همع الهوامع في شرح جمع الجوامع

وَاو الْجمع
(ص) وَبعد وَاو الْجمع جَوَابا لما مر وَتوقف أَبُو حَيَّان فِي الدُّعَاء وَالْعرض والتحضيض والرجاء وتميز بحلول مَعَ وَالْفَاء بِتَقْدِير شَرطهَا قبلهَا أَو حَال محلهَا (ش) الثَّالِث الْوَاو إِذا كَانَ للْجمع فِي الزَّمَان أَو الْمَعِيَّة الَّتِي هِيَ أحد محتملاتها وَكَانَت هِيَ ومدخولها جَوَابا للمواضع السَّابِقَة فِي الْفَاء مِثَال الْأَمر قَوْله: 1028 -
(فَقلت ادْعِي وأدْعُوَا إنّ أنْدي ... لِصَوْت أَن يُنادِيَ دَاعِيان)

(2/392)


وَالنَّهْي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تلبسوا الْحق بِالْبَاطِلِ وتكتموا الْحق} [الْبَقَرَة: 42] وَقَول أبي الْأسود 1029 -
(لَا تَنْه عَن خُلُق وتأتِيَ مِثْلَهُ ... )
وَالدُّعَاء قَوْلك (رب اغْفِر لي ويوسع على فِي الرزق) والاستفهام مَا أنْشدهُ بعض النُّحَاة قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا أَدْرِي أهوَ مسموع أم مَصْنُوع

(2/393)


1030 -
(أتبيتُ رَيّانَ الجُفُون من الكرَي ... وأبيتَ مِنْكَ بلَيْلةِ الْملْسُوع)
وَالنَّفْي قَوْله تَعَالَى {وَلما يعلم الله الَّذين جاهدوا مِنْكُم وَيعلم الصابرين} [آل عمرَان: 142] أَي وَلما يجْتَمع علم بِالْجِهَادِ وَعلم بِالصبرِ والمؤول قَول الحطيئة: 1031 -
(ألم أك جارَكُمْ ويكونَ بَيْني ... وبَيْنكُمُ المودَّةُ والأخَاءُ)
وَالْعرض قَوْلك أَلا تنزل فتصيب خيرا أَي الا تجمع بَين النُّزُول وإصابة الْخَيْر والتحضيض قَوْلك هلا تَأْتِينَا وتكرمنا أَي هلا تجمع لنا بَين إتياننا وإكرامنا وَالتَّمَنِّي قَوْله تَعَالَى {يَا ليتنا نرد وَلَا نكذب بآيَات رَبنَا ونكون من الْمُؤمنِينَ} [الْأَنْعَام: 27] فِي قِرَاءَة من نصب والرجاء قَوْلك لعَلي سأجاهد وأغنم قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا أحفظ النصب جَاءَ بعد الْوَاو بعد الدُّعَاء وَالْعرض والتحضيض والرجاء فَيَنْبَغِي أَلا يقدم على ذَلِك إِلَّا بِسَمَاع قَالَ ومقتضي كَلَام ابْن مَالك جَوَاز ذَلِك مَعَ التَّشْبِيه الْوَاقِع موقع النَّفْي وَمَعَ الْمَنْفِيّ بهَا وَيحْتَاج ذَلِك إِلَى سَماع من الْعَرَب وتميز وَاو الْجمع من الْفَاء بتحتم تَقْدِير (مَعَ) موضعهَا وَلَا يَنْتَظِم مِمَّا قبلهَا وَمَا بعْدهَا شَرط وَجَزَاء أَلا تري أَن قَوْلك لَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللَّبن لَا يَنْتَظِم مِنْهُ إِن تَأْكُل السّمك تشرب اللَّبن وَلَا إِن تَأْكُل السّمك تشرب اللَّبن بِخِلَاف

(2/394)


الْفَاء فَإِنَّهَا فِي جَوَاب غير النَّفْي أَو فِي جَوَاب النَّفْي الَّذِي تدخل عَلَيْهِ همزَة الِاسْتِفْهَام للتقرير فينتظم مِنْهُ شَرط وَجَزَاء لِأَن مَا بعْدهَا مسبب عَمَّا قبلهَا أَلا تري أَن معنى {لَا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم} [طه: 61] إِن افتريتم أسحتكم وَكَذَا لَيْت لي مَالا فأنفق مِنْهُ مَعْنَاهُ إِن وجدت مَالا أنْفق مِنْهُ قَالَ أَبُو حَيَّان وتلخص من ذَلِك أَن قَوْلهم تقع الْوَاو فِي جَوَاب كَذَا وَكَذَا إِنَّمَا هُوَ على جِهَة الْمجَاز لَا الْحَقِيقَة لِأَنَّهَا إِذا كَانَت بِمَعْنى (مَعَ) لَا تكون جَوَابا وَلَا متهيأ مِمَّا هِيَ مِنْهُ أَن يَنْتَظِم مِنْهُ شَرط وَجَزَاء وتميز فَاء الْجَواب من الْوَاو بِتَقْدِير شَرط قبلهَا كَمَا مر أَو حَال مَكَانهَا وَذَلِكَ أَن هَذِه الْفَاء تقع إِمَّا قبل مسيب انتفي سَببه فَيصح حِينَئِذٍ أَن تقدر بِشَرْط قبل الْفَاء كَمَا إِذا قصدت الْإِخْبَار بِنَفْي الحَدِيث لانْتِفَاء الْإِتْيَان قلت مَا تَأْتِينَا فتحدثنا فَيصح أَن يُقَال مَا تَأْتِينَا وَإِن تأتنا تحدثنا وَأما بَين أَمريْن أُرِيد نفي اجْتِمَاعهمَا فَيصح أَن يقدر حَال مَكَانهَا فَإِذا قصدت أَن تَنْفِي اجْتِمَاع الحَدِيث والإتيان فَقلت مَا تَأْتِينَا فتحدثنا صَحَّ أَن يُقَال مَا تَأْتِينَا مُحدثا فالنفي الدَّاخِل على الْفِعْل الْمُقَيد بِالْحَال لم ينفه مُطلقًا إِنَّمَا نَفَاهُ بِقَيْد حَاله فَهُوَ نفي الْجمع بَينهمَا وَذَلِكَ هُوَ الْمَقْصُود من النصب على أحد معنييه
الْعَطف بِالْفَاءِ وَالْوَاو وأو
(ص) وَإِذا عطف بهما أَو بِأَو على فعل قبل أَو قصد الِاسْتِئْنَاف بَطل إِضْمَار أَن وَفِيهِمَا خلَافهَا وربعها النصب بنيابها عَن الشَّرْط وخامسها بِانْتِفَاء مُوجب الرّفْع والجزم (ش) إِذا عطف بِالْفَاءِ وَالْوَاو أَو بِأَو على فعل قبل أَي قبل الْفِعْل الَّذِي ولي الْفَاء أَو الْوَاو أَو قصد الِاسْتِئْنَاف أَي الْقطع عَن الْفِعْل الَّذِي قبله فَيكون إِذْ ذَاك الْفِعْل خَبرا لمبتدأ مَحْذُوف بَطل إِضْمَار أَن لِأَن الْعَطف يُشْرك الثَّانِي مَعَ الأول فِي رَفعه أَو نَصبه أَو جزمه والاستئناف إِن كَانَ بعد الْوَاو وَالْفَاء فَهُوَ جزم فِي الْإِخْبَار وَإِن كَانَ بعد أَو فَفِيهَا نوعع من الإضراب لِأَنَّك إِذا قلت الزم زيدا أَو يقضيك حَقك وَجَعَلته

