همع الهوامع في شرح جمع الجوامع الْمُسْتَثْنى الْوَارِد بعد جمل متعاطفة
(ص) والوارد بعد جمل متعاطفة للْكُلّ وَلَو اخْتلف الْعَامِل فِي
الْأَصَح وَقيل إِن سبق لغَرَض وَقيل إِن عطف بِالْوَاو وَبعد مفردين
يَصح لكل للثَّانِي فَإِن تقدم فللأول فَإِن كَانَ أَحدهمَا مَرْفُوعا
وَلَو معنى فَلهُ مُطلقًا (ش) قَالَ أَبُو حَيَّان هَذِه الْمَسْأَلَة
قل من تعرض لَهَا من النُّحَاة وَلم أر من تكلم عَلَيْهَا مِنْهُم سوى
ابْن مَالك فِي (التسهيل) وإليها نَادَى فِي (شرح اللمع) قلت وَالْأَمر
كَمَا قَالَ فَإِن المسالة بِعلم الْأُصُول أليق وَقد ذكرهَا أَبُو
حَيَّان نَفسه فِي (الارتشاف) فَأَحْبَبْت إِلَّا أخلي كتابي مِنْهَا
فَنَقُول إِذا ورد الِاسْتِثْنَاء بعد جمل عطف بَعْضهَا على بعض فَهَل
يعود للْكُلّ فِيهِ مَذَاهِب أَحدهَا وَهُوَ الْأَصَح نعم وَعَلِيهِ
ابْن مَالك إِلَّا أَن يقوم دَلِيل على إِرَادَة الْبَعْض قَالَ
تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم} [النُّور: 6] الْآيَة فَقَوله
{إِلَّا الَّذين تَابُوا} عَائِد إِلَى فسقهم وَعدم قبُول شَهَادَتهم
مَعًا إِلَّا فِي الْجلد لما قَامَ عَلَيْهِ من الدَّلِيل وَسَوَاء
اخْتلف الْعَامِل فِي الْجمل أم لَا بِنَاء على أَن الْعَامِل فِي
الْمُسْتَثْنى إِنَّمَا هُوَ إِلَّا لَا الْأَفْعَال السَّابِقَة
الثَّانِي أَنه يعود للْكُلّ إِن سيق الْكل لغَرَض وَاحِد نَحْو حبست
دَاري على أعمامي ووقفت بستاني على أخوالي وسلبت سقايتي لجيراني إِلَّا
أَن يسافروا وَإِلَّا فللأخيرة فَقَط نَحْو (أكْرم الْعلمَاء وأحبس
دِيَارك على أقاربك وَأعْتق عبيدك إِلَّا الفسقة مِنْهُم) الثَّالِث
إِن عطف بِالْوَاو عَاد للْكُلّ أَو بِالْفَاءِ أَو ثمَّ عَاد للأخيرة
فَقَط وَعَلِيهِ ابْن الْحَاجِب الرَّابِع أَنه خَاص بِالْجُمْلَةِ
الْأَخِيرَة وَاخْتَارَهُ أَبُو حَيَّان الْخَامِس إِن اتَّحد
الْعَامِل فللكل أَو اخْتلف ف للأخيرة خَاصَّة إِذْ لَا يُمكن عمل
العوامل الْمُخْتَلفَة فِي مستثني وَاحِد وَعَلِيهِ البهاباذي بِنَاء
على أَن عَامل الْمُسْتَثْنى الْأَفْعَال السَّابِقَة دون إِلَّا وَأما
الْوَاو بعد مفردين وَهُوَ بِحَيْثُ يَصح لكل مِنْهُمَا فَإِنَّهُ
للثَّانِي فَقَط كَذَا جزم بِهِ ابْن مَالك نَحْو غلب مائَة مُؤمن
مِائَتي كَافِر إِلَّا اثْنَيْنِ
(2/263)
فَإِن تقدم الِاسْتِثْنَاء على أَحدهمَا
تعين للْأولِ نَحْو {قُم اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا نصفه} [المزمل: 2 -
3] ف (إِلَّا قَلِيلا) صَالح لكَونه من (اللَّيْل) وَمن (نصفه) لكنه
تقدم على (نصفه) فاختص بِاللَّيْلِ لِأَن الأَصْل فِي الِاسْتِثْنَاء
التَّأْخِير وَكَذَا لَو تقدم عَلَيْهِمَا مَعًا فَإِنَّهُ يكون
للْأولِ نَحْو استبدلت إِلَّا زيدا من أَصْحَابنَا بأصحابكم فإلا زيدا
مستثني من قَوْله (من أَصْحَابنَا) لَا من قَوْله (بأصحابكم) هَذَا إِن
لم يكن أَحدهمَا مَرْفُوعا لفظا أَو معني فَإِن كَانَ اخْتصَّ بِهِ
مُطلقًا أَولا كَانَ أَو ثَانِيًا نَحْو ضرب إِلَّا زيدا أَصْحَابنَا
أصحابكم وملكت إِلَّا الأصاغر عبيدنا أبناءنا وَضرب إِلَّا زيدا
أصحابكم أَصْحَابنَا وملكت إِلَّا الأصاغر أبناءنا عبيدنا فالأبناء فِي
المثالين فَاعل من حَيْثُ الْمَعْنى لأَنهم المالكون فَإِن لم يَصح
كَونه لكل مِنْهُمَا بل لأَحَدهمَا فَقَط تعين لَهُ نَحْو طلق
نِسَاءَهُمْ الزيدون إِلَّا الحسينات وأصبى الزيدين نِسَاؤُهُم إِلَّا
ذَوي النهى واستبدلت إِلَّا زيدا من إمائنا بعبيدنا
تكْرَار إِلَّا
(ص) وتكرر إِلَّا توكيدا فيبدل غير الأول مِنْهُ إِن كَانَ مغنيا عَنهُ
وَإِلَّا عطف بِالْوَاو وَجوز الصَّيْمَرِيّ طرحها وَلغيره فَإِن أمكن
اسْتثِْنَاء بعض من بعض فَكل لما يَلِيهِ وَقيل للْأولِ وَقيل
الثَّانِي مُنْقَطع أَولا فَإِن فرغ الْعَامِل شغل بأحدها وَنصب غَيره
وَإِلَّا نصب الْكل إِن تقدّمت اسْتثِْنَاء وَقَالَ ابْن السَّيِّد
يجوز حَالا واستثناء الأول وحالية الْبَاقِي وَعَكسه وَغير وَاحِد إِن
تَأَخَّرت وَله مَا لَهُ مُفردا وَجوز الأبذي نصب الْكل اسْتثِْنَاء
ورفعها وأحدها نعتا أَو بَدَلا أَيْضا فِي النَّفْي وَحكمهَا معنى
كَالْأولِ
(2/264)
(ش) إِذا كررت (إِلَّا) فلهَا حالان الأول
أَن تكون للتَّأْكِيد فتعجل كَأَنَّهَا زَائِدَة لم تذكر وَيكون مَا
بعد الثَّانِيَة بَدَلا مِمَّا بعد الأولى نَحْو قَامَ الْقَوْم إِلَّا
مُحَمَّدًا إِلَّا أَبَا بكر وَهِي كنيته وَشرط هَذَا التّكْرَار أَن
يكون الثَّانِي يُغني عَن الأول كَمَا أَن أَبَا بكر يُغني عَن ذكر
مُحَمَّد فَإِن لم يكن يُغني عَنهُ عطف بِالْوَاو لمباينته للْأولِ
نَحْو قَامَ الْقَوْم إِلَّا زيدا وَإِلَّا جعفرا وَقد اجْتمعَا فِي
قَوْله: 894 -
(مَا لَكَ مِنْ شَيْخك إلاّ عَمَلُهْ ... إلاّ رَسِيمُهُ وإلاّ
رَمَلُهْ)
والرسيم والرمل ضَرْبَان من الْعَدو والرمل لَا يُغني عَن قَوْله
إِلَّا رسيمة فعطف بِالْوَاو وهما يغنيان عَن قَوْله إِلَّا عمله فَلم
يعْطف إِلَّا رسيمه الْحَال الثَّانِي أَن تكَرر لغير تَأْكِيد فَإِن
أمكن اسْتثِْنَاء بَعْضهَا من بعض فَفِيهِ مَذَاهِب أَحدهَا وَعَلِيهِ
البصريون وَالْكسَائِيّ أَن الْأَخير يَسْتَثْنِي من الَّذِي قبله
وَالَّذِي قبله بمستثني من الَّذِي قبله إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى
الأول نَحْو لَهُ على عشرَة إِلَّا تِسْعَة ثَمَانِيَة إِلَّا سَبْعَة
فإلا سَبْعَة مُسْتَثْنى من ثَمَانِيَة يبْقى وَاحِد يَسْتَثْنِي من
تِسْعَة وَهِي من عشرَة فيضم الأشفاع دَاخِلَة والأوتار خَارِجَة
فالمقر بِهِ اثْنَان الثَّانِي أَنَّهَا كلهَا رَاجِعَة إِلَى
الْمُسْتَثْنى مِنْهُ الأول فَإِذا قَالَ لَهُ على مائَة إِلَّا عشرَة
إِلَّا اثْنَيْنِ فالمقر بِهِ ثَمَانِيَة وَثَمَانُونَ وعَلى الأول
الْمقر بِهِ اثْنَان وَتسْعُونَ الثَّالِث أَن الِاسْتِثْنَاء
الثَّانِي مُنْقَطع وَالْمقر بِهِ على هَذَا اثْنَان وَتسْعُونَ أَيْضا
وَعَلِيهِ الْفراء وَالْمعْنَى عَلَيْهِ لَهُ عِنْدِي مائَة إِلَّا
عشرَة سوى الِاثْنَيْنِ الَّتِي لَهُ عِنْدِي وَإِن لم يكن اسْتثِْنَاء
بَعْضهَا من بعض فَإِن كَانَ الْعَامِل مفرغا شغل بِوَاحِد مِنْهَا أيا
كَانَ مُتَقَدما أَو مُتَأَخِّرًا أَو متوسطا وَنصب مَا سواهُ نَحْو
مَا قَامَ إِلَّا زيد إِلَّا عمرا إِلَّا بكرا وَلَك أَن ترفع بدل زيد
عمرا أَو بكرا لَكِن الأول أولى وَإِن لم يكن مفرعا فَإِن تقدّمت نصبت
الْجَمِيع على الِاسْتِثْنَاء نَحْو مَا قَامَ إِلَّا زيدا إِلَّا عمرا
إِلَّا خَالِدا أحد
(2/265)
وَزعم ابْن السَّيِّد أَنه يجوز فِي ذَلِك
أَرْبَعَة أوجه النصب على الِاسْتِثْنَاء كَمَا نَص عَلَيْهِ النحويون
وَالنّصب على الْحَال قَالَ لِأَنَّهَا لَو تَأَخَّرت لجَاز كَونهَا
صِفَات لِأَن إِلَّا يُوصف بهَا فَإِذا تقدّمت انتصبت على الْحَال
وَجعل الأول حَالا وَالثَّانِي اسْتثِْنَاء وَعَكسه ورد بِأَن (إِلَّا)
غير متمكنة فِي الْوَصْف بهَا فَلَا تكون صفة إِلَّا وَهِي تَابِعَة
فِي اللَّفْظ وَلَا يجوز تَقْدِيمهَا أصلا وَإِن تَأَخَّرت فلأحدها مَا
لَهُ مُفردا وللباقي النصب نَحْو قَامَ الْقَوْم إِلَّا زيدا إِلَّا
عمرا إِلَّا بكرا وَمَا جَاءَ أحد إِلَّا زيدا إِلَّا عمرا إِلَّا بكرا
