همع الهوامع في شرح جمع الجوامع

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
1 - فِي العوامل الْكتاب الرَّابِع
أَنْوَاع الْأَفْعَال نعم وَبئسَ حبذا صيغتا التَّعَجُّب الْمصدر اسْم الْمصدر اسْم الْفَاعِل صِيغ الْمُبَالغَة اسْم الْمَفْعُول الصّفة المشبهة أَسمَاء الْأَفْعَال أَسمَاء الْأَصْوَات الظّرْف وَالْمَجْرُور التَّنَازُع فِي الْعَمَل الِاشْتِغَال

(3/5)


صفحة فارغة

(3/6)


بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
1 - الْكتاب الرَّابِع فِي العوامل
الْكتاب الرَّابِع فِي العوامل فِي الْأَسْمَاء وَالرَّفْع وَالنّصب من الْفِعْل وَمَا ألحق بِهِ فِي الْعَمَل وابتدئ ذَلِك بتقسيم الْفِعْل إِلَى لَازم ومتعد ومتصرف وجامد وَختم بتنازع العوامل مَعْمُولا وَاحِدًا الْمُقْتَضِي لإضماره غَالِبا فِي الثَّانِي وضده وَهُوَ اشْتِغَال الْعَامِل الْوَاحِد عَن الْمَعْمُول لوُجُود غَيره الْمُقْتَضِي لإضماره هُوَ غَالِبا من الْبَاقِي (الْفِعْل) أَرْبَعَة أَقسَام (لَازم ومتعد وواسطة) لَا يُوصف بِلُزُوم وَلَا تعد وَهُوَ النَّاقِص كَانَ وَكَاد وأخواتهما وَمَا يُوصف بهما أَي باللزوم والتعدي مَعًا لاستعماله بِالْوَجْهَيْنِ (كشكر ونصح على الْأَصَح) فَإِنَّهُ يُقَال شكرته وشكرت لَهُ ونصحته وَنَصَحْت لَهُ وَمثله كلته وكلت لَهُ ووزنته ووزنت لَهُ وعددته وعددت لَهُ وَلما تساوى فِيهِ الاستعمالان صَار قسما بِرَأْسِهِ وَمِنْهُم من أنكرهُ وَقَالَ أَصله أَن يسْتَعْمل بِحرف الْجَرّ وَكثر فِيهِ الأَصْل وَالْفرع وَصَححهُ ابْن عُصْفُور وَمِنْهُم من قَالَ الأَصْل تَعديَة بِنَفسِهِ وحرف الْجَرّ زَائِد وَقَالَ ابْن درسْتوَيْه أصل (نصح) أَن يتَعَدَّى لوَاحِد بِنَفسِهِ وَللْآخر بِحرف الْجَرّ وَالْأَصْل نصحت لزيد رَأْيه قَالَ أَبُو حَيَّان وَمَا زعم لم يسمع فِي مَوضِع قلت وَلَا أَظُنهُ مَخْصُوصًا بنصح فَإِنَّهُ مُمكن فِي بَاقِي أخواته إِذْ يُقَال شكرت لَهُ معروفه ووزنت لَهُ مَاله

(3/7)


قَالَ الرضي الشاطبي وَهَذَا النَّوْع مَقْصُور على السماع وَمِنْه مَا وصف بهما مَعَ اخْتِلَاف مَعْنَاهُ كفغر فَاه وشحاه بِمَعْنى فَتحه وفغر فوه وشحا بِمَعْنى انْفَتح وَكَذَلِكَ زَاد وَنقص ذكره فِي شرح الكافية (فاللازم) وَيُقَال لَهُ الْقَاصِر وَغير الْمُتَعَدِّي للزومه فَاعله وَعدم تعديه إِلَى الْمَفْعُول بِهِ (مَا لَا يَبْنِي مِنْهُ مفعول تَامّ) أَي بِغَيْر حرف جر كغضب فَهُوَ مغضوب عَلَيْهِ بِخِلَاف الْمُتَعَدِّي وَيُقَال لَهُ الْوَاقِع والمجاوز فَإِنَّهُ يَبْنِي مِنْهُ اسْم مفعول بِدُونِ حرف جر كضرب فَهُوَ مَضْرُوب (وَلَزِمَه) أَي اللُّزُوم (فعل) بِضَم الْعين وَلَا يكون هَذَا الْوَزْن إِلَّا لأفعال السجايا وَمَا أشبههَا مِمَّا يقوم بفاعله وَلَا يتجاوزه كظرف وعذب وجنب (وتفعلل) كتدخرج (وانفعل) كانقطع وَانْصَرف وانقضي (وَافْعل) بتَشْديد اللَّام كاحمر وازور (وافعلل) أصلا كاقشعر واشمأز أَو إِلْحَاقًا كاكوهد الفرخ أَي ارتعد (وافعنلل) أصلا كاقعنسس واحرنجم أَو إِلْحَاقًا كاحرنبي الديك إِذا انتفش (وافعال) كاحمار قَالَ ابْن مَالك فَهَذِهِ الأوزان دَلَائِل على عدم التَّعَدِّي من غير حَاجَة إِلَى الْكَشْف عَن مَعَانِيهَا (وَيَتَعَدَّى) اللَّازِم (لغير الْمَفْعُول بِهِ) من الْمصدر وَالزَّمَان وَالْمَكَان (وَقيل لَا يتَعَدَّى لزمن مُخْتَصّ إِلَّا بِحرف و) يتَعَدَّى (لَهُ) أَي للْمَفْعُول بِهِ (بِحرف جر مَخْصُوص) (ويطرد) أَي يكثر وَيُقَال (حذفه) أَي الْحَرْف (لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال) نَحْو دخلت الدَّار فيقاس عَلَيْهِ دخلت الْبَلَد وَالْبَيْت بِخِلَاف مَا لم يكثر نَحْو ذهبت

(3/8)


الشَّام وتوجهت مَكَّة فَيسمع وَلَا يُقَاس (وَمَعَ أَن وَأَن) المصدريتين (إِذْ لَا لبس) كعجبت أَن تذْهب وَأَنَّك ذَاهِب أَي (من) بِخِلَاف مَا إِذا لم يتَعَيَّن الْحَرْف فَلَا يجوز الْحَذف للإلباس نَحْو رغبت أَنَّك قَائِم إِذا لَا يدْرِي هَل الْمَحْذُوف (فِي) أَو (عَن) وَأما قَوْله تَعَالَى: {وترغبون أَن تنكحوهن} [النِّسَاء: 127] فالحذف فِيهِ إِمَّا للاعتماد على الْقَرِينَة أَو لقصد الْإِبْهَام ليرتدع بذلك من يرغب فِيهِنَّ لمالهن وجمالهن وَمن يرغب عَنْهُن لدمامتهن وفقرهن زَاد ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي (وكي) قَالَ وَقد أهملها النحويون هُنَا مَعَ تجويزهم فِي جِئْت كي تكرمني أَن تكون (كي) مَصْدَرِيَّة وَاللَّام مقدرَة قَالَ وَلَا يحذف مَعهَا إِلَّا لَام الْعلَّة لِأَنَّهَا لَا تجر بغَيْرهَا بِخِلَاف أَن وَأَن ومحلهما أَي أَن وَأَن بعد الْحَذف فِيهِ خلاف قَالَ الْخَلِيل وَالْأَكْثَر نصب حملا على الْغَالِب فِيمَا ظهر فِيهِ الْإِعْرَاب مِمَّا حذف مِنْهُ (و) قَالَ الْكسَائي جر لظُهُوره فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فِي قَوْله: 1395 -
(وَمَا زُرْتُ ليلى أَن تكون حَبيبةً ... إليّ وَلَا دَيْن بهَا أَنا طالِبُهْ)

(3/9)


وَلما حكى سِيبَوَيْهٍ قَول الْخَلِيل قَالَ وَلَو قَالَ إِنْسَان إِنَّه جر لَكَانَ قولا قَوِيا وَله نَظَائِر نَحْو قَوْلهم لاه أَبوك قَالَ أَبُو حَيَّان وَغَيره وَأما نقل ابْن مَالك وَصَاحب الْبَسِيط عَن الْخَلِيل أَنه جر وَعَن سيبوه أَنه نصب فَوَهم لِأَن الْمَنْصُوص فِي كتاب سبيويه عَن الْخَلِيل أَنه نصب وَأما سِيبَوَيْهٍ فَلم يُصَرح فِيهِ بِمذهب وشذ الْحَذف فِيمَا سواهُ أَي سوى مَا ذكر كَقَوْلِه: 1396 -
(كَمَا عَسل الطريقَ الثعلبُ ... )
وَقَوله: 1397 -
(أشارت كُليبٍ بالأكُفّ الأصابعُ ... )
أَي إِلَى كُلَيْب وَلَا يُقَاس على الْأَصَح بل يقْتَصر فِيهِ على السماع وَقَالَ الْأَخْفَش الصَّغِير يُقَال إِذا أَمن اللّبْس كَقَوْلِه:

(3/10)


1398 -
(وأُخفِي الَّذِي لَوْلَا الأسى لقضَاني ... )
أَي لقضى عَليّ (و) يتَعَدَّى إِلَى الْمَفْعُول بِهِ أَيْضا بتضمنه معنى فعل (مُتَعَدٍّ) كَقَوْلِه أرحبكم الدُّخُول فِي طَاعَة ابْن الْكرْمَانِي أَي أوسعكم وَفِي الْقيَاس عَلَيْهِ خلف قيل يُقَاس عَلَيْهِ لِكَثْرَة مَا سمع مِنْهُ وَقيل لَا (و) يتَعَدَّى إِلَيْهِ أَيْضا (بِالْهَمْزَةِ) نَحْو: {أَذهَبْتُم طَيِّبَاتكُمْ} [الْأَحْقَاف: 20] {أمتنَا اثْنَتَيْنِ وأحييتنا اثْنَتَيْنِ} [غَافِر: 11] وَرُبمَا أحدثت فِي الْمُتَعَدِّي لُزُوما خلاف الْمَعْهُود نَحْو أكب الرجل وكببته أَنا وأقشع الْغَيْم وقشعته الرّيح وأنسل ريش الطَّائِر ونسلته أَنا فِي أَفعَال مسموعة وتعدي ذَا المعتدي إِلَى الْوَاحِد لاثْنَيْنِ نَحْو كفل زيد عمرا وأكفلت زيدا عمرا وَلَا تعدِي ذَا الِاثْنَيْنِ إِلَى ثَلَاثَة فِي غير بَاب (علم) بِإِجْمَاع (ثمَّ) اخْتلف فِي الْمُتَعَدِّي بِالْهَمْزَةِ كَذَا على أَقْوَال أَحدهَا أَنه سَماع فِي اللَّازِم والمتعدي وَعَلِيهِ الْمبرد ثَانِيهَا قِيَاس فيهمَا وَعَلِيهِ الْأَخْفَش والفارسي ثَالِثهَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ قِيَاس فِي اللَّازِم سَماع فِي الْمُتَعَدِّي وَرَابِعهَا قِيَاس مُطلقًا فِي غير بَاب (علم) وَعَلِيهِ أَبُو عَمْرو خَامِسهَا قِيَاس فِيمَا يحدث الفعلية أَي يكْسب فَاعله صفة من نَفسه لم تكن فِيهِ قبل الْفِعْل نَحْو قَامَ وَقعد فَيُقَال أقمته وأقعدته أَي جعلته على هَذِه الصّفة سَماع فِيمَا لَيْسَ كَذَلِك نَحْو أشريت زيدا مَا فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ أذبحته الْكَبْش أَي جعلته بذَبْحه لِأَن الْفَاعِل لَهُ يصير على هَيْئَة لم يكن عَلَيْهَا (و) يتَعَدَّى أَيْضا بِتَضْعِيف الْعين سَمَاعا فِي الْأَصَح نَحْو فَرح زيد وفرحته {قد أَفْلح من زكاها} [الشَّمْس: 9] {هُوَ الَّذِي يسيركم} [يُونُس: 22] وَقيل قِيَاسا

(3/11)


وَادّعى الخضراوي الِاتِّفَاق على الأول قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَيْسَ بِصَحِيح (قيل و) بِتَضْعِيف (اللَّام) نَحْو صعر خُذْهُ وصعررته قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ غَرِيب قيل وَألف المفاعلة نَحْو سَار زيد وسايرته وَجلسَ وجالسته قيل وَصِيغَة استفعل نَحْو حسن زيد واستحسنته نقلهما أَبُو حَيَّان عَن بعض النُّحَاة قَالَ الْكُوفِيُّونَ وتحويل حَرَكَة الْعين نَحْو كسي زيد بِوَزْن فَرح وكسى زيد عمرا وتتعاقب الْهمزَة والتضعيف وَالْبَاء أَي يَقع كل مِنْهُمَا موقع الآخر نَحْو أنزلت الشَّيْء ونزلته وَأثبت الشَّيْء وثبته وأذهبت زيدا وَذَهَبت بِهِ (وَمن ثمَّ) أَي من هُنَا وَهُوَ وُرُود الْهمزَة معاقبة لما ذكر أَي من أجل ذَلِك ادّعى الْجُمْهُور أَن مَعْنَاهُمَا أَي الْهمزَة والتضعيف أَو الْهمزَة وَالْبَاء فِي التَّعْدِيَة وَاحِد فَلَا يفهم هَذَا التَّضْعِيف تَكْرَارا وَلَا مُبَالغَة وَلَا مصاحبة وَادّعى الزَّمَخْشَرِيّ وَمن وَافقه أَن بَين التعديتين فرقا وَأَن التَّعْدِيَة بِالْهَمْزَةِ لَا تدل على تَكْرِير وبالتضعيف تدل عَلَيْهِ ورد بقوله تَعَالَى: {وَقد نزل عَلَيْكُم فِي الْكتاب أَن إِذا سَمِعْتُمْ} [النِّسَاء: 140] الْآيَة وَهُوَ إِشَارَة إِلَى قَوْله: {وَإِذَا رَأَيتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيءَايَاتِنَا} [الْأَنْعَام: 68] وَهِي آيَة وَاحِدَة وَبِقَوْلِهِ {لَولاَ نُزِّلَ عَلَيهِ القُرءَانُ جُملَةً وَاحِدَةً} [الْفرْقَان: 32] وَادّعى الْمبرد والسهيلي الْفرق بَين الْهمزَة وَالْبَاء وَأَنَّك إِذا قلت ذهبت بزيد كنت مصاحبا لَهُ فِي الذّهاب ورد بقوله تَعَالَى: {ذهب الله بنورهم} [الْبَقَرَة: 17] (وَفِي نَصبه) أَي الْفِعْل اللَّازِم اسْما تَشْبِيها بالمتعدي خلف فَأَجَازَهُ بعض

(3/12)


الْمُتَأَخِّرين قِيَاسا على تَشْبِيه الصّفة المشبهة باسم الْفَاعِل الْمُتَعَدِّي نَحْو زيد تفقأ الشَّحْم أَصله تفقأ شحمه فأضمرت فِي تفقأ ونصبت (الشَّحْم) تَشْبِيها بالمفعول بِهِ وَاسْتدلَّ بِمَا رُوِيَ فِي الحَدِيث:
(كَانَت امْرَأَة تهراق الدِّمَاء) وَمنعه الشلوبين قَالَ لَا يكون ذَلِك إِلَّا فِي الصِّفَات وَقد تأولوا الْأَثر على أَنه إِسْقَاط حرف الْجَرّ أَو على إِضْمَار فعل أَي بالدماء أَو يهريق الله الدِّمَاء مِنْهَا قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح إِذْ لم يثبت ذَلِك من لِسَان الْعَرَب (والمتعدي غير النَّاسِخ إِمَّا لوَاحِد وَقد يتَضَمَّن اللُّزُوم) فيتعدى بالحرف نَحْو: {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره} [النُّور: 63] أَي يخرجُون وينفصلون (أَو لاثْنَيْنِ ثَانِيهمَا بِحرف جر) وَالْأول بِنَفسِهِ وَسمع حذفه من الثَّانِي (مَعَ) أَفعَال وَهِي (اخْتَار) قَالَ تَعَالَى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه} [الْأَعْرَاف: 155] أَي من قومه (واستغفر) قَالَ: 1399 -
(أسْتغفِر اللهَ ذَنْبًا لَسْتُ مُحْصِيَهُ ... )

(3/13)


أَي من ذَنْب (وَأمر) قَالَ: 1400 -
(أمرْتُكَ الخيْرَ فافْعل مَا أُمِرْتَ بهِ ... )

(3/14)


أَي بِالْخَيرِ (وسمى وكنى) بِالتَّخْفِيفِ (ودعا) نَحْو سميت وَلَدي أَحْمد وكنيته أَبَا الْحسن ودعوته زيدا أَي بِأَحْمَد وَأبي الْحسن وبزيد (وَزوج) نَحْو {زَوَّجْنَاكهَا} [الْأَحْزَاب: 37] أَي بهَا (وَصدق) بِالتَّخْفِيفِ نَحْو: {صدق عَلَيْهِم إِبْلِيس ظَنّه} [سبأ: 20] أَي فِي ظَنّه وَهدى نَحْو: {هديناه السَّبِيل} [الْإِنْسَان: 3] أَي إِلَيْهِ (وعير) نَحْو عيرت زيدا سوَاده أَي بِهِ وَمِنْهَا فرق وقرع وَجَاء واشتاق وَرَاح وَتعرض ونأى وَحل وخشي فَمنع الْجُمْهُور الْقيَاس عَلَيْهَا

(3/15)


وَجوزهُ الْأَخْفَش الصَّغِير عَليّ بن سُلَيْمَان وَابْن الطراوة ووالدي رَحمَه الله فَقَالُوا بِحَذْف حرف الْجَرّ فِي كل مَا لَا لبس فِيهِ بِأَن يتَعَيَّن هُوَ ومكانه نَحْو بريت الْقَلَم السكين قِيَاسا على تِلْكَ الْأَفْعَال فَإِن فقد الشرطان أَو أَحدهمَا بإن لم يتَعَيَّن الْحَرْف نَحْو رغبت أَو مَكَانَهُ نَحْو اخْتَرْت إخْوَتك الزيدين لم يجز لِأَن كلا مِنْهُمَا يصلح لدُخُول (من) عَلَيْهِ وَمَا نقلته عَن وَالِدي ذكره فِي رِسَالَة لَهُ فِي تَوْجِيه قَول الْمِنْهَاج (وَمَا ضبب بِذَهَب أَو فضَّة ضبة) فَقَالَ وَالَّذِي ظهر لي فِيهِ بعد الْبَحْث مَعَ نجباء الْأَصْحَاب وَنظر الْمُحكم والصحاح وتهذيب اللُّغَة وَغَيرهَا وَلم نجده مُتَعَدِّيا بِهَذَا الْمَعْنى أَن الْبَاء فِي (بِذَهَب) بِمَعْنى (من) و (فضَّة) مَنْصُوب على إِسْقَاط الْخَافِض أما من بَاب (أَمرتك الْخَيْر) وَهُوَ ظَاهر قَالَ وَلَا يرد أَنهم لم يعدوه من أَفعاله لأَنا نقُول مَا قيس على كَلَامهم فَهُوَ من كَلَامهم فَهَذَا عين مَا نقلته عَنهُ من الْقيَاس ثمَّ قَالَ وَقد قَالُوا فِي ضبط أَفعَال بَاب (أَمر) أَنه كل فعل ينصب مفعولين لَيْسَ أَصلهمَا الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وأصل الثَّانِي مِنْهُمَا حرف الْجَرّ وَهَذَا الضَّابِط يَشْمَلهُ لَا محَالة وَهُوَ أولى من أَن يدعى أَنه من بَاب: 1401 -
(تمرون الدِّيارَ ... )

(3/16)


لِأَن هَذَا مَحْفُوظ انْتهى ووالدي رَحمَه الله كَانَ مِمَّن لَهُ التَّمَكُّن فِي عُلُوم الشَّرْع والعربية وَالْبَيَان والإنشاء أجمع على ذَلِك كل من شَاهده (وَقيل إِن ضمن) الْفِعْل معنى فعل (ناصبه) أَي ناصب لَهُ بِنَفسِهِ جَازَ الْحَذف قِيَاسا وَإِلَّا فَلَا وَقيل يجوز بِشَرْط عدم الْفَصْل بَينه وَبَين الَّذِي يحذف مِنْهُ حرف الْجَرّ فَلَا يُقَال أَمرتك يَوْم الْجُمُعَة الْخَيْر (و) بِشَرْط عدم التَّقْدِير فَلَا يُقَال أَمرتك زيدا تُرِيدُ بزيد أَي بأَمْره وشأنه (و) إِمَّا مُتَعَدٍّ (إِلَى اثْنَيْنِ بِدُونِهِ) أَي بِدُونِ حرف جر كأعطى وكسى وَقيل الثَّانِي من منصوبهما مَنْصُوب بمضمر ويحذف أحد مفعوليه (وَكَذَا) يحذف أَي مفعول بَاب اخْتَار نَحْو اخْتَرْت الرِّجَال واستغفرت ذَنبي خلافًا لