همع الهوامع في شرح جمع الجوامع الزَّمن الْمُبْهم الْمُضَاف لجملة
(ص) وَمِنْهَا كل زمن مُبْهَم مُضَاف لجملة فَإِن صدرت بمبني فبناؤه
رَاجِح أَو مُعرب فمرجوح وَمنعه البصرية أَو (مَا) أَو (لَا) لم
تَتَغَيَّر أَو (لَا) التبرئة فَكَذَلِك وَقد يجر اسْمهَا وَيرْفَع
وَمنع سِيبَوَيْهٍ إِضَافَة مُسْتَقْبل لاسمية وَجوزهُ الْأَخْفَش
وَابْن مَالك (ش) من الظروف الَّتِي تبنى جَوَازًا لَا وجوبا كل
أَسمَاء الزَّمَان المبهمة إِذا أضيفت إِلَى الْجمل وَالْمرَاد
بالمبهمة مَا لَا يخْتَص بِوَجْه ك (حِين) وَمُدَّة وَوقت وزمن وَمَا
يخْتَص بِوَجْه دون وَجه كنهار وصباح وَمَسَاء وغداة وَعَشِيَّة
بِخِلَاف مَا يخْتَص بتعريف أَو غَيره ك (أمس) وغد فَإِنَّهُ لَا
يُضَاف إِلَى الْجمل وَمِنْه الْمَحْدُود والمعدود والموقت كيومين
وليلتين وأسبوع وَشهر وَسنة فَلَا يُضَاف شَيْء من ذَلِك إِلَى الْجمل
على الصَّحِيح عِنْد ابْن مَالك وَغَيره ويضاف الْجَمِيع إِلَيْهَا
كالمفرد وَسَوَاء فِي الْجمل الفعلية والاسمية لَكِن الْبناء رَاجِح
فِيمَا كَانَ صدرها مَبْنِيا نَحْو: (كَيَوْم وَلدته أمه) 860 -
(على حِينَ عاتبْتُ المَشِيبَ على الصِّبًا ... وَقُلْتُ أَلَمِّا
أَصْحُ وَالشّيْبُ وَازعُ)
(2/230)
861 -
(على حِينَ يستَصْبين كُلَّ حَليمِ ... )
مَرْجُوح فِيمَا كَانَ صدرها معربا قَرَأَ نَافِع: {هَذَا يَوْم ينفع
الصَّادِقين} [الْمَائِدَة: 119] بِالْبِنَاءِ وَقَرَأَ السِّتَّة
بالإعراب وَقَالَ الشَّاعِر:
(2/231)
862 -
(على حِينَ لَا بَدْوٌ يُرَجّي وَلَا حَضَرْ ... )
وَقَالَ: 863 -
(كريم على حينَ الكِرامُ قَلِيلُ ... )
وَقَالَ: 864 -
(عَلَى حِينَ التّواصُل غَيْرُ دَاني ... )
(2/232)
رويت الثَّلَاثَة بِالْفَتْح وَمنع
البصريون الْبناء فِي هَذَا الْقسم وأوجبوا الْإِعْرَاب وأيد ابْن
مَالك مَذْهَب الْكُوفِيّين بِالسَّمَاعِ لقِرَاءَة نَافِع السَّابِقَة
والأبيات وَإِن صدرت الْجُمْلَة ب (مَا) أَو (لَا) أُخْتِي لَيْسَ لم
يخْتَلف الحكم من بَقَاء رفعهما الِاسْم ونصبهما الْخَبَر
وَالْإِضَافَة بِحَالِهَا كَقَوْلِه: 865 -
(على حِينَ مَا هَذَا بِحِين تَصَابِ ... )
وَقَوله: 866 -
(وكُنْ لي شَفِيعًا يَوْم لَا ذُو شفَاعة ... بمغن فتيلاً عَن سَوادِ
بن قاربِ)
وَإِن صدرت ب (لَا) التبرئة بَقِي اسْمهَا أَيْضا على مَا كَانَ من
بِنَاء أَو نصب وَقد يجر وَقد يرفع حُكيَ جئْتُك يَوْم لَا حر وَلَا
برد بِالْبِنَاءِ وبالجر وبالرفع وَقَالَ: 867 -
(تَرَكتنِي حِينَ لَا مالٌ أعيش بِهِ ... )
بِالرَّفْع
(2/233)
وَمذهب سِيبَوَيْهٍ أَن الظّرْف إِذا كَانَ
بِمَعْنى الْمُسْتَقْبل تعين إِضَافَته للفعلية وَلَا يجوز إِضَافَته
إِلَى الاسمية لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَعْنى (إِذا) وَهِي لَا تُضَاف
إِلَيْهَا فَلَا يُقَال آتِيك حِين زيد ذَاهِب بِخِلَاف الَّذِي
بِمَعْنى الْمَاضِي فَإِنَّهُ بِمَعْنى (إِذْ) فيضاف للفعلية والاسمية
مَعًا كهي وَذهب الْأَخْفَش إِلَى جَوَاز إِضَافَة الْمُسْتَقْبل إِلَى
الاسمية أَيْضا وَصَححهُ ابْن مَالك مستدلا بِنَحْوِ قَوْله تَعَالَى:
{يَوْم هم بارزون} [غَافِر: 16] قَالَ أَبُو حَيَّان إِنَّمَا أجَاز
الْأَخْفَش ذَلِك لِأَنَّهُ يُجِيز فِي (إِذا) أَن تُضَاف إِلَى
الاسمية فَكَذَا مَا هُوَ بمعناها (ص) أَو لمبني وَألْحق بِهِ فِي
ذَلِك نَاقص الدّلَالَة ك (غير) و (مثل) وَالْمُخْتَار وفَاقا لِابْنِ
مَالك لَا يبْنى مُضَاف لمبني مُطلقًا (ش) من الظروف الَّتِي تبنى
جَوَازًا لَا وجوبا أَسمَاء الزَّمَان المبهمة إِذا أضيفت إِلَى
مَبْنِيّ مُفْرد نَحْو (يَوْمئِذٍ) و (حِينَئِذٍ) وَألْحق بهَا
الْأَكْثَرُونَ كل اسْم نَاقص الدّلَالَة ك (غير) و (مثل) و (دون) و
(بَين) فبنوه إِذا أضيف إِلَى مَبْنِيّ نَحْو مَا قَامَ أحد غَيْرك
وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّه لحق مثل مَا أَنكُمْ تنطقون} [الذاريات: 23]
وَقُرِئَ: {أَن يُصِيبُكُم مِثْلَ مَا أَصَابَ} [هود: 89] بِفَتْح
اللَّام وَقَالَ: {وَمنا دون ذَلِك} [الْجِنّ: 11] {لقد تقطع بَيْنكُم}
[الْأَنْعَام: 94] وَقَالَ الشَّاعِر: 868 -
(وإذْ مَا مِثْلَهُم بَشَرُ ... )
(2/234)
وَقَالَ: 869 -
(لم يَمْنَعِ الشُّرْبَ مِنْهَا غَيْرَ أَن نطَقَتْ ... )
وَالْقَوْل بِبِنَاء الْمُضَاف إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم من شعب هَذَا
الأَصْل وَذهب ابْن مَالك إِلَى أَنه لَا يَبْنِي مُضَاف إِلَى
مَبْنِيّ بِسَبَب إِضَافَته إِلَيْهِ أصلا لَا ظرفا وَلَا غَيره
لِأَنَّهُ الْإِضَافَة من خَصَائِص الْأَسْمَاء الَّتِي تكف سَبَب
الْبناء وتغليه فِي غير مَوضِع فَكيف تكون دَاعِيَة إِلَيْهِ والفتحات
فِي الشواهد السَّابِقَة حركات إِعْرَاب ف (مثل) فِي الْآيَة الأولى
حَال من ضمير (لحق) المستكن وَفِي الثَّانِيَة مصدر أَو حَال وفاعل
يُصِيبكُم (الله) وَفِي الْبَيْت حَال و (غير) فِي الْمِثَال
وَالْبَيْت حَال أَو مُسْتَثْنى و (دون) و (بَين) منصوبان على
الظَّرْفِيَّة وَهَذَا الَّذِي ذهب إِلَيْهِ هُوَ الْمُخْتَار (ص)
وَلَا يحلق الرابط الْجُمْلَة الْمُضَاف إِلَيْهَا إِلَّا نَادرا (ش)
قَالَ ابْن مَالك كل مُضَاف إِلَى جملَة مُقَدّر الْإِضَافَة إِلَى
مصدر من مَعْنَاهَا وَمن أجل ذَلِك لَا يعود مِنْهَا ضمير إِلَى
الْمُضَاف إِلَيْهَا كَمَا لَا يعود من الْمصدر فَإِن سمع ذَلِك عد
نَادرا كَقَوْلِه: 870 -
(مَضَت مِائَةٌ لِعَام وُلِدْتُ فيهِ ... )
(2/235)
وَقَوله: 871 -
(وتسخن ليْلَةَ لَا يَسْتَطِيع ... نُباحاً بهَا الكلْبُ إلاّ هَريرا)
وَالْمَعْرُوف أَنه إِذا كَانَ فِي الْجُمْلَة ضمير فصلت عَن
الْإِضَافَة وَجعلت صفة كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون
فِيهِ إِلَى الله} [الْبَقَرَة: 281]
(2/236)
3 - الْمَفْعُول مَعَه
(ص) هُوَ التَّالِي وَاو المصاحبة وَالأَصَح أَنه مقيس فَقيل لَا
يخْتَص وَالْجُمْهُور بِمَا صلح فِيهِ الْعَطف وَلَو مجَازًا والمبرد
والسيرافي بِمَا كَانَ الثَّانِي مؤثرا للْأولِ وَهُوَ سَببه والخضراوي
بِمَا فِي معنى مَا سمع (ش) الْمَفْعُول مَعَه هُوَ التَّالِي وَاو
المصاحبة فَخرج غير التَّالِي واوا مِمَّا قد يُطلق عَلَيْهِ فِي
اللُّغَة مَفْعُولا مَعَه كالمجرور ب (مَعَ) وببناء المصاحبة كجلست
مَعَ زيد وبعتك الْفرس بلجامه والتالي وَاو الْعَطف فَإِن المصاحبة
فِيهِ مفهومة من الْعَامِل السَّابِق لَا من الْوَاو وَهنا لَا تفهم
إِلَّا من الْوَاو وَفِي كَون هَذَا الْبَاب مقيسا خلاف فبعض
النَّحْوِيين يقْتَصر فِي مسَائِله على السماع وَنسبه جمَاعَة إِلَى
الْأَكْثَرين قَالَ ابْن عُصْفُور وَمَعْنَاهُ أَنهم لَا يجيزونه
إِلَّا حَيْثُ لَا يُرَاد بِالْوَاو معنى الْعَطف الْمَحْض لِأَن
السماع إِنَّمَا ورد بِهِ هُنَاكَ وَالصَّحِيح اسْتِعْمَال الْقيَاس
فِيهِ ثمَّ اخْتلف فقوم يقيسونه فِي كل شَيْء حَتَّى حَيْثُ يُرَاد
بِالْوَاو معنى الْعَطف الْمَحْض نَحْو قَامَ زيد وعمرا وَحَيْثُ لَا
يتَصَوَّر معنى الْعَطف أصلا نَحْو قعدت أَو ضحِكت أَو انْتَظَرْتُك
وطلوع الشَّمْس وَعَلِيهِ ابْن مَالك وَالْجُمْهُور كَمَا قَالَ أَبُو
حَيَّان خصوه بِمَا صلح فِيهِ معنى الْعَطف وَمعنى الْمَفْعُول بِهِ
فَلَا يجوز حَيْثُ لَا يتَصَوَّر معنى الْعَطف لقِيَام الْأَدِلَّة على
أَن وَاو (مَعَ) عطف فِي الأَصْل وَلَا حَيْثُ تمحض معنى الْعَطف لِأَن
دُخُول معنى الْمَفْعُول بِهِ هُوَ الَّذِي سوغ خُرُوجه بِمَا
يَقْتَضِيهِ الْعَطف من المشاكلة الَّتِي تؤثرها الْعَرَب على غَيرهَا
إِلَى النصب
(2/237)
وَسَوَاء صلح فِيهِ الْعَطف حَقِيقَة نَحْو
جَاءَ الْبرد والطيالسة لِأَن الْمَجِيء يَصح مِنْهُمَا أَو مجَازًا
نَحْو سَار زيد والنيل إِذْ يَصح عطفه على الْمجَاز من جِهَة أَنه لَا
يُفَارق زيدا فِي حَال سيره كَمَا لَا يُفَارِقهُ من سائره وَقَالَ
الْمبرد والسيرافي يُقَاس فِيمَا كَانَ الثَّانِي مؤثرا للْأولِ
وَكَانَ الأول سَببا لَهُ نَحْو جَاءَ الْبرد والطيالسة فالبرد سَبَب
لاستعمال الطيالسة وَجئْت وزيدا أَي كنت السَّبَب فِي مَجِيئه وَقَالَ
ابْن هِشَام الخضراوي الِاتِّفَاق على أَن هَذَا مطرد فِي لفظ
الاسْتوَاء والمجيء والصنع وَفِي كل لَفْظَة سَمِعت وَيَنْبَغِي
عِنْدِي أَن يُقَاس على مَا سمع مَا فِي مَعْنَاهُ وَإِن لم يكن من
لَفظه فيقاس (وصل) على (جَاءَ) و (وَافق) على (اسْتَوَى) و (فعلت) على
(صنعت) وَكَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ وَمَا لَيْسَ من ألفاظها ومعانيها
لَا يَنْبَغِي أَن يجوز انْتهى
ناصب الْمَفْعُول مَعَه
(ص) وناصبه مَا سبقه من فعل أَو شُبْهَة وَقيل الْوَاو وَقَالَ الزّجاج
مُضْمر بعْدهَا والكوفية الْخلاف والأخفش انتصب انتصاب الظّرْف
وَالأَصَح ينصبه الْمُتَعَدِّي و (كَانَ) لَا معنوي كإشارة (ش) فِي
ناصب الْمَفْعُول مَعَه أَقْوَال أَحدهَا وَهُوَ الْأَصَح أَنه مَا
تقدمه من فعل أَو شُبْهَة نَحْو جَاءَ الْبرد والطيالسة واستوي المَاء
والخشبة وأعجبني اسْتِوَاء المَاء والخشبة والناقة متروكة وفصيلها
وَلست زائلا وزيدا حَتَّى نعل وَسَوَاء فِي الْفِعْل الْمُتَعَدِّي أَو
اللَّازِم عِنْد الْأَكْثَرين نَحْو لَو خليت والأسد لأكلك وَنَحْو لَو
تركت النَّاقة وفصيلها لرضعها
(2/238)
وَقَالَ قوم لَا يكون إِلَّا مَعَ غير
الْمُتَعَدِّي لِئَلَّا يلتبس بالمفعول بِهِ فَلَا يُقَال ضربتك وزيدا
على أَنه مفعول مَعَه وَهل يكون مَعَ كَانَ النَّاقِصَة خلاف قَالَ قوم
لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا معنى حدث تعدى بِالْوَاو وَالْجُمْهُور
نعم لِأَن الصَّحِيح أَنَّهَا مُشْتَقَّة وَأَنَّهَا تدل على معنى سوء
الزَّمَان وَقد قَالَ الشَّاعِر: 872 -
(يكون وإيّاها بهَا مَثَلاً بَعْدِي ... )
وَقَالَ: 873 -
(فكُونوا أَنْتُم وبَنِي أَبيكُم ... )
وَمذهب سِيبَوَيْهٍ أَنه لَا ينصبه الْعَامِل الْمَعْنَوِيّ كحرف
التَّشْبِيه وَاسم الْإِشَارَة والظرف وَالْجَار وَالْمَجْرُور
وَأَجَازَهُ أَبُو عَليّ وَغَيره نَحْو هَذَا لَك وأباه وَعَلِيهِ: 874
-
(هَذَا ردَائىَ مَطْويًّا وسِرْبالاَ ... )
(2/239)
القَوْل الثَّانِي أَن ناصبه الْوَاو
وَعَلِيهِ الْجِرْجَانِيّ لاختصاصها لما دخلت عَلَيْهِ من الِاسْم
فَعمِلت فِيهِ ورد بِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لاتصل الضَّمِير مَعهَا
كَمَا يتَّصل بِأَن وَأَخَوَاتهَا وَبِأَنَّهُ لَا نَظِير لَهَا إِذْ
لَا يعْمل الْحَرْف نصبا إِلَّا وَهُوَ مشبة بِالْفِعْلِ الثَّالِث أَن
نَصبه فعل مُضْمر بعد الْوَاو وَعَلِيهِ الزّجاج قَالَ فَإِذا قلت مَا
صنعت وأباك فالتقدير ولابست أَبَاك وَإِنَّمَا لم يعْمل فِيهِ الْفِعْل
السَّابِق لفصل الْوَاو وعورض بالْعَطْف فَإِن فصل الْوَاو فِيهِ لم
يمْنَع من تسلط الْعَامِل وَبِأَن فِيمَا ذكره إِحَالَة للباب إِذْ
يصير مَنْصُوبًا على أَنه مفعول بِهِ لَا مفعول مَعَه الرَّابِع أَن
نَصبه بِالْخِلَافِ وَنسبه ابْن مَالك للكوفيين ورد بِأَن الْخلاف معنى
من الْمعَانِي وَلم يثبت النصب بالمعاني الْمُجَرَّدَة من الْأَلْفَاظ
وَبِأَنَّهُ لَو كَانَ الْخلاف ناصبا لقيل مَا قَامَ زيد لَكِن عمرا
وَيقوم زيد لَا عمرا وَلم يقلهُ أحد من الْعَرَب قَالَ أَبُو حَيَّان
وَهَذَا القَوْل لبَعض الْكُوفِيّين وَأَكْثَرهم والأخفش على أَن
الْوَاو مهيئة لما بعْدهَا أَن ينْتَصب انتصاب الظّرْف لِأَن أصل جَاءَ
الْبرد والطيالسة مَعَ الطيالسة فَلَمَّا حذفت مَعَ وَكَانَت منتصبة
على الظّرْف ثمَّ أُقِيمَت الْوَاو مقَامهَا انتصب مَا بعْدهَا على
انتصاب (مَعَ) الَّتِي وَقعت الْوَاو موقعها إِذْ لَا يَصح انتصاب
الْحُرُوف كَمَا يرْتَفع مَا بعد إِلَّا الْوَاقِعَة موقع (غير)
بارتفاع (غير) نَحْو: {لَو كَانَ فِيهِمَاءَالِهَةٌ إِلاَّ اللهُ
لَفَسَدَتَا} [الْأَنْبِيَاء: 22] وَالْأَصْل غير الله
(2/240)
منع تقدمه على عَامله
(ص) وَلَا يقدم على عَامله وَلَا مصاحبه خلافًا لِابْنِ جني وَلَا يفصل
بَين الْوَاو بظرف وَلَا يكون جملَة خلافًا لصدر الأفاضل (ش)
الْمَفْعُول مَعَه لَا يتَقَدَّم على عَامله بِاتِّفَاق لِأَن أصل واوه
للْعَطْف والمعطوف لَا يتَقَدَّم على عَامل الْمَعْطُوف عَلَيْهِ
إِجْمَاعًا وَلَا يتَقَدَّم على مصاحبه أَيْضا لما ذكر وَأَجَازَهُ
ابْن جني فَيُقَال استوي والخشبة المَاء لوروده فِي الْعَطف قَالَ: 875
-
(عَلَيْك وَرَحْمَةُ اللهِ السّلام ... )
وسماعه هُنَا قَالَ: 876 -
(جَمَعْتَ وفُحْشًا غِيبَةً ونَمِيمَةً ... )
وَلِأَن بَاب المفعولية فِي التَّقْدِيم أوسع مجالا من بَاب التابعية
وَإِنَّمَا الْمَانِع هُنَا من التَّقْدِيم الْحمل على ذَلِك فَإِذا
جَاءَ فِي الأَصْل بقلة أَو اضطرار جَازَ هُنَا بِكَثْرَة وسعة
(2/241)
وَلَا يجوز الْفَصْل بَين الْوَاو
وَالْمَفْعُول مَعَه بظرف وَلَا بِغَيْرِهِ فَلَا يُقَال قَامَ زيد
وَالْيَوْم عمرا وَإِن جَازَ الْفَصْل بالظرف بَين الْوَاو والعاطفة
ومعطوفها لِأَن الْوَاو هُنَا نزلت منزلَة الْجَار مَعَ الْمَجْرُور
فمنعوا الْفَصْل بَينهمَا وَزعم صدر الأفاضل أَن الْمَفْعُول مَعَه
يكون جملَة وَخرج عَلَيْهِ قَوْلهم جَاءَ زيد وَالشَّمْس طالعة وفر من
جعلهَا حَالا لِأَنَّهَا لَا تنْحَل إِلَى مُفْرد يبين هَيْئَة فَاعل
وَلَا مفعول وَلَا هِيَ مُؤَكدَة وَأجِيب بِأَنَّهَا مؤولة بِالْحَال
السَّبَبِيَّة أَي جَاءَ زيد طالعة الشَّمْس عِنْد مَجِيئه وَقيل تؤول
بمنكر أَو نَحوه
أَقسَام الْمَفْعُول مَعَه
(ص) وَيجب الْعَطف بعد مُفْرد خلافًا للصيمري وَثَالِثهَا يجوز إِن أول
بجملة وَالنّصب بعد ضمير مُتَّصِل لم يُؤَكد وَهُوَ فِي نَحْو مَالك
وزيدا ب (كَانَ) مضمرة قبل الْجَار أَو بمصدر (لابس) بعد الْوَاو
وَقَالَ السيرافي ب (لابس) فَإِن كَانَ مُنْفَصِلا أَو ظَاهرا رجح
الْعَطف وأوجبه بَعضهم وَقد ينصب بعد (مَا) و (كَيفَ) بمقدر وَهُوَ
(كَانَ) نَاقِصَة وَقيل تَامَّة وَقدر سِيبَوَيْهٍ مَعَ (مَا) (كنت) و
(كَيفَ) تكون فَقَالَ ابْن ولاد مُتَعَيّن وَفرق والسيرافي لَا وَرجح
النصب إِن خيف فَوَات الْمَعِيَّة فَإِن لم يصلح الْفِعْل لَهَا جَازَ
إِضْمَار صَالح فَإِن لم تحسن (مَعَ) وَجب وَقيل تضمن معني يتسلط بِهِ
ويستويان فِي مُضْمر أكد نَحْو رَأسه والحائط من لَك متعاطفين بإضمار
الْفِعْل (ش) مسَائِل هَذَا الْبَاب بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَطف
وَالْمَفْعُول مَعَه خَمْسَة أَقسَام الأول مَا يجب فِيهِ الْعَطف
وَلَا يجوز النصب على الْمَفْعُول مَعَه وَذَلِكَ شَيْئَانِ أَحدهمَا
أَلا يتَقَدَّم الْوَاو إِلَّا مُفْرد نَحْو أَنْت ورأيك وكل رجل
وضيعته وَالرِّجَال وأعضادها وَالنِّسَاء وأعجازها هَذَا قَول
الْجُمْهُور
(2/242)
وَجوز الصَّيْمَرِيّ فِيهِ النصب بِلَا
تَأْوِيل وَجوز بَعضهم فِيهِ النصب على تَأْوِيل مَا قبل الْوَاو أَنه
جملَة حذف ثَانِي جزأيها وَالتَّقْدِير كل رجل كَائِن وضيعته
وَالثَّانِي أَن يتَقَدَّم الْوَاو جملَة غير متضمنة معنى فعل نَحْو
قَوْلك أَنْت أعلم وَمَالك وَالْمعْنَى بِمَالك وَهُوَ عطف على (أَنْت)
وَنسبَة الْعلم إِلَيْهِ مجَاز الثَّانِي مَا يجب فِيهِ النصب وَلَا
يجوز فِيهِ الْعَطف وَذَلِكَ أَن تتقدم الْوَاو جملَة اسمية أَو فعلية
متضمنة معنى الْفِعْل وَقبل الْوَاو ضمير مُتَّصِل مجرور أَو مَرْفُوع
لم يُؤَكد بمنفصل نَحْو مَالك وزيدا وَمَا شَأْنك وزيدا وَمَا صنعت
وأباك فَيتَعَيَّن النصب على الْمَفْعُول مَعَه وَلَا يجوز الْعَطف
لامتناعه إِلَّا فِي الضَّرُورَة وَالنّصب فِي الاسمية (بكان مضمرة)
قبل الْجَار وَهُوَ اللَّام وشأن أَي مَا كَانَ شَأْنك وزيدا أَو بمصدر
لابس منويا بعد الْوَاو أَي مَا شَأْنك وملابسة زيدا أَو ملابستك زيدا
كَذَا نَص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ قَالَ أَبُو حَيَّان نقلا عَن شَيْخه
ابْن الضائع وَهَكَذَا تَقْدِير معنى الْإِعْرَاب لِأَنَّهُ عِنْد
سِيبَوَيْهٍ مفعول مَعَه وَتَقْدِير الملابسة مَفْعُولا بِهِ لَا
مَفْعُولا مَعَه وَقَالَ السيرافي وَابْن خروف الْمُقدر فعل وَهُوَ
(لابس) لِأَن الْمصدر لَا يعْمل مُقَدرا الثَّالِث مَا يخْتَار فِيهِ
الْعَطف مَعَ جَوَاز النصب وَذَلِكَ أَن يكون الْمَجْرُور فِي
الصُّورَة السَّابِقَة ظَاهرا أَو ضمير الْمَرْفُوع مُنْفَصِلا نَحْو
مَا شَأْن عبد الله وَزيد وَمَا أَنْت وَزيد فَالْأَحْسَن جر زيد فِي
الأول وَرَفعه فِي الثَّانِي لِإِمْكَان الْعَطف وَهُوَ الأَصْل وَيجوز
فِيهِ النصب مَفْعُولا مَعَه وَمنعه بعض الْمُتَأَخِّرين كَابْن
الْحَاجِب ورد بِالسَّمَاعِ قَالَ:
(2/243)
877 -
(وَمَا أَنْتَ والسِّيْرَ فِي مَتْلَفٍ ... )
وَسمع مَا أَنْت وزيدا وَكَيف أَنْت وزيدا وَكَيف أَنْت وقصعة من ثريد
قَالَ سِيبَوَيْهٍ أَي مَا كنت وزيدا وَكَيف تكون وقصعة من ثريد لِأَن
(كنت) و (تكون) يقعان هُنَا كثيرا انْتهى قَالَ الْفَارِسِي وَغَيره و
(كَانَ) هَذِه المضمرة تَامَّة لِأَن النَّاقِصَة لَا تعْمل هُنَا
فَكيف حَال هُنَا وَاخْتَارَهُ الشلوبين وَقَالَ أَبُو حَيَّان
الصَّحِيح أَنَّهَا النَّاقِصَة وَأَنَّهَا تعْمل هُنَا فَكيف خَبَرهَا
وَكَذَا (مَا) وَاخْتلف فِي تَقْدِير سِيبَوَيْهٍ مَعَ (مَا كنت)
وَمَعَ (كَيفَ تكون) أذلك مَقْصُود لسيبويه أم لَا فَقَالَ السيرافي
هُوَ غير مَقْصُود وَلَو عكس لأمكن ورد الْمبرد على سبيويه وَقَالَ
يصلح فِي كل مِنْهُمَا الْمَاضِي والمستقبل وَتَابعه ابْن طَاهِر ورد
ابْن ولاد على الْمبرد وَقَالَ إِنَّه لَا يجوز إِلَّا مَا قدره
سِيبَوَيْهٍ لِأَن (مَا) دَخلهَا معنى التحقير وَالْإِنْكَار إِذْ
يُقَال لمن أنكر عَلَيْهِ مُخَالطَة زيد أَو ملابسته مَا أَنْت وزيدا
لَا لمن يَقع مِنْهُ ذَلِك وَلَا يُنكر إِلَّا مَا ثَبت وَاسْتقر دون
مَا لم يَقع وَلَيْسَت لمُجَرّد الِاسْتِفْهَام وَأما كَيفَ فعلي
بَابهَا من الِاسْتِفْهَام والمعني كَيفَ تكون إِذا وَقع كَذَا أَي على
