه جمع للكلمة وَذهب الْفَارِسِي وَغَيره من الْمُحَقِّقين إِلَى
أَنه اسْم جنس لَهَا ثمَّ اخْتلفُوا على مَذَاهِب أَحدهَا وَعَلِيهِ
الْأَكْثَر أَنه لَا يَقع إِلَّا على مَا فَوق الْعشْرَة وَإِذا قصد
بِهِ مَا دونهَا جمع بِأَلف وتاء وَالثَّانِي أَنه يَقع على الْكثير
والقليل وَالثَّالِث أَنه لَا يَقع على أقل من ثَلَاث وَعَلِيهِ ابْن
مَالك
الْجُمْلَة
ص وَالْجُمْلَة قيل ترادف الْكَلَام وَالأَصَح أَعم لعدم شَرط الإفادة
فَإِن صدرت باسم فاسمية أَو فعل ففعلية أَو ظرف أَو مجرور فظرفية وَإِن
تقدمها حرف وَالْعبْرَة بصدر الأَصْل واسمية الصَّدْر فعلية الْعَجز
ذَات وَجْهَيْن وَتسَمى الْكُبْرَى إِن كَانَ خَبَرهَا جملَة
وَالصُّغْرَى إِن كَانَت خَبرا وَلما بَينهمَا اعتباران ش ذهبت
طَائِفَة إِلَى أَن الْجُمْلَة وَالْكَلَام متردفان وَهُوَ ظَاهر قَول
الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل فَإِنَّهُ بعد أَن فرغ من حد الْكَلَام
قَالَ وَيُسمى جملَة
(1/55)
وَالصَّوَاب أَنَّهَا أَعم مِنْهُ إِذْ
شَرطه الإفادة بِخِلَافِهَا قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَلِهَذَا
تسمعهم يَقُولُونَ جملَة الشَّرْط جملَة الْجَواب جملَة الصِّلَة وكل
ذَلِك لَيْسَ مُفِيدا فَلَيْسَ كلَاما وعَلى هَذَا فحد الْجُمْلَة
القَوْل الْمركب كَمَا أفْصح بِهِ شَيخنَا الْعَلامَة الكافيجي فِي شرع
الْقَوَاعِد ثمَّ اخْتَار الترادف قَالَ لأَنا نعلم بِالضَّرُورَةِ أَن
كل مركب لَا يُطلق عَلَيْهِ الْجُمْلَة وَسَبقه إِلَى اخْتِيَار ذَلِك
نَاظر الْجَيْش وَقَالَ إِنَّه الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَام النُّحَاة
قَالَ وَأما إِطْلَاق الْجُمْلَة على مَا ذكر من الْوَاقِعَة شرطا أَو
جَوَابا أَو صلَة فإطلاق مجازي لِأَن كلا مِنْهَا كَانَ جملَة قبل
فأطلقت الْجُمْلَة عَلَيْهِ بِاعْتِبَار مَا كَانَ كإطلاق الْيَتَامَى
على الْبَالِغين نظرا إِلَى أَنهم كَانُوا كَذَلِك اهـ وتنقسم
الْجُمْلَة إِلَى اسمية وفعلية وظرفية فالاسمية الَّتِي صدرها اسْم
كزيد قَائِم وهيهات العقيق والفعلية الَّتِي صدرهها فعل كقام زيد وَضرب
اللص وَكَانَ زيد قَائِما وظننته قَائِما وَيقوم وقم
(1/56)
والظرفية المصدرة بظرف أَو مجرور نَحْو
عنْدك زيد أَو فى الدَّار زيد إِذا قدرت زيدا فَاعِلا بالظرف أَو
الْمَجْرُور لَا بالاستقرار الْمَحْذُوف وَلَا مُبْتَدأ مخبرا عَنهُ
بهما وَزَاد المزمخشري وَغَيره فى الْجمل الشّرطِيَّة وَالصَّوَاب
أَنَّهَا من قبيل الفعلية لِأَن المُرَاد بالصدر الْمسند أَو الْمسند
إِلَيْهِ وَلَا عِبْرَة بِمَا تقدم عَلَيْهِمَا من الْحُرُوف فالجملة
من نَحْو أقائم الزيدان وأزيد أَخُوك وَلَعَلَّ أَبَاك منطلق وَمَا زيد
قَائِما اسمية وَمن نَحْو أَقَامَ زيد وَإِن قَامَ زيد وهلا قُمْت
فعلية وَالْمُعْتَبر أَيْضا مَا هُوَ صدر فى الأَصْل فالجملة من نَحْو
كَيفَ جَاءَ زيد وَنَحْو {ففريقا كَذبْتُمْ وفريقا تقتلون} الْبَقَرَة
87 وَنَحْو {فَأَي ءايت الله تنكرون} غَافِر 81 فعلية لِأَن هَذِه
الْأَسْمَاء فى رُتْبَة التَّأْخِير وَكَذَا جملَة من نَحْو يَا عبد
الله {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك فَأَجره} التَّوْبَة 6
{والأنعام خلقهَا} [النَّحْل: 5] {واليل إِذا يغشى} اللَّيْل 1 لِأَن
صدورها فى الأَصْل أَفعَال وَالتَّقْدِير أَدْعُو زيدا وَإِن استجارك
أحد وَخلق الْأَنْعَام وَأقسم بِاللَّيْلِ وَقد تكون الْجُمْلَة ذَات
وَجْهَيْن وَهِي اسمية اصدر فعلية الْعَجز نَحْو زيد يقوم أَبوهُ قَالَ
ابْن هِشَام وَيَنْبَغِي أَن يُزَاد عكس ذَلِك نَحْو ظَنَنْت زيدا
أَبوهُ قَائِم وتنقسم أَيْضا إِلَى الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى فالكبرى
هِيَ الاسمية الَّتِي خَبَرهَا جملَة نَحْو زيد قَامَ أَبوهُ وَزيد
أَبوهُ قَائِم وَالصُّغْرَى هِيَ المبنية على الْمُبْتَدَأ كالجملة
الْمخبر بهَا فِي المثالين وَقد تكون الْجُمْلَة كبرى وصغرى باعتبارين
نَحْو زيد أَبوهُ غُلَامه منطلق فمجموع هَذَا الْكَلَام جملَة كبرى لَا
غير وَغُلَامه منطلق صغرى لَا غير وَأَبوهُ غُلَامه منطلق كبرى
بِاعْتِبَار غُلَامه منطلق صغرى بِاعْتِبَار جملَة الْكَلَام
(1/57)
القَوْل
ص وَالْقَوْل لفظ دلّ على معنى فَيعم الثَّلَاثَة قيل والمهمل وَلَيْسَ
مجَازًا فِي غير الْكَلِمَة وَلَا خَاصّا بالمركب وَلَا الْمُفِيد
خلافًا لزاعميها ش القَوْل هُوَ اللَّفْظ الدَّال على معنى ف اللَّفْظ
جنس يَشْمَل الْمُسْتَعْمل والمهمل لِأَنَّهُ الصَّوْت الْمُعْتَمد على
مقطع وَالدَّال على معنى فصل يخرج المهمل فَشَمَلَ الْكَلِمَة
وَالْكَلَام والكلم شمولا بدليا أَي أَنه يصدق على كل مِنْهَا أَنه
قَول إطلاقا حَقِيقِيًّا وَقيل إِنَّه حَقِيقَة فِي الْمُفْرد وإطلاقه
على الْمركب مجَاز وَعَلِيهِ ابْن معط وَقيل حَقِيقَة فِي الْمركب
سَوَاء أَفَادَ أم لَا وإطلاقه على الْمُفْرد مجَاز وَقيل حَقِيقَة فِي
الْمركب الْمُفِيد وإطلاقه على الْمُفْرد والمركب الَّذِي لَا يُفِيد
مجَاز وَبِه جزم الْجُوَيْنِيّ فِي تَفْسِيره وَقيل إِنَّه يُطلق على
اللَّفْظ المهمل أَيْضا فيرادف اللَّفْظ حَكَاهُ أَبُو حَيَّان فِي
بَاب ظن من شرح التسهيل وَجزم بِهِ أَبُو الْبَقَاء فِي اللّبَاب أما
إِطْلَاقه على غير اللَّفْظ من الرَّأْي والاعتقاد فمجاز إِجْمَاعًا
(1/58)
الْإِعْرَاب
ص الْإِعْرَاب ش أَي هَذَا بَحثه وَهُوَ مصدر أعرب مُشْتَركا لمعان
الْإِبَانَة يُقَال أعرب الرجل عَن حَاجته أبان عَنْهَا وَمِنْه حَدِيث
وَالثَّيِّب تعرب عَن نَفسهَا والإجالة عربت الدَّابَّة جالت فِي
مرعاها وأعربها صَاحبهَا أجالها والتحسين أعربت الشَّيْء حسنته
والتغيير عربت الْمعدة وأعربها الله غَيرهَا وَإِزَالَة الْفساد أعربت
