همع الهوامع في شرح جمع الجوامع يَاء التنبه وهاؤه
وكهي فِي التَّنْبِيه يَاء كهذه الْآيَة (وَهَا) وَأكْثر
اسْتِعْمَالهَا مَعَ ضمير رفع مُنْفَصِل نَحْو: {هَا أَنْتُم أولاء}
[آل عمرَان: 119] وَمَعَ اسْم الْإِشَارَة كَهَذا زيد وَتَقَع مَعَ
غَيرهمَا كَقَوْل النَّابِغَة: 1331 -
(هَا إنَّ ذِي عِذْرَةٌ إِن لَا تَكُنْ نفَعَتْ ... فَإِن صاحِبَها
مُشَاركُ النّكَدِ)
ويلي يَا غَالِبا أَمر كالآية وَكَقَوْلِه: 1332 -
(أَلا يَا اسْلمي يَا دَار ميّ على البِلَي ... )
(أَو لَيْت) نَحْو: {يَا لَيْت قومِي يعلمُونَ} [يس: 26] (أَو رب)
نَحْو (يَا رب كاسية فِي الدُّنْيَا عَارِية يَوْم الْقِيَامَة) وَقد
يَليهَا الْجُمْلَة الاسمية كَقَوْلِه:
(2/587)
1333 -
(يَا لعنةُ الله والأقوام كلهمُ ... والصّالحين على سمْعانَ مِنْ جَار)
أما
(أما) بِالْفَتْح وَالتَّخْفِيف (كألا) فَهُوَ حرف استفتاح وتنبيه
وَيكثر قبل الْقسم كَقَوْلِه: 1334 -
(أما وَالَّذِي أبْكى وأضْحَكَ والّذي ... أمات وأحْيَا وَالَّذِي
أمرهُ الأمْر) وتبدل همزتها هَاء وعينا فَيُقَال هما وَعَما وتحذف أَي
الْهمزَة فَيُقَال (مَا) قَالَ: 1335 -
(مَا تَرى الدَّهْرَ قَد أباد مَعدًّا ... وأبادَ السّراةَ من عَدْنان)
(أَو) تحذف (الْألف) فِي الْأَحْوَال الثَّلَاثَة فَيُقَال أم وهم وَعم
لُغَات (و) تكون (بِمَعْنى حَقًا) وتفتح بعْدهَا أَن نَحْو أما أَنَّك
ذَاهِب وَهِي حِينَئِذٍ (اسْم) مرادف لَهُ (أَو حرف) قَالَه ابْن خروف
وَجعلهَا مَعَ أَن ومعلومها كلَاما تركب من حرف وَاسم كَمَا قَالَ
الْفَارِسِي فِي يَا زيد (أَو مركبة) من كَلِمَتَيْنِ (همزَة
الِاسْتِفْهَام وَمَا) اسْم بِمَعْنى شَيْء ذَلِك الشَّيْء حق
فَالْمَعْنى أحقا (وَهِي) أَي (أما) حِينَئِذٍ (نصب على الظَّرْفِيَّة)
كَمَا انتصب حَقًا على ذَلِك فِي نَحْو قَوْله: 1336 -
(أحقًّا أنَّ جيرتنا اسْتَقَلَّوا ... )
(2/588)
هَذِه أَقْوَال قَالَ ابْن هِشَام
الثَّالِث قَول سِيبَوَيْهٍ وَهُوَ الصَّحِيح قَالَ المالقي وَترد أما
للعرض بِمَنْزِلَة أَلا فتختص بِالْفِعْلِ نَحْو أما تقوم أما تقعد
قَالَ ابْن هِشَام وَقد يَدعِي فِي ذَلِك أَن الْهمزَة للاستفهام
التقريري وَمَا نَافِيَة ظَاهر كَلَام ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي أَن
الاستفتاح والتنبيه فِي (أَلا) و (أما) متلازمان حَيْثُ جعل
التَّنْبِيه مَعْنَاهَا والاستفتاح مَكَانهَا وَعبارَته أَن (لَا) تكون
للتّنْبِيه فتدل على تحقق مَا بعْدهَا وَيَقُول المعربون فِيهَا حرف
استفتاح فيبينون مَكَانهَا ويهملون مَعْنَاهَا وإفادتها التَّحْقِيق من
حَيْثُ تركبها من الْهمزَة (وَلَا) وهمزة الِاسْتِفْهَام إِذا دخلت على
النَّفْي أفادت التَّحْقِيق وَظَاهر كَلَام ابْن مَالك وابي حَيَّان
أَنَّهُمَا مَعْنيانِ مستقلان وَعبارَة التسهيل وَقد يعزى التَّنْبِيه
إِلَى أَلا وَأما وهما للاستفتاح مُطلقًا قَالَ أَبُو حَيَّان فِي
شَرحه فِي قَوْله وَقد يعزى إِشْعَار بالقلة بِمَعْنى أَن الْأَكْثَر
أَن يَكُونَا للاستفتاح مُطلقًا سَوَاء قصد مَعَ ذَلِك التَّنْبِيه أم
لم يقْصد انْتهى
أَي
(أَي) بِالْفَتْح والسكون حرف للتفسير بمفرد نَحْو عِنْدِي عسجد أَي
ذهب وغضنفر أَي أَسد فتاليها عطف بَيَان على مَا قبلهَا أَو بدل مِنْهُ
وَقيل عطف نسق قَالَه الْكُوفِيُّونَ وصاحبا المستوفي والمفتاح
(2/589)
ورد بِأَنا لم نر عاطفا يصلح للسقوط
دَائِما وَلَا عاطفا ملازما لعطف الشَّيْء على مرادفه (و) لتفسير جملَة
أَيْضا كَقَوْلِه: 1337 -
(وتَرْمِينَني بالطّرْف أيْ أنْتَ مُذْنِبٌ ... )
(فَإِن وَقعت بعد تَقول وَقبل) فعل مُسْند للضمير حُكيَ الضَّمِير
نَحْو تَقول أستكتمته الحَدِيث أَي سَأَلته كِتْمَانه يُقَال ذَلِك
بِضَم التَّاء وَلَو جِئْت ب (إِذا) مَكَان (أَي) فتحت فَقلت إِذا
سَأَلته لِأَن (إِذا) ظرف ل (تَقول)
إِي
(إِي) بِالْكَسْرِ والسكون حرف للجواب كنعم فَيكون لتصديق الْمخبر
ولإعلام المستخبر ولوعد الطَّالِب وَتَقَع بعد قَامَ زيد وَهل قَامَ
زيد وَاضْرِبْ زيدا ونحوهن كَمَا تقع (نعم (بعدهن (و) تفارق نعم فِي
أَنَّهَا لَا تقع إِلَّا قبل الْقسم كَقَوْلِه تَعَالَى: {أَحَق هُوَ
قل إِي وربي إِنَّه لحق} [يُونُس: 53] وَنعم تكون مَعَ قسم وَغير قسم
قَالَ ابْن الْحَاجِب وَلَا تقع أَيْضا إِلَّا بعد الِاسْتِفْهَام
كالآية وَغَيره لم يذكر ذَلِك وَأَشَارَ فِي الْمُغنِي إِلَى تَضْعِيفه
وَإِذا وَليهَا حرف الْقسم نَحْو إِي وَالله فَلَا يجوز فِيهَا إِلَّا
إِثْبَات الْيَاء فَإِن حذفت الْوَاو ووليها لفظ الله جَازَ فِيهَا
سُكُون الْيَاء وَحِينَئِذٍ فيلتقي ساكنان على غير حدهما وَهُوَ من
المستثني من قَاعِدَة الْمَنْع (و) جَازَ أَيْضا فتحهَا وحذفها لالتقاء
يَاء سَاكِنة مَعَ لَام الله
(2/590)
أجل
(أجل) بِسُكُون اللَّام حرف للجواب كنعم فَتكون تَصْدِيقًا للمخبر
وإعلاما للمستخبر ووعدا للطَّالِب وَتَقَع بعد نَحْو قَامَ زيد وَمَا
قَامَ زيد وَهل قَامَ زيد وَاضْرِبْ زيدا وَلَا تضرب زيدا وخصها قوم
بالْخبر دون الِاسْتِفْهَام والطلب وَعَلِيهِ الزَّمَخْشَرِيّ وَابْن
مَالك (و) خصها ابْن خروف بِهِ فِي الْغَالِب قَالَ أَكثر مَا تكون
بعده (و) خصها المالقي بِغَيْر النَّفْي وَالنَّهْي وَجعلهَا للْخَبَر
الْمُثبت والطلب بِغَيْر النَّهْي (و) خصها بَعضهم بِغَيْر
الِاسْتِفْهَام أَي بالْخبر والطلب وَقَالَ لَا تَجِيء بعد
الِاسْتِفْهَام وَعَن الْأَخْفَش هِيَ بعد الْخَبَر أحسن من (نعم) و
(نعم) بعد الِاسْتِفْهَام أحسن مِنْهَا
بجل
(بجل) حرف لَهُ أَي للجواب كنعم وَاسم فعل بِمَعْنى يَكْفِي (و) اسْم
مرادف لحسب وَيُقَال على الأول بجلني وَهُوَ نَادِر وعَلى الثَّانِي
بجلي قَالَ: 1338 -
(أَلا بَجَلِي مِنَ الشّارب أَلا بَجَلْ ... )
بلي
(بلَى) حرف مرتجل لَهُ أَي للجواب أُصَلِّي الْألف وَلَيْسَ أَصْلهَا
بل العاطفة بعد النَّفْي فِي الْفِعْل وَالْألف زَائِدَة عَلَيْهَا
دخلت للْإِيجَاب
(2/591)
وَقيل للإضراب أَو للتأنيث خلافًا لزاعمه
اسْتدلَّ قَائِل الأول بِلُزُوم كَون مَا قبلهَا منفيا أبدا
وَالثَّانِي بإمالتها وكتابتها بِالْيَاءِ وَالْقِيَاس على تَأْنِيث
(رب) وَثمّ وَنَحْوهمَا بِالتَّاءِ وتختص بِالنَّفْيِ وتثبته سَوَاء
كَانَ مُجَردا نَحْو {زعم الَّذين كفرُوا أَن لن يبعثوا قل بلَى}