(2/395)


مستأنفا فالمعني أَو هُوَ يقضيك حَقك أَي يقضيكه على كل حَال سَوَاء لَزِمته أم لم تلْزمهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ بل يقضيك حَقك وَإِذا عطف مَا بعد الْفَاء وَالْوَاو على مَا يَصح عَلَيْهِ الْعَطف من الْفِعْل قبلهَا لم يكن معنى الْعَطف كمعنى النصب فَإِذا قلت مَا تَأْتِينَا فتحدثنا بِالرَّفْع على معنى الْعَطف عَليّ تَأْتِينَا فَكل وَاحِد من الْفِعْلَيْنِ مَقْصُود نَفْيه وَكَأن أَدَاة النَّفْي مَنْطُوق بهَا بعد الْفَاء فَإِذا قلت مَا تَأْتِينَا فتحدثنا بِالنّصب كَانَ انتقاء الحَدِيث مسببا عَن انْتِفَاء الْإِتْيَان وَفِي التَّنْزِيل {وَلَا يُؤذن لَهُم فيعتذرون} [المرسلات: 36] وَمَا ذكر من أَن النصب بعد الْفَاء وَالْوَاو بإضمار أَن هُوَ مَذْهَب الْبَصرِيين وَفِيهِمَا المذهبان الْآخرَانِ السابقان فِي أَو وَفِي الْفَاء وَالْوَاو مذهبان زائدان أَحدهمَا قَالَه ثَعْلَب إِنَّمَا نصبا لِأَنَّهُمَا دلا على شَرط لِأَن معنى هلا تزورني فأحدثك إِن تزرني أحَدثك فَلَمَّا نابت عَن الشَّرْط ضارعت (كي) فلزمت الْمُسْتَقْبل وعملت عمله وَالثَّانِي قَالَه هِشَام إِنَّه لما لم يعْطف على مَا قبله لم يدْخلهُ الرّفْع وَلَا الْجَزْم لِأَن مَا قبله من الْفِعْل لَا يَخْلُو من أحد هذَيْن وَلما لم تسْتَأْنف بَطل الرّفْع أَيْضا فَلَمَّا لم يستقم رفع الْمُسْتَقْبل مَعهَا وَلَا جزمه لانْتِفَاء موجبهما لم يبْق إِلَّا النصب
حذف الْفَاء
(ص) وتحذف الْفَاء فَيجوز رفع تَالِيهَا حَالا أَو وَصفا أَو استئنافا وجزمه وَهل هُوَ بِمَا قبلهَا مضمنا معنى الشَّرْط أَو نَائِبا عَن جملَته أَو بِأَن أَو اللَّام مضمرة أَو مَبْنِيّ أَقْوَال وَيجوز بعد أَمر بِخَبَر وَاسم وَالأَصَح مَنعه بعد نفي وَبعد أَمر وَنهي لَا يصلح إِن تفعل وَإِلَّا تفعل وَثَالِثهَا رَدِيء وَرَابِعهَا يجوز حملا على اللَّفْظ لَا الْجَواب (ش) تنفرد الْفَاء بِأَنَّهَا إِذا حذفت جَازَ فِيمَا بعْدهَا أَن يرفع إِذا لم يرد بِمَا قبله شَرط مَقْصُودا بِهِ الْحَال إِن كَانَ قبله مَا يكون حَالا مِنْهُ نَحْو لَيْت زيدا يقدم

(2/396)


يزورنا أَو النَّعْت إِن كَانَ قبله مَا يحتاد أَن ينعَت نَحْو لَيْت لي مَالا أنْفق مِنْهُ أَو الِاسْتِئْنَاف قَالَ أَبُو حَيَّان وَقَوله تَعَالَى {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي البَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَتَخْشَى} [طه: 77] يحْتَمل الْحَال وَيحْتَمل الِاسْتِئْنَاف أَي غير خَائِف أَو إِنَّك لَا تخَاف وَأَن يجْزم نَحْو {قل لعبادي الَّذين آمنُوا يقيموا الصَّلَاة} [إِبْرَاهِيم: 31] {وَقل لعبادي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أحسن} [الْإِسْرَاء: 53] {قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم} [النُّور: 30] وَتقول (لَا تعص الله يدْخلك الْجنَّة) رب وفقني أطعك أَلا تنزل تصب خيرا لَيْت لي مَالا أنْفق مِنْهُ قَالَ أَبُو حَيَّان وجزمه بعد الترجي غَرِيب جدا وَالْقِيَاس يقبله قَالَ الشَّاعِر: 1032 -
(لعلّ الْتِفاتاً مِنْك نَحْوي مُيَسّرٌ ... يَمِلْ بك مِنْ بعْدِ القساوة للْيُسْر)
وَسَوَاء فِي جَوَاز الْجَزْم بعد الْأَمر الصَّرِيح والمدلول عَلَيْهِ بِخَبَر نَحْو اتقِي الله امْرُؤ فعل الْخَيْر يثب عَلَيْهِ أَي ليتق أَو اسْم فعل نَحْو حَسبك الحَدِيث ينم النَّاس لِأَن مَعْنَاهُ اكتف ينم النَّاس ونزال أكرمك وَعَلَيْك زيدا يحسن إِلَيْك قَالَ أَبُو حَيَّان وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا الْفِعْل الخبري لفظا الأمري معني لَا ينقاس إِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف على السماع والمسموع اتقِي الله امْرُؤ فعل الْخَيْر يثب عَلَيْهِ انْتهى فَإِن لم يحسن إِقَامَة (إِن يفعل) مقَام الْأَمر وَإِلَّا يفعل مقَام النَّهْي لم يجْزم جوابهما مِثَاله أحسن إِلَى لَا أحسن إِلَيْك يرفع على الِاسْتِئْنَاف لِأَنَّك لَو قدرته إِن تحسن إِلَى لَا أحسن إِلَيْك لم يُنَاسب أَن يكون شرطا وَجَزَاء لِأَن مقتضي الْإِحْسَان لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ عدم الْإِحْسَان وَكَذَلِكَ لَا تقرب الْأسد يَأْكُلك إِذْ لَا يَصح تَقْدِير إِلَّا تقرب الْأسد يَأْكُلك فَيتَعَيَّن الرّفْع هَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَأكْثر الْبَصرِيين وَجوز الْكسَائي الْجَزْم فيهمَا وَنسبه ابْن عُصْفُور للكوفيين وَذكر أَبُو عمر الْجرْمِي فِي (الفرخ) أَنه يجوز على رداءة وقبح