وَجوز الأبذي فِي الْإِيجَاب نصب الْجَمِيع على الِاسْتِثْنَاء كَمَا
قَالَه النحويون وَرفع الْجَمِيع على الصّفة وَرفع أَحدهَا على الصّفة
وَنصب الْبَاقِي على الِاسْتِثْنَاء كَمَا قَالَ ابْن السَّيِّد فِيمَا
تقدم إِن إِلَّا صفة فِي المكرر وَجوز فِي النَّفْي نصب الْجَمِيع على
الِاسْتِثْنَاء وَرفع الْجَمِيع على الْبَدَل أَو النَّعْت وَرفع
أَحدهمَا على الْوَجْهَيْنِ وَنصب الْبَاقِي على الِاسْتِثْنَاء وَحكم
مَا بعد الأول من هَذَا النَّوْع حكم الأول من دُخُوله فِي غير
الْمُوجب وَخُرُوجه من الْمُوجب
الِاسْتِثْنَاء من الْعدَد
(ص) وَيجوز اسْتثِْنَاء الْمسَاوِي خلافًا لقوم وَالْأَكْثَر وفَاقا
لأبي عُبَيْدَة والسيرافي والكوفية وَعَلِيهِ (كلكُمْ جَائِع إِلَّا من
أطعمته) إِلَّا الْمُسْتَغْرق خلافًا للفراء وَفِي الْعدَد ثَالِثهَا
لَا يجوز عقد صَحِيح وَهُوَ من الْإِثْبَات نفي وَعَكسه خلافًا للكسائي
ومباحث الِاسْتِثْنَاء من صناعَة الْأُصُولِيِّينَ (ش) قَالَ أَبُو
حَيَّان اتّفق النحويون على أَنه لَا يجوز أَن يكون المستثني
مُسْتَغْرقا للمستثنى مِنْهُ وَلَا كَونه أَكثر مِنْهُ إِلَّا أَن ابْن
مَالك نقل عَن الْفراء جَوَاز لَهُ على ألف إِلَّا أَلفَيْنِ
(2/266)
وَاخْتلفُوا فِي غير الْمُسْتَغْرق فَأكْثر
النَّحْوِيين أَنه لَا يجوز كَون الْمُسْتَثْنى قدر الْمُسْتَثْنى
مِنْهُ أَو أَكثر بل يكون أقل من النّصْف وَهُوَ مَذْهَب الْبَصرِيين
وَاخْتَارَهُ ابْن عُصْفُور والأبذي وَأكْثر الْكُوفِيّين أَجَازُوا
ذَلِك وَهُوَ مَذْهَب أبي عُبَيْدَة والسيرافي وَاخْتَارَهُ ابْن خروف
والشلوبين وَابْن مَالك وَذهب بعض الْبَصرِيين وَبَعض الْكُوفِيّين
إِلَى أَنه يجوز أَن يكون الْمخْرج النّصْف فَمَا دونه وَلَا يجوز أَن
يكون أَكثر من ذَلِك وَيدل لجَوَاز الْأَكْثَر قَوْله تَعَالَى: {إِن
عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان إِلَّا من اتبعك من الغاوين}
[الْحجر: 42] والغاوون أَكثر من الرَّاشِدين {وَمن يرغب عَن مِلَّة
إِبْرَاهِيم إِلَّا من سفه نَفسه} [الْبَقَرَة: 130] وَحَدِيث مُسلم:
(يَا عبَادي كلم جَائِع إِلَّا من أطعمته) والمطعمون أَكثر قطعا ولجواز
النّصْف قَوْله تَعَالَى: {قُم اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا نصفه} [المزمل:
2 - 3] قَالَ أَبُو حَيَّان وَجَمِيع مَا اسْتدلَّ بِهِ مُحْتَمل
التَّأْوِيل والمستقرأ من كَلَام الْعَرَب إِنَّمَا هُوَ
الِاسْتِثْنَاء الْأَقَل وَاخْتلف النحويون فِي الِاسْتِثْنَاء من
الْعدَد على مَذَاهِب أَحدهَا الْجَوَاز مُطلقًا وَاخْتَارَهُ ابْن
الصَّائِغ وَالثَّانِي الْمَنْع مُطلقًا وَاخْتَارَهُ ابْن عُصْفُور
لِأَن أَسمَاء الْعدَد نُصُوص فَلَا يجوز أَن ترد إِلَّا على مَا وضعت
لَهُ وَالثَّالِث الْمَنْع إِن كَانَ عقدا نَحْو عِنْدِي عشرُون إِلَّا
عشرَة وَالْجَوَاز إِن كَانَ غير عقد نَحْو لَهُ عشرَة إِلَّا
اثْنَيْنِ ورد هَذَا وَمَا قبله بقوله تَعَالَى: {فَلبث فيهم ألف سنة
إِلَّا خمسين عَاما} [العنكبوت: 14] وَقَالَ أَبُو حَيَّان لَا يكَاد
يُوجد اسْتثِْنَاء من عدد فِي شَيْء من كَلَام الْعَرَب إِلَّا فِي
هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة
(2/267)
قَالَ وَلم أَقف فِي شَيْء من دواوين
الْعَرَب على اسْتثِْنَاء من عدد وَالْآيَة خرجت مخرج التكثير وَمذهب
الْجُمْهُور أَن الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي إِثْبَات وَمن الْإِثْبَات
نفي فنحو قَامَ قوم إِلَّا زيدا وَمَا قَامَ أحد إِلَّا زيدا يدل الأول
على نفي الْقيام عَن زيد وَالثَّانِي على ثُبُوته لَهُ وَخَالف فِي
ذَلِك الْكسَائي وَقَالَ إِنَّه مسكوت عَنهُ لَا دلَالَة لَهُ على
نَفْيه عَنهُ وَلَا ثُبُوته واستفادة الْإِثْبَات فِي كلمة التَّوْحِيد
من عرف الشَّرْع وَبَقِيَّة مبَاحث الِاسْتِثْنَاء الْمَذْكُورَة فِي
(الارتشاف) من علم الْأُصُول لَا تعلق لَهَا بالنحو فَلِذَا أضربنا عَن
ذكرهَا هَا هُنَا
الاستنثاء ب (إِلَّا) وَالْوَصْف بهَا
(ص) مَسْأَلَة يُوصف ب (إِلَّا) وبتاليها جمع مُنكر قَالَ ابْن
الْحَاجِب غير مَحْصُور أَو شبهه أَو ذُو أل الجنسية قَالَ الْأَخْفَش
أَو غَيرهَا وسيبويه كل نكرَة وَقوم كل ظَاهر ومضمر وَقيل المُرَاد
بِالْوَصْفِ الْبَيَان وَشَرطه أَن يَصح الِاسْتِثْنَاء وَقيل
الْمُتَّصِل وَقيل الْبَدَل وَقيل أَن يتَعَذَّر وَألا يحذف موصوفها
وَلَا يَليهَا (ش) الأَصْل فِي (إِلَّا) أَن تكون للاستثناء وَفِي
(غير) أَن تكون وَصفا ثمَّ قد تحمل إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى فيوصف ب
(إِلَّا) وَيسْتَثْنى ب (غير) وَالْمَفْهُوم من كَلَام الْأَكْثَرين
أَن المُرَاد الْوَصْف الصناعي وَقَالَ بَعضهم قَول النَّحْوِيين
إِنَّه يُوصف بإلا يعنون بذلك أَنه عطف بَيَان وعَلى الأول الْوَصْف
بهَا وبتاليها لَا بهَا وَحدهَا وَلَا بالتالي وَحده وَحكمه كالوصف
بالجار وَالْمَجْرُور وَشرط الْمَوْصُوف أَن يكون جمعا مُنْكرا نَحْو
جَاءَنِي رجال قرشيون أَلا زيد وَمِنْه: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة
إِلَّا الله} [الْأَنْبِيَاء: 22] أَو مشبه الْجمع نَحْو مَا جَاءَنِي
أحد إِلَّا زيد
(2/268)
وَزَاد ابْن الْحَاجِب فِي (الكافية) بعد
قَوْله جمع مُنكر غير مَحْصُور قَالَ النيلي وَهُوَ احْتِرَاز من
الْعدَد نَحْو لَهُ على عشرَة إِلَّا درهما فَإِنَّهُ يتَعَيَّن فِيهِ
الِاسْتِثْنَاء أَو ذَا أل الجنسية لِأَنَّهُ فِي معنى النكرَة نَحْو:
895 -
(قَلِيل بهَا الأصْواتُ إلاّ بُغَامُها ... )
بِخِلَاف ذِي أل العهدية هَذَا مَا جزم بِهِ ابْن مَالك تبعا لِابْنِ
السراج والمبرد وَجوز الْأَخْفَش أَن يُوصف بهَا الْمُعَرّف بأل
العهدية وَجوز سِيبَوَيْهٍ أَن يُوصف بهَا كل نكرَة وَلَو مُفردا وَمثل
ب (لَو كَانَ مَعنا رجل إِلَّا زيد) وَاخْتَارَهُ وَمَا قبله صَاحب
(الْبَسِيط) وَجوز بعض المغاربة أَن يُوصف بهَا كل ظَاهر ومضمر ونكرة
وَمَعْرِفَة وَقَالَ إِن الْوَصْف بهَا يُخَالف سَائِر الْأَوْصَاف
وَمن شُرُوط الْوَصْف بهَا أَن لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء بِخِلَاف (غير)
فَلَا يجوز عِنْدِي دِرْهَم إِلَّا جيد وَيجوز غير جيد كَذَا قَالَه
ابْن مَالك وَغَيره وَقَالَ أَبُو حَيَّان إِنَّه كالمجمع عَلَيْهِ
إِلَّا أَن تَمْثِيل سِيبَوَيْهٍ ب (لَو كَانَ مَعنا رجل إِلَّا زيد)
يُخَالِفهُ لِأَنَّهُ لَا يجوز فِيهِ الِاسْتِثْنَاء وَكَذَا {لَو
كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله} [الْأَنْبِيَاء: 22] لَا يجوز فِيهِ
الِاسْتِثْنَاء لِأَنَّهُ لَا عُمُوم فِيهِ استغراقي ينْدَرج فِيهِ مَا
بعد إِلَّا وَقد انْفَصل بعض أَصْحَابنَا عَن ذَلِك بِأَنَّهُ لَا
يَعْنِي بِصِحَّة الِاسْتِثْنَاء الْمُتَّصِل بل أَعم مِنْهُ وَمن
الْمُنْقَطع وَالْآيَة يَصح فِيهَا الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع وَقد
صرح الْمبرد والجرمي بِجَوَاز الْوَصْف بهَا حَيْثُ يَصح الْمُنْقَطع
وَشَاهده قَوْله:
(2/269)
896 -
(لَدَمٌ ضائِعٌ تغيّب عَنهُ ... أقربوه إلاّ الصَّبا والجنوبُ)
ف (أقربوه) مَوْصُوف بإلا الصِّبَا والجنوب وليسا من جنسه
