همع الهوامع في شرح جمع الجوامع

مُطَابقَة تَمْيِيز الْجُمْلَة مَا قبله فِي الْإِفْرَاد وفرعيه
(ص) ويطابق مَا قبله اتَّحد معنى أم لَا مَا لم يلْزم إِفْرَاده لإفراد مَعْنَاهُ أَو كَانَ مصدرا لم يقْصد اخْتِلَاف أَنْوَاعه وَيلْزم الْجمع بعد مُفْرد مباين لَا يُفِيد مَعْنَاهُ (ش) يلْزم فِي تَمْيِيز الْجُمْلَة الْمُطَابقَة لما قبله فِي الْإِفْرَاد وفرعيه إِن اتحدا معنى نَحْو كرم زيد رجلا وكرم الزيدان رجلَيْنِ وكرم الزيدون رجَالًا وَكَذَا إِن لم يتحدا من حَيْثُ الْمَعْنى نَحْو حسن الزيدون وُجُوهًا إِلَّا أَن يلْزم إِفْرَاد التَّمْيِيز لإفراد مَعْنَاهُ نَحْو كرم الزيدون أصلا إِذا كَانَ أصلهم وَاحِدًا و (أصل) لم يتحد من حَيْثُ الْمَعْنى بالزيدين إِلَّا أَنه لإفراد مَدْلُوله يلْزم إِفْرَاده لِأَن الْجمع يُوهم اخْتِلَاف أصولهم أَو يكون التَّمْيِيز مصدرا لم يقْصد اخْتِلَاف أَنْوَاعه نَحْو زكي الزيدون سعيا فَإِن قصد اخْتِلَاف الْأَنْوَاع فِي الْمصدر لاخْتِلَاف محاله جَاءَ التَّمْيِيز جمعا نَحْو {بالأخسرين أعمالا} [الْكَهْف: 103] لِأَن أَعْمَالهم مُخْتَلفَة الْمحَال هَذَا خسر بِكَذَا وَهَذَا خسر بِكَذَا وكقولك تخَالف النَّاس أَو تفاوتوا أذهانا وَيلْزم جمع التَّمْيِيز بعد مُفْرد مباين إِذا كَانَ معنى الْجمع يفوت بِقِيَام الْمُفْرد مقَامه نَحْو نظف زيد ثيابًا إِذْ لَو قيل ثوبا لتوهم أَن لَهُ ثوبا وَاحِدًا نظيفا
توَسط التَّمْيِيز
(ص) وَيجوز توسيطه بَين متصرف وفَاقا لَا تَقْدِيمه اخْتِيَارا وَجوزهُ قوم على فعل متصرف غير (كفى) وَالْفراء على اسْم شبه بِهِ الأول

(2/342)


(ش) يجوز توَسط التَّمْيِيز بَين الْفِعْل ومرفوعه بِلَا خلاف نَحْو طَابَ نفسا زيد قَالَ وَكَذَا قِيَاسه الْجَوَاز بَين الْفِعْل ومنصوبه نَحْو فجرت عيُونا الأَرْض وَأما تَقْدِيمه على الْفِعْل فَمَنعه ابْن عُصْفُور جزما بِنَاء على أَن الناصب لَهُ لَيْسَ هُوَ الْفِعْل وَإِنَّمَا هُوَ الْجُمْلَة بأسرها والقائلون بِأَن الناصب لَهُ مَا فِيهَا من فعل وَشبهه اخْتلفُوا فَمنع سِيبَوَيْهٍ وَالْأَكْثَرُونَ من الْبَصرِيين والكوفيين والمغاربة تَقْدِيمه فَلَا يُقَال نفسا طَابَ زيد كَمَا يمْتَنع التَّقْدِيم فِي تَمْيِيز الْمُفْرد وَمَا ورد من ذَلِك فضرورة وَجوزهُ الْكسَائي والمبرد والمازني والجرمي وَطَائِفَة وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك بِشَرْط كَون الْفِعْل متصرفا لوروده قَالَ: 974 -
(وَمَا كَانَ نَفْساً بالفراق تَطيبُ ... )
وَقِيَاسًا على سَائِر الفضلات ويستثني من الْمُتَصَرف كفي فَلَا يُقَال شَهِيدا كفي بِاللَّه بِإِجْمَاع ذكره أَبُو حَيَّان

(2/343)


فَإِن كَانَ الْفِعْل جَامِدا امْتنع بِإِجْمَاع فَلَا يُقَال مَا رجلا أحسن زيدا كَذَا وَلَا رجلا أحسن بزيد كَمَا يمْتَنع إِذا كَانَ عَامله جَامِدا بِإِجْمَاع نعم اسْتثْنِي من مَحل الْإِجْمَاع فِي الثَّانِي صُورَة وَهُوَ التَّمْيِيز بعد اسْم شبه بِهِ الأول نَحْو زيد الْقَمَر حسنا فَإِن الْفراء جوز فِيهِ التَّقْدِيم فَيُقَال زيد حسنا الْقَمَر
جَوَاز تَعْرِيف التَّمْيِيز
(ص) وَجوز الْكُوفِيُّونَ وَابْن الطراوة تَعْرِيفه وَتَأَول البصرية مَا ورد (ش) البصريون على اشْتِرَاط تنكير التَّمْيِيز وَذهب الْكُوفِيُّونَ وَابْن الطراوة إِلَى أَنه يجوز أَن يكون معرفَة كَقَوْلِه: 975 -
(وَطِبْتَ النّفْسَ يَا قيْسُ عَنْ عَمْرو ... )
وَقَوله: 976 -
(عَلامَ مُلِئْتَ الرُّعْبَ والحربُ لم تَقِدْ ... )

(2/344)


وَقَوْلهمْ سفه زيد نَفسه وألم رَأسه و {بطرت معيشتها} [الْقَصَص: 58] والأولون تأولوا ذَلِك على زِيَادَة اللَّام والمضافات نصبت على التَّشْبِيه بالمفعول بِهِ أَو على إِسْقَاط الْجَار أَي فِي نَفسه وَفِي رَأسه وَفِي معيشتها
مُفَارقَة الْحَال التَّمْيِيز
(ص) وَلَا يَتَعَدَّد وَالْجُمْهُور لَا يكون مؤكدا ويحذف لقَرِينَة أَو قصد الْإِبْهَام لَا الْمُمَيز مَا لم يوضع غَيره مَوْضِعه (ش) فَارق التَّمْيِيز الْحَال فِي أَنه لَا يَتَعَدَّد بِخِلَافِهَا وَفِي أَنه لَا يكون مؤكدا وَالْحَال تكون مُؤَكدَة كَذَا قَالَه الْجُمْهُور وَذكر ابْن مَالك أَن التَّمْيِيز قد يكون مؤكدا كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا} [التَّوْبَة: 36] وَأجِيب بِأَن شهرا وَإِن أكد مَا فهم من (إِن عدَّة الشُّهُور) إِلَّا أَنه بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَامله وَهُوَ اثْنَا عشر مُبين وَيجوز حذف التَّمْيِيز إِذا قصد أبقاء الْإِبْهَام أَو كَانَ فِي الْكَلَام مَا يدل عَلَيْهِ وَلَا يجوز حذف الْمُمَيز لِأَنَّهُ يزِيل دلَالَة الْإِبْهَام إِلَّا أَن يوضع غَيره مَوْضِعه كَقَوْلِهِم مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ رجلا وَقد يحذف من غير بدل كَقَوْلِهِم تالله رجلا أَي تالله مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ رجلا
تَمْيِيز الْأَعْدَاد
(ص) مَسْأَلَة مُمَيّز الْعدَد إِن كَانَ مَا بَين عشرَة وَمِائَة مُفْرد مَنْصُور وَأَجَازَ الْفراء جمعه وَإِضَافَة عشْرين وأخواته لُغَة أَو عشرَة فَمَا دونهَا مَجْمُوع مُضَاف إِلَيْهِ إِلَّا إِن كَانَ (مائَة) وَقد يجمع وَفِي اسْم الْجمع وَالْجِنْس

(2/345)


ثَالِثهَا إِن اسْتعْمل للقلة جَازَ قِيَاسا أَو مائَة فَمَا فَوْقهَا فمفرد مُضَاف وَجمعه مَعهَا ضَرُورَة وَقَالَ الْفراء سَائِغ وَيجوز جَرّه بِمن ونصبه مَعَ مائَة وَمِائَتَيْنِ وَألف ضَرُورَة وَأَجَازَ ابْن كيسَان وَلَا يُمَيّز وَاحِد وَاثْنَانِ دون شذوذ أَو ضَرُورَة وَلَا يجمع تَمْيِيز كَثْرَة إِن أمكن قلَّة غَالِبا وَلَا يفصل من الْعدَد اخْتِيَارا وينعت حملا عَلَيْهِ وعَلى الْعدَد وَيتَعَيَّن الثَّانِي فِي الْجمع السَّالِم ويغني الْعدَد عَن تَمْيِيزه إِضَافَة لغيره (ش) حولت ذكر تَمْيِيز الْأَعْدَاد من بَاب الْعدَد إِلَى هُنَا للمناسبة الظَّاهِرَة خُصُوصا وَقد تقدم فِي صدر الْبَاب أَن من أَنْوَاع تَمْيِيز الْمُفْرد تَمْيِيز الْعدَد فَأَقُول الْعدَد إِن كَانَ وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ لم يحْتَج إِلَى تَمْيِيز اسْتغْنَاء بِالنَّصِّ على الْمُفْرد والمثني فَيُقَال رجل ورجلان لِأَنَّهُ أخصر وأجود وَلَا يُقَال وَاحِد رجلا وَلَا اثْنَا رجل وَأما قَوْلهم شربت قدحا وأثنيه وشريت اثْنَي مد الْبَصْرَة فشاذ وَقَوله: 977 -
(ظَرْفُ عَجُوز فِيهِ ثنتا حنظل ... )

(2/346)


فضرورة وَإِن كَانَ ثَلَاثَة فَمَا فَوْقهَا إِلَى الْعشْرَة ميز مَجْمُوع مجرور بِإِضَافَة الْعدَد إِلَيْهِ نَحْو ثَلَاثَة أَثوَاب وَثَلَاث لَيَال وَعشرَة أشهر وَعشر سِنِين مَا لم يكن التَّمْيِيز لفظ (مائَة) فيفرد غَالِبا نَحْو ثَلَاث مائَة وَقد يجمع أَيْضا نَحْو ثَلَاث مئين أما الْألف فتجمع الْبَتَّةَ نَحْو إِلَى اسْم الْجمع نَحْو ثَلَاث الْقَوْم أَو اسْم الْجِنْس نَحْو ثَلَاثَة آلَاف وَهل يجوز ثَلَاث نحل أَقْوَال: أَحدهَا نعم وَيُقَاس إِن كَانَ قَلِيلا وَعَلِيهِ الْفَارِسِي وَصَححهُ صَاحب الْبَسِيط إِضَافَته لشبهه بِالْجمعِ ولوروده قَالَ: 978 -
(ثَلاَثَةُ أنْفُسِ تَعَالَى وثلاثُ ذَوْدٍ ... )
وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَة تِسْعَة رَهْط} [النَّمْل: 48] وَالثَّانِي لَا ينقاس وَعَلِيهِ الْأَخْفَش وَابْن مَالك وَغَيرهمَا وَالثَّالِث التَّفْرِقَة بَين مَا يسْتَعْمل من اسْم الْجمع للقلة فَيجوز أَو للكثرة فَلَا يجوز وَعَلِيهِ الْمَازِني وعَلى الْمَنْع طَريقَة أَن يبين ب (من) فَيُقَال ثَلَاثَة من الْقَوْم وَأَرْبَعَة من الطير وَثَلَاث من النَّحْل وَهُوَ فِي اسْم الْجِنْس آكِد من اسْم الْجمع وَإِن كَانَ أحد عشر إِلَى تِسْعَة وَتِسْعين ميز بمفرد مَنْصُوب نَحْو: {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} [يُوسُف: 4] {اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} [الْبَقَرَة: 60] (وَوَاعَدْنَا مُوسَى

(2/347)


ثَلاثِينَ لَيْلَةً} [الْأَعْرَاف: 142] {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} [الْأَعْرَاف: 155] وَلَا يجوز جمعه عِنْد الْجُمْهُور وَجوزهُ الْفراء نَحْو عِنْدِي أحد عشر رجَالًا وَقَامَ ثَلَاثُونَ رجَالًا وَخرج عَلَيْهِ {اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً} [الْأَعْرَاف: 160] قَالَ الْكسَائي وَمن الْعَرَب من يضيف الْعشْرين وأخواته إِلَى التَّمْيِيز نكرَة وَمَعْرِفَة فَيَقُول عشرو دِرْهَم وأربعو ثوب وَإِن كَانَ مائَة فَمَا فَوْقهَا ميز بمفرد مجرور بِالْإِضَافَة نَحْو مائَة رجل وَمِائَتَا عَام وَألف إِنْسَان وَجمعه مَعَ الْمِائَة ضَرُورَة وَجوزهُ الْفراء فِي السعَة وَخرج عَلَيْهِ قِرَاءَة حَمْزَة وَالْكسَائِيّ {ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ} [الْكَهْف: 25] بِإِضَافَة مائَة وَيجوز جَرّه ب (من) فَيُقَال ثَلَاث مائَة من السنين وَنصب الْمُفْرد مَعَ مائَة وَمِائَتَيْنِ وَألف ضَرُورَة قَالَ 979 -
(إذَا عَاشَ الفتَى مائَتَيْن عَاما ... )
وَأَجَازَ ابْن كيسَان أَن يُقَال فِي السعَة الْمِائَة دِينَار وَالْألف درهما وَبَقِي مسَائِل الأولى لَا يجب التَّمْيِيز مَعَ (ثَلَاثَة) وَنَحْوهَا جمع كَثْرَة مَا أمكن جمع الْقلَّة غَالِبا وَمن جموع الْقلَّة جمع التَّصْحِيح قَالَ تَعَالَى: {سَبْعَ سَمَوَاتٍ} [الْبَقَرَة 29] و {سَبْعَ بَقَرَاتٍ} [يُوسُف: 43 - 46] {وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ} يُوسُف: 43 - 46] و {تِسْعَ آيَاتٍ} [الْإِسْرَاء: 101] وَمن الْقَلِيل: {سَبْعَ سَنَابِلَ} [الْبَقَرَة:

(2/348)