أَي حَال لكَون الِاسْتِفْهَام إِنَّمَا يكون عَن الْمُسْتَقْبل
(2/244)
الرَّابِع مَا يخْتَار فِيهِ النصب مَعَ
جَوَاز الْعَطف وَذَلِكَ أَن يجْتَمع شُرُوط الْعَطف لَكِن يخَاف
مِنْهُ فَوَات الْمَعِيَّة الْمَقْصُودَة نَحْو لَا تغتذ بالسمك
وَاللَّبن وَلَا يُعْجِبك الْأكل والشبع أَي مَعَ اللَّبن وَمَعَ
الشِّبَع لِأَن النصب يبين مُرَاد الْمُتَكَلّم والعطف لَا يُبينهُ
وَكَذَا إِذا كَانَ فِيهِ تكلّف من جِهَة الْمَعْنى نَحْو: 878 -
(فكونوا أنتمُ وبَنِي أَبيكُم ... مَكَان الكُلْيَتَيْن من الطِّحال)
فَإِن الْعَطف وَإِن حسن من حَيْثُ اللَّفْظ لكنه يُؤَدِّي إِلَى تكلّف
فِي المعني إِذْ يصير التَّقْدِير كونُوا أَنْتُم وليكونوا هم وَذَلِكَ
خلاف الْمَقْصُود فَإِن لم يصلح الْفِعْل للتسلط على تالي الْوَاو
امْتنع الْعَطف عِنْد الْجُمْهُور وَجَاز النصب على الْمَعِيَّة وعَلى
إِضْمَار الْفِعْل الصَّالح نَحْو: {فَأَجْمعُوا أَمركُم وشركاءكم}
[يُونُس: 71] لَا يجوز أَن يَجْعَل: {وشركاءكم} مَعْطُوفًا لِأَن
(أجمع) لَا ينصب إِلَّا الْأَمر والكيد وَنَحْوهمَا فَأَما أَن يَجْعَل
مَفْعُولا مَعَه أَو مَفْعُولا ب (أَجمعُوا) مُقَدرا وَمثله:
{تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ} [الْحَشْر: 9] فالإيمان مفعول
مَعَه أَو مفعول ب (اعتقدوا) مُقَدرا فَإِن لم يحسن وَالْحَالة هَذِه
(مَعَ) مَوضِع (الْوَاو) تعين الْإِضْمَار وَامْتنع الْمَفْعُول مَعَه
أَيْضا كَقَوْلِه: 879 -
(وَزَجّجْن الحواجبَ والْعُيونَا ... )
(2/245)
لِأَن (زججن) غير صَالح للْعَمَل فِي
الْعُيُون وَمَوْضِع الْوَاو غير صَالح ل (مَعَ) فَيقدر (وكحلن) وَذهب
جمَاعَة مِنْهُم أَبُو عُبَيْدَة والأصمعي وَأَبُو مُحَمَّد اليزيدي
والمازني والمبرد إِلَى جَوَاز الْعَطف على الأول بتضمين الْعَامِل
معنى يتسلط بِهِ
(2/246)
على المتعاطفين وَاخْتَارَهُ الْجرْمِي
وَقَالَ يجوز فِي الْعَطف مَا لَا يجوز فِي الْإِفْرَاد نَحْو أكلت
خبْزًا ولبناً فَيضمن وزججن معنى حسن الْخَامِس مَا يجوز فِيهِ الْعَطف
وَالْمَفْعُول مَعَه على السوَاء وَذَلِكَ إِذا أكد ضمير الرّفْع
الْمُتَّصِل نَحْو مَا صنعت أَنْت وأباك وَنَحْو رَأسه والحائط أَي
(خل) أَو (دع) وشأنك وَالْحج أَي عَلَيْك بمعني الزم وامرأ وَنَفسه أَي
(دع) وَذَلِكَ مقيس فِي كل متعاطفين على إِضْمَار فعل لَا يظْهر
فالمعية فِي ذَلِك والعطف جائزان وَالْفرق بَينهمَا من جِهَة المعني
أَن الْمَعِيَّة يفهم مِنْهَا الْكَوْن فِي حِين وَاحِد دون الْعَطف
لاحْتِمَاله مَعَ ذَلِك التَّقَدُّم والتأخر قَالَ أَبُو حَيَّان وَفِي
تَمْثِيل سِيبَوَيْهٍ بِهَذِهِ الْأَمْثِلَة رد على من يعْتَقد أَن
الْمَفْعُول مَعَه لَا يكون إِلَّا مَعَ الْفَاعِل (ص) ويطابق الأول
خبر وَحَال بعده وأوجبه ابْن كيسَان (ش) إِذا وَقع بعد الْمَفْعُول
مَعَه خبر لما قبله أَو حَال طابق مَا قبله نَحْو كَانَ زيد وعمرا
مُتَّفقا وَجَاء الْبرد والطيالسة شَدِيدا وَيجوز عدم الْمُطَابقَة لما
قبل بِأَن تثني نَحْو كَانَ زيد وعمرا متفقين وَجَاء الْبرد والطيالسة
شديدين وَمنع ذَلِك ابْن كيسَان وَأوجب الْمُطَابقَة للْأولِ قَالَ
أَبُو حَيَّان وإياه نَخْتَار لِأَن بَاب الْمَفْعُول مَعَه بَاب ضيق
وَأكْثر النَّحْوِيين لَا يقيسونه فَلَا يَنْبَغِي أَن نقدم على
إجَازَة شَيْء من مسَائِله إِلَّا بِسَمَاع من الْعَرَب
(2/247)
الْمُسْتَثْنى
(ص) المستثني هُوَ الْمخْرج ب (إِلَّا) أَو إِحْدَى أخواتها بِشَرْط
الإفادة فَإِن كَانَ بَعْضًا فمتصل وَإِلَّا فمنقطع يقدر ب (لَكِن)
وَقَالَ الكوفية بسوى وَابْن يسعون (إِلَّا) فِيهِ مَعَ مَا بعْدهَا
كَلَام مُسْتَأْنف وَلَا يَسْتَثْنِي بِفعل فَإِن حذف الْمُسْتَثْنى
مِنْهُ فَلهُ مَعَ (إِلَّا) مَا لَهُ مَعَ سُقُوطهَا وَلَا يكون بعد
مصدر مُؤَكد قطعا وَلَا فِي غير نفي وَشبهه فِي الْأَصَح وَفِي لَازمه
ك (لَوْلَا) وَلَو خلف وَجوز الزّجاج الْإِبْدَال فِي التحضيض وَقوم
نصب مَا قَامَ إِلَّا زيدا وَإِن ذكر نصب ب (إِلَّا) أَو ب (مَا)
قبلهَا أَو بِهِ بواسطتها أَو بِأَن مقدرَة بعْدهَا أَو بِأَن
مُخَفّفَة من أَن ركبت إِلَّا مِنْهَا وَمن (لَا) أَو بِخِلَافِهِ
للْأولِ أَو (بأستثني) أَقْوَال فَإِن كَانَ مُتَّصِلا مُؤَخرا منفيا
أَو كمنفي اختير إتباعه بَدَلا وَقَالَ الكوفية عطفا وَلَا يشْتَرط
إِفْرَاد الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَلَا عدم صلاحيته للْإِيجَاب وَلَا فِي
نَصبه تَعْرِيف الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَلَا يخْتَار النصب فِي متراخ
وَلَا مَرْدُود بِهِ مُتَضَمّن الِاسْتِثْنَاء خلافًا لزاعميها فَإِن
توَسط بَين الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَصفته فَكَذَلِك وَقيل النصب رَاجِح
وَقيل مسَاوٍ وَقيل وَاجِب وإتباع مُنْقَطع صَحَّ إغناؤه ومتصل
مُتَقَدم وَمُوجب لُغَة وَهل الْمُتَقَدّم بدل أَو مبدل أَو يُقَاس خلف
(2/248)
وَلَا يتبع مجرور بزائد وَاسم لَا التبرئة
على اللَّفْظ وَجوزهُ الكوفية فِي نكرَة لمجرور ب (من) والأخفش
وَمَعْرِفَة وَإِن عَاد قبل صَالح للإتباع على مُبْتَدأ أَو مَنْسُوخ
بِغَيْر زَالَ وأخواته ضمير خبر أَو وصف قَالَ أَبُو حَيَّان أَو حَال
اتبع الْعَائِد جَوَازًا وَصَاحبه اخْتِيَارا وَكَذَا مُضَاف ومضاف
إِلَيْهِ (ش) عبرت بالمستثني كَابْن مَالك فِي (التسهيل) خلاف تَعْبِير
النُّحَاة سِيبَوَيْهٍ فَمن بعده بِالِاسْتِثْنَاءِ لِأَن الْبَاب
للمنصوبات والمستثني أَحدهَا لَا الِاسْتِثْنَاء كَمَا ترْجم فِي
بَقِيَّة الْأَبْوَاب بالمفعول وَالْحَال دون المفعولية والحالية قَالَ
أَبُو حَيَّان أجري ابْن مَالك الْبَاب على مَا قبله من الْمَفْعُول
مَعَه فَكَمَا بوب لما بعد وَاو (مَعَ) بالمعفول مَعَه كَذَلِك بوب لما
بعد (إِلَّا) وَشبههَا بالمستثنى وَحده الْمخْرج بإلا أَو إِحْدَى
أخواتها تَحْقِيقا أَو تَقْديرا من مَذْكُور أَو مَتْرُوك بِشَرْط