[التغابن: 7] أَو مَقْرُونا بالاستفهام حَقِيقِيًّا كَانَ نَحْو
أَلَيْسَ زيد بقائم فَيُقَال بلَى أَو توبيخا نَحْو {أَيَحْسَبُ
الإِنْسَانُ أَن لَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرينَ عَلَى أَن
نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} [الْقِيَامَة: 3، 4] أَو تقريريا نَحْو {أَلَسْت
بربكم قَالُوا بلَى} [الْأَعْرَاف: 172] أجري النَّفْي مَعَ
التَّقْرِير مجري النَّفْي الْمُجَرّد فِي رده (ببلى) وَلذَلِك قَالَ
ابْن عَبَّاس وَغَيره لَو قَالُوا نعم كفرُوا وَوَجهه أَن (نعم)
تَصْدِيق للْخَبَر بِنَفْي أَو إِيجَاب وَأما وُقُوعهَا بعد
الِاسْتِفْهَام الْمُثبت فِي حَدِيث
(أترْضَوْنَ أَن تَكُونُوا رُبْع أهْلِ الجنّة قَالُوا بلَى) فَهُوَ
إِمَّا قَلِيل أَو من تَغْيِير الروَاة كَمَا تقرر فِي غير مَا مَوضِع
جلل
جلل حرف لَهُ أَي للجواب كنعم حَكَاهُ الزّجاج فِي كتاب (الشَّجَرَة)
وَيرد اسْما بِمَعْنى عَظِيم قَالَ 1339 -
(قوْمى هُمُ قتلوا أمَيمَ أخى ... فَإِذا رَمَيْتُ يصيبنى سَهْمى)
(وَلَئِن عَفَوْتُ لأعْفُوَن جَللا ... وَلَئِن سَطَوْتُ لأوهِنَن
عَظْمِى)
(2/592)
وَبِمَعْنى حقير قَالَ امْرُؤ الْقَيْس
وَقد قتلوا أَبَاهُ 1340 -
(أَلا كلّ شَيْء سِواه جلَلْ ... )
وَبِمَعْنى أجل قَالُوا فعلت ذَلِك من جللك أَي من أَجلك وَقَالَ جميل
1341 -
(رسْم دَار وقَفْتُ فِي طَلَلِهْ ... كدت أقضِي الْغَدَاة مِنْ جَللهْ)
قيل أَرَادَ من أَجله وَقيل أَرَادَ من عظمه فِي عَيْني
جير
جير بِالْكَسْرِ على أصل التقاء الساكنين كأمس وَالْفَتْح للتَّخْفِيف
كأين وَكَيف حرف لَهُ أَي للجواب كنعم قَالَ فِي الْمُغنِي لَا اسْم
بِمَعْنى حَقًا فَيكون مصدرا وَلَا بِمَعْنى (أبدا) فَيكون ظرفا
وَإِلَّا لأعربت وَدخل عَلَيْهَا (أل) وَلم تؤكد (أجل) فِي قَوْله 1342
-
(أجل جَيْر إنْ كَانَت رواءً أسافِلُه ... )
وَلَا قوبل بهَا (لَا) فِي قَوْله 1343 -
(إِذْ تَقول (لَا) ابنةُ العُجَيْر ... تَصْدقُ (لَا) إِذا تقُول
جَيْر)
وَأما قَوْله 1344 -
(وقائلة أسيت فَقلت جَيْر ... )
فالتنوين فِيهِ للترنم وَهُوَ غير مُخْتَصّ بِالِاسْمِ انْتهى
(2/593)
وَفِي شرح التسهيل لأبي حَيَّان جير من
حُرُوف الْجَواب فِيهَا خلاف أَي اسْم أَو حرف
السِّين وسوف
السِّين وسوف كِلَاهُمَا للتنفيس أَي تَخْلِيص الْمُضَارع من الزَّمن
الضّيق وَهُوَ الْحَال إِلَى الزَّمَان الْوَاسِع وَهُوَ
الِاسْتِقْبَال قَالَ البصرية وزمانه مَعَ السِّين أضيق مِنْهُ مَعَ
سَوف نظرا إِلَى أَن كَثْرَة الْحُرُوف تفِيد مُبَالغَة فِي الْمَعْنى
والكوفيون أَنْكَرُوا ذَلِك ورده ابْن مَالك تبعا مِنْهُمَا على
الْمَعْنى الْوَاحِد فِي الْوَقْت الْوَاحِد قَالَ تَعَالَى {وسوف
يُؤْت الله الْمُؤمنِينَ أجرا عَظِيما} [النِّسَاء: 146] {أُولَئِكَ
سنؤتيهم أجرا عَظِيما} [النِّسَاء: 162] {كلا سيعلمون} [النبأ: 4]
{ثمَّ كلا سَوف تعلمُونَ} [التكاثر: 4] وَقَالَ الشَّاعِر 1345 -
(وَمَا حالةٌ إلاَّ سَيُصْرَفُ حالُها ... إِلَى حالةٍ أخري وسوف
تَزول)
وبالقياس على الْمَاضِي فَإِن الْمَاضِي والمستقبل متقابلان فَكَمَا
أَن الْمَاضِي لَا يقْصد بِهِ إِلَّا مُطلق الْمُضِيّ دون تعرض لقرب
أَو بعد فَكَذَلِك الْمُسْتَقْبل قلت وَهُوَ مَمْنُوع فَإِن الْمَاضِي
أَيْضا فرقوا فِيهِ وَقَالُوا إِن (قد) تقر بِهِ من الْحَال قيل
والاستمرار ذكره بَعضهم فِي {سَيَقُولُ السُّفَهَاء} [الْبَقَرَة: 142]
مُدعيًا أَن ذَلِك إِنَّمَا نزل بعد قَوْله {مَا ولاهم} [الْبَقَرَة:
142] فَجَاءَت السِّين إعلاما بالاستمرار لَا بالاستقبال قَالَ فِي
(الْمُغنِي) وَهَذَا لَا يعرفهُ النحويون وَمَا ذكره من أَن الْآيَة
نزلة بعد قَوْلهم مَا ولاهم غير مُوَافق عَلَيْهِ وتختص سَوف خلافًا
للسيرافي بِدُخُول اللَّام نَحْو {ولسوف يعطيك رَبك} [الضَّحي: 5]
وبجواز فصلها بِالْفِعْلِ ملغي نَحْو 1346 -
(وَمَا أدْري وسوف إخَالُ أدْري ... )
(2/594)
والأمران ممتنعان فِي السِّين وجوزهما
السيرافي فِيهَا أَيْضا وسو بِحَذْف الْفَاء وسي بحذفها وقلب الْوَاو
يَاء مُبَالغَة فِي التَّخْفِيف وسف بِحَذْف الْوسط لُغَات حَكَاهَا
الْكُوفِيُّونَ قَالَ الشَّاعِر 1347 -
(فَإِن أهْلِكْ فَسَوْ تَجدون فَقْدِي ... )
وَقيل إِن هَذَا الْحَذف بوجوهه ضَرُورَة خَاص بالشعر لَا لُغَة
وَلَيْسَت السِّين مقتطعة مِنْهَا أَي من سَوف بل هِيَ أصل برأسها
عَليّ الْأَصَح لِأَن الأَصْل عدم الاقتطاع وَقيل إِنَّهَا فرعها
ومقتطعة مِنْهَا وَرجحه ابْن مَالك ورد بِأَنَّهَا لَو كَانَت فرعا
لَهَا لساوتها فِي الْمدَّة ولكانت أقل اسْتِعْمَالا مِنْهَا وَأجِيب
عَن الأول بالتزامه كَمَا تقدم وَعَن الثَّانِي بِأَن الْفَرْع قد يفوق
الأَصْل كنعم وَبئسَ فَإِنَّهُمَا فرعا محرك الْعين وهما أَكثر
اسْتِعْمَالا
قد
قد حرف يخْتَص بِالْفِعْلِ الْمُتَصَرف الخبري الْمُثبت الْمُجَرّد من
جازم وناصب وحرف تَنْفِيس فَلَا يدْخل على الجامد كعسى و (لَيْسَ)
وَلَا الإنشائي كنعم وَبئسَ وَلَا الْمَنْفِيّ وَلَا المقترن بِمَا ذكر
وَهِي مَعَه كالجزء وَمن ثمَّ لَا يفصل مِنْهُ بِشَيْء فيقبح أَن
يُقَال قد زيدا رَأَيْت إِلَّا بقسم كَقَوْلِه 1348 -
(أخالِدُ قَد وَالله أوْطأت عشْوة ... )
وَسمع (قد لعمري بت ساهرا) و (قد وَالله أَحْسَنت) وَتَكون للتوقع من
الْمُضَارع كَقَوْلِك قد يقدم الْغَائِب الْيَوْم إِذا كنت تتَوَقَّع
قدومه
(2/595)
وَمَعَ الْمَاضِي قَالَ الْخَلِيل يُقَال
قد فعل الْقَوْم ينتظرون الْخَبَر وَمِنْه قَول الْمُؤَذّن قد قَامَت
الصَّلَاة لِأَن الْجَمَاعَة منتظرون لذَلِك وَفِي التَّنْزِيل {قد سمع
الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} [المجادلة: 1] لِأَنَّهَا
كَانَت تتَوَقَّع إِجَابَة الله عز وَجل لدعائها وَقيل لَا تكون لَهُ
مَعَ الْمَاضِي بل مَعَ الْمُضَارع خَاصَّة لِأَن التوقع انْتِظَار
الْوُقُوع والماضي قد وَقع وَأنْكرهُ ابْن هِشَام فِي (الْمُغنِي)
مُطلقًا فَقَالَ وَالَّذِي يظْهر لي قَول ثَالِث وَهُوَ أَنَّهَا لَا
تفِيد التوقع أصلا أما فِي الْمُضَارع فَلِأَن قَوْلك يقدم الْغَائِب
يُفِيد التوقع بِدُونِ (قد) إِذْ الظَّاهِر من حَال الْمخبر عَن
مُسْتَقْبل أَنه متوقع لَهُ وَأما فِي الْمَاضِي فَلِأَنَّهُ لَو صَحَّ