261 -] و {ثَلَاثَة قُرُوء} [الْبَقَرَة: 228] {ثَمَانِي حجج} [الْقَصَص: 27] فَإِن لم يكن جمع الْقلَّة بِأَن لم يسْتَعْمل تعين جمع الْكَثْرَة نَحْو ثَلَاثَة رجال الثَّانِي لَا يجوز الْفَصْل بَين التَّمْيِيز وَالْعدَد إِلَّا فِي ضَرُورَة كَقَوْلِه: 980 -
(فِي خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ جُمَادَى لَيلَةً ... )
وَقَوله: 981 -
(ثَلَاثُونَ لِلْهَجْر حَوْلاً كمِيلا ... )
وَقَوله: 982 -
(وعِشْرون مِنْهَا أصْبعاً مِنْ وَرائِنَا ... )
الثَّالِثَة إِذا جِيءَ بنعت مُفْرد أَو جمع تكسير جَازَ الْحمل فِيهِ على التَّمْيِيز وعَلى الْعدَد نَحْو عِنْدِي عشرُون رجلا صَالحا أَو صَالح وَعِشْرُونَ رجلا كراما أَو كرام فَإِن كَانَ جمع سَلامَة تعين الْحمل على الْعدَد نَحْو عشرُون رجلا صَالِحُونَ ذكره فِي الْبَسِيط

(2/349)


الرَّابِعَة يُغني عَن تَمْيِيز الْعدَد إِضَافَته إِلَى غَيره نَحْو خُذ عشرتك وعشري زيد لِأَنَّك لم تضف إِلَى غير التَّمْيِيز إِلَّا وَالْعدَد عِنْد السَّامع مَعْلُوم النَّجس فاستغني عَن الْمُفَسّر وَقد قَالَ الشَّاعِر: 983 -
(وَمَا أَنْت أَم مَا رسُوم الدِّيار ... وسِتُّوك قد قَارَبَتْ تَكْمُل)

تَمْيِيز كم الاستفهامية
(ص) مَسْأَلَة مُمَيّز (كم) الاستفهامية مَنْصُوب وَفِي جَرّه ثَالِثهَا يجوز إِن جرت وَهُوَ ب (من) مقدرَة وَقَالَ الزّجاج بإضافتها وَلَا يكون جمعا خلافًا للكوفيين مُطلقًا وللأخفش فِيمَا أُرِيد بِهِ الْأَصْنَاف وَيجوز فَصله وحذفه (ش) ختمت الْكَلَام فِي التَّمْيِيز بأنواع مِنْهُ لم تجر عَادَتهم بذكرها فِي هَذَا الْبَاب كَمَا ذكرت تَمْيِيز الْأَعْدَاد وَذَلِكَ (كم) الاستفهامية والخبرية وكأين وَكَذَا وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَن مَعَانِيهَا فِي مَبْحَث الأدوات فمميز (كم) الاستفهامية مُفْرد مَنْصُوب كمميز عشْرين وأخواته نَحْو كم شخصا سما وَقَالَ ابْن مَالك لما كَانَت الاستفهامية بِمَنْزِلَة عدد مقرون بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام أشبهت الْعدَد الْمركب فأجريت مجْرَاه بِأَن جعل مميزها كمميزة فِي النصب والإفراد وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ كَونه جمعا مُطلقًا كَمَا يجوز ذَلِك فِي (كم) الخبرية نَحْو كم غلمانا لَك ورد بِأَنَّهُ لم يسمع

(2/350)


وَأَجَازَهُ الْأَخْفَش إِذا أردْت بِالْجمعِ أصنافا من الغلمان تُرِيدُ كم عنْدك من هَذِه الْأَصْنَاف وَاخْتَارَهُ بعض المغاربة فَقَالَ كم الاستفهامية لَا تفسر بِالْجمعِ إِنَّمَا هُوَ بِشَرْط أَن يكون السُّؤَال بهَا عَن عدد الْأَشْخَاص وَأما إِن كَانَ السُّؤَال عَن الْجَمَاعَات فيسوغ تمييزها بِالْجمعِ لِأَنَّهُ إِذْ ذَاك بِمَنْزِلَة الْمُفْرد وَذَلِكَ نَحْو كم رجَالًا عنْدك تُرِيدُ كم جمعا من الرِّجَال إِذا أردْت أَن تسْأَل عَن عدد أَصْنَاف الْقَوْم الَّذين عِنْده لَا عَن مبلغ أشخاصهم ويسوغ باسم الْجِنْس نَحْو كم بطا عنْدك تريدكم صنفا من البط عنْدك وَهل يجوز جر تَمْيِيز كم الاستفهامية حملا على الخبرية مَذَاهِب أَحدهَا لَا وَالثَّانِي نعم وَالثَّالِث الْجَوَاز بِشَرْط أَن يدْخل على (كم) حرف جر نَحْو على كم جذع بَيْتك مَبْنِيّ ثمَّ الْجَرّ حِينَئِذٍ ب (من) مقدرَة حذفت تَخْفِيفًا وَصَارَ الْحَرْف الدَّاخِل على (كم) عوضا عَنْهَا هَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وسيبويه وَالْفراء وَالْجَمَاعَة وَخَالف الزّجاج فَقَالَ إِنَّه بِإِضَافَة (كم) لَا بإضمار (من) ورده أَبُو الْحسن الأبذي بِأَنَّهُم حِين خفضوا بعْدهَا لم يخفضوا إِلَّا بعد تقدم حرف جر فكونهم لم يتعدوا هَذَا دَلِيل لقوم الْجَمَاعَة وَيجوز فصل تَمْيِيز (كم) الاستفهامية فِي الِاخْتِيَار وَإِن لم يجز فِي عشْرين وَإِخْوَته إِلَّا اضطرارا وَيكثر بالظرف وَالْمَجْرُور وَقد يفصل بعاملها وبالخبر نَحْو كم ضربت رجلا وَكم أَتَاك رجلا وَلَكِن اتِّصَاله هُوَ الأَصْل والأقوى وَمِمَّا وَجه بِهِ جَوَاز الْفَصْل فِيهَا أَنَّهَا لما لَزِمت الصَّدْر ونظيرها من الْأَعْدَاد الَّتِي ينصب تمييزها لَيْسَ كَذَلِك بل يَقع صدر أَو غير جعل هَذَا الْقدر من التَّصَرُّف فِيهَا عوضا من ذَلِك التَّصَرُّف الَّذِي سلبته وَيجوز حذف تمييزها نَحْو كم ضربت رجلا على أَن رجلا مفعول ضربت والتمييز مَحْذُوف وَكم رجل جَاءَك أَي كم مرّة أَو يَوْمًا وَرجل مُبْتَدأ وَمَا بعده الْخَبَر

(2/351)


تَمْيِيز كم الخبرية
(ص) والخبرية مجرورة بإضافتها وَقيل ب (من) وَينصب إِن فصل ودونه لُغَة وجره مَفْعُولا بظرف ضَرُورَة وَثَالِثهَا يجوز إِن كَانَ نَاقِصا وبجملة ثَالِثهَا يجوز فِي الشّعْر فَقَط وَيكون جمعا وَقيل شَاذ على معنى الْوَاحِد وَقيل إِن لم ينصب وَالأَصَح جَوَاز حذفه وَثَالِثهَا إِن لم يقدر مُضَافا وَرَابِعهَا يفتح إِن لم يقدر مَنْصُوبًا وَمنع نَفْيه فيهمَا (ش) تَمْيِيز (كم) الخبرية مجرور وَيكون مُفردا وجمعا قَالَ: 984 -
(كم عَمّةٍ لَك يَا جريرُ وخالةٍ ... )
وَقَالَ: 985 -
(كَمْ مُلوكٍ باد مُلْكُهُمُ ... )

(2/352)


والإفراد أَكثر من الْجمع وأفصح حَتَّى زعم بَعضهم أَن تمييزها بِالْجمعِ شَاذ وَعَلِيهِ العكبري فِي شرح الإفصاح وَقيل يكون الْجمع على معنى الْوَاحِد فَإِذا قلت كم رجال كَأَنَّك قلت كم جمَاعَة من الرِّجَال ثمَّ الْجَرّ بإضافتها إِلَيْهِ عِنْد الْبَصرِيين وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: بِمن مقدرَة حذفت وأبقي عَملهَا كَمَا فِي قَوْله: 986 -
(رَسْم دَار وقَفْتُ فِي طَلَلِهْ ... )
وَضعف بِأَن إِضْمَار حرف الْجَرّ وإبقاء عمله إِنَّمَا يكون فِي ضَرُورَة أَو شذوذ فَإِن فصل نصب حملا على الاستفهامية كَقَوْلِه: 987 -
(كم نالني مِنْهُمُ فَضْلاً على عَدَم ... )

(2/353)


وَرُبمَا ينصب غير مفصول رُوِيَ (كم عمَّة لَك) الْبَيْت بِالنّصب وَذكر بَعضهم أَن النصب بِلَا فصل لُغَة تَمِيم وَذكره سِيبَوَيْهٍ عَن بعض الْعَرَب قَالَ أَبُو حَيَّان وَهِي لُغَة قَليلَة وَإِذا نصب بفصل أَو بِغَيْر فصل جَازَ كَونه أَيْضا مُفردا أَو جمعا كَمَا إِذا جر هَذَا مَذْهَب الْجُمْهُور وَذهب الْأُسْتَاذ أَبُو عَليّ وَابْن هِشَام الخضراوي إِلَى أَنَّهَا إِذا نصب تمييزها الْتزم فِيهِ الْإِفْرَاد لِأَن الْعَرَب التزمته فِي كل تَمْيِيز مَنْصُوب عَن عدد أَو كِنَايَة ككم الاستفهامية وكأين وَكَذَا ورد بِأَن ذَلِك فِيمَا يجب نَصبه لَا فِيمَا يجوز نَصبه وجره وَهل يجوز جَرّه مَعَ الْفَصْل بظرف أَو مجرور مَذَاهِب: أَصَحهَا لَا لما فِيهِ من الْفَصْل بَين المتضايفين وَذَلِكَ مَمْنُوع إِلَّا فِي ضَرُورَة نَحْو: 988 -
(كَمْ بجُودٍ مُقْرفٍ نَالَ العُلَى ... وكريم بُخْلُهُ قَدْ وَضَعَهْ)

(2/354)


وَالثَّانِي نعم وَعَلِيهِ الْكُوفِيُّونَ بِنَاء على رَأْيهمْ أَن الْجَرّ بِمن مضمرة وَيُونُس بِنَاء على رَأْيه من جَوَاز الْفَصْل بَين المتضايفين فِي الِاخْتِيَار بذلك وَالثَّالِث الْجَوَاز إِن كَانَ الظّرْف أَو الْمَجْرُور نَاقِصا نَحْو كم بك مَأْخُوذ أَتَانِي وَكم الْيَوْم جَائِع جَاءَنِي وَالْمَنْع إِن كَانَ تَاما ورد بِأَن الْعَرَب لم تفرق بَين الظّرْف التَّام والناقص فِي الْفَصْل بل تجريهما مجْرى وَاحِدًا فَإِن كَانَ الْفَصْل بجملة لم يجز الْجَرّ فِي كَلَام وَلَا فِي شعر عِنْد الْبَصرِيين لِأَن الْفَصْل بِالْجُمْلَةِ بَين المتضايفين لَا يجوز الْبَتَّةَ وَجوزهُ الْكُوفِيُّونَ فيهمَا بِنَاء على أَن الْجَرّ بِمن لَا بِالْإِضَافَة وَجوزهُ الْمبرد فِي الشّعْر فَقَط وَرُوِيَ قَوْله: 989 -
(كَمْ نَالَنِي مِنْهُمُ فَضْل على عَدَم ... )
بِالْجَرِّ وَيجوز حذف تَمْيِيز (كم) الخبرية وَلَا يجوز كَون الْمُمَيز منفيا لَا فِي الاستفهامية وَلَا فِي الخبرية لَا يُقَال كم لَا رجلا جَاءَك وَلَا كم لَا رجل صَحِبت نَص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ وَأَجَازَ ذَلِك بعض النَّحْوِيين نعم يجوز الْعَطف عَلَيْهِ بِالنَّفْيِ نَحْو كم فرس ركبت لَا فرسا وَلَا فرسين أَي كثيرا من الأفراس ركبت لَا قَلِيلا
تَمْيِيز كأين
(ص) ومميز كأين بِمن غَالِبا وَقَالَ ابْن عُصْفُور لَازِما وَمَعَ فقدها بإضمارها وَقيل بِالْإِضَافَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا يجمع وحذفه سَائِغ أَو ضَعِيف أَو مَمْنُوع أَقْوَال وَالأَصَح أَلا يفصل

(2/355)


(ش) مُمَيّز كأين الْأَكْثَر جَرّه بِمن ظَاهِرَة قَالَ تَعَالَى: {وكأين من آيَة} [يُوسُف: 105] {وكأين من نَبِي} [آل عمرَان: 146] {وكأين من دَابَّة} [العنكبوت: 60] قَالَ ابْن حَيَّان وَيظْهر من كلا سِيبَوَيْهٍ أَن (من) هُنَا لتأكيد الْبَيَان فَهِيَ زَائِدَة قَالَ وَقد يُقَال إِنَّهَا تزاد فِي غير الْوَاجِب فَيُقَال إِن هَذَا روعي فِيهِ أَصله من الِاسْتِفْهَام وَهُوَ غير وَاجِب وَينصب قَلِيلا قَالَ الشَّاعِر: 990 -
(وكَائِنْ لنَا فَضْلاً عَلَيْكُمْ ونِعْمَةً ... )
وَقَالَ: 991 -
(اطْرُدِ اليَأس بالرَّجَا فَكَأيِّنْ ... آلِماً حُمَّ يُسْرُهُ بَعْدَ عُسر)
وَزعم ابْن عُصْفُور أَن جَرّه بِمن لَازم وَأَنه لَا ينصب قَالَ فِي الْمُغنِي وَيَردهُ نَص سِيبَوَيْهٍ على خِلَافه وَيجوز جَرّه مَعَ فقد (من) قَالَ أَبُو حَيَّان إِلَّا أَنه لَا يحفظ فَإِن جَاءَ كَانَ على إِضْمَار (من) وَهُوَ مَذْهَب الْخَلِيل وَالْكسَائِيّ وَلَا يحمل على إِضَافَة كأين كَمَا ذهب إِلَيْهِ ابْن كيسَان لِأَنَّهُ لَا يجوز إضافتها إِذْ المحكى لَا يُضَاف وَلِأَن فِي آخرهَا تنوينا فَهُوَ مَانع من الْإِضَافَة أَيْضا وَقد قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِن جرها أحد من الْعَرَب فعسي أَن يجرها بإضمار (من) انْتهى وَقَالَ ابْن خروف يكون فِي مميزها النصب وَيجوز الْجَرّ ب (من) وَبِغير (من) بفصل وَبِغير فصل