الْفَائِدَة فالمخرج شَامِل لجَمِيع المخصصات وبإلا يخرج مَا عدا
الْمُسْتَثْنى مِنْهَا وتحقيقا هُوَ الْمُتَّصِل فَإِن بعض الْمخْرج
مِنْهُ نَحْو قَامَ إخوانك إِلَّا زيدا وتقديرا هُوَ الْمُنْقَطع
نَحْو: {مَا لَهُم بِهِ من علم إِلَّا اتِّبَاع الظَّن} [النِّسَاء:
157] فَإِن الظَّن وَإِن لم يدْخل فِي الْعلم تَحْقِيقا لِأَنَّهُ
لَيْسَ بعضه فَهُوَ فِي تَقْدِير الدَّاخِل فِيهِ إِذْ هُوَ مستحضر
بِذكرِهِ لقِيَامه مقَامه فِي كثير من الْمَوَاضِع فَهُوَ حِين
اسْتثْنى مخرج مِمَّا قبله تَقْديرا وَمن هَذَا الْقَبِيل: {إِن عبَادي
لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان إِلَّا من اتبعك من الغاوين} [الْحجر:
42] إِذا لحظ فِي الْإِضَافَة معنى الْإِخْلَاص: {لَا عَاصِم الْيَوْم
من أَمر الله إِلَّا من رحم} [هود: 43] {وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح
آباؤكم من النِّسَاء إِلَّا مَا قد سلف} [النِّسَاء: 22] لِأَن
السَّابِق زَمَانه لَا يَصح دُخُوله وَمِثَال الْمَذْكُور مَا تقدم
والمتروك مَا ضربت إِلَّا زيدا أَي أحدا وَقَوْلنَا بِشَرْط
الْفَائِدَة لبَيَان أَن النكرَة لَا يسْتَثْنى مِنْهَا فِي الْمُوجب
مَا لم تفد فَلَا يُقَال جَاءَ قوم إِلَّا رجلا وَلَا قَامَ رجال
إِلَّا زيدا لعدم الْفَائِدَة فَإِن أَفَادَ جَازَ
(2/249)
نَحْو: {فَلبث فيهم ألف سنة إِلَّا خمسين}
[العنكبوت: 14] وَقَامَ رجال كَانُوا فِي دَارك إِلَّا رجلا والفائدة
حَاصِلَة فِي النَّفْي للْعُمُوم نَحْو مَا جَاءَنِي أحد إِلَّا رجلا
أَو إِلَّا زيدا وَكَذَا لَا يسْتَثْنى من الْمعرفَة النكرَة الَّتِي
لم تخصص نَحْو قَامَ الْقَوْم إِلَّا رجلا فَإِن تخصصت جَازَ نَحْو
قَامَ الْقَوْم إِلَّا رجلا مِنْهُم ثمَّ الْمُنْقَطع يقدر عِنْد
الْبَصرِيين ب (لَكِن) الْمُشَدّدَة لِأَنَّهُ فِي حكم جملَة
مُنْفَصِلَة عَن الأولى فقولك مَا فِي الدَّار أحد إِلَّا حمارا فِي
تَقْدِير لَكِن فِيهَا حمارا على أَنه اسْتِدْرَاك مُخَالف مَا بعد
(لَكِن) فِيهِ مَا قبلهَا غير أَنهم اتسعوا فأجروا (إِلَّا) مجْرى
(لَكِن) وَلما كَانَت لَا يَقع بعْدهَا إِلَّا الْمُفْرد بِخِلَاف
(لَكِن) فَإِنَّهُ لَا يَقع بعْدهَا إِلَّا كَلَام تَامّ لقبوه
بِالِاسْتِثْنَاءِ تَشْبِيها بهَا إِذا كَانَت اسْتثِْنَاء حَقِيقَة
وَتَفْرِيقًا بَينهَا وَبَين لَكِن والكوفيون يقدرونه ب (سوى) وَقَالَ
قوم مِنْهُم أَبُو الْحجَّاج وَابْن يسعون إِلَّا مَعَ الِاسْم
الْوَاقِع بعْدهَا فِي الْمُنْقَطع يكون كلَاما متسأنفا وَقَالَ فِي
نَحْو قَوْله: 880 -
(وَمَا بالرَّبْعِ مِنْ أَحِدٍ إلاّ الأوارِيَّ ... )
(2/250)
(إِلَّا) فِيهِ بِمَعْنى لَكِن والأواري
اسْم لَهَا مَنْصُوب بهَا وَالْخَبَر مَحْذُوف كَأَنَّهُ قَالَ لَكِن
الأواري بِالربعِ وَحذف خبر إِلَّا كَمَا حذف خبر لَكِن فِي قَوْله:
881 -
(ولكِنَّ زنْجيًّا عَظِيمَ المشَافِر ... )
قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا يَسْتَوِي الْمُتَّصِل والمنقطع فِي الأدوات
فَإِن الْأَفْعَال الَّتِي يَسْتَثْنِي بهَا لَا تقع فِي الْمُنْقَطع
لَا تَقول مَا فِي الدَّار أحد خلا حمارا ثمَّ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ
تَارَة يكون محذوفا وَتارَة يكون مَذْكُورا فَالْأول يجْرِي على حسب
مَا يَقْتَضِيهِ الْعَامِل قبله من رفع أَو نصب أَو جر بحرفه لتفريغه
لَهُ وَوُجُود (إِلَّا) كسقوطها نَحْو مَا قَامَ إِلَّا زيد وَمَا ضربت
إِلَّا زيدا وَمَا مَرَرْت إِلَّا بزيد {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول}
[آل عمرَان: 144] وَمَا فِي الدَّار إِلَّا عَمْرو وَلَا يكون ذَلِك
عِنْد أَكثر النُّحَاة إِلَّا فِي غير الْمُوجب وَهُوَ النَّفْي كَمَا
مثل وَالنَّهْي والاستفهام نَحْو: {وَلَا تَقولُوا على الله إِلَّا
الْحق} [النِّسَاء: 171] {لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ} [الْبَقَرَة:
83] {هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القَوْمُ الظَّالِمُونَ} [الْأَنْعَام: 47]
وَجوز بَعضهم وُقُوعه فِي الْمُوجب أَيْضا نَحْو قَامَ إِلَّا زيد
وَضربت إِلَّا زيدا ومررت إِلَّا بزيد وَالْجُمْهُور على مَنعه
لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ الْكَذِب إِذْ تَقْدِيره ثُبُوت الْقيام
وَالضَّرْب والمرور بِجَمِيعِ النَّاس إِلَّا زيدا وَهُوَ غير جَائِز
بِخِلَاف النَّفْي فَإِنَّهُ جَائِز وَلَو كَانَ الْمُوجب لَازِما لَهُ
نفي ك (لَو) و (لَوْلَا) فَذهب الْمبرد إِلَى جَوَاز التفريغ نَحْو
لَوْلَا الْقَوْم إِلَّا زيدا لأكرمتك وَلَو كَانَ مَعنا إِلَّا زيد
لأكرمتك وأباه غَيره لِأَن التفريغ يدْخل فِي الْجُمْلَة الثَّابِتَة
وَأما الْجَواب الَّذِي هُوَ منفي فخارج عَمَّا دخلت فِيهِ إِلَّا
وَأَجَازَ الزّجاج الْإِبْدَال فِي التحضيض إِجْرَاء لَهُ مجْرى
النَّفْي نَحْو: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا
إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ} [يُونُس: 98]
(2/251)
والتفريغ يكون فِي كل المعمولات من فَاعل
ومفعول بِهِ وَغَيره إِلَّا الْمصدر الْمُؤَكّد فَإِنَّهُ لَا يكون
فِيهِ وَلذَلِك أولُوا قَوْله تَعَالَى: {إِن نظن إِلَّا ظنا}
[الجاثية: 32] على حذف الْوَصْف أَي ظنا ضَعِيفا وَأَجَازَ الْكسَائي
فِي نَحْو مَا قَامَ إِلَّا زيد مَعَ الرّفْع على الفاعلية النصب على
الِاسْتِثْنَاء قَالَ ابو حَيَّان وَهُوَ مَبْنِيّ على مَا أجَازه من
حذف الْفَاعِل وَجوز أَيْضا بِنَاء عَلَيْهِ الرّفْع على الْبَدَل من
الْفَاعِل الْمَحْذُوف وَوَافَقَ الْكسَائي على إجَازَة النصب طَائِفَة
وَاسْتَدَلُّوا بقوله: 882 -
(لم يبْق إِلَّا المَجْدَ والقَصائِدَا ... غَيْرَكََ يَا ابْن
الأكرمين وَالِدَا)
يرْوى بِنصب (الْمجد) و (غير) أَي لم يبْق أحد غَيْرك وَأجِيب ب أَن
(غير) فَاعل مَرْفُوع والفتحة بِنَاء لِإِضَافَتِهِ إِلَى مَبْنِيّ
وَالثَّانِي وَهُوَ الْمُسْتَثْنى من مَذْكُور ينصب على التَّفْصِيل
الْآتِي وَفِي ناصبه أَقْوَال أَحدهَا أَنه (إِلَّا) وَصَححهُ ابْن
مَالك وَعَزاهُ لسيبويه والمبرد وَاسْتدلَّ بِأَنَّهَا مُخْتَصَّة
بِدُخُولِهَا على الِاسْم وَلَيْسَت كجزء مِنْهُ فَعمِلت فِيهِ ك (إِن)
و (لَا) التبرئة الثَّانِي أَنه بِمَا قبل (إِلَّا) من فعل وَنَحْوه من
غير أَن يعدى إِلَيْهِ بِوَاسِطَة إِلَّا وعزي لِابْنِ خروف لابتصاب
(غير) بِهِ بِلَا وَاسِطَة إِذا وَقعت موقع إِلَّا الثَّالِث أَنه
بِمَا قبل (إِلَّا) معدى إِلَيْهِ بواسطتها وَعَلِيهِ السيرافي وَابْن
الباذش والفارسي وَابْن بابشاذ والرندي وَعَزاهُ الشلوبين للمحققين
قِيَاسا على الْمَفْعُول مَعَه فَإِن ناصبه الْفِعْل بِوَاسِطَة
الْوَاو وَنسبه ابْن عُصْفُور لسيبويه وَاخْتَارَهُ ابْن الضائع
وَفرقُوا بَينه وَبَين (غير) بِأَن مَا بعد (إِلَّا) مشبه بالظرف
الْمُخْتَص الَّذِي لَا يصل فِيهِ الْفِعْل إِلَّا بِوَاسِطَة حرف
الْجَرّ و (غير)
(2/252)
لإبهامها كالظرف الْمُبْهم يصل إِلَيْهِ
الْفِعْل بِنَفسِهِ وقدح فِيهِ بِأَنَّهُ قد لَا يكون قبل إِلَّا فعل
نَحْو الْقَوْم إخْوَتك إِلَّا زيدا الرَّابِع أَنه ب (أَن) مقدرَة بعد
(إِلَّا) وَعَلِيهِ الْكسَائي فِيمَا نَقله السيرافي قَالَ التَّقْدِير
إِلَّا أَن زيدا لم يقم الْخَامِس أَنه ب (إِن) مُخَفّفَة ركبت
(إِلَّا) مِنْهَا وَمن (لَا) وَعَلِيهِ الْفراء قَالَ وَلِهَذَا رفع من
رفع تَغْلِيبًا لحكم لَا) وَمن نصب غلب حكم (إِن) السَّادِس أَنه انتصب
لمُخَالفَة الأول لِأَن الْمُسْتَثْنى مُوجب لَهُ الْقيام بعد نَفْيه
عَن الأول أَو عَكسه وَعَلِيهِ الْكسَائي فِيمَا نَقله ابْن عُصْفُور
السَّابِع أَنه ب (أستنثى) مضمرا وَعَلِيهِ الْمبرد والزجاج فِيمَا
نَقله السيرافي وَلم يتَرَجَّح عِنْدِي قَول مِنْهَا فَلِذَا أرْسلت
الْخلاف وأقواها الثَّلَاثَة الأول والأخير وَسَوَاء فِي نصب المستنثنى
من الْمَذْكُور الْمُتَّصِل والمنقطع الْمُوجب وَغَيره نَحْو قَامَ
الْقَوْم إِلَّا زيدا وَجَاء الْقَوْم إِلَّا حمارا وَمَا قَامَ أحد
إِلَّا زيدا وَمَا فِي الدَّار أحد إِلَّا حمارا لَكِن يخْتَار الإتباع
فِي الْمُتَّصِل الْمُؤخر الْمَنْفِيّ وَشبهه نَحْو مَا قَامَ أحد
إِلَّا زيد وَمَا ضربت أحدا إِلَّا زيدا وَمَا مَرَرْت بِأحد إِلَّا
زيد وَقَالَ تَعَالَى {وَمن يغْفر الذُّنُوب إِلَّا الله} [آل عمرَان:
135] {وَمن يقنط من رَحْمَة ربه إِلَّا الضالون} [الْحجر: 56] {مَا
فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُم} [النِّسَاء: 66] وَهُوَ بدل عِنْد
الْبَصرِيين بدل بعض من كل لِأَنَّهُ على نِيَّة تكْرَار الْعَامِل
وَعطف عِنْد الْكُوفِيّين و (إِلَّا) عِنْدهم حرف عطف لِأَنَّهُ
مُخَالف للْأولِ والمخالفة لَا تكون فِي الْبَدَل وَتَكون فِي الْعَطف
ب (بل) و (لَا) و (لَكِن) وَأجِيب بِأَن الْمُخَالفَة وَاقعَة فِي بدل
الْبَعْض لِأَن الثَّانِي فِيهِ مُخَالف للْأولِ فِي الْمَعْنى وَقد
قَالُوا مَرَرْت بِرَجُل لَا زيد وَلَا عَمْرو وَهُوَ بدل وَلَا عطف
لِأَن من شَرط (لَا) العاطفة أَلا تكَرر وَقَالَ ابْن الضائع لَو قيل
إِن الْبَدَل فِي الِاسْتِثْنَاء قسم على حِدته لَيْسَ من تِلْكَ
الأبدال الَّتِي عينت فِي بَاب الْبَدَل لَكَانَ وَجها وَهُوَ الْحق
وَحَقِيقَة الْبَدَل هُنَا أَنه يَقع موقع الأول ويبدل مَكَانَهُ
انْتهى
(2/253)
وَزعم بعض النَّحْوِيين أَن الإتباع يخْتَص
بِمَا يكون بِهِ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ مُفردا وَقد رد عَلَيْهِ
سِيبَوَيْهٍ بقوله تَعَالَى {وَلم يكن لَهُم شُهَدَاء إِلَّا أنفسهم}
[النُّور: 6] (فشهداء) جمع وَقد أبدل مِنْهُ وَشرط بعض القدماء للإتباع
عدم صَلَاحِية الْمُسْتَثْنى مِنْهُ للْإِيجَاب كَأحد وَنَحْوه ورد
بِالسَّمَاعِ قَالَ تَعَالَى {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُم}
[النِّسَاء: 66] وَشرط الْفراء لجَوَاز النصب فِيمَا اختير فِيهِ
الإتباع أَن يكون الْمُسْتَثْنى مِنْهُ معرفَة ورد بِالسَّمَاعِ قَالَ
تَعَالَى {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ} [هود:
81] فِيمَن نصب وَحكى سِيبَوَيْهٍ مَا مَرَرْت بِأحد إِلَّا زيدا وَمَا
أَتَانِي أحد إِلَّا زيدا وَاخْتَارَ ابْن مَالك النصب فِي المتراخي
نَحْو مَا ثَبت أحد فِي الْحَرْب ثباتا نفع النَّاس إِلَى زيدا وَلَا
تنزل عَليّ أحد من بني تَمِيم إِن وافينهم إِلَّا قيسا قَالَ لِأَنَّهُ
قد ضعف التشاكل بِالْبَدَلِ لطول الْفَصْل بَين الْبَدَل والمبدل
مِنْهُ قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا وَالَّذِي ذكره لم يذكرهُ
أَصْحَابنَا وَاخْتَارَ ابْن مَالك أَيْضا النصب فيمارد بِهِ كَلَام
تضمني الِاسْتِثْنَاء كَقَوْل الْقَائِل قَامُوا إِلَّا زيدا وَأَنت
تعلم أَن الْأَمر بِخِلَافِهِ فَتَقول مَا قَامَ الْقَوْم إِلَّا زيدا
فتنصب وَلَا ترفع لِأَنَّهُ غير مُسْتَقل وَالْبدل فِي حكم
الِاسْتِقْلَال قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا أَيْضا لم يذكرهُ
أَصْحَابنَا إِلَّا أَن ابْن عُصْفُور حكى نَحوه عَن ابْن السراج ورده
وَإِذا أتبع الْمَجْرُور ب (من) أَو الْبَاء الزائدتين أَو اسْم (لَا)
الجنسية تعين اعْتِبَار الْمحل نَحْو مَا فِي الدَّار من أحد إِلَّا
زيد وَمَا من إِلَه إِلَّا إِلَه وَاحِد وَلَيْسَ زيد بِشَيْء إِلَّا
شَيْئا لَا يعبأ بِهِ وَلَا إِلَه إِلَّا الله
(2/254)
وَإِنَّمَا لم يجز الإتباع على اللَّفْظ
لِأَنَّهَا لَا تعْمل فِي الْمعرفَة سوي الْبَاء وَلَا فِي الْمُوجب
وَأَجَازَهُ الْكُوفِيُّونَ فِي مجرور (من) إِذا كَانَ الْمُسْتَثْنى
نكرَة وَأَجَازَ الْأَخْفَش وَلَو كَانَ معرفَة بِنَاء على رَأْيه من
جَوَاز زِيَادَة (من) فِي الْمعرفَة والموجب وَأنْشد عَلَيْهِ قَوْله:
883 -
(وَمَا بالرّبْع مِن أحد ... إلاّ الأواريِّ ... ...)