(2/397)


قَالَ أَبُو حَيَّان وَفِيه مَذَاهِب آخر أَنه يجوز الْجَزْم لَا على أَنه جَوَاب بل حملا على اللَّفْظ لِأَن الأول مجزوم وَإِلَى هَذَا ذهب الْأَخْفَش أما النَّفْي فَلَا يجوز الْجَزْم بعده على الصَّحِيح لِأَنَّهُ خبر مَحْض فَلَيْسَ فِيهِ شبه بِالشّرطِ كَمَا فِي الْبَوَاقِي وَعَن أبي الْقَاسِم الزجاجي أَنه أجَاز الْجَزْم فِي النَّفْي وَقَالَ بَعضهم نَخْتَار فِيهِ الرّفْع وَيجوز الْجَزْم وَهُوَ مُوَافق لإِطْلَاق بَعضهم أَن كل مَا ينصب فِيهِ بِالْفَاءِ يجْزم وَلم يسْتَثْن النَّفْي قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم يرد بِالْجَزْمِ فِي النَّفْي سَماع من الْعَرَب وَحَيْثُ جزم فِي الْبَوَاقِي فَقَالَ ابْن مَالك فِي شرح الكافية هُوَ بِمَا قبلهَا من الْأَمر وَالنَّهْي وسائرها على تضمن معنى الطّلب معنى (إِن) كَمَا فِي أَسمَاء الشَّرْط نَحْو من يأتني أكْرمه فأغني ذَلِك التَّضْمِين عَن تَقْدِير لَفظهَا بعد الطّلب قَالَ وَهَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وسيبويه وَقد رد وَلَده هَذَا الْمَذْهَب فَقَالَ تضمن هَذِه الْأَشْيَاء معني الشَّرْط ضَعِيف لِأَن التَّضْمِين زِيَادَة بتغيرالوضع والإضمار زِيَادَة بِغَيْر تَغْيِير فَهُوَ أسهل وَلِأَن التَّضْمِين لَا يكون إِلَّا لفائدة وَلَا فَائِدَة فِي تضمين الطّلب معنى الشّرك لِأَنَّهُ يدل عَلَيْهِ بالالتزام فَلَا فَائِدَة فِي تَضْمِينه بِمَعْنَاهُ ورده أَيْضا ابْن عُصْفُور فَقَالَ التَّضْمِين يَقْتَضِي أَن يكون الْعَامِل جملَة وَلَا يُوجد عَامل جملَة فِي مَوضِع من الْمَوَاضِع قَالَ أَبُو حَيَّان وَأَقُول إِن التَّضْمِين لَا يجوز أصلا لِأَن المضمن شَيْئا يصير لَهُ دلَالَة على ذَلِك الشَّيْء بعد أَن لم يكن لَهُ دلَالَة عَلَيْهِ مَعَ إِرَادَة مَدْلُوله الْأَصْلِيّ فَإِذا قلت من يأتيني أته فَمن ضمنت معنى الْحَرْف ودلت على مدلولها من الِاسْم فَصَارَت لَهَا دلالتان دلَالَة مجازية وَهِي معني إِن وَدلَالَة حَقِيقَة وَهِي مَدْلُول الشَّخْص الْعَاقِل وَمَا هُنَا فقولك ائْتِنِي أكرمك يكون فِيهِ تضمين ائْتِنِي معني إِن تأتني فتضمنت معنى إِن ومعني الْفِعْل الْمَعْمُول لَهَا وَذَلِكَ معنى مركب ودلت على

(2/398)


1 - مَعْنَاهَا الْأَصْلِيّ من الطِّبّ وَهُوَ دلَالَته الْحَقِيقَة وَلَا يُوجد فِي لِسَان الْعَرَب تضمين لمعنيين إِنَّمَا يكون التَّضْمِين لمعني وَاحِد وَلَا يُقَال إِنَّه تضمن معنى (إِن) وَحدهَا لِأَن فعل الطّلب لَيْسَ قَابلا لتضمن معنى (إِن) لتنافيهما من حَيْثُ إِن فعل الطّلب يَقْتَضِي مَدْلُوله من الطّلب وَإِن يَقْتَضِي مَعْنَاهَا أَن يكون الْفِعْل خَبرا وَلَا يكون الشَّيْء الْوَاحِد طلبا وخبرا انْتهى وَمِمَّنْ قَالَ بالتضمين ابْن خروف وَذهب الْفَارِسِي والسيرافي إِلَى أَن الْجَزْم بِهَذِهِ الْأَشْيَاء لَا على جِهَة التَّضْمِين بل على جِهَة أَنَّهَا نابت مناب الشَّرْط بِمَعْنى أَنه حذفت جملَة الشَّرْط وأنيبت هَذِه منابها فِي الْعَمَل وَنَظِيره قَوْلهم ضربا زيدا فَإِن (ضربا) نَاب عَن اضْرِب فنصب زيدا لَا أَنه ضمن الْمصدر معنى فعل الْأَمر بل ذَلِك على طَرِيق النِّيَابَة وَكَذَا زيد فِي الدَّار أَبوهُ ارْتَفع (أَبوهُ) بالجار وَالْمَجْرُور لِأَنَّهُ نَاب مناب كَائِن لَا أَنه ضمن مَعْنَاهُ فَيكون جزمه إِذْ ذَاك لنيابته مناب الْجَازِم لَا لعضمن الْجَازِم لِأَن الْجَازِم بطرِيق التَّضْمِين جازم بِحَق الأَصْل وَكَذَا تَقول الْجَازِم فِي من يأتني أكْرمه إِنَّه هُوَ لفظ اسْم الشَّرْط وَهَذَا مَا صَححهُ ابْن عُصْفُور وَذهب أَكثر الْمُتَأَخِّرين إِلَى أَنه مجزوم بِشَرْط مُقَدّر بعد هَذِه الْأَشْيَاء لدلَالَة مَا قبل وَمَا بعد عَلَيْهِ وَالتَّقْدِير مثلا ائْتِنِي إِن تأتني أكرمك قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا الَّذِي نختاره وَلَا حَاجَة إِلَى التَّضْمِين وَلَا إِلَى النِّيَابَة قَالَ وَقد حُكيَ بعض أَصْحَابنَا مذهبا رَابِعا وَهُوَ أَنه مجزوم بلام مقدرَة فَإِذا قَالَ أَلا تنزل تصب خيرا فَمَعْنَاه لتصب خيرا قَالَ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ لَا يطرد فِي مَوَاضِع الْجَزْم إِلَّا بتجوز كثير وَزعم الْفراء والمازني والزجاج أَن (يقيموا) فِي قَوْله تَعَالَى: {قل لعبادي الَّذين آمنُوا يقيموا} [إِبْرَاهِيم: 31] وَشبهه مَبْنِيّ لوُقُوعه مقوع (أقِيمُوا) وَهُوَ مَعْمُول القَوْل
إِضْمَار أَن بعد الْوَاو وَالْفَاء وَغَيرهمَا
(ص) مَسْأَلَة قد تضمر (أَن) بعد وَاو وَفَاء قيل وأو قيل وَثمّ بَين شَرط وَجَزَاء أَو بعدهمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَبعد فعل شكّ قيل وَقسم قيل وَحصر

