همع الهوامع في شرح جمع الجوامع

الْمُضَاف للياء
مَسْأَلَة الْمُضَاف للياء بِكَسْر آخِره لمناسبة الْيَاء إِلَّا مثنى ومجموعا على حَده وَمَا حمل عَلَيْهِمَا ومعتلا لَا يجْرِي مجْرى الصَّحِيح فيسكن آخِره وَهُوَ الْألف من الأول والأخير وَالْوَاو من الثَّانِي وَالْيَاء من الثَّلَاثَة ثمَّ تُدْغَم فِي يَاء الْإِضَافَة الْيَاء الَّتِي فِي آخر الْكَلِمَة وَالْوَاو بعد قَلبهَا يَاء وَيكسر مَا قبلهَا إِن كَانَ ضما للمجانسة نَحْو وزيدي وقاضي ومسلمي وتسلم الْألف فَلَا تقلب فِي الْمثنى كزيداي والمقصور كعصاي ومحياي وقلبها يَاء فِي الْمَقْصُورَة لُغَة لهذيل وَغَيرهم كَمَا قَالَ أَبُو حَيَّان كَقَوْلِه: 1271 -
(سَبَقُوا هَوَيَّ وأعْنَقُوا لهَوَاهُمُ ... )

(2/529)


وَقَرَأَ الْحسن (يَا بَشْرَايَ} [يُوسُف: 19] (و) قَلبهَا (فِي لَدَى وَإِلَى وعَلى) الاسمين أَكثر وَأشهر فِي اللُّغَات من السَّلامَة نَحْو لدي وَعلي الشَّيْء وَإِلَى وَبَعض الْعَرَب يَقُول لداي وعلاي نَقله أَبُو حَيَّان مُعْتَرضًا بِهِ على صَاحب التَّمْهِيد فِي نَفْيه ذَلِك ثمَّ الْيَاء الْمُضَاف إِلَيْهَا فِي غير الْمُفْرد الصَّحِيح تفتح كَمَا تقدم وَقد تكسر مَعَ الْمَقْصُور قَرَأَ الْحسن: {عصاي} [طه: 18] (و) قد تكسر المدغمة فِي جمع أَو غَيره كَقِرَاءَة حَمْزَة {بمصرخي} [إِبْرَاهِيم: 22] وَقَول الشَّاعِر:

(2/530)


1272 -
(على لعَمْروا نعْمةٌ بعد نعْمَةٍ ... )
سمع بِكَسْر الْيَاء (و) الْيَاء فِيهِ أَي فِي الْمُفْرد الصَّحِيح تفتح وتسكن أَي يجوز كل مِنْهُمَا وَفِي الأَصْل مِنْهُمَا خلاف قيل الْفَتْح أصل لِأَنَّهُ حرف وَاحِد فقياسه التحريك بِهِ ثمَّ سكن تَخْفِيفًا وَجزم بِهِ ابْن مَالك فِي سبك المنظوم وَقيل السّكُون أصل لِأَنَّهُ حرف عِلّة ضمير فَوَجَبَ السّكُون كواو ضربوا وَلِأَن بِنَاء الْحَرْف على حَرَكَة إِنَّمَا هُوَ لتعذر الِابْتِدَاء بِهِ والمتصل بِغَيْرِهِ لَا تعذر فِيهِ وَقل حذفهَا أَي الْيَاء مَعَ كسر المتلو أَي مَا قبلهَا كَقَوْلِه تَعَالَى: {فبشر عباد الَّذين} [الزمر: 17، 18] بِحَذْف الْيَاء وصلا ووقفا خطا (و) قل قَلبهَا ألفا كَقَوْلِه: 1273 -
(أطوِّف مَا أُطوِّف ثمَّ آوي ... إِلَى أُمّا ويَرْويني النقيعُ)
وَخَصه ابْن عُصْفُور بِالضَّرُورَةِ وَأطلق غَيره جَوَازه (و) قل حذفهَا أَي الْألف مَعَ فتح المتلو بِهِ دَالا عَلَيْهَا كَقَوْلِه: 1274 -
(ولستُ بمدْرك مَا فَاتَ منِّي ... بلَهْفَ وَلَا بليَتَ وَلَا لَوَ أنِّي)

(2/531)


قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء وَمَعَ ضمه كَقَوْلِه: 1275 -
(ذَريني إنّما خَطَئي وصَوْبي ... عليّ وَإِنَّمَا أهْلكْتُ مالُ)
أَي مَالِي وَأنْكرهُ أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ وَقَالَ الْمَعْنى فِي الْبَيْت إِن الَّذِي أهلكته مَال لَا عرض قَالَ ابْن مَالك فَإِن كَانَت الْإِضَافَة غير مَحْضَة كإضافة مكرمي مرَادا بِهِ الْحَال أَو الِاسْتِقْبَال فَلَا حذف وَلَا قلب لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ فِي نِيَّة الِانْفِصَال فَلم تمازح مَا اتَّصَلت بِهِ فتشبه يَاء قَاض فِي جَوَاز الْحَذف فَلَا حَظّ لَهَا فِي غير الْفَتْح والسكون قَالَ أَبُو حَيَّان وَغَيره من النَّحْوِيين لم يذكرُوا هَذَا الْقَيْد ثمَّ نَقله فِي الارتشاف عَن الْمجَالِس لثعلب وَالنِّهَايَة فَإِن نُودي الْمُضَاف للياء لَا بعد سَاكن فَفِيهَا أَي الْيَاء لُغَات أشهرها الْحَذف وأبقاء الْكسر دَالا عَلَيْهَا لِأَن المنادى كثير التَّغْيِير لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال نَحْو: {يَا عباد فاتقون} [الزمر: 16] فالإبقاء سَاكِنة يَلِيهِ فمفتوحة نَحْو {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا} [الزمر: 53] فقلبها ألفا يَلِيهِ نَحْو: {يَا حسرتى على مَا فرطت} [الزمر: 56] فحذفها أَي الْألف مَعَ فتح المتلو اسْتغْنَاء بِهِ عَنْهَا كَمَا استغنوا بِالْكَسْرِ على الْيَاء وَهَذَا الْوَجْه أجَازه الْأَخْفَش والمازني والفارسي وَمنعه الْأَكْثَرُونَ قَالَ أَبُو حَيَّان وَيحْتَاج إِلَى سَماع من الْعَرَب فِي النداء فَمَعَ ضمه أَي المتلو حَيْثُ لَا لبس يحصل بالمنادي الْمُفْرد قرئَ {قَالَ رب احكم بِالْحَقِّ} [الْأَنْبِيَاء: 112] {قَالَ رب السجْن أحب إِلَيّ} [يُوسُف: 33] أَي إِلَى يَا رب وَحكي سِيبَوَيْهٍ يَا قوم لَا تَفعلُوا وَيَا رب اغْفِر لي

(2/532)


وَوجه بِأَنَّهُ لما حذف المعاقب للتنوين بني على الضَّم كَمَا بني مَا لَيْسَ بمضاف إِذا حذف تنوينه قَالَ أَبُو حَيَّان وَالظَّاهِر أَن حكمه فِي الإتباع حِينَئِذٍ حكم الْمَبْنِيّ على الضَّم غير الْمُضَاف لَا حكم الْمُضَاف للياء وَأنْكرهُ أَي الضَّم ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ وَقَالَ إِنَّمَا أجَازه سِيبَوَيْهٍ فِيمَا كثير إِرَادَة الْإِضَافَة فِيهِ وَقَالَ خطاب الماردي هُوَ رَدِيء قَبِيح لِأَنَّهُ يلتبس الْمُضَاف بِغَيْرِهِ أما بعد سَاكن مدغم أَو غَيره فَلَا سَبِيل إِلَى ... نَحْو يَا قَاضِي وَبني فَإِن كَانَ الْمُضَاف إِلَى الْيَاء فِي النداء أما أَو عَمَّا مَعَ ابْن وَابْنَة قل إِثْبَاتهَا وقلبها ألفا ثَابِتَة حَتَّى لَا يكَاد يُوجد إِلَّا فِي ضَرُورَة كَقَوْلِه: 1276 -
(يَا ابْنَ أُمِّي وَيَا شُقَيِّقَ نَفْسِي ... )
وَقَوله: 1277 -
(يَا ابْنَةَ عَمَّا لَا تَلُومي واهْجَعي)

(2/533)


وَغلب الْحَذف لِكَثْرَة اسْتِعْمَالهَا فِي النداء مَعَ كسر الْمِيم دلَالَة على الْيَاء المحذوفة وَفتحهَا دلَالَة على الْألف المحذوفة المنقلبة على الْيَاء الْمُقدر فتح مَا قبلهَا لَا تركيبا خلافًا لسيبويه وَأَصْحَابه فِي قَوْلهم إِنَّه مركب مَبْنِيّ كَأحد عشر وبعلبك قَالَ تَعَالَى: {يَا بَنْؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي} [طه: 94] قرئَ فِي السَّبع بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح قَالَ قوم وَمَعَ ضمهَا أما غير أم وَعم مَعَ ابْن وَابْنَة فَلَا يحذف مِنْهُ الْيَاء كيا أخي وَيَا ابْن خَالِي وتزيد أم وَأب على الْحَذف والإبقاء وَالْقلب بوجوهها بقلبها أَي الْيَاء تَاء مَكْسُورَة وَهُوَ الْأَكْثَر ومفتوحة وَبهَا قرئَ فِي السَّبع قيل ومضمومة قَالَ الْفراء والنحاس وَحكى الْخَلِيل يَا أمت لَا تفعلي وَمنعه الزّجاج وَالأَصَح أَنَّهَا توصل أَي التَّاء عوض من الْيَاء أَو الْألف وَمن ثمَّ أَي من أجل ذَلِك لَا يَجْتَمِعَانِ اخْتِيَارا إِذْ لَا يجمع بَين الْعِوَض والمعوض وَقَوْلهمْ يَا أبتا بِالْألف وَهِي الَّتِي توصل بآخر المنادى لبعد أَو استغاثة لَا المبدلة من الْيَاء كَالَّتِي فِي حسرتا وَأَجَازَ كثير من الْكُوفِيّين الْجمع بَينهمَا أَو ندب المنادى الْمُضَاف للياء فعلى السّكُون أَي على لُغَة من أثبتها سَاكِنة تفتح أَو تقلب فتحذف لِاجْتِمَاع أَلفَيْنِ نَحْو واعبديا واعبدا وعَلى لُغَة الْفَتْح تفتح فَقَط وتزاد الْألف وَلَا تحْتَاج إِلَى عمل ثَان لِأَن الْيَاء مهيأة لمباشرة الْألف بِفَتْحِهَا وعَلى لُغَة غَيره أَي الْحَذف مَعَ كسر المتلو أَو فَتحه أَو ضمه وَالْقلب ألفا تقلب ألفا وتحذف الْألف الندبة لِاجْتِمَاع أَلفَيْنِ وَقد يسْتَغْنى بالكسرة فِي المنادى فَلَا يجب رد الْيَاء فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ الْمَنْدُوب عِنْد الْجُمْهُور فَيُقَال يَا غُلَام واحيباه خلافًا للفراء فِي إِيجَابه الرَّد فَتَقول يَا غلامي واحييباه وَيُقَال فِي إِضَافَة ابنم إِلَى الْيَاء ابنمي وَيُقَال فِي فَم فِي برد الْوَاو الَّتِي هِيَ الأَصْل وقلبها يَاء وإدغامها فِي الْيَاء وَقل فمي وَقيل لَا يجوز إِلَّا فِي الضَّرُورَة لِأَن الْإِضَافَة ترد إِلَى الأَصْل وَاسْتدلَّ ابْن مَالك وَأَبُو حَيَّان على جَوَاز إبْقَاء الْمِيم بِحَدِيث الصَّحِيحَيْنِ
(لخلوف فَم الصَّائِم) (و) يُقَال فِيهِ