الشَّيْء أزلت عربه أَي فَسَاده وَيَتَعَدَّى الأول ب عَن وَالْبَاقِي
بِالْهَمْزَةِ وَيَأْتِي أعرب لَازِما بِمَعْنى تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ
أَو صَارَت لَهُ خيل عراب أَو ولد لَهُ ولد عَرَبِيّ اللَّوْن أَو تكلم
بالفحش أَو أعطي العربون فَهَذِهِ عشر معَان وَالْمُنَاسِب للمعنى
الاصطلاحي مِنْهَا هُوَ الأول إِذْ الْقَصْد بِهِ إبانة الْمعَانِي
الْمُخْتَلفَة كَمَا ستعرفه وَيصِح أَن يكون من الْخَمْسَة بعده ص
قَالَ الْجُمْهُور لَفْظِي فَهُوَ أثر يجلبه الْعَامِل ظَاهرا أَو
مُقَدرا قيل أَو منوي وَخص الْمُقدر بِمَا أَلفه منقلبة والمنوي
بِغَيْرِهِ وَقيل معنوي فَهُوَ التَّغْيِير لعامل لفظا أَو تَقْديرا
قيل أَو محلا فِي الْمَبْنِيّ ش اخْتلف هَل الْإِعْرَاب لَفْظِي أَو
معنوي على قَوْلَيْنِ فالجمهور على الأول وَإِلَيْهِ ذهب ابْن خروف
والشلوبين وَابْن مَالك وَنسبه للمحققين وَابْن الْحَاجِب وَسَائِر
الْمُتَأَخِّرين وَحده على هَذَا أثر ظَاهر أَو مُقَدّر يجلبه
الْعَامِل فِي مَحل الْإِعْرَاب وَهُوَ الآخر
(1/59)
كَمَا سَيَأْتِي وَالْمرَاد ب الْأَثر
الْحَرَكَة والحرف والسكون والحذف وب الْمُقدر مَا كَانَ فِي
الْمَقْصُور وَنَحْوه مِمَّا سَيَأْتِي وَقَوْلنَا يجلبه الْعَامِل
احْتِرَاز من حَرَكَة الإتباع نَحْو الْحَمد لله وَمن حَرَكَة الْبناء
وَسَائِر الحركات فَإِن قلت فَلم لم تزد فِي الْحَد فِي آخر الْكَلِمَة
كَمَا صنع ابْن هِشَام فِي الشذور قلت قد صرح هُوَ فِي شَرحه بِأَن
ذَلِك لَيْسَ قيدا محترزا بِهِ عَن شَيْء إِذْ لَيْسَ لنا أثر يجلبه
الْعَامِل فِي غير الآخر فيحترز عَنهُ وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان لمحل
الْإِعْرَاب من الْكَلِمَة وَقد ذكرته بعد ذَلِك مَفْصُولًا من الْحَد
فَهُوَ أقعد لِئَلَّا يتَوَهَّم كَونه من تَمَامه وَأَيْضًا فَلِأَن
الْإِعْرَاب قد يكون فِي غير الآخر كَمَا سَيَأْتِي وَذهب الأعلم
وَجَمَاعَة من المغاربة إِلَى أَنه معنوي وَنسب لظَاهِر قَول
سِيبَوَيْهٍ وَرجحه أَبُو حَيَّان وعَلى هَذَا فحده التَّغْيِير لعامل
لفظا أَو تَقْديرا وَاسْتدلَّ لصِحَّة الأول بِأَن الْإِعْرَاب قد يكون
لَازِما للُزُوم مَدْلُوله كرفع لعمرك وَنصب سُبْحَانَ الله ورويدك وجر
الكلاع وعريط من ذِي الكلاع وَأم عريط فَلَا يَصح قَول من جعله تغييرا
(1/60)
وَأجِيب بِأَن ذَلِك وَنَحْوه متغير
بِمَعْنى أَنه صَالح للتغير أَو متغير عَن حَالَة السّكُون الَّتِي
كَانَ عَلَيْهَا قبل التَّرْكِيب ورد بِأَن الأول مجَاز وَالثَّانِي
يرد عَلَيْهِ الْمَبْنِيّ على حَرَكَة فَإِنَّهُ كَذَلِك وَاسْتدلَّ
للثَّانِي بِأَنَّهُ لَو كَانَت الحركات وَنَحْوهَا إعرابا لم تضف
إِلَيْهِ فِي قَوْلهم حركات الْإِعْرَاب وَأجِيب بِأَنَّهَا
بَيَانِيَّة وبأنها تُوجد فِي المبنى وَأجِيب بِأَنَّهَا غَيرهَا
وبأنها تَزُول فِي الْوَقْف مَعَ الحكم عَلَيْهِ بالإعراب وَأجِيب
بِأَنَّهُ عَارض لَا اعْتِبَار بِهِ وَبِأَن السّكُون لَيْسَ بأثر
وَأجِيب بِأَن الْأَثر أَعم من وجود الْحَرَكَة وحذفها وَبِأَن فِيهِ
تَخْصِيصًا للفظ بِبَعْض إطلاقاته اللُّغَوِيَّة بِخِلَاف مَا إِذا
جَعَلْنَاهُ نفس الحركات والحروف فَفِيهِ نقل اللَّفْظ بِالْكُلِّيَّةِ
عَن مَدْلُوله اللّغَوِيّ وَذَلِكَ غير جَائِز للمصطلحين وتقسيم
الْأَثر إِلَى ظَاهر ومقدر هُوَ الْمَعْرُوف وقسمه بَعضهم إِلَى ظَاهر
ومقدر ومنوي وَخص الْمُقدر بِمَا أَلفه منقلبة عَن يَاء مقدرَة نَحْو
ملهى والمنوي بِمَا أَلفه غير منقلبة عَن شَيْء نَحْو حُبْلَى وأرطى
وَبِغير الْألف كغلامي وَكَذَلِكَ تَقْسِيم التَّغْيِير إِلَى لَفْظِي
وتقديري هُوَ الْمَشْهُور وقسمه بَعضهم إِلَى ثَلَاثَة لَفْظِي وتقديري
ومحلي وَفسّر الْمحلي بِموضع الِاسْم الْمَبْنِيّ ص وَمحله آخر
الْكَلِمَة أَو مَا نزل مَنْزِلَته ش المُرَاد بآخر الْكَلِمَة نَحْو
الدَّال من زيد وَالْمِيم من يقوم وَبِمَا نزل مَنْزِلَته الْأَفْعَال
الْخَمْسَة فَإِن عَلامَة الْإِعْرَاب فِيهَا النُّون وحذفها وَلَيْسَت
هِيَ آخر الْكَلِمَة وَلَا مُتَّصِلَة بِالْآخرِ بل الضَّمِير الَّذِي
هُوَ الْفَاعِل وَالْفَاعِل بِمَنْزِلَة الْجُزْء من الْفِعْل وَكَذَا
اثْنَا عشر واثني عشر فَإِن الْإِعْرَاب فيهمَا فِي حَشْو الْكَلَام
قَالَ ابْن جني فِي الخاطريات لِأَن الاسمين المضموم أَحدهمَا إِلَى
الآخر بِمَنْزِلَة الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ وَقَالَ ابْن هِشَام
الَّذِي يظْهر فِي الْجَواب أَن عشر حَال مَحل النُّون وَالنُّون
(1/61)
بِمَنْزِلَة التَّنْوِين تَنْبِيه يُسمى
آخر المعرب حرف إِعْرَاب والمبني لَا حرف إِعْرَاب لَهُ قَالَ ابْن
يعِيش وَرُبمَا سمي آخِره حرف إِعْرَاب على معنى أَنه لَو أعرب أَو
كَانَ مِمَّا يعرب كَانَ الْإِعْرَاب ص وَالصَّحِيح أَنه زَائِد على
الْمَاهِيّة ومقارن الْوَضع ش فِيهِ مَسْأَلَتَانِ الأولى الْإِعْرَاب
زَائِد على مَاهِيَّة الْكَلِمَة كَمَا جزم بِهِ أَبُو حَيَّان وَذكر
ابْن مَالك أَنه جُزْء مِنْهَا وَبَعضهَا ووهاه أَبُو حَيَّان
وَالثَّانيَِة ذكر الزجاجي فِي أسرار النَّحْو أَن الْكَلَام سَابق
الْإِعْرَاب فِي الْمرتبَة وَهل تلفظت الْعَرَب بِهِ زَمَانا غير مُعرب
ثمَّ رَأَتْ اشْتِبَاه الْمعَانِي فأعربته أَو نطقت بِهِ معربا فِي أول
تبلبل ألسنتها بِهِ وَلَا يقْدَح ذَلِك فِي سبق رُتْبَة الْكَلَام
كتقدم الْجِسْم الْأسود على السوَاد وَإِن لم يزايله خلاف للنحاة وَفِي
اللّبَاب لأبي الْبَقَاء أَن الْمُحَقِّقين على الثَّانِي لِأَن وَاضع
اللُّغَة حَكِيم يعلم أَن الْكَلَام عِنْد التَّرْكِيب لابد أَن يعرض
فِيهِ لبس فحكمته تَقْتَضِي أَن يضع الْإِعْرَاب مُقَارنًا للْكَلَام ص
وَهُوَ أصل فِي الْأَسْمَاء وَثَالِثهَا فيهمَا ش مَذْهَب الْبَصرِيين
أَن الْإِعْرَاب أصل فِي الْأَسْمَاء فرع فِي الْأَفْعَال لِأَن
الِاسْم يقبل بِصِيغَة وَاحِدَة مَعَاني مُخْتَلفَة وَهِي الفاعلية
والمفعولية وَالْإِضَافَة فلولا الْإِعْرَاب مَا علمت هَذِه الْمعَانِي
من الصِّيغَة وَذَلِكَ نَحْو مَا أحسن زيدا بِالنّصب فِي التَّعَجُّب
وبالرفع فِي النَّفْي وبالجر فِي الِاسْتِفْهَام فلولا الْإِعْرَاب
لوقع اللّبْس بِخِلَاف الْفِعْل فَإِن الإلباس فِيهِ لَا يعرض
لاخْتِلَاف صيغه باخْتلَاف الْمعَانِي
(1/62)
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ إِنَّه أصل فيهمَا
لِأَن اللّبْس الَّذِي أوجب الْإِعْرَاب فِي الْأَسْمَاء مَوْجُود فِي
الْأَفْعَال فِي بعض الْمَوَاضِع نَحْو لَا تَأْكُل السّمك وتشرب
اللَّبن بِالنّصب نهي عَن الْجمع بَينهمَا وبالجزم نهي عَنْهُمَا
مُطلقًا وبالرفع نهي عَن الأول وَإِبَاحَة الثَّانِي وَأجِيب بِأَن
النصب على إِضْمَار أَن والجزم على إِرَادَة لَا وَالرَّفْع على الْقطع
فَلَو أظهرت العوامل الْمُضمر لم تحتج إِلَى الْإِعْرَاب وَذهب بعض
الْمُتَأَخِّرين إِلَى أَن الْفِعْل أَحَق بالإعراب من الِاسْم
لِأَنَّهُ وجد فِيهِ بِغَيْر سَبَب فَهُوَ لَهُ بِذَاتِهِ بِخِلَافِهِ
الِاسْم فَهُوَ لَهُ لَا بِذَاتِهِ فَهُوَ فرع وَهَذَا هُوَ القَوْل
الثَّانِي المطوي فِي الْمَتْن قَالَ فِي الارتشاف وَهَذَا من الْخلاف
الَّذِي لَيْسَ فِيهِ كَبِير مَنْفَعَة
(1/63)
الْبناء
ص وَالْبناء ضِدّه ش الْبناء ضد الْإِعْرَاب فعلى القَوْل بِأَنَّهُ
لَفْظِي يحد كَمَا أفْصح بِهِ فِي التسهيل بِأَنَّهُ مَا جِيءَ بِهِ
لَا لبَيَان مقتضي عَامل من حَرَكَة أَو حرف أَو سُكُون أَو حذف وعَلى
أَنه معنوي يحد كَمَا قَالَ ابْن جني فِي الخصائص بِأَنَّهُ لُزُوم آخر
الْكَلِمَة ضربا وَاحِدًا لَا لشَيْء أحدث ذَلِك من العوامل وَلذَلِك
سمي بِنَاء للزومه طَريقَة وَاحِدَة كلزوم الْبناء مَوْضِعه وينقسم
أَيْضا إِلَى ظَاهر ك اضْرِب وَضرب وَإِلَى مُقَدّر ك (عد) أَو رد أمرا
وَمحله آخر الْكَلِمَة كَمَا مثل وَلَا يكون فِيمَا نزل مَنْزِلَته
فِيمَا أعلم وَهُوَ فرع فِي الْأَسْمَاء وَقيل فِي الْأَفْعَال وَقيل
فيهمَا الْمَبْنِيّ ص والمبني الْحُرُوف والماضي وَكَذَا الْأَمر
خلافًا للكوفية وَالِاسْم قيل إِن أشبه الْفِعْل الْمَبْنِيّ وَقيل إِن
لم يركب وَقيل إِن تضمن معنى الْحَرْف وَقيل أَو وَقع موقع مَبْنِيّ
أَو ضارع مَا وَقع أَو أضيف إِلَيْهِ وَقيل أَو كثرت علل منع الصّرْف
وَالْمُخْتَار وفَاقا لِابْنِ مَالك وَأبي الْفَتْح وَأبي الْبَقَاء
إِن أشبه الْحَرْف بِلَا معَارض ش هَذَا حصر للمبنيات فالمجمع على
بنائِهِ الْحُرُوف والماضي لعدم وجود مُقْتَضى الْإِعْرَاب السَّابِق
فيهمَا فَإِن قيل قد يحصل الإلباس فِي بعض الْحُرُوف أَلا ترى أَن لَام
الْأَمر وَلَام كي صورتهما وَاحِدَة وَالْمعْنَى مُخْتَلف وَكَذَا لَا
فِي النَّهْي وَلَا فِي النَّفْي وَأجِيب بِحُصُول الْفرق بتقدم
الْعَامِل على لَام كي وَوُقُوع لَام الْأَمر ابْتِدَاء وَأَنه إِذا
خيف التباس لَا النافية بالناهية أُتِي بغَيْرهَا من حُرُوف النَّفْي
نَحْو مَا
(1/64)
وَأما الْأَمر فالبصرية على بنائِهِ
والكوفية على إعرابه ومنشأ الْخلاف الِاخْتِلَاف السَّابِق فِي أَن
الْإِعْرَاب أصل فِي الْأَفْعَال أَيْضا أَو لَا فعلى الأول هُوَ مُعرب
لِأَنَّهُ الأَصْل فِيهِ وَلَا مقتضي لبنائه وعَلى الثَّانِي هُوَ
مَبْنِيّ لِأَنَّهُ الأَصْل فِيهِ وَلَا مقتضي لإعرابه وَرُبمَا علل
الكوفية ذَلِك بِأَنَّهُ مقتطع من الْمُضَارع فأعرب كَأَصْلِهِ
والبصرية لَا يرَوْنَ ذَلِك بل يَقُولُونَ إِنَّه أصل بِرَأْسِهِ كَمَا
تقدم فَالْخِلَاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مَبْنِيّ على الْخلاف فِي
أصلين وَهَذَا أَمر لطيف نذكرهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي كتاب
السلسلة الَّذِي عزمنا أَن نؤلفه محاكاة لسلسلة الْجُوَيْنِيّ فِي
الْفِقْه ولسلاسل الذَّهَب للزركشي فِي الْأُصُول وَالِاسْم بعضه
مَبْنِيّ قطعا ثمَّ اخْتلف فِي سَبَب الْبناء هَل هُوَ شَيْء وَاحِد
أَو أَكثر فَذهب كَثِيرُونَ إِلَى الثَّانِي فَمنهمْ من قَالَ من
أَسبَابه شبه الْفِعْل الْمَبْنِيّ وَمثله ب نزال وهيهات فَإِنَّهُمَا
بنيا لشبههما ب انْزِلْ وَبعد فِي الْمَعْنى ورد هَذَا طردا بِلُزُوم
بِنَاء سقيا لَك وَضَربا زيدا لِأَنَّهُمَا بِمَعْنى الْأَمر وعكسا
بِلُزُوم إِعْرَاب أُفٍّ وأوه لِأَنَّهُمَا بِمَعْنى أتضجر وأتوجع
المعربين
(1/65)
وَمِنْهُم من قَالَ من أَسبَابه عد م
التَّرْكِيب وعَلى هَذَا ابْن الْحَاجِب حَيْثُ قَالَ المنبي مَا ناسب
مَبْنِيّ الأَصْل أَو وَقع غير مركب فَعنده أَن الْأَسْمَاء قبل
التَّرْكِيب مَبْنِيَّة وَقيل أَسبَاب الْبناء تضمن معنى الْحَرْف
كأسماء الشَّرْط والاستفهام ووقوعه موقع الْمَبْنِيّ ك نزال الْوَاقِع
موقع انْزِلْ وَيَا زيد الْوَاقِع موقع كَاف الْخطاب ومضارعته لما وَقع
موقع الْمَبْنِيّ كَالْعلمِ الْمُؤَنَّث المعدول ك حذام فَإِنَّهُ ضارع
نزال الْوَاقِع موقع انْزِلْ فِي الْعدْل والتعريف وإضافته إِلَى
مَبْنِيّ كأسماء الزَّمَان المضافة إِلَى جملَة أَولهَا مَاض وَزَاد
بَعضهم أَن تكْثر علل منع الصّرْف قَالَ ابْن جني فِي الخصائص ذهب
بَعضهم إِلَى أَنه إِذا انْضَمَّ إِلَى سببين من أَسبَاب منع الصّرْف
ثَالِث امْتنع الِاسْم من الْإِعْرَاب أصلا لِأَنَّهُ لَيْسَ بعد منع
الصّرْف إِلَّا ترك الْإِعْرَاب وَمثل ذَلِك بحذام وقطام وبابه فَإِن
ثمَّ العلمية والتأنيث وَالْعدْل عَن حاذمة وقاطمة قَالَ وَمَا ذكره
فَاسد لِأَن سَبَب الْبناء فِي الِاسْم لَيْسَ طَرِيقه طَرِيق حَدِيث