(2/399)


بإنما فَإِن كَانَ بإلا أَو الْفِعْل مثبتا خَالِيا من الشَّرْط فضرورة وَيرْفَع منفي بِلَا صَالح لكَي وَجوز الكوفية وَابْن مَالك جزمه اخْتِيَارا ويثلث مَعْطُوف على مَنْصُوب بعد جَزَاء (ش) ينصب الْفِعْل بإضمار (أَن) جَوَازًا إِذا وَقع بَين شَرط وَجَزَاء بعد الْفَاء وَالْوَاو وَزَاد بَعضهم بعد أَو وَزَاد الْكُوفِيُّونَ بعد (ثمَّ) وَالْأَحْسَن التَّشْرِيك فِي الْجَزْم مِثَاله إِن تأتني فتحدثني أحسن إِلَيْك وَمن يأتني ويحدثني أحسن إِلَيْهِ وَإِن تزرني أَو تحسن إِلَى أحسن إِلَيْك وَقُرِئَ: {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله ثمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فقد وَقع أجره على الله} [النِّسَاء: 100] بِالنّصب وَإِنَّمَا كَانَ التَّشْرِيك فِي الْجَزْم أحسن لِأَن الْعَطف إِذْ ذَاك يكون على ملفوظ بِهِ وَهُوَ الْفِعْل السَّابِق وَالنّصب يكون الْعَطف فِيهِ على تَقْدِير الْمصدر المتوهم من الْفِعْل السَّابِق وَقَوْلِي بَين شَرط وَجَزَاء أحسن من قَول (التسهيل) بَين مجزومي أَدَاة شَرط لِأَنَّهُ لَا فرق فِي ذَلِك بَين أَن يكون فعلا الشَّرْط مضارعين أَو ماضيين وَلَا يلْزم أَيْضا أَن يكون مذكورين بل لَو كَانَ الْجَزَاء محذوفا جَازَ النصب كَقَوْلِه: 1033 -
(فَلَا يَدْعُنِي قومِي صَرِيحًا لِحُرّةٍ ... وإنْ كُنْتُ مقتولاً ويَسْلَمَ عامِرُ)
فَقَوله وَيسلم عَامر وَاقع بَين شَرط مَذْكُور وَجَزَاء مَحْذُوف أَي فَلَا يدعني قومِي لدلَالَة مَا قبله عَلَيْهِ وَكَذَا لَو وَقع ذَلِك بعد تَمام الشَّرْط وَالْجَزَاء جَازَ نَصبه وَالْأَحْسَن جزمه وَيجوز رَفعه أَيْضا استئنافا قَالَ تَعَالَى: {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله فَيغْفر لمن يَشَاء} [الْبَقَرَة: 284] قرئَ بجزم (يغْفر) ونصبه وَرَفعه وَمثله قَوْله تَعَالَى: (وِإن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ

(2/400)


وَيُكَفِّرُ} [الْبَقَرَة: 271] قرئَ (يكفر) بِالثَّلَاثَةِ وَإِذا نصبت الْفِعْل بعد فعل الْجَزَاء وعطفت فعلا آخر فلك فِيهِ أَيْضا الرّفْع وَالنّصب والجزم نَحْو إِن تأتني أحسن إِلَيْك وأزورك وَأكْرم أَخَاك فَيجوز رفع (أكْرم) استئنافا ونصبه عطفا على لفظ (أزورك) وجزمه عطفا على مَوْضِعه لِأَنَّهُ يجوز فِيهِ أَن يكون مَجْزُومًا قَالَ أَبُو حَيَّان وَذهب بعض النَّحْوِيين إِلَى أَنه يجوز النصب بعد أَفعَال الشَّك نَحْو حسبته شَتَمَنِي فأثب عَلَيْهِ وَذَلِكَ لِأَن الْفِعْل غير الْمُحَقق قريب من الْمَنْفِيّ فَألْحق بِهِ فِي النصب بعده قَالَ وَقد اضْطربَ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة ابْن عُصْفُور فَأَجَازَهُ فِي شرح القانون وَمنعه فِي شرح الْجمل الْكَبِير قَالَ وَالصَّحِيح جَوَاز ذَلِك وَإِلَيْهِ ذهب سِيبَوَيْهٍ قَالَ وَزَاد بعض أَصْحَابنَا من مَوَاضِع النصب بعد الْفَاء وَالْوَاو النصب بعدهمَا بعد جَوَاب الْقسم لِأَنَّهُ غير وَاجِب وَجَوَابه كجواب كجواب الشَّرْط فَمَا جَازَ فِيهِ نَحْو أقسم لتقوم فَيضْرب زيدا وَلَتَقُومَنَّ فتضربه قَالَ وَهَذَا الْمَذْهَب لم يذكرهُ سِيبَوَيْهٍ فِي الْقسم وَقِيَاس قَوْله فِي الشَّرْط يَقْتَضِيهِ على ضعيفه قَالَ أَبُو حَيَّان وَمَا ذهب إِلَيْهِ هَذَا الذَّاهِب لَا يجوز لِأَنَّهُ لم يسمع من كَلَام الْعَرَب على كَثْرَة الْأَقْسَام على ألسنتهم بل المسموع أَنَّك إِذا عطفت على جَوَاب الْقسم كَانَ حكمه حكم الْجَواب فَمَا جَازَ فِي الْجَواب جَازَ فِي الْمَعْطُوف انْتهى وَزَاد ابْن مَالك فِي مَوَاضِع النصب بعد الْفَاء وَالْوَاو النصب بعدهمَا بعد حصر (بإنما) كَقِرَاءَة ابْن عَامر: {وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونَ} [الْبَقَرَة: 117] بِالنّصب قَالَ ابْنه وَهَذَا نَادِر لَا يكَاد يعثر على مثله إِلَّا فِي ضَرُورَة الشّعْر وَغَيره جعل الْآيَة من جَوَاب الْأَمر وَهُوَ (كن) وَإِن لم يكن أمرا فِي الْحَقِيقَة لكنه على صورته فعومل مُعَامَلَته

