همع الهوامع في شرح جمع الجوامع وُرُود الْحَال مصدرا
(ص) وَورد مصدرا فَأول بِوَصْف وَقيل بِحَذْف مُضَاف وَقيل مفعول مُطلق
لما قبله وَقيل لمقدر هُوَ الْحَال وَلَا يُقَاس وَلَو نوع الْفِعْل
فِي الْأَصَح نَحْو أَنْت الرجل علما وَزُهَيْر شعرًا وَالْمُخْتَار
أَنَّهُمَا تمييزان وَأما علما فعالم وَالْمُخْتَار مفعول بِهِ وَقيل
مطاق وَرَفعه لُغَة فَإِن عرف فراجح وَالنّصب مفعول لَهُ أَو بِهِ أَو
مُطلق أَقْوَال وَلَا يَقع (أَن) أَو (أَن) وَالْفِعْل حَالا خلافًا
لِابْنِ جني (ش) ورد الْحَال مصدرا بِكَثْرَة قَالَ أَبُو حَيَّان
وَهُوَ أَكثر من وُرُوده نعتا فَمِنْهُ {ادعهن يأتينك سعيا وَاعْلَم}
[الْبَقَرَة: 260] {يُنْفقُونَ أَمْوَالهم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار سرا
وَعَلَانِيَة} [الْبَقَرَة: 274] {وادعوه خوفًا وَطَمَعًا}
[الْأَعْرَاف: 56] {إِنِّي دعوتهم جهارا} [نوح: 8] وَقَالُوا قتلته
صبرا وأتيته ركضا ومشيا وعدوا ولقيته فَجْأَة وكفاحا وعيانا وكلمته
مشافهة وطلع بَغْتَة وَأخذت ذَلِك عَنهُ سَمَاعا فَاخْتلف النحويون فِي
تَخْرِيج هَذِه الْكَلم وَمَا أشبههَا من المسموع فَذهب سِيبَوَيْهٍ
وَجُمْهُور الْبَصرِيين إِلَى أَنَّهَا مصَادر فِي مَوضِع الْحَال
مؤولة بالمشتق أَي ساعيا وراكضا ومفاجئا ومسرا ومعلنا وخائفين وطائعين
ومجاهرا ومصبورا وَكَذَا الْبَاقِي وَقَالَ بَعضهم هِيَ مصَادر على حذف
مُضَاف أَي إتْيَان ركض وسير عَدو ولقاء فَجْأَة وَقيل هِيَ أَحْوَال
على حذف مُضَاف أَي ذَا سعي وَذَا فَجْأَة
(2/298)
وَقيل هِيَ مفاعيل مُطلقَة للأفعال
السَّابِقَة نوعية وَعَلِيهِ الْكُوفِيُّونَ وَقيل هِيَ مفاعيل مُطلقَة
لفعل مُقَدّر من لَفظهَا وَذَلِكَ الْفِعْل هُوَ الْحَال أَي أتيت أركض
ركضا وَعَلِيهِ الْأَخْفَش والمبرد وَأجْمع البصريون والكوفيون على
أَنه لَا يسْتَعْمل من ذَلِك إِلَّا مَا استعملته الْعَرَب وَلَا
يُقَاس عَلَيْهِ غَيره فَلَا يُقَال جَاءَ زيد بكاء وَلَا ضحك زيد
اتكاء وشذ الْمبرد فَقَالَ يجوز الْقيَاس وَاخْتلف النَّقْل عَنهُ
فَنقل عَنهُ قوم أَنه أجَاز ذَلِك مُطلقًا وَنقل عَنهُ آخَرُونَ أَنه
أجَازه فِيمَا هُوَ نوع الْفِعْل نَحْو أَتَيْته سرعَة وَيسْتَثْنى
ثَلَاثَة أَنْوَاع جوزوا الْقيَاس فِيهَا الأول مَا وَقع بعد خبر قرن
بأل الدَّالَّة على الْكَمَال نَحْو أَنْت الرجل علما أَي الْكَامِل
فِي حَال علم فَيُقَال أَنْت الرجل أدبا ونبلا وحلما قَالَ أَبُو
حَيَّان وَعِنْدِي أَن النصب فِي هَذَا على التَّمْيِيز كَأَنَّهُ
قَالَ أَنْت الْكَامِل من حَيْثُ الْعلم لِأَن إِطْلَاق الرجل بِمَعْنى
الْكَامِل مَعْرُوف وَالْأَصْل أَنْت الْكَامِل علمه الثَّانِي مَا
وَقع بعد خبر يشبه بِهِ مبتدؤه نَحْو أَنْت زُهَيْر شعرًا فَيُقَال
أَنْت حَاتِم جودا والأحنف حلما ويوسف حسنا قَالَ أَبُو حَيَّان
والتمييز فِيهِ أظهر أَيْضا وَقد نصوا على أَنه تَمْيِيز فِي قَوْلك:
زيد الْقَمَر حسنا وثوبك السلق خضرَة الثَّالِث مَا وَقع بعد أما نَحْو
أما علما فعالم وَالْأَصْل فِيهِ أَن رجلا وصف عِنْده شخص بِعلم
وَغَيره فَقَالَ الرجل للواصف أما علما فعالم يُرِيد مهما يذكر
إِنْسَان فِي حَال علم فَالَّذِي وصفت عَالم كَأَنَّهُ مُنكر مَا وَصفه
بِهِ من غير الْعلم فالناصب لهَذِهِ الْحَال هُوَ فعل الشَّرْط
الْمَحْذُوف وَصَاحب الْحَال هُوَ الْمَرْفُوع بِفعل الشَّرْط وَيُقَال
قِيَاسا عَلَيْهِ أما سمنا فسمين وَأما نبْلًا فنبيل وَذهب بَعضهم
إِلَى أَن نصب (عَالما) فِي هَذَا الْمِثَال على أَنه مفعول بِهِ ب فعل
الشَّرْط الْمُقدر فَيقدر مُتَعَدِّيا على حسب الْمَعْنى فَكَأَنَّهُ
قَالَ مهما تذكر علما فَالَّذِي وصف عَالم
(2/299)
وَهَذَا مَذْهَب الْكُوفِيّين وَاخْتَارَهُ
السيرافي وَابْن مَالك قَالَ لِأَنَّهُ لَا يخرج مِنْهُ شَيْء عَن
أَصله إِذْ الحكم عَلَيْهِ بالحالية فِيهِ إِخْرَاج الْمصدر عَن أَصله
وَوَضعه مَوضِع اسْم الْفَاعِل وَلِأَنَّهُ ورد فِيمَا لَيْسَ مصدرا
سمع أما قُريْشًا فَأَنا أفضلهَا وَأما العبيد فذو عبيد وَذهب
الْأَخْفَش إِلَى أَنه مفعول مُطلق مُؤَكد لناصبه وَهُوَ (عَالم)
الْمُؤخر وَالتَّقْدِير (مهما يكن من شَيْء فالمذكور عَالم علما)
فَلَزِمَ تَقْدِيمه كَمَا لزم تَقْدِيم الْمَفْعُول فِي {فَأَما
الْيَتِيم فَلَا تقهر} [الضُّحَى: 9] وَالْأَصْل مهما يكن من شَيْء
فاليتيم لَا تقهر وَرفع الْمصدر الْوَاقِع بعد أما جَائِز فِي لُغَة
تَمِيم أما علم فعالم مَعَ ترجيحهم النصب فَإِن وَقع بعد (أما) معرفَة
فالأرجح عِنْد المجازيين رَفعه وأوجبه بَنو تَمِيم نَحْو أما الْعلم
فعالم أَي فَهُوَ عَالم وَيجوز نَصبه أَيْضا فِي لُغَة الْحجاز وَوَجهه
سيبوبه بِأَن مفعول لَهُ لتعذر الْحَال بالتعريف والمصدر لِأَنَّهُ
مُؤَكد والمؤكد لَا يكون معرفَة وَذهب الْأَخْفَش إِلَى أَنه مفعول
مُطلق والكوفيون وَمن وافقهم إِلَى أَنه مفعول بِهِ كالقولين فِي
الْمُنكر وَمذهب سِيبَوَيْهٍ أَن أَن وَالْفِعْل وَإِن قدرت بمصدر لَا
يجوز أَن تقع حَالا لِأَن الْعَرَب أجرتهَا مجْرى المعارف فِي بَاب
الْإِخْبَار بكان وَلِأَن أَن للاستقبال والمستقبل لَا يكون حَالا
وأجازة ابْن جني وَخرج عَلَيْهِ قَوْله 929 -
(وَقَالُوا لَهَا لَا تُنكِحيه فإنّه ... لأوّل نَصْل أنْ يلاقِيَ
مَجْمعَا)
(2/300)
تنكير الْحَال
(ص) مَسْأَلَة يجب تنكيره وَثَالِثهَا لَا إِن كَانَ فِيهِ معنى
الشَّرْط وَورد بِاللَّامِ وَالْإِضَافَة وعلما فمؤول وَمِنْه الْعدَد
من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة مُضَافا لضمير سَابق وتجعله بَنو تَمِيم
توكيدا وَكَذَا مركبة فِي الْأَصَح وَالأَصَح أَن (وَحده) مَوضِع مصدر
حَال وَقيل مصدر بِحَذْف الزِّيَادَة وَقيل من (وحد) وَقيل لَا فعل
لَهُ وَقيل نصب ظرفا وَقيل بمضمر (ش) يجب فِي الْحَال التنكير
لِأَنَّهَا خبر فِي الْمَعْنى وَلِئَلَّا يتَوَهَّم كَونهَا نعتا عِنْد
نصب صَاحبهَا أَو خَفَاء إعرابها هَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور وَجوز
يُونُس والبغداديون تَعْرِيفهَا نَحْو جَاءَ زيد الرَّاكِب قِيَاسا على
الْخَبَر وعَلى مَا سمع من ذَلِك وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ إِذا كَانَ
فِي الْحَال معنى الشَّرْط جَازَ أَن يَأْتِي على صُورَة الْمعرفَة
وَهِي مَعَ ذَلِك نكرَة نَحْو عبد الله المحسن أفضل مِنْهُ الْمُسِيء
التَّقْدِير: إِذا أحسن أفضل مِنْهُ إِذا أَسَاءَ وَأَنت زيدا أشهر
مِنْك عمرا أَي إِذا سميت وَسمع لذُو الرمة ذَا الرمة أشهر مِنْهُ
غيلَان فَإِن لم يكن فِيهَا معنى الشَّرْط لم يجز أَن تَأتي معرفَة فِي
اللَّفْظ نَحْو جَاءَ زيد الرَّاكِب والأولون قَالُوا الْمَنْصُوب فِي
الأول بِتَقْدِير إِذا كَانَ وَفِي الآخرين بِفعل التَّسْمِيَة وَورد
عَن الْعَرَب أَحْوَال مقترنة بِاللَّامِ كَقَوْلِهِم مَرَرْت بهم
الْجَمَّاء الْغَفِير 930 -
(فأرسلها العراكَ ... )
(2/301)
وادخلوا الأول فَالْأول وَقُرِئَ {ليخرجن
الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل} [المُنَافِقُونَ: 8] وَهِي مؤولة على
زِيَادَة اللَّام وَورد أَيْضا أَحْوَال مُضَافَة نَحْو (تفَرقُوا
أيادي سبأ) فَأول بِتَقْدِير (مثل) أَو (تبددا لَا بَقَاء مَعَه)
وطلبته جهدي وطاقتي ووحدي فَأول بِتَقْدِير جاهدا ومطيقا ومنفردا وَرجع
عوده على بدئه أَي عَائِدًا وَمِنْه عِنْد الْحِجَازِيِّينَ الْعدَد من
ثَلَاثَة إِلَى عشرَة مُضَافا إِلَى ضمير مَا تقدم نَحْو مَرَرْت بهم
ثَلَاثَتهمْ أَو خمستهم أَو عشرتهم وتأويله عِنْد سِيبَوَيْهٍ أَنه فِي
مَوضِع مصدر وضع مَوضِع الْحَال أَي مثلثا أَو مخمسا لَهُم وَبَنُو
تَمِيم يتبعُون ذَلِك لما قبله فِي الْإِعْرَاب توكيدا فعلي هَذَا يقدر
ب (جَمِيعهم) وعَلى الأول ب (جَمِيعًا) وَهل يجْرِي ذَلِك فِي مركب
الْعدَد قيل لَا وَالصَّحِيح الْجَوَاز فَيُقَال جَاءَ الْقَوْم
خَمْسَة عشرهم والنسوة خَمْسَة عشرتهم بِالنّصب وَورد أَيْضا من
الْحَال مَا هُوَ علم قَالُوا جَاءَت الْخَيل بداد وبداد علم جنس فَأول
بمتبددة
(2/302)
وَفِي (وَحده) مَذَاهِب قَالَ سِيبَوَيْهٍ
والخليل هُوَ اسْم مَوْضُوع مَوضِع الْمصدر الْمَوْضُوع مَوضِع الْحَال
كَأَنَّهُ قَالَ إيحادا وإيحادا مَوضِع موحدا فِي الْمُتَعَدِّي
ومتوحدا فِي اللَّازِم وَقَالَ قوم إِنَّه مصدر على حذف حُرُوف
الزِّيَادَة من إِيجَاد وَاقع موقع الْحَال وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّه
مصدر لم يلفظ لَهُ بِفعل كالأخوة وَقيل إِنَّه مصدر بِلَا حذف
لِأَنَّهُ سمع وحد يحد وَقَالَ يُونُس وَهِشَام إِنَّه مَنْصُوب انتصاب