(2/534)


فِي لُغَة التَّضْعِيف (فمي) وَالْقصر (فماي) وَيُقَال فِي أَب وَإِخْوَته أبي وَأخي وحمي وهني بِلَا رد لِأَنَّهُ الْمُسْتَعْمل كالإضافة إِلَى غير الْيَاء نَحْو إِن هَذَا أخي وَجوز الكوفية والمبرد وَابْن مَالك أَن يُقَال أبي برد اللَّام كَقَوْلِه: 1278 -
(كأنْ أبيِّ كَرَمًا وسودا ... يُلْقِي على ذِي اللّبَد الجديدا)
زَاد ابْن مَالك وَأخي قَالَ وَلم أجد لَهُ شَاهدا لَكِن أجيزه قِيَاسا على أبي كَمَا فعل الْمبرد وَيُقَال على الْمُخْتَار فِي ذِي ذِي لِأَن الأَصْل فِي الرّفْع ذَوي قلبت الْوَاو يَاء وأدغمت فِيهَا كالجر وَالنّصب وَمُقَابل الْمُخْتَار هُوَ منع إضافتها إِلَى الضَّمِير
الْجَرّ بالمجاورة
خَاتِمَة فِي سَبَب للجر ضَعِيف أثبت الْجُمْهُور من الْبَصرِيين والكوفيين الْجَرّ بالمجاورة للمجرور فِي نعت كَقَوْلِهِم هَذَا جُحر ضَب خرب وتوكيد كَقَوْلِهِم: 1279 -
(يَا صَاحِ بلِّغ ذَوي الزَّوجات كُلِّهِمُ ... )
بجر كلهم على الْمُجَاورَة لِأَنَّهُ توكيد لِذَوي الْمَنْصُوب لَا لِلزَّوْجَاتِ وَإِلَّا لقَالَ كُلهنَّ زَاد قوم وَعطف نسق كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأْرْجُلِكُمْْ} [الْمَائِدَة: 6] فَإِنَّهُ مَعْطُوف على وَأَيْدِيكُمْ لِأَنَّهُ مَوْصُول قَالَ أَبُو حَيَّان وَذَلِكَ

(2/535)


ضَعِيف جدا وَلم يحفظ من كَلَامهم قَالَ وَالْفرق بَينه وَبَين النَّعْت والتوكيد أَنَّهُمَا تابعان بِلَا وَاسِطَة فهما أَشد مجاورة من الْعَطف المفصول بِحرف الْعَطف وَأجِيب عَن الْآيَة بِأَن الْعَطف فِيهَا على الْمَجْرُور الْمَمْسُوح إِشَارَة إِلَى مسح الْخُف وَزَاد ابْن هِشَام فِي شرح الشذور وَعطف بَيَان وَقَالَ لَا يمْتَنع فِي الْقيَاس جَرّه على الْجوَار لِأَنَّهُ كالنعت والتوكيد فِي مجاورة الْمَتْبُوع أما الْبَدَل فَقَالَ أَبُو حَيَّان لَا يحفظ من كَلَامهم وَلَا خرج عَلَيْهِ أحد شَيْئا قَالَ وَسَببه أَنه مَعْمُول لعامل آخر غير الْعَامِل الأول على الْأَصَح وَلذَلِك يجوز إِظْهَاره إِذا كَانَ حرف جر بِإِجْمَاع فبعدت مُرَاعَاة الْمُجَاورَة وَنزل منزلَة جملَة أُخْرَى وَكَذَا قَالَ ابْن هِشَام وَأنْكرهُ أَي الْجَرّ بالمجاورة مُطلقًا السيرافي وَابْن جني وَقَالَ الأول الأَصْل هَذَا جُحر ضَب خرب الْجُحر مِنْهُ كمررت بِرَجُل حسن الْوَجْه مِنْهُ ثمَّ حذف الضَّمِير للْعلم بِهِ ثمَّ أضمر الْجُحر فَصَارَ خرب وَقَالَ الثَّانِي أَصله خرب جُحْره نَحْو حسن وَجهه ثمَّ نقل الضَّمِير فَصَارَ خرب الْجُحر ثمَّ حذف ورد بِأَن إبراز الضَّمِير حِينَئِذٍ وَاجِب للإلباس وَبِأَن مَعْمُول هَذِه الصّفة لِضعْفِهَا لَا يتَصَرَّف فِيهِ بالحذف وقصره الْفراء على السماع وَمنع الْقيَاس على مَا جَاءَ مِنْهُ فَلَا يجوز هَذِه جحرة ضَب خربة بِالْجَرِّ وَخَصه قوم بالنكرة كالمثال ورد بِمَا حَكَاهُ أَبُو مَرْوَان كَانَ وَالله من رجال الْعَرَب الْمَعْرُوف لَهُ بذلك

(2/536)


وَخَصه الْخَلِيل بِغَيْر المثني أَي بالمفرد وَالْجمع فَقَط قيل (و) بِغَيْر (الْجمع) أَيْضا بالمفرد فَقَط لَا يجوز عَلَيْهِمَا هَذَانِ جُحر ضَب خربين وَلَا على الثَّانِي هَذِه جحرة ضَب خربة وَالْجَوَاز فِي الْمثنى معزو إِلَى سبيويه قَالَ أَبُو حَيَّان وَقِيَاسه الْجَوَاز فِي الْجمع وَالْمَانِع قَالَ لم يرد إِلَّا فِي الْإِفْرَاد وَهُوَ قريب من رَأْي الْفراء

(2/537)


الجوزام
أَي هَذَا مبحثها
لَام الطّلب
أَي أَحدهَا لَام الطّلب أمرا كَانَ نَحْو: {فلينفق} [الطَّلَاق: 7] أَو دُعَاء نَحْو: {ليَقْضِ علينا رَبك} [الزخرف: 77] وحركتها الْكسر لضَرُورَة الِابْتِدَاء وَفتحهَا لُغَة لسليم طلبا للخفة وَقيل إِنَّمَا تفتح على هَذِه اللُّغَة إِن فتح تَالِيهَا بِخِلَاف مَا إِذا انْكَسَرَ نَحْو لتيذن أَو ضم نَحْو لتكرم وَقيل إِنَّمَا تفتح عَلَيْهَا إِن استؤنفت أَي لم تقع بعد الْوَاو أَو الْفَاء أَو ثمَّ حَكَاهَا الْفراء وتسكن أَي يجوز تسكينها رُجُوعا إِلَى الأَصْل فِي الْمَبْنِيّ ومشاكله عَملهَا تلو وَاو وَفَاء وَثمّ نَحْو {فليستجيبوا} [الْبَقَرَة: 186] {ثمَّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا} [الْحَج: 29] {وليتمتعوا} [العنكبوت: 66] وَقُرِئَ بِالتَّحْرِيكِ فِي الثَّلَاثَة الْأَخِيرَة فَقَط وَقيل يقل مَعَ ثمَّ لِأَن التسكين إِنَّمَا كثر فِي الْأَوَّلين لشدَّة اتصالهما بِمَا بعدهمَا لِكَوْنِهِمَا على حرف فصارا مَعَه ككلمة وَاحِدَة فَخفف بِحَذْف الْكسر وَمن ثمَّ حملت عَلَيْهِمَا فَلَا تبلغ فِي الْكَثْرَة مبلغهما وَقيل هُوَ مَعهَا ضَرُورَة لَا يجوز فِي الِاخْتِيَار قَالَه خطاب وَأنكر قِرَاءَة حَمْزَة وَهُوَ مَرْدُود قَالَ أَبُو حَيَّان مَا قرئَ بِهِ فِي السَّبْعَة لَا يرد وَلَا يُوصف بِضعْف وَلَا بقلة

(2/538)


وَتلْزم اللَّام فِي أَمر فعل غير الْفَاعِل الْمُخَاطب أَي فِي الْغَائِب والمتكلم وَالْمَفْعُول نَحْو ليقمْ زيد {ولنحمل خطاياكم} [العنكبوت: 12] قومُوا فلأصل لكم لتعن بحاجتي وَثقل فِي أَمر مُتَكَلم لِأَن أَمر الْإِنْسَان لنَفسِهِ قَلِيل الِاسْتِعْمَال وتقل اللَّام فِي أَمر فَاعل مُخَاطب نَحْو {فبذلك فليفرحوا} [يُونُس: 58] وَحَدِيث لِتَأْخُذُوا مَصَافكُمْ وَالْأَكْثَر أمره بِصِيغَة افْعَل قَالَ الرضي فَإِن كَانَ الْمَأْمُور جمَاعَة بَعضهم غَائِب فَالْقِيَاس تَغْلِيب الْحَاضِر فيؤتي بالصيغة ويقل الْإِتْيَان بِاللَّامِ وحذفها أَي اللَّام فِيهِ أَقْوَال أَحدهَا يجوز مُطلقًا حَتَّى فِي الِاخْتِيَار بعد قَول أَمر وَهُوَ رَأْي الْكسَائي قَالَ كَقَوْلِه تَعَالَى: {قل لعبادي الَّذين آمنُوا يقيموا} [إِبْرَاهِيم: 31] أَي ليقيموا ثَانِيهَا لَا يجوز مُطلقًا وَلَا فِي الشّعْر وَهُوَ رَأْي الْمبرد ثَالِثهَا وَهُوَ الصَّحِيح يجوز فِي الشّعْر فَقَط كَقَوْلِه: 1280 -
(مُحَمّد تَفْدِ نَفْسَك كُلُّ نَفْس ... )