(2/356)


قَالَ أَبُو حَيَّان ومقتضي الِاسْتِقْرَار أَن تَمْيِيز (كأين) لَا يكون جمعا فَلَيْسَتْ كَمثل (كم) الخبرية فِي ذَلِك وَاخْتلف فِي جَوَاز حذفه فجوزه الْمبرد وَالْأَكْثَرُونَ وَقَالَ صَاحب الْبَسِيط إِنَّه ضَعِيف للُزُوم (من) فَفِيهِ حذف عَامل ومعمول قَالَ أَبُو حَيَّان وَمن يَقُول بِجَوَاز حذفه لَا يلْتَزم أَنه حذف وَهُوَ مجرور بِمن بل حذف وَهُوَ مَنْصُوب كَمَا حذف من (كم) الاستفهامية وَهُوَ مَنْصُوب والأفصح اتِّصَال تَمْيِيز (كأين) بهَا وَكَذَا وَقعت فِي الْقُرْآن وَيجوز الْفَصْل بَينهمَا بِالْجُمْلَةِ وبالظرف قَالَ: 992 -
(وكائِنْ رَدَدْنًا عَنْكُمُ مِنْ مُدَجّج ... )
وَقَالَ: 993 -
(وكائِنْ بالأباطح مِنْ صَديق ... )

تَمْيِيز كَذَا
(ص) ومميز (كَذَا) لَا يجر بِمن وفَاقا وَلَا بِالْإِضَافَة وَلَا الْبَدَلِيَّة وَلَا يرفع وَلَا يجمع خلافًا لزاعميها (ش) مُمَيّز (كَذَا) لَا يكون إِلَّا مُفردا مَنْصُوبًا قَالَ الشَّاعِر: 944 -
(عِدِ النّفْسَ نُعْمَى بَعْد بُوساك ذَاكرًا ... كَذَا وَكَذَا لُطْفاً بِهِ نُسِيَ الْجُهْدُ)

(2/357)


وَلَا يجوز جَرّه بِمن اتِّفَاقًا وَلَا بِالْإِضَافَة خلافًا للكوفيين وأجازوا فِي غير تكْرَار وَلَا عطف أَن يُقَال كَذَا ثوب وَكَذَا أَثوَاب قِيَاسا على الْعدَد الصَّرِيح ورد بِأَن المحكى لَا يُضَاف وَبِأَن فِي آخرهَا اسْم الْإِشَارَة وَاسم الْإِشَارَة لَا يُضَاف وَأَجَازَ بَعضهم كَذَا دِرْهَم بِالْجَرِّ على الْبَدَل وَجوز الْكُوفِيُّونَ الرّفْع بعد (كَذَا) قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ خطأ لِأَنَّهُ لم يسمع وجوزوا الْجمع بعد الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة

(2/358)


نواصب الْمُضَارع

أَن
(ص) نواصب الْمُضَارع (أَن) يُقَال (عَن) وَهِي الموصولة بالماضي خلافًا لِابْنِ طَاهِر لَا بعد يَقِين غير مؤول فِي الْأَصَح وَيجوز فِي تلو (ظن) الرّفْع مُخَفّفَة وَكَذَا خوف تَيَقّن مخوفه فِي الْأَصَح وَالأَصَح لَا تعْمل زَائِدَة وَلَا يتَقَدَّم مَعْمُول معمولها وَثَالِثهَا يجوز مَعَ أُرِيد وَعَسَى وَلَا يفصل وَقيل يجوز بظرف وَقيل بِشَرْط وترفع إهمالا على الْأَصَح وَعَن الْكسَائي لَا يُقَاس وَلَا تجزم وَحَكَاهُ الرُّؤَاسِي واللحياني وَأَبُو عُبَيْدَة لُغَة وَتَقَع مُبْتَدأ وخبرا ومعمول حرف نَاسخ وَجَاز ولكان وَظن وَبَعض المغاربة وَفعل غير الْجَزْم ومضاف خلافًا لِابْنِ الطراوة لَا بِمَعْنى (الَّذِي) خلافًا لِابْنِ الذكي (ش) لما أنهيت منصوبات الْأَسْمَاء عقبت بمنصوبات الْأَفْعَال كَمَا ذكر عقب المرفوعات الْمُضَارع الْمَرْفُوع فنواصب الْفِعْل الْمُضَارع أَرْبَعَة أحرف

(2/359)


أَحدهَا (أَن) وَهِي أم الْبَاب قَالَ أَبُو حَيَّان بِدَلِيل الِاتِّفَاق عَلَيْهَا وَالِاخْتِلَاف فِي (لن) و (إِذن) و (كي) وَيُقَال فِيهَا (عَن) بإبدال الْهمزَة عينا وَأَن هَذِه الناصبة للمضارع هِيَ الَّتِي توصل بالماضي فِي نَحْو: {أَن كَانَ ذَا مَال وبنين} [الْقَلَم: 14] وبالأمر فِي نَحْو كتبت إِلَيْهِ أَن قُم وبالنهي فِي نَحْو كتبت إِلَيْهِ أَلا تفعل وَزعم أَبُو بكر بن طَاهِر أَنَّهَا غَيرهَا فَتكون (أَن) على مذْهبه مُشْتَركَة أَو متجوزا بهَا وَاسْتدلَّ لذَلِك بأمرين أَحدهمَا أَنَّهَا تخلص للاستقبال فَلَا تدخل على الْمَاضِي كالسين وسوف وَكَذَا الْأَمر وَالثَّانِي أَنا لَو فَرضنَا دُخُولهَا على الْمَاضِي لوَجَبَ أَن تصيره بِصِيغَة الْمُضَارع كلم لما دخلت على الْمَاضِي قلبت صيغته إِلَى الْمُضَارع لتعمل فِيهِ وَشرط نصب الْمُضَارع بعد (أَن) أَلا تقع بعد فعل يَقِين كعلم وَتحقّق وتيقن وَنَحْوهَا فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ المخففة من الثَّقِيلَة نَحْو: {علم أَن سَيكون} [المزمل: 20] خلافًا للفراء حَيْثُ جوز أَن تلِي أَن الناصبة للمضارع لفظ الْعلم وَمَا فِي مَعْنَاهُ مستدلا بِقِرَاءَة {أَفلا يرَوْنَ أَلا يرجع إِلَيْهِم} [طه: 89] بِالنّصب وَهِي بمعني أَفلا يعلمُونَ وَبقول جرير: 995 -
(نَرْضَى عَن الله أنّ النّاس قَدْ عَلِمُوا ... ألاّ يُدانِينَا مِنْ خَلْقهِ أحَدُ)

(2/360)


وَأجِيب بِأَن الْعلم إِنَّمَا يمْتَنع وُقُوع أَن الناصبة بعده إِذا بَقِي على مَوْضِعه الْأَصْلِيّ أما إِذا أول بِالظَّنِّ وَاسْتعْمل اسْتِعْمَاله فَإِنَّهُ يجوز فِيهِ ذَلِك وَالدَّلِيل على اسْتِعْمَال الْعلم بمعني الظَّن قَوْله تَعَالَى: {فَإِن علمتموهن مؤمنات} [الممتحنة: 10] فَإِن المُرَاد بِالْعلمِ فِيهِ الظَّن الْقوي إِذْ الْقطع بإيمانهن غير متوصل إِلَيْهِ وَمنع الْمبرد النصب أَيْضا فِي المؤول بِالظَّنِّ فَقولِي فِي الْأَصَح رَاجع إِلَى المستثني والمستثني مِنْهُ جَمِيعًا وَيجوز فِي الْوَاقِعَة بعد الظَّن الرّفْع على أَنَّهَا المخففة من الثَّقِيلَة وَهُوَ قَلِيل وَالْأَكْثَر فِي لِسَان الْعَرَب النصب بعده قَالَ تَعَالَى: {أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا} [العنكبوت: 2] وَقُرِئَ بِالْوَجْهَيْنِ {وَحَسبُوا أَلا تكون فتْنَة} [الْمَائِدَة: 71] قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَيْسَ فِي الْوَاقِعَة بعد الشَّك إِلَّا النصب وَفِي الْوَاقِعَة بعد فعل خوف تَيَقّن مخوفه نَحْو خفت أَلا تقوم وَخفت أَلا تكرمني قَولَانِ أصَحهمَا جَوَاز الرّفْع كَمَا بعد الظَّن وَقد سمع قَالَ أَبُو محجن: 996 -
(أَخَاف إِذا مَا مِتّ أنْ لَا أذْوقُها ... )

(2/361)


وَالثَّانِي تعين النصب وَعَلِيهِ الْمبرد وَلَا تعْمل أَن الزَّائِدَة عِنْد الْجُمْهُور لِأَنَّهَا لَا تخْتَص بِدَلِيل دُخُولهَا على الْفِعْل الْمَاضِي فِي قَوْله: {فَلَمَّا أَن جَاءَ البشير} [يُوسُف: 96] وَلَا يعْمل إِلَّا الْمُخْتَص وَجوز الْأَخْفَش إعمالها حملا لَهَا على المصدرية وَقِيَاسًا على الْبَاء الزَّائِدَة حَيْثُ تعْمل الْجَرّ وَفرق بِأَن الْبَاء الزَّائِدَة تخْتَص بِالِاسْمِ وَلَا يجوز تَقْدِيم مَعْمُول مَعْمُول أَن الناصبة عَلَيْهَا لِأَنَّهَا حرف مصدري ومعمولها صلَة لَهَا ومعمولة من تَمام الصِّلَة فَكَمَا لَا تتقدم الصِّلَة لَا يتَقَدَّم معمولها هَذَا مَذْهَب الْبَصرِيين وَجوز الْفراء تَقْدِيمه لقَوْله: 997 -
(كَانَ جَزائي بالعصًا أنْ أُجْلَدا ... )
فَقَوله (بالعصا) مُتَعَلق ب (أجلد) وَأجِيب بندوره أَو تَأْوِيله على تَقْدِير مُتَعَلق دلّ عَلَيْهِ الْمَذْكُور وَنقل ابْن كيسَان عَن الْكُوفِيّين الْجَوَاز فِي نَحْو طَعَامك أُرِيد أَن آكل وطعامك عَسى أَن آكل وَلَا يجوز فصل أَن الناصبة من الْفِعْل لَا بظرف وَلَا بمجرور وَلَا قسم وَلَا غير ذَلِك هَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور وَجوزهُ بَعضهم بالظرف وَشبهه نَحْو أُرِيد أَن عِنْدِي تقعد وَأُرِيد أَن فِي الدَّار تقعد قِيَاسا على أَن الْمُشَدّدَة حَيْثُ يجوز ذَلِك فِيهَا بِجَامِع مَا اشْتَركَا فِيهِ من المصدرية وَالْعَمَل وَجوزهُ الْكُوفِيُّونَ بِالشّرطِ نَحْو أردْت أَن إِن تزرني أزورك بِالنّصب مَعَ تجويزهم الإلغاء أَيْضا وَجزم أزورك جَوَابا وَيجوز إهمال (أَن) حملا على أُخْتهَا مَا المصدرية فيرفع الْفِعْل بعْدهَا وَخرج عَلَيْهِ قِرَاءَة {أَن يتم الرضَاعَة} [الْبَقَرَة: 233] بِالرَّفْع وَقيل لَا وَأَن الْمَرْفُوع بعْدهَا الْفِعْل مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة لَا المصدرية وَعَلِيهِ الْكُوفِيُّونَ

(2/362)


وَلَا يجوز الْجَزْم ب (أَن) عِنْد الْجُمْهُور وَجوزهُ بعض الْكُوفِيّين قَالَ الرُّؤَاسِي من الْكُوفِيّين فصحاء الْعَرَب ينصبون بِأَن وَأَخَوَاتهَا الْفِعْل ودونهم قوم يرفعون بهَا ودونهم قوم يجزمون بهَا وَأنْشد على الْجَزْم: 998 -
(أُحَاذِرُ أنْ تَعْلَمْ بهَا فَتَرُدّها ... )
وَمِمَّنْ حكى الْجَزْم بهَا لُغَة من الْبَصرِيين أَبُو عُبَيْدَة واللحياني وَزَاد أَنَّهَا لُغَة بني صباح ثمَّ لما كَانَت أَن مَعَ معمولها فِي تَقْدِير الِاسْم تسلط عَلَيْهَا الْعَامِل الْمَعْنَوِيّ واللفظي فَتَقَع مُبْتَدأ نَحْو: {وَأَن تَصُومُوا خير لكم} [الْبَقَرَة: 184] وَخبر مُبْتَدأ نَحْو الْأَمر أَن تفعل كَذَا وَلَا يكون مبتدؤها إِلَّا مصدرا فَإِن وَقع جثة أول ومعمولا لحرف نَاسخ نَحْو إِن عِنْدِي أَن تخرج وَلَا بُد أَن يكون أحد الجزأين مصدرا إِلَّا فِي لَعَلَّ فَيجوز أَن يكون جثة نَحْو لَعَلَّ زيد أَن يخرج حملا على (عسي)

(2/363)


ومعمولا بِحرف جر وَيكثر حذفه ومعمولا لَكَانَ وَأَخَوَاتهَا اسْما وخبرا نَحْو كَانَ أَن تقعد خيرا من قيامك وَتَكون عُقُوبَتك أَن أعزلك ومعمولا لظن وَأَخَوَاتهَا مَفْعُولا أَولا وَثَانِيا نَحْو ظَنَنْت أَن تقوم خيرا من أَن تقعد وَقَوله: 999 -
(إِنِّي رَأَيْت من المكارم حَسْبَكُم ... أَن تَلْبَسُوا خَزّ الثِّيابِ وتَشْبَعُوا)
أَي لبس الثِّيَاب ومعمولا لبَعض أَفعَال المقاربة ولغيرها من أَفعَال غير الْجَزْم نَحْو طلبت مِنْك أَن تقوم وَأَرَدْت أَن تفعل وبدا لي أَن أقوم بِخِلَاف أَفعَال الْجَزْم لَا يُقَال فعلت أَن أقوم أَي الْقيام وَلَا أَعطيتك أَن تأمن أَي الْأمان ومعمولا لاسم مُضَاف نَحْو إِنَّه أهل أَن يفعل ومخافة أَن تفعل وأجيء بعد أَن تقوم وَقبل أَن تخرج وَقَالَ ابْن الطراوة لَا يجوز أَن يُضَاف إِلَى أَن ومعمولها لِأَن مَعْنَاهَا التَّرَاخِي فَمَا بعْدهَا فِي جِهَة الْإِمْكَان وَلَيْسَ بِثَابِت وَالنِّيَّة فِي الْمُضَاف إِثْبَات عينه بِثُبُوت عين مَا أضيف إِلَيْهِ فَإِذا كَانَ مَا أضيف إِلَيْهِ غير ثَابت فِي نَفسه فَإِن ثُبُوت غَيره محَال
لن
(ص) (لن) بسيطة وَقَالَ الْخَلِيل من (لَا أَن) وَالْفراء لَا النافية أبدلت نونا وَإِنَّمَا تنصب مُسْتَقْبلا وتفيد نَفْيه وَكَذَا التَّأْكِيد لَا التَّأْبِيد على الْمُخْتَار