الظّرْف فَيجْرِي مجْرى (عِنْده) وَالْأَصْل فِي جَاءَ زيد وَحده على
وَحده حذف الْجَار وَنصب على الظّرْف وَسمع جلسا على وحديهما
وَالتَّقْدِير فِي زيد وَحده زيد مَوضِع التفرد وَهَذَا الْمِثَال
مسموع وَهُوَ أقوى دَلِيل على ظرفيته حَيْثُ جَعَلُوهُ خَبرا لَا حَالا
إِذْ لَا يجوز زيد جَالِسا وق وَقيل إِنَّه فِي زيد وَحده مَنْصُوب
بِفعل مُضْمر أَي وحد وَحده كَمَا قَالُوا زيد إقبالا وإدبارا أَي يقبل
وَيُدبر
صَاحب الْحَال
(ص) مَسْأَلَة لَا يَجِيء من نكرَة غَالِبا إِلَّا بمسوغ ابْتِدَاء
قَالَ أَبُو حَيَّان: ودونه قِيَاسا وَقيل يخْتَص بِالْوَصْفِ وَشرط
بَعضهم الْوَصْف بوصفين مَا لم يقدم أَو يكن جملَة بِالْوَاو وَالأَصَح
أَنه فِي نَحْو فِيهَا قَائِما رجل من الْمُبْتَدَأ لَا ضمير الظّرْف
وَيَجِيء من الْمُضَاف إِلَيْهِ مَفْعُوله قَالَ الْأَخْفَش وَابْن
مَالك أَو جزؤه أَو كجزئه وَبَعْضهمْ مُطلقًا وَفِي مَجِيئه من المنادى
ثَالِثهَا يجوز مُؤَكدَة لَا مبينَة (ش) لما كَانَت الْحَال خَبرا فِي
الْمَعْنى وصاحبها مخبرا عَنهُ أشبه الْمُبْتَدَأ فَلم يجز مَجِيء
الْحَال من النكرَة غَالِبا إِلَّا بمسوغ من مسوغات الِابْتِدَاء بهَا
وَمن
(2/303)
النَّادِر قَوْلهم (عَلَيْهِ مائَة بيضًا)
و (فِيهَا رجل قَائِما) وَاخْتَارَ أَبُو حَيَّان مَجِيء الْحَال من
النكرَة بِلَا مسوغ كثيرا قِيَاسا وَنَقله عَن سِيبَوَيْهٍ وَإِن كَانَ
دون الِاتِّبَاع فِي الْقُوَّة وَمن المسوغات النَّفْي كَقَوْلِه
تَعَالَى {وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا وَلها كتاب مَعْلُوم}
[الْحجر: 4] وَالنَّهْي نَحْو 931 -
(لَا يَرْكَبَنْ أحدٌ إِلَى الإحْجام ... يَوْمَ الوَغَى مُتَخَوِّفاً
لحِمام)
والاستفهام نَحْو 932 -
(يَا صَاح هَل حُمَّ عَيْشٌ باقِياً فَتَري ... )
وَالْوَصْف نَحْو {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم أمرا} [الدُّخان: 4 - 5]
وبالآية رد على من قَالَ إِنَّه لَا يجوز إِلَّا أَن تكون النكرَة
مَوْصُوفَة بوصفين وَالْإِضَافَة نَحْو: {فِي أَرْبَعَة أَيَّام
سَوَاء} [فصلت: 10] {وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً}
[الْأَنْعَام: 111] وَالْعَمَل نَحْو مَرَرْت بضارب هندا قَائِما وَقيل
لَا يجوز فِي غير الْمَوْصُوف إِلَّا سَمَاعا
(2/304)
فَإِن قدم الْحَال على صَاحبه النكرَة
جَازَ وَإِن لم يكن لَهُ مسوغ تخلصا من تقدم الْوَصْف نَحْو هَذَا
قَائِما رجل وَكَذَا إِن كَانَ جملَة مقرونة بِالْوَاو نَحْو {أَو
كَالَّذي مر على قَرْيَة وَهِي خاوية على عروشها} [الْبَقَرَة: 259]
934 -
(مَضَى زَمَنٌ والنَّاسُ يَسْتَشْفِعُون بِي ... )
وَظَاهر كَلَام سِيبَوَيْهٍ أَن صَاحب الْحَال فِي نَحْو (فِيهَا
قَائِما رجل) هُوَ الْمُبْتَدَأ وَصَححهُ ابْن مَالك وَذهب قوم إِلَى
أَن صَاحبه الضَّمِير المستكن فِي الْخَبَر بِنَاء على أَنه لَا يكون
إِلَّا من الْفَاعِل وَالْمَفْعُول وَزعم ابْن خروف أَن الْخَبَر إِذا
كَانَ ظرفا أَو مجرورا لَا ضمير فِيهِ عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَالْفراء
إِلَّا إِذا تَأَخّر وَأما إِذا تقدم فَلَا ضمير فِيهِ لِأَنَّهُ لَو
كَانَ لجَاز أَن يُؤَكد ويعطف عَلَيْهِ ويبدل مِنْهُ كَمَا يفعل ذَلِك
مَعَ الْمُتَأَخر وَحقّ صَاحب الْحَال أَلا يكون مجرورا بِالْإِضَافَة
كَمَا لَا يكون صَاحب الْخَبَر لِأَن الْمُضَاف إِلَيْهِ مكمل للمضاف
وواقع مِنْهُ موقع التَّنْوِين فَإِن كَانَ الْمُضَاف بِمَعْنى
الْفِعْل حسن جعل الْمُضَاف إِلَيْهِ صَاحب حَال لِأَنَّهُ فِي
الْمَعْنى فَاعل أَو مفعول نَحْو {إِلَيْهِ مرجعكم جَمِيعًا} [يُونُس:
4] وَعرفت قيام زيد مسرعا وَجوز بعض الْبَصرِيين وَصَاحب (الْبَسِيط)
مَجِيء الْحَال من الْمُضَاف إِلَيْهِ مُطلقًا وَخَرجُوا عَلَيْهِ {أَن
دابر هَؤُلَاءِ مَقْطُوع مصبحين} [الْحجر: 66] وَقَوله 934 -
(حَلَقُ الْحَدِيد مُضَاعَفاً يَتَلَهّبُ ... )
(2/305)
وَجوزهُ الْأَخْفَش وَابْن مَالك إِن كَانَ
الْمُضَاف جُزْءا مَا أضيف إِلَيْهِ أَو مثل جزئه نَحْو {مَا فِي
صُدُورهمْ من غل إخْوَانًا} [الْحجر: 47] {مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا}
[النِّسَاء: 125] لِأَنَّهُ لَو اسْتغنى بِهِ عَن الْمُضَاف وَقيل
نَزَعْنَا مَا فيهم إخْوَانًا وأتبع إِبْرَاهِيم حَنِيفا لصَحَّ ورده