(2/539)


وَلَا يجوز فِي الِاخْتِيَار سَوَاء تقدم أَمر بالْقَوْل أَو قَول غير أَمر أم لم يتقدمه والجزم فِي الْآيَة لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر أَو جَوَاب شَرط مَحْذُوف كَمَا سَيَأْتِي وَرَابِعهَا يجوز فِي الِاخْتِيَار بعد قَول وَلَو كَانَ غير أَمر نَحْو قلت لزيد يضْرب عمرا أَي ليضْرب وَلَا يجوز غَيره إِلَّا ضَرُورَة وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك وَجعله أقل من حذفهَا بعد قَول أَمر وَاسْتدلَّ فِيهِ بقوله: 1281 -
(قلت لبوَّابٍ لَدَيْهِ دارها ... تِيذَنْ فَإِنِّي حَمْؤُها وجارُها)
قَالَ وَلَيْسَ بضرورة لتمكنه من أَن يَقُول أيذن أَو تيذن إِنِّي وَلَا تفصل اللَّام عَمَّا عملت فِيهِ لَا بمعموله وَلَا بِغَيْرِهِ قَالَ أَبُو حَيَّان وَهِي أَشد اتِّصَالًا من حُرُوف الْجَرّ لِأَنَّهُ قد رُوِيَ فِيهِ الْفَصْل وَلم يجز ذَلِك مِنْهَا لِأَن عَامل الْجَزْم أَضْعَف من عَامل الْجَرّ
لَا الطلبية
أَي الثَّانِي (لَا الطلبية) أَي الْمَطْلُوب بهَا التّرْك سَوَاء النَّهْي نَحْو: {وَلَا تنسوا الْفضل بَيْنكُم} [الْبَقَرَة: 237] وَالدُّعَاء نَحْو: {لَا تُؤَاخِذنَا} [الْبَقَرَة: 286] (وَلَيْسَ أَصْلهَا (لَا) النافية) والجزم بلام الْأَمر مقدرَة قبلهَا وحذفت كَرَاهَة اجْتِمَاع لامين (وَلَا) أَصْلهَا (لَام الْأَمر) زيدت عَلَيْهَا ألف ففتحت لأَجلهَا (خلافًا

(2/540)


لزاعم ذَلِك) وَهُوَ السُّهيْلي فِي الأولى وَبَعْضهمْ فِي الثَّانِيَة قَالَ أَبُو حَيَّان لِأَن ذَلِك دَعْوَى لَا دَلِيل على صِحَّتهَا (وَجزم فعل الْمُتَكَلّم بهَا قَلِيل جدا) كَقَوْلِه
(لَا أَلفَيْنِ أحدكُم مُتكئا على أريكته يَأْتِيهِ الْأَمر مِمَّا أمرت بِهِ) الحَدِيث رَوَاهُ كَذَا وَالْأَكْثَر أَن يكون الْمنْهِي بهَا فعل الْغَائِب والمخاطب قَالَ الرضي على السوَاء وَلَا تخْتَص بالغائب كاللام وَفِي الارتشاف الْأَكْثَر كَونهَا للمخاطب ويضعف كَونهَا للْغَائِب كالمتكلم وَمن أمثلته: {فَلَا يسرف فِي الْقَتْل} [الْإِسْرَاء: 33] {لَا يتَّخذ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمرَان: 28] (وفصلها) من الْفِعْل (بمعمول مجزومها) نَحْو لَا الْيَوْم يضْرب زيد (قَلِيل أَو ضَرُورَة خلف) حَكَاهُ فِي الارتشاف وَمِنْه قَوْله: 1282 -
(وَقَالُوا أخَانا لَا تَخشّع لظَالِم ... عَزِيز وَلَا ذَا حقّ قَوْمِك تَظْلِم)
أَي وَلَا تظلم ذَا حق قَوْمك قَالَ فِي شرح الكافية وَهَذَا رَدِيء لِأَنَّهُ شَبيه بِالْفَصْلِ بَين حرف الْجَرّ وَالْمَجْرُور (وَجوز ابْن عُصْفُور والأبذي حذفه) أَي مجزومها وإبقاءها لدَلِيل نَحْو اضْرِب زيدا إِن أَسَاءَ وَإِلَّا فَلَا وَتوقف أَبُو حَيَّان فَقَالَ يحْتَاج إِلَى سَماع عَن الْعَرَب
لم
3 - أَي الثَّالِث (لم) وَهِي حرف نفي (وتختص بمصاحبة أدوات الشَّرْط) نَحْو إِن تقم لم أقِم بِخِلَاف (لما) فَلَا تصاحبها قَالَ الرضي كَأَنَّهُ لكَونهَا

(2/541)


فاصلة قَوِيَّة بَين الْعَامِل الْحرفِي وَشبهه وَقَالَ غَيره لِأَن مثبتها وَهُوَ (قد فعل) لَا يصحبها بِخِلَاف مُثبت لم (وَجَوَاز انْفِصَال نَفيهَا عَن الْحَال) لِأَنَّهَا لمُطلق الانتفاء فَتكون للمتصل بِهِ نَحْو: {وَلم أكن بدعائك رب شقيا} [مَرْيَم: 4] وَلغيره نَحْو: {لم يكن شَيْئا مَذْكُورا} [الْإِنْسَان: 1] وَلِهَذَا جَازَ لم يكن ثمَّ كَانَ وَدخُول الْهمزَة عَلَيْهَا بِخِلَاف اللَّام وَلَا وَالْأَكْثَر كَونهَا أَي الْهمزَة الدَّاخِلَة عَلَيْهَا للتقرير أَي حمل الْمُخَاطب على الْإِقْرَار أَي الِاعْتِرَاف بِثُبُوت مَا بعْدهَا نَحْو: {ألم نشرح لَك صدرك} [الشَّرْح: 1] وَلِهَذَا عطف عَلَيْهِ الْمُوجب (وَضعنَا) ورفعنا) وَقد يَجِيء لغيره كالإبطاء نَحْو: {ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع} [الْحَدِيد: 16] والتوبيخ نَحْو: {أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُم} [فاطر: 37] وَقد تدخل على (لما) لَكِن دُخُولهَا على (لم) أَكثر وفصلها عَن الْفِعْل بمعمول مجزومها وحذفه أَي مجزومه كِلَاهُمَا ضَرُورَة كَقَوْلِه: 1283 -
(فأضحت مَغَانِيها قِفاراً رسُومُها ... كأنْ لَمْ سِوى أهْل من الْوَحْش تُؤْهَل)
وَقَوله: 1284 -
(احْفَظُ وَدِيعَتك الَّتِي استُودِعُتها ... يَوْم الأعازب إنْ وَصَّلتَ وإنْ لَم)

(2/542)


وَلَا يجوزان فِي الِاخْتِيَار وَقد تهمل فَلَا تجزم حملا على (مَا) وَقيل (لَا) كَقَوْلِه: 1285 -
(لَوْلَا فَوارسُ من نُعم وأُسْرَتُهُمْ ... يَوْمَ الصُّلَيْفاء لم يُوفُونَ بالجار)
وَهل هُوَ ضَرُورَة أَو لُغَة خلاف وَالنّصب بهَا لُغَة حَكَاهَا اللحياني وَقُرِئَ {ألم نشرح} [الشَّرْح: 1]
لما
(4) أَي الرَّابِع (لما) قَالَ الْأَكْثَر هِيَ مركبة من لم الجازمة وَمَا الزَّائِدَة كَمَا فِي (أما) وَقَالَ بَعضهم هِيَ بسيطة وَيجب اتِّصَال نَفيهَا بِالْحَال ويعبر عَن ذَلِك بالاستغراق فقولك (لما يقم) دَلِيل على انْتِفَاء الْقيام إِلَى زمن الْإِخْبَار وَلِهَذَا لَا يجوز ثمَّ قَامَ بل وَقد يقوم

(2/543)


وَقيل يغلب ذَلِك وَلَا يجب فقد لَا يتَّصل بِهِ وَقيل إِنَّمَا يكون لنفي الْمَاضِي الْقَرِيب من الْحَال دون الْبعيد وَهَذَا القَوْل أخص من الأول وَجزم بِهِ ابْن هِشَام فَلَا يُقَال لما يكن زيد فِي الْعَام الْمَاضِي وَقَالَ الأندلسي شَارِح الْمفصل هِيَ (كلم) تحْتَمل الِاتِّصَال والانفصال وَيكون منفيها متوقعا ثُبُوته نَحْو: {لما يَذُوقُوا عَذَاب} [ص: 8] أَي لم يذوقوه إِلَى الْآن وذوقه لَهُم متوقع بِخِلَاف (لم) فَلَا يكون منفيها متوقعا وَلِهَذَا يُقَال لم يقْض مَا لَا يكون دون (لما) وَهَذَا معنى قَوْلهم (لم) لنفي فعل وَلما لنفي قد فعل ويحذف مجزومها لدَلِيل كَقَوْلِه: 1286 -
(فَجئْت قُبورُهم بَدْءاً ولمّا ... فنادْيتُ الْقُبُور فَلم يُجبْنَهُ)
وَتقول شارفت الْمَدِينَة وَلما أَي وَلما أدخلها قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا أحسن مَا يخرج عَلَيْهِ قِرَاءَة {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا} [هود: 111] أَي لما ينقص من عمله بِدَلِيل: {لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} [هود: 111] قَالَ وَقد خرجه على ذَلِك ابْن الْحَاجِب وَمُحَمّد ابْن مَسْعُود الغزني فِي البديع لكنه قدره (لما يوقنوا) بِدلَالَة: {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ} [هود: 110] قَالَ وَإِنَّمَا جَازَ فِي (لما) دون (لم) لِأَنَّهُ يقوم بِنَفسِهِ بِسَبَب أَنه مركب من (لم) و (مَا) وَكَأن (مَا) عوض من الْمَحْذُوف انْتهى وَقَالَ غَيره لِأَن مثبتها وَهُوَ (قد فعل) يجوز فِيهِ ذَلِك بِأَن يقْتَصر على قد كَقَوْلِه:

(2/544)