بالخفض وَعلم من الْقُيُود أَن الْمُتَّصِل والمنقطع الْمُقدم والمؤخر
الْمُوجب لَا يخْتَار فِيهِ الإتباع بل يجب النصب فِي الثَّلَاثَة فِي
اللُّغَة الشهيرة نَحْو {مَا لَهُم بِهِ من علم إِلَّا اتِّبَاع
الظَّن} [النِّسَاء: 157] 884 -
(وَمَا لِيَ إلاّ آلَ أحْمَدَ شِيعَةٌ ... )
(2/255)
{فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلا
مِنْهُم} [الْبَقَرَة: 249] وَفِي لُغَة تَمِيم يتبع الْمُنْقَطع
بِشَرْط صِحَة إغنائه عَن الْمُسْتَثْنى مِنْهُ نَحْو مَا فِي الدَّار
أحد إِلَّا زيد قَالَ: 885 -
(وبلدة لَيْسَ بهَا أَنيسُ ... إلاّ اليعافيرُ وإلاّ العيسُ)
(2/256)
وَقد شبه سِيبَوَيْهٍ نصب الْمُقدم بنعت
النكرَة إِذا تقدم عَلَيْهَا فَإِنَّهُ ينْتَصب على الْحَال بعد إتباعه
فَإِن لم يَصح إغناؤه نَحْو مَا زَاد إِلَّا مَا نقص وَمَا نفع إِلَّا
مَا ضرّ تعين نَصبه عِنْد جَمِيع الْعَرَب وَكَذَا إِن تقدم نَحْو مَا
فِي الدَّار إِلَّا حمارا أحد وَفِي لُغَة يتبع الْمُقدم حكى
سِيبَوَيْهٍ (مَا لي إِلَّا أَبوك أحد) قَالَ سِيبَوَيْهٍ فيجعلون
(أحد) بَدَلا وَأَبُوك مبدلا مِنْهُ وَوَجهه الأبذي بِأَن الْبَدَل لَا
يُمكن تَقْدِيمه وَقيل هُوَ بدل وَهُوَ فِي نِيَّة التَّأْخِير وَقَالَ
ابْن الصَّائِغ (أحد بدل من (إِلَّا) مَعَ الِاسْم مجموعين وَهُوَ
شَبيه بِبَدَل الشَّيْء من الشَّيْء لِأَن (مَا قَامَ إِلَّا أَبوك)
فِي قُوَّة مَا قَامَ غير أَبِيك أحد فَيصح إِطْلَاقه عَلَيْهِ)
(2/257)
قَالَ ابْن عُصْفُور وَلَا يُقَاس على
هَذِه اللُّغَة وَقد قاسه الْكُوفِيُّونَ والبغداديون وَابْن مَالك
وَمن الْوَارِد مِنْهُ قَوْله: 886 -
(إذَا لَمْ يَكُنْ إلاّ النّبيُّون شافِعُ ... )
وَقَوله: 887 -
(فَلم يَبْقَ إلاَّ واحدٌ منهُمُ شفْرُ ... )
أما الْمُتَوَسّط بَين الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَصفته نَحْو مَا جَاءَنِي
أحد إِلَّا زيدا خير مِنْك وَمَا قَامَ الْقَوْم إِلَّا زيدا
الْعُقَلَاء وَمَا مَرَرْت بِأحد إِلَّا زيد خير مِنْك فَيجوز فِيهِ
الإتباع بَدَلا وَالنّصب على الِاسْتِثْنَاء كالمتأخر والإتباع فِيهِ
هُوَ الْمُخْتَار أَيْضا مثله للمشاكلة هَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ
وَاخْتلف النَّقْل عَن الْمَازِني فَالْمَشْهُور عَنهُ مُوَافقَة
سِيبَوَيْهٍ وَنقل ابْن عُصْفُور عَنهُ أَنه يخْتَار النصب وَلَا
يُوجِبهُ لِأَن الْمُبدل مِنْهُ منوي الطرح فَلَا يَنْبَغِي أَن يُوصف
بعد ذَلِك وَنقل عَنهُ أَيْضا أَنه يُوجب النصب وَيمْنَع الْإِبْدَال
فَحصل عَنهُ ثَلَاثَة أَقْوَال قَالَ أَبُو حَيَّان وَالنّصب حِينَئِذٍ
أَجود من النصب مُتَأَخِّرًا وَنقل ابْن مَالك فِي (شرح الكافية) عَن
الْمبرد اخْتِيَار النصب ثمَّ قَالَ وَعِنْدِي أَن النصب وَالْبدل
مستويان لِأَن لكل وَاحِد مِنْهُمَا مرجحا فتكافئا وَفِي لُغَة يتبع
الْمُؤخر الْمُوجب وَخرج عَلَيْهَا قِرَاءَة {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا
قَلِيل} [الْبَقَرَة: 249] فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيل
(2/258)
وَإِذا عَاد على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ
الْعَامِل فِيهِ الِابْتِدَاء أَو أحد نواسخه ضمير قبل الْمُسْتَثْنى
الصَّالح للإتباع أتبع الضَّمِير الْعَائِد جَوَازًا وَصَاحبه
اخْتِيَار نَحْو مَا أحد يَقُول ذَلِك إِلَّا زيد وَمَا كَانَ أحد
يجترئ عَلَيْك إِلَّا زيد وَمَا حسبت أحدا يَقُول ذَاك إِلَّا زيد
فَيجوز فِي هَذِه الْأَمْثِلَة أَن يَجْعَل (زيد) تَابعا للمبتدأ أَو
لاسم (كَانَ) أَو للْمَفْعُول الأول فَيكون بَدَلا مِنْهُ وَهُوَ
الْمُخْتَار لِأَن المسوغ للإتباع هُوَ النَّفْي وَهُوَ أقرب إِلَى
الظَّاهِر مِنْهُ إِلَى الضَّمِير وَيجوز أَن يَجْعَل تَابعا للمضمر
فَيكون بَدَلا مِنْهُ لِأَن النَّفْي مُتَوَجّه عَلَيْهِ من جِهَة
الْمَعْنى وَسَوَاء كَانَ الْعَائِد من الْخَبَر كَمَا تقدم أَو من
الْوَصْف نَحْو مَا فيهم أحد اتَّخذت عِنْده يدا إِلَّا زيد وَمَا
كَانَ فيهم أحد يَقُول ذَاك إِلَّا زيد قَالَ أَبُو حَيَّان
وَالْقِيَاس يَقْتَضِي إِجْرَاء الْحَال مجْرى الصّفة فِي ذَلِك نَحْو
مَا إخْوَتك فِي الْبَيْت عاتبين عَلَيْك إِلَّا زيد فَيجوز إتباع زيد
لإخوتك أَو للمضمر المستكن فِي (عاتبين) لِأَن الْحَال يتَوَجَّه
عَلَيْهَا النَّفْي فِي الْمَعْنى وَسَوَاء فِي الْمَسْأَلَة
الْمُتَّصِل أَو الْمُنْقَطع نَحْو مَا أحد يُقيم بدارهم إِلَّا
الْوَحْش قَالَ: 888 -
(فِي لَيْلَة لَا نَرَى بهَا أحَداً ... يَحكى علينا إلاَّ كواكُبها)
فكواكبها بِالرَّفْع بدل من ضمير (يَحْكِي) وَهُوَ مُنْقَطع إِلَّا أَن
أحدا وضميره خَاص بالعاقل فَلَو كَانَ الْعَائِد بعد الْمُسْتَثْنى
نَحْو مَا أحد زيدا يَقُول ذَاك أَو الْمُسْتَثْنى غير صَالح للإتباع
نَحْو مَا أحد ينفع إِلَّا الضّر وَلَا مَال يزِيد إِلَّا النَّقْص
تعين النصب وَامْتنع الإتباع الْبَتَّةَ
(2/259)