أَبُو حَيَّان وَقَالَ إِن النصب فِي (إخْوَانًا) على الْمَدْح و
(حَنِيفا) حل من (مِلَّة) بِمَعْنى دين أَو من الضَّمِير فِي (اتبع)
قَالَ وَإِنَّمَا لم يجز الْحَال من الْمُضَاف إِلَيْهِ لما تقرر من
أَن الْعَامِل فِي الْحَال هُوَ الْعَامِل فِي صَاحبهَا وعامل
الْمُضَاف إِلَيْهِ اللَّام أَو الْإِضَافَة وَكِلَاهُمَا لَا يصلح أَن
يعْمل فِي الْحَال وَفِي مَجِيء الْحَاء من المنادى مَذَاهِب
تَقْدِيم الْحَال على صَاحبه
(ص) وَيقدم على صَاحبه لَا مجرور بِإِضَافَة وَقيل إِلَّا بِوَصْف
وَلَا مَنْصُوب بكأن وليت وَلَعَلَّ وَفعل تعجب وَلَا ضمير مُتَّصِل
بصلَة أل أَو حرف وَيجب إِن أضيف لضمير ملابسه قيل أَو قرن بإلا وَمنعه
البصريون على مجرور بِغَيْر زَائِد وَثَالِثهَا إِلَّا الضَّمِير
والفعلية والكوفية على ظَاهر مَرْفُوع آخر رافعه ومنصوب وَقيل إِلَّا
الفعلية (ش) الأَصْل فِي الْحَال التَّأْخِير عَن صَاحبهَا كالخبر
وَيجوز تَقْدِيمهَا عَلَيْهِ كَمَا يجوز فِيهِ سَوَاء كَانَ مَرْفُوعا
كَقَوْلِه 935 -
(فَسَقَى دِيَارَك غَيْرَ مُفْسِدِها ... صَوْبُ الغَمَام وديمةٌ
تَهْمِى)
أم مَنْصُوبًا كَقَوْلِه
(2/306)
936 -
(وَصَلتْ وَلم أَصْرمْ مُسِبِّبينَ أُسْرَتِي ... )
أم مجرورا بِحرف زَائِد نَحْو مَا جَاءَ عَاقِلا من أحد وَكفى معينا
بزيد أَو أُصَلِّي نَحْو {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا كَافَّة للنَّاس}
[سبأ: 28] هَذَا هُوَ الْأَصَح فِي الْجَمِيع أما الْمَجْرُور
بِالْإِضَافَة فَلَا يجوز تَقْدِيم الْحَال عَلَيْهِ كعرفت قيام هِنْد
مسرعة فَلَا يقدم (مسرعة) على (هِنْد) لِئَلَّا يفصل بَين الْمُضَاف
والمضاف إِلَيْهِ وَلَا على (قيام) الَّذِي هُوَ الْمُضَاف لِأَن
نِسْبَة الْمُضَاف إِلَيْهِ من الْمُضَاف كنسبة الصِّلَة من
الْمَوْصُول فَلَا يقدم عَلَيْهِ شَيْء من معمولاته وَسَوَاء كَانَت
الْإِضَافَة مَحْضَة كالمثال أم غير مَحْضَة نَحْو هَذَا شَارِب السويق
ملتويا الْآن أَو غَدا كَمَا قَالَ ابْن هِشَام فِي (الْجَامِع) إِنَّه
الْأَصَح وَأَجَازَ ابْن مَالك فِي الثَّانِي تَقْدِيم الْحَال على
الْمُضَاف لِأَن الْإِضَافَة فِي نِيَّة الِانْفِصَال كَذَا ذكره فِي
(شَرّ ح التسهيل) لكنه نقل ذَلِك فِي (شرح الْعُمْدَة) عَن بعض
النَّحْوِيين وَقَالَ الْمَنْع عِنْدِي أولى وَمنع أَكثر النَّحْوِيين
مِنْهُم الْبَصرِيين تَقْدِيم الْحَال على صَاحبهَا الْمَجْرُور بِحرف
غير زَائِد سَوَاء كَانَ ظَاهرا أَو ضميرا فمنعوا مَرَرْت ضاحكة بهند
ومررت ضَاحِكا بك وتأولوا الْآيَة بِأَن (كَافَّة) حَال من الْكَاف
وعللوا الْمَنْع بِأَن تعلق الْعَامِل بِالْحَال ثَان لتَعَلُّقه
بِصَاحِبِهِ فحقه إِذا تعدى لصَاحبه بِوَاسِطَة أَن يتعدي إِلَيْهِ
بِتِلْكَ الْوَاسِطَة لَكِن منع من ذَلِك خوف التباس الْحَال
بِالْبَدَلِ وَأَن فعلا وَاحِدًا لَا يتَعَدَّى بِحرف بِحرف وَاحِد
إِلَى شَيْئَيْنِ فَجعلُوا عوضا من الْإِشْرَاك فِي الْوَاسِطَة
الْتِزَام التَّأْخِير وَبِأَن حَال الْمَجْرُور بِحرف شبية بِحَال عمل
فِيهِ حرف جر مضمن معنى الِاسْتِقْرَار نَحْو زيد فِي الدَّار مُتكئا
فَكَمَا لَا يجوز تَقْدِيم الْحَال على حرف الْجَرّ فِي مثل هَذَا لَا
يقدم عَلَيْهِ هُنَا وَجوز الكوفية التَّقْدِيم إِن كَانَ صَاحب
الْحَال ضميرا أَو ظَاهرا وَالْحَال فعل نَحْو مَرَرْت تضحك بهند
ومنعوه إِذا كَانَ ظَاهرا وَهِي اسْم
(2/307)
وَنقل ابْن الْأَنْبَارِي الْإِجْمَاع على
الْمَنْع حِينَئِذٍ وَلَيْسَ كَذَلِك فقد قَالَ بِالْجَوَازِ مُطلقًا
الْفَارِسِي وَابْن كيسَان وَابْن برهَان وَصَححهُ ابْن مَالك وَمنع
الْكُوفِيُّونَ أَيْضا التَّقْدِيم على الْمَرْفُوع الظَّاهِر الْمُؤخر
رافعه فَلَا يجيزون مسرعا قَامَ زيد ويجيزون قَامَ مسرعا زيد لتقدم
الرافع وَمنع الْكُوفِيُّونَ أَيْضا التَّقْدِيم على الْمَنْصُوب
الظَّاهِر سَوَاء كَانَ الْحَال اسْما أَو فعلا فَلَا يجيزون لقِيت
راكبة هندا وَلَا لقِيت تركب هِنْد وعللوه بِأَنَّهُ يُوهم كَون
الِاسْم مَفْعُولا وَمَا بعده بدل مِنْهُ وَجوزهُ بَعضهم إِذا كَانَت
الْحَال فعلا لَا اسْما لانْتِفَاء توهم المفعولية إِذْ لَا يتسلط
الْفِعْل على الْفِعْل تسلط الْمَفْعُول بِهِ وَفِي (شرح الْعُمْدَة)
لِابْنِ مَالك وَمَا يمْتَنع فِيهِ تَقْدِيم الْحَال على صَاحبهَا أَن