وَالْقَصِيدَة مَرْفُوعَة وَسَوَاء كَانَ الِاسْتِثْنَاء مِمَّا يجوز
فِيهِ الْبَدَل أم لَا وَزعم الْمبرد أَن الْوَصْف بإلا لم يَجِيء
إِلَّا فِيمَا يجوز فِيهِ الْبَدَل وَلذَلِك منع قَامَ إِلَّا زيد
بِحَذْف الْمَوْصُوف وَجعل إِلَّا صفة لَهُ لِأَنَّهُ لَا يجوز فِيهِ
الْبَدَل ورد بِالسَّمَاعِ قَالَ: 897 -
(وكلّ أَخ مفارقهُ أَخُوه ... لَعَمرُ أَبيك إلاّ الفَرْقَدان)
ب (إِلَّا الفرقدان) صفة وَلَا يُمكن فِيهِ الْبَدَل وَأغْرب ابْن
الْحَاجِب فَشرط فِي وُقُوع إِلَّا صفة أَن يتَعَذَّر الِاسْتِثْنَاء
وَجعل الْبَيْت الْمَذْكُور شاذا وَمن شُرُوط الْوَصْف ب (إِلَّا) أَلا
يحذف موصوفها بِخِلَاف (غير) فَلَا يُقَال جَاءَنِي إِلَّا زيد
وَيُقَال جَاءَنِي غير زيد ونظيرها فِي ذَلِك الْجمل والظروف
فَإِنَّهَا تقع صِفَات وَلَا يجوز أَن تنوب عَن موصوفاتها وَألا
يَليهَا بِأَن تقدم عَلَيْهِ مَنْصُوبَة على الْحَال لِأَنَّهَا غير
متمكنة فِي الْوَصْف كَمَا تقدم
(إِلَّا) عاطفة وزائدة
(ص) قَالَ الكوفية والأخفش وَترد عاطفة كالواو وَالْإِعْرَاب
كالاستثناء والأصمعي وَابْن جني وزائدة
(2/270)
(ش) أثبت الْكُوفِيُّونَ والأخفش ل
(إِلَّا) معنى ثَالِثا وَهُوَ الْعَطف كالواو وَخَرجُوا عَلَيْهِ
{لِئَلَّا يكون للنَّاس عَلَيْكُم حجَّة إِلَّا الَّذين ظلمُوا}
[الْبَقَرَة: 150] {لَا يخَاف لدي المُرْسَلُونَ إِلَّا من ظلم}
[النَّمْل: 10 - 11] أَي (وَلَا الَّذين ظلمُوا) وَلَا من ظلم وتأولهما
الْجُمْهُور على الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع وَأثبت الْأَصْمَعِي
وَابْن جني لَهَا معنى رَابِعا وَهُوَ الزِّيَادَة وَخَرجُوا عَلَيْهِ
قَوْله: 898 -
(حرَاجيجُ مَا تَنْفَكُّ إلاّ مُناخَةً ... )
وَخرج عَلَيْهِ ابْن مَالك: 899 - (أرِي الدَّهر إلاَّ مَنْجَنُوناً
بأهلِهِ ... )
وَأجِيب بِتَقْدِير (لَا) فِي الثَّانِي وَبِأَن (تنفك) تَامَّة فنفيها
نفي و (مناخة) حَال (ص) وَلَا يَليهَا نعت مَا قبلهَا خلافًا للزمخشري
ويليها فِي النَّفْي مضارع مُطلقًا وماض إِن وليت فعلا قيل أَو صَحِبت
(قد) وَلَا يعْمل تَالِيهَا فِيمَا قبلهَا وَلَا عَكسه إِلَّا مستثني
مِنْهُ أَو صفته قَالَ الْأَخْفَش أَو ظرف أَو حَال وَابْن
الْأَنْبَارِي أَو مَرْفُوع وَالْكسَائِيّ مُطلقًا (ش) فِيهِ مسَائِل
الأولى لَا يفصل بَين الْمَوْصُوف وَصفته بإلا فَلَا يُقَال جَاءَنِي
رجل إِلَّا رَاكب لِأَنَّهُمَا كشيء وَاحِد فَلَا يفصل بَينهمَا بهَا
كَمَا لَا يفصل بهَا بَين الصِّلَة والموصول وَلَا بَين الْمُضَاف
والمضاف إِلَيْهِ وَلِأَن (إِلَّا) وَمَا بعْدهَا فِي حكم جملَة
مستأنفة وَالصّفة لَا تسْتَأْنف وَلَا تكون فِي حكم المستأنف كَذَا
ذكره ابْن مَالك تبعا للأخفش والفارسي
(2/271)
وَذكره أَيْضا صَاحب (الْبَسِيط) ورد على
الزَّمَخْشَرِيّ حَيْثُ جوز ذَلِك فِي الْمُفْرد نَحْو مَا مَرَرْت
بِرَجُل إِلَّا صَالح وَفِي الْجُمْلَة نَحْو (مَا مَرَرْت بِأحد
إِلَّا زيد خير مِنْهُ) {وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا وَلها كتاب
مَعْلُوم} [الْحجر: 4] بِأَنَّهُ مَذْهَب لَا يعرف لَا بَصرِي وَلَا
كُوفِي وَقَالَ الصَّوَاب أَن الْجُمْلَة فِي الْآيَة والمثال حَالية
وَإِنَّمَا لم تقس الصّفة على الْحَال لوضوح الْفرق بَينهمَا بِجَوَاز
تَقْدِيم الْحَال على صَاحبه وَيُخَالِفهُ فِي الْإِعْرَاب والتنكير
الثَّانِيَة يَلِي إِلَّا فِي النَّفْي فعل مضارع مُطلقًا سَوَاء
تقدمها فعل أَو اسْم نَحْو مَا كَانَ زيد إِلَّا يضْرب عمرا وَمَا خرج
زيد إِلَّا يجر ثَوْبه وَمَا زيد إِلَّا يفعل كَذَا وماض بِشَرْط أَن
يتقدمها فعل نَحْو {وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا
بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} [الْحجر: 11] قَالَ ابْن مَالك ويغني عَن
تَقْدِيم فعل اقتران الْمَاضِي بقد كَقَوْلِه: 900 -
(وَمَا المَجدُ إلاّ قد تبيّن أنّهُ ... بندًى وحِلْم لَا يزَال
مُؤثّلا)
لِأَنَّهَا تقربه من الْحَال فَأشبه الْمُضَارع والمضارع لَا يشْتَرط
فِيهِ ذَلِك لشبهه بِالِاسْمِ وَالِاسْم بإلا أولى لِأَن الْمُسْتَثْنى
لَا يكون إِلَّا اسْما ومؤولا بِهِ وَإِنَّمَا سَاغَ وُقُوع الْمَاضِي
بِتَقْدِيم الْفِعْل لِأَنَّهُ مَعَ النَّفْي يَجْعَل الْكَلَام بمعني
كلما كَانَ كَذَا كَانَ كَذَا فَكَانَ فِيهِ فعلان كَمَا كَانَ مَعَ
كلما وَقَالَ ابْن طَاهِر أجَاز الْمبرد وُقُوع الْمَاضِي مَعَ (قد)
بِدُونِ تقدم فعل وَلم يذكرهُ من تقدم من النُّحَاة وَفِي (البديع) لَو
قلت مَا زيد إِلَّا قَامَ لم يجز فَإِن دخلت (قد) أجازها قوم
الثَّالِثَة الِاسْتِثْنَاء فِي حكم جملَة مستأنفة لِأَنَّك إِذا قلت
جَاءَ الْقَوْم إِلَّا زيدا فكأنك قلت جَاءَ الْقَوْم وَمَا مِنْهُم
زيد فمقتضي هَذَا أَلا يعْمل مَا بعد إِلَّا فِيمَا قبلهَا وَلَا مَا
قبلهَا فِيمَا بعْدهَا فَلَا يقدم مَعْمُول تَالِيهَا عَلَيْهَا فَلَا
يُقَال مَا زيد إِلَّا أَنا ضَارب
(2/272)
وَقَالَ الرماني لَا يُقَال مَا قَوْمك
زيدا إِلَّا ضاربون لِأَن تقدم الِاسْم الْوَاقِع بعد إِلَّا عَلَيْهَا
غير جَائِز فَكَذَا معموله لما تقرر من أَن الْمَعْمُول لَا يَقع
إِلَّا حَيْثُ يَقع الْعَامِل وَلَا يُؤَخر مَعْمُول مَا قبلهَا
عَنْهَا فَلَا يُقَال مَا ضرب إِلَّا زيد عمرا وَمَا ضرب إِلَّا زيدا
عَمْرو وَمَا مر إِلَّا زيد بِعَمْرو إِلَّا على إِضْمَار عَامل يفسره
مَا قبله ويستثني من هَذَا الْقسم الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَصفته فَيجوز
تأخيرهما كَمَا تقدم نَحْو مَا قَامَ إِلَّا زيدا أحد وَمَا مَرَرْت
بِأحد إِلَّا زيدا خير من عَمْرو وَأَجَازَ الْكسَائي تَأْخِير
الْمَعْمُول مَرْفُوعا كَانَ أَو مَنْصُوبًا أَو مجرورا وَاسْتدلَّ
بقوله: 901 -
(فَمَا زَادَنِي إلاّ غراماً كَلاَمُها ... )
وَقَوله: 902 -
(وَمَا كفَّ إِلَّا ماجدٌ ضُرَّ بائس ... )
وَقَوله تَعَالَى {وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا} إِلَى قَوْله
{بِالْبَيِّنَاتِ والزبر} [النَّحْل: 43 - 44] وَوَافَقَهُ ابْن
الْأَنْبَارِي فِي الْمَرْفُوع فَقَط كَمَا تقدم فِي بَاب الْفَاعِل
تَوْجِيهه وَوَافَقَهُ الْأَخْفَش فِي الظّرْف وَالْمَجْرُور وَالْحَال
نَحْو مَا جلس إِلَّا زيد عنْدك وَمَا مر إِلَّا عَمْرو بك وَمَا جَاءَ
إِلَّا زيد رَاكِبًا قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ الْمُخْتَار لِأَنَّهُ
يتَسَامَح فِي الْمَذْكُورَات مَا لَا يتَسَامَح فِي غَيرهَا
غير
(ص) مَسْأَلَة يُوصف ب (غير) ويستثني جرا وَلها إِعْرَاب تلو (إِلَّا)
وَفتحهَا مُطلقًا لُغَة وناصبها قَالَ الْجُمْهُور كَونهَا فضلَة
والسيرافي السَّابِق والفارسي حَال فِيهَا معنى الِاسْتِثْنَاء
(2/273)
وَالْمُخْتَار أَنَّهَا قَائِمَة مقَام
مضافها وَأَن أَصله النصب ب (أستثني) وَيجوز مُرَاعَاة الْمَعْنى فِي
تَابع الْمُسْتَثْنى بهَا قيل وب (إِلَّا) وَالصّفة وَفِي الْعَطف ب
(لَا) بعد (غير) خلف ويحذف تالي (إِلَّا) و (غير) بعد (لَيْسَ) قيل
وَلم يكن (ش) تقدم أَن (غير) أَصْلهَا الْوَصْف وَأَنَّهَا مَحْمُولَة
فِي الِاسْتِثْنَاء على إِلَّا والمستثني بهَا مجرور بإضافتها إِلَيْهِ
وتعرب بِمَا للاسم الْوَاقِع بعد إِلَّا من وجوب نصب فِي الْمُوجب