1287 -
(وكَأنْ قَدِ ... )
وفصله مِنْهَا ضَرُورَة وَأَجَازَهُ الْفراء بِشَرْط إِن فيهمَا أَي فِي لم وَلما نَحْو لم أَو لما إِن تزرني أزرك وَمنعه هِشَام
أدوات الشَّرْط
وَمِنْهَا أَي الجوازم أدوات الشَّرْط وَهِي (إِن) أم الْبَاب (وَمَا وَمن وَمهما) بِمَعْنى (مَا) وَقيل أَعم مِنْهَا (وَهِي بسيطة وَزنهَا فعلى وألفها تَأْنِيث) وَلذَا لم تنون بَاقِيَة على التنكير أَو يُسمى بهَا أَو إِلْحَاق وَزَالَ تنوينها للْبِنَاء أَو مركبة من مَا الجزائية وَمَا الزَّائِدَة كَمَا قيل فِي (مَتى مَا) و (أما) ثمَّ أبدلت الْهَاء من الْألف الأولى دفعا للتكرار لتقاربهما فِي الْمَعْنى وَهُوَ رَأْي الْخَلِيل وَاخْتَارَهُ الرضي قِيَاسا على أخوتها (أَو) مركبة من (مَه) بِمَعْنى كف (وَمَا الشّرطِيَّة) وَهُوَ رَأْي الْأَخْفَش والزجاج ورد بِأَنَّهُ لَا معنى للكف هُنَا إِلَّا على بعد وَهُوَ أَن يُقَال فِي مهما تفعل أفعل إِنَّه رد لكَلَام مُقَدّر كَأَنَّهُ قيل لَا تقدر على مَا أفعل (أَو) هِيَ (مَه) الْمَذْكُورَة وأضيفت لما الشّرطِيَّة وَهُوَ رَأْي سبيويه أَقْوَال قَالَ أَبُو حَيَّان الْمُخْتَار أَولهَا وَهُوَ البساطة لِأَنَّهُ لم يقم على التَّرْكِيب دَلِيل وَقَول أَصْلهَا (ماما) دَعْوَى أصل لم ينْطق بِهِ فِي مَوضِع من الْمَوَاضِع

(2/545)


مَتى وأيان
(وَمَتى وأيان) وهما ظرفا زمَان للْعُمُوم نَحْو مَتى تقم أقِم وأيان تقم أقِم وَكسر همزَة (إيان لُغَة) لسليم (وَأنكر قوم جزمها لقلته) وَكَثْرَة وُرُوده أستفهاما نَحْو: {أَيَّانَ مرْسَاها} [النازعات: 42] {أَيَّانَ يبعثون} [النَّحْل: 21] قَالَ أَبُو حَيَّان وَمِمَّنْ لم يحفظ الْجَزْم بهَا سِيبَوَيْهٍ لَكِن حفظه أَصْحَابه وتختص إِذا وَردت فِي الِاسْتِفْهَام بمستقبل كَمَا تقدم فَلَا يستفهم بهَا عَن الْمَاضِي كَذَا قَالَ ابْن مَالك وَأَبُو حَيَّان وَلم يحكيا فِيهَا خلافًا وَأطلق السكاكي والقزويني فِي الْإِيضَاح كَونهَا للزمان ومثلا بأيان جِئْت وَهُوَ يشْعر بِأَنَّهَا تسْتَعْمل فِي الْمَاضِي وَالصَّوَاب خِلَافه وَقد قَيده فِي تلخيصه نعم نقل عَن عَليّ بن عِيسَى الربعِي أَنَّهَا تخْتَص بمواقع التفخيم نَحْو: {أَيَّانَ يَوْم الدّين} [الذاريات: 12] {أَيَّانَ يَوْم الْقِيَامَة} [الْقِيَامَة: 6] وَالْمَشْهُور أَنَّهَا لَا تخْتَص بِهِ بِخِلَاف مَتى إِذا استفهم بهَا فَإِنَّهَا يَليهَا الْمَاضِي والمستقبل
حَيْثُمَا أَيْن وأنى
(وحيثما أَيْن أَنى) وَالثَّلَاثَة ظروف للمكان عُمُوما وَقد تخرج (أَيْن) عَن الشّرطِيَّة فَتَقَع استفهاما بِخِلَاف (حَيْثُمَا)

(2/546)


وَتَقَع (أَنى) استفهاما بِمَعْنى (مَتى) نَحْو: {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} [الْبَقَرَة 223] وَبِمَعْنى من أَيْن نَحْو: {أَنى لَك هَذَا} [آل عمرَان: 37] وَبِمَعْنى كَيفَ نَحْو: {أَنى يحيي هَذِه الله بعد مَوتهَا} [الْبَقَرَة: 259] وَاخْتَارَ أَبُو حَيَّان فِي الْآيَة الأولى أَنَّهَا شَرْطِيَّة أُقِيمَت فِيهَا الْأَحْوَال مقَام الظروف المكانية وَالْجَوَاب مَحْذُوف
أَي
(وَأي) وَهِي بِحَسب مَا تُضَاف إِلَيْهِ فَإِن أضيفت إِلَى ظرف مَكَان فظرف مَكَان نَحْو أَي جِهَة تجْلِس أَجْلِس أَو زمَان أَو مفعول أَو مصدر فَكَذَلِك وَهِي لعُمُوم الْأَوْصَاف
إِذْ مَا
(وَإِذ مَا وَأنكر قوم الْجَزْم بهَا) وخصوه بِالضَّرُورَةِ كإذا
مَا وَمهما
(وَلَا ترد (مَا) وَلَا (مهما) للزمان) وَقيل تردان لَهُ وَجزم بِهِ الرضي قَالَ نَحْو مَا تجْلِس من الزَّمَان أَجْلِس فِيهِ وَمهما تجْلِس من الزَّمَان أَجْلِس فِيهِ وَحمل عَلَيْهِ بَعضهم قَوْله: 1288 -
(مَهْمَا تُصِبْ أُفُقًا من بَارِقِ تَشِم ... )

(2/547)


أَي أَي وَقت تصب بارقا من أفق فَقلب وَاسْتدلَّ لَهُ ابْن مَالك بقوله: 1289 -
(وإنّك مَهما تُغْطِ بَطْنَك سُؤْلَهُ ... وفَرْجَكَ نالا مُنْتَهى الذَّمِّ أَجْمَعَا)
ورد بِجَوَاز كَونهَا للمصدر أَي إِعْطَاء كثيرا أَو قَلِيلا (وَلَا) ترد (مهما حرفا) بل تلْزم الاسمية وَقَالَ خطاب والسهيلي ترد حرفا بِمَعْنى (إِن) كَقَوْلِه: 1290 -
(ومَهْمَا تكن عِنْد امْرئ من خَلِيقَة ... وإنْ خَالها تَخْفَى على النَّاس تُعْلم)
إِذْ لَا مَحل لَهَا وَأجِيب بِأَنَّهَا خبر (تكن) و (خَلِيقَة) اسْمهَا أَو مُبْتَدأ وَاسم (تكن) ضميرها (وَمن خَلِيقَة) تَفْسِيره والظرف خبر (وَلَا) ترد (مهما استفهاما) وَقيل ترد لَهُ قَالَه ابْن مَالك كَقَوْلِه: 1291 -
(مَهْما لِيَ اللّيْلَةَ مَهْما لِيَهْ ... )
فمهما مبتدأه خَبره (لي) وَأجِيب بِاحْتِمَال أَن (مَه) اسْم فعل واستؤنف الِاسْتِفْهَام ب (مَا) وَحدهَا (وَلَا تجر) مهما بِحرف وَلَا إِضَافَة فَلَا يُقَال على مهما تكن أكن وَلَا جِهَة مهما تقصد أقصد وَقَالَ ابْن عُصْفُور يجوز ذَلِك كَسَائِر الأدوات

(2/548)


إِن بِمَعْنى إِذْ وَإِذا
(وَلَا) ترد (إِن بِمَعْنى إِذْ) وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ ترد بمعناها نَحْو: {وَاتَّقوا الله إِن كُنْتُم مُؤمنين} [الْمَائِدَة: 57] {لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَاءَ الله} [الْفَتْح: 27] إِذْ لَا يَصح هُنَا معنى (إِن) وَهُوَ الشَّك وَأجِيب بِأَنَّهَا فِي الأولى شَرط جِيءَ بهَا للتهيج كَقَوْلِك لابنك إِن كنت ابْني فَلَا تفعل كَذَا وَفِي الثَّانِيَة لتعليم الْعباد كَيفَ يَتَكَلَّمُونَ إِذا أخبروا عَن الْمُسْتَقْبل أَو إِن أَصله الشَّرْط ثمَّ صَار يذكر للترك (و) لَا ترد بِمَعْنى (إِذا) وَقَالَ قوم ترد بمعناها وتأولوا عَلَيْهِ الْآيَتَيْنِ السابقتين لِأَن إِذا تحْتَاج إِلَى جَوَاب كَمَا تحْتَاج إِلَيْهِ إِن والشيئان إِذا تقاربا فَرُبمَا وَقع أَحدهمَا موقع الآخر (وَلَا تهمل) (إِن) فيرفع مَا بعْدهَا وَقيل نعم حملا على (لَو) قَالَه ابْن مَالك كَحَدِيث:
(فَإنَّك إِن لَا ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك)
إهمال مَتى
(وَلَا) تهمل (مَتى) وَقيل نعم حملا على إِذا كَحَدِيث البُخَارِيّ:
(وَإنَّهُ مَتى يقوم مقامك لَا يسمع النَّاس) قَالَ ابْن مَالك قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا شَيْء غَرِيب ثمَّ تكلم فِي استدلاله بِمَا أثر فِي الحَدِيث على إِثْبَات الْأَحْكَام النحوية

(2/549)


المجازاة بكيف
(وَلَا يجازي بكيف) وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ وَكثير يجازى بهَا معنى لَا عملا وَيجب كَون فعلَيْهَا متفقي اللَّفْظ وَالْمعْنَى نَحْو كَيفَ تصنع أصنع وَلَا يجوز كَيفَ تجْلِس أذهب بالِاتِّفَاقِ (وَلَا تجزم بهَا) وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وقطرب نعم مُطلقًا وَقوم إِن اقترنت بِمَا نَحْو كيفكما تكن أكن (وَلَا) يجْزم (بِحَيْثُ وَإِذ) مجردين من (مَا) وَأَجَازَهُ الْفراء قِيَاسا على (أَيْن) وَأَخَوَاتهَا ورد بِأَنَّهُ لم يسمع فيهمَا إِلَّا مقرونين بهَا بِخِلَافِهَا (وَلَا) يجْزم الْمُسَبّب عَن صلَة الَّذِي وَعَن النكرَة الموصوفة وَأَجَازَهُ الْكُوفِيُّونَ تَشْبِيها بِجَوَاب الشَّرْط فَيُقَال الَّذِي يأتيني أحسن إِلَيْهِ وكل رجل يأتيني أكْرمه وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك خلافًا لزاعميها أَي الْأَقْوَال فِي الْمسَائِل الْأَرْبَعَة عشرَة وَقد بيّنت (أدوات الشَّرْط) كلهَا (أَسمَاء إِلَّا إِن) فَإِنَّهَا حرف بالِاتِّفَاقِ والبواقي متضمنة مَعْنَاهَا فَلِذَا بيّنت أدوات الشَّرْط كلهَا أَسمَاء إِلَّا أَن فَإِنَّهَا حرف بالِاتِّفَاقِ والبواقي متضمنة مَعْنَاهَا فَلِذَا بيّنت إِلَّا أيا فَإِنَّهَا معربة (وَفِي إِذْ مَا خلف) فَذهب سِيبَوَيْهٍ إِلَى أَنَّهَا حرف كَإِن وَذهب الْمبرد وَابْن السراج والفارسي إِلَى أَنَّهَا اسْم ظرف زمَان وَأَصلهَا إِذْ الَّتِي هِيَ ظرف لما مضى فزيد عَلَيْهَا (مَا) وجوبا فِي الشَّرْط فَجزم بهَا وَاسْتدلَّ سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهَا لما ركبت مَعَ (مَا) صَارَت مَعهَا كالشيء الْوَاحِد فَبَطل دلالتها على مَعْنَاهَا الأول بالتركيب وَصَارَت حرفا وَنَظِير ذَلِك أَنهم حِين ركبُوا (حب) مَعَ (ذَا) فَقَالُوا حبذا زيد بَطل معنى: (حب) من الفعلية وَصَارَت مَعَ (ذَا) جُزْء كلمة وَصَارَت حبذا كلهَا اسْما بالتركيب وَخرجت عَن أصل وَضعهَا بِالْكُلِّيَّةِ (وتقتضي) أدوات الشَّرْط (جملتين الأولى شَرط وَالثَّانيَِة جَزَاء وَجَوَاب) أَي يُسمى كل مِنْهُمَا بِمَا ذكر قَالَ أَبُو حَيَّان وَالتَّسْمِيَة بالجزاء وَالْجَوَاب مجَاز وَوَجهه أَنه شابه الْجَزَاء من حَيْثُ كَونه فعلا مترتبا على فعل آخر فَأشبه الْفِعْل الْمُرَتّب على فعل آخر ثَوابًا عَلَيْهِ أَو عقَابا الَّذِي هُوَ حَقِيقَة الْجَزَاء وشابه الْجَواب من حَيْثُ كَونه لَازِما عَن القَوْل الأول فَصَارَ كالجواب الْآتِي بعد كَلَام السَّائِل

(2/550)


(فَإِن كَانَا) أَي الشَّرْط وَالْجَزَاء (فعلين فَالْأَحْسَن أَن يَكُونَا مضارعين) كَمَا مر لظُهُور تَأْثِير الْعَمَل فيهمَا (ثمَّ) أَن يَكُونَا ماضيين للمشاكلة فِي عدم التأثر نَحْو: {إِن أَحْسَنْتُم أَحْسَنْتُم لأنفسكم} [الْإِسْرَاء: 7] (ثمَّ) أَن يكون الأول مَاضِيا وَالثَّانِي مضارعا لِأَن فِيهِ الْخُرُوج من الأضعف إِلَى الْأَقْوَى وَهُوَ من عدم التأثر إِلَى التأثر نَحْو إِن قَامَ أقِم (ثمَّ) أَن يكون الأول مضارعا وَالثَّانِي مَاضِيا وَهَذَا الْقسم أجَازه الْفراء فِي الِاخْتِيَار وَتَبعهُ ابْن مَالك (وَخَصه سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور بِالضَّرُورَةِ كَقَوْلِه: 1292 -
(إِن تَصْرمُونا وصَلْنَاكُم وإنْ تَصِلُوا ... ملأتُمُ أنْفُس الأعْداء إرْهَاباَ)
وَيجب استقبالهما لِأَن أدوات الشَّرْط من شَأْنهَا أَن تقلب الْمَاضِي إِلَى الِاسْتِقْبَال وتخلص الْمُضَارع لَهُ
لَو
(و (وَلَو) كَإِن) إِذا وَقعت شرطا فَإِنَّهَا كَذَلِك تقلب مَعْنَاهَا إِلَى الْمُسْتَقْبل فِي الْأَصَح كَغَيْرِهَا نَحْو {وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا} [الْمَائِدَة: 6] قَالَ أَبُو حَيَّان وَنقل عَن الْمبرد أَنه زعم أَن (إِن) تبقى على مدلولها من الْمُضِيّ وَلَا تغير أدوات الشَّرْط دلالتها عَلَيْهِ نَحْو: {إِن كنت قلته فقد عَلمته} [الْمَائِدَة: 116] {إِن كَانَ قَمِيصه قد} [يُوسُف: 26] (وَذَا الْفَاء مَعَ قد) ظَاهِرَة أَو مقدرَة حَال كَونه جَوَابا فِي الْأَصَح وَذكر ابْن مَالك تعبا للجزولي وَغير أَن الْفِعْل المقرون بِالْفَاءِ وَقد ظَاهِرَة أَو مقدرَة يكون جَوَاب الشَّرْط وَهُوَ ماضي اللَّفْظ وَالْمعْنَى نَحْو: {إِن يسرق فقد سرق أَخ لَهُ} [يُوسُف: 77] {وَإِن كَانَ قَمِيصه قد من دبر فَكَذبت} [يُوسُف: 27] أَي فقد كذبت قَالَ أَبُو حَيَّان وَذَلِكَ مُسْتَحِيل من حَيْثُ إِن الشَّرْط يتَوَقَّف عَلَيْهِ مشروطه

(2/551)


فَيجب أَن يكون فِي الْخَارِج أَو فِي الذِّهْن وَذَلِكَ محَال فيتأول مَا ورد من ذَلِك على حذف الْجَواب أَي إِن سرق فتأس فقد سرق أَخ لَهُ من قبل وَمثله {وَإِن يُكذِّبُوك فقد كذبت رسل} [فاطر: 4] أَي فتسل فقد كذبت قَالَ وَسمي الْمَذْكُور جَوَابا لِأَنَّهُ مغن عَنهُ بِحَيْثُ لَا يجامعه لِكَثْرَة مَا اسْتعْمل كَذَلِك محذوفا (وَإِنَّمَا يصدر الشَّرْط بِفعل مضارع غير دُعَاء وَلَا ذِي تَنْفِيس مُثبت أَو مَعَ لَا أَو لم) نَحْو إِن تقم أقِم (إِن لَا يكنه فَلَا خير لَك فِي قَتله) {فَإِن لم تَفعلُوا وَلنْ تَفعلُوا فَاتَّقُوا النَّار} [الْبَقَرَة: 24] وَلَا يصدر بمضارع دُعَاء أَو مقرون بِالسِّين أَو سَوف (أَو) يصدر بِفعل مَاض عَار من قد وحرف نفي وَدُعَاء وجمود نَحْو إِن قَامَ زيد قُمْت وَلَا يصدر بماض مقرون بقد أَو بِحرف نفي أَو ذِي دُعَاء أَو جامد وَلَا بِفعل الْأَمر الْبَتَّةَ (وَلَو) كَانَ الْفِعْل (مضمرا فسره فعل) بعد معموله فَإِنَّهُ يجوز تصدير الشَّرْط بِهِ نَحْو: {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك} [التَّوْبَة: 46] التَّقْدِير إِن استجارك أحد من الْمُشْركين استجارك ف (استجارك) الْمُتَأَخر فسرت الأولى المضمرة وارتفع (أحد) على الفاعلية بهَا (وَكَونه) وَالْحَالة هَذِه مضارعا دون لم ضَرُورَة كَقَوْلِه: 1293 -
(يُثْنِي عَلَيْكَ وَأَنت أهلُ ثَنائِهِ ... ولَدَيْكَ إنْ هُو يَستَزدْك مَزيدُ)
وَالِاخْتِيَار أَن يكون عِنْد الْإِضْمَار وَالتَّفْسِير إِمَّا مَاضِيا كَمَا تقدم أَو مضارعا مَقْرُونا بلم كَقَوْلِه: 1294 -
(فَإِن أَنْت لم يَنْفَعْك عِلْمُك فانْتَسِبْ ... )

(2/552)


وَقَوله: 1295 -
(فإنْ هُوَ لم يَحْمِل على النّفْسِ ضَيْمَها ... )
وَكَذَا تَقْدِيم الِاسْم على إِضْمَار الْفِعْل قبله وَالتَّفْسِير بعده (مَعَ غير إِن) من الأدوات ضَرُورَة والشائع وُقُوع ذَلِك مَعَ إِن وَحدهَا كَمَا تقدم واختصت بذلك لِأَنَّهَا أم الْبَاب وأصل أدوات الشَّرْط وَمن الضَّرُورَة قَوْله: 1296 -
(فَمَنْ نَحن نُؤمِنْه يَبتْ وَهُوَ آمنٌ)
وَقَوله: 1297 -
(فَمَتَى واغِلٌ يَنُبْهُمْ يُحَيُّوهُ ... وتُعْطفْ عَلَيْهِ كَأسُ السّاقِي)
وَقَوله: 1298 -
(أيْنما الرِّيحُ تُمَيِّلْهَا تَمِلْ ... )

(2/553)


وَجوزهُ الْكسَائي اخْتِيَارا مَعَ من وَإِخْوَته فَأجَاز نَحْو من زيدا يضْرب أضربه (و) جوزه قوم من الْكُوفِيّين فِي غير الْمَرْفُوع أَي الْمَنْصُوب وَالْمَجْرُور لِأَنَّهُمَا فَضله ومنعوه فِي الْمَرْفُوع (و) جوزه قوم مِنْهُم فِي الْمَرْفُوع أَيْضا إِن لم يُمكن عود ضمير على الشَّرْط كَمَا فِي (مَتى) و (أَيْنَمَا) فَإِن أمكن عود الضَّمِير عَلَيْهِ لم يجز تَقْدِيم الِاسْم لَا تَقول من هُوَ يضْرب زيدا أضربه لِأَن الْمُضمر هُوَ من وَاخْتَارَ هَذَا الْمَذْهَب الْأَخير أَبُو عَليّ صَاحب الْمُهَذّب قَالَ أَبُو حَيَّان وَالصَّحِيح الْمَنْع لِأَن الفضلة والعمدة سيان إِذْ فِيهِ الْفَصْل بجملة بَين الأداة وَالْفِعْل وَفِي الْفَصْل بَين من وَأَخَوَاتهَا وَالْفِعْل بعطف وتوكيد خلف كُوفِي أجَازه الْكسَائي وَمنعه الْفراء قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيه قَوَاعِد الْبَصرِيين وَشرط الْجَواب الإفادة فَلَا يكون بِمَا لَا يُفِيد كَخَبَر الْمُبْتَدَأ فَلَا يجوز إِن يقم زيد يقم كَمَا لَا يجوز فِي الِابْتِدَاء زيد زيد فَإِن دخله معنى يُخرجهُ للإفادة جَازَ نَحْو إِن لم تُطِع الله عصيت أُرِيد بِهِ التَّنْبِيه على الْعقَاب فَكَأَنَّهُ قَالَ وَجب عَلَيْك مَا وَجب على العَاصِي كَمَا جَازَ فِي الِابْتِدَاء نَحْو: 1299 -
(أَنا أَبُو النّجْم وَشِعْري شِعْري ... )
وَمِنْه
(وفمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله) الحَدِيث وتدخله الْفَاء إِن لم يَصح تَقْدِيره شرطا بِأَن كَانَ جملَة اسمية كَقَوْلِه: 1300 -
(إنْ تَرْكَبُوا فرُكُوبُ الخَيْل عَادَتُنا ... )

(2/554)


أَو فعل أَمر نَحْو: {قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني} [آل عمرَان: 31] أَو دُعَاء نَحْو إِن مَاتَ زيد فيرحمه الله أَو فرحمه الله أَو مَقْرُونا بِحرف تَنْفِيس نَحْو: {من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم} [الْمَائِدَة: 54] أَو بِحرف نفي غير لَا وَلم نَحْو إِن قَامَ زيد فَمَا يقوم أَو فَلَنْ يقوم عَمْرو أَو بعد نَحْو {إِن يسرق فقد سرق} [يُوسُف: 77] أَو جامد نَحْو: {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ} [الْبَقَرَة: 271] {إِن تَرَنِ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً فَعَسَى رَبِّي} [الْكَهْف: 39، 40] إِن أقبل زيد فَمَا أحْسنه قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذِه الْفَاء هِيَ فَاء السَّبَب الكائنة فِي الْإِيجَاب فِي نَحْو قَوْلك يقوم زيد فَيقوم عَمْرو وكما يرْبط بهَا عِنْد التَّحْقِيق يرْبط بهَا عِنْد التَّقْدِير وَلَا يجوز غَيرهَا من حُرُوف الْعَطف لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الرَّبْط السببي وسيقت هُنَا للربط لَا للتشريك وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا هِيَ هُنَا عاطفة جملَة على جملَة فَلم تخرج عَن الْعَطف قَالَ وَهَذَا عِنْدِي فِيهِ نظر انْتهى (وَفِي) جَوَاز حذفهَا أَي الْفَاء أَقْوَال أَحدهَا يجوز ضَرُورَة واختيارا نَقله أَبُو حَيَّان عَن بعض النَّحْوِيين وَخرج عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِن أطعتموهم إِنَّكُم لمشركون} [الْأَنْعَام: 121] ثَانِيهَا الْمَنْع فِي الْحَالين قَالَ أَبُو حَيَّان فِي محفوظي قَدِيما أَن الْمبرد منع من حذف الْفَاء فِي الضَّرُورَة وَأَنه زعم فِي قَوْله: 1301 -
(من يَفْعل الحسناتِ اللهُ يَشْكُرُها ... )

(2/555)


أَن الرِّوَايَة من يفعل الْخَيْر فالرحمن يشكره قَالَ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ على تَقْدِير صِحَة الرِّوَايَة لَا يطعن ذَلِك فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى ثَالِثهَا وَهُوَ الْأَصَح يجوز ضَرُورَة وَيمْتَنع فِي السعَة وَهُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وينوب عَنْهَا فِي الْأَصَح إِذا الفجائية فِي جملَة اسمية غير طلبية وَلَا منفية قَالَ أَبُو حَيَّان النُّصُوص متظافرة فِي الْكتب على الْإِطْلَاق فِي الرَّبْط بإذا وَلَكِن السماع إِنَّمَا ورد فِي (إِن) قَالَ تَعَالَى {وَإِن تصبهم سَيِّئَة بِمَا قدمت أَيْديهم إِذا هم يقنطون} [الرّوم: 36] فَيحْتَاج فِي إِثْبَات ذَلِك فِي غير (إِن) من الأدوات إِلَى سَماع وَاحْترز بالاسمية من الفعلية فَإِن إِذا لَا تدخل عَلَيْهَا لَا يجوز إِن قَامَ زيد إِذا يقوم عَمْرو وَبِغير الطلبية فَلَا يجوز إِن يعْص زيد إِذا ويل لَهُ وَإِن أطَاع إِذا سَلام عَلَيْهِ وَبِغير المنفية من المنفية فَلَا يجوز إِن يقم زيد إِذا مَا عَمْرو قَائِم وَإِنَّمَا تدخل الْفَاء فِي الصُّور كلهَا وَمُقَابل الْأَصَح فِي الْمَتْن قَول الْأَخْفَش لَا أرى إِذا بِمَنْزِلَة الْفَاء إِلَّا رديا لَا تَقول إِن تأتني إِذا أكرمك كَمَا تَقول فَأَنا أكرمك وَلَكِن أرى الْآيَة على حذف الْفَاء أَي (فَإِذا هم يقنطون) ورده أَبُو حَيَّان بِأَن حذف الْفَاء فِيمَا يلْزمه الْفَاء لم يَجِيء فِي كَلَامهم إِلَّا فِي الشّعْر وَلَو جَازَ حذف الْفَاء رفعت فِي قَوْلك إِن تقم أقوم وَلم يَجِيء مِنْهُ شَيْء فَالصَّحِيح مَا ذهب إِلَيْهِ الْخَلِيل وسيبويه انْتهى (وَمن ثمَّ) أَي من هُنَا وَهُوَ أَن (إِذا) نائبة عَن الْفَاء أَي من أجل ذَلِك لَا يَجْتَمِعَانِ لِأَن المعوض لَا يجْتَمع مَعَ الْعِوَض فَلَا يُقَال إِن يقم زيد فَإِذا عَمْرو قَائِم

(2/556)


وَيرْفَع الْجَواب وجوبا إِن قرن بِالْفَاءِ سَوَاء كَانَ فعل الشَّرْط مَاضِيا نَحْو {وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ} [الْمَائِدَة: 95] أم مضارعا نَحْو {فَمَنْ يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً}
[الْجِنّ: 13] رفع لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ من جملَة اسمية وَهُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره فَهُوَ ينْتَقم الله مِنْهُ فَهُوَ لَا يخَاف قَالُوا وَلَوْلَا ذَلِك الحكم بِزِيَادَة الْفَاء لَكَانَ الْفِعْل ينجزم وَلَكِن الْعَرَب التزمت فِيهِ الرّفْع فَعلم أَنَّهَا غير زَائِدَة (و) يرفع الْجَواب جَوَازًا إِن كَانَ الشَّرْط فعلا مَاضِيا نَحْو إِن قَامَ زيد يقوم عَمْرو وَقَوله: 1302 -
(وَإِن أَتَاهُ خليلٌ يَوْم مَسْألةٍ ... يَقولُ لَا غائِبٌ مَالِي وَلَا حَرمُ)
وَمن شَوَاهِد الْجَزْم قَوْله تَعَالَى {مَن كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ} [هود: 15] {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرِةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} [الشورى: 20] قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا نعلم خلافًا فِي جَوَاز الْجَزْم وَأَنه فصيح مُخْتَار إِلَّا مَا ذكره صَاحب كتاب الْإِعْرَاب عَن بعض النَّحْوِيين أَنه لَا يَجِيء فِي الْكَلَام الفصيح وَإِنَّمَا يَجِيء مَعَ كَانَ لِأَنَّهَا أصل الْأَفْعَال قَالَ وَالَّذِي نَص عَلَيْهِ الْجَمَاعَة أَن ذَلِك لَا يخْتَص بهَا بل سَائِر الْأَفْعَال فِي ذَلِك مثلهَا وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ للفرزدق: 1303 -
(دسّتْ رَسُولاً بأنَّ الْقَوْم إنْ قَدَرُوا ... عَلَيْك يَشْفُوا صدُوراً ذاتَ توغير)

(2/557)


قَالَ وَأما الرّفْع فَهُوَ مسموع وَنَصّ بعض أَصْحَابنَا أَنه أحسن من الْجَزْم وَاخْتلف فِي تَخْرِيجه فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ إِنَّه على نِيَّة التَّقْدِيم وَالْجَوَاب مَحْذُوف وَقَالَ الْمبرد والكوفيون إِنَّه الْجَواب وَإنَّهُ على حذف الْفَاء وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ الْجَواب لَا على إِضْمَار الْفَاء وَلَا على نِيَّة التَّقْدِيم وَلَكِن لما لم يظْهر لأداة الشَّرْط تَأْثِير فِي فعلة لكَونه مَاضِيا ضعف عَن الْعَمَل فِي فعل الْجَواب (وَإِلَّا) بِأَن كَانَ الشَّرْط مضارعا فضرورة يرفع الْجَواب كَقَوْلِه: 1304 -
(يَا أقْرَعَ بنَ حَابِس يَا أقرَعُ ... إنّكَ إِن يُصْرعْ أَخُوك تُصْرعُ)
وَالِاخْتِيَار جزمه قَالَ تَعَالَى {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا} [الطَّلَاق: 2] وَإِذا رفع فمذهب سِيبَوَيْهٍ أَنه على نِيَّة التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير إِن كَانَ قبله مِمَّا يُمكن أَن يَطْلُبهُ كالبيت وَإِلَّا فعلى إِضْمَار الْفَاء نَحْو إِن تأتني آتِيك إِذا جَاءَ فِي الشّعْر وَمذهب الْمبرد أَنه على إِضْمَار الْفَاء فِي الْحَالين لِأَنَّهُ جَوَاب فِي الْمَعْنى قد وَقع فِي مَحَله فَلَا يَنْوِي بِهِ التَّقْدِيم وجازمه أَي الْجَواب الأداة عملت فِيهِ كَمَا عملت فِي الشَّرْط بِاتِّفَاق لاقتضائها إيَّاهُمَا فَعمِلت فيهمَا كَمَا عملت كَانَ وَظن وَإِن فِي جزئيها هَذَا مَذْهَب الْمُحَقِّقين من الْبَصرِيين وَعَزاهُ السيرافي لسيبويه وَاخْتَارَهُ الْجُزُولِيّ وَابْن عُصْفُور والأبذي وَقيل جازمه فعل الشَّرْط قَالَه الْأَخْفَش وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك لِأَنَّهُ مستدع لَهُ بِمَا أحدثت فِيهِ الأداة من الْمَعْنى والاستلزام ورد بِأَن النَّوْع لَا يعْمل إِذْ لَيْسَ أَحدهمَا بأولي من الآخر وَإِنَّمَا يعْمل بمزية وَهُوَ أَن يضمن الْعَامِل من غير النَّوْع أَو شبهه كعمل الْأَسْمَاء فِي الْأَسْمَاء وَقيل جازمه (هما) أَي الأداة وَالْفِعْل مَعًا وَنسب أَيْضا للأخفش قَالَ الْمَجْمُوع هُوَ الطَّالِب فَهُوَ الْعَامِل قَالَ وباطل أَن يكون الْعَمَل ل (إِن) لِأَن الْجَزْم نَظِير الْجَرّ فَإِذا كَانَ الْجَار وَهُوَ أقوى لَا يعْمل عملين فأحري أَلا يعمله الْجَازِم

(2/558)


ورد بِأَن الْجَار لَا يَقْتَضِي معمولين والجازم يقتضيهما فَيعْمل فيهمَا وَبِأَن كل عَامل مركب من شَيْئَيْنِ لَا يجوز حذف أَحدهمَا كإذما وحيثما وَقد يحذف فعل الشَّرْط دون الأداة فَدلَّ على أَن الْعَامِل لَيْسَ مركبا مِنْهُمَا وَبِأَن الْجَازِم لَا يحذف معموله وَالْجَوَاب يجوز حذفه فَلَو كَانَ الْعَامِل مَجْمُوع الأداة وَالشّرط لزم أبقاء الْجَازِم مَعَ حذف معموله بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الْعَامِل الأداة وَحذف فَإِنَّهَا تكون قد أخذت مَعْمُولا وَاحِدًا فَلَا يقبح وَقيل جازمه الْجوَار قَالَه الْكُوفِيُّونَ قِيَاسا على الْجَرّ بالجوار قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا الْخلاف لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ فَائِدَة وَلَا حكم نطقي وَقيل فعل الْجَواب مَبْنِيّ وَفعل الشَّرْط مُعرب وَقيل هُوَ وَالشّرط أَيْضا مبنيان وَالْقَوْلَان للمازني اسْتدلَّ على بنائهما بِأَن الْفِعْل لَا يَقع موقع الِاسْم فِي المحلين فَلَا يكون معربا بِنَاء على أَن سَبَب إِعْرَاب الْمُضَارع وُقُوعه موقع الِاسْم وَاسْتدلَّ لبِنَاء الْجَواب فَقَط بِأَنَّهُ لم يكن لَهُ عَامل فَكَانَ مَبْنِيا لِأَنَّهُ لم يَصح عِنْده عمل مَا تقدمه فِيهِ قَالَ أَبُو حَيَّان والمازني فِي رَأْيه مُخَالف لجَمِيع النَّحْوِيين البصريون قَالُوا لأداة الشَّرْط الصَّدْر أَي صدر الْكَلَام فَلَا يسبقها مَعْمُول معمولها أَي لَا يجوز تَقْدِيم شَيْء من معمولات فعل الشَّرْط وَلَا فعل الْجَواب عَلَيْهَا لِأَنَّهَا عِنْدهم كأداة الِاسْتِفْهَام وَمَا النافية وَنَحْوهمَا مِمَّا لَهُ الصَّدْر وَلَا يعْمل مَا قبلهَا فِيمَا بعْدهَا وَإِنَّمَا تقع مستأنفة أَو مَبْنِيَّة على ذِي خبر أَو نَحوه وَجوز الْكسَائي تَقْدِيم مَعْمُول فعل الشَّرْط أَو الْجَواب على الأداة نَحْو خيرا إِن تفعل يثبك الله وَخيرا إِن أتيتني تصب قَالَ أَبُو حَيَّان وتحتاج إجَازَة هَذَا التَّرْكِيب إِلَى سَماع من الْعَرَب غير مَعْمُول فعل الْجَواب الْمَرْفُوع فَإِنَّهُ يجوز تَقْدِيمه نَحْو خيرا إِن أتيتني تصب وسوغ ذَلِك أَنه لَيْسَ فعل جَوَاب حَقِيقَة بل هُوَ فِي نِيَّة التَّقْدِيم وَالْجَوَاب مَحْذُوف وَالتَّقْدِير تصيب خيرا إِن أتيتني قَالَ أَكْثَرهم أَي البصريون وَلَا الْجَواب أَيْضا لَا يجوز تَقْدِيمه على الأداة لِأَنَّهُ ثَان أبدا عَن الأول مُتَوَقف عَلَيْهِ

(2/559)


وَقَالَ الْأَخْفَش يجوز تَقْدِيمه عَلَيْهَا كمذهب الْكُوفِيّين مَاضِيا كَانَ أَو مضارعا نَحْو قُمْت إِن قُمْت وأقوم إِن قُمْت وَثَالِثهَا يجوز تَقْدِيم الْجَواب إِن كَانَ مضارعا وَيمْتَنع إِن كَانَ مَاضِيا وَعَلِيهِ الْمَازِني لِأَن الْمُضَارع هُوَ الأَصْل فَلم يكثر فِيهِ التَّجَوُّز بِخِلَاف الْمَاضِي فَإِنَّهُ يجوز فِيهِ بِأَن عبر بصيغته عَن الْمُسْتَقْبل فَإِن قدم وَحقه التَّأْخِير كثر التَّجَوُّز وَرَابِعهَا يجوز تَقْدِيم الْجَواب (إِن كَانَا) أَي الشَّرْط وَالْجَوَاب ماضيين بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الشَّرْط وَحده مَاضِيا وَوجه أَن لما لم يظْهر للأداة فِيهِ عمل إِذا تَأَخّر جَازَ تَقْدِيمه لِأَنَّهُ مقدما كحاله مُؤَخرا فَكَانَ كَأَنَّمَا لم يعْمل فِيهِ بِخِلَاف الْمُضَارع فَإِنَّهُ متأثر بهَا فَصَارَ تَقْدِيمه على الْجَازِم كتقديم الْمَجْرُور على الْجَار (قيل وَلَا) يسْبق الْجَواب المجزوم معموله قَالَ الْفراء وَالصَّحِيح جَوَازه وَعَلِيهِ سِيبَوَيْهٍ وَالْكسَائِيّ نَحْو إِن تأتني خيرا تصب وعَلى الأول وَهُوَ مَذْهَب الْأَكْثَر من منع تَقْدِيم الْجَواب على الأداة مُطلقًا إِن تقدم شبهه فدليله وَلَيْسَ إِيَّاه وَشَرطه اخْتِيَار مُضِيّ الشَّرْط لفظا أَو معنى بِأَن كَانَ مضارعا مقترنا بلم (فِي الْأَصَح) نَحْو قُمْت إِن قُمْت وأقوم إِن قُمْت وأقوم إِن لم تقم قَالَ سِيبَوَيْهٍ هَكَذَا جري فِي كَلَامهم وَأما الشّعْر فَمحل ضَرُورَة واتساع وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ سوي الْفراء أَن يحذف جَوَاب الشَّرْط فِي الِاخْتِيَار وَفعل الشَّرْط مُسْتَقْبل قِيَاسا على الْمَاضِي فأجازوا أَنْت ظَالِم إِن تفعل فَإِن لم يكن فعل الشَّرْط مَاضِيا تقريعا على الْأَصَح (وَهُوَ مَعَ مَا، أَو من، أَو أَي صرن موصولات) أَي حكم لَهُنَّ بذلك الَّذِي هُوَ من مَعَانِيهَا اخْتِيَارا وَزَالَ حكم الشّرطِيَّة لزوَال شَرطهَا وَهُوَ الْمُضِيّ فَيَنْتَفِي الْجَزْم نَحْو أَي من يأتيني وَزيد يحب مَا تحبه وَأكْرم أَيهمْ يحبك وَحِينَئِذٍ فتأتي أَحْكَام الموصولات من جَوَاز عمل مَا قبلهَا فِيهَا وَحكم الضَّمِير الْعَائِد عَلَيْهَا وصلتها وَغير ذَلِك وَأما فِي الشّعْر فَيجوز بَقَاء الشّرطِيَّة والجزم وَكَذَا إِن أضيف لَهُنَّ أَي لمن وَمَا وَأي زمَان يجب لَهُنَّ فِي السعَة أَن يكن موصولات نَحْو أَتَذكر إِذْ من يأتينا نأتيه وَلَا يجوز الْجَزْم عِنْد سِيبَوَيْهٍ والجرمي والمازني لِأَن أَسمَاء الأحيان لَا تُضَاف إِلَى

(2/560)


الْجُمْلَة الشّرطِيَّة المصدرة ب (إِن) فَكَذَا الاتصاف على مَا تضمن معنى إِن خلافًا للزيادي أبي إِسْحَاق فِي ذَهَابه إِلَى جَوَاز الْجَزْم اخْتِيَارا كَقَوْلِه: 1305 -
(على حِينَ مَنْ تَلْبَثْ عَلَيْهِ ذَنُوبهُ ... يَرثْ شِرْبُهُ إذْ فِي المقَام تَداثُرُ)
والأولون قَالُوا هُوَ ضَرُورَة (و) يجْرِي هَذَا الحكم وَهُوَ وجوب الرّفْع وَامْتِنَاع الْجَزْم مُطلقًا أَي فِي الِاخْتِيَار والضرورة إِذا وقعن بعد بَاب كَانَ وَإِن نَحْو من كَانَ يأتينا نأتيه وَإِن من يأتينا نأتيه وليت من يحسن إِلَيْنَا نحسن إِلَيْهِ لِأَن الشَّرْط لَا يعْمل فِيهِ عَامل قبله (وَلَكِن) المخففة نَحْو وَلَكِن من يزورني أَزورهُ وَإِذا المفاجأة نَحْو مَرَرْت بزيد فَإِذا من يزوره يحسن إِلَيْهِ (وَمَا) النافية نَحْو مَا من يأتينا نُعْطِيه لِأَن (مَا) لَا تَنْفِي الْجُمْلَة الشّرطِيَّة (وَهل) نَحْو هَل من يأتينا نأتيه لِأَن (هَل) لَا يستفهم بهَا عَن الْجمل الشّرطِيَّة (قيل والهمزة) قَالَ يُونُس قِيَاسا على هَذَا وَالأَصَح جَوَاز الْجَزْم بعْدهَا وَكَون من شَرْطِيَّة لِأَنَّهُ توسع فِيهَا فاستفهم بهَا عَن الْجُمْلَة الشّرطِيَّة كَمَا استفهم بهَا عَن غير ذَلِك نَحْو أإن تأتني آتِك فَلَمَّا حسن ذَلِك فِي (إِن) حسن فِي أخواتها نَحْو أَمن يأتنا نأته مَسْأَلَة يحذف الْجَواب لدَلِيل كَقَوْلِه تَعَالَى {أئن ذكرْتُمْ} [يس: 19] أَي تطيرتم وَقَوله: {وَإِن كَانَ كبر عَلَيْك إعراضهم فَإِن اسْتَطَعْت} [الْأَنْعَام: 35] الْآيَة أَي فافعل وَيكثر الْحَذف لتقدم شبهه على الأداة كَمَا مر (و) لتقدم جَوَاب قسم يدل عَلَيْهِ

(2/561)


(و) يحذف الشَّرْط وَهُوَ أقل من حذف الْجَواب نَص عَلَيْهِ ابْن مَالك فِي شرح الكافية وَمِنْه {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك} [التَّوْبَة: 6] وَقَوْلهمْ (إِن خيرا فَخير) (وَقيل) إِنَّمَا يجوز حذفه (إِن عوض) مِنْهُ (لَا) وَعَلِيهِ ابْن عُصْفُور والأبذي كَقَوْلِه: 1306 -
(فطَلِّقْها فَلَسْتَ لَهَا بكُفء ... وإلاَّ يَعْلُ مَفْرقَك الْحُسَام)
أَي وَإِلَّا تطلقها قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهَا لَو كَانَت عوضا من الْفِعْل الْمَحْذُوف لم يجز الْجمع بَينهمَا مَعَ أَنه يجوز نَحْو وَإِلَّا يسيء فَلَا تضربه فَهِيَ فِي نَحْو ذَلِك نَافِيَة لَا عوض وَورد الْحَذف وَهُوَ مُثبت كَمَا تقدم ويحذفان أَي الشَّرْط وَالْجَوَاب (مَعَ إِن) دون سَائِر الأدوات واختصت بذلك لِأَنَّهَا أم الْبَاب وَلِأَنَّهُ لم يرد فِي غَيرهَا قَالَ: 1307 - {قَالَت بناتُ الحيِّ يَا سلمى وإنْ ... كَانَ فَقِيرا مُعْدماً قَالَت وإنْ}
أَي وَإِن كَانَ كَمَا تَصِفِينَ فزوجنيه قَالَ أَبُو حَيَّان وَكَذَا حذف الْجَواب وَحده وَالشّرط وَحده لَا أحفظه بعد غير (إِن) قَالَ إِلَّا أَن ابْن مَالك أنْشد فِي شرح الكافية وَزعم أَنه حذف فِيهِ فعل الشَّرْط بعد مَتى وَهُوَ قَوْله:

(2/562)


1308 -
(مَتى تُؤْخَذوا قسراً بظِنّة عَامر ... وَلَا يَنْجُ إلاّ فِي الصِّفاد يزيدُ)
(وَقيل) حذفهما مَعًا ضَرُورَة قَالَه ابْن مَالك قَالَ أَبُو حَيَّان وَتبع فِيهِ ابْن عُصْفُور قَالَ وَلم ينص غَيرهمَا على أَن ذَلِك ضَرُورَة بل أطْلقُوا الْجَوَاز إِذا فهم الْمَعْنى قلت وَقد ورد فِي النثر فِي عدَّة من الْآثَار (لَا الأداة) أَي لَا يجوز حذف أَدَاة الشَّرْط (وَلَو) كَانَت (إِن فِي الْأَصَح) كَمَا لَا يجوز حذف غَيرهَا من الجوازم وَلَا حذف حرف الْجَرّ وَجوز بَعضهم حذف (إِن) فيرتفع الْفِعْل وَتدْخل الْفَاء إشعارا بذلك وَخرج عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {تحبسونهما من بعد الصَّلَاة فيقسمان بِاللَّه} [الْمَائِدَة: 106] وَإِن توالى شَرْطَانِ فَصَاعِدا من غير عطف فَالْأَصَحّ أَن الْجَواب للسابق ويحذف جَوَاب مَا بعده لدلَالَة الأول وَجَوَابه عَلَيْهِ وَمِنْهُم من جعل الْجَواب للأخير وَجَوَاب الأول الشَّرْط الثَّانِي وَجَوَابه وَجَوَاب الثَّانِي الشَّرْط الثَّالِث وَجَوَابه وَهَكَذَا على إِضْمَار الْفَاء فَإِذا قَالَ إِن جَاءَ زيد إِن أكل زيد إِن ضحك فَعَبْدي حر فعلى الْأَصَح الضحك أول ثمَّ الْأكل ثمَّ الْمَجِيء فَإِذا وَقع على هَذَا التَّرْتِيب ثَبت عتقه وعَلى مُقَابِله عَكسه فَإِذا وَقع الْمَجِيء ثمَّ الْأكل ثمَّ الضحك لزم الْعتْق فَإِن كَانَ عطف فَالْجَوَاب لَهما مَعًا وَمِنْه {وَإِن تؤمنوا وتتقوا يُؤْتكُم} [مُحَمَّد: 36] الْآيَة (و) الْأَصَح (أَن الْأَحْسَن) حِينَئِذٍ (مَجِيء) فعل الشَّرْط الثَّانِي مَاضِيا بِنَاء على أَن الْجَواب للسابق وَأَن جَوَاب الثَّانِي مَحْذُوف لما مر من أَنه لَا يحذف جَوَاب الشَّرْط فِي الِاخْتِيَار حَتَّى يكون فعله مَاضِيا وعَلى أَن الْجَواب للمتأخر لَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك لِأَنَّهُ غير مَحْذُوف الْجَواب (و) الْأَصَح (أَنه) أَي الشَّرْط الثَّانِي مُقَيّد للْأولِ تَقْيِيد الْحَال الْوَاقِعَة موقعه قَالَه ابْن مَالك قَالَ فقولك من أجابني إِن دَعوته أَحْسَنت إِلَيْهِ فِي تَقْدِير من أجابني دَاعيا لَهُ وَقَول الشَّاعِر:

(2/563)


1309 -
(إِن تَسْتَغِيثوا بِنَا إِن تُذْعَروا تَجدوا ... مِنّا معاقِلَ عِزٍّ زانَها كَرَمُ)
فِي التَّقْدِير إِن تستغيثوا بِنَا مذعورين قَالَ أَبُو حَيَّان وَغير ابْن مَالك جعله مُتَأَخِّرًا فِي التَّقْدِير فَكَأَنَّهُ قَالَ من أجابني أَحْسَنت إِلَيْهِ إِن دَعوته فَمن أجابني هُوَ جَوَاب (إِن) فِي الْمَعْنى حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ إِن دَعَوْت من أجابني أَحْسَنت إِلَيْهِ فَإِذا وَقع دعاءه لشخص فَأَجَابَهُ ذَلِك الشَّخْص بعد دُعَائِهِ إِيَّاه لزم الْإِحْسَان لِأَن جَوَاب الشَّرْط فِي التَّقْدِير بعد الشَّرْط وَكَذَا الْبَيْت تَقْدِيره على هَذَا إِن تذعروا فَإِن تستغيثوا بِنَا تَجدوا فَأول الشَّرْط يصير جَزَاء وَإِن توَسط الْجَزَاء وَالشّرط مضارع وَافقه أَي الشَّرْط معني حَال كَونه غير صفة وَصَحَّ حذفه أبدل مِنْهُ مِثَال إِن تأتني تمش أكرمك (وَإِلَّا) بِأَن لم يُوَافقهُ معنى (رفع حَالا) نَحْو إِن تأتني تضحك أحسن إِلَيْك والماضي كالمضارع فِي ذَلِك وَإِنَّمَا فرضت الْمَسْأَلَة فِيهِ كالتسهيل لِأَنَّهُ فِيهِ يظْهر الْأَثر مِثَاله إِن أتيتني مشيت أكرمك وَإِن تأتني قد ضحِكت أحسن إِلَيْك وَاحْترز بِغَيْر صفة عَن الْوَاقِع صفة نَحْو إِن يأتني رجل يعرف النَّحْو أكْرمه (فَيعرف) فِي مَوضِع الصّفة لرجل ولصحة الْحَذف من خبر كَانَ وَثَانِي ظَنَنْت نَحْو إِن تكن تحسن إِلَى أحسن إِلَيْك وَإِن تَظُنُّنِي أصدق أصدقك فالمتوسط لَا بدل وَلَا حَال بل فِي مَوضِع نصب على أَنه خبر ومفعول وَمِنْه قَول زُهَيْر: 1310 -
(وَمن لَا يَزَلْ يَسْتحمِلُ النّاسَ نَفْسَه ... وَلَا يُغْنِها يَوْمًا من الدَّهر يُسْأم)

(2/564)


وتزاد (مَا) توكيدا (فِي إِن) وَمِنْه {وَإِمَّا يَنْزغَنك} [الْأَعْرَاف: 200] {وَإِمَّا ينسينك} [الْأَنْعَام: 68] قَالَ أَبُو حَيَّان وَذَلِكَ فِي الْقُرْآن كثير وَلم يَأْتِ فِيهِ إِلَّا وَالْفِعْل مُؤَكد بالنُّون وَأما فِي لِسَان الْعَرَب فقد جَاءَ أَيْضا بِغَيْر نون كثيرا قَالَ: 1311 -
(زعمت تُماضِرُ أنّني إمّا أمُتْ ... يَسْدُدْ أُبَيْنُوها الأصاغِرُ خَلّني)
(و) فِي أَي غير مُضَافَة لضمير بِأَن لم تضف أصلا أَو أضيفت لظَاهِر وَمِنْه {أيا مَا تدعوا} [الْإِسْرَاء: 110] {أَيّمَا الْأَجَليْنِ قضيت} [الْقَصَص: 28] (و) فِي (أَيْن ومتي) قَالَ تَعَالَى {أَيْنَمَا تَكُونُوا يدرككم الْمَوْت} [النِّسَاء: 78] وَقَالَ الشَّاعِر: 1312 -
(مَتى مَا تَلْقَنِي فَرْدَين ترجُفْ ... )
(وَكَذَا أَيَّانَ) فِي الْأَصَح قَالَ: 1313 -
(فأيّان مَا تَعْدِلْ بِهِ الرِّيحُ تَنْزل ... )

(2/565)


قَالَ أَبُو حَيَّان وَزعم بعض أَصْحَابنَا أَنَّهَا لَا تزاد فِيهَا وَلَيْسَ بِصَحِيح لوُرُود السماع بِهِ (لَا (مَا) و (من) و (أَنِّي) فِي الْأَصَح) وَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى جَوَاز زيادتها بعْدهَا فَيجوز من مَا يكرمني أكْرمه