يكون مَنْصُوبًا بكان أَو لَيْت أَو لَعَلَّ أَو فعل تعجب أَو اتَّصل
بصلَة (أل) نَحْو القاصدك سَائِلًا زيد أَو اتَّصل بِفعل مَوْصُول بِهِ
حرف نَحْو أعجبني أَن ضربت زيدا مؤدبا وَلم يتَعَرَّض لذَلِك فِي
(التسهيل) وَقد يعرض للْحَال مَا يُوجب تَقْدِيمهَا على صَاحبهَا
كإضافته إِلَى ضمير ملابسها نَحْو جَاءَ زَائِرًا هِنْد أَخُوهَا
وَجَاء منقادا لعَمْرو صَاحبه وَجعل قوم من ذَلِك اقتران صَاحب الْحَال
بإلا نَحْو مَا قدم مسرعا إِلَّا زيد
تَقْدِيم الْحَال على عَامله
(ص) وعَلى عَامله وَثَالِثهَا يمْنَع فِي نَحْو رَاكِبًا زيد جَاءَ
وَرَابِعهَا إِن كَانَت فِي ظَاهر وَفِي الْمُؤَكّدَة خلاف الْمصدر
وَيمْتَنع إِن كَانَ الْعَامِل فعلا غير متصرف أَو صلَة لأل أَو حرفا
أَو مصدرا قَالَ ابْن مَالك أَو نعتا أَو أفعل تَفْضِيل أَو اتَّصل
بلام ابْتِدَاء أَو قسم أَو أفهم تَشْبِيها خلافًا للكسائي أَو ضمن
معنى الْفِعْل لَا حُرُوفه كإشارة وتنبيه وتمن وترج أَو قرن الْحَال
بِالْوَاو وَثَالِثهَا يجوز إِن كَانَ فعلا (ش) فِي تَقْدِيم الْحَال
على عَملهَا مَذَاهِب أَحدهَا الْمَنْع مُطلقًا وَعَلِيهِ الْجرْمِي
تَشْبِيها بالتمييز
(2/308)
وَالثَّانِي الْجَوَاز مُطلقًا إِلَّا مَا
يَأْتِي اسْتِثْنَاؤُهُ وَهُوَ الْأَصَح وَعَلِيهِ الْجُمْهُور قِيَاسا
على الْمَفْعُول بِهِ والظرف وَالْفرق بَينه وَبَين التَّمْيِيز أَن
الْحَال يقتضيها الْفِعْل بِوَجْه فَقدمت كَمَا تقدم سَائِر الفضلات
وَقد ورد بِهِ السماع قَالَ تَعَالَى {خشعا أَبْصَارهم يخرجُون}
[الْقَمَر: 70] وَسَوَاء كَانَت الْحَال مصدرا أَو غَيره مُؤَكدَة أم
غير مُؤَكدَة وَفِي الْمُؤَكّدَة خلاف كالخلاف فِي الْمصدر
الْمُؤَكّدَة وَمنع الْأَخْفَش رَاكِبًا زيد جَاءَ لبعدها عَن
الْعَامِل وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب الثَّالِث وَالرَّابِع وَعَلِيهِ
الْكُوفِيُّونَ إِن كَانَت الْحَال من مَرْفُوع ظَاهر تَأَخَّرت وتوسطت
والرافع قبلهَا وَلم يتَقَدَّم على الرّفْع وَالْمَرْفُوع مَعًا فَلَا
يجوز رَاكِبًا جَاءَ زيد لِأَنَّهَا عِنْدهم فِي معنى الشَّرْط فيؤول
إِلَى تَقْدِيم الْمُضمر على الظَّاهِر لفظا ورتبة وَإِن كَانَت من
مَرْفُوع مُضْمر جَازَ تَأْخِيرهَا وتوسيطها وتقديمها على الرافع
وَالْمَرْفُوع مَعًا نَحْو قَائِما فِي الدَّار وَأَنت وراكبا جِئْت
وَإِن كَانَت من مَنْصُوب ظَاهر أَو مجرور ظَاهر لم يجز تَقْدِيمهَا
كالمرفوع وَلَا توسطها حذرا من توهم الْمَفْعُول أَو مُضْمر جَازَ
التَّقْدِيم نَحْو ضَاحِكا لقيتني هِنْد وضاحكا مرت بِي هِنْد وعَلى
الْأَصَح يسْتَثْنى صور لَا يجوز فِيهَا التَّقْدِيم مِنْهَا أَن يكون
الْعَامِل فعلا غير متصرف نَحْو مَا أحسن هندا متجردة فَلَا يُقَال
متجردة مَا أحسن هندا أَو صفة غير مَحْضَة أَو صلَة لأل نَحْو الجائي
مسرعا زيد فَلَا يجوز المسرعا جَاءَنِي زيد بِخِلَاف صلَة غَيرهَا
فَيُقَال من الَّذِي خَائفًا جَاءَ أَو صلَة لحرف مصدري نَحْو يُعجبنِي
أَن يقوم زيد مسرعا فَلَا يجوز أَن مسرعا يقوم زيد أَو مصدرا نَحْو
يُعجبنِي ركُوب الْفرس مسرجا أَو نعتا نَحْو مَرَرْت بِرَجُل ذَاهِبَة
فرسه مكسورا سرجها فَلَا يُقَال بِرَجُل مكسورا سرجها ذَاهِبَة فرسه
كَذَا قَالَه ابْن مَالك
(2/309)
وَقَالَ أَبُو حَيَّان إِنَّه غَفلَة
مِنْهُ ونصوص النَّحْوِيين على جَوَاز تَقْدِيم مَعْمُول النَّعْت
عَلَيْهِ من مفعول بِهِ وَحَال وظرف ومصدر وَنَحْوهَا وَإِنَّمَا
منعُوا تَقْدِيم الْمَعْمُول على المنعوت لَا على النَّعْت الْعَامِل
فِيهِ فَيجوز فِي مَرَرْت بِرَجُل يركب الْفرس مسرجا مَرَرْت بِرَجُل
مسرجا يركب الْفرس وَلَا يجوز مَرَرْت مسرجا بِرَجُل يركب الْفرس قَالَ
وَأما الْمِثَال الَّذِي ذكره فَلم يمْتَنع فِيهِ تَقْدِيم (مكسورا
سرجها) من جِهَة أَن الْعَامِل فِي (مكسورا) النَّعْت بل من جِهَة
تَقْدِيم الْمُضمر على مَا يفسره وَقد نَص النحويون على منع تَقْدِيم
الْمُضمر فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَمَا أشبههَا وَأَنه مِمَّا يلْزم
فِيهِ تَأْخِير الْحَال إِذْ لَيْسَ من الْمَوَاضِع الَّتِي يُفَسر
فِيهَا الْمُضمر مَا بعده وَمن الصُّور المستثناة أَن يكون الْعَامِل
أفعل التَّفْضِيل نَحْو زيد أكفاهم ناصرا لانحطاطه عَن دَرَجَة اسْم
الْفَاعِل وَالصّفة المشبهة فَأشبه الجوامد أَو مُتَّصِلا بلام
الِابْتِدَاء أَو لَام الْقسم نَحْو لأصبر محتسبا وَالله لأقومن
طَائِعا أَو مفهم تَشْبِيه نَحْو زيد مثلك شجاعا وَزيد زُهَيْر شعرًا
وَزيد الشَّمْس طالعة وَالْمَنْع فِي هَذِه الصُّورَة مَذْهَب
الْبَصرِيين وَأَجَازَ الْكسَائي التَّقْدِيم فَقَالَ زيد شجاعا مثلك
وَزيد طالعة الشَّمْس وَمِنْهَا أَن يكون الْعَامِل غير فعل وَلَا وصف
فِيهِ معنى الْفِعْل وحروفه وَهُوَ الجامد المتضمن معنى مُشْتَقّ ك
(أما) فِي مثل أما علما فعالم أَو اسْم الْإِشَارَة (وحروف)
التَّنْبِيه نَحْو هَذَا زيد قَائِما يجوز كَون الْعَامِل فِي الْحَال
حرف التَّنْبِيه وَأَن يكون الْإِشَارَة فعلي تَقْدِير الأول يجوز هَا
قَائِما ذَا زيد وَلَا يجوز على تَقْدِير الثَّانِي وكحرف التَّمَنِّي
وَهُوَ لَيْت والترجي وَهُوَ لَعَلَّ وَمِنْهَا أَن يكون الْحَال جملَة
مَعهَا وَاو نَحْو جَاءَ زيد وَالشَّمْس طالعة فَلَا يجوز وَالشَّمْس
طالعة جَاءَ زيد وَأَجَازَهُ الْكسَائي وَالْفراء وَهِشَام مُطلقًا
وَأَجَازَهُ بَعضهم إِذا كَانَ الْعَامِل فعلا
(2/310)
إِذا كَانَ عَامل الْحَال أفعل التَّفْضِيل
(ص) واغتفر بل وَجب على الْأَصَح توَسط أفعل بَين حَالين وَإِنَّمَا
يجيئان مَعَه لمختلفي حَال أَو ذَات وَالأَصَح أَنه يعْمل فيهمَا (ش)
كَانَ الْقيَاس إِذا كَانَ الْعَالم أفعل التَّفْضِيل وَاقْتضى حَالين
أَن يتَأَخَّر الحالان عَنهُ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ يَقْتَضِي حَالا
وَاحِدَة وَجب تَأْخِيرهَا عَنهُ وَلَا ينْتَصب مَعَ أفعل التَّفْضِيل
إِلَّا الْمُخْتَلف الذَّات مُخْتَلف الْحَالين نَحْو زيد مُفردا
أَنْفَع من عَمْرو معانا أَو مُتَّفقا الْحَال نَحْو زيد مُفردا
أَنْفَع من عَمْرو مُفردا أَو إِلَّا المتحد الذَّات مُخْتَلف
الْحَالين نَحْو هَذَا بسرا أطيب مِنْهُ رطبا وَزيد قَائِما أَخطب
مِنْهُ قَاعِدا وَاخْتلف فِي الْعَامِل فِي هذَيْن الْحَالين
فَالْأَصَحّ أَنه أفعل التَّفْضِيل ف (بسرا) حَال من الضَّمِير المستكن
فِي (أطيب) و (رطبا) حَال من ضمير (مِنْهُ) وَالْعَامِل فيهمَا (أطيب)
وَذهب الْمبرد وَطَائِفَة إِلَى أَنَّهُمَا منصوبان على إِضْمَار كَانَ
التَّامَّة صلَة ل (إِذْ) فِي الْمَاضِي و (إِذا) فِي الْمُسْتَقْبل
وهما حالان من ضميرهما وَقيل على إِضْمَار (كَانَ) و (يكون)
النَّاقِصَة وعَلى الحالية فالمسموع من كَلَام الْعَرَب توَسط (أفعل)
بَين هذَيْن الْحَالين فاقتصر الْجُمْهُور على مَا سمع فَقَالُوا لَا
يجوز تأخيرهما عَن أفعل وَلَا تَقْدِيمهَا عَلَيْهِ لِأَن الْقيَاس فِي
أصل هَذِه الْمَسْأَلَة الْمَنْع لَوْلَا أَن السماع ورد بهَا إِذْ لَا
يعْهَد نصب (أفعل) فضلتين بِدَلِيل أَنه لَا ينصب مفعولين فَلَمَّا
وَردت أجريت كَمَا سَمِعت وَوَجهه الزّجاج بِأَنَّهُم أَرَادوا أَن
يفصلوا بَين الْمفضل والمفضل عَلَيْهِ لِئَلَّا يَقع الالتباس وَلَا
يعلم أَيهمَا الْمفضل فَلِذَا قدم الْمفضل وَأخر الْمفضل عَلَيْهِ
وَأَجَازَ بعض المغاربة تَأْخِير الْحَالين عَن (أفعل) بِشَرْط أَن
يَلِيهِ الْحَال الأولى مفصولة عَنهُ من الثَّانِيَة فَيُقَال هَذَا
أطيب بسرا مِنْهُ رطبا وَزيد أَشْجَع أعزل من عَمْرو ذَا سلَاح
(2/311)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا حسن فِي
الْقيَاس لكنه يحْتَاج إِلَى سَماع أما التَّأْخِير على غير هَذَا
الْوَجْه نَحْو هَذَا أطيب مِنْهُ بسرا رطبا أَو التَّقْدِيم نَحْو
هَذَا بسرا مِنْهُ رطبا أطيب فَلَا يجوز بِإِجْمَاع
إِذا كَانَ عَامل الْحَال ظرفا أَو مجرورا
(ص) فَإِن كَانَ الْعَامِل ظرفا لم يقدم على الْجُمْلَة وَثَالِثهَا
يجوز إِن كَانَ مثله وَفِي تقدمه عَلَيْهِ لَا الْجُمْلَة الْأَقْوَال
وَرَابِعهَا يجوز إِن كَانَت من مُضْمر مَرْفُوع وَقَالَ ابْن مَالك
إِن كَانَت مثله قوي وَإِلَّا ضعف فَإِن تَأَخّر الْمُبْتَدَأ جَازَ
اتِّفَاقًا (ش) إِذا كَانَ عَامل الْحَال ظرفا أَو مجرورا فَفِي جَوَاز
تَقْدِيم الْحَال على الْجُمْلَة الَّتِي مِنْهَا الظّرْف
وَالْمَجْرُور أَقْوَال أَحدهَا وَهُوَ الْأَصَح الْمَنْع مُطلقًا
وَحكى فِيهِ ابْن طَاهِر الِاتِّفَاق فَلَا يُقَال قَائِما فِي الدَّار
زيد وَالثَّانِي الْجَوَاز وَعَلِيهِ الْأَخْفَش وَالثَّالِث وَعَلِيهِ