نَحْو قَامَ الْقَوْم غير زيد وَفِي الْمُنْقَطع وَفِي الْمُقدم نَحْو
مَا جَاءَ الْقَوْم غير الْحمير وَمَا جَاءَ زيد غير أحد وَمن جَوَازه
ورجحان الإتباع فِي الْمَنْفِيّ نَحْو مَا جَاءَ أحد غير زيد وَمن
كَونه على حسب الْعَامِل فِي المفرغ نَحْو مَا جَاءَ غير زيد وَمَا
رَأَيْت غير زيد وَمَا مَرَرْت بِغَيْر زيد وَبَعض بني أَسد وقضاعة
يفتحها فِي الِاسْتِثْنَاء مُطلقًا وَإِذا انتصب على الِاسْتِثْنَاء
فَفِي الناصب لَهَا أَقْوَال أَحدهَا وَعَلِيهِ المغاربة أَن انتصابها
انتصب الِاسْم الْوَاقِع بعد إِلَّا والناصب لَهُ كَونه جَاءَ فضلَة
بعد تَمام الْكَلَام وَذَلِكَ مَوْجُود فِي (غير) الثَّانِي وَعَلِيهِ
السيرافي وَابْن الباذش أَنَّهَا مَنْصُوبَة بِالْفِعْلِ السَّابِق
الثَّالِث وَعَلِيهِ الْفَارِسِي أَنَّهَا مَنْصُوبَة على الْحَال
وفيهَا معنى الِاسْتِثْنَاء كَمَا أَن مَا عدا زيدا مُقَدّر بمصدر فِي
مَوضِع الْحَال وفيهَا معنى الِاسْتِثْنَاء وَالَّذِي أختاره أَنَّهَا
انتصبت لقيامها مقَام مضافها وَأَن أَصله النصب ب (أستثني) مضمرا
وَهُوَ الَّذِي أميل إِلَيْهِ فِي أصل الِاسْتِثْنَاء أَن نَصبه
بأستثني لَازم الْإِضْمَار وَجعلت إِلَّا عوضا عَن النُّطْق بِهِ
وَإِذا عطف على الْمُسْتَثْنى بهَا جَازَ فِي الْمَعْطُوف مُرَاعَاة
اللَّفْظ فيجر وَهُوَ الأجود نَحْو جَاءُوا غير زيد وَعَمْرو وَيجوز
مُرَاعَاة المعني فينصب فِي نَحْو جَاءُوا غير زيد وعمرا وَيرْفَع فِي
نَحْو مَا جَاءَ أحد غير زيد وَعَمْرو وَلَيْسَ ذَلِك عطفا على (غير)
بل على الْمَجْرُور لِأَن أَصله النصب أَو الإتباع كَذَا قَالُوهُ
وَهُوَ يُؤَيّد مَا اخترته من أَن (غير) قَائِمَة مقَام مضافها فِي
الْإِعْرَاب ووجهوا منع عطفه على (غير) نَفسهَا بِأَنَّهَا يلْزم فِيهِ
التَّشْرِيك فِي الْعَامِل فيستحيل المعني
(2/274)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَمَا ذَكرُوهُ فِي
الْعَطف يَقْتَضِي جَرَيَانه فِي سَائِر التوابع من نعت وَبَيَان
وتأكيد وَبدل نَحْو مَا جَاءَنِي غير زيد نَفسه أَو الْعَاقِل أَو أبي
حَفْص أَو أَخِيك فَالْقِيَاس أَن يجوز فِي الْجَمِيع الْجَرّ
وَالرَّفْع وَلم ينصبوا إِلَّا على الْعَطف إِلَّا أَن فِي لفظ ابْن
عُصْفُور مَا يَقْتَضِي الْعُمُوم حَيْثُ عبر بالتابع فَقَالَ وَيجوز
فِي تَابعه الْحمل على الْمَعْنى قَالَ وَقد صرح صَاحب الْبَسِيط
بجريان ذَلِك أَيْضا فِي (غير) إِذا كَانَت صفة إِلَّا أَنه فِيهَا من
الْحمل على المعني وَفِي الِاسْتِثْنَاء من الْحمل على الْموضع فَهُوَ
فِي الِاسْتِثْنَاء أقوى وَذكره سِيبَوَيْهٍ أَيْضا وَقَالَ قوم إِنَّه
خَاص بِالِاسْتِثْنَاءِ وَلَا يكون فِي الصّفة وَالظَّاهِر الأول قَالَ
وَيجوز وَجه آخر وَهُوَ الْقطع على الِابْتِدَاء وَأما الْمَعْطُوف على
الْمُسْتَثْنى بإلا فَلَا يجوز فِيهِ إِلَّا مشاركته فِي الْإِعْرَاب
وَأَجَازَ قوم مِنْهُم ابْن خروف الْعَطف عَلَيْهِ بِالْجَرِّ نَحْو
قَامُوا إِلَّا زيدا وَعَمْرو على أَن إِلَّا فِي معنى غير لِأَن
مكانهما وَاحِد وأنشدوا عَلَيْهِ: 903 -
(ومَا هَاجَ هَذَا الشّوْقَ إلاّ حمامةٌ ... تغَنّتْ على خَضْراءَ سمر
قيودها)
يرْوى بِرَفْع لفظ (سمر) على لفظ (حمامة) وبالجر على معنى غير حمامة
قَالَ أَبُو حَيَّان وَفِي هَذَا دَلِيل على إِجْرَاء النَّعْت مجْرى
الْعَطف وَأَنَّهَا لَا تتقيد بِهِ والمانعون حملُوا الْجَرّ على
الْجوَار وَإِذا كَانَت (غير) اسْتثِْنَاء فَفِي الْعَطف بعْدهَا ب
(لَا) خلاف فَذهب أَبُو عُبَيْدَة والأخفش وَابْن السراج والزجاج
والفارسي والرماني إِلَى جَوَاز ذَلِك فَيُقَال جَاءُوا غير زيد وَلَا
عَمْرو إِمَّا على تَقْدِير زِيَادَة (لَا) وَإِمَّا على الْحمل على
الْمَعْنى لِأَن الِاسْتِثْنَاء فِي معنى النَّفْي فَإِن قَوْلك جَاءَ
الْقَوْم إِلَّا زيدا فِي معني جَاءَ الْقَوْم لَا زيد وَهُوَ هُنَا
أولي لِأَن (غيرا) فِي أَصْلهَا تُعْطِي النَّفْي وَذهب الْفراء وثعلب
إِلَى الْمَنْع كَمَا فِي إِلَّا إِذْ لَا يُقَال جَاءُوا إِلَّا زيدا
وَلَا عمرا
(2/275)
وَيجوز حذف مَا بعد (إِلَّا) وَبعد (غير)
وَذَلِكَ بعد (لَيْسَ) خَاصَّة يُقَال جَاءَنِي زيد لَيْسَ إِلَّا أَو
لَيْسَ غير أَي لَيْسَ الجائي إِلَّا هُوَ أَو غَيره وقبضت عشرَة
لَيْسَ إِلَّا وَلَيْسَ غير أَي لَيْسَ الْمَقْبُوض غير ذَلِك أَو
لَيْسَ غير ذَلِك مَقْبُوضا قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَيْسَ هَذَا
باستثناء من الأول لِأَنَّهُ يكون تَابعا لما لَيْسَ مبعضا وَلِأَن مَا
بعد لَيْسَ هُوَ الأول كَيفَ كَانَ وَاخْتلف هَل يجوز الْحَذف مَعَ (لم
يكن) فَأَجَازَهُ الْأَخْفَش وَابْن مَالك نَحْو لم يكن غير وَمنعه
السيرافي لِأَن الأَصْل فِي بَاب كَانَ أَلا يجوز فِيهَا حذف الِاسْم
وَلَا الْخَبَر ومجيء لَيْسَ إِلَّا وَلَيْسَ غير على خلاف الأَصْل
بيد
(ص) وَيسْتَثْنى ب (بيد) مُنْقَطِعًا لَازم النصب وَالْإِضَافَة إِلَى
(أَن) وصلتها غَالِبا وَهِي بمعني (غير) وَقيل عَليّ من أجل وَيُقَال
ميد وَجعلهَا ابْن مَالك حرفا (ش) من أدوات الِاسْتِثْنَاء (بيد)
وَيُقَال ميد بإبدال بائها ميما وَهُوَ اسْم ملازم الْإِضَافَة إِلَى
(أَن) وصلتها نَحْو (نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ بيد أَنهم أُوتُوا
الْكتاب من قبلنَا) مَعْنَاهَا معنى (غير) فِي الْمَشْهُور إِلَّا
أَنَّهَا لَا تقع مَرْفُوعَة وَلَا مجرورة بل مَنْصُوبَة وَلَا تقع صفة
وَلَا اسْتثِْنَاء مُتَّصِلا وَإِنَّمَا يسْتَثْنى بهَا فِي
الِانْقِطَاع خَاصَّة قَالَ فِي الصِّحَاح (بيد) بمعني (غير) يُقَال
إِنَّه كثير المَال بيد أَنه بخيل
(2/276)
وَفِي الْمُحكم أَن هَذَا الْمِثَال
حَكَاهُ ابْن السّكيت وَأَن بَعضهم فَسرهَا بمعني (على) وَقيل هِيَ
بمعني من أجل وَخرج عَلَيْهِ حَدِيث:
(أَنا أفْصح من نطق بالضاد بيد أَنِّي من قُرَيْش) وَقَالَ ابْن مَالك
وَغَيره إِنَّهَا فِيهِ بمعني (غير) على حد: 904 -
(وَلاَعَيْبَ فِيهم غَيْرَ أَنَّ سُيوفَهُم ... )
(الْبَيْت) وَأنْشد أَبُو عُبَيْدَة على مجيئها بِمَعْنى (من أجل)
قَوْله: 905 -
(عَمْدًا فَعَلْتَ ذَاك بَيْد أَنِّي ... أَخَافُ إنْ هَلَكْتُ أَنْ
تُرنِّي)
حاشا وخلا وَعدا
(ص) وبحاشا وخلا وَعدا بِالنّصب أفعالا جامدة قيل بِلَا فَاعل
وَالأَصَح أَنه ضمير الْبَعْض وَقيل الْمصدر والجر حروفا مُتَعَلقَة
كَغَيْرِهَا أَو لَا كالزائد أَو محلهَا ك (غير) أَقْوَال
(2/277)
وَنفي الْفراء حرفية (حاشا) والجر بلام
مقدرَة وَالْأَكْثَرُونَ فعليتها وحرفية تَالِيهَا ويليان (مَا) وَهِي
مَصْدَرِيَّة وَمن ثمَّ تعين النصب مَعهَا وَقيل زَائِدَة فتجر وَقيل
بمعني الْمدَّة وَلَا تدخل على (حاشا) خلافًا لبَعْضهِم وَلَا إِلَّا
مُطلقًا وَقيل يجوز إِن جرت وَقد تدخل على (خلا) و (عدا) مَعَ (مَا)
وَترد (حاشا) فعلا متصرفا وَقيل لَام الْجَرّ فعلا أَو اسْما
التَّنْزِيه مَبْنِيا إِلَّا فِي لُغَة أَو اسْم فعل أَقْوَال وَقد
تحذف (عدا) بعد (مَا) نَحْو كل شَيْء مهه مَا النِّسَاء وَقَالَ
الْفراء والأحمر (مَا) اسْتثِْنَاء (ش) من أدوات الِاسْتِثْنَاء (حاشا)
و (خلا) و (عدا) وَينصب الْمُسْتَثْنى بهَا ويجر فَإِذا نصب كن أفعالا
لِأَنَّهُنَّ لسن من قبيل الْأَسْمَاء العاملة ومدخولها لَا يَلِي
العوامل كمدخول (إِلَّا) إِذْ لَا يُقَال مَا قَامَ الْقَوْم خلا زيد
بِالرَّفْع فانتفت الاسمية والحرفية مَعًا وَهِي جامدة قَاصِرَة على
لفظ الْمَاضِي فَلَا تتصرف بمضارع وَلَا أَمر وَإِذا جرت كن حُرُوف جر
لِأَنَّهَا لم تباشر العوامل ك (غير) فَلَيْسَتْ أَسمَاء وَلَو كَانَت
أفعالا لم تباشر الْجَرّ بِغَيْر وَاسِطَة حرفه وَهِي على هَذَا
مُتَعَلقَة بِمَا قبلهَا من فعل أَو شبهه كَسَائِر حُرُوف الْجَرّ
فمحلها مَعَ الْمَجْرُور نصب وَاخْتَارَ ابْن هِشَام فِي (الْمُغنِي)
أَنَّهَا لَا تتَعَلَّق كالحروف الزَّائِدَة لِأَنَّهَا لَا توصل معنى
الْفِعْل إِلَى الِاسْم بل تزيله عَنهُ وَلِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة
إِلَّا وَهِي غير مُتَعَلقَة وَقيل موضعهَا نصب من تَمام الْكَلَام ك
(غير) إِذا اسْتثْنِي بهَا وَمن النصب بهَا قَوْله: 906 -
(حاشا قُرَيْشًا فَإِن اللهَ فَضَّلَهُم ... )
(2/278)
وَحكي: (اللَّهُمَّ اغْفِر لي وَلمن يسمعني
حاشا الشَّيْطَان وَأَبا الْأَصْبَغ) وَقَوله: 907 -
(وَلَا خلا الجنَّ بهَا إنْسِيُّ ... )
وَقَوله: 908 -
(عدا سُلَيْمَى وَعدا أَباها ... )
وَمن الْجَرّ بهَا قَوْله: 909 -
(مَنْ رامَها حَاشَا النّبيِّ وَرَهْطِه ... )
وَقَوله: 910 -
(حاشا أبي ثَوْبان إنّ بِهِ ... )
وَقَوله: 911 -
(حَاشَايَ إنِّي مُسْلِمٌ مَعْذُورُ ... )
(2/279)
وَقَوله: 912 -
(خلا اللهِ لَا أَرْجو سِواكَ وإنّما ... )
وَقَوله: 913 -
(عدا الشّمْطاء والطّفل الصّغير ... )
وَأنكر بعض الْكُوفِيّين مِنْهُم الْفراء حرفية (حاشا) وَقَالَ
إِنَّهَا فعل أبدا لقَولهم حاشا يحاشي وَإِن الْجَرّ بعْدهَا بلام
مقدرَة وَالْأَصْل حاشا لزيد لَكِن كثر الْكَلَام بهَا فأسقطوا اللَّام
وخفضوا بهَا وَأنكر سِيبَوَيْهٍ وَأكْثر الْبَصرِيين فعليتها وَقَالُوا
إِنَّهَا حرف دَائِما بِمَنْزِلَة (لَا) لَكِنَّهَا تجر المستثني
وأنكروا أَيْضا حرفية (خلا) و (عدا) وَقَالُوا إنَّهُمَا فعلان بمعني
الْمُفَارقَة والمجاوزة ضمنا معنى الِاسْتِثْنَاء والعذر لسيبويه أَنه
لم يحفظ النصب ب (حاشا) وَلَا الْجَرّ ب (عدا) لقلته وَإِنَّمَا نَقله
الْأَخْفَش وَالْفراء ثمَّ على فعلية هَذِه الْأَفْعَال ذهب الْفراء
إِلَى أَن حاشا فعل لَا فَاعل لَهُ قَالَ أَبُو حَيَّان وَيُمكن
القَوْل فِي خلا وَعدا بذلك ك (قَلما) لما أشربت بِهِ من معنى (إِلَّا)
وَاتفقَ بَقِيَّة الْكُوفِيّين والبصريين على أَن فاعلها ضمير مستكن
فِيهَا لَازم الْإِضْمَار
(2/280)
ثمَّ قَالَ البصريون هُوَ عَائِد على
الْبَعْض الْمَفْهُوم من الْكَلَام وَالتَّقْدِير قَامَ الْقَوْم عدا
هُوَ أَي بَعضهم زيدا قَالَ الْكُوفِيُّونَ عَائِد على الْمصدر
الْمَفْهُوم من الْفِعْل أَي عدا قيامهم زيدا وَهُوَ غير مطرد فِيمَا
لم يتقدمه فعل أَو نَحوه وَلكَون الضَّمِير عَائِدًا على الْبَعْض أَو
الْمصدر لم يثن وَلم يجمع وَلم يؤنث لِأَنَّهُ عَائِد على مُفْرد
مُذَكّر وَتدْخل (مَا) على خلا وَعدا فَيتَعَيَّن النصب بعْدهَا
لِأَنَّهَا مَصْدَرِيَّة فدخولها يعين الفعلية كَقَوْلِه: 914 -
(أَلاَ كلّ شَيْء مَا خلا اللهَ باطِلُ ... )
وَقَوله: 915 -
(تُمَلُّ النّدامى مَا عَدانِي فإنّني ... )
(2/281)
وَزعم الْجرْمِي والربعي وَالْكسَائِيّ
والفارسي وَابْن جني أَنه يجوز الْجَرّ على تَقْدِير (مَا) زَائِدَة
قَالَ فِي الْمُغنِي فَإِن قَالُوهُ بِالْقِيَاسِ ففاسد لِأَن (مَا)
لَا تزاد قبل حُرُوف الْجَرّ بل بعْدهَا أَو بِالسَّمَاعِ فشاذ
بِحَيْثُ لَا يُقَاس عَلَيْهِ وَقيل (مَا) ظرف بمعني الْمدَّة فمحله
نصب وَالتَّقْدِير قَامَ الْقَوْم فِي وَقت مجاوزتهم زيدا أَو وَقت
خلوهم و (مَا) المصدرية كثيرا مَا تكون ظرفا وَأَجَازَ بَعضهم دُخُول
(مَا) المصدرية على (حاشا) بقلة تمسكا بقوله: 916 -
(رَأَيْتُ النّاسَ مَا حَاشا قُرَيْشًا ... فإنّا نَحْنُ أَفْضَلُهمْ
فَعَالا)
وَالَّذِي نَص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ الْمَنْع وَذهب الْكسَائي إِلَى
أَنه يجوز دُخُول إِلَّا على (حاشا) إِذا جرت وَحكي قَامَ الْقَوْم
إِلَّا حاشا زيد وَمنع البصريون ذَلِك كَمَا إِذا نصبت لِأَنَّهُ جمع
بَين أداتين لمعني وَاحِد والحكاية شَاذَّة لَا يُقَاس عَلَيْهَا وَترد
(حاشا) فِي غير الِاسْتِثْنَاء فعلا متصرفا مُتَعَدِّيا تَقول
حَاشِيَته بمعني استثنيته وَمِنْه الحَدِيث:
(مَا حاشى فَاطِمَة وَلَا غَيرهَا) وَقَالَ النَّابِغَة:
(2/282)
917 -
(ولاَ أُحاشِي من الأقْوام مِنْ أَحِدِ ... )
وَتَقَع حاشا قبل لَام الْجَرّ نَحْو حاشا لله وَهِي عِنْد الْمبرد
وَابْن جني والكوفيين فعل قَالُوا لتصرفهم فِيهَا بالحذف قَالُوا حاش
وحشا ولإدخالهم إِيَّاهَا على الْحَرْف قبل لَام الْجَرّ وَالصَّحِيح
أَنَّهَا اسْم مصدر مرادف للتنزيه بِدَلِيل قِرَاءَة بَعضهم {حَاشَا
لِلَّهِ} [يُوسُف: 31] بِالتَّنْوِينِ كَمَا يُقَال تَنْزِيها لله
وَبَرَاءَة وَقِرَاءَة ابْن مَسْعُود (حاشا الله) بِالْإِضَافَة كمعاذ
الله وأنما ترك التَّنْوِين فِي قِرَاءَة الْجُمْهُور لِأَنَّهَا
مَبْنِيَّة لشبهها بحاشا الحرفية لفظا وَزعم بَعضهم أَنَّهَا اسْم فعل
بمعني أَتَبرأ أَو تبرأت وحامله على ذَلِك بناؤها وَيَردهُ إعرابها فِي
بعض اللُّغَات وَرُوِيَ من كَلَام الْعَرَب كل شَيْء مهة مَا النِّسَاء
وذكرهن فخرجه ابْن مَالك على أَن صلَة (مَا) محذوفة وَهِي (عدا) حذفوها
وأبقوا معمولها وَإِنَّمَا أضمر (عدا) لِأَنَّهَا مُتَّفق على فعليتها
بِخِلَاف (حاشا) و (خلا) فَإِنَّهُمَا مُخْتَلف فِي فعليتهما فَكَانَ
الْمُتَّفق على فعليته أولى بِأَن يكون هُوَ الْمَحْذُوف وَزعم الْفراء
والأحمر أَن (مَا) يَسْتَثْنِي بهَا ك (إِلَّا) وخرجا عَلَيْهِ
الْحِكَايَة الْمَذْكُورَة ورد بِأَن الِاسْتِثْنَاء بهَا غير مَحْفُوظ
فَلَا يخرج عَلَيْهِ وَمعنى الْحِكَايَة كل شَيْء يسير مَا عدا
النِّسَاء وذكرهن وخرجها السُّهيْلي على أَن (مَا) نَافِيَة كليس
اسْتثْنِي بهَا
(2/283)
لَيْسَ وَلَا يكون
(ص) وبليس وَبلا يكون نصبا خَبرا وَلَا يقدمان أول الْكَلَام وَيجوز
كَونهمَا صفة حَيْثُ صَحَّ الِاسْتِثْنَاء فيرفعان ضَمِيره المطابق (ش)
من أدوات الِاسْتِثْنَاء لَيْسَ وَلَا يكون وَهِي النَّاقِصَة لَا
أُخْرَى ارتجلت للاستثناء وينصبان الْمُسْتَثْنى على أَنه خبر لَهما
وَالِاسْم ضمير لَازم الاستتار كَمَا تقدم فِي مَبْحَث الضَّمِير نَحْو
قَامَ القَوْل لَيْسَ زيدا وَخرج النَّاس لَا يكون عمرا و (لَا) قيد
فِي يكون فَلَو نفيت ب (مَا) أَو (لما) أَو (لن) لم تقع فِي
الِاسْتِثْنَاء وَمن شَوَاهِد (لَيْسَ) قَوْله: 918 -
(إذْ ذَهَب القومُ الكِرامُ لَيْسِ ... )
وَحَدِيث:
(يطبع الْمُؤمن على كل خلق لَيْسَ الْخِيَانَة وَالْكذب) وَقد يُوصف ب
(لَيْسَ) وَلَا يكون حَيْثُ يَصح الِاسْتِثْنَاء بِأَن يكون نكرَة
منفية قَالَ ابْن مَالك أَو مُعَرفا بلام الْجِنْس نَحْو مَا أَتَانِي
أحد لَيْسَ زيدا وَمَا أَتَانِي رجل لَا يكون بشرا وأتاني الْقَوْم
لَيْسُوا إخْوَتك قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا أعلم فِي ذَلِك خلافًا
إِلَّا أَن الْمَنْقُول اخْتِصَاصه بالنكرة دون الْمُعَرّف بلام
الْجِنْس وَلَا يجوز فِي النكرَة المثبتة نَحْو أَتَتْنِي امْرَأَة لَا
تكون فُلَانَة إِذْ لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء مِنْهَا وَلَا فِي
الْمعرفَة نَحْو جَاءَ الْقَوْم لَيْسُوا إخْوَتك بل يكونَانِ فِي
مَوضِع نصب على الْحَال
(2/284)
وَإِذا وصف بهما رفعا ضمير الْمَوْصُوف
المطابق لَهُ فيبرز نَحْو مَا جَاءَتْنِي امْرَأَة لَيست أَو لَا تكون
فُلَانَة وَمَا جَاءَنِي رجال لَيْسُوا زيدا أَو نسَاء لسن الهندات
قَالَ السيرافي أَجَازُوا الْوَصْف بليس وَلَا يكون لِأَنَّهُمَا نَص
فِي النَّفْي عَن الثَّانِي وَهُوَ معنى الِاسْتِثْنَاء وَلَيْسَ ذَلِك
فِي عدا وخلا إِلَّا بالتضمن فَلم يُوصف بهما لِأَنَّهُمَا ليسَا موضعي
جحد فَلَا يُقَال مَا أَتَتْنِي امْرَأَة عدت هندا أَو خلت دعدا
لَا سِيمَا
(ص) وَبلا سِيمَا عِنْد الْأَخْفَش وَأبي حَاتِم والنحاس وَالأَصَح
لَيْسَ مَا بعْدهَا مستثني بل مُنَبّه على أولويته بِمَا نسب لما قبله
وَقَالَ خطاب مسكوت عَنهُ و (سي) اسْم لَا وَقيل حَال وَقيل (لَا)
زَائِدَة وَأَصله سوى وتخفف ياؤها خلافًا لِابْنِ عُصْفُور وتسكن
فالمحذوف اللَّام أَو الْعين قَولَانِ فَإِن تَلَاهَا معرفَة جر
بِالْإِضَافَة و (مَا) زَائِدَة يجوز حذفهَا خلافًا للخضراوي أَو رفع
خبر مَحْذُوف و (مَا) مَوْصُولَة أَو مَوْصُوفَة أَو نكرَة جَازَ النصب
تمييزا ل (مَا) نكرَة تَامَّة وَقيل ظرفا أَو صلَة لَهَا وَقيل هِيَ
كَافَّة وَقَالَ دريود يخْتَص الْجَرّ بِالتَّخْفِيفِ وَالرَّفْع
بالتثقيل وَقد يَليهَا ظرف وَفعل وَشرط ف (مَا) كَافَّة وَفِي وجوب
الْوَاو قبل (لَا) خلف وَيُقَال لَا تيما وتا سِيمَا (ش) عد
الْكُوفِيُّونَ وَجَمَاعَة من الْبَصرِيين كالأخفش وَأبي حَاتِم
والفارسي والنحاس وَابْن مضاء من أدوات الِاسْتِثْنَاء (لَا سِيمَا)
وَوَجهه أَنَّك إِذا قلت قَامَ الْقَوْم لَا سِيمَا زيد فقد خالفهم زيد
فِي أَنه أولى بِالْقيامِ مِنْهُم فَهُوَ مخالفهم فِي الحكم الَّذِي
ثَبت لَهُم بطرِيق الْأَوْلَوِيَّة قَالَ الخضراوي لما كَانَ مَا
بعْدهَا بَعْضًا مِمَّا قبلهَا وخارجا عَنهُ بِمَعْنى الزِّيَادَة
كَانَ اسْتثِْنَاء من الأول لِأَنَّهُ خرج عَنهُ بِوَجْه لم يكن لَهُ
وَأقرب مَا يشبه بِهِ قَوْله:
(2/285)
919 -
(فَتًى كَمُلَتْ خيراتُهُ غَيْرَ أَنه ... جَوادٌ فَمَا يُبْقِي من
المَال بَاقِيا)
لِأَن كَونه (جوادا) خير لَكِن زَاد فِي هَذَا الْخَيْر على غَيره
بِمَا هُوَ خير وَالصَّحِيح أَنَّهَا لَا تعد من أدوات الِاسْتِثْنَاء
لِأَنَّهُ مشارك لَهُم فِي الْقيام وَلَيْسَ تَأْكِيد الْقيام فِي حَقه
يُخرجهُ عَن أَن يكون قَائِما وَمِمَّا يبطل ذَلِك دُخُول الْوَاو
عَلَيْهَا وَعدم صَلَاحِية إِلَّا مَكَانهَا بِخِلَاف سَائِر الأدوات
فالمذكور بعْدهَا لَيْسَ مستثني بل مُنَبّه على أولويته بالحكم
الْمَنْسُوب لما قبلهَا فَإِن تَلَاهَا معرفَة مجرور نَحْو لَا سِيمَا
زيد فبالإضافة و (مَا) زَائِدَة وَزِيَادَة (مَا) بَين المضافين مسموعة
وَيجوز حذفهَا نَحْو لَا سي زيد نَص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ وَزعم ابْن
هِشَام الخضراوي أَنَّهَا زَائِدَة لَازِمَة لَا تحذف وَلَيْسَ كَمَا
قَالَ أَو مَرْفُوع نَحْو لَا سِيمَا زيد فخبر مُبْتَدأ مَحْذُوف و
(مَا) مَوْصُولَة بِمَعْنى الَّذِي مجرورة بِإِضَافَة (سي) إِلَيْهَا
وَالْجُمْلَة صلَة وَالتَّقْدِير لَا سي الَّذِي هُوَ زيد وَأَجَازَ
ابْن خروف أَن تكون (مَا) نكرَة مَوْصُوفَة وَالْجُمْلَة صفة وَإِن
تَلَاهَا نكرَة جَازَ فِيهَا الْأَمْرَانِ وثالث وَهُوَ النصب وَقد
رُوِيَ بالأوجه الثَّلَاثَة قَوْله: 920 -
(وَلَا سيّما يَوْم بدَارةِ جُلْجُل ... )
وَاخْتلف فِي وَجه النصب فَقيل إِنَّه على التَّمْيِيز و (مَا) نكرَة
تَامَّة غير مَوْصُوفَة فِي مَوضِع خفض بِالْإِضَافَة والمنصوب
تَفْسِير لَهَا أَي وَلَا مثل شَيْء يَوْمًا
(2/286)
وَقيل إِنَّه على الظّرْف و (مَا) بمعني
الَّذِي وَهُوَ صلَة لَهَا أَي وَلَا مثل الَّذِي اتّفق يَوْمًا فَحذف
للْعلم كَمَا قَالُوا رَأَيْت الَّذِي أمس أَي الَّذِي وَقع وَاتفقَ
وَقيل إِن (مَا) حرف كَاف ل (سي) عَن الْإِضَافَة والمنصوب تَمْيِيز
مثل قَوْلهم (على التمرة مثلهَا زيدا) وَاسْتَحْسنهُ ابْن مَالك
والشلوبين وَقيل إِنَّهَا كَافَّة وَهُوَ ظرف قَالَه ابْن الصَّائِغ
أَي وَلَا مثل مَا كَانَ لَك فِي يَوْم وَقد يَليهَا ظرف كَقَوْلِه:
921 -
(يَسُرُّ الكريمَ الحمدُ لَا سِيمَا لَدَى ... شَهَادة مَنْ فِي
خَيْرِهِ يَتَقَلّبُ)
وَتقول يُعجبنِي الِاعْتِكَاف وَلَا سِيمَا عِنْد الْكَعْبَة وَلَا
سِيمَا إِذا قرب الصُّبْح وَفعل كَقَوْلِه: 922 -
(فُق النّاسَ فِي الْخَيْر لَا سِيَّما ... يُنيلك من ذِي الجَلال
الرِّضا)
وَشرط كَقَوْلِه: 923 -
(أرى النّيْك يجلو الهمّ والغَمّ والعمى ... وَلَا سيمّا إِن نِكْت
بالمَرَس الضّخم)
وَمن أَحْكَام (لَا سِيمَا) أَنه لَا يَجِيء بعْدهَا الْجُمْلَة
بِالْوَاو وَقَالَ أَبُو حَيَّان ولحن من المصنفين من قَالَ لَا سِيمَا
وَالْأَمر كَذَا وَلَا تحذف (لَا) من لَا سِيمَا لِأَنَّهُ لم يسمع
إِلَّا فِي كَلَام المولدين كَقَوْلِه: 924 -
(سِيمّا من حَالَتْ الأحراس من دون مُناه ... )
(2/287)
وَذكر ثَعْلَب أَنه يجب اقتران (لَا)
بِالْوَاو كالبيت السَّابِق وَجوز غَيره حذفهَا كَقَوْلِه: 925 -
(فِهْ بِالْعُقُودِ والأيْمان لَا سِيَمَا ... عقدٌ وفاءٌ بِهِ من أعظم
القُرَبِ)
وَالْجُمْهُور على أَن (سي) اسْم لَا التبرئة وفتحته بِنَاء كهي فِي
لَا رجل وَقَالَ الْفَارِسِي إِنَّه مَنْصُوب على الْحَال من
الْجُمْلَة السَّابِقَة ورد بِوُجُوب تكْرَار (لَا) حِينَئِذٍ وبمنع
الْوَاو إِذْ لَا يُقَال جَاءَ زيد وَلَا ضَاحِكا وَحكى فِي (البديع)
عَن بَعضهم أَن (لَا) فِي لَا سِيمَا زَائِدَة قَالَ أَبُو حَيَّان
وَهُوَ غَرِيب وأصل سي (سوى) فعينه وَاو سَاكِنة قلبت يَاء لسكونها
وأدغمت فِي الْيَاء وَقد سمع تَخْفيف الْيَاء من (لَا سِيمَا) حَكَاهُ
الْأَخْفَش وَابْن الْأَعرَابِي وَآخَرُونَ وَمِنْه الْبَيْت السَّابِق
وَمنعه ابْن عُصْفُور حذرا من بَقَاء الِاسْم المعرب على حرفين وَإِذا
خففت فَقَالَ ابْن جني الْمَحْذُوف لَام الْكَلِمَة وانفتحت الْيَاء
بإلقاء حَرَكَة اللَّام عَلَيْهَا وَقَالَ أَبُو حَيَّان الأولى
عِنْدِي أَن يكون الْمَحْذُوف الْعين وَإِن كَانَ أقل من حذف اللَّام
وقوفا مَعَ الظَّاهِر لِأَنَّهُ لَو كَانَ الْمَحْذُوف اللَّام لردت
الْعين واوا لزوَال الْمُوجب لقلبها فَكَانَ يُقَال لَا سوما وَقد
أبدلت الْعَرَب سين (سِيمَا) تَاء فَقَالُوا (لَا تيما) كَمَا قَالُوا
فِي النَّاس النات وَقُرِئَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّات} [النَّاس:
1] وأبدلت أَيْضا (لَا) تَاء فَقَالُوا (تا سِيمَا) كَمَا قَالُوا
قَامَ زيد تا بل عَمْرو أَي لَا بل عَمْرو
(2/288)
مَا ألحق بِلَا سِيمَا
(ص) وَألْحق بِهِ (لَا مثل مَا) و (لَا سوا مَا) و (لَا تَرَ مَا) و
(لَو تَرَ مَا) لَكِن لَا يجر تلو هذَيْن (ش) حكى ابْن الْأَعرَابِي
فِي نوادره وَأَبُو الْحسن النساي (لَا مثل مَا) بِمَعْنى لَا سِيمَا
وَأَنه يرفع مَا بعده ويجر كَمَا بعد لَا سِيمَا وَفِي (التسهيل) أَن