الصّرْف وَتَركه إِنَّمَا سَببه مشابهة الِاسْم للحرف لَا غير وَقَوله
لَيْسَ بعد منع الصّرْف إِلَّا ترك الْإِعْرَاب مَمْنُوع وتمثيله
بِبَاب حذا مَرْدُود فَإِن سَبَب الْبناء فِيهِ شبهه بدراك ونزال وَقد
وجدنَا مَا اجْتمع فِيهِ خَمْسَة أَسبَاب من مَوَانِع الصّرْف وَلم يبن
وَذَلِكَ أذربيجان فَإِن فِيهِ العلمية والتأنيث والعجمة والتركيب
وَالْألف وَالنُّون اه كَلَام ابْن جني وَالَّذِي جزم بِهِ ابْن مَالك
فِي كتبه أَنه لَا سَبَب للنداء سوى شبه الْحَرْف فَقَط وَهَذَا هُوَ
الْمُخْتَار وَنَقله جمَاعَة من الْمُتَأَخِّرين عَن ظَاهر كَلَام
سِيبَوَيْهٍ وَصرح بِهِ ابْن جني فِي الخصائص كَمَا تقدم فِي كَلَامه
وَكَذَلِكَ أَبُو الْبَقَاء فِي التَّلْقِين ثمَّ رَأَيْته أَيْضا فِي
تَقْيِيد أكمل الدّين الْعَطَّار وَعبارَته وَأما مَا بني من
الْأَسْمَاء فَإِنَّمَا
(1/66)
بني لشبهه بالحرف ثمَّ حكى كَلَامهم فِي
الْبناء لِلْخُرُوجِ عَن النَّظَائِر وللوقوع موقع الْأَمر ثمَّ قَالَ
وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ على وَجه التَّقْرِيب وَالصَّحِيح أَن كل اسْم
بني فَإِنَّمَا بني لشبهه بالحروف وَهَذَا الشّبَه على ضَرْبَيْنِ
لَفْظِي ومعنوي فاللفظي نَحْو كم لِأَنَّهَا أشبهت هَل لكَونهَا على
حرفين والمعنوي أَن يتَضَمَّن معنى الْحَرْف أَو يكون مفتقرا إِلَى مَا
بعده وَهَذَا مَذْهَب الحذاق من النَّحْوِيين اه كَلَامه بِحُرُوفِهِ
ثمَّ إِن شبه الْحَرْف إِنَّمَا يُؤثر حَيْثُ لم يُعَارضهُ معَارض
فَإِن عَارضه مَا يَقْتَضِي الْإِعْرَاب فَلَا أثر لَهُ وَذَلِكَ ك أَي
شرطا واستفهاما وموصولة فَإِنَّهَا معربة مَعَ مشابهتها للحرف فِي
الْأَحْوَال الثَّلَاثَة لَكِن عَارض هَذَا الشّبَه لُزُومهَا للإضافة
وَكَونهَا بِمَعْنى كل إِن أضيفت إِلَى نكرَة وَبِمَعْنى بعض إِن أضيفت
إِلَى معرفَة فعارضت مناسبتها للمعرب مناسبتها للحرف فَغلبَتْ
مُنَاسبَة المعرب لِأَنَّهَا دَاعِيَة إِلَى مَا هُوَ مُسْتَحقّ
بِالْأَصَالَةِ ونقضه أَبُو حَيَّان ب لدن فَإِنَّهَا مُلَازمَة
للإضافة بل هِيَ أقوى من أَي فِيهَا فَإِنَّهَا لَا تنفك عَنْهَا لفظا
وَهِي مَبْنِيَّة وَقَالَ بَعضهم إِنَّمَا أعربت أَي تَنْبِيها على
الأَصْل ليعلم أَن أصل المبنيات الْإِعْرَاب كَمَا صححوا بعض
الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال الَّتِي وَجب إعلالها تَنْبِيها على أَن
الأَصْل فِي التَّصْحِيح وَبِذَلِك جزم ابْن الْأَنْبَارِي فِي كِتَابه
لمع الْأَدِلَّة
[شبه الْحَرْف]
ص فِي وَضعه على حرف أَو حرفين وَأب وَنَحْوه ثلاثي وَمَعَ لَزِمت
الْإِضَافَة وَقيل أَصْلهَا معي
(1/67)
وَمَعْنَاهُ وَلَو لم يوضع كالإشارة وذان
وتان للتثنية واستعماله بِأَن يَنُوب عَن الْفِعْل وَلَا يتأثر كأسماء
الْأَفْعَال وَقيل هِيَ مَنْصُوبَة بمضمر وَقيل هِيَ مبتدآت فلتضمنها
لَام الْأَمر وَحمل الْبَاقِي وافتقاره بتأصل كموصول وإهماله كأوائل
السُّور وَلَفظه ك حاشا وَعلة الْمُضمر الْمَعْنَوِيّ أَو الإفتقار أَو
الْوَضع فِي كثير أَو استغناؤه باخْتلَاف صيغه احتمالات ش الْوُجُوه
الْمُعْتَبرَة فِي شبه الْحَرْف سِتَّة أَحدهَا الوضعي بِأَن يكون
الِاسْم مَوْضُوعا على حرف أَو حرفين فَإِن ذَلِك هُوَ الأَصْل فِي وضع
الْحَرْف إِذْ الأَصْل فِي وضع الِاسْم وَالْفِعْل أَن يكون على
ثَلَاثَة حرف يبتدأ بِهِ وحرف يُوقف عَلَيْهِ وحرف فاصل بَينهمَا
والحروف إِنَّمَا جِيءَ بهَا لِأَنَّهُ اختصر بهَا الْأَفْعَال إِذْ
معنى مَا قَامَ زيد نفيت الْقيام عَن زيد فَلَا بُد أَن يكون أخصر من
الْأَفْعَال وَإِلَّا لم يكن للعدول عَنْهَا إِلَيْهَا فَائِدَة فَإِن
أورد على ذَلِك نَحْو أَب وَأَخ وحم وَهن وفم وَذي وَيَد وَدم
فَإِنَّهَا معربة مَعَ كَونهَا على حرفين فَالْجَوَاب أَنَّهَا وضعت
ثلاثية ثمَّ حذفت لاماتها وَالْعبْرَة بِالْوَضْعِ الْأَصْلِيّ لَا
بالحذف الطَّارِئ فَإِن أورد على ذَلِك مَعَ فَإِنَّهَا وضعت على حرفين
مَعَ أَنَّهَا معربة على الْأَصَح كَمَا سَيَأْتِي فِي الظروف
فَالْجَوَاب أَن ذَلِك لُزُومهَا للإضافة وَذَلِكَ معَارض للشبه كَمَا
تقدم فِي أَي وَقيل إِنَّهَا ثلاثية الْوَضع وَأَن أَصْلهَا معي فحذفت
لامها اعتباطا وَلذَا ردَّتْ إِلَيْهَا عِنْد نصبها على الْحَال
فَيُقَال مَعًا تَنْبِيه قَالَ أَبُو حَيَّان لم أَقف على مُرَاعَاة
الشّبَه الوضعي إِلَّا لِابْنِ مَالك وَقَالَ ابْن الصَّائِغ قَالَ
سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب التَّسْمِيَة إِذا سميت بِبَاب اضْرِب قلب أَب
باجتلاب همزَة الْوَصْل وبالإعراب قَالَ ابْن هِشَام وَهَذَا يَنْفِي
اعْتِبَار الشّبَه الوضعي الثَّانِي الْمَعْنَوِيّ بِأَن يتَضَمَّن
الِاسْم معنى من الْمعَانِي الَّتِي حَقّهَا أَن تكون للحرف سَوَاء وضع
لذَلِك الْمَعْنى حرف كأدوات الِاسْتِفْهَام وَالشّرط أم لم يوضع
كأسماء الْإِشَارَة فَإِنَّهَا بنيت لتضمنها معنى كَانَ حَقه أَن يوضع
لَهُ حرف يدل عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِشَارَة لِأَنَّهُ كالتنبيه والتشبيه
وَالْخطاب وَغير ذَلِك من مَعَاني الْحُرُوف لَكِن لم يوضع لَهُ حرف
يدل عَلَيْهِ كَذَا قيل
(1/68)
وَاعْتَرضهُ الشَّيْخ سعد الدّين
بِأَنَّهُم قد صَرَّحُوا بِأَن اللَّام العهدية يشار بهَا إِلَى
مَعْهُود ذهنا وَهِي حرف فقد وضعُوا للْإِشَارَة حرفا غَايَة مَا فِي
الْبَاب أَنَّهَا للْإِشَارَة الذهنية وَلَا فرق بَينهَا وَبَين
الخارجية فَإِن أورد على هَذَا الشّبَه تَثْنِيَة اسْم الْإِشَارَة
فَإِنَّهَا معربة بِالْألف رفعا وَالْيَاء نصبا وجرا فَالْجَوَاب أَن
ذَلِك لمعارضة الشّبَه بالتثنية الَّتِي هِيَ من خَصَائِص الْأَسْمَاء
الثَّالِث الاستعمالي بِأَن يكون الِاسْم نَائِبا عَن الْفِعْل أَي