ابْن برهَان التَّفْضِيل بَين أَن يكون الْحَال أَيْضا ظرفا وحرف جر
فَيجوز تَقْدِيمهَا نَحْو: {هُنَالك الْولَايَة لله الْحق} [الْكَهْف:
44] ف (هُنَالك) ظرف مَكَان وَهُوَ حَال من ضمير (لله) الَّذِي هُوَ
خبر (الْولَايَة) وَالْمَنْع فِي غير ذَلِك وَفِي توسطه بِأَن يقدم على
الْعَامِل دون الْمُبْتَدَأ أَقْوَال أَحدهَا الْجَوَاز مُطلقًا
وَصَححهُ ابْن مَالك نَحْو زيد مُتكئا فِي الدَّار وَزيد عِنْد هِنْد
فِي بستانها وَالثَّانِي الْمَنْع مُطلقًا لضعف الْعَامِل وَعَلِيهِ
الْجُمْهُور وَصَححهُ أَبُو حَيَّان ورد بِالسَّمَاعِ قَالَ تَعَالَى:
{وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] وَالثَّالِث
الْجَوَاز إِذا كَانَت من مُضْمر مَرْفُوع نَحْو أَنْت قَائِما فِي
الدَّار وَالْمَنْع إِن كَانَت من ظَاهر وَعَلِيهِ الْكُوفِيُّونَ
(2/312)
وَاخْتَارَ ابْن مَالك أَنه إِن كَانَت
الْحَال اسْما صَرِيحًا ضعف التَّوَسُّط أَو ظرفا أَو مجرورا جَازَ
التَّوَسُّط بِقُوَّة وَمحل الْخلاف مَا إِذا تقدم الْمُبْتَدَأ
وَتَأَخر الْخَبَر فَإِن تَأَخّر الْمُبْتَدَأ وَتقدم الْخَبَر جَازَ
توَسط الْحَال بَينهمَا بِلَا خلاف نَحْو فِي الدَّار عنْدك زيد وَفِي
الدَّار قَائِما زيد
جَوَاز جعل مَا صلح للخبرية حَالا
(ص) وَإِن وَقع ظرف وَاسم يصلحان للخبرية فَإِن تقدم الظّرْف اختبر
حَالية الِاسْم وَإِلَّا فخبريته وَقَالَ الْمبرد لَا فرق فَإِن تكَرر
مُطلقًا رجحت الحالية وأوجبها الكوفية فَإِن كَانَ نَاقِصا فالخبرية
مُطلقًا خلافًا لَهُم أَو تَامّ وناقص وبدئ بِأَيِّهِمَا جازا على
الْأَصَح (ش) إِذا ذكر مَعَ الْمُبْتَدَأ اسْم وظرف أَو مجرور
وَكِلَاهُمَا صالحان للخبرية بِأَن حسن السُّكُوت عَلَيْهِ جَازَ جعل
كل مِنْهُمَا حَالا وَالْآخر خَبرا بِلَا خلاف لَكِن إِن تقدم الظّرْف
أَو الْمَجْرُور على الِاسْم اختير عِنْد سِيبَوَيْهٍ والكوفيين حَالية
الِاسْم وخبرية الظّرْف نَحْو فِيهَا زيد قَائِما لِأَنَّهُ من حَيْثُ
تَقْدِيمه الأولى بِهِ أَن يكون عُمْدَة لَا فضلَة فَإِن لم يقدم اختير
عِنْدهم خبرية الِاسْم نَحْو زيد فِي الدَّار قَائِم وَقَالَ الْمبرد
التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير فِي هَذَا وَاحِد فَإِن كرر الظّرْف أَو
الْمَجْرُور جَازَ الْوَجْهَانِ أَيْضا وَحكم برجحان الِاسْم تقدم
الظّرْف أَو تَأَخّر لنزول الْقُرْآن بِهِ قَالَ تَعَالَى {وَأَمَّا
الّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الجَنَّةِ خَالِدينَ فِيهَا} [هود: 108]
{فَكَانَ عاقبتهما أَنَّهُمَا فِي النَّار خَالِدين فِيهَا} [الْحَشْر:
17] وَادّعى الْكُوفِيُّونَ أَن النصب مَعَ التّكْرَار لَازم لِأَن
الْقُرْآن نزل بِهِ لَا بِالرَّفْع وَأجِيب بِأَنَّهُ يدل على أَنه
أَجود لَا وَاجِب على أَنه قد قرئَ فِي الْآيَتَيْنِ (خالِدون) و
(خالِدين)
(2/313)
فَإِن كَانَ الظّرْف أَو الْمَجْرُور غير
مُسْتَغْنى بِهِ تعين خبرية الِاسْم وحالية الظّرْف مُطلقًا تكَرر أَو
لَا نَحْو فِيك زيد رَاغِب وَزيد رَاغِب فِيك وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ
نصب (رَاغِب) وَشبهه على الْحَال وَإِن اجْتمع ظرفان تَامّ وناقص جَازَ
الرّفْع فِي النصب فِي الِاسْم سَوَاء بدأت بالتام نَحْو إِن عبد الله
فِي الدَّار بك واثقا أَو واثق أَو نَاقص نَحْو إِن فِيك عبد الله فِي
الدَّار رَاغِبًا أَو رَاغِب وَأوجب الْكُوفِيُّونَ الرّفْع فِي
الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّك حِين قدمت مَا هُوَ من تَمام الْخَبَر وصلته
وَهُوَ (بك) و (فِيك) كَأَنَّك اخْتَرْت إِخْرَاج الِاسْم عَن الحالية
إِلَى الخبرية (ص) مَسْأَلَة اخْتلف هَل يعْمل فِيهِ غير عَامل صَاحبه
وَمنع السُّهيْلي عمل الْإِشَارَة والتنبيه وَأَبُو حَيَّان لَيْت
وَلَعَلَّ وَبَعْضهمْ كَانَ وَالأَصَح جَوَاز تعدده لمفرد وَغَيره
متفقين أَو لَا وَلَا يجمعان إِلَّا إِن صلح انْفِرَاد كل بالموصوف
وَقيل يجوز فِي متضايفين وَفِي التَّفْرِيق يكون للأقرب وَالْمُخْتَار
للأسبق وَلَا يفرد بعد (إِمَّا) وندر بعد (لَا) (ش) فِيهِ مسَائِل
الأولى اخْتلف هَل يعْمل فِي الْحَال غير الْعَامِل فِي صَاحبه
فالجمهور لَا كالصفة والموصوف وَجوزهُ ابْن مَالك بقلة كالتمييز
والمميز وَالْخَبَر والمخبر عَنهُ وَخرج عَلَيْهِ: {إِن هَذِه أمتكُم
أمة وَاحِدَة} [الْأَنْبِيَاء: 92] ف (أمتكُم) صَاحب الْحَال
وَالْعَامِل فِيهِ إِن وَفِي الْحَال الْإِشَارَة الثَّانِيَة تقدم أَن
العوامل المعنوية تعْمل فِي الْحَال كإشارة وَنَحْوهَا
(2/314)
وَمنع السُّهيْلي عمل حرف التَّنْبِيه فِي
الْحَال فَقَالَ (هَا) حرف ومعني الْحُرُوف لَا يعْمل فِي الظروف
وَالْأَحْوَال قَالَ وَلَا يَصح أَن يعْمل فِيهِ اسْم الْإِشَارَة
لِأَنَّهُ غير مُشْتَقّ من لفظ الْإِشَارَة وَلَا من غَيرهَا
وَإِنَّمَا هُوَ كالمضمر وَلَا يعْمل (هُوَ) وَلَا (أَنْت) بِمَا فِيهِ
من معنى الْإِضْمَار فِي حَال وَلَا ظرف وَالْعَامِل فِي مثل هَذَا زيد
قَائِما إِنَّمَا هُوَ (انْظُر) مقدرَة دلّ عَلَيْهَا الْإِشَارَة
لِأَنَّك أَشرت إِلَى الْمُخَاطب لينْظر وَقَالَ أَبُو حَيَّان إِنَّه
قريب لِأَنَّهُ فِيهِ أبقاء الْعَمَل للْفِعْل إِلَّا أَن فِيهِ
تَقْدِير عَامل لم يلفظ بِهِ قطّ ثمَّ صرح بِاخْتِيَارِهِ وَاخْتَارَهُ
أَيْضا صَاحب الْبَسِيط وَقَالَ أَبُو حَيَّان الصَّحِيح أَيْضا أَن
(لَيْت) و (لَعَلَّ) وَبَاقِي الْحُرُوف لَا تعْمل فِي الْحَال وَلَا
الظّرْف وَلَا يتَعَلَّق بهَا حرف جر إِلَّا (كَانَ) و (كَاف)
التَّشْبِيه وَمنع بَعضهم عمل (كَانَ) أَيْضا فِي الْحَال نَقله صَاحب
الْبَسِيط الثَّالِثَة يجوز تعدد الْحَال كالخبر والنعت سَوَاء كَانَ
صَاحب الْحَال وَاحِدًا نَحْو جَاءَ زيد رَاكِبًا مسرعا أم مُتَعَددًا
وَسَوَاء فِي المتعدد اتّفق إعرابه نَحْو جَاءَ زيد وَعَمْرو مُسْرِعين
أم اخْتلف نَحْو لَقِي زيد عمرا ضاحكين هَذَا هُوَ الْأَصَح وَمذهب
الْجُمْهُور وَزعم جمَاعَة مِنْهُم الْفَارِسِي وَابْن عُصْفُور أَن
الْفِعْل الْوَاحِد لَا ينصب أَكثر من حَال وَاحِد لصَاحب وَاحِد
قِيَاسا على الظّرْف وَاسْتثنى أفعل التَّفْضِيل فَإِنَّهُ يعْمل فِي
حَالين كَمَا تقدم وَخَرجُوا الْمَنْصُوب ثَانِيًا على أَنه صفة
للْحَال أَو حَال من الضَّمِير المستكن فِيهِ وَنسب أَبُو حَيَّان
هَذَا القَوْل إِلَى كثير من الْمُحَقِّقين وعَلى الأول لَا يجمع
الحالان حَتَّى يصلح انْفِرَاد كل وصف بالموصوف فَإِن اخْتلفَا فِي
هَذَا الْمَعْنى لم يجمعا وَأَجَازَ الْكسَائي وَهِشَام أَن تَجِيء
مَجْمُوعَة من مُضَاف ومضاف إِلَيْهِ نَحْو لقِيت صَاحب النَّاقة
طليحين على أَن طليحين حَال من الصاحب والناقة
(2/315)
وتخرجيه عندنَا على أَنه حَال من صَاحب
النَّاقة وَمن الْمَعْطُوف الْمُقدر أَي والناقة لِأَن الْحَال كالخبر
والمضاف إِلَيْهِ لم يقْصد الْإِخْبَار عَنهُ إِنَّمَا الْإِخْبَار عَن
الْمُضَاف وَإِن تعدد ذُو الْحَال وتفرق الحالان نَحْو لقِيت زيدا
مصعدا منحدرا حمل الْحَال الأول على الِاسْم الثَّانِي لِأَنَّهُ
يَلِيهِ وَالْحَال الثَّانِي على الِاسْم الأول ف (مصعدا) لزيد و
(منحدرا) للتاء كَذَا قَالُوهُ ووجهوه بِأَن فِيهِ اتِّصَال أحد
الْحَالين بِصَاحِبِهِ وعود مَا فِيهِ من ضمير إِلَى أقرب مَذْكُور
واغتفر انْتِقَال الثَّانِي وعود ضَمِيره على الْأَبْعَد إِذْ لَا
يُسْتَطَاع غير ذَلِك وَيجوز عكس هَذَا مَعَ أَمن اللّبْس فَإِن خيف
تعين الْمَذْكُور أَولا وَفِي (التَّمْهِيد) الْعَرَب تجْعَل مَا تقدم
من الْحَالين للْفَاعِل الَّذِي هُوَ مُتَقَدم وَمَا تَأَخّر
للْمَفْعُول وَلَو جعلت الآخر للْأولِ لجَاز مَا لم يلبس قَالَ أَبُو
حَيَّان وَهَذَا الَّذِي ذكره صَاحب التَّمْهِيد مُخَالف لما قرر غَيره
قلت وَهُوَ الْمُخْتَار عِنْدِي وَمِنْه قَوْله: 937 -
(خرجْتُ بهَا أَمْشِي تَجُرُّ وَرَاءَنا ... على أَثَريْنا ذَيْل مرْطٍ
مُرحّلٍ)
(2/316)
ف (أَمْشِي) لأوّل الاسمين و (تجر) لثانيهما وَيجب للْحَال إِذا وَقعت
بعد (إِمَّا) أَن تردف بِأُخْرَى معادا مَعهَا إِمَّا (أَو) كَقَوْلِه
تَعَالَى: {إِنَّا هديناه السَّبِيل إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا}
[الْإِنْسَان: 3] وَقَول الشَّاعِر: 938 -
(وَقد شَفّني أَلا يَزَالَ يروعُني ... خيالُك إمّا طَارقاً أَو
مُغادِيَا)
وإفرادها بعد (إِمَّا) مَمْنُوع فِي النثر وَالنّظم وَبعد (لَا) نَادِر
تَقول لَا رَاغِبًا وَلَا رَاهِبًا فتكرر وَقد تفرد كَقَوْلِه: 939 -
(قَهَرْتُ العِدا لَا مُسْتَعِينا بعُصْبَةٍ ... وَلَكِن بأنْواع
الخَدائع والْمَكْر) |