وَلَو كَانَ الْعَامِل غير مَا ذكر نَحْو
مَا شكر رجل أكرمته إِلَّا زيد وَمَا مَرَرْت بِأحد أعرفهُ إِلَّا
عَمْرو تعين إتباع الظَّاهِر وَامْتنع إتباع الضَّمِير إِذْ لَا
تَأْثِير للنَّفْي فِي أكرمت وَأعرف وَكَذَا مَا زَالَ وَإِخْوَته من
النواسخ نَحْو مَا زَالَ وَافد من بني تَمِيم يسترفدنا إِلَّا زيد لَا
يجوز فِيهِ إِلَّا إتباع الظَّاهِر لِأَنَّهُ نفي مَعْنَاهُ الْإِيجَاب
قَالَ أَبُو حَيَّان وَهل تخْتَص الْمَسْأَلَة بِالِاسْتِثْنَاءِ بإلا
لم يمثل النحويون إِلَّا بهَا وَالظَّاهِر أَن (غير) كَذَلِك نَحْو مَا
ظَنَنْت أحدا يَقُول ذَاك غير زيد بِالنّصب تبعا لأحد وَالرَّفْع تبعا
للضمير قَالَ ابْن مَالك وَفِي حكم الظَّاهِر والمضمر من إتباع أَيهمَا
شِئْت الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ نَحْو مَا جَاءَ أَخُو أحد إِلَّا
زيد إِن شِئْت أتبعت الْمُضَاف فَترفع أَو الْمُضَاف إِلَيْهِ فتجر
منع تَقْدِيم الْمُسْتَثْنى أول الْكَلَام
(ص) وَلَا يقدم أول الْكَلَام وَجوزهُ الكوفية والزجاج وَلَا بعد حرف
نفي خلافًا للأبذي وَقدمه الْكسَائي عَلَيْهِ وَالْفراء إِلَّا مَعَ
الْمَرْفُوع وَهِشَام مَعَ الدَّائِم وَفِي تَقْدِيمه على
الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وعامله متوسط كَلَام ثَالِثهَا يجوز إِن كَانَ
الْعَامِل متصرفا (ش) الْجُمْهُور على منع تَقْدِيم المستثني أَو
الْكَلَام مُوجبا كَانَ أَو منفيا فَلَا يُقَال إِلَّا زيدا قَامَ
الْقَوْم وَلَا إِلَّا زيدا مَا أكل أحد طَعَاما وَلَا مَا إِلَّا زيدا
قَامَ الْقَوْم لِأَنَّهُ لم يسمع من كَلَامهم وَلِأَن إِلَّا مشبهة ب
(لَا) العاطفة وواو (مَعَ) وهما لَا يتقدمان وَجوز الكوفية والزجاج
تَقْدِيمه وَاسْتَدَلُّوا بقوله: 889 -
(خلا اللهَ لَا أَرْجُو سِوَاك وإنّما ... أَعُدُّ عِيالي شُعْبةً من
عِيالِكَا)
(2/260)
وَقَوله: 890 -
(وبلدةٍ لَيْسَ بهَا طُوريُّ ... وَلَا خلا الجنَّ بهَا إنْسِيُّ)
ورد فِي (خلا) وَهِي فرع إِلَّا فَالْأَصْل أولى بذلك وَجوزهُ الأبذي
فِي الْمَنْفِيّ بعد سبق حرف النَّفْي كَقَوْلِه وَلَا خلا الْجِنّ
قَالَ لِأَنَّهُ لم يتَقَدَّم على الْكَلَام بجملته لسبق (لَا) النافية
وَجوز الْكسَائي تَقْدِيمه على حرف النَّفْي أَيْضا وَأَجَازَهُ
الْفراء إِلَّا مَعَ الْمَرْفُوع وَمنعه هِشَام إِلَّا مَعَ الدَّائِم
أما تَقْدِيمه على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَعلي الْعَامِل فِيهِ إِذا لم
يتَقَدَّم وتوسط بَين جزأي كَلَام فَفِيهِ مَذَاهِب أَحدهَا الْمَنْع
مُطلقًا سَوَاء كَانَ الْعَامِل متصرفا أم غير متصرف فَلَا يُقَال
الْقَوْم إِلَّا زيدا قَامُوا وَلَا الْقَوْم إِلَّا زيدا قائمون وَلَا
الْقَوْم إِلَّا زيدا فِي الدَّار تَشْبِيها بالمفعول مَعَه قَالَ
أَبُو حَيَّان وَهَذَا مَذْهَب من يرى أَن الْعَامِل فِي الْمُسْتَثْنى
مَا تقدم من فعل وَشبهه وَالثَّانِي الْجَوَاز الْمُطلق وَصَححهُ بعض
المغاربة لوروده قَالَ: 891 -
(أَلا كل شَيْء مَا خلا اللهَ باطِلُ ... )
فالاستثناء من ضمير (بَاطِل) و (بَاطِل) عَامل فِي ذَلِك الضَّمِير
وَقَالَ: 892 -
(كلُّ دِين يَوْمَ الْقِيَامَة عِنْد الله ... إِلَّا دينَ الحَنِيفَةِ
بُورُ)
(2/261)
وَالثَّالِث الْجَوَاز مَعَ الْمُتَصَرف
وَالْمَنْع فِي غَيره وَعَلِيهِ الْأَخْفَش وَصَححهُ أَبُو حَيَّان
لِأَن السماع إِنَّمَا ورد بالتقديم فِي الْمُتَصَرف فَيقْتَصر
عَلَيْهِ وَلَا يقدم على غَيره إِلَّا بثبت من الْعَرَب
عدم جَوَاز اسْتثِْنَاء شَيْئَيْنِ بأداة وَاحِدَة
(ص) مَسْأَلَة لَا يسْتَثْنى بأداة شَيْئَانِ دون عطف على الْأَصَح
وَقيل قطعا وَالْخلاف فِي موهمه فَقيل لحن وَقيل صَحِيح على أَنَّهُمَا
بدل ومعمول مُضْمر وَقيل بدلان (ش) لَا يَسْتَثْنِي بأداة وَاحِدَة دون
عطف شَيْئَانِ فَلَا يُقَال أَعْطَيْت النَّاس إِلَّا عمرا
الدَّنَانِير وَلَا مَا أَعْطَيْت أحدا درهما إِلَّا عمرا دانقا
تَشْبِيها بواو (مَعَ) وحرف الْجَرّ فَإِنَّهُمَا لَا يصلان إِلَّا
إِلَى مَعْمُول وَاحِد وَأَجَازَهُ قوم تَشْبِيها بواو الْعَطف حَيْثُ
يُقَال ضرب زيد عمرا وَبشر خَالِدا وَقيل لم يقل أحد بِجَوَازِهِ
وَإِنَّمَا الْخلاف فِي صِحَة التَّرْكِيب فقوم قَالُوا بفساده
وَإنَّهُ لحن وَقوم قَالُوا إِنَّه صَحِيح لَا على الِاسْتِثْنَاء بل
على أَن الأول بدل وَالثَّانِي مَنْصُوب بِفعل مُضْمر من لفظ الْفِعْل
الظَّاهِر وَالتَّقْدِير إِلَّا عمرا أَعْطيته الدَّنَانِير وأعطيته
دانقا وَأخذ درهما وَضرب بَعْضًا وَقيل كِلَاهُمَا بدلان من الاسمين
السَّابِقين قبل إِلَّا فيبدل من الْمَرْفُوع مَرْفُوع وَمن
الْمَنْصُوب مَنْصُوب وَعَلِيهِ ابْن السراج وَقد ورد إِبْدَال
اسْمَيْنِ فِي الْمُوجب فِي قَوْله: 893 -
(فَلَمَّا قَرَعْنا النّبْعَ بالنَّبْع بَعْضَهُ ... ببَعْض ... ...
... ... . .)
أما تعدد المستثني مَعَ الْعَطف نَحْو قَامَ الْقَوْم إِلَّا زيدا
وعمرا فَجَائِز اتِّفَاقًا
(2/262)
|