إِثْبَات التوقع لَهَا بِمَعْنى أَنَّهَا تدخل على مَا هُوَ متوقع
لصَحَّ أَن يُقَال فِي لَا رجل بِالْفَتْح أَن لَا للاستفهام
لِأَنَّهَا لَا تدخل إِلَّا جَوَابا لمن قَالَ هَل من رجل وَنَحْوه
فَالَّذِي بعد (لَا) يستفهم عَنهُ من جِهَة شخص آخر كَمَا أَن
الْمَاضِي بعد (قد) متوقع كَذَلِك قَالَ وَعبارَة ابْن مَالك فِي ذَلِك
حَسَنَة فَإِنَّهُ قَالَ إِنَّهَا تدخل على مَاض متوقع وَلم يقل
إِنَّهَا تفِيد التوقع وَلم يتَعَرَّض للتوقع فِي الدَّاخِلَة على
الْمُضَارع الْبَتَّةَ وَهَذَا هُوَ الْحق انْتهى وَقَالَ أَبُو
حَيَّان فِي شرح التسهيل لَا يتَحَقَّق التوقع فِي (قد) مَعَ دُخُوله
على الْمَاضِي لِأَنَّهُ لَا يتَوَقَّع إِلَّا المنتظر وَهَذَا قد وَقع
وَالَّذِي تلقفناه من أَفْوَاه الشُّيُوخ بالأندلس أَنَّهَا حرف
تَحْقِيق إِذا دخلت على الْمَاضِي وحرف توقع إِذا دخلت على
الْمُسْتَقْبل إِلَّا إِن عني بالتوقع أَنه كَانَ متوقعا ثمَّ صَار
مَاضِيا وَتَكون لتقريب الْمَاضِي من الْحَال تَقول قَامَ زيد
فَيحْتَمل الْمَاضِي الْقَرِيب والماضي الْبعيد فَإِذا قلت قد قَامَ
اخْتصَّ بالقريب والتقليل مَعَ الْمُضَارع نَحْو قد يصدق الكذوب وَقد
يجود الْبَخِيل وَالتَّحْقِيق مَعَهُمَا مِثَاله مَعَ الْمَاضِي {قد
أَفْلح من زكاها} [الشَّمْس: 9] وَمَعَ الْمُضَارع {قد يعلم مَا
أَنْتُم عَلَيْهِ} [النُّور: 64] قَالَ سِيبَوَيْهٍ والتكثير كَقَوْلِه
1349 -
(قد أتْرُك القرْنَ مُصْفرًّا أنامِلُه ... كأنّ أثْوَابَهُ مُجّتْ
بفِرصادِ)
(2/596)
وَقَالَ ابْن سَيّده وَالنَّفْي وَحكي (قد
كنت فِي خير فتعرفه) بِنصب (تعرف) وَأَشَارَ إِلَيْهِ فِي التسهيل
بقوله وَرُبمَا نفي بقد فنصب الْجَواب قَالَ ابْن هِشَام وَمحله
عِنْدِي على خلاف مَا ذكر وَهُوَ أَن يكون كَقَوْلِك للكذوب هُوَ رجل
صَادِق ثمَّ جَاءَ النصب بعْدهَا نظرا إِلَى الْمَعْنى قَالَ وَإِن
كَانَا إِنَّمَا حكما بِالنَّفْيِ لثُبُوت النصب فَغير مُسْتَقِيم
لمجيء قَوْله 1350 -
(وأَلْحَق بالحجاز فأسْتَريحا ... )
وَقِرَاءَة بَعضهم {بل نقذف بِالْحَقِّ على الْبَاطِل فيدمغه}
[الْأَنْبِيَاء: 18] بِالنّصب
كل
كل اسْم مَوْضُوع لاستغراق أَفْرَاد الْمُنكر نَحْو {كل نفس ذائقة
الْمَوْت} [آل عمرَان: 185] والمعرف الْمَجْمُوع نَحْو {وَكُلُّهُمْ
آتِيةِ}
[مَرْيَم: 95] (وأجزاء الْمُفْرد الْمُعَرّف) نَحْو كل زيد حسن وَتَقَع
توكيدا وَسَيَأْتِي فِي مَبْحَث التَّأْكِيد فِي الْكتاب الْخَامِس
ونعتا دَالا على الْكَمَال لنكرة أَو معرفَة فتضاف حتما لظَاهِر مماثلة
لفظا ومعني نَحْو أطعمنَا شَاة كل شَاة وَقَوله 1351 -
(وإنَّ الَّذِي حانت بفلْج دماؤُهُمْ ... هُمُ القومُ كُلُّ الْقَوْم
يَا أمَّ خالدِ)
(2/597)
قيل أَو معنى فَقَط وتالية للعوامل فتضاف
للظَّاهِر نَحْو: {كل نفس بِمَا كسبت رهينة} [المدثر: 38] أَو ضمير
مَحْذُوف نَحْو {كلا هدينَا} [الْأَنْعَام: 84] أَي كلهم فَإِن أضيف
لضمير مَذْكُور لم يعْمل فِيهَا غير الِابْتِدَاء غَالِبا نَحْو: {إِن
الْأَمر كُله لله} [آل عمرَان: 154] فِيمَن رفع كُله {وَكلهمْ آتيه}
[مَرْيَم: 95] وَمن الْقَلِيل قَوْله: 1352 -
(يميدُ إِذا مادت عَلَيْهِ دلاؤُهُم ... فَيصْدرُ عَنهُ كلَّها وَهوَ
ناهِلُ)
وَقيل دَائِما ثمَّ إِن أضيفت لمعْرِفَة روعي فِي ضميرها الْمَعْنى أَو
اللَّفْظ وَقد اجْتمعَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن كل من فِي
السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِلَّا آتِي الرَّحْمَن عبدا لقد أحصاهم وعدهم
عدا وَكلهمْ آتيه يَوْم الْقِيَامَة فَردا} [مَرْيَم: 93، 94، 95]
وأوجبه أَي مُرَاعَاة اللَّفْظ ابْن هِشَام فَقَالَ فِي الْمُغنِي
وَالصَّوَاب أَن الضَّمِير لَا يعود إِلَيْهَا من خَبَرهَا إِلَّا
مُفردا مذكرا على لَفظهَا نَحْو: {وَكلهمْ آتيه} [مَرْيَم: 95] {كُلُّ
أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً}
(كلكُمْ جَائِع إِلَى من أطعمته) وَقَوله
(كل النَّاس يَغْدُو فبائع نَفسه فمعتقها أَو موبقها)
و (كلكُمْ رَاع وكلكم مسئول عَن رَعيته)
و (كلنا لَك عبد) وَأما الْآيَة
(2/598)
الأولى فجملة {لقد أحصاهم} أُجِيب بهَا
الْقسم وَلَيْسَت خَبرا عَن (كل) وضميرها رَاجع ل (من) لَا لكل (أَو)
أضيفت إِلَى نكرَة فثالثها أَي الْأَقْوَال وَهُوَ الْمُخْتَار وفَاقا
لَهُ أَي لِابْنِ هِشَام إِن نسب الحكم لكل فَرد فاللفظ نَحْو كل رجل
يشبعه رغيفان (أَو) نسب للمجموع فَالْمَعْنى نَحْو كل رجل قائمون أَي
مَجْمُوع الرِّجَال وَأول الْأَقْوَال وَعَلِيهِ ابْن مَالك وجوب
مُرَاعَاة الْمَعْنى مُطلقًا فَلذَلِك جَاءَ الضَّمِير مُفردا مذكرا
فِي نَحْو: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهً فِي الزُّبُرِ} [الْقَمَر: 52]
ومفردا مؤنثا نَحْو: {كل نفس بِمَا كسبت رهينة} [المدثر: 38] ومثنى فِي
نَحْو: 1353 -
(وكُلُّ رَفِيقَيْ كُلِّ رَحْل وإنْ هُما ... تعاطَى القنا قوماهُما
آخوَان)
ومجموعا مذكرا فِي نَحْو: {كل حزب بِمَا لديهم فَرِحُونَ} [الرّوم: 32]
ومجموعا مؤنثا فِي نَحْو: 1354 -
(وكُلّ مُصيبات الزّمان وجَدْتُها ... سوى فُرْقةِ الأحباب هَيِّنَةَ
الخَطْبِ)
وَالثَّانِي وَعَلِيهِ أَبُو حَيَّان جَوَاز الْأَمريْنِ مُطلقًا
كَقَوْلِه: 1355 -
(جَادت عَلَيْهِ كُلُّ عين ثرَّةٍ ... فتركن كُلَّ حَديقة كالدّرهم)
فَقَالَ تَرَكْنَ وَلم يقل تركت فَدلَّ على جَوَاز كل رجل قَائِم
وقائمون
(2/599)
أَو قطعت عَن الْإِضَافَة لفظا فجوزهما أَي
مُرَاعَاة اللَّفْظ وَالْمعْنَى أَبُو حَيَّان مِثَال اللَّفْظ {قل كل
يعْمل على شاكلته} [الْإِسْرَاء: 84] {فكلا أَخذنَا بِذَنبِهِ}
[العنكبوت: 40] وَمِثَال الْمَعْنى: {وكل كَانُوا ظالمين}
[الْأَنْفَال: 54] وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي الصَّوَاب أَنه
(إِن قدر) الْمَنوِي مُفردا نكرَة وَجب الْإِفْرَاد كَمَا لَو صرح
بالمفرد (أَو) قدر جمعا مُعَرفا فالجمع وَاجِب وَإِن كَانَت الْمعرفَة
لَو ذكرت لوَجَبَ الْإِفْرَاد وَلَكِن فعل ذَلِك تَنْبِيها على حَال
الْمَحْذُوف فيهمَا فَالْأول نَحْو: {قل كل يعْمل على شاكلته}
[الْإِسْرَاء: 84] {كل آمن بِاللَّه} [الْبَقَرَة: 285] {كل قد علم
صلَاته وتسبيحه} [النُّور: 41] وَالثَّانِي نَحْو: {كل لَهُ قانتون}
[الْبَقَرَة: 116] {كل فِي فلك يسبحون} [الْأَنْبِيَاء: 33] {وكل
أَتَوْهُ داخرين} [النَّمْل: 87] قَالَ البيانيون إِذا وَقعت كل فِي
حيّز النَّفْي توجه النَّفْي إِلَى الشُّمُول خَاصَّة وَأفَاد بمفهومه
ثُبُوت الْفِعْل لبَعض الْأَفْرَاد كَقَوْلِك مَا جَاءَ كل الْقَوْم
وَلم آخذ كل الدَّرَاهِم وكل الدَّرَاهِم آخذ وَقَوله: 1356 -
(مَا كُلُّ رَأْي الفتي يَدْعو إِلَى رشد ... )
أَو وَقع النَّفْي فِي حيزها توجه إِلَى كل فَرد نَحْو قَوْله
لما قَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ أنسيت أم قصرت الصَّلَاة
(كل ذَلِك لم يكن)
كلما
كلما ظرف يَقْتَضِي التّكْرَار مركب من (كل) و (مَا) المصدرية أَو
النكرَة الَّتِي بِمَعْنى وَقت وَمن هُنَا جاءتها الظَّرْفِيَّة
كَقَوْلِه تَعَالَى: {كلما رزقوا مِنْهَا من ثَمَرَة رزقا قَالُوا
هَذَا الَّذِي رزقنا من قبل} [الْبَقَرَة: 25] فإمَّا أَن يكون الأَصْل
كل رزق ثمَّ عبر عَن معنى الْمصدر بِمَا وَالْفِعْل ثمَّ أنبأ عَن
الزَّمَان أَي كل وَقت رزق كَمَا أنيب عَنهُ الْمصدر الصَّرِيح فِي
جئْتُك خفوق النَّجْم أَو يكون التَّقْدِير كل وَقت رزقوا فِيهِ فَحذف
الْعَائِد وَلَا يحْتَاج فِي هَذَا إِلَى تَقْدِير وَقت
(2/600)
(وناصبة) الْفِعْل الَّذِي هُوَ جَوَابه
فِي الْمَعْنى مثل قَالُوا فِي الْآيَة قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا يكون
تالية وَجَوَابه إِلَّا فعلا مَاضِيا
كلا
(كلا الْأَكْثَر) على أَنَّهَا بسيطة وَقَالَ ثَعْلَب هِيَ مركبة من
كَاف التَّشْبِيه وَلَا النافية قَالَ وَإِنَّمَا شددت لامها لتقوية
الْمَعْنى ولدفع توهم بَقَاء الْكَلِمَتَيْنِ قَالَ أَبُو حَيَّان
وَهَذِه دَعْوَى لَا يقوم عَلَيْهَا دَلِيل (و) الْأَكْثَر على
أَنَّهَا حرف ردع وزجر لَا معنى لَهَا عِنْدهم إِلَّا ذَلِك حَتَّى
إِنَّهُم يجيزون أبدا الْوَقْف عَلَيْهَا والابتداء بِمَا بعْدهَا
وَحَتَّى قَالَه جمَاعَة مِنْهُم مَتى سَمِعت (كلا) فِي سُورَة فاحكم
بِأَنَّهَا مَكِّيَّة لِأَنَّهُ فِيهَا معنى التهديد والوعيد وَأكْثر
مَا نزل ذَلِك بِمَكَّة لِأَن أَكثر العتو كَانَ بهَا (وَزَاد) لَهَا
قوم لما رَأَوْا أَن معنى الردع والزجر لَيْسَ مستمرا فِيهَا معنى
ثَانِيًا يَصح عَلَيْهَا أَن يُوقف دونهَا ويبتدأ بهَا ثمَّ اخْتلفُوا
فِي تعْيين ذَلِك الْمَعْنى فالكسائي قَالَ تكون بِمَعْنى حَقًا أَيْضا
وزعمها مكي اسْما حِينَئِذٍ كمرادفها وَلِأَنَّهَا تنون فِي قِرَاءَة
بَعضهم: {كلا سيكفرون بعبادتهم} [مَرْيَم: 82] وَغَيره قَالَ اشْتِرَاك
اللَّفْظ بَين الاسمية والحرفية قَلِيل ومخالف للْأَصْل ومحوج لتكلف
دَعْوَى عِلّة لبنائها وَخرج التَّنْوِين فِي الْآيَة على أَنه بدل من
حرف الْإِطْلَاق الْمَزِيد فِي رُءُوس الْآي ثمَّ إِنَّه وصل بنية
الْوَقْف وَأَبُو حَاتِم قَالَ تكون بِمَعْنى أَلا الاستفتاحية قَالَ
أَبُو حَيَّان وَلم يتقدمه إِلَى ذَلِك أحد وَوَافَقَهُ على ذَلِك
الزّجاج وَغَيره
(2/601)
وَالنضْر بن شُمَيْل قَالَ تكون بِمَعْنى
إِي فَتكون حرف تَصْدِيق وتستعمل مَعَ الْقسم وَخرج عَلَيْهِ قَوْله
تَعَالَى: {كلا وَالْقَمَر} [المدثر: 32] فَقَالَ مَعْنَاهُ إِي
وَالْقَمَر قَالَ ابْن هِشَام وَقَول أبي حَاتِم عِنْدِي أولى من قَول
الْكسَائي وَالنضْر لِأَنَّهُ أَكثر اطرادا فَإِن قَول النَّضر لَا
يَتَأَتَّى فِي قَوْله: {كلا إِنَّهَا كلمة} [الْمُؤْمِنُونَ: 100]
وَقَوله: {كلا إِن معي رَبِّي سيهدين} [الشُّعَرَاء: 62] لِأَنَّهَا
لَو كَانَت فيهمَا بِمَعْنى أَي لكَانَتْ للوعد بِالرُّجُوعِ وللتصديق
بالإدراك وَقَول الْكسَائي لَا يَتَأَتَّى فِي نَحْو: {كلا إِن كتاب
الْأَبْرَار} [المطففين: 18] لِأَن إِن تكسر بعد أَلا الاستفتاحية
وَلَا تكسر بعد حَقًا وَلَا بعد مَا كَانَ بمعناها قَالَ أَبُو حَيَّان
وَذهب الْفراء وَأَبُو عبد الرَّحْمَن اليزيدي وَمُحَمّد بن سَعْدَان
إِلَى أَن كلا بِمَنْزِلَة سَوف قَالَ وَهَذَا مَذْهَب غَرِيب
كم
(كم) على وَجْهَيْن (خبرية بِمَعْنى كثير واستفهامية بِمَعْنى أَي عدد
لَا لقلَّة وَلَا كَثْرَة وَلَا هِيَ حرف وَلَا مركبة خلافًا لزاعمي
ذَلِك) بل هِيَ اسْم بسيط وضعت مُبْهمَة تقبل قَلِيل الْعدَد وَكَثِيره
وَالدَّلِيل على اسميتها دُخُول حرف الْجَرّ عَلَيْهَا وَالْإِضَافَة
إِلَيْهَا وعود الضَّمِير عَلَيْهَا وَذهب بَعضهم فِيمَا حَكَاهُ صَاحب
الْبَسِيط إِلَى أَن الخبرية حرف للتكثير فِي مُقَابلَة (رب)
الدَّالَّة على التقليل وَذهب الْكسَائي وَالْفراء إِلَى أَن (كم)
بوجهيها مركبة من (كَاف) التَّشْبِيه و (مَا) الاستفهامية وحذفت ألفها
كَمَا تحذف مَعَ سَائِر حُرُوف الْجَرّ نَحْو بِمَ وَلم وَعم وَكثر
الِاسْتِعْمَال لَهَا فأسكنت وَحدث لَهَا بالتركيب معنى غير الَّذِي
كَانَ لكل وَاحِد من مفرديها كَمَا قَالَه النحويون فِي لَوْلَا وهلا
(2/602)
وَزعم بَعضهم على أَن الاستفهامية للتكثير
(وَتَقَع) كم فِي حالتيها مُبْتَدأ قَالَ بَعضهم وَجَاز الِابْتِدَاء
بالخبرية وَإِن كَانَت نكرَة مَجْهُولَة حملا على الاستفهامية فيقبح
الْإِخْبَار عَنْهَا بِمَعْرِِفَة وظرف وَيمْنَع بمؤقت وَإِنَّمَا يحسن
بنكرة نَحْو كم رجل قَامَ أَو زارك وَكم غُلَاما دخل فِي ملكك (و) تقع
مَعْمُول نَاسخ يعْمل فِيمَا قبله ككان وَظن نَحْو كم كَانَ مَالك وَكم
ظَنَنْت إخْوَتك بِخِلَاف نَاسخ لَا يعْمل فِيمَا قبله ك (مَا) وَإِن
وَأَخَوَاتهَا (و) تقع خَبرا للمبتدأ نَحْو كم دراهمك أَو ل (كَانَ)
نَحْو كم كَانَ غلْمَان قَوْمك ومفعولا بِهِ نَحْو كم غُلَاما اشْتريت
ومجرورة بِحرف تعلق بتاليها نَحْو بكم درهما اشْتريت ثَوْبك وبكم
جَارِيَة عتقت ومضافة قيل إِن كَانَ ذَلِك الْمُضَاف مَعْمُولا لَهُ
أَي لتاليها نَحْو غُلَام كم رجل ضربت ورقبة كم أَسِير فَككت فَإِن
غُلَاما مَعْمُولا لضَرَبْت ورقبة مَعْمُول لفككت بِخِلَاف غُلَام كم
رجل قَامَ أَو أَتَاك غُلَام كم رجل دخل فِي ملكك قَالَ أَبُو حَيَّان
وَهَذَا الشَّرْط شَرطه بعض أَصْحَابنَا وَلَا أرَاهُ بل أرى جَوَاز
الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَلَا فرق بَين (كم) والمضاف
إِلَيْهَا فَكَمَا أَن (كم) تقع مُبتَدأَة فِي كم رجل قَامَ أَو أَتَاك