عَاملا عمله وَيكون مَعَ ذَلِك غير متأثر بالعوامل لَا لفظا وَلَا محلا
وَذَلِكَ أَسمَاء الْأَفْعَال فَإِنَّهَا تلْزم النِّيَابَة عَن
أفعالها فتعمل عَملهَا وَلَا تتأثر هِيَ بالعوامل فَأَشْبَهت الْحُرُوف
العاملة عمل الْفِعْل وَهِي إِن وَأَخَوَاتهَا فَإِنَّهَا تعْمل عمل
الْفِعْل وَلَا تتأثر بالعوامل وَهَذَا على مَذْهَب من يرى أَن أَسمَاء
الْأَفْعَال لَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب وَهُوَ رَأْي الْأَخْفَش
وَنسبه فِي الْإِيضَاح لِلْجُمْهُورِ وفيهَا قَولَانِ آخرَانِ أَحدهمَا
أَن محلهَا نصب بِأَفْعَال مضمرة وَعَلِيهِ الْمَازِني وَالثَّانِي
أَنَّهَا فِي مَحل رفع بِالِابْتِدَاءِ وَأَن مرفوعها أغْنى عَن
الْخَبَر كَمَا فِي أقائم الزيدان وعَلى الْقَوْلَيْنِ إِنَّمَا بنيت
لتضمن الْأَمر مِنْهَا لَام الْأَمر وَحمل الْبَاقِي عَلَيْهِ طردا
للباب
(1/69)
واحترزنا بقولنَا وَلَا يتأثر من الْمصدر
الْوَاقِع بَدَلا من فعله نَحْو {فَضرب الرّقاب} مُحَمَّد 4 فَإِنَّهُ
يَنُوب عَن الْفِعْل ويتأثر بالعوامل فأعرب لعدم مشابهته للحرف
وَكَذَلِكَ اسْم الْفَاعِل وَنَحْوه مِمَّا يعْمل عمل الْفِعْل
الرَّابِع الافتقاري بِأَن يكون الِاسْم لَازم الافتقار إِلَى مَا يتمم
مَعْنَاهُ كالموصلات والغايات المقطوعة عَن الْإِضَافَة وَإِذا
وَنَحْوهَا بِخِلَاف مَا لَا يلْزم الافتقار كافتقار النكرَة الموصوفة
بجملة إِلَى صفتهَا وَالْفَاعِل للْفِعْل والمبتدأ للْخَبَر وإعراب
اللَّذَان واللتان لما تقدم فِي ذان وتان الْخَامِس الإهمالي ذكره ابْن
مَالك فِي الكافية الْكُبْرَى وَمثل لَهُ فِي شرحها بأوائل السُّور
فَإِنَّهَا تشبه الْحُرُوف الْمُهْملَة ك بل وَلَو فِي كَونهَا لَا
عاملة وَلَا معمولة وَهَذَا على القَوْل بِأَن أَوَائِل السُّور لَا
مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب لِأَنَّهَا من الْمُتَشَابه الَّذِي لَا
يدْرك مَعْنَاهُ وَقيل إِنَّهَا فِي مَحل رفع على الِابْتِدَاء أَو
الْخَبَر أَو نصب ب قَرَأَ أَو جر قسما وَجعل بَعضهم من هَذَا النَّوْع
الْأَسْمَاء قبل التَّرْكِيب وَأَسْمَاء الهجاء المسرودة كألف بَاء
تَاء ثاء جِيم وَأَسْمَاء الْعدَد كواحد اثْنَيْنِ ثَلَاثَة السَّادِس
ذكر ابْن مَالك فِي حاشا الاسمية أَنَّهَا بنيت لشبهها بحاشا الحرفية
فِي اللَّفْظ وَمثلهَا على الاسمية وكلا بِمَعْنى حَقًا ذكرهمَا ابْن
الْحَاجِب وَقد يجْتَمع فِي مَبْنِيّ شبهان فَأكْثر وَمن ذَلِك
الْمُضْمرَات فَإِن فِيهَا الشّبَه الْمَعْنَوِيّ إِذْ التَّكَلُّم
وَالْخطاب والغيبة من مَعَاني الْحُرُوف والافتقاري لِأَن كل ضمير
يفْتَقر إِلَى مَا يفسره والوضعي إِذْ غَالب الضمائر على حرف أَو حرفين
وَحمل الْبَاقِي عَلَيْهِ ليجرى الْبَاب على سنَن وَاحِد زَاد ابْن
مَالك فِي التسهيل والجمودي فَإِنَّهُ عديم التَّصَرُّف فِي لَفظه
بِوَجْه حَتَّى بِالتَّصْغِيرِ وَالْوَصْف وَهَذَا لَيْسَ وَاحِدًا من
الْوُجُوه السِّتَّة وَيُمكن رُجُوعه إِلَى اللَّفْظِيّ بتكلف
(1/70)
زَاد أَيْضا والاستغناء باخْتلَاف صيغه
لاخْتِلَاف الْمعَانِي وَذَلِكَ مغن عَن الْإِعْرَاب لحُصُول الامتياز
بِهِ وَهَذِه عِلّة عدمية خَارِجَة عَن الْوُجُوه السِّتَّة أَيْضا
وَفِي أمالي ابْن الْحَاجِب إِنَّمَا كفى فِي بِنَاء الِاسْم شبهه
للحرف من وَجه وَاحِد بِخِلَاف منع الصّرْف فَلَا بُد فِيهِ من شبهه
بِالْفِعْلِ من وَجْهَيْن لِأَن الشّبَه الْوَاحِد بالحرف يبعده عَن
الاسمية ويقربه مِمَّا لَيْسَ بَينه وَبَينه مُنَاسبَة إِلَّا فِي
الْجِنْس الْأَعَمّ وَهُوَ كَونه كلمة وَشبه الِاسْم بِالْفِعْلِ وَإِن
كَانَ نوعا آخر إِلَّا أَنه لَيْسَ فِي الْبعد عَن الِاسْم كالحرف
(1/71)
المعرب من الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال
ص والمعرب اسْم بِخِلَاف ذَلِك والمضارع لشبهه فِي اعتوار الْمعَانِي
وَقيل إبهامه وتخصيصه قيل وَدخُول اللَّام قيل وجريانه فَإِن لحقته نون
إناث بني خلافًا لِابْنِ درسْتوَيْه أَو تَأْكِيد فثالثها الْأَصَح إِن
باشرت لَا تَنْفِيس خلافًا لِابْنِ درسْتوَيْه ش المعرب من الْأَسْمَاء
مَا عري من أَسبَاب الْبناء السَّابِقَة وَهُوَ كثير جدا
قَالَ ابْن خروف أَكثر الْأَسْمَاء مُعرب وَأكْثر الْأَفْعَال مَبْنِيّ
والمعرب من الْأَفْعَال الْمُضَارع بِالْإِجْمَاع لَكِن اخْتلف فِي
عِلّة إعرابه فَقَالَ البصريون إِنَّمَا أعرب لمشابهته الِاسْم فِي
إبهامه وتخصيصه فَإِنَّهُ يصلح للْحَال والاستقبال ويتخلص إِلَى
أَحدهمَا بِأحد الْأُمُور السَّابِقَة كَمَا أَن الِاسْم يكون مُبْهما
بالتنكير ويتخصص بالتعريف قيل وَفِي دُخُول لَام الِابْتِدَاء عَلَيْهِ
كَمَا تدخل على الِاسْم فَإِن ذَلِك يدل على مشابهة بَينهمَا وَلذَا لم
تدخل على الْمَاضِي وَالْأَمر وَالأَصَح أَنه لَا عِبْرَة بِدُخُول
اللَّام فِي الشّبَه لِأَنَّهَا دخلت بعد اسْتِحْقَاق الْإِعْرَاب
لتخصيص الْمُضَارع بِالْحَال كَمَا خصصته السِّين وَنَحْوهَا
بالاستقبال وَزَاد بَعضهم فِي وُجُوه الشّبَه جَرَيَانه على حركات اسْم
الْفَاعِل وسكناته وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ إِنَّمَا أعرب لِأَنَّهُ
تدخله الْمعَانِي الْمُخْتَلفَة والأوقات الطَّوِيلَة قَالَ صَاحب
البديع وَذَلِكَ أَنه يصلح للأزمنة الْمُخْتَلفَة من الْحَال
والاستقبال
(1/72)
والماضي نَحْو يضْرب الْآن وَلنْ يضْرب
غَدا وَلم يضْرب أمس كَمَا أَن الِاسْم يصلح للمعاني الْمُخْتَلفَة من
الفاعلية والمفعولية وَالْإِضَافَة وَقَالَ ابْن مَالك بل وَجه الشّبَه
أَنه يعرض لَهُ بعد التَّرْكِيب معَان مُخْتَلفَة تتعاقب على صِيغَة
وَاحِدَة كَمَا يعرض ذَلِك فِي الِاسْم وَلَا يُمَيّز بَينهَا إِلَّا
الْإِعْرَاب كَمَا فِي مَسْأَلَة لَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللَّبن
فَلَمَّا كَانَ الِاسْم وَالْفِعْل شَرِيكَيْنِ فِي قبُول الْمعَانِي
بِصِيغَة وَاحِدَة اشْتَركَا فِي الْإِعْرَاب لَكِن الِاسْم لَيْسَ
لَهُ مَا يُغْنِيه عَن الْإِعْرَاب لِأَن مَعَانِيه مَقْصُورَة
عَلَيْهِ والمضارع قد يُغْنِيه عَن الْإِعْرَاب لِأَن مَعَانِيه
تَقْدِير اسْم مَكَانَهُ فَلهَذَا جعل فِي الِاسْم أصلا والمضارع فرعا
قَالَ وَالْجمع بَينهمَا بذلك أولى من الْجمع بَينهمَا بالإبهام
والتخصيص وَدخُول لَام الِابْتِدَاء ومجاراة اسْم الْفَاعِل لِأَن
المشابهة بِهَذِهِ الْأُمُور بمعزل عَمَّا جِيءَ بالإعراب لأَجله
بِخِلَاف المشابهة الَّتِي اعتبرتها اه قَالَ ابْن هِشَام وَهَذَا مركب
من مَذْهَب الْبَصرِيين والكوفيين مَعًا فَإِن الْبَصرِيين لَا
يسلمُونَ قبُوله ويرون إعرابه بالشبه والكوفيون يسلمُونَ ويرون إعرابه
كالاسم وَابْن مَالك سلم وَادّعى أَن الْإِعْرَاب بالشبه فَإِن لحقت
الْمُضَارع نون إناث بني وَذكر لَهُ ثَلَاث علل الْحمل على الْمَاضِي
الْمُتَّصِل بهَا ونقصان شبهه بِالِاسْمِ لِأَن النُّون من خَصَائِص
الْأَفْعَال كَمَا تعَارض الْإِضَافَة وَنَحْوهَا سَبَب الْبناء وتركبه
مَعهَا لِأَن الْفَاعِل كالجزء من فعله فَإِن قيل فَيلْزم بِنَاؤُه
إِذا اتَّصل بِهِ ألف أَو وَاو أَو يَاء قيل منع من ذَلِك شبهه بالمثنى
وَالْجمع وَادّعى ابْن مَالك فِي شرح التسهيل أَنه لَا خلاف فِي
بنائِهِ مَعهَا وَلَيْسَ كَذَلِك فقد قَالَ بإعرابه حِينَئِذٍ جمَاعَة
مِنْهُم ابْن درسْتوَيْه والسهيلي وَابْن طَلْحَة وعللوه بِأَنَّهُ قد
اسْتحق الْإِعْرَاب فَلَا يعْدم إِلَّا لعدم مُوجبه وَبَقَاء مُوجبه
دَلِيل على بَقَائِهِ فَهُوَ مُقَدّر فِي الْحَرْف الَّذِي كَانَ فِيهِ
ظَاهرا وَمِنْه من ظُهُوره مَا عرض فِيهِ من الشّبَه بالماضى وَإِن
لحقته نون توكيد فأقوال أَصَحهَا بِنَاؤُه إِن باشرت لتركبه مَعهَا
وتنزله منزلَة صدر الْمركب من عَجزه وَإِعْرَابه إِن فصلت مِنْهُ
بِأَلف اثْنَيْنِ أَو وَاو جمع أَو يَاء مُخَاطبَة وَلَو تَقْديرا لعدم
التَّرْكِيب مَعَ الحاجز إِذْ لَا تركب ثَلَاثَة أَشْيَاء فتجعل شَيْئا
وَاحِدًا وَيدل على إعرابه حِينَئِذٍ رُجُوع عَلامَة الرّفْع عِنْد
الْوَقْف على الْمُؤَكّد بالخفيفة نَحْو هَل
(1/73)
تفعلن فَإِنَّهُ عِنْد الْوَقْف تحذف وَترد
الْوَاو وَالنُّون فَيُقَال هَل تَفْعَلُونَ وَلَو كَانَ مَبْنِيا لم
يخْتَلف حَال وَصله وَوَقفه وَالثَّانِي مَبْنِيّ مُطلقًا لضعف شبهه
بِالِاسْمِ ب النُّون الَّتِي هِيَ من خَصَائِص الْأَفْعَال فَرجع
إِلَى أَصله وَالثَّالِث الْإِعْرَاب مُطلقًا كَمثل مَا قَالَ ابْن
درسْتوَيْه فِي نون الْإِنَاث وَإِن لحقه حرف تَنْفِيس وَهُوَ السِّين
وسوف فالجمهور على إعرابه وَزعم ابْن درسْتوَيْه أَنه مَبْنِيّ
لِأَنَّهُ لَا يُوجد مَعَه إِلَّا مضموما وَلِأَنَّهُ صَار بِهِ
مُسْتَقْبلا فَأشبه الْأَمر وَأجِيب بِأَن لُزُوم ضمه لعدم الناصب
والجازم إِذْ لَا يدخلَانِ عَلَيْهِ لِأَن النواصب وَبَعض الجوازم
للاستقبال وهم لَا يجمعُونَ حرفين لِمَعْنى وَبَعضهَا للمضي فَلَا
يُجَامع التَّنْفِيس الَّذِي هُوَ للاستقبال تَنْبِيه قيل بِبِنَاء
الْمُضَارع أَيْضا إِذا وَقع موقع الْأَمر كَمَا سَيَأْتِي فِي نواصب
الْفِعْل أَو فِي الشَّرْط وَالْجَزَاء كَمَا سَيَأْتِي فِي الجوازم ص
وَزعم الْأَخْفَش بِنَاء جمع الْمُؤَنَّث نصبا وَغير المنصرف جرا
والزجاج الْمثنى وَفِي مَا قبل التَّرْكِيب ثَالِثهَا الْمُخْتَار
وفَاقا لأبي حَيَّان وَاسِطَة وأجريت فِي المحكي ب من والمتبع والمضاف
للياء مُعرب وَثَالِثهَا وَاسِطَة ش فِيهِ مسَائِل الأولى الْجُمْهُور
على أَن جمع الْمُؤَنَّث السَّالِم فِي حَالَة النصب وَمَا لَا ينْصَرف
فِي حَالَة الْحجر معربان والكسرة فِي الأول والفتحة فِي الثَّانِي
حركتا إِعْرَاب وَذهب الْأَخْفَش إِلَى بنائهما فِي الْحَالة
الْمَذْكُورَة وَقَالَ إنَّهُمَا يعربان فِي حَالين ويبنيان فِي حَال
ورد بِأَن ذَلِك لَا نَظِير لَهُ وَاحْتج بِأَن أمس كَذَلِك
(1/74)
وَأجِيب بِأَن أمس لَا يَبْنِي إِلَّا حَال
تضمنه معنى الْحَرْف وَلَا سَبَب للْبِنَاء فِي الْمَذْكُورين قَالَ
الْفَارِسِي فِي العسكريات وَمِمَّا يدل على إعرابهما فِي الْحَالة
الْمَذْكُورَة أَن هَذِه الْحَرَكَة وَجَبت فيهمَا بعامل والحركات
الَّتِي تجب بعوامل لَا تكون حركات بِنَاء الثَّانِيَة زعم الزّجاج أَن
الْمثنى مَبْنِيّ لتَضَمّنه معنى الْحَرْف وَهُوَ العاطف إِذْ أصل
قَامَ الزيدان قَامَ زيد وَزيد كَمَا بني لذَلِك خَمْسَة عشر
الثَّالِثَة فِي الْأَسْمَاء قبل التَّرْكِيب ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا وَعَلِيهِ ابْن الْحَاجِب أَنَّهَا مَبْنِيَّة لجعله عدم
التَّرْكِيب من أَسبَاب الْبناء وَعلل غَيره بِأَنَّهَا تشبه الْحُرُوف
الْمُهْملَة فِي كَونهَا لَا عاملة وَلَا معمولة الثَّانِي أَنَّهَا
معربة بِنَاء على أَن عدم التَّرْكِيب لَيْسَ سَببا والشبه الْمَذْكُور
مَمْنُوع لِأَنَّهَا صَالِحَة للْعَمَل وَالثَّالِث أَنَّهَا وَاسِطَة
لَا مَبْنِيَّة وَلَا معربة لعدم الْمُوجب لكل مِنْهُمَا ولسكون آخرهَا
وصلا بعد سَاكن نَحْو قَاف سين وَلَيْسَ فِي المبنيات مَا يكون كَذَلِك
وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار عِنْدِي تبعا لأبي حَيَّان الرَّابِعَة
المحكي ب من نَحْو من زيد من زيدا من زيد قيل إِنَّه وَاسِطَة وَإِن
حركته حَرَكَة حِكَايَة لَا حَرَكَة إِعْرَاب وَلَا بِنَاء قَالَ أَبُو
حَيَّان وَهُوَ الصَّحِيح وَقيل إِنَّه مُعرب وحركته حَرَكَة إِعْرَاب
وَأَنه فِي الرّفْع خبر من وَفِي النصب مفعول فعل مُقَدّر وَفِي
الْجَرّ بدل وَقيل إِنَّه مَبْنِيّ وَاخْتَارَهُ ابْن عُصْفُور لِأَن
الِاخْتِلَاف لَيْسَ بعامل فِي المعرب فِي الْكَلَام الَّذِي هُوَ
فِيهِ الْخَامِسَة المتبع نَحْو الْحَمد لله بِكَسْر الدَّال قيل
إِنَّه وَاسِطَة وَالصَّحِيح أَنه مُعرب تَقْديرا بِمَعْنى أَنه قَابل
للإعراب وَقيل إِنَّه مَبْنِيّ وَبِه جزم ابْن الصَّائِغ
(1/75)
السَّادِسَة فِي الْمُضَاف إِلَيْهِ
ثَلَاثَة أَقْوَال أَصَحهَا وَعَلِيهِ الْجُمْهُور أَنه مُعرب
كَغَيْرِهِ من المضافات وَإِن لم يظْهر فِيهِ الْإِعْرَاب فَهُوَ
مُقَدّر كالمقصور وَنَحْو وَالثَّانِي مَبْنِيّ لِإِضَافَتِهِ إِلَى
مَبْنِيّ بِنَاء على أَن ذَلِك من أَسبَاب الْبناء وَعَلِيهِ
الْجِرْجَانِيّ وَابْن الخشاب وَالثَّالِث وَاسِطَة لَا مَبْنِيّ لعدم
السَّبَب وَلَا مُعرب لعدم ظُهُور الْإِعْرَاب فِيهِ وعَلى هَذَا ابْن
جني
[مَحل الْحَرَكَة]
ص مَسْأَلَة الْحَرَكَة مَعَ الْحَرْف وَقيل بعده وَقيل قبله ش فِي
مَحل الْحَرَكَة ثَلَاثَة أَقْوَال حَكَاهَا ابْن جني فِي الخصائص
بأدلتها وَعقد لَهَا بَابا أَحدهَا وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ أَنَّهَا
تحدث بعد الْحَرْف وَاخْتَارَهُ ابْن جني قَالَ وَيُؤَيِّدهُ أَنا
رَأينَا الْحَرَكَة فاصلة بَين المثلين مَانِعَة من إدغام الأول فِي
الآخر نَحْو الْملَل والضفف كَمَا تفصل الْألف بعْدهَا بَينهمَا نَحْو
الملال فلولا أَن حَرَكَة الأول تليه فِي الرُّتْبَة لما حجزت عَن
الْإِدْغَام وَأَن الْحَرَكَة قد ثَبت أَنَّهَا بعض حرف إِذْ الفتحة
بعض الْألف والكسرة بعض الْيَاء والضمة بعض الْوَاو فَكَمَا أَن
الْحَرْف لَا يُجَامع حرفا آخر فينشآن مَعًا فِي وَقت وَاحِد فَكَذَلِك
بعض الْحَرْف لَا يجوز أَن ينشأ مَعَ حرف آخر فِي وَقت وَاحِد
وَالثَّانِي أَنَّهَا مَعَه وَاخْتَارَهُ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي
قَالَ وَيُؤَيِّدهُ أَن النُّون الساكنة مخرجها مَعَ حُرُوف الْفَم من
الْأنف والمتحركة مخرجها من الْفَم فَلَو كَانَت الْحَرَكَة بعد
الْحَرْف لوَجَبَ أَن تكون النُّون المتحركة أَيْضا من الْأنف
وَاخْتَارَهُ أَيْضا أَبُو حَيَّان وَأَبُو الْبَقَاء فِي اللّبَاب
وَعلله بِأَن الْحَرْف يُوصف بِأَنَّهُ متحرك كَمَا يُوصف
(1/76)
بالشدة والجهر فَهِيَ صفة وَالصّفة لَا
تتقدم الْمَوْصُوف وَلَا تتأخر عَنهُ وَبِأَن حُرُوف الْعلَّة تنْقَلب
إِلَى غَيرهَا لتحركها فَلَو كَانَت بعْدهَا لم تقلب وَالثَّالِث
وَهُوَ أضعفها أَنَّهَا قبله قَالَ بن جني وَيُؤَيِّدهُ إِجْمَاع
النُّحَاة على أَن الْفَاء فِي يعد وبابه إِنَّمَا حذفت لوقوعها بَين
يَاء وكسرة فِي يوعد لَو خرج على أَصله فَقَوْلهم بَين يَاء وكسرة يدل
على أَن الْحَرَكَة عِنْدهم قبل حرفها المتحرك بهَا قَالَ ويبطله
إِجْمَاعهم على أَن الْألف لَا تقع إِلَّا بعد فَتْحة ك ضَارب مثلا
فَلَو كَانَت الْحَرَكَة قبل حرفها لكَانَتْ الْألف بعد ضاد لَا بعد
فَتحه قَالَ الْفَارِسِي وَسبب الْخلاف لطف الْأَمر وغموض الْحَال
(1/77)
تَقْسِيم الحركات
ص وَهِي إِعْرَاب وَبِنَاء وحكاية وإتباع وَنقل وتخلص من سكونين قيل
وحركة الْمُضَاف للياء وَرجحه أَبُو حَيَّان وَعِنْدِي ومناسبة وتعمها
وَهل حَرَكَة الْإِعْرَاب أصل أَو الْبناء أَو هما أَقْوَال وليسا
مثلين خلافًا لقطرب وَهُوَ لَفْظِي وَلَا الْحَرْف مُجْتَمع من حركتين
على الصَّحِيح ش الحركات سبع حَرَكَة إِعْرَاب وحركة بِنَاء وسيأتيان
وحركة حِكَايَة نَحْو من زيد من زيدا من زيد وحركة إتباع كَقِرَاءَة
الْحَمد لله بِكَسْر الدَّال {للْمَلَائكَة اسجدوا} الْبَقَرَة 34
بِضَم التَّاء وحركة نقل كَقِرَاءَة {قد أَفْلح} الْمُؤْمِنُونَ 1 {ألم
تعلم أَن الله} الْبَقَرَة 106 بِفَتْح الْمِيم وحركة تخلص من سكونين
نَحْو {لم يكن الَّذين} الْبَيِّنَة 1 وَالسَّابِعَة واستدركها أَبُو
حَيَّان وَغَيره على التسهيل حَرَكَة الْمُضَاف إِلَى يَاء
الْمُتَكَلّم نَحْو غلامي فَإِنَّهَا لَيست عِنْدهم إعرابا وَلَا
بِنَاء وَلَا هِيَ من الحركات السِّتَّة وَعِنْدِي أَن يُقَال بدله
حَرَكَة مُنَاسبَة فتشملها وَمَا يجْرِي مجْراهَا وَاخْتلف فِي حركات
الْإِعْرَاب وحركات الْبناء أَيهمَا أصل فَقيل حركات الْإِعْرَاب
لِأَنَّهَا لعامل وَقيل حركات الْبناء لِأَنَّهَا لَازِمَة وَقيل هما
أصلان قَالَ بَعضهم وَهُوَ الصَّحِيح قلت وَيَنْبَغِي أَن يكون الْخلاف
مَبْنِيا على أَن الْإِعْرَاب أصل فِي الْأَسْمَاء فَقَط أَو فِيهَا
وَفِي الْأَفْعَال أَو فِي الْأَفْعَال فَقَط
(1/78)
فعلى الأولى يكونَانِ أصلين كَمَا أَن
الْإِعْرَاب وَالْبناء أصلان وعَلى الثَّانِي حركات الْإِعْرَاب أصل
لِأَن الْبناء فرع فيهمَا وعَلى الثَّالِث حركات الْبناء لِأَنَّهُ
الأَصْل فِي الِاسْم الْأَشْرَف وَالَّذِي يظْهر تَرْجِيحه أَن حركات
الْإِعْرَاب فَقَط أصل لِأَن الأَصْل فِي الْإِعْرَاب الْحَرَكَة
وَالْأَصْل فِي الْبناء السّكُون وَالْحَرَكَة طارئة ثمَّ إِن
الْجُمْهُور على أَن حركات الْإِعْرَاب غير حركات الْبناء وَقَالَ قطر
هِيَ هِيَ وَالْخلاف لَفْظِي لِأَنَّهُ عَائِد إِلَى التَّسْمِيَة
فَقَط فالأولون يطلقون على حركات الْإِعْرَاب الرّفْع وَالنّصب والجر
والجزم وعَلى حركات الْبناء الضَّم وَالْفَتْح أَو الْكسر وَالْوَقْف
وقطرب وَمن وَافقه يطلقون أَسمَاء هَذِه على هَذِه وَفِي اللّبَاب لأبي
الْبَقَاء ذهب قوم إِلَى أَن الْحَرْف مُجْتَمع من حركتين لِأَن
الْحَرَكَة إِذا أشبعت نَشأ الْحَرْف المجانس لَهَا والمحققون على
خِلَافه لِأَن الْحَرْف لَهُ مخرج مَخْصُوص وَالْحَرَكَة لَا تخْتَص
بمخرج وَلِأَنَّهَا إِذا أشبعت نَشأ مِنْهَا حرف تَامّ وَبقيت
الْحَرَكَة قبله بكمالها فَلَو كَانَ الْحَرْف بحركتين لم تبْق
الْحَرَكَة قبل الْحَرْف ص مَسْأَلَة الأَصْل فِي الْبناء السّكُون