(لَا سوا مَا) كَذَلِك فَيُقَال قَامَ الْقَوْم لَا سوا مَا زيد قَالَ
أَبُو حَيَّان وإطلاقه يدل على جَوَاز الرّفْع والجر بعده أَيْضا
وَقَالَ النَّسَائِيّ (لَا تَرَ مَا) و (لَا سِيمَا) و (لَا مثل مَا)
بِمَعْنى وَاحِد وَذكر ابْن الْأَعرَابِي لَو تَرَ مَا بمعني لَا
سِيمَا قَالَ إِلَّا انه لَا يكن بعْدهَا إِلَّا الرّفْع وَكَذَا قَالَ
الآخر وَوَجهه أَن (تَرَ) فعل فَلَا يُمكن أَن تكون (مَا) بعْدهَا
زَائِدَة وينجر تَالِيهَا بِالْإِضَافَة لِأَن الْفِعْل لَا يُضَاف
فَتعين أَن تكون مَوْصُولَة وَهِي مفعول (تَرَ) وَزيد خبر مَحْذُوف و
(تَرَ) بعد (لَا) مجزوم بهَا وَهِي ناهية وَالتَّقْدِير فِي قَامَ
الْقَوْم لَا تَرَ مَا زيد لَا تبصر أَيهَا الْمُخَاطب الشَّخْص
الَّذِي هُوَ زيد فَإِنَّهُ فِي الْقيام أولى بِهِ مِنْهُم أَو غير
مجزوم وَلَا نَافِيَة وحذفت أَلفه شذوذا أَو للتركيب وَكَذَا بعد (لَو)
وَالتَّقْدِير لَو تبصر الَّذِي هُوَ زيد لرأيته أولى بِالْقيامِ
مِنْهُم قَالَه أَبُو حَيَّان
بله
(ص) وبله أثْبته أهل بَغْدَاد والكوفية وَسمع جر تَالِيهَا فَقيل ك
(غير) مُنْقَطِعًا وَقيل مصدر مُضَاف وَقيل حرف جر ونصبه مَفْعُولا
وَهِي مصدر أَو
(2/289)
اسْم فعل وَرَفعه مُبْتَدأ وَهِي ك (كَيفَ)
وهاؤه تفتح وتكسر وَيُقَال بَهَل وبَهْل (ش) عد الْكُوفِيُّونَ
والبغداديون من أَلْفَاظ الِاسْتِثْنَاء (بله) وَهِي بِمَعْنى (لَا
سِيمَا) نَحْو أكرمت العبيد بله الْأَحْرَار عَليّ معنى أَن إكرام
الْأَحْرَار يزِيد على إكرام العبيد وَأنكر ذَلِك البصريون لِأَن
إِلَّا لَا تقع مَكَانهَا وَلِأَن مَا بعْدهَا لَا يكون إِلَّا من جنس
مَا قبلهَا وَلِأَن حرف الْعَطف يجوز دُخُوله عَلَيْهَا قَالَ ابْن
الصَّائِغ وَلَو صَحَّ دُخُول (لَا سِيمَا) و (بله) فِي أدوات
الِاسْتِثْنَاء لدخلت فِيهَا (حتي) لِأَن مَا بعْدهَا يخْتَص بِصفة لم
تثبت لما قبلهَا والجر لما بعْدهَا مجمع على سَمَاعه وَأَجَازَ
الْكُوفِيُّونَ فِيهِ النصب وَأنْكرهُ أَكثر الْبَصرِيين وهم محجوجون
بِالسَّمَاعِ قَالَ جرير 926 -
(وَهَلَ كُنت يَا ابْنَ القَيْن فِي الدّهر مالِكاً ... بِغَيْر بعير
بَلْهَ مُهْريَّةً نُخُبا)
قَالَ قُطْرُب وَرُوِيَ بِرَفْع مَا بعْدهَا على أَنَّهَا بِمَعْنى
(كَيفَ) وَقد رُوِيَ بِالْجَرِّ وَالنّصب وَالرَّفْع قَوْله 927 -
(تَذَرُ الجماجمَ ضاحياً هاماتُها ... بَلْه الأكُفّ كأنّها لم
تُخْلَق)
وَإِذا جرت فَقَالَ بعض الْكُوفِيّين هِيَ اسْم بِمَعْنى (غير) والجر
بإضافتها فَيكون اسْتثِْنَاء مُنْقَطِعًا
(2/290)
وَقَالَ الْفَارِسِي هِيَ مصدر لم ينْطق
لَهُ بِفعل مُضَاف إِلَى مَا بعده وَهِي إِضَافَة نصب وَقَالَ
الْأَخْفَش هِيَ حرف جر وَإِذا نصبت فالمنصوب مفعول و (بله) مصدر وضع
مَوضِع الْفِعْل بِمَعْنى تركا أَو اسْم فعل بِمَعْنى دع وَإِذا رفعت
فمبتدأ وبله الْخَبَر وَفِي هائها لُغَتَانِ الْفَتْح بِنَاء
وَالْكَسْر على أصل التقاء الساكنين إِلَّا على المصدرية فالفتح
إِعْرَاب وَقَالَت الْعَرَب فِي بله بهل بِفَتْح الْهَاء وسكونها
لمّا
(ص) وبلما بِمَعْنى إِلَّا قَلِيلا نَحْو {إِن كل نفس
لما عَلَيْهَا حَافظ} [الطارق: 4]
وَأنْكرهُ الْجَوْهَرِي وقاسه الزجاجي وَتوقف أَبُو حَيَّان وَتقدم
اسْتثِْنَاء سوى وَدون (ش) قَالَ أَبُو حَيَّان تكون (لما) بِمَعْنى
إِلَّا وَهِي قَليلَة الدّور فِي كَلَام الْعَرَب وَيَنْبَغِي أَلا
يَتَّسِع فِيهَا بل يقْتَصر على التَّرْكِيب الَّذِي وَقع فِي كَلَام
الْعَرَب نَحْو قَوْله تَعَالَى {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ}
[الطارق: 4] {وَإِن كل لما جَمِيع لدينا محضرون} [يس: 32] فِي قِرَاءَة
من شدد الْمِيم ف (إِن) نَافِيَة وَلما بِمَعْنى إِلَّا وَمِمَّنْ حكى
أَن (لما) بِمَعْنى (إِلَّا) الْخَلِيل وسيبويه وَالْكسَائِيّ
(2/291)
وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود: {وَمَا مِنَّا
لمّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات: 164] أَي إِلَّا لَهُ
وَقَالُوا نشدتك الله لما فعلت كَذَا وعمرك الله لما فعلت كَذَا وعزك
الله وقعدك الله لما فعلت كَذَا وَلما مَعَ هَذِه بِمَعْنى إِلَّا وَقد
يحذف نشدتك الله أَو سَأَلتك وَمَا أشبهه فَيُقَال بِاللَّه لما صنعت
كَذَا أَي سَأَلتك أَو نشدتك بِاللَّه إِلَّا صنعت قَالَ الشَّاعِر:
928 -
(قالتْ لَهُ بِاللَّه يَا ذَا البُرْدَيْنْ ... لمّا غَنِثْتَ نَفساً
أَو اثْنَيْنْ)
فَهَذِهِ التراكيب وَنَحْوهَا من المسموع يَنْبَغِي أَن يعْتَمد فِي
مَجِيء لما بِمَعْنى إِلَّا وَزعم الزجاجي أَنه يُقَال لم يَأْتِ من
الْقَوْم لما أَخُوك وَلم أر من الْقَوْم لما زيدا بِمَعْنى إِلَّا
أَخُوك وَإِلَّا زيدا قَالَ أَبُو حَيَّان وَيَنْبَغِي أَن يتَوَقَّف
فِي إجَازَة هَذِه التراكيب وَنَحْوهَا حَتَّى يثبت سماعهَا أَو سَماع
نظائرها من لِسَان الْعَرَب وَزعم الْجَوْهَرِي أَن لما بِمَعْنى
إِلَّا غير مَعْرُوف فِي اللُّغَة وَبَقِي من أدوات الِاسْتِثْنَاء
(سوى) وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا فِي الظروف وَكَذَا (دون) عِنْد
من يرى الِاسْتِثْنَاء بهَا
(2/292)
الْحَال
(ص) الْحَال هُوَ فضلَة دَالَّة على هَيْئَة صَاحبه ونصبه نصب
الْمَفْعُول بِهِ أَو الْمُشبه بِهِ أَو الظّرْف أَقْوَال ويغلب
انْتِقَاله إِلَّا فِي مُؤَكدَة وَقيل يشْتَرط لُزُومهَا وانتقال
غَيرهَا واشتقاقه ويغني وَصفه أَو تَقْدِير مُضَاف قبله أَو دلَالَته
على سعر أَو مفاعلة نَحْو كَلمته فَاه إِلَى فِي وَهل هُوَ مصدر سد عَن
الْحَال أَو تقدر (من) أَو جاعلا أَو حذف أَو نَاب أَقْوَال وَلَا
يُقَاس خلافًا لهشام وَسمع رَفعه وَلَا يقدم الْمَجْرُور وَجوزهُ
الكوفية رفعا وَيُؤَخر الْعَامِل على الْأَصَح أَو على تَرْتِيب كعلمته
الْحساب بَابا بَابا وَنصب الثَّانِي قَالَ الْفَارِسِي بِالْأولِ
وَابْن جني صفة لَهُ والزجاج تَأْكِيد وَأَبُو حَيَّان منصوبان بالعامل
لِأَن مجموعهما الْحَال وَالْمُخْتَار عطف بفاء بمحذوفة لظهورها فِي
(لتتبعن سنَن من قبلكُمْ باعا فباعا) أَو على أصل أَو فرع أَو نوع أَو
تَشْبِيه أَو تَقْسِيم أَو تَفْضِيل على نَفسه أَو غَيره (ش) الْحَال
يذكر وَيُؤَنث وَهُوَ فضلَة دَال عل هَيْئَة صَاحبه نَحْو جَاءَ زيد
ضَاحِكا ف (ضَاحِكا) فضلَة دَال على الْهَيْئَة الَّتِي جَاءَ
عَلَيْهَا زيد
(2/293)
وَخرج بالفضلة الْعُمْدَة نَحْو زيد ضَاحِك
وبدال على هَيْئَة سَائِر المنصوبات إِلَّا الْمصدر النوعي وبصاحبه
نَحْو رجعت الْقَهْقَرِي فَإِنَّهُ يدل على هَيْئَة الرُّجُوع لَا على
هَيْئَة الصاحب وَلَا يقْدَح فِي جعله فضلَة عدم الِاسْتِغْنَاء عَنهُ
فِي بعض الْمَوَاضِع نَحْو {وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ بطشتم
جَبَّارِينَ} [الشُّعَرَاء: 130] لِأَنَّهُ عَارض كَمَا لَا يقْدَح فِي
الْعُمْدَة عرُوض الِاسْتِغْنَاء عَنهُ وَاخْتلفُوا من أَي بَاب نصب
الْحَال فَقيل نصب الْمَفْعُول بِهِ وَقيل نصب الشبيه بالمفعول بِهِ
وَهُوَ الْأَرْجَح وَقيل نصب الظروف لِأَن الْحَال يَقع فِيهِ الْفِعْل
إِذْ الْمَجِيء فِي وَقت الضحك أَو الْإِسْرَاع مثلا فَأَشْبَهت ظرف
الزَّمَان ورد بِأَن الظّرْف أَجْنَبِي من الِاسْم وَالْحَال هِيَ