(2/364)


وَقَالَ بعض البيانين لنفي مَا قرب وَالْمُخْتَار وفَاقا لِابْنِ عُصْفُور ترد للدُّعَاء وَيقدم مَعْمُول معمولها خلافًا للأخفش الصَّغِير وَلَا يفصل اخْتِيَار وَجوزهُ الْكسَائي بقسم ومعمول وَالْفراء بِشَرْط وأظن وتهمل وَحكى اللحياني الْجَزْم بهَا (ش) الثَّانِي من نواصب الْمُضَارع (لن) وَالْجُمْهُور أَنَّهَا حرف بسيط لَا تركيب فِيهَا وَلَا إِبْدَال وَقَالَ الْخَلِيل وَالْكسَائِيّ إِنَّهَا مركبة من (لَا أَن) فأصلها (لَا أَن) حذفت الْهمزَة لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال كَمَا حذفت فِي قَوْلهم ويلمه وَالْأَصْل ويل أمه ثمَّ حذفت الْألف لالتقاء الساكنين ألف (لَا) وَنون (أَن) فَصَارَت (لن) وَالْحَامِل لَهما على ذَلِك قربهَا فِي اللَّفْظ من (لَا أَن) وَوُجُود معنى (لَا) و (أَن) فِيهَا وَهُوَ النَّفْي والتخليص للاستقبال وَقَالَ الْفراء هِيَ لَا النافية أبدل من ألفها نون وَحمله على ذَلِك اتِّفَاقهمَا فِي النَّفْي وَنفي المستقيل وَجعل (لَا) أصلا لِأَنَّهَا أقعد فِي النَّفْي من (لن) لِأَن (لن) لَا تَنْفِي إِلَّا الْمُضَارع وَقد ذكرت رد الْقَوْلَيْنِ فِي حَاشِيَة الْمُغنِي وتنصب (لن) الْمُسْتَقْبل أَي أَنَّهَا تخلص الْمُضَارع إِلَى الِاسْتِقْبَال وتفيد نَفْيه ثمَّ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور أَنَّهَا تنفيه من غير أَن يشْتَرط أَن يكون النَّفْي بهَا آكِد من النَّفْي بِلَا وَذهب الزَّمَخْشَرِيّ فِي مفصله إِلَى أَن (لن) لتأكيد مَا تعطيه (لَا) من نفي الْمُسْتَقْبل قَالَ تَقول لَا أَبْرَح الْيَوْم مَكَاني فَإِذا أكدت وشددت قلت لن أَبْرَح الْيَوْم قَالَ تَعَالَى: {لَا أَبْرَح حَتَّى أبلغ مجمع الْبَحْرين} [الْكَهْف: 60] وَقَالَ: {فَلَنْ أَبْرَح الأَرْض حَتَّى يَأْذَن لي أبي} [يُوسُف: 80] وَذهب الزَّمَخْشَرِيّ فِي أنموذجه إِلَى أَنَّهَا تفِيد تأبيد النَّفْي قَالَ فقولك لن أَفعلهُ كَقَوْلِك لَا أَفعلهُ أبدا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {لن يخلقوا ذبابا} [الْحَج: 73] قَالَ ابْن مَالك وَحمله على ذَلِك اعْتِقَاده فِي (لن تراني)

(2/365)


أَن الله لَا يري وَهُوَ بَاطِل ورده غَيره بِأَنَّهَا لَو كَانَت للتأبيد لم يُقيد منفيها بِالْيَوْمِ فِي {فَلَنْ أكلم الْيَوْم إنسيا} [مَرْيَم: 26] وَلم يَصح التَّوْقِيت فِي قَوْله {لن نَبْرَح عَلَيْهِ عاكفين حَتَّى يرجع إِلَيْنَا مُوسَى} [طه: 91] ولكان ذكر (الْأَبَد) فِي قَوْله {وَلنْ يَتَمَنَّوْهُ أبدا} [الْبَقَرَة: 95] تكْرَار إِذْ الأَصْل عَدمه وَبِأَن استفادة التَّأْبِيد فِي آيَة {لن يخلقوا ذبابا} [الْحَج: 73] من خَارج وَقد وَافقه على إِفَادَة التَّأْبِيد ابْن عَطِيَّة وَقَالَ فِي قَوْله {لن تراني} [الْأَعْرَاف: 143] لَو بَقينَا على هَذَا النَّفْي لتضمن أَن موسي لَا يرَاهُ أبدا وَلَا فِي الْآخِرَة لَكِن ثَبت فِي الحَدِيث الْمُتَوَاتر
(أَن أهل الْجنَّة يرونه) وَوَافَقَهُ على إِفَادَة التَّأْكِيد جمَاعَة مِنْهُم ابْن الخباز بل قَالَ بَعضهم إِن مَنعه مُكَابَرَة فَلِذَا اخترته دون التَّأْبِيد وَأغْرب عبد الْوَاحِد الزملكاني فَقَالَ فِي كِتَابه (التِّبْيَان فِي الْمعَانِي وَالْبَيَان) إِن (لن) لنفي مَا قرب وَلَا يَمْتَد معنى النَّفْي فِيهَا قَالَ وسر ذَلِك أَن الْأَلْفَاظ مشاكلة للمعاني (وَلَا) آخرهَا ألف وَالْألف يكون امتداد الصَّوْت بهَا بِخِلَاف النُّون وَنقل ذَلِك عَنهُ ابْن عُصْفُور وَأَبُو حَيَّان ورداه وَالْجُمْهُور على أَن الْفِعْل بعد (لن) لَا يخرج عَن كَونه خَبرا كحاله بعد سَائِر حُرُوف النَّفْي غير لَا وَذهب قوم إِلَى أَنه قد يخرج بعد (لن) إِلَى الدُّعَاء كحاله بعد لَا قَالَ الشَّاعِر فِي (لَا) :

(2/366)


1000 -
(وَلَا زالَ مُنْهَلاًّ بجَرْعَائِكِ الْقَطْرُ ... )
وَقَالَ فِي لن: 1001 -
(لن تَزالوا كذلِكُم ثمَّ لَا زلْت ... لكم خَالِداً خُلودَ الجبَال)
وَهَذَا القَوْل اخْتَارَهُ ابْن عُصْفُور وَهُوَ الْمُخْتَار عِنْدِي لِأَن عطف الدُّعَاء فِي الْبَيْت قرينَة ظَاهِرَة فِي أَن الْمَعْطُوف عَلَيْهِ دُعَاء لَا خبر وَتقدم مَعْمُول مَعْمُول (لن) عَلَيْهَا جَائِز خلاف مَعْمُول مَعْمُول (أَن) إِذْ لَا مَصْدَرِيَّة فِيهَا وَقد قَالُوا إِن (لن أضْرب) نفي ل (سأضرب) فَكَمَا جَازَ زيدا سأضرب جَازَ زيدا لن أضْرب وَمنعه الْأَخْفَش الصَّغِير أَبُو الْحسن عَليّ بن سُلَيْمَان الْبَغْدَادِيّ لِأَن النَّفْي لَهُ صدر الْكَلَام فَلَا يقدم مَعْمُول معموله عَلَيْهِ كَسَائِر حُرُوف النَّفْي وَلَا يجوز الْفَصْل بَين (لن) وَبَين الْفِعْل فِي الِاخْتِيَار لِأَنَّهَا مَحْمُولَة على سيفعل وَكَذَلِكَ لم يجز لن تفعل وَلَا تضرب زيدا بِنصب (تضرب) لِأَن الْوَاو كالعامل فَلَا يفصل بَينهَا ويبن الْفِعْل ب (لَا) كَمَا لَا يُقَال لن لَا تضرب زيدا هَذَا مَذْهَب الْبَصرِيين وَهِشَام وَاخْتَارَ الْكسَائي الْفَصْل بالقسم ومعمول الْفِعْل نَحْو لن وَالله أكْرم زيدا وَلنْ زيدا أكْرم وَوَافَقَهُ الْفراء على الْقسم وَزَاد جَوَاز الْفَصْل ب (أَظن) نَحْو لن أَظن أزورك بِالنّصب وبالشرط نَحْو لن إِن تزرني أزورك بِالنّصب وَجوز الإلغاء والجزم جَوَابا قَالَ أَبُو حَيَّان وَأَصْحَاب الْفراء لَا يفرقون بَين لن وَالْفِعْل اخْتِيَارا وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن (لن) وَأَخَوَاتهَا من الْحُرُوف الناصبة للأفعال بِمَنْزِلَة إِن وَأَخَوَاتهَا من الْحُرُوف الناصبة للأسماء فَكَمَا لَا يجوز الْفَصْل بَين إِن وَاسْمهَا لَا يجوز بَين لن وَأَخَوَاتهَا وَالْفِعْل بل الْفَصْل بَين عوامل الْأَفْعَال وَالْأَفْعَال أقبح مِنْهُ بَين عوامل الْأَسْمَاء والأسماء لِأَن عوامل الْأَفْعَال أَضْعَف من عوامل الْأَسْمَاء

(2/367)


وَحكى اللحياني الْجَزْم بلن لُغَة وَأنْشد عَلَيْهِ: 1002 -
(لنْ يَخِبِ الْآن مِنْ رجَائِكَ مَنْ ... حرّك مِنْ دُون بَابكَ الْحَلَقَهْ)

كي
(ص) كي إِن كَانَت الموصولة فالنصب بهَا عِنْد الْجُمْهُور أَو الجارة فبأن مضمرة وَجوز الكوفية إظهارها وتتعين الأولى بعد اللَّام وَالثَّانيَِة قبلهَا وتترجح مَعَ إِظْهَار أَن وَأنكر الكوفية كَونهَا جَارة وَقوم كَونهَا ناصبة وَلَا تفِيد الناصبة عِلّة وَلَا تتصرف بل تجر بِاللَّامِ وَيجوز تَأْخِير معلولها والفصل بِلَا النافية وَمَا الزَّائِدَة وَبِهِمَا لَا بِغَيْر ذَلِك وَجوزهُ الْكسَائي بمعمول وَقسم وَشرط وَلَا عمل وَابْن مَالك وَولده وتعمل وَلَا يقدم مَعْمُول منصوبها وَلَا على الْمَعْمُول فِي الْأَصَح وَجوز الكوفية والمبرد النصب ب (كَمَا) (ش) الثَّالِث من نواصب الْمُضَارع كي وَمذهب سِيبَوَيْهٍ والأكثرين أَنَّهَا حرف مُشْتَرك فَتَارَة تكون حرف جر بِمَعْنى اللَّام فتفهم الْعلَّة وَتارَة تكون حرفا تنصب الْمُضَارع بعده وَاخْتلف هَؤُلَاءِ فمذهب سِيبَوَيْهٍ أَنَّهَا تنصب بِنَفسِهَا وَمذهب الْخَلِيل والأخفش أَن (أَن) مضمرة بعْدهَا وَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّهَا مُخْتَصَّة بِالْفِعْلِ فَلَا تكون جَارة فِي الِاسْم وَقيل إِنَّهَا مُخْتَصَّة بِالِاسْمِ فَلَا تكون ناصبة للْفِعْل

(2/368)


وَاحْتج من قَالَ إِنَّهَا مُشْتَركَة بِأَنَّهُ سمع من كَلَام الْعَرَب جِئْت لكَي أتعلم وَسمع من كَلَامهم كيمه فَأَما لكَي أتعلم فَهِيَ ناصبة بِنَفسِهَا لدُخُول حرف الْجَرّ عَلَيْهَا وَلَيْسَت فِيهِ حرف جر لِأَن حرف الْجَرّ لَا يدْخل على حرف الْجَرّ وَأما كيمه فَهِيَ حرف جر بمعني اللَّام كَأَنَّهُ قَالَ لمه وَوجه الِاسْتِدْلَال من هَذَا اللَّفْظ أَنه قد تقرر من لِسَان الْعَرَب أَن (مَا) الاستفهامية إِذا دخل عَلَيْهَا حرف الْجَرّ حذفت ألفها نَحْو بِمَ وَلم وفيم وَعم فَإِذا وقف عَلَيْهَا جَازَ أَن تلحقها هَاء السكت وَيدل أَيْضا على أَنَّهَا جَارة دُخُولهَا على (مَا) المصدرية كَقَوْلِه: 1003 -
(يُراد الْفَتى كَيْما يَضُرُّ ويَنْفَعُ ... )
فَرفع الْفِعْل على معني يُرَاد الفتي للضر والنفع وَأما جِئْت كي أتعلم فَيحمل عِنْدهم أَن تكون الناصبة بِنَفسِهَا إِذْ قد ثَبت أَنَّهَا تنصب بِنَفسِهَا فَتكون بمعني أَن وَاللَّام الْمُقْتَضِيَة للتَّعْلِيل محذوفة كَمَا تحذف فِي جِئْت أَن تعلم وَيحْتَمل عِنْدهم أَن تكون الجارة وَتَكون أَن مضمرة بعْدهَا كَمَا أضمرت بعد غَيرهَا من الْحُرُوف عَليّ مَا سَيَأْتِي بَيَانه وَيَبْنِي على هَذَا الْمَذْهَب فرع وَهُوَ أَنه هَل يجوز أَن تدخل كي على (لَا) أم لَا يجوز وَالْجَوَاب أَنَّك إِن قدرتها الجارة لم يجز لِأَن (كي) كاللام فَلَا تدخل عَلَيْهَا إِلَّا مَعَ (أَن) كَمَا فِي اللَّام نَحْو {لِئَلَّا يعلم} [الْحَدِيد: 29] وَإِن قدرتها الناصبة جَازَ نَحْو كَيْلا تقدم