(2/401)


فَإِن كَانَ الْحصْر بإلا نَحْو مَا أَنْت إِلَّا تَأْتِينَا فتحدثنا لم يجز النصب إِلَّا فِي ضَرُورَة الشّعْر وَكَذَا نصب الْفِعْل الخبري الْمُثبت الْخَالِي من أَدَاة الشَّرْط قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَقد يجوز النصب فِي الْوَاجِب فِي اضطرار الشّعْر ونصبه فِي الِاضْطِرَار من حَيْثُ النصب فِي غير الْوَاجِب وَلَك أَن تجْعَل أَن العاملة وَأنْشد على ذَلِك قَوْله: 1034 -
(سأتْرْك منْزلي لبني تَميم ... وألْحَقُ بالحجاز فَأسْتَريحَا)
قَالَ ابْن مَالك وَيجوز فِي الْمَنْفِيّ ب (لَا) الصَّالح قبلهَا (كي) الرّفْع والجزم سَمَاعا عَن الْعَرَب قَالَ ابْنه فَقَوْل الْعَرَب (ربطت الْفرس لَا تَنْفَلِت وأوثقت العَبْد لَا يفر) حُكيَ الْفراء أَن الْعَرَب ترفع هَذَا وتجزمه قَالَ وَإِنَّمَا جزم لِأَن تَأْوِيله إِن لم أربطه فَجزم على التَّأْوِيل قَالَ أَبُو حَيَّان وَمَا ادعياه وَلم يحكيا فِيهِ خلافًا خالفا فِيهِ الْخَلِيل وسيبويه وَسَائِر الْبَصرِيين وَفِي شرح الْجمل الصَّغِير لِابْنِ عُصْفُور أجَاز الْكُوفِيُّونَ جزمه جَوَابا للْفِعْل الْوَاجِب إِذا كَانَ سَببا للمجزوم نَحْو زيد يَأْتِي الْأَمِير لَا يقطع اللص وَهَذَا عندنَا يجب رَفعه وَلَا يجْزم إِلَّا ضَرُورَة وَفِي كتاب سِيبَوَيْهٍ سَأَلته يَعْنِي الْخَلِيل عَن آتِي الْأَمِير لَا يقطع اللص فَقَالَ الْجَزَاء هَا هُنَا خطأ لَا يكون الْجَزَاء أبدا حَتَّى يكون الْكَلَام الأول غير وَاجِب إِلَّا أَن يضْطَر الشَّاعِر وَلَا نعلم هَذَا جَاءَ فِي الشّعْر الْبَتَّةَ انْتهى
إِضْمَار أَن بعد لَام كي جَوَازًا
(ص) مَسْأَلَة تضمر جَوَازًا بعد لَام كي مَا لم تقترن بِلَا فَيجب الْإِضْمَار وَقَالَ الكوفية هِيَ الناصبة وَقَالَ ثَعْلَب قِيَامهَا مقَام أَن وَابْن كيسَان تقدر أَن أَو كي وَفتحهَا لُغَة وَبعد عاطف فعل على اسْم صَرِيح وَاو أَو فَاء أَو ثمَّ أَو

(2/402)


(أَو) وَلَا يحذف سوي مَا مر إِلَّا ندورا وَلَا يُقَاس فِي الْأَصَح وَقيل يجوز وَلَا نصب (ش) الْحَال الثَّانِي مَا تضمر أَن فِيهِ جَوَازًا وَذَلِكَ فِي موضِعين أَحدهمَا بعد لَام الْجَرّ غير الجحودية نَحْو جِئْت لأكرمك فالفعل مَنْصُوب بعد هَذِه اللَّام بِأَن مضمرة وَيجوز إظهارها نَحْو جِئْت لِأَن أكرمك وتسمي هَذِه اللَّام لَام كي بِمَعْنى أَنَّهَا للسبب كَمَا أَن (كي) للسبب يعنون إِذا كَانَت جَارة تكون جَارة وَتَكون ناصبة بِمَعْنى (أَن) وَلَا يعنون بذلك أَن (كي) تقدر بعْدهَا فَتكون للنصب بإضمار (كي) لَا بإضمار أَن وَإِن كَانَ يجوز أَن ينْطق ب (كي) بعْدهَا فَتَقول جِئْت لكَي أكرمك لِأَن (كي) لم يثبت إضمارها فِي غير هَذَا الْموضع فَحمل هَذَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا ثَبت إِضْمَار (أَن) فَلَزِمَ أَن يكون الْمُضمر هُنَا (أَن) وَزعم أَبُو الْحسن بن كيسَان والسيرافي أَنه يجوز أَن يكون الْمُضمر (أَن) وَيجوز أَن يكون (كي) وحملهما على ذَلِك مَا ذَكرْنَاهُ من أَن الْعَرَب أظهرت بعْدهَا (أَن) تَارَة وكي تَارَة وَزعم أهل الْكُوفَة أَن النصب فِي الْفِعْل بِهَذِهِ اللَّام نَفسهَا كَمَا زَعَمُوا ذَلِك فِي لَام الْجُحُود الْمُتَقَدّمَة وَأَن مَا ظهر بعْدهَا من أَن وكي هُوَ مُؤَكد لَهَا وَلَيْسَت لَام الْجَرّ الَّتِي تعْمل فِي الْأَسْمَاء لَكِنَّهَا لَام تشْتَمل على معنى كي فَإِذا رَأَيْت (كي) مَعَ اللَّام فالنصب للام وكي مُؤَكدَة وَإِذا انْفَرَدت (كي) فَالْعَمَل لَهَا وَزعم ثَعْلَب أَن اللَّام بِنَفسِهَا تنصب الْفِعْل كَمَا قَالَ الْكُوفِيُّونَ إِلَّا أَنه قَالَ لقيامها مقَام (أَن) قَالَ أَبُو حَيَّان وَذَلِكَ بَاطِل لِأَنَّهُ قد ثَبت كَونهَا من حُرُوف الْجَرّ وعوامل الْأَسْمَاء لَا تعْمل إِلَّا فِي الْأَسْمَاء فَإِن اقْترن الْفِعْل ب (لَا) بعد اللَّام تعين الْإِظْهَار كَقَوْلِه تَعَالَى: {لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب} [الْحَدِيد: 29] قَالَ أَبُو حَيَّان وَسَوَاء كَانَت لَا نَافِيَة أَو زَائِدَة

(2/403)


وَلَا يجوز الْفَصْل بَين لَام كي وَالْفِعْل الْمَنْصُوب إِلَّا بهَا وَإِنَّمَا سَاغَ ذَلِك لِأَنَّهَا حرف جر و (لَا) قد يفصل بهَا بَين الْجَار وَالْمَجْرُور فِي فصيح الْكَلَام نَحْو غضِبت من لَا شَيْء وَجئْت بِلَا زَاد وَيلْزم إِذْ ذَاك إِظْهَار أَن ليَقَع الْفَصْل بَين المتماثلين لأَنهم لَو قَالُوا جِئْت للا تغْضب كَانَ فِي ذَلِك قلق فِي اللَّفْظ ونبوة فِي النُّطْق فتجنبوه بِإِظْهَار (أَن) وَحكم لَام كي الْكسر وَفتحهَا لُغَة تَمِيم الْموضع الثَّانِي بعد عطف بِالْوَاو أَو الْفَاء أَو ثمَّ أَو (أَو) على اسْم صَرِيح كَقَوْلِه: 1035 -
(لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وتقرَّ عَيْنِي ... أَحَبُّ إِلَى مِنْ لُبْس الشُّفُوفِ)
وَقَوله: 1036 -
(لَوْلا تَوقُّعُ مُعْتَرٍّ فأرْضِيَهُ ... مَا كُنْتُ أوثرُ إتراباً على تَرَبِ)
وَقَوله: 1037 -
(إنِّي وَقْتِلي سُلَيكاً ثمَّ أَعْقِلَهُ ... كالثّوْر يُضْرَبُ لما عافَتِ البَقَرُ)
وَقَوله تَعَالَى: {إِلَّا وَحيا أَو من وَرَاء حجاب أَو يُرْسل} [الشورى: 51] وَشَمل الِاسْم الْمصدر وَغَيره كَقَوْلِه: 1038 -
(ولوْلا رجالٌ من رزام أعزّةٌ ... وآلُ سُبيْع أوْ أسُوءَكَ عَلْقمَا)

(2/404)


وَاحْترز بِالصَّرِيحِ من الْعَطف على الْمصدر المتوهم فَإِنَّهُ يجب فِيهِ إِضْمَار (أَن) كَمَا تقدم وَلَا تنصب (أَن) محذوفة فِي غير الْمَوَاضِع الْمَذْكُورَة إِلَّا نَادرا وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنه يجوز حذفهَا فِي غير الْمَوَاضِع الْمَذْكُورَة ثمَّ اخْتلف هَؤُلَاءِ فَذهب أَكْثَرهم إِلَى أَنه يجب رفع الْفِعْل إِذا حذفت وَعَلِيهِ أَبُو الْحسن وَجعل مِنْهُ قَوْله: 1039 -
(أَلا أَيُّهَذَا الزَّاجري أَحْضُرُ الوغى ... )
يُرِيد أَن أحضر قيل وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {أفغير الله تأمروني أعبد} [الزمر: 64] أَي أَن أعبد وَوَجهه أَن الْعَامِل إِذا نسخ عَاملا وَحذف رَجَعَ الأول لِأَن لَفظه هُوَ النَّاسِخ وَذهب أَبُو الْعَبَّاس إِلَى أَنه إِذا حذفت (أَن) بَقِي عَملهَا قَالَ لِأَن الْإِضْمَار لَا يزِيل الْعَمَل كَمَا فِي (رب) وَأكْثر العوامل وَأنْشد عَلَيْهِ مَا رُوِيَ فِي الْبَيْت السَّابِق أحضر بِالنّصب وَقَوله: 1040 -
(وهمّ رجالٌ يَشْفعوا لي فَلم أجدْ ... شَفِيعًا إِلَيْهِ غَيْرَ جُودٍ يُعادِلُه)
وَقَوله: 1041 -
(ونَهْنَهتُ نَفْسي بَعْدَمَا كِدْت أَفْعَلَهْ ... )
وَحكي من كَلَامهم خُذ اللص قبل يأخذك ومره يحفرها وَقَرَأَ الْحسن: {تأمروني أعبد} [الزمر: 64] وَقَرَأَ الْأَعْرَج: {ويسفك الدِّمَاء} [الْبَقَرَة: 30]

(2/405)


وَاخْتلف النُّحَاة فِي الْقيَاس على مَا سمع من ذَلِك فَذهب الْكُوفِيُّونَ وَبَعض الْبَصرِيين إِلَى الْقيَاس عَلَيْهِ قَالَ أَبُو حَيَّان وَالصَّحِيح قصره على السماع لِأَنَّهُ لم يرد مِنْهُ إِلَّا مَا ذَكرْنَاهُ وَهُوَ نزر فَلَا يَنْبَغِي أَن يَجْعَل ذَلِك قانونا كليا يُقَاس عَلَيْهِ فَلَا يجوز الْحَذف وَإِقْرَار الْفِعْل مَنْصُوبًا وَلَا مَرْفُوعا ويقتصر فِي ذَلِك على مورد السماع
خَاتِمَة
(ص) خَاتِمَة ترد (أَن) زَائِدَة وَلَيْسَت المخففة وَلَا تفِيد غير توكيد على الْأَصَح فيهمَا بعد (لما) وَبَين قسم وَلَو وزعمها ابْن عُصْفُور رابطة وسيبويه فِي قَول موطئة وَأَبُو حَيَّان مُخَفّفَة وشذوذا بعد كي وقاسه الكوفية وكاف الْجَرّ وَإِذا ومفسرة وأنكرها الكوفية بَين جملتين فِي الأولى معنى قَول لَا لَفظه قيل أَو لَفظه عَارِية من جَازَ فَإِن وَليهَا مضارع مُثبت جَازَ رَفعه ونصبه أَو مَعَ لَا جازا والجزم قَالَ الكوفية والأصمعي وشرطية قيل ونافية قيل وَبِمَعْنى لِئَلَّا قيل وَإِذ مَعَ الْمَاضِي قيل والمضارع (ش) لما انْقَضى الْكَلَام فِي أَحْكَام (أَن) الناصبة للمضارع وَكَانَ لفظا مُشْتَركا بَين المصدرية والزائدة والتفسيرية وَغير ذَلِك على مَا ذهب إِلَيْهِ بَعضهم تمم الْكَلَام وَختم الْبَاب بِذكر بَقِيَّة موَاضعهَا وَهِي سِتَّة أَحدهَا الزِّيَادَة وَأَن الزَّائِدَة حرف ثنائي بسيط مركب من الْهمزَة وَالنُّون فَقَط وَذهب بَعضهم إِلَى أَنَّهَا هِيَ الثَّقِيلَة خففت فَصَارَت مُؤَكدَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا تفِيد عندنَا غير التَّأْكِيد وَزعم الزَّمَخْشَرِيّ أَنه ينجر مَعَ إِفَادَة التوكيد معنى أخر فَيُقَال فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَمَّا أَن جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ} [العنكبوت: 33] دخلت (أَن)

(2/406)


فِي هَذِه الْقِصَّة وَلم تدخل فِي قصَّة إِبْرَاهِيم فِي قَوْله: {وَلَقَد جَاءَت رسلنَا إِبْرَاهِيم بالبشرى قَالُوا سَلاما} [هود: 69] تَنْبِيها وتأكيدا فِي أَن الْإِسَاءَة كَانَت تعقب الْمَجِيء فَهِيَ مُؤَكدَة للاتصال واللزوم وَلَا كَذَلِك فِي قصَّة إِبْرَاهِيم إِذْ لَيْسَ الْجَواب فِيهِ كَالْأولِ وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو عَليّ دخلت منبهة على السَّبَب وَأَن الْإِسَاءَة كَانَت لأجل الْمَجِيء لِأَنَّهَا قد تكون للسبب فِي قَوْلك جِئْت أَن تُعْطِي أَي للإعطاء قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا الَّذِي ذهب إِلَيْهِ لَا يعرفهُ كبراء النَّحْوِيين ومواقع زيادتها بعد لما كالآية وَبَين الْقسم وَلَو كَقَوْلِه: 1042 -
(أما واللهِ أنْ لَو كُنْتَ حُرًّا ... )
وَزعم ابْن عُصْفُور فِي المقرب أَنَّهَا حرف يرْبط جملَة الْقسم بجملة الْمقسم عَلَيْهِ وَالَّذِي نَص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ أَنَّهَا زَائِدَة وَنَصّ فِي مَوضِع آخر على أَنَّهَا بِمَنْزِلَة لَام الْقسم الموطئة وَقَالَ أَبُو حَيَّان الَّذِي يذهب إِلَيْهِ فِي (أَن) هَذِه غير هَذِه الْمذَاهب الثَّلَاثَة وَهُوَ أَنَّهَا المخففة من الثَّقِيلَة وَهِي الَّتِي وصلت ب (لَو) كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا} [الْجِنّ: 16] وَتَقْدِيره أَنه إِذا قيل أقسم أَن لَو كَانَ كَذَا لَكَانَ كَذَا

(2/407)


فَمَعْنَاه أقسم أَنه لَو كَانَ كَذَا لَكَانَ كَذَا وَيكون فعل الْقسم قد وصل إِلَيْهَا على إِسْقَاط حرف الْجَرّ أَي أقسم على أَنه لَو كَانَ فصلاحية أَن الْمُشَدّدَة مَكَانهَا يدل على أَنَّهَا مُخَفّفَة مِنْهَا وتزاد شذوذا بعد (كي) وقاسه الْكُوفِيُّونَ نَحْو جِئْت لكَي أَن أكرمك قَالُوا وَلَا مَوضِع ل (أَن) لِأَنَّهَا مُؤَكدَة للام كَمَا أكدتها كي وَبعد كَاف الْجَرّ كَقَوْلِه: 1043 -
(وَيَوْما تُوافينا بوَجْهٍ مُقَسّم ... كَأَن ظَبْيةٍ تعطو إِلَى وارق السّلمْ)
وَبعد إِذا كَقَوْلِه: 1044 -
(فأمهله حَتَّى إِذا أنْ كأنّهُ ... مُعاطى يدٍ فِي لُجّة المَاء غامِرُ)
الْموضع الثَّانِي التَّفْسِير أثْبته البصريون وَأنكر الْكُوفِيُّونَ كَون ذَلِك من مَعَانِيهَا وَهِي عِنْدهم الناصبة للْفِعْل قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَيْسَ ذَلِك بِصَحِيح لِأَنَّهَا غير مفتقرة إِلَى مَا قبلهَا وَلَا يَصح أَن تكون المصدرية إِلَّا بتأويلات بعيدَة وَالْكَلَام على مَذْهَب الْبَصرِيين فَنَقُول أجريت أَن فِي التَّفْسِير مجْرى أَي لَكِن تفارقها فِي أَنَّهَا لَا تدخل على مُفْرد لَا يُقَال مَرَرْت بِرَجُل أَن صَالح وَكَأَنَّهُم أَبقوا عَلَيْهَا مَا كَانَ لَهَا من الْجُمْلَة وَهِي فِي هَذَا غير مُخْتَصَّة بِالْفِعْلِ بل تكون مفسرة للجملة الاسمية والفعلية نَحْو كتبت إِلَيْهِ أَن افْعَل وَأرْسل إِلَيْهِ أَن مَا أَنْت وَهَذَا وَمِنْه {ونودوا أَن تلكم الْجنَّة} [الْأَعْرَاف: 43] ول (أَن) التفسيرية شَرْطَانِ أَحدهمَا أَن تكون مفسرة لما يتَضَمَّن القَوْل أَو يحْتَملهُ لَا لقَوْل مُصَرح بِهِ أَو مَحْذُوف أَو فعل متأول بِمَعْنى القَوْل فَإِن صرح بالْقَوْل خلصت الْجُمْلَة للحكاية

(2/408)


دون (أَن) وَكَذَلِكَ إِن كَانَ القَوْل منويا وَتقدم فعل مؤول بِهِ لكنه إِذا لم يتَأَوَّل كَانَت أَن دَاخِلَة للتفسير بِخِلَاف الْمُصَرّح والمقدر فَإِنَّهَا تَجِيء بعده (أَن) وَذكر ابْن عُصْفُور فِي شرح الْجمل الصَّغِير أَن أَن تَأتي تَفْسِيرا بعد صَرِيح القَوْل وَفِي الْبَسِيط اخْتلف فِي تَفْسِير صَرِيح القَوْل فَأَجَازَهُ بَعضهم وَحمل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {مَا قلت لَهُم إِلَّا مَا أَمرتنِي بِهِ أَن اعبدوا الله} [الْمَائِدَة: 117] وَمِنْهُم من يمْنَع فِي الصَّرِيح ويجيز فِي الْمُضمر كَقَوْلِك كتبت إِلَيْهِ أَن قُم الشَّرْط الثَّانِي أَلا تتَعَلَّق بِالْأولِ لفظا فَلَا تكون معمولة وَلَا مَبْنِيَّة على غَيرهَا وَلذَلِك لم تكن تفسيرية فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآخر دَعوَاهُم أَن الْحَمد لله} [يُونُس: 10] لِأَنَّهَا وَاقعَة خَبرا للمبتدأ وَلَا فِي قَوْلهم كتبت إِلَيْهِ بِأَن قُم لِأَنَّهَا معمولة لحرف الْجَرّ فَإِن لم تأت بِحرف الْجَرّ جَازَ فِيهَا الْوَجْهَانِ وَإِن ولي (أَن) الصَّالِحَة للتفسير مضارع مُثبت نَحْو أوحيث إِلَيْهِ أَن يفعل كَانَ فِيهِ الرّفْع على أَنَّهَا حرف تَفْسِير وَالنّصب على أَنَّهَا مَصْدَرِيَّة أَو مَعَه (لَا) نَحْو أَشرت إِلَيْهِ أَن لَا يفعل كَانَ فِيهِ الْأَمْرَانِ لما ذكر والجزم أَيْضا على النَّهْي وَتَكون (أَن) فِيهِ تَفْسِيرا الْموضع الثَّالِث الشَّرْط بِمَعْنى (إِن) أثْبته الْكُوفِيُّونَ والأصمعي وَاسْتَدَلُّوا بقوله: 1045 -
(أتغضب إِن أُذْنا قُتَيْبَةَ حُزَّتا ... جهاراً وَلم تَغْضَب لِقتْل ابْن خازم)

(2/409)


قَالُوا لصِحَّة وُقُوع (أَن) موقعها وَامْتِنَاع أَن تكون أَن الناصبة لِأَنَّهَا لَا تفصل بَين الْفِعْل أَو المخففة لِأَنَّهُ لم يتَقَدَّم عَلَيْهَا فعل تَحْقِيق وَلَا شكّ وَقَالَ الْخَلِيل بل هِيَ الناصبة وَقَالَ الْمبرد هِيَ المخففة من الثَّقِيلَة على تَقْدِير أتغضب من أجل أَنه أذنا ثمَّ حذف الْجَار وخفف الرَّابِع النَّفْي أثْبته بَعضهم وَخرج عَلَيْهِ: {قل إِن الْهدى هدى الله أَن يُؤْتى أحد} [آل عمرَان: 73] أَي لَا يُؤْتِي وَأنْكرهُ الْجُمْهُور الْخَامِس بِمَعْنى لِئَلَّا أثْبته بَعضهم وَخرج عَلَيْهِ: {يبين الله لكم أَن تضلوا} [النِّسَاء: 176] أَي لِئَلَّا تضلوا قَالَ أَبُو حَيَّان وَالصَّحِيح الْمَنْع وَتَأْويل الْآيَة: كَرَاهَة أَن تضلوا السَّادِس بِمَعْنى إِذْ أثْبته بَعضهم مَعَ الْفِعْل الْمَاضِي قيل وَمَعَ الْفِعْل الْمُضَارع وَجعل مِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {بل عجبوا أَن جَاءَهُم مُنْذر مِنْهُم} [ق: 2] وَقَوله تَعَالَى: {أَن تؤمنوا بِاللَّه ربكُم} [الممتحنة: 1] أَي إِذْ آمنتم قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء بل (أَن) فِي الْآيَتَيْنِ مَصْدَرِيَّة وَالتَّقْدِير بل عجبوا لِأَن جَاءَهُم وَكَذَلِكَ {يخرجُون الرَّسُول وَإِيَّاكُم أَن تؤمنوا بِاللَّه ربكُم} [الممتحنة: 1] وَقد انْقَضى القَوْل فِي شرح الْكتاب الثَّانِي من كتَابنَا جمع الْجَوَامِع وَهَذَا الْقدر إِلَى هُنَا نصف الْكتاب وَاعْلَم أَنِّي يما شرعت فِي شَرحه كنت بدأت أَولا بشرح النّصْف الثَّانِي فَكتبت من أول الْكتاب الثَّالِث إِلَى بِنَاء جمع التكسير على طَريقَة المزج ثمَّ بدا لي أَن أغير الأسلوب فشرحت من أَوله على النمط الْمُتَقَدّم وَكَانَ فِي نيتي الِاسْتِمْرَار على هَذِه الطَّرِيقَة إِلَى آخر الْكتاب وإلغاء الْقطعَة الَّتِي كتبتها أَولا ممزوجة ثمَّ لما ضَاقَ الزَّمَان عَن ذَلِك أبقيت كل قِطْعَة على حكمهَا وضممت هَذِه الْقطعَة إِلَى تِلْكَ ووصلت بَينهمَا وَلَا يضير كَون الشَّرْح على أسلوبين نصفه بِلَا مزج وَنصفه ممزوج ونعود هُنَاكَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى إِلَى تَكْمِلَة بَقِيَّة الْكتاب من جمع التكسير إِلَى آخِره على طَريقَة أَوله وَالله الْمُوفق

(2/410)


1 - الْكتاب الثَّانِي فِي المجرورات وَمَا حمل عَلَيْهَا وَهِي المجزومات

المجرورات الْحُرُوف الْإِضَافَة
الجوازم

الْحُرُوف غير العاطفة

(2/411)


صفحة فارغة

(2/412)