الِاسْم الأول وَالْغَالِب فِي الْحَال المبينة أَن تكون منتقلة أَي
وَصفا غير لَازم وَقد تكون ثَابِتَة نَحْو {أنزل إِلَيْكُم الْكتاب
مفصلا} [الْأَنْعَام: 114] {قَائِما بِالْقِسْطِ} [آل عمرَان: 18] {خلق
الله الزرافة يَديهَا أطول من رِجْلَيْهَا} ولد زيد قَصِيرا خلق أشهل
أما الْمُؤَكّدَة فَلَا يغلب فِيهَا الِانْتِقَال بل هُوَ الثُّبُوت
فِيهَا كثيران نَحْو {وَهُوَ الحَقُّ مُصَدِّقاً} [الْبَقَرَة: 91]
{وَأَن هَذَا صِراطي مُسْتَقِيمًا} الْأَنْعَام: 153 {وَلَا تعثوا فس
الأَرْض مفسدين} الْبَقَرَة: 60 {وَيَوْم يبْعَث حَيا} مَرْيَم: 15
{فَتَبَسَّمَ ضَاحِكا من قَوْلهَا} النَّمْل 19 وَقيل لَا تكون المبنية
إِلَّا منتقلة وَمَا ورد من الثَّابِت كالأمثلة السَّابِقَة مَحْمُول
على الْمُؤَكّدَة لِأَنَّهُ فِي حكم الْمَعْلُوم وَقيل لَا تكون
الْمُؤَكّدَة إِلَّا غير منتقلة وَالْغَالِب فِي الْحَال أَن تكون
وَصفا مشتقا إِمَّا من الْمصدر كاسم الْفَاعِل أَو الْمَفْعُول أَو من
الِاسْم غير الْمصدر كأظفر من الظفر ومستحجر من الْحجر ومستنسر من
النسْر ويغني عَن الِاشْتِقَاق أُمُور أَحدهَا وَصفه نَحْو
(فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيًّا [مَرْيَم: 17]
(2/294)
الثَّانِي تَقْدِير مُضَاف قبله
كَقَوْلِهِم (وَقع المصطرعان عدلي عير) أَي مثل عدلي الثَّالِث دلَالَة
على سعر نَحْو بِعْت الشياه شَاة بدرهم وَالْبر قَفِيزا بدرهم
وَالدَّار ذِرَاعا بدرهم أَي مسعرا الرَّابِع دلَالَته على مفاعلة
نَحْو كَلمته فَاه إِلَى فِي أَي مشافهة وبعته يدا بيد أَي مناجزة
ورأسا بِرَأْس أَي مماثلة وَقد اخْتلف فِي أَعْرَاب كَلمته فَاه إِلَى
فِي فمذهب سِيبَوَيْهٍ مَا ذكر أَنه حَال على انه اسْم وضع مَوضِع
الْمصدر أَي مشافهة الْمَوْضُوع الْحَال أَي مشافها وَتعقب بِأَن
الِاسْم الَّذِي تنقل الْعَرَب إِلَى الْمصدر لابد أَن يكون نكرَة
كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ ولابد أَن يكون لَهُ مصدر من لَفظه كالدهن
وَالعطَاء وفاه إِلَى فِي لَيْسَ كَذَلِك وَمذهب الْأَخْفَش أَن أَصله
من فِيهِ إِلَى فِي حذف الْجَار فنصب كَقَوْلِه {وَلَا تعزموا عقدَة
النِّكَاح} [الْبَقَرَة: 235] أَي على عقدَة وَتعقب بِأَنَّهُ لَا
يعْهَد حذف الْجَرّ مُلْتَزما وَبِأَن مبدأ غَايَة الْمُتَكَلّم فَمه
لَا فَم المكلم وَلَو كَانَ معنى (من) مَقْصُودا لقيل من فِي إِلَى
فِيهِ إِذا أظهرت وَفِي إِلَى فِيهِ إِذا قدرت وَقد ورد فِي الحَدِيث
(أَقْرَأَنيهَا رسولُ الله
فاهُ إِلَى فِيّ) ومبدأ الإقراء من فَم النَّبِي
على مَا هُوَ الظَّاهِر فِي الْغَايَة على أَن الْفَارِسِي أجَاب عَنهُ
فِي الْمِثَال الشهير بِأَنَّهُ من المفاعلة فَلَمَّا تضمن كَلمته معنى
كلمني وكلمته صَحَّ ذَلِك لِأَن كلمني (من فِيهِ) صَحِيح أَي لَا
(2/295)
بِوَاسِطَة وَلَا بِكِتَابَة وَالْعرب إِذا
ضمنت شَيْئا معنى شَيْء علقت بِهِ مَا يتَعَلَّق بذلك الشَّيْء وَمذهب
الْكُوفِيّين أَن أَصله كَلمته جاعلا فَاه إِلَى (فِي) فَهُوَ مفعول
بِهِ وَمذهب الْفَارِسِي أَنه حَال نائبة مناب (جاعلا) ثمَّ حذف
وَصَارَ الْعَامِل فِيهَا (كَلمته) وَلَا يُقَاس على هَذَا التَّرْكِيب
بل يقْتَصر فِيهِ على مورد السماع فَلَا يُقَال كَلمته وَجهه إِلَى
وَجْهي وَلَا عينه إِلَى عَيْني وَأَجَازَ هِشَام الْقيَاس عَلَيْهِ
فَأجَاز مَاشِيَته قدمه إِلَى قدمي وكافحته وَجهه إِلَى وَجْهي وصارعته
جبهتة على جبهتي وجاورته بَيته إِلَى بَيْتِي وناضلته قوسه عَن قوسي
وَنَحْو ذَلِك ورد بِأَن فِيهِ إِيقَاع جامد موقع مُشْتَقّ وَمَعْرِفَة
موقع نكرَة ومركب مَوضِع مُفْرد وبأقل من هَذَا الشذوذ يمْتَنع
الْقيَاس وَسمع كلمني زيد فوه إِلَى فِي بِالرَّفْع على أَنَّهَا جملَة
حَالية وَلَا يجوز تَقْدِيم (إِلَى فِي) على (فَاه) نصب أَو رفع عِنْد
الْبَصرِيين لِأَن الْجَار للتبيين ك (لَك) بعد (سقيا) وَهُوَ لَا يقدم
وَجوز الكوفية تَقْدِيمه إِذا رفع وَيجوز تَقْدِيم كليهمَا وَتَأْخِير
الْعَامِل فَيُقَال فَاه إِلَى فِي كلمت زيدا عِنْد سِيبَوَيْهٍ
وَأكْثر الْبَصرِيين لتصرف الْعَامِل وَاتفقَ الْكُوفِيُّونَ على مَنعه
وتبعهم بعض الْبَصرِيين وعزي لسيبويه أَيْضا لِأَنَّهَا حَال متأولة لم
تقو قُوَّة غَيرهَا وَلم يسمع فِيهَا تَقْدِيم وَلَو قيل فوه إِلَى فِي
كلمني زيد لم يجز أَيْضا عِنْد الْكُوفِيّين قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا
أحفظ عَن الْبَصرِيين نصا فِي ذَلِك وَالْقِيَاس يَقْتَضِي الْجَوَاز
الْخَامِس دلَالَته على تَرْتِيب نَحْو ادخُلُوا رجلا رجلا أَي مرتبين
وَاحِدًا بعد وَاحِد وعلمته الْحساب بَابا بَابا أَي مفصلا أَو مصنفا
وَفِي نصب الثَّانِي من المكرر خلاف ذهب الْفَارِسِي إِلَى أَن الأول
لما وَقع موقع الْحَال جَازَ أَن يعْمل فِي الثَّانِي وَذهب ابْن جني
إِلَى أَنه فِي مَوضِع الصّفة للْأولِ وَتَقْدِيره بَابا ذَا بَاب حذف
(2/296)
(ذَا) وأقيم الثَّانِي مقَامه فَجرى
عَلَيْهِ جَرَيَان الأول كَمَا تَقول زيد عَمْرو أَي مثل عَمْرو وَقيل
هُوَ صفة بِلَا تَقْدِير لِأَن التَّفْصِيل لَا يفهم بِالْأولِ وَحده
وَقَالَ الزّجاج الثَّانِي تَأْكِيد للْأولِ قيل وَهُوَ أولى لِأَن
التّكْرَار للتَّأْكِيد ثَابت من كَلَامهم وَأما التكرير للتفصيل فَلم
يثبت فِي مَوضِع وتُعقب بِأَنَّهُ لَو كَانَ تَأْكِيد لَأَدَّى مَا
أدّى الأول وَقَالَ أَبُو حَيَّان الَّذِي أختاره أَن كليهمَا مَنْصُوب
بالعامل السَّابِق لِأَن مجموعهما هُوَ الْحَال لَا أَحدهمَا وَمَتى
اخْتلف بالوصفية أَو غَيرهَا لم يكن لَهُ مدْخل فِي الحالية إِذْ
الحالية مستفادة مِنْهُمَا فصارا يعطيان معنى الْمُفْرد فأعطيا إعرابه
وَهُوَ النّصْف وَنَظِير ذَلِك قَوْلهم هَذَا حُلْو حامض وَكِلَاهُمَا
مَرْفُوع على الخبرية وَإِنَّمَا حصل الْخَبَر بمجموعهما فَلَمَّا نَاب
مناب الْمُفْرد الَّذِي هُوَ (مز) أعربا إعرابه قَالَ وَلَو ذهب ذَاهِب
إِلَى أَن النصب إِنَّمَا هُوَ بالْعَطْف على تَقْدِير حذف الْفَاء أَي
رجلا فرجلا وبابا فبابا لَكَانَ وَجها حسنا عَارِيا عَن التَّكَلُّف
لِأَن المعني ادخُلُوا رجلا بعد رجل وعلمته الْحساب بَابا بعد بَاب قلت
وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار عِنْدِي لظهورهما فِي بعض التراكيب كَحَدِيث:
(لتتبعن سنَن من قبلكُمْ باعا فباعا) قَالَ أَبُو حَيَّان والتكرار فِي
مثل هَذَا لَا يدل على أَنه أُرِيد بِهِ شبع الْوَاحِد بل
الِاسْتِغْرَاق لجَمِيع الرِّجَال والأبواب وَنَحْو ذَلِك السَّادِس
دلَالَته على أصاله الشَّيْء نَحْو: {أأسجد لمن خلقت طينا}
[الْإِسْرَاء: 61] وَهَذَا خاتمك حديدا وَهَذَا جبتك خَزًّا السَّابِع
دلَالَته على فرعيته نَحْو هَذَا حديدك خَاتمًا الثَّامِن دلَالَته على
نوعيته نَحْو هَذَا مَالك ذَهَبا التَّاسِع دلَالَته على تَشْبِيه
نَحْو كرّ زيد أسدا أَي مشبها أسدا الْعَاشِر دلَالَته على تَقْسِيم
نَحْو أقسم المَال عَلَيْهِم أَثلَاثًا أَو أَخْمَاسًا
(2/297)
الْحَادِي عشر دلَالَته على تَفْضِيل باعتبارين نَحْو هَذَا بسراً أطيب
مِنْهُ رطبا الثَّانِي عشر دلَالَته على تَفْضِيل على غَيره ذكره ابْن
مَالك فِي (كافيته) نَحْو أَحْمد طفْلا أجل من على كهلا |