كالأمر فالفتح كالماضي فالكسر فالضم وَلَا يكونَانِ فِي الْفِعْل
خلافًا للزنجاني وَقد تقدر ويناب عَنْهَا ش الأَصْل فِي الْبناء
السّكُون لِأَنَّهُ أخف فَلَا يعدل عَنهُ إِلَّا لسَبَب وَلِأَن
الأَصْل عدم الْحَرَكَة فَوَجَبَ استصحابه مَا لم يمْنَع مِنْهُ مَانع
وَإِذا عدل إِلَى الْحَرَكَة قدم الأخف فالأخف وَذَلِكَ الْفَتْح ثمَّ
الْكسر ثمَّ الضَّم فالسكون يكون فِي الْحُرُوف نَحْو قد وَهل وبل
وَالْأَفْعَال كالأمر والماضي الْمُتَّصِل بضمير رفع متحرك والمضارع
الْمُتَّصِل بنُون الْإِنَاث والأسماء نَحْو من وَكم وَالْفَتْح يكون
فِي الثَّلَاثَة أَيْضا نَحْو سَوف وَثمّ وواو الْعَطف وفائه
(1/79)
والماضي الْمُجَرّد والمضارع مَعَ نون
التوكيد وَكَيف وَأَيْنَ وأيان وَالْكَسْر وَالضَّم يكونَانِ فِي
الْحَرْف وَالِاسْم كباء الْجَرّ ولامه ومنذ وأمس وَحَيْثُ وَنحن وَلَا
يكونَانِ فِي الْفِعْل وَزعم الزنجاني فِي شرح الْهَادِي وجودهَا فِيهِ
فِي نَحْو ع وش ورد بِضَم الدَّال وَهُوَ مَرْدُود فَإِن الأول
مَبْنِيّ على الْحَذف وَالثَّانِي على السّكُون تَقْديرا والضمة إتباع
لَا بِنَاء وَقد استوفيت أَسبَاب الْبناء على الْحَرَكَة وَأَسْبَاب
تَخْصِيص الفتحة والكسرة والضمة فِي كتاب الْأَشْبَاه والنظائر وَهُوَ
وَالْكتاب الَّذِي لَا يَسْتَغْنِي الطَّالِب عَنهُ وَقد يقدر سُكُون
الْبناء وحركته كَمَا تقدر حركات الْإِعْرَاب مِثَال تَقْدِير السّكُون
رد إِذا ضممت الدَّال إتباعا وَمِثَال تَقْدِير الْفَتْح عدا وَنَحْوه
من الْمَاضِي المعتل الآخر وَمِثَال تَقْدِير الضَّم يَا سِيبَوَيْهٍ
فَإِنَّهُ مَبْنِيّ على الْكسر لفظا وعَلى الضمة تَقْديرا كَمَا
سَيَأْتِي فِي الْمُنَادِي وَقد يَنُوب عَن السّكُون الْحَذف وَعَن
الْحَرَكَة الْحَرَكَة أَو الْحَرْف كَمَا يَقع ذَلِك فِي الْإِعْرَاب
مِثَال نِيَابَة الْحَذف عَن السّكُون اغز واخش وارم واضربا واضربوا
واضربي وَمِثَال نِيَابَة الْحَرَكَة عَن الْحَرَكَة لَا مسلمات لَك
نابت الكسرة عَن الفتحة وَمِثَال نِيَابَة الْحَرْف عَن الْحَرَكَة لَا
رجلَيْنِ فِي الْجَار لَا رجلَانِ على لُغَة كنَانَة نابت الْيَاء
وَالْألف عَن الفتحة وَفِي يَا زَيْدَانَ يَا زيدون نابت الْألف
وَالْوَاو عَن الضمة
(1/80)
أَنْوَاع الْإِعْرَاب
ص مَسْأَلَة أَنْوَاع الْإِعْرَاب رفع للعمد وَنصب للفضلات وجر لما
بَينهمَا وَكَذَا جزم خلافًا للمازني والكوفية وَخص الِاسْم بِالْجَرِّ
وَقيل لَيْسَ إعرابا لَهُ بل ضعف للنصب وَالْفِعْل بِالْجَزْمِ ش
أَنْوَاع الْإِعْرَاب أَرْبَعَة الرّفْع وَهُوَ إِعْرَاب الْعمد
وَالنّصب وَهُوَ إِعْرَاب الفضلات قيل وَوجه التَّخْصِيص أَن الرّفْع
ثقيل فَخص بِهِ الْعمد لِأَنَّهَا أقل إِذْ هِيَ رَاجِعَة إِلَى
الْفَاعِل والمبتدأ وَالْخَبَر والفضلات كَثِيرَة إِذْ هِيَ المفاعيل
الْخَمْسَة والمستثنى وَالْحَال والتمييز وَقد يَتَعَدَّد الْمَفْعُول
بِهِ إِلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثَة وَكَذَلِكَ الْمُسْتَثْنى وَالْحَال
إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ وَمَا كثر تداوله فالأخف أولى بِهِ والجر
وَهُوَ لما بَين الْعُمْدَة والفضلة لِأَنَّهُ أخف من الرّفْع وأثقل من
النصب والجزم خلافًا للمازني فِي قَوْله إِنَّه لَيْسَ بإعراب إِنَّمَا
هُوَ يشبه الْإِعْرَاب وَهُوَ مَذْهَب الْكُوفِيّين ثمَّ الرّفْع
وَالنّصب يكونَانِ إعرابا للاسم وَالْفِعْل لقُوَّة عواملهما
باستقلالها بِالْعَمَلِ وَعدم تعلقهَا بعامل آخر فَقيل رَافع الِاسْم
وناصبه أَن يفرع عَلَيْهِمَا ويشاركه الْمُضَارع فِي حكمهمَا وَأما
الْجَرّ فعاملة غير مُسْتَقل لافتقاره إِلَى مَا يتَعَلَّق بِهِ
وَلذَلِك إِذا حذف الْجَار نصب معموله وَإِذا عطف على الْمَجْرُور
جَازَ نصب الْمَعْطُوف فضعف عَن تَفْرِيع غَيره عَلَيْهِ فَانْفَرد
بِهِ الِاسْم وَخص الْجَزْم بِالْفِعْلِ ليَكُون فِيهِ كالعوض عَمَّا
فَاتَهُ من الْمُشَاركَة فِي الْجَرّ ليَكُون لكل وَاحِد من صنفي
المعرب ثَلَاثَة أوجه من الْإِعْرَاب وَقَالَ أَبُو حَيَّان الصَّوَاب
فِي ذَلِك مَا حَرَّره بعض أَصْحَابنَا أَن التَّعَرُّض لِامْتِنَاع
الْجَرّ من الْفِعْل
(1/81)
والجزم من الِاسْم ولحوق التَّاء الساكنة
للماضي دون أَخَوَيْهِ وَأَشْبَاه ذَلِك من تَعْلِيل الوضعيات
وَالسُّؤَال عَن مبادئ اللُّغَات مَمْنُوع لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى
تسلسل السُّؤَال إِذْ مَا من شَيْء إِلَّا وَيُقَال فِيهِ لم كَانَ
كَذَلِك وَإِنَّمَا يسْأَل عَمَّا كَانَ يجب قِيَاسا فَامْتنعَ
وَالَّذِي كَانَ يجب قِيَاسا هُنَا خفض الْمُضَارع إِذا أضيف إِلَيْهِ
أَسمَاء الزَّمَان نَحْو {هَذَا يَوْم ينفع} الْمَائِدَة 119 وَجزم
الْأَسْمَاء الَّتِي لَا تَنْصَرِف لشبهها بِالْفِعْلِ وَعلة امْتنَاع
الأول أَن الْإِضَافَة فِي الْمَعْنى للمصدر الْمَفْهُوم من الْفِعْل
لَا للْفِعْل وَعلة امْتنَاع الثَّانِي مَا يلْزم من الإجحاف لَو حذفت
الْحَرَكَة أَيْضا بعد حذف التَّنْوِين إِذْ لَيْسَ فِي كَلَامهم حذف
شَيْئَيْنِ من جِهَة وَاحِدَة وَلَا إعلالان من جِهَة وَاحِدَة انْتهى
ص وَالْأَصْل رفع بِضَم وَنصب بِفَتْح وجر بِكَسْر وَجزم بِسُكُون
وَخرج عَن ذَلِك سَبْعَة ش الْإِعْرَاب بالحركات أصل للإعراب بالحروف
وبالسكون أصل للإعراب بالحذف لِأَنَّهُ لَا يعدل عَنْهُمَا إِلَّا
عِنْد تعذرهما وَالْأَصْل أَن يكون الرّفْع بالضمة وَالنّصب بالفتحة
والجر بالكسرة والجزم بِالسُّكُونِ وَخرج عَن ذَلِك سَبْعَة أَبْوَاب
تَأتي قيل وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال برفعة ونصبة وجرة لِأَن الضَّم
وَالْفَتْح وَالْكَسْر للْبِنَاء وَلَكنهُمْ أطْلقُوا ذَلِك توسعا
(1/82)
|