(2/369)


وَهِي إِذا كَانَت ناصبة لَا يفهم مِنْهَا السَّبَبِيَّة لِأَنَّهَا مَعَ الْفِعْل بعْدهَا بِتَأْوِيل الْمصدر كَأَن وَلَا تتصرف تصرف (أَن) فَلَا تقع مُبتَدأَة وَلَا فاعلة وَلَا مفعولة وَلَا مجرورة بِغَيْر اللَّام وتتعين الناصبة بعد اللَّام نَحْو جِئْت لكَي أتعلم لِئَلَّا يجمع بَين حرفي جر وَدخُول اللَّام على الناصبة لكَونهَا مَوْصُولَة كَأَن وَلذَلِك شبه سِيبَوَيْهٍ إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى وتتعين الجارة إِذا جَاءَت قبل اللَّام نَحْو جِئْت كي لأقرأ فكي حرف جر وَاللَّام تَأْكِيد لَهَا وَأَن مضمرة بعْدهَا وَلَا يجوز أَن تكون كي ناصبة للفصل بَينهَا وَبَين الْفِعْل بِاللَّامِ وَلَا يجوز الْفَصْل بَين الناصبة وَالْفِعْل بالجار وَلَا بِغَيْرِهِ وَلَا يجوز أَن تكون كي زَائِدَة لِأَن (كي) لم يثبت زيادتها فِي غير هَذَا الْموضع فَيحمل هَذَا عَلَيْهِ وَهَذَا التَّرْكِيب أَي مَجِيء (كي) قبل اللَّام نَادِر وَمِنْه قَول الطرماح: 1004 -
(كَادُوا بنَصْر تَميم كَيْ ليَلْحَقَهُمْ ... )
وإضمار (أَن) بعد الجارة على جِهَة الْوُجُوب فَلَا يجوز إظهارها عِنْد الْبَصرِيين إِلَّا فِي ضَرُورَة وَجوزهُ الْكُوفِيُّونَ فِي السعَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَالْمَحْفُوظ إظهارها بعد (كي) الموصولة بِمَا كَقَوْلِه: 1005 -
(كَيْمَا أنْ تَغُرّ وتَخْدَعا ... )

(2/370)


وَلَا أحفظ من كَلَامهم جِئْت كي أَن تكرمني وَمَعَ إِظْهَار اللَّام نَحْو جِئْت لكيما أَن تقوم يتَرَجَّح كَونهَا جَارة مُؤَكدَة للام على كَونهَا ناصبة مُؤَكدَة بِأَن لِأَن (أَن) هِيَ الَّتِي وليت الْفِعْل وَهِي أم الْبَاب وَمَا كَانَ أصلا فِي بَابه لَا يَجْعَل تَأْكِيدًا لما لَيْسَ أصلا مَعَ مَا فِيهِ من الْفَصْل بَين الناصب وَالْفِعْل وَاللَّام أصل فِي بَاب الْجَرّ فَكَانَت كي توكيدا لَهَا وَلَا يجوز أَن تكون كي تَأْكِيدًا ل (أَن) لِأَن التَّأْكِيد فِي غير المصادر لَا يتَقَدَّم على الْمُؤَكّد وَمن أَحْكَام كي أَنه لَا يمْتَنع تَأْخِير معلولها فَيجوز أَن تَقول كي تكرمني جئْتُك سَوَاء كَانَت الناصبة أَو الجارة وَذَلِكَ أَنَّهَا فِي الْمَعْنى مفعول من أَجله وَتقدم الْمَفْعُول من أَجله سَائِغ قَالَ أَبُو حَيَّان وَأَجْمعُوا على أَنه يجوز الْفَصْل بَينهَا وَبَين معمولها ب (لَا) النافية نَحْو: {كي لَا يكون دولة} [الْحَشْر: 7] وب (مَا) الزَّائِدَة كَقَوْلِه: 1006 -
(تُريدِين كَيْما تَجْمَعِيني وخَالِداً ... )
وَبِهِمَا مَعًا كَقَوْلِه: 1007 -
(أَردْتُ لِكَيْما لَا تريِ لِيَ عِشْرةً ... ومَنْ ذَا الَّذِي يُعْطَى الكمالَ فَيَكْمُلُ)
وَأما الْفَصْل بِغَيْر (مَا) فَلَا يجوز عِنْد الْبَصرِيين وَهِشَام وَمن وَافقه من الْكُوفِيّين فِي الِاخْتِيَار وَجوزهُ الْكسَائي بمعمول الْفِعْل الَّذِي دخلت عَلَيْهِ وبالقسم

(2/371)


وبالشرط فَيبْطل عَملهَا فَتَقول أزورك كي وَالله تزورني وأكرمك كي غلامي تكرم وأزورك كي إِن تكافئ أكرمك وَاخْتَارَ ابْن مَالك وَولده جَوَاز الْفَصْل بِمَا ذكر مَعَ الْعَمَل قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ مَذْهَب ثَالِث لم يسبقا إِلَيْهِ وَتقدم مَعْمُول معمولها مَمْنُوع وَله ثَلَاث صور أَحدهَا تقدمه على الْمَعْمُول فَقَط نَحْو جِئْت كي النَّحْو أتعلم وَالثَّانيَِة على كي فَقَط نَحْو جِئْت النَّحْو كي أتعلم وَالثَّالِثَة على الْمَعْلُول أَيْضا نَحْو النَّحْو جِئْت كي أتعلم وَعَلِيهِ الْمَنْع فِي الأول للفصل وَفِي الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة أَن كي من الموصولات ومعمول الصِّلَة لَا يتَقَدَّم على الْمَوْصُول وَإِن كَانَت جَارة فَأن مضمرة وَهِي مَوْصُولَة أَيْضا وَفِي الصُّورَة الثَّانِيَة خلاف للكسائي قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا يبعد أَن يُجزئ فِي الثَّالِثَة لكنه لم ينْقل وَأثبت الْكُوفِيُّونَ من حُرُوف النصب (كَمَا) بمعني (كَيْمَا) وَوَافَقَهُمْ الْمبرد وَاسْتَدَلُّوا بقوله: 1008 -
(وطَرْفك إمّا جئتنا فاصْرفنّهُ ... كَمَا يَحْسِبُوا أنَّ الهَوَى حَيْثُ تَنْظُرُ)
وَأنكر ذَلِك البصريون وتأولوا مَا ورد على أَن الأَصْل (كَيْمَا) حذفت ياؤه ضَرُورَة أَو الْكَاف الجارة كفت بِمَا وَحذف النُّون من الْفِعْل ضَرُورَة

(2/372)


إِذن
(ص) إِذن الْجُمْهُور أَنَّهَا حرف بسيط وَقَالَ الْخَلِيل من (إِذْ أَن) والرندي (إِذْ أَن) وَقوم اسْم وَأَنَّهَا تنصب بِنَفسِهَا لَا بِأَن المضمرة وتليها جملَة اسمية وَخبر ذِي خبر وَإِنَّمَا تنصب مُسْتَقْبلا وَليهَا مصدرة وَالرَّفْع حِينَئِذٍ لغية أنكرها الْكُوفِيُّونَ فَإِن وليت عاطفا قل النصب أَو ذَا خبر امْتنع وَجوزهُ هِشَام بعد مُبْتَدأ وَالْكسَائِيّ بعد اسْمِي أَن وَكَانَ ويفصل بقسم حذف جَوَابه وَلَا النافية وَجوزهُ ابْن بابشاذ بِنِدَاء وَدُعَاء وَابْن عُصْفُور والأبذي بظرف وَالْكسَائِيّ وَهِشَام وَالْفراء بمعمول ثمَّ اخْتَار الرّفْع وَالْكسَائِيّ النصب وَجوز تقدمه مَعَ الْعَمَل ودونه وَالْفراء وأبطله وَلَا نَص للبصرية قَالَ أَبُو حَيَّان وَمُقْتَضى قواعدهم الْمَنْع وَمَعْنَاهَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ الْجَواب وَالْجَزَاء قَالَ الشلوبين دَائِما والفارسي غَالِبا وَلَا يحذف مَعْمُول ناصب دونه وَلَا لدَلِيل على الْأَصَح (ش) اخْتلف النحويون فِي حَقِيقَة (إِذن) فَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَنَّهَا حرف بسيط وَذهب قوم إِلَى أَنَّهَا اسْم ظرف وَأَصلهَا إِذْ الظَّرْفِيَّة لحقها التَّنْوِين عوضا من الْجُمْلَة الْمُضَاف إِلَيْهَا ونقلت إِلَى الجزائية فَبَقيَ فِيهَا معنى الرَّبْط وَالسَّبَب وَلِهَذَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ مَعْنَاهَا الْجَواب وَالْجَزَاء فَقَالَ الشلوبين دَائِما فِي كل مَوضِع وَقَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي غَالِبا فِي أَكثر الْمَوَاضِع كَقَوْلِك لمن قَالَ أزورك إِذن أكرمك فقد أَجَبْته وَجعلت إكرامه جَزَاء زيارته أَي إِن تزرني أكرمتك

(2/373)


قَالَ وَقد تتمحض للجواب كَقَوْلِك لمن قَالَ أحبك إِذن أصدقك إِذْ لَا مجازاة هُنَا والشلوبين يتَكَلَّف فِي جعل مثل هَذَا جَزَاء أَي إِن كنت قلت ذَلِك حَقِيقَة صدقتك وَذهب الْخَلِيل إِلَى أَنَّهَا حرف تركب من (إِذْ) و (أَن) وَغلب عَلَيْهَا حكم الحرفية ونقلت حَرَكَة الْهمزَة إِلَى الذَّال ثمَّ حذفت وَالْتزم هَذَا النَّقْل فَكَأَن المعني إِذا قَالَ الْقَائِل أزورك فَقلت إِذْ أَن أكرمك قلت حِينَئِذٍ زيارتي وَاقعَة وَلَا يتَكَلَّم بِهَذَا وَذهب أَبُو عَليّ عمر بن عبد الْمجِيد الرندي إِلَى أَنَّهَا مركبة من (إِذا) و (أَن) لِأَنَّهَا تُعْطِي مَا تُعْطِي كل وَاحِدَة مِنْهُمَا فتعطي الرَّبْط كإذا وَالنّصب كَأَن ثمَّ حذفت همزَة أَن ثمَّ ألف إِذا لالتقاء الساكنين وعَلى الأول فَهِيَ ناصبة للمضارع بِنَفسِهَا عِنْد الْأَكْثَرين لِأَنَّهَا تقلبه إِلَى الِاسْتِقْبَال وَقَالَ الزّجاج والفارسي الناصب أَن مضمرة بعْدهَا لَا هِيَ لِأَنَّهَا غير مُخْتَصَّة إِذْ تدخل على الْجمل الابتدائية نَحْو إِذن عبد الله يَأْتِيك وتليها الْأَسْمَاء مَبْنِيَّة على غير الْفِعْل ولنصبها الْمُضَارع ثَلَاثَة شُرُوط أَحدهَا كَونه مُسْتَقْبلا فَلَو قيل لَك أحبك فَقلت إِذن أَظُنك صَادِقا رفعت لِأَنَّهُ حَال وَمن شَأْن الناصب أَن يخلص الْمُضَارع للاستقبال ثَانِيهَا أَن يَليهَا فَيجب الرّفْع فِي نَحْو إِذن زيد يكرمك للفصل وَيغْتَفر الْفَصْل بالقسم وَبلا النافية خَاصَّة لِأَن الْقسم تَأْكِيد لربط إِذن و (لَا) لم يعْتد بهَا فاصلة فِي أَن فَكَذَا فِي إِذن قَالَ الشَّاعِر: 1009 -
(إذَنْ وَاللهِ نَرْمِيَهُمْ بحَرْبٍ ... )

(2/374)


وَجوز أَبُو الْحسن طَاهِر بن بابشاذ الْفَصْل بَينهمَا بالنداء وَالدُّعَاء نَحْو إِذن يَا زيد أحسن إِلَيْك وَإِذن يغْفر الله لَك يدْخلك الْجنَّة قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا يَنْبَغِي أَن يقدم على ذَلِك إِلَّا بِسَمَاع من الْعَرَب وَأَجَازَ ابْن عُصْفُور والأبذي الْفَصْل بالظرف نَحْو إِذن غَدا أكرمك وَأَجَازَ الْكسَائي وَابْن هِشَام وَالْفراء الْفَصْل بمعمول الْفِعْل وَالِاخْتِيَار عِنْد الْكسَائي حِينَئِذٍ النصب وَعند هِشَام الرّفْع نَحْو إِذن فِيك أَرغب وأرغب وَإِذن صَاحبك أُكُرِمُ وُكُرِمَ فَلَو قدمت مَعْمُول الْفِعْل على إِذن نَحْو زيدا إِذن أكْرم فَذهب الْفراء إِلَى أَنه يبطل عَملهَا وَأَجَازَ الْكسَائي إِذْ ذَاك الرّفْع وَالنّصب قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا نَص أحفظه عَن الْبَصرِيين فِي ذَلِك ومقتضي اشتراطهم التصدير فِي عَملهَا أَلا تعْمل وَالْحَالة هَذِه لِأَنَّهَا غير مصدرة وَيحْتَمل أَن يُقَال تعْمل لِأَنَّهَا وَإِن لم تصدر لفظا فَهِيَ مصدرة فِي النِّيَّة لِأَن النِّيَّة بالمفعول التَّأْخِير ثَالِثهَا أَن تكون مصدرة فَلَا تنصب مُتَأَخِّرَة نَحْو أكرمك إِذن بِلَا خلاف لِأَن الْفِعْل الْمَنْصُوب لَا يجوز تَقْدِيمه على ناصبه وَأما المتوسطة فَإِن افْتقر مَا بعْدهَا إِلَى مَا قبلهَا افتقار الشَّرْط لجزائه نَحْو إِن تزرني إِذن أكرمك أَو الْقسم لجوابه نَحْو: 1010 -
(لَئِنْ عَاد لي عَبْدُ العَزيز بمِثْلِها ... وأمْكَنَنِي مِنْهَا إذَنْ لَا أُقِيلُها)
أَو الْخَبَر للمخبر عَنهُ نَحْو زيد إِذن يكرمك امْتنع النصب فِي الصُّور كلهَا وَفِي الْأَخِيرَة خلاف فَأجَاز هِشَام النصب بعد مُبْتَدأ كالمثال وَأَجَازَهُ الْكسَائي بعد اسْم إِن نَحْو:

(2/375)


1011 -
(إِنِّي إذنْ أَهْلِكَ أَو أطِيرَا ... )
وَبعد اسْم كَانَ نَحْو كَانَ عبد الله إِذن يكرمك وَوَافَقَ الْفراء الْكسَائي فِي إِن وَخَالفهُ فِي كَانَ فَأوجب الرّفْع وَنَصّ الْفراء على تعين الرّفْع بعد ظن نَحْو ظَنَنْت زيدا إِذن يكرمك قَالَ أَبُو حَيَّان وَقِيَاس قَول الْكسَائي جَوَاز النصب أَيْضا وَإِن وليت عاطفا قل النصب وَالْأَكْثَر فِي لِسَان الْعَرَب إلغاؤها قَالَ تَعَالَى {وَإِذا لَا يلبثُونَ خِلافك إِلَّا قَلِيلا} [الْإِسْرَاء: 76] {فَإِذا لَا يُؤْتونَ النَّاس نقيرا} [النِّسَاء: 53] وَقُرِئَ شاذا (لَا يَلْبَثُوا) و (لَا يؤتوا) فَمن ألغي راعي تقدم حرف الْعَطف وَمن أعمل راعي كَون مَا بعد العاطف جملَة مستأنفة وإلغاء (إِذن) مَعَ اجْتِمَاع الشُّرُوط لُغَة لبَعض الْعَرَب حَكَاهَا عِيسَى بن عمر وتلقاها البصريون بِالْقبُولِ وَوَافَقَهُمْ ثَعْلَب وَخَالف سَائِر الْكُوفِيّين فَلم يجر أحد مِنْهُم الرّفْع بعْدهَا قَالَ أَبُو حَيَّان وَرِوَايَة الثِّقَة مَقْبُولَة وَمن حفظ حجَّة على من لم يحفظ إِلَّا أَنَّهَا لُغَة نادرة جدا وَلذَلِك أنكرها الْكسَائي وَالْفراء على اتساع حفظهما وَأَخذهمَا بالشاذ والقليل

(2/376)


ونواصب الْمُضَارع لَا يجوز أَن يحذف معمولها وَتبقى هِيَ لَا اقتصارا وَلَا اختصارا فَلَو قيل أَتُرِيدُ أَن تخرج لم يجز أَن تجيب بِقَوْلِك (أُرِيد أَن) وتحذف (أخرج) وَأَجَازَهُ بعض المغاربة مستدلا بِمَا وَقع فِي صَحِيح البُخَارِيّ (فَيذْهب كَيْمَا فَيَعُود ظَهره طبقًا وَاحِدًا) يُرِيد كَيْمَا يسْجد قَالَ وَهَذَا كَقَوْلِهِم جِئْت وَلما قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَيْسَ مثله لِأَن حذف الْفِعْل بعد لما للدليل جَائِز مَنْقُول فِي فصيح الْكَلَام وَلم ينْقل من نَحْو هَذَا شَيْء من كَلَام الْعَرَب
لَام الْجُحُود
(ص) مَسْأَلَة تنصب (أَن) مضمرة لُزُوما بعد لَام الْجُحُود الْمُؤَكّدَة وَلَيْسَت لَام كي على الصَّحِيح وَهِي المسبوقة بِكَوْن مَاض لفظا أَو معنى منفي بِمَا أول لم قيل أَو أَخَوَات كَانَ قيل أَو ظن قيل أَو كل فعل وَحذف الْخَبَر مَعهَا حتم غَالِبا وَزعم الكوفية النصب بهَا فمدخولها الْخَبَر وَهِي زَائِدَة للتَّأْكِيد وثعلب بقيامها مقَام (أَن) والفهري لَا يرفع مدخولها ضمير السببي وَجوز قوم إِظْهَار (أَن) مَعَ حذفهَا وَقوم دونه وَلَا تلِي مُفردا (ش) (أَن) أم الْبَاب فَلهَذَا تنصب ظَاهِرَة ومضمرة وَلها إِذا أضمرت حالان حَال وجوب وَحَال جَوَاز فَالْأول بعد نَوْعَيْنِ من الْحُرُوف أَحدهمَا مَا هُوَ حرف جر وَالْآخر مَا هُوَ حرف عطف فَالْأول حرفان أَحدهمَا اللَّام الَّتِي يسميها النحويون لَام الْجُحُود وَمذهب الْبَصرِيين أَن النصب بعْدهَا بِأَن مضمرة وَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَن الناصب هُوَ لَام الْجُحُود نَفسهَا وَذهب ثَعْلَب إِلَى أَن اللَّام هِيَ الناصبة لقيامها مقَام أَن

(2/377)


وَعلي الأول لَا يجوز إِظْهَار أَن لِأَن إِيجَابه كَانَ زيد سيقوم فَجعلت اللَّام فِي مُقَابلَة السِّين فَكَمَا لَا يجوز أَن يجمع بَين أَن الناصبة وَبَين السِّين فَكَذَلِك كَرهُوا أَن يجمعوا بَين اللَّام وَأَن فِي اللَّفْظ وَأَجَازَ بعض الْكُوفِيّين إظهارها بِفَتْح اللَّام تَأْكِيدًا كَمَا جَازَ ذَلِك فِي (كي) نَحْو مَا كَانَ زيد لِأَن يقوم قَالَ أَبُو حَيَّان وَيحْتَاج إِلَى سَماع من الْعَرَب وَأَجَازَ بعض النُّحَاة حذف اللَّام وَإِظْهَار (أَن) نَحْو {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآن أَن يفترى} [يُونُس: 37] أَي ليفتري وأوله المانعون بِأَن (أَن) وَمَا بعْدهَا فِي تَأْوِيل الْمصدر وَالْقُرْآن أَيْضا مصدر فَأخْبر بمصدر عَن مصدر وَلَام الْجُحُود عِنْد الْبَصرِيين تسمي مُؤَكدَة لصِحَّة الْكَلَام بِدُونِهَا إِذْ يُقَال فِي مَا كَانَ زيد ليفعل مَا كَانَ زيد يفعل لَا لِأَنَّهَا زَائِدَة إِذْ لَو كَانَت زَائِدَة لما كَانَ لنصب الْفِعْل بعْدهَا وَجه صَحِيح قَالَ أَبُو حَيَّان وَمن أغرب المنقولات مَا نَقله بعض أَصْحَابنَا عَن أبي الْبَقَاء من أَن اللَّام فِي نَحْو قَوْله {وَمَا كَانَ الله ليعذبهم} [الْأَنْفَال: 33] هِيَ لَام كي وَهَذَا نَظِير من سمي اللَّام فِي مَا جئْتُك لتكرمني لَام الْجُحُود بل قَول هَذَا أشبه لِأَن اللَّام جَاءَت بعد جحد لُغَة وَإِن كَانَ لَيْسَ الْجحْد المصطلح عَلَيْهِ فِي لَام الْجُحُود وَأما أَن تسمي هَذِه لَام كي فسهو من قَائِله وَإِنَّمَا تقع لَام الْجُحُود بعد كَون منفي بِمَا أَو لم دون إِن وَلما هُوَ مَاض لفظا نَحْو {وَمَا كَانَ الله ليعذبهم} [الْأَنْفَال: 33] أَو معنى نَحْو لم يكن زيد ليقوم وَمذهب الْبَصرِيين أَن خبر كَانَ حِينَئِذٍ مَحْذُوف وَأَن هَذِه اللَّام مُتَعَلقَة بذلك الْخَبَر الْمَحْذُوف وَأَن الْفِعْل لَيْسَ بِخَبَر بل الْمصدر المنسبك من أَن المضمرة وَالْفِعْل الْمَنْصُوب بهَا فِي مَوضِع جر وَالتَّقْدِير مَا كَانَ الله مرِيدا لكذا وَالدَّلِيل على هَذَا التَّقْدِير أَنه قد جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فِي بعض كَلَام الْعَرَب قَالَ: 1012 -
(سَمَوْتَ ولَمْ تكُنْ أهْلاً لِتَسْمُو ... )

(2/378)


فَصرحَ بالْخبر الَّذِي هُوَ أَهلا مَعَ وجود اللَّام وَالْفِعْل بعْدهَا وَمذهب الْكُوفِيّين أَن الْفِعْل فِي مَوضِع نصب على أَنه الْخَبَر وَاللَّام زَائِدَة للتَّأْكِيد وَذهب بعض النَّحْوِيين إِلَى أَن لَام الْجُحُود تكون فِي أَخَوَات كَانَ قِيَاسا عَلَيْهَا نَحْو مَا أصبح زيد ليضْرب عمرا وَلم يصبح زيد ليضْرب عمرا وَزعم بَعضهم أَنَّهَا تكون فِي ظَنَنْت وَأَخَوَاتهَا نَحْو مَا ظَنَنْت زيدا ليضْرب عمرا وَلم أَظن زيدا ليضْرب عمرا قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا كُله تركيب لم يسمع فَوَجَبَ مَنعه وَذهب بَعضهم إِلَى أَنَّهَا تدخل فِي كل فعل منفي تقدمه فعل نَحْو مَا جِئْت لتكرمني قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا فَاسد لِأَن هَذِه لَام كي وَالْفرق بَينهمَا من وُجُوه كَثِيرَة ستأتي
حَتَّى
(ص) وَبعد حَتَّى الجارة وزعمها الْفراء غَيرهَا وَالنّصب بهَا وَالْكسَائِيّ بهَا والجر بإلي مضمرة جَوَازًا وَقوم ناصبة جَارة بِنَفسِهَا تَشْبِيها بِأَن وَإِلَى وَعَلَيْهَا يجوز إِظْهَار (أَن) وعَلى الْأَصَح قد يظْهر مَعَ مَعْطُوف منصوبها وَمَعْنَاهَا كي أَو إِلَى قَالَ الخضراوي وَابْن مَالك أَو إِلَّا وَإِنَّمَا تنصب مُسْتَقْبلا وجوبا إِن كَانَ حَقِيقَة وَإِلَّا فجوازا وترفع الْحَال أَو المؤول كَذَلِك بِأَن يكون مسببا عَمَّا قبلهَا فضلَة صَالحا لحلول الْفَاء محلهَا وَالأَصَح تعين النصب مَعَ فعل غير مُوجب وقلما لَا (كثر مَا) و (طالما) وَرُبمَا جوزه الْكسَائي لرفع مُسْتَقْبل غير سَبَب وَنصب حَال مسبب وَالنّصب بهَا مُطلقًا لُغَة وَلَا تفصل وَجوزهُ الْأَخْفَش وَابْن السراج بظرف وَشرط مَاض

(2/379)


وَهِشَام بقسم ومفعول وجر والأخفش وَابْن مَالك تَعْلِيقهَا (ش) الْحَرْف الثَّانِي حَتَّى وَكَونهَا الجارة وَالنّصب بعْدهَا ب (أَن) لَازِمَة الْإِضْمَار وجوبا هُوَ مَذْهَب الْبَصرِيين وَاسْتَدَلُّوا بثبات كَونهَا جَارة للاسم بِدَلِيل حذف (مَا) الاستفهامية بعْدهَا نَحْو: 1013 -
(فحتّام حتّامَ العناءُ المُطَوَّلُ ... )
وَإِذا ثَبت ذَلِك انْتَفَى كَونهَا ناصبة للْفِعْل لما تقرر من أَن عوامل الْأَسْمَاء لَا تكون عوامل فِي الْأَفْعَال لِأَن ذَلِك ينفى الِاخْتِصَاص وَاخْتلف الْكُوفِيُّونَ فَذهب الْفراء إِلَى أَنَّهَا ناصبة بِنَفسِهَا وَلَيْسَت الجارة وَعِنْده أَن الْجَرّ بعْدهَا إِنَّمَا هُوَ لنيابتها مناب إِلَيّ وَذهب الْكسَائي إِلَى أَنَّهَا ناصبة بِنَفسِهَا أَيْضا وَأَنَّهَا جَارة بإضمار إِلَيّ وَهَذَا عكس مَذْهَب الْبَصرِيين ثمَّ إِنَّه جوز إِظْهَار (إِلَى) بعْدهَا فَقَالَ الْجَرّ بعد حَتَّى يكون بإلي مظهرة ومضمرة وَذهب بعض الْكُوفِيّين إِنَّهَا ناصبة بِنَفسِهَا ك أَن أَو جَارة بِنَفسِهَا أَيْضا قَالُوا لَو قلت وَمَعَ قَول الْكُوفِيّين إِنَّهَا ناصبه بِنَفسِهَا أَجَازُوا إِظْهَار أَن بعْدهَا قَالُوا لَو قلت لأسيرين حَتَّى أَن أصبح الْقَادِسِيَّة جَازَ وَكَانَ النصب بحتي وَأَن توكيد كَمَا أَجَازُوا ذَلِك فِي لَام الْجُحُود وعَلى قَول الْبَصرِيين لَا تظهر وَقد تظهر فِي الْمَعْطُوف على منصوبها لِأَن الثواني تحْتَمل مَا لَا تحتمله الْأَوَائِل كَقَوْلِه: 1014 -
(حتّي يكونَ عَزِيزًا من نُفُوسهم ... أَو أَن يبينَ جَمِيعًا وَهُوَ مخْتارُ)

(2/380)


وَفِيه دَلِيل لقَولهم إِن (أَن) مضمرة بعْدهَا وحتي هَذِه هِيَ المرادفة لكَي الجارة أَو إِلَى بِخِلَاف الابتدائية الَّتِي لَا ترادف وَاحِدًا مِنْهُمَا فالمرادفة ل (كي) نَحْو أسلمت حَتَّى أَدخل الْجنَّة فَهِيَ هُنَا حرف تَعْلِيل والمرادفة لإلي نَحْو {قَالُوا لن نَبْرَح عَلَيْهِ عاكفين حَتَّى يرجع إِلَيْنَا مُوسَى} [طه: 91] فَهِيَ هُنَا حرف غَايَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَالَّذِي ذكره مُعظم النَّحْوِيين فِي معنى حَتَّى هَذِه أَنَّهَا تكون للتَّعْلِيل أَو الْغَايَة فَهِيَ تنصب عِنْدهم على أحد هذَيْن الْمَعْنيين وَزَاد ابْن مَالك أَن تكون مرادفة ل (إِلَّا أَن) فَتكون للاستثناء وَأنْشد عَلَيْهِ: 1015 -
(لَيْسَ العطاءُ من الفُضُول سماحةً ... حَتَّى تَجُودَ وَمَا لَدَيْكَ قَلِيلُ)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَقد أغنانا ابْنه عَن الرَّد عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَقَالَ إِنَّه يَصح فِيهِ تَقْدِير (إِلَى أَن) وَإِذا احْتمل أَن تكون حتي فِيهِ للغاية فَلَا دَلِيل فِي الْبَيْت على أَن حتي بِمَعْنى إِلَّا أَن وَقَالَ ابْن هِشَام الخضراوي فِي حَدِيث
(كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة حتي يكون أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَو ينصرَانِهِ) عِنْدِي أَنه يجوز أَن يكون (على الْفطْرَة) حَالا من الضَّمِير ويولد فِي مَوضِع خبر وَحَتَّى بِمَعْنى إِلَّا أَن المنقطعة كَأَنَّهُ قَالَ إِلَّا أَن يكون أَبَوَاهُ والمعني لَكِن أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَو ينصرَانِهِ قَالَ وَقد ذكر النحويون هَذَا الْمَعْنى فِي أَقسَام (حتي) وَمِنْه قَوْله:

(2/381)


1016 -
(واللهِ لَا يَذْهَب شَيْخِي بَاطِلاَ ... حَتَّى أبيرَ مالِكاً وكَاهِلاَ)
المعني إِلَّا أَن أبير وَهُوَ مُنْقَطع بِمَعْنى لَكِن أبير انْتهى وَإِنَّمَا ينصب الْمُضَارع بعد حتي إِذا كَانَ مُسْتَقْبلا نَحْو لأسيرن حَتَّى أصبح الْقَادِسِيَّة أَو مَاضِيا فِي حكم الْمُسْتَقْبل نَحْو سرت حَتَّى أَدخل الْمَدِينَة فَهَذَا مؤول بالمستقبل نظرا إِلَى أَنه غَايَة لما قبل حتي فَهُوَ مُسْتَقْبل بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ فَإِن كَانَ حَالا أَو مؤولا بِهِ رفع وَذَلِكَ بِأَن يكون مَا قبلهَا سَببا لما بعْدهَا وَلَا يكونَانِ متصلي الْوُقُوع فِيمَا مضى بل مَا قبل حتي وَقع ومضي وَمَا بعْدهَا فِي حَال الْوُقُوع وعلامة ذَلِك صَلَاحِية جعل الْفَاء مَكَان حتي نَحْو قَوْلهم مرض فلَان حَتَّى لَا يرجونه أَي فَهُوَ الْآن لَا يرجي وَضرب أمس حَتَّى لَا يَسْتَطِيع أَن يَتَحَرَّك الْيَوْم والمؤول بِالْحَال أَن يكون مَا بعد حتي لم يَقع لكنك مُتَمَكن من إِيقَاعه فِي الْحَال نَحْو سرت حَتَّى أَدخل الْمَدِينَة أَي فَأَنا الْآن مُتَمَكن من دُخُول الْمَدِينَة لَا أمنع من ذَلِك وَشرط الرّفْع أَيْضا أَن يكون مَا بعْدهَا فضلَة فَلَو كَانَ وَاقعا خبر الْمُبْتَدَأ أَو خبر كَانَ أَو نَحْوهمَا وَجب نَصبه نَحْو كَانَ سيري حَتَّى أدخلها لِأَنَّهُ لَو رفع كَانَت حَتَّى حرف ابْتِدَاء فيبقي الْمخبر عَنهُ بِلَا خبر وَأَجَازَ الْكسَائي رفع الْمُسْتَقْبل إِذا كَانَ غير مسبب عَمَّا قبل نَحْو سرت حتي تطلع الشَّمْس وَنصب الْحَال إِذا كَانَ مسببا عَمَّا قبل وَجوزهُ فِي قَول حسان: 1007 -
(يُغْشَوْنَ حتّى مَا تَهرُّ كِلابُهُم ... )
ورد بِعَدَمِ السماع وبمخالفته للْقِيَاس بِأَن النواصب من مخلصات الْمُضَارع للاستقبال

(2/382)


وَيتَعَيَّن النصب عِنْد سِيبَوَيْهٍ والأكثرين بعد فعل غير مُوجب وَهُوَ الْمَنْفِيّ وَمَا فِيهِ الِاسْتِفْهَام وقلما نَحْو مَا سرت حَتَّى أَدخل الْمَدِينَة وقلما سرت حَتَّى أدخلها إِذا أردْت بقلما النَّفْي الْمَحْض وأسرت حَتَّى تدخل الْمَدِينَة وَإِنَّمَا لم يجز الرّفْع لِأَنَّهُ على معنى السَّبَبِيَّة للْأولِ فِي الثَّانِي وَالْأول منفي لم يَقع فَلَا يكون نفي السَّبَب مُوجبا لوُجُود مسببه وَخَالف الْأَخْفَش فجوز الرّفْع على أَن أصل الْكَلَام مُوجب وَهُوَ سرت حَتَّى أَدخل الْمَدِينَة ثمَّ أدخلت أَدَاة النَّفْي على الْكَلَام بأسره فنفت أَن يكون سير كَانَ عِنْد دُخُول فكأنك قلت مَا وَقع السّير الَّذِي كَانَ سَببا لدُخُول الْمَدِينَة وَاتَّفَقُوا على أَن الرّفْع فِي ذَلِك غير مسموح وَإِنَّمَا أجَازه الْأَخْفَش وَمن تبعه قِيَاسا وَلَو أُرِيد بقلما التقليل لَا النَّفْي فَكَذَلِك عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَجوز أَبُو عَليّ والرماني وَجَمَاعَة الرّفْع بعْدهَا وَذهب طَائِفَة من القدماء إِلَى امْتنَاع الرّفْع أَيْضا بعد (كثر مَا) و (طالما) و (رُبمَا) نَحْو كثر مَا سرت حَتَّى أدخلها وطالما سرت حَتَّى أدخلها وَرُبمَا سرت حَتَّى أدخلها إِلْحَاقًا لَهَا بقلما إِلَّا أَن السّير لما كَانَ مَجْهُول الْعدَد غير مَعْلُوم الْمَرَاتِب صَار بِمَنْزِلَة مَا لَيْسَ بِوَاجِب وعارضه سِيبَوَيْهٍ بقَوْلهمْ مَرَرْت غير مرّة حَتَّى أدخلها لأَنهم كَانُوا يجيزون الرّفْع فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَفِيه (غير مرّة) الَّذِي من أَجله صَار السّير عِنْدهم لَيْسَ مَعْلُوما وَحكي الْجرْمِي فِي (الفرخ) أَن من الْعَرَب من ينصب بحتي فِي كل شَيْء قَالَ أَبُو حَيَّان وَهِي لُغَة شَاذَّة وَمن أَحْكَام حَتَّى أَنَّهَا لَا يفصل بَينهمَا وَبَين الْفِعْل بِشَيْء وَجوز الْأَخْفَش وَابْن السراج فصلها بالظرف نَحْو أقعد حتي عنْدك يجْتَمع النَّاس وبشرط مَاض نَحْو أصحبك حتي إِن قدر الله أتعلم الْعلم

(2/383)


وَجوزهُ هِشَام بالقسم وَالْمَفْعُول وَالْجَار وَالْمَجْرُور نَحْو ... واصبر حتي إِلَيْك تَجْتَمِع النَّاس وَأَجَازَ الْأَخْفَش وَابْن مَالك تَعْلِيقهَا قبل الشَّرْط الْمَذْكُور جَوَابه نَحْو أصحبك حَتَّى إِن تحسن إِلَى أحسن إِلَيْك قَالَ أَبُو حَيَّان وَيَعْنِي بِالتَّعْلِيقِ هَذَا إبِْطَال الْعَمَل قَالَ وَذَلِكَ كَمَا أجَاز الْكسَائي وَمن أَخذ بمذهبه ذَلِك فِي (كي) نَحْو جِئْت كي إِن تكافئني أكافئك فَيرد على الْأَخْفَش فِي (حَتَّى) بِمَا رد بِهِ على الْكسَائي فِي (كي) انْتهى
أَو
(ص) وَبعد (أَو) بِمَعْنى (إِلَى أَن) أَو (إِلَّا أَن) وَقيل النصب بهَا وَقيل بِالْخِلَافِ وَلَا يفصل خلافًا للأخفش (ش) النَّوْع الثَّانِي مِمَّا يضمر بعده (أَن) حرف الْعَطف وَهُوَ ثَلَاثَة أَحدهَا (أَو) إِذا وَقعت موقع (إِلَى أَن) أَو (إِلَّا أَن) نَحْو لألزمنك أَو تقضيني حَقي وَقَوله: 1018 -
(لأسْتَسْهلَنّ الصّعبَ أوْ أُدْركَ المُنَى ... )
أَي إِلَى أَن تقضيني حَقي وَإِلَّا أَن أدْرك فَإِن لم يَقع موقعها لم يلْزم الْإِضْمَار نَحْو: 1019 -
(وَلَوْلَا رجالٌ مِنْ رزام أعِزّةٌ ... وآلُ سُبَيْع أَو أسُوءَك عَلْقمَا)

(2/384)


وَمَا ذكر من أَن النصب بعد (أَو) بإضمار أَن هُوَ مَذْهَب الْبَصرِيين وَلذَلِك لَا يتَقَدَّم مَعْمُول الْفِعْل عَلَيْهَا وَلَا يفصل بَينهَا وَبَين الْفِعْل لِأَنَّهَا حرف عطف وَذهب الْفراء وَقوم من الْكُوفِيّين إِلَى أَن الْفِعْل انتصب بِالْخِلَافِ أَي مُخَالفَة الثَّانِي للْأولِ من حَيْثُ لم يكن شَرِيكا لَهُ فِي الْمَعْنى وَلَا مَعْطُوفًا عَلَيْهِ وَذهب الْكسَائي وَأَصْحَابه والجرمي إِلَى أَن الْفِعْل انتصب بِأَو نَفسهَا وَذهب بعض النَّحْوِيين إِلَى أَن النصب هُنَا بِمَعْنى مَا وَقع موقعه لِأَنَّهُ وَقع موقع (إِلَى أَن) أَو (إِلَّا أَن) فانتصب كنصبه قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا ضَعِيف جدا وَنقل ابْن مَالك عَن الْأَخْفَش أَنه جوز الْفَصْل بَين أَو وَالْفِعْل بِالشّرطِ نَحْو لألزمنك أَو إِن شَاءَ الله تقضيني حَقي
فَاء السَّبَب
(ص) وَبعد فَاء السَّبَب جَوَابا لأمر خلافًا لشذوذ لَا اسْم فعل وَثَالِثهَا إِن اشتق أَو لنهي أَو دُعَاء بِفعل أصيل قَالَ الْكسَائي أَو بِخَبَر أَو لاستفهام مُطلقًا وَقيل إِن لم يكن عَن الْمسند إِلَيْهِ وَقيل إِن لم يتَضَمَّن وُقُوع الْفِعْل فَإِن أخبر عَن تاليه بِغَيْر مُشْتَقّ فالرفع أَو سبقه ظرف جَازَ أَو قد يحذف السَّبَب بعده وَقيل يخْتَص بالإثبات أَو للنَّفْي مُطلقًا وَمِنْه (قَلما) و (قد) فِيمَا حُكيَ أَو عرض أَو تحضيض أَو تمن قَالَ الكوفية وَابْن مَالك أَو رَجَاء أَو غير أَو كَأَن عَارِية من تشيبه وجوزوا سبق ذَا الْجَواب سَببه وَتَأْخِير معموله وَالْجُمْهُور لَا وَلَا ينصب بعد جملَة اسمية وَثَالِثهَا ينصب بِشَرْط وصف أَو ظرف مَحل الْفِعْل (ش) الثَّانِي الْفَاء إِذا كَانَت متضمنة معنى التسبيب وَكَانَت هِيَ ومدخولها جَوَابا لأحد أُمُور أَحدهَا الْأَمر نَحْو اضْرِب زيدا فيستقيم قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا نعلم خلافًا فِي نصب الْفِعْل جَوَابا لِلْأَمْرِ إِلَّا مَا نقل عَن الْعَلَاء بن سيابة قَالُوا وَهُوَ

(2/385)


معلم الْفراء إِنَّه كَانَ لَا يُجِيز ذَلِك وَهُوَ محجوج بِثُبُوتِهِ عَن الْعَرَب وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ لأبي النَّجْم: 1020 -
(يَا ناقُ سيري عَنقا فَسِيحَا ... إِلَى سُلَيْمان فنَسْتَريحَا)
إِلَّا أَن يتأوله ابْن سيابة على أَنه من النصب فِي الشّعْر فَيكون مثل قَوْله: 1021 -
(سأترك مَنْزلي لبني تَميم ... وألحقُ بالحجاز فَأسْتَريحَا)
قَالَ وَلَا يبعد هَذَا التَّأْوِيل ولمنعه وَجه من الْقيَاس وَهُوَ إِجْرَاء الْأَمر مجري الْوَاجِب فَكَمَا لَا يجوز ذَلِك فِي الْوَاجِب كَذَلِك لَا يجوز فِي الْأَمر وَمن إِجْرَاء الْأَمر مجري الْوَاجِب بَاب الِاسْتِثْنَاء فَإِنَّهُ لَا يجوز فِيهِ الْبَدَل كَمَا لَا يجوز فِي الْوَاجِب وَذَلِكَ بِخِلَاف النَّفْي وَالنَّهْي فَإِنَّهُ يجوز فيهمَا ذَلِك وَإِلَى هَذَا أَشرت بِقَوْلِي خلافًا لشذوذ وَصُورَة الْمَسْأَلَة أَن يكون الْأَمر بِصَرِيح الْفِعْل فَإِن دلّ عَلَيْهِ بِخَبَر أَو اسْم فعل لم يجز النصب على الصَّحِيح لِأَنَّهُ غير مسموع وَجوزهُ الْكسَائي قِيَاسا نَحْو حَسبك الحَدِيث فينام النَّاس وصه فأحدثك وَفصل ابْن جني وَابْن عُصْفُور فأجازا النصب بعد اسْم فعل الْأَمر إِذا كَانَ مشتقا كنزال من النُّزُول ودراك من الْإِدْرَاك ورده بدر الدّين بن مَالك بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَونه مشتقا مَا يسوغ تَأَوَّلَه بِالْمَصْدَرِ فَإِن الْمُصَحح للنصب فِي نَحْو نزال فَأنْزل هُوَ صِحَة تَأَول فعل الْأَمر

(2/386)


بِالْمَصْدَرِ من قبل أَن فعل الْأَمر يَصح أَن يَقع فِي صلَة أَن بمصدر لَهَا كَمَا فِي نَحْو أوعزت إِلَيْهِ بِأَن أفعل وَلَا يَصح ذَلِك فِي اسْم الْفِعْل الْمُشْتَقّ من الْمصدر كَمَا لَا يَصح فِي غير الْمُشْتَقّ فَلَا فرق بَينهمَا فِي امْتنَاع نصب الْجَواب قَالَ أَبُو حَيَّان وَالصَّوَاب أَن ذَلِك لَا يجوز لِأَنَّهُ غير مسموع من كَلَام الْعَرَب الثَّانِي النَّهْي نَحْو {لَا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم} [طه: 61] {وَلَا تطغوا فِيهِ فَيحل} [طه: 81] الثَّالِث الدُّعَاء بِفعل أصيل فِي ذَلِك نَحْو {رَبنَا اطْمِسْ على أَمْوَالهم وَاشْدُدْ على قُلُوبهم فَلَا يُؤمنُوا} [يُونُس: 88] 1022 -
(ربِّ وَفِّقْنِي فَلَا أعْدِلَ عَنْ ... سَنَن السّاعِيْنَ فِي خَيْر سَنَنْ)
وَاحْترز (بِفعل) من الدُّعَاء بِالِاسْمِ نَحْو سقيا لَك ورعيا و (بأصيل) من الدُّعَاء الْمَدْلُول عَلَيْهِ بِلَفْظ الْخَبَر نَحْو رَحْمَة الله زيدا فيدخله الْجنَّة وَأَجَازَ الْكسَائي نَصبه الرَّابِع الِاسْتِفْهَام سَوَاء كَانَ بِحرف نَحْو {فَهَل لنا من شُفَعَاء فيشفعوا لنا} [الْأَعْرَاف: 53] أَو باسم نَحْو من يدعوني فأستجيب لَهُ متي تسير فأرافقك كَيفَ تكون فأصحبك أَيْن بَيْتك فأزورك قَالَ أَبُو حَيَّان وَزعم بعض النَّحْوِيين أَن الِاسْتِفْهَام إِذا كَانَ عَن الْمقْرض لَا عَن الْقَرْض فَلَا يَصح النصب بعد الْفَاء على الْجَواب وَمنع النصب فِي نَحْو أَزِيد يقرضني فأسأله وَقَالَ لَا يَصح هَذَا الْجَواب قَالَ وَهُوَ محجوج بِقِرَاءَة {من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا فيضاعفه لَهُ} [الْبَقَرَة: 245] بِالنّصب وَوجه الدّلَالَة من الْآيَة أَن الْفِعْل وَقع صلَة فَلَيْسَ مستفهما عَنهُ وَلَا هُوَ خبر عَن مستفهم عَنهُ بل هُوَ صلَة للْخَبَر وَإِذا جَازَ النصب

(2/387)


بعد (من ذَا الَّذِي يقْرض) لكَونه فِي معني (من يقْرض) فجوازه بعد (من يقْرض) و (أَزِيد يقْرض فأسأله) أَحْرَى وَأولى وَقيد ابْن مَالك الِاسْتِفْهَام بِكَوْنِهِ لَا يتَضَمَّن وُقُوع الْفِعْل فَإِن تضمنه لم يجز النصب نَحْو لم ضربت زيدا فيجازيك لِأَن الضَّرْب قد وَقع قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا الشَّرْط لم أر أحدا يَشْتَرِطه وَقَالَ بدر الدّين بن مَالك إِن أَبَاهُ اقتدي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِمَا ذكره أَبُو عَليّ فِي الإغفال ردا على الزجلاج حَيْثُ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {لم تلبسُونَ الْحق بِالْبَاطِلِ وتكتمون الْحق} [آل عمرَان: 71] لَو قَالَ (وتكتموا الْحق) لجَاز على معني لم تجمعون بَين ذَا وَذَا وَلَكِن الَّذِي فِي الْقُرْآن أَجود فِي الْإِعْرَاب انْتهى قَالَ أَبُو حَيَّان ورد أبي على عَليّ الزّجاج فِي هَذَا غير مُتَوَجّه وَإِذا تقدم اسْم غير اسْم اسْتِفْهَام وَأخْبر عَنهُ بِغَيْر مُشْتَقّ نَحْو هَل أَخُوك زيد فَأكْرمه فالرفع وَلَا ينصب فَإِذا تقدمه ظرف أَو مجرور نَحْو أَفِي الدَّار زيد فتكرمه جَازَ النصب لِأَن الْمَجْرُور نَاب مناب الْفِعْل وَقد يحذف السَّبَب بعد الِاسْتِفْهَام لدلَالَة الْجَواب عَلَيْهِ وَفهم الْكَلَام نَحْو متي فأسير مَعكُمْ أَي متي تسير جزم بِهِ ابْن مَالك فِي (التسهيل) وَنَقله أَبُو حَيَّان عَن الْكُوفِيّين ثمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي أَن يكون فِي اسْتِفْهَام الاستثبات بِأَن يَقُول الْقَائِل اسير فَتَقول لَهُ متي فَإنَّك لَو اقتصرت على قَوْلك (متي) جَازَ بِخِلَاف أَن يكون ابْتِدَاء اسْتِفْهَام فَإِنَّهُ لَا يجوز وَإِذا كَانَ كَذَلِك كَانَ الْفِعْل مدلولا عَلَيْهِ بسابق الْكَلَام فَكَأَنَّهُ ملفوظ بِهِ فَيجوز بِهَذَا المعني الْخَامِس النَّفْي سَوَاء كَانَ مَحْضا نَحْو {لَا يقْضى عَلَيْهِم فيموتوا} [فاطر: 36] أم مؤولا بِأَن دخلت عَلَيْهِ أَدَاة الإستفهام التقريري نَحْو ألم تأتنا فتحدثنا وَيجوز فِي هَذَا الْقسم أَعنِي المؤول الْجَزْم وَالرَّفْع أَيْضا كَقَوْلِه: 1023 -
(ألَم تَسْأل الرَّبْع القَواءَ فَيَنْطِقُ ... )

(2/388)


وَمن المؤول مَا نقض بإلا نَحْو مَا تَأْتِينَا فتحدثنا إِلَّا بِخَير قَالَ أَبُو حَيَّان والتقليل المُرَاد بِهِ النَّفْي كالنفي فِي نصب جَوَابه نَحْو قَلما تَأْتِينَا فتحدثنا كَمَا كَانَ كَذَلِك فِي مَسْأَلَة (حَتَّى) نَحْو قَلما سرت حَتَّى أدخلها وَذكر ابْن سَيّده وَابْن مَالك أَنه رُبمَا نفي بقد فنصب الْجَواب بعْدهَا وَحكى بعض الفصحاء (قد كنت فِي خير فتعرفه) بِالنّصب وَيُرِيد مَا كنت فِي خير فتعرفه السَّادِس الْعرض سمع أَلا تقع المَاء فتسبح أَي فِي المَاء فَحذف الْحَرْف وعدي الْفِعْل وَقَالَ الشَّاعِر: 1024 -
(يَا ابْنَ الكِرام أَلا تَدْنُوَ فتُبْصِرَ مَا ... قَدْ حَدَّثُوك فَمَا رَاء كَمَنْ سَمِعَا)
السَّابِع التحضيض سمع هلا أمرت فتطاع وَقَالَ الشَّاعِر:

(2/389)


1025 -
(لَوْلَا تَعُوجينَ يَا سَلْمى على دَنِفٍ ... فتُخْمِدِي نارَ وَجْدٍ كَاد يُفْنِيه)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَالْعرض والتحضيض مقاربان وَالْجَامِع بَينهمَا التَّنْبِيه على الْفِعْل إِلَّا أَن التحضيض فِيهِ زِيَادَة تَأْكِيد وحث على الْفِعْل فَكل تحضيض عرض لِأَنَّك إِذا حضضته على فعل فقد عرضته عَلَيْهِ وَلذَلِك يُقَال فِي (هلا) عرض إِذْ لَا يَخْلُو مِنْهُ وَألا مُخَفّفَة لمُجَرّد الْعرض الثَّامِن التَّمَنِّي نَحْو {يَا لَيْتَني كنت مَعَهم فأفوز} [النِّسَاء: 73] وَاخْتلف النُّحَاة فِي الرَّجَاء هَل لَهُ جَوَاب فينتصب الْفِعْل بعد الْفَاء جَوَابا لَهُ فَذهب البصريون إِلَى أَن الترجي فِي حكم الْوَاجِب وَأَنه لَا ينصب الْفِعْل بعد الْفَاء جَوَابا لَهُ وَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى جَوَاز ذَلِك قَالَ ابْن مَالك وَهُوَ الصَّحِيح لثُبُوته فِي النثر وَالنّظم قَالَ تَعَالَى {وَمَا يدْريك لَعَلَّه يزكّى أَو يذكر فتنفعه الذكرى} [عبس: 3، 4] وَقَالَ {لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب أَسبَاب السَّمَاوَات فَأطلع} [غَافِر: 36، 37] فِي قِرَاءَة من نصب فيهمَا وَقَالَ أَبُو حَيَّان يُمكن تَأْوِيل الْآيَتَيْنِ بِأَن النصب فيهمَا من الْعَطف على التَّوَهُّم لِأَن خبر لَعَلَّ كثر فِي لِسَان الْعَرَب دُخُول أَن عَلَيْهِ وَفِي شرح كتاب سِيبَوَيْهٍ لأبي الْفضل الصفار خَالَفنَا الْكُوفِيُّونَ فِي (غير) فأجازوا بعْدهَا النصب لِأَن مَعْنَاهَا النَّفْي نَحْو أَنا غير آتٍ فأكرمك لِأَن مَعْنَاهُ مَا أَنا آتٍ فأكرمك قَالَ وَهَذَا لَا يجوز لِأَن (غيرا) مَعَ الْمُضَاف إِلَيْهَا اسْم وَاحِد و (مَا) بِخِلَافِهَا لِأَنَّك تقدر بعْدهَا الْمصدر فَتَقول لَكِن كَذَا وَمَا يكون كَذَا و (غير) لَا يتَصَوَّر فِيهَا ذَلِك لِأَنَّهَا مَعَ مَا بعْدهَا اسْم فَلَا يفصل مِنْهَا ويحذف لشَيْء آخر لِأَن فِي ذَلِك إِزَالَة لوضعها وَأَشَارَ بدر الدّين بن مَالك إِلَى أَن أَبَاهُ وَافق الْكُوفِيّين فِي ذَلِك قَالَ أَبُو حَيَّان وَزعم الْكُوفِيُّونَ أَن (كَأَن) إِذا خرجت عَن التَّشْبِيه جَازَ النصب بعد الْفَاء نَحْو كَأَنِّي بزيد يَأْتِي فتكرمه لِأَن مَعْنَاهُ مَا هُوَ إِلَّا يَأْتِي فتكرمه قَالَ وَهَذَا الَّذِي قَالُوا لَا يحفظه البصريون وَلَا يكون (كَأَن) أبدا للتشبيه وَفِي

(2/390)


(التسهيل) يلْحق بِالنَّفْيِ التَّشْبِيه الْوَاقِع موقعه نَحْو كَأَنَّك وَال علينا فتشتمنا تَقْدِيره مَا أَنْت وَال علينا فتشتمنا قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا شَيْء قَالَه الْكُوفِيُّونَ قَالَ ابْن السراج وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ وَمنع البصريون من تقدم هَذَا الْجَواب على سببيه لِأَن الْفَاء عِنْدهم للْعَطْف وَجوز الْكُوفِيُّونَ فَيُقَال مَا زيد فتكرمه يأتينا لِأَن الْفَاء عِنْدهم لَيست للْعَطْف فَقولِي وجوزوا أَي الكوفية وَجوز الْكُوفِيُّونَ أَيْضا تَأْخِير مَعْمُول السَّبَب بعد الْفَاء والمنصوب نَحْو مَا زيد يكرم فنكرمه أخانا تُرِيدُ مَا زيد يكرم أخانا فنكرمه وَمنع أَكثر النَّحْوِيين النصب بِنَاء على أَن الْفَاء عاطفة على مصدر متوهم فَكَمَا لَا يجوز الْفَصْل بَين الْمصدر ومعموله فَكَذَا لَا يجوز بَين (يكرم) ومعموله لِأَنَّهُ فِي تَقْدِير الْمصدر وَإِن تقدّمت جملَة اسمية نَحْو مَا زيد قادم فتحدثنا فَأكْثر النَّحْوِيين على أَنه لَا يجوز النصب لِأَن الاسمية لَا تدل على الْمصدر وَذهب طَائِفَة إِلَى جَوَازه وَقَالَ أَبُو حَيَّان الصَّحِيح الْجَوَاز بِشَرْط أَن يقوم مقَام الْفِعْل ظرف أَو مجرور أَو اسْم فَاعل أَو مفعول ليدل ذَلِك على الْمصدر المتوهم نَحْو مَا أَنْت عندنَا فنكرمك وَمَا أَنْت منا فنحسن إِلَيْك وَمَا زيد مكرم لنا فنكرمه وَمَا زيد يكرم فنكرمه فَإِن كَانَ اسْما لَا دلَالَة فِيهِ على الْمصدر نَحْو مَا أَنْت زيد فنكرمه لم يجز النصب وَيتَعَيَّن الْقطع أَو الْعَطف وَالْقطع أحسن لِأَن الْعَطف ضَعِيف لعدم المشاكلة من حَيْثُ إِنَّه عطف جملَة فعلية على اسمية قَالَ ويدلك على أَن الْجَار وَالْمَجْرُور والظرف تجْرِي مجري الْفِعْل فِي الدّلَالَة على الْمصدر أَن الْعَرَب نصبت بعد الْجَار وَالْمَجْرُور وجزمت الْفِعْل بعد الظّرْف ووصلت الْمَوْصُول وأدخلت الْفَاء فِي خبر (مَا) الموصولة بالمجرور كَمَا أدخلتها فِي خَبَرهَا إِذا كَانَت مَوْصُولَة بِالْفِعْلِ قَالَ الفرزدق: 1026 -
(مَا أنْتَ مِنْ قَيْس فَتَنْبَحَ دُونَها ... )

(2/391)


وَقَالَ الآخر: 1027 -
(مَكَانكِ تُحْمَدِي أوْ تَسْتَرِيحِي ... )
وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا بكم من نعْمَة فَمن الله} [النَّحْل: 53]