وَفِي كم غُلَاما دخل فِي ملكك فَكَذَلِك مَا أضيف إِلَيْهَا (وظرفا)
نَحْو كم ميلًا سرت وَكم يَوْمًا صمت نَحْو كم ضَرْبَة ضربت زيدا
(وَقيل ومفعولا لَهُ) نَحْو لكم إِكْرَاما لَك وصلت قَالَه ابْن هِشَام
الخضراوي قَالَ ولابد من حرف الْعلَّة لِأَنَّهُ لَا يحذف إِلَّا فِي
لفظ الْمصدر قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا نعلم أحد نَص على جَوَاز ذَلِك
غَيره وَقد توقف أَبُو عبد الله السُّوسِي الرعيني من نحاة تونس فِي
إجَازَة ذَلِك
(2/603)
(وَلَا) تقع مَفْعُولا مَعَه لِأَنَّهُ لَا
يتَقَدَّم وَجَوَاب كم الاستفهامية يجوز رَفعه وَإِن اخْتلف مَحل كم من
النصب وَالرَّفْع والجر وَالْأولَى فِيهِ مُرَاعَاة محلهَا فَيجْرِي
على حَسبه إِن رفعا فَرفع وَإِن نصبا فنصب وَإِن جرا فجر مِثَال ذَلِك
كم عبدا دخل فِي ملكك وَكم عبدا اشْتريت وبكم عبدا استعنت فجواب هَذِه
كلهَا على الأول أَن تَقول عشرُون عبدا وعَلى الثَّانِي أَن تَقول فِي
الْمِثَال الأول عشرُون وَفِي الثَّانِي عشْرين وَفِي الثَّالِث
بِعشْرين
كأين
(كأين) اسْم (ككم) فِي الْمَعْنى مركب من كَاف التَّشْبِيه وَأي
الاستفهامية المنونة وحكيت وَلِهَذَا جَازَ الْوَقْف عَلَيْهَا
بالنُّون لِأَن التَّنْوِين لما دخل فِي التَّرْكِيب أشبه النُّون
الْأَصْلِيَّة وَلِهَذَا رسم فِي الْمُصحف نونا وَمن وقف عَلَيْهَا
بحذفه اعْتبر حكمه فِي الأَصْل وَهُوَ الْحَذف فِي الْوَقْف وَقيل
الْكَاف فِيهَا هِيَ الزَّائِدَة قَالَ ابْن عُصْفُور أَلا ترى أَنَّك
لَا تُرِيدُ بهَا معنى تَشْبِيه قَالَ وَهِي مَعَ ذَلِك لَازِمَة كلزوم
(مَا) الزَّائِدَة فِي (لَا سِيمَا) وَغير مُتَعَلقَة بِشَيْء كَسَائِر
حُرُوف الْجَرّ الزَّوَائِد وَأي مجرور بهَا وَقيل هِيَ اسْم بسيط
وَاخْتَارَهُ أَبُو حَيَّان قَالَ وَيدل على ذَلِك تلاعب الْعَرَب بهَا
فِي اللُّغَات الْآتِيَة وإفادتها للاستفهام نَادِر وَالْغَالِب
وُقُوعهَا خبرية بِمَعْنى كثير نَحْو {وكأين من دَابَّة لَا تحمل رزقها
الله يرزقها} [العنكبوت: 60] ومثالها استفهامية قَوْلك بكأين تبيع
هَذَا الثَّوْب كَذَا مثله ابْن عُصْفُور وَمثله ابْن مَالك بقول أبي
لِابْنِ مَسْعُود كأين تقْرَأ سُورَة الْأَحْزَاب آيَة فَقَالَ
ثَلَاثًا وَسبعين (وَمن ثمَّ) أَي من أجل أَن إفادتها للاستفهام نَادِر
أنكرهُ الْجُمْهُور فَقَالُوا لَا تقع استفهامية الْبَتَّةَ
(2/604)
وَتلْزم الصَّدْر فَلَا تجر خلافًا لِابْنِ
قُتَيْبَة وَابْن عُصْفُور حَيْثُ ذكرا أَنَّهَا يدْخل عَلَيْهَا حرف
الْجَرّ فِي الْمِثَال السَّابِق قَالَ أَبُو حَيَّان وَيحْتَاج دُخُول
حرف الْجَرّ عَلَيْهَا إِلَى سَماع وَلَا يَنْبَغِي الْقيَاس على (كم)
الخبرية لِأَن ذَلِك يَقْتَضِي أَن يُضَاف إِلَيْهَا ككم وَلَا يحفظ من
كَلَامهم وَلَا يخبر عَنْهَا إِذا وَقعت مُبْتَدأ إِلَّا بجملة فعلية
مصدرة بماض أَو مضارع نَحْو: {وكأين من نَبِي قَاتل} [آل عمرَان: 146]
{وكأين من آيَة فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض يَمرونَ عَلَيْهَا}
[يُوسُف: 105] قَالَ أَبُو حَيَّان قد استقرأت مَا وَقعت فِيهِ فَوجدت
الْخَبَر فِيهِ لَا يكون إِلَّا كَذَلِك وَلم أَقف على كَونه اسْما
مُفردا وَلَا جملَة اسمية وَلَا فعلية مصدرة بمستقبل وَلَا ظرفا وَلَا
مجرورا فَيَنْبَغِي أَلا يقدم على شَيْء من ذَلِك إِلَّا بِسَمَاع من
الْعَرَب قَالَ وَالْقِيَاس يَقْتَضِي أَن يكون فِي مَوضِع نصب على
الْمصدر أَو الظّرْف أَو خبر كَانَ كَمَا كَانَ ذَلِك فِي (كم) وَفِي
الْبَسِيط أَنَّهَا تكون مُبْتَدأ وخبرا ومفعولا وَيُقَال فِيهَا
كَائِن بِالْمدِّ بِوَزْن اسْم الْفَاعِل من كَانَ سَاكِنة النُّون
وَبِذَلِك قَرَأَ ابْن كثير وَقَالَ الشَّاعِر: 1357 -
(وكائنْ بالأباطح مِنْ صَديق ... يراني لَو أُصِبْتُ هُو المُصَابا)
(وكئن) بِالْقصرِ بِوَزْن عَم (وكأي) بِوَزْن رمي وَبِه قَرَأَ ابْن
مُحَيْصِن (وكييء) بِتَقْدِيم الْيَاء على الْهمزَة قَالَ أَبُو
حَيَّان وَهَذِه اللُّغَات الثَّلَاث نقلهَا النحويون وَلم ينشدوا
فِيهَا شعرًا فِيمَا علمت
(2/605)
كَذَا
(كَذَا اسْم مركب) من (كَاف) التَّشْبِيه و (ذَا) اسْم إِشَارَة وَهُوَ
بعد التَّرْكِيب كِنَايَة عَن عدد مُبْهَم (ككم) الخبرية (لَكِن)
يفارقها فِي أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا الصَّدْر تَقول قبضت كَذَا وَكَذَا
درهما (و) فِي أَنَّهَا الْغَالِب فِي اسْتِعْمَالهَا تكرارها
بالْعَطْف عَلَيْهَا كالمثال وأوجبه ابْن خروف فَقَالَ إِنَّهُم لم
يَقُولُوا كَذَا درهما وَلَا كَذَا كَذَا درهما وَذكر ابْن مَالك أَنه
مسموع وَلكنه قَلِيل (وتتصرف) بِوُجُوه الْإِعْرَاب فَتكون فِي مَوضِع
رفع وَفِي مَوضِع نصب وَفِي مَوضِع جر بِالْإِضَافَة والجر وَلَا تقتصر
على إِعْرَاب خَاص (وَلَا تتبع) بتابع لَا ينعَت وَلَا عطف بَيَان لَا
تَأْكِيد وَلَا بدل وَلَا مَحل لكافها من الْإِعْرَاب فَلَا تتَعَلَّق
بِشَيْء لِأَن التَّرْكِيب أخرجهَا عَن ذَلِك وَمن النَّحْوِيين من حكم
على مَوضِع الْكَاف بالإعراب وَجعلهَا اسْما مُبْتَدأ كَمثل
وَثَالِثهَا هِيَ زَائِدَة لَازِمَة فِرَارًا من التَّرْكِيب إِذْ لَا
معنى للتشبيه فِيهَا وَذَا مجرورة بهَا كَمَا فِي كَائِن سَوَاء
وَقَائِل ذَلِك فيهمَا وَاحِد وَهُوَ ابْن عُصْفُور
لَا
(لَا) حرف للجواب نقيض نعم وَهَذِه تحذف الْجمل بعْدهَا كثيرا تَقول
أجاءك زيد فَيُقَال لَا وَالْأَصْل لَا لم يَجِيء
نعم
(نعم) بِفَتْح النُّون وَالْعين فِي أشهر اللُّغَات وَكسر عينهَا مَعَ
فتح النُّون لُغَة لكنانة وَبهَا قَرَأَ الْكسَائي (و) كسر نونها مَعَ
كسر الْعين اتبَاعا لُغَة لبَعْضهِم حَكَاهَا فِي الْمُغنِي وإبدالها
أَي الْعين حاء فَيُقَال نحم لُغَة حَكَاهَا النَّضر بن
(2/606)
شُمَيْل وَفِي الْمُغنِي أَن ابْن مَسْعُود
قَرَأَ بهَا قَالَ أَبُو حَيَّان لِأَن الْحَاء تلِي الْعين فِي
الْمخْرج وَهِي أخف من الْعين لِأَنَّهَا أقرب إِلَى حُرُوف الْفَم حرف
للجواب تَصْدِيقًا لمخبر كَقَوْلِك لمن قَالَ قَامَ زيد أما مَا قَامَ
زيد نعم وإعلاما لمستخبر كَقَوْلِك لمن قَالَ هَل جَاءَ زيد نعم وَفِي
التَّنْزِيل {فَهَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا قَالُوا نعم}
[الْأَعْرَاف: 44] ووعدا لطَالب كَقَوْلِك لمن قَالَ اضْرِب زيدا نعم
وَكَذَا لمن قَالَ لَا تضرب زيدا وهلا تفعل وَتَكون بعد إِيجَاب نَحْو
قَامَ زيد فَيُقَال نعم (و) بعد نفي نَحْو مَا قَامَ زيد فَيُقَال نعم
(و) بعد سُؤال عَنْهُمَا نَحْو أَكَانَ كَذَا وَأما قَامَ زيد فَيُقَال
نعم فَهِيَ فِي الْمُوجب وَالسُّؤَال عَنهُ تَصْدِيق فِي الثُّبُوت
وَفِي الْمَنْفِيّ وَالسُّؤَال عَنهُ تَصْدِيق النَّفْي قيل وَترد
للتذكير بِمَا بعْدهَا وَذَلِكَ إِذا وَقعت صَدرا لجملة بعْدهَا
كَقَوْلِك نعم هَذِه أطلالهم قَالَ ابْن هِشَام وَالْحق أَنَّهَا فِي
ذَلِك حرف إِعْلَام وَأَنَّهَا جَوَاب لسؤال مُقَدّر وَقَالَ أَبُو
حَيَّان هِيَ فِيهِ تَصْدِيق لما بعْدهَا وقدمت قَالَ والتقديم أولى من
ادِّعَاء معنى لم يثتب لَهَا
هَل
(هَل وَيُقَال) فِيهَا (أل) بإبدال هائها همزَة لطلب التَّصْدِيق نَحْو
هَل قَامَ زيد وَهل زيد قَائِم
وَبَاقِي الأدوات للتصور نَحْو من جَاءَك مَتى تقوم وتختص عَن الْهمزَة
(بورودها للجحد) أَي يُرَاد بالاستفهام بهَا النَّفْي وَلذَلِك دخلت
على الْخَبَر بعْدهَا إِلَّا فِي نَحْو: {هَل جَزَاء الْإِحْسَان
إِلَّا الْإِحْسَان} [الرَّحْمَن: 60] وَالْبَاء فِي قَوْله: 1358 -
(ألاَ هَلْ أخْو عَيْش لذيذٍ بدائم ... )
(2/607)
وَصَحَّ الْعَطف فِي قَوْله: 1359 -
(وإنّ شِفَائي عَبْرةٌ مُهَراقةٌ ... وَهل عِنْد رَسْم دارس مِنْ
مُعَوَّل)
إِذْ لَا يعْطف الْإِنْشَاء على الْخَبَر والهمزة لَا ترد لذَلِك (و)
تخْتَص بِعَدَمِ دخلوها على اسْم بعده فعل اخْتِيَارا وَلذَلِك وَجب
النصب فِي نَحْو هَل زيدا ضَربته لِأَن (هَل) إِذا كَانَ فِي حيزها فعل
وَجب إيلاؤها إِيَّاه فَلَا يُقَال هَل زيد قَامَ إِلَّا فِي ضَرُورَة
قَالَ: 1360 -
(أمْ هَل كَبِيرٌ بَكَى لَمْ يَقْضِ عَبْرتَه ... )
قَالَ أَبُو حَيَّان وَيمْتَنع حِينَئِذٍ أَن تكون مُبْتَدأ وخبرا بل
يجب حمله على إِضْمَار فعل قَالَ وَسبب ذَلِك أَن (هَل) فِي الْجُمْلَة
الفعلية مثل (قد) فَكَمَا أَن (قد) لَا تَلِيهَا الْجُمْلَة الابتدائية
فَكَذَلِك (هَل) بِخِلَاف الْهمزَة فَتدخل على اسْم بعده فعل
اخْتِيَارا نَحْو: {أبشرا منا وَاحِدًا نتبعه} [الْقَمَر: 24] وَتقول
أَزِيد قَامَ على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر لِأَنَّهَا أم أدوات
الِاسْتِفْهَام فاتسع فها وَجوزهُ أَي دُخُول (هَل) على اسْم بعده فعل
فِي الِاخْتِيَار الْكسَائي فَأجَاز هَل زيد قَامَ جَوَازًا حسنا
لأَنهم أَجَازُوا هَل زيد قَائِم وابتدأوا بعْدهَا الْأَسْمَاء فَكَذَا
مَعَ وجود الْفِعْل ورد بِأَنَّهُم ضعفوا بناءه على الْفِعْل مَعَ
حُضُوره فالابتداء أَحْرَى قيل وَترد للتسوية كَمَا ترد الْهمزَة نَحْو
علمت هَل قَامَ زيد أم عَمْرو قَالَ أَبُو حَيَّان كَذَا زعم بَعضهم
وَيحْتَاج ذَلِك إِلَى سَماع من الْعَرَب وَالْمَعْرُوف أَن ذَلِك
مِمَّا تفرد بِهِ الْهمزَة
(2/608)
قيل والتقرير قَالَ أَبُو حَيَّان
وَالْمَعْرُوف أَن ذَلِك للهمزة دون هَل قَالَ الْجلَال الْقزْوِينِي
فِي بعض وَالتَّمَنِّي فِي بعض وَقَالَ الْمبرد فِي المقتضب وَترد
بِمَعْنى قد وَبِذَلِك فسر قَوْله تَعَالَى: {هَل أَتَى على
الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر} [الْإِنْسَان: 1] قَالَ جمَاعَة قد
أَتَى وَأنْكرهُ قوم آخِرهم أَبُو حَيَّان وَقَالَ لم يقم على ذَلِك
دَلِيل وَاضح إِنَّمَا هُوَ شَيْء قَالَه الْمُفَسِّرُونَ فِي الْآيَة
وَهَذَا تَفْسِير معنى لَا تَفْسِير إِعْرَاب وَلَا يرجع إِلَيْهِم فِي
مثل هَذَا إِنَّمَا يرجع فِي ذَلِك إِلَى أَئِمَّة النَّحْو واللغة لَا
إِلَى الْمُفَسّرين وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل والسكاكي فِي
الْمِفْتَاح أبلغ من هَذِه الدَّعْوَى (هُوَ) أَي معنى قد مَعْنَاهَا
أبدا والاستفهام الْمَفْهُوم مِنْهَا إِنَّمَا هُوَ من همزَة مقدرَة
مَعهَا قَالَ ابْن هِشَام وَنَقله عَن سِيبَوَيْهٍ وَعبارَته فِي
الْمفصل وَعند سِيبَوَيْهٍ أَن (هَل) بِمَعْنى (قد) إِلَّا أَنهم
تركُوا الْألف قبلهَا لِأَنَّهَا لَا تقع إِلَّا فِي الِاسْتِفْهَام
وَقد جَاءَ دُخُولهَا عَلَيْهَا فِي قَوْله: 1361 -
(سائِلْ فوارسَ يَرْبُوع بشدَّتِنا ... أَهَلْ رأَوْنا بسَفْح القاع
ذِي الأَكَم)
انْتهى قَالَ ابْن هِشَام وَلَو كَانَ كَمَا ذكر لم تدخل إِلَّا على
الْفِعْل كقد قَالَ وَلم أر فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ مَا نَقله عَنهُ
إِنَّمَا قَالَ فِي بَاب عدَّة مَا يكون عَلَيْهِ الْكَلم مَا نَصه
وَهل هِيَ للاستفهام لم يزدْ على ذَلِك وَقَالَ أَبُو حَيَّان وَفِي
الإفصاح ذكر جمَاعَة من النَّحْوِيين وَأهل اللُّغَة أَن (هَل) تكون
بِمَعْنى (قد) مُجَرّدَة من الِاسْتِفْهَام وَرُبمَا فسروا بذلك قَوْله
تَعَالَى: {هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر} [الْإِنْسَان:
1] وأري هَذَا القَوْل مأخوذا
(2/609)
من قَول سِيبَوَيْهٍ وَتقول قعد أم هَل
قَامَ هِيَ بِمَنْزِلَة (قد) فَقيل أَرَادَ أَنَّهَا بِمَنْزِلَة (قد)
فِي الأَصْل وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي مَوضِع آخر زَعَمُوا أَن (هَل)
بِمَنْزِلَة (قد) وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِك إِلَّا إِذا دخلت على
الْجُمْلَة الفعلية المثبتة أما إِذا دخلت على الْجُمْلَة الاسمية
فَلَا تكون إِذْ ذَاك بِمَعْنى قد لِأَن (قد) لَا تدخل على الْجُمْلَة
الاسمية (و) قَالَ ابْن مَالك تتَعَيَّن لَهُ إِذا قرنت بِالْهَمْزَةِ
كالبيت السَّابِق قَالَ أَبُو حَيَّان: وَلَا دلَالَة لَهُ فِي ذَلِك
على التَّعْيِين لِأَن ذَلِك لم يكثر كَثْرَة توجب الْقيَاس إِنَّمَا
جَاءَ مِنْهُ هَذَا الْبَيْت أَو بَيت آخر إِن كَانَ جَاءَ وَإِذا
كَانَ الْأَمر كَذَلِك احْتمل أَن يكون مِمَّا دخل فِيهِ أَدَاة
الِاسْتِفْهَام على مثلهَا على سَبِيل التَّأْكِيد كدخول حرف الْجَرّ
على مثله فِي نَحْو: 1362 -
(فأصبَحْنَ لَا يَسْأَلْنَه عَنْ بِمَا بِهِ ... )
وَنَحْو: 1363 -
(وَلَا للِما بهمْ أبدا دَواءُ
وَإِذا احْتمل ذَلِك لم تتَعَيَّن مرادفة (قد) انْتهى وَوَافَقَهُ ابْن
هِشَام فِي ((الْمُغنِي)) ثمَّ المُرَاد بِمَعْنى (قد) الْمَذْكُورَة
قيل التَّقْرِيب قَالَ فِي الْكَشَّاف (هَل أتَي) أَي (قد) أَي على
معنى التَّقْرِير والتقريب جَمِيعًا أَي أَتَى على الْإِنْسَان قبل
زمَان قريب طَائِفَة من الزَّمَان الطَّوِيل الممتد لم يكن فِيهِ
شَيْئا مَذْكُورا قَالَ ابْن هِشَام وفسرها غَيره ب (قد) خَاصَّة وَلم
يحملوا (قد) على معنى التَّقْرِيب بل على معنى التَّحْقِيق وَقَالَ
بَعضهم مَعْنَاهَا التوقع وَكَأَنَّهُ قيل لقوم يتوقعون الْخَبَر
عَمَّا أَتَى على الْإِنْسَان وَهُوَ آدم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ
والحين زمن كَونه طينا
(2/610)
مَسْأَلَة صدر الْكَلَام للاستفهام
والتحضيض والتنبيه غير (هَا) وَلَام الِابْتِدَاء وَلَعَلَّ وَمَا
النافية فَلَا يقدم عَلَيْهَا مَعْمُول الْفِعْل بعْدهَا لَا يُقَال
عمرا مَا ضرب زيد وَفِي لَا النافية أَقْوَال أَحدهَا أَن لَهَا
الصَّدْر ك (مَا) ثَانِيهمَا وَثَالِثهَا وَهُوَ الْأَصَح إِن كَانَت
فِي جَوَاب قسم (وَرب) غَالِبا لَا للتنفيس فِي الْأَصَح
نونا التوكيد
نون التوكيد نَوْعَانِ خَفِيفَة وثقيلة والتأكيد بهَا أَي الثَّقِيلَة
أَشد من التَّأْكِيد بالخفيفة نَص عَلَيْهِ الْخَلِيل وَلَيْسَت هِيَ
الأَصْل والخفيفة فرع عَنْهَا خففت كَمَا تخفف أَن خلافًا للكوفية
حَيْثُ ذَهَبُوا إِلَى ذَلِك وَاسْتدلَّ البصريون على أَن الْخَفِيفَة
نون على حدتها بِأَن لَهَا أحكاما لَيست للشديدة كَمَا سَيَأْتِي
وَتدْخل جَوَازًا على الْأَمر كاضربن وَقَوله 1364 -
(فاَنْزلَنْ سكينَة عَلَيْنا ... )
والمضارع الْخَالِي من تَنْفِيس ذَا طلب سَوَاء كَانَ ذَلِك الطّلب
أمرا أم نهيا أم تحضيضا أم تمنيا أم استفهاما بِحرف أم باسم كَقَوْلِه
1365 -
(فإيّاكَ والْمَيْتَاتِ لَا تَقْرَبّنها ... )
وَقَوله
(2/611)
1366 -
(هلا تُمَنِّنْ بوَعْدٍ غَيْرَ مُخْلِفَةٍ ... )
وَقَوله 1367 -
(فَلَيْتَكِ يَوْم المُلْتَقى تَرَينّني ... )
وَقَوله 1368 -
(وَهل يَمْنعنِّي ارتيادي البلادَ ... مِنْ حذَر الْمَوْت أنْ
يأتِيَنْ)
وَقَوله 1369 -
(أفبعد كِنْدةَ تمدحنَّ قَبيلا ... )
وَقَوله 1370 -
(فأقْبلْ على رَهْطي ورهْطِكَ نَبْتَحِثْ ... مَساعِينَا حَتَّى تَرى
كَيْف نفعلا)
(2/612)
وَقَوله 1371 -
(أَلا لَيْت شِعري مَا يَقُولَنْ فوارسٌ ... إِذا حَارب الهامَ
المصَيّح هامتي)
خلافًا لِابْنِ الطراوة فِي المستفهم عَنهُ باسم حَيْثُ قَالَ لَا
يلْحقهُ وَخص ذَلِك بِالْهَمْزَةِ وَهل ورد بِالسَّمَاعِ فِي
الْبَيْتَيْنِ الْمَذْكُورين وَتدْخل لُزُوما الْمُضَارع الْمُثبت
الْمُسْتَقْبل جَوَاب قسم نَحْو وَالله ليقومن بِخِلَاف الْمَنْفِيّ
نَحْو {لَا أقسم} [الْقِيَامَة: 1] وَالْحَال نَحْو وَالله ليقوم زيد
الْآن والمقرون بِحرف تَنْفِيس نَحْو {وَلَسَوْف يُعْطِيكَ رَبُّكَ
فَتَرْضَى} [الضُّحَى: 5] لِأَنَّهُمَا مَعًا يخلصان لاستقبال فكرهوا
الْجمع بَين حرفين لمعني وَاحِد وَتدْخل كثيرا وَقيل لُزُوما
الْمُضَارع التَّالِي إِمَّا الشّرطِيَّة نَحْو {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ
بِكَ} [الزخرف: 41] {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ} [الْأَعْرَاف: 200] وَلم
يَقع فِي الْقُرْآن إِلَّا مؤكدا بالنُّون وَمن ثمَّ قَالَ الْمبرد
والزجاج إِنَّهَا لَازِمَة لَا يجوز حذفهَا إِلَّا فِي الضَّرُورَة
كَقَوْلِه 1372 -
(إمّا تَرَيْ رأسِي تغيّر لونُه ... )
ولكثرة حذفهَا فِي الشّعْر قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور
بِجَوَازِهِ فِي الْكَلَام لَا الْجَزَاء والمنفي بِمَا وَلَا وَلم
والتعجب والماضي ومدخول رُبمَا وَمَا الزَّائِدَة وَسَائِر أدوات
الشَّرْط والخالي مِمَّا ذكر وَاسم الْفَاعِل أَي لَا تدخل فِي شَيْء
من هَذِه الْأَنْوَاع إِلَّا شذوذا وضرورة أَو مثلا كَقَوْلِه 1373 -
(حَدِيثاً مَتَى مَا يأتِك الخيرُ يَنْفَعا ... )
(2/613)
وقولك مَا فِي الدَّار يقومن زيد وَقَوله
تَعَالَى {وَاتَّقوا فتْنَة لَا تصيبن الَّذين ظلمُوا مِنْكُم خَاصَّة}
[الْأَنْفَال: 25] وَقَول الشَّاعِر 1374 -
(فَلا ذَا نعيم يُترَكَنْ لنَعيمِهِ ... )
وَقَوله 1375 -
(يَحْسَبُهُ الجاهِلُ مَا لم يَعْلما ... )
وَقَوله 1376 -
(فأحْرِ بِهِ مِنْ طُول فقْرٍ وأحْرِيا ... )
وَقَوله 1377 -
(دامَنَّ سَعْدُكِ لَوْ رحمْتِ مُتَيّماً ... )
(2/614)
وَقَوله 1378 -
(ربّما أوْفَيْتُ فِي عَلَم ... تَرْفَعَنْ ثوبي شَمَالات)
وَقَوله 1379 -
(قَلِيلا بِهِ مَا يحمدنك وَارِث ... )
وَقَوله 1380 -
(مَنْ يُثْقَفَنْ مِنُهُم فَلَيْسَ بآيبٍ ... )
وَقَوله 1381 -
(ومَهْما تَشَأ مِنْهُ فَزارَةُ تَمْنعا ... )
(2/615)
وَقَوله 1382 -
(لَيْت شِعْري وأشْعُرَنَّ إِذا مَا ... )
وَقَوله 1383 -
(أقَائِلُنَّ أحْضِروا الشّهودا ... )
وَيفتح آخِره أَي الْمُضَارع مَعَ النُّون لتركيبه مَعهَا وَقيل
لالتقاء الساكنين آخر الْفِعْل وَأول النُّون الأولى وَسَوَاء فِي فتح
آخِره أَكَانَ صَحِيحا كاعتضدن أم مُعْتَلًّا كاخشين وأرمين وحذفه حَال
كَونه يَاء تلو كسرة لُغَة لفزارة يَقُولُونَ فِي ابكين ابكن بِحَذْف
الْيَاء قَالَ شَاعِرهمْ 1384 -
(وابْكِنّ عَيْشاً تَولّى بعد جدّته ... )
وَقَالَ
(2/616)
1385 -
(وَلَا تُقاسِنّ بعدِي الهَمّ والجزَعا ... )
وَغَيرهم بِفَتْح الْيَاء وَلَا يحذفها فَيَقُول ابكين ولاتقاسين فَإِن
كَانَ مَعَ آخِره وَاو أَو ضمير أَو يَاء وَهِي بعد حَرَكَة مجانسة
حذفت نَحْو لتقومن يَا رجال وَلَتَقُومَنَّ يَا هِنْد وأصلهما لتقوموا
ولتقومي فحذفت الْوَاو وَالْيَاء لالتقاء الساكنين وَإِلَّا بِأَن
كَانَت بعد حَرَكَة غير مجانسة وَهِي الفتحة تثبت محركة بهَا أَي
بالحركة المجانسة نَحْو اخشون يَا قوم بِضَم الْوَاو واخشين يَا هِنْد
بِكَسْر الْيَاء إِذْ لَو حذفت بعد الفتحة لم يبْق مَا يدل عَلَيْهَا
وَجوز الكوفية حذف يائه تلو فَتْحة فَيُقَال اخشن يَا هِنْد بِحَذْف
الْيَاء وَقيل هُوَ لُغَة طائية نقل ذَلِك عَنْهُم الْفراء أما الْألف
الضَّمِير فَلَا يحذف بل يبقي كَمَا يُؤْخَذ من قولي وَلَا يَقع بعد
الْألف الِاثْنَيْنِ وَنون الْإِنَاث إِلَّا الثَّقِيلَة نَحْو اضربان
يَا زَيْدَانَ واضربنان يَا هندات وَلَا تقع الْخَفِيفَة لِأَن فِيهِ
جمعا بَين ساكنين خلافًا ليونس والكوفية حَيْثُ أَجَازُوا وُقُوع
الْخَفِيفَة بعْدهَا مَكْسُورَة قَالَ ابْن مَالك وَيُؤَيِّدهُ
قِرَاءَة بَعضهم {فَدَمِّرَانَّهْمُ تَدْمِيراً} [الْفرْقَان: 36]
وَيُمكن أَن يكون مِنْهُ قِرَاءَة ابْن ذكْوَان {وَلَا تتبعان سَبِيل
الَّذين لَا يعلمُونَ} [يُونُس: 89] انْتهى وَأما سِيبَوَيْهٍ
فَإِنَّهُ قَالَ ردا على من أجَاز ذَلِك هَذَا لم تقله الْعَرَب
وَلَيْسَ لَهُ نَظِير فِي كَلَامهم وَعلي الأول فتكسر الثَّقِيلَة فِي
هذَيْن الْحَالين لالتقاء الساكنين
(2/617)
وتفصل النُّون من نون الْإِنَاث بِأَلف على
الْقَوْلَيْنِ أَي على قَول الْجُمْهُور وَيُونُس مَعًا أَي من أكد
بالثقيلة فصل بهَا نَحْو اضربنان وَمن أكد بالخفيفة فصل بهَا نَحْو
اضربنان وتحذف الْخَفِيفَة لملاقاة سَاكن كَقَوْلِه 1386 -
(لَا تُهينَ الْفَقِير علّك أنْ ... تركع يَوْمًا والدَّهْرُ قد
رَفَعَهْ)
وندر حذفهَا فِي الْوَصْل دونه كَقَوْلِه 1387 -
(اصْرفَ عَنْك الهموم طَارقَها ... )
وتحذف الْخَفِيفَة للْوَقْف بعد كسر أَو ضم مردودا مَا حذف لَهَا من
يَاء أَو وَاو لزوَال سَبَب حذفهما وَهُوَ التقاء الساكنين بحذفها
كَقَوْلِك فِي اضربن واضربن اضربي واضربوا وَقَالَ أَبُو حَيَّان
الَّذِي يظْهر أَن دُخُولهَا فِي الْوَقْف خطأ لِأَنَّهَا لَا تدخل
لِمَعْنى التوكيد ثمَّ يحذف وَلَا يبْقى دَلِيل على مقصودها الَّذِي
جَاءَت لَهُ وَأَجَازَ يُونُس فِي هَذِه الْحَالة إبدالها يَاء وواوا
وَيظْهر ذَلِك ظهورا بَينا فِي نَحْو اخشون واخشين فَيُقَال اخشي
واخشووا كَمَا أبدلت ألفا بعد الْفَتْح إِجْمَاعًا كَقَوْلِك فِي اضربن
اضربا وَفِي التَّنْزِيل {لنسفعا} [العلق: 15] وَلذَلِك رسم بِالْألف
على نِيَّة الْوَقْف خَاتِمَة التَّنْوِين نون تثبت لفظا لَا خطا هَذَا
أحسن حُدُوده وأخصرها وأوجزها إِذْ سَائِر النونات المزيدة الساكنة أَو
غَيرهَا تثبت خطا وَهُوَ أَقسَام
(2/618)
تَمْكِين يدْخل فِي الِاسْم المعرب المنصرف
دلَالَة على أصالته إِذا لم يبن وَلم يمْنَع الصّرْف لسلامته من شبه
الْحَرْف وَمن شبه الْفِعْل وَمن ثمَّ أَي من أجل ذَلِك سمي صرفا
أَيْضا فالصرف فِي تَنْوِين التَّمْكِين الَّذِي إِذا حرمه الِاسْم
لمشابهة الْفِعْل قيل منع من الصّرْف وَقيل يدْخل فرقا بَين المنصرف
وَغَيره وَقَالَ الْفراء فرقا بَين الِاسْم وَالْفِعْل وَقَالَ قطرب
والسهيلي فرقا بَين الْمُفْرد والمضاف وَمن ثمَّ حذف فِي الْإِضَافَة
وتنكير يلْحق بعض الْمَبْنِيّ كأسماء الْأَفْعَال والأصوات فرقا بَين
الْمعرفَة والنكرة نَحْو صه وسيبويه آخر وَهُوَ مسموع فِي بَاب اسْم
الْفِعْل ومطرد فِي كل علم مختوم ب (ويه) وَعوض يلْحق (إِذْ) و (كلا) و
(بَعْضًا) (وأيا) عوضا عَن مضافها إِذا حذفت نَحْو {وَأَنْتُم
حِينَئِذٍ تنْظرُون} [الْوَاقِعَة: 84] {كل فِي فلك} [يس: 40] {فضلنَا
بَعضهم على بعض} [الْبَقَرَة: 253] {أيا مَا تدعوا} [الْإِسْرَاء: 110]
والمتناهي المعتل اللَّام إِذا حذفت ياؤه رفعا وجرا كجوار وغواش عوضا
من الْيَاء بحركتها عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَقيل من الْحَرَكَة فَقَط
قَالَه الْمبرد والزجاجي وَقيل هُوَ فِي الْجَمِيع تَنْوِين صرف وَدخل
فِي (إِذْ) لإعرابها بِالْإِضَافَة إِلَيْهَا وَرجع فِي (كل) وَنَحْوه
لزوَال الْإِضَافَة الَّتِي كَانَت تعارضه وَفِي بَاب جوَار لِأَن
الْيَاء لما حذفت الْتحق الْجمع بأوزان الْآحَاد كسلام وَكَلَام فصرف
ورد بِأَن الْحَذف عَارض فَلَا يعْتد بِهِ
(2/619)
ومقابلة فِي بَاب جمع الْمُؤَنَّث
السَّالِم نَحْو مسلمات فَإِنَّهُ فِي مُقَابلَة النُّون فِي نَحْو
مُسلمين وَقَالَ عَليّ بن عِيسَى الربعِي هُوَ فِيهِ للصرف وَيَردهُ
ثوبته مَعَ التَّسْمِيَة بِهِ كعرفات وَقَالَ الرضي هُوَ لَهما وَقيل
هُوَ عوض من الفتحة نصبا ورد بِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لم يُوجد فِي
الرّفْع والجر ثمَّ الفتحة قد عوض مِنْهَا الكسرة فَمَا هَذَا الْعِوَض
وترنم فِي الروي الْمُطلق فِي لُغَة تَمِيم يأْتونَ بِهِ بَدَلا من حرف
الْإِطْلَاق وَهُوَ الْألف وَالْوَاو وَالْيَاء لقطع الترنم الْحَاصِل
بهَا بِخِلَاف لُغَة الْحجاز فَإِنَّهُم يثبتون الْمدَّة وغال فِي
الروي الْمُقَيد أثْبته الْأَخْفَش وَغَيره وَأنْكرهُ الزّجاج
والسيرافي لِأَنَّهُ بِكَسْر الْوَزْن وَقَالَ ابْن يعِيش هُوَ ضرب من
الترنم زاعما أَن الترنم يحصل بالنُّون نَفسهَا لِأَنَّهَا حرف أغن
ويكونان أَي تَنْوِين الترنم والغالي فِي ذِي أل وَالْفِعْل والحرف
كَقَوْلِه 1388 -
(أقلّى اللّوم عاذِلَ والعتابَن ... وقُولي إنْ أَصَبْتُ لَقَدْ
أصابَنْ ... )
وَقَوله 1389 -
(لمّا تزل بركابنا وَكَأن قَدِنْ)
وَقَوله
(2/620)
1390 -
(وقاتم الأعماق خاوي المخترقن ... )
وَقَوله 1391 -
(ويَعْدُو على المَرْء مَا يأتَمِرَنْ)
وَقَوله 1392 -
(قَالَت بناتُ العمّ يَا سلمي وإنِنْ ... )
بِخِلَاف غَيرهمَا من أَقسَام التَّنْوِين فَإِنَّهُ لَا يكون إِلَّا
فِي الِاسْم الْخَالِي من (أل) وَمن ثمَّ قَالَ ابْن مَالك فِي شرح
الكافية وَابْن هِشَام فِي تَوْضِيحه هما نونان لَا تنوينان قَالَا
وَلَعَلَّ الشَّاعِر زَاد أَن آخر كل بَيت فضعفت صَوته بِالْهَمْزَةِ
فَتوهم السَّامع أَنه نون وَكسر الروي وَقَالَ أَبُو الْحجَّاج يُوسُف
ابْن معزوز هما نونان أبدلا من الْمدَّة وليسا بتنوين وَزَاد ابْن
الخباز فِي شرح الجزولية تَنْوِين ضَرُورَة فِي المنادى وَمَا لَا
ينْصَرف قَالَ ابْن هِشَام وَبِقَوْلِهِ أَقُول فِي الْمُنَادِي دون
الآخر لِأَن الضَّرُورَة أَبَاحَتْ الصّرْف فَهُوَ حِينَئِذٍ تَمْكِين
بِخِلَاف المنادى نَحْو
(2/621)
1393 -
(سَلامُ اللهِ يَا مطٌ ر عَلَيْهَا ... )
فَإِن الِاسْم مَبْنِيّ على الضَّم وَزَاد أَيْضا تَنْوِين حِكَايَة
كَأَن يُسَمِّي رجلا بعاقلة لَبِيبَة فَإنَّك تحكي اللَّفْظ المسمي
بِهِ قَالَ ابْن هِشَام وَهَذَا اعْتِرَاف مِنْهُ بِأَنَّهُ تَنْوِين
الصّرْف لِأَن الَّذِي كَانَ قبل التَّسْمِيَة حُكيَ بعْدهَا وَزَاد
بَعضهم وتنوين شذوذ كَقَوْل بَعضهم هَؤُلَاءِ قَوْمك حَكَاهُ أَبُو زيد
وَفَائِدَته تَكْثِير اللَّفْظ قَالَ ابْن مَالك وَالصَّحِيح أَن هَذَا
نون زيدت فِي آخر الِاسْم كنون ضيفن وَلَيْسَ بتنوين قَالَ ابْن هِشَام
وَفِيمَا قَالَه نظر لِأَن الَّذِي حَكَاهُ سَمَّاهُ تنوينا فَهَذَا
دَلِيل مِنْهُ على أَنه سَمعه فِي الْوَصْل دون الْوَقْف وَنون ضيفن
لَيست كَذَلِك.
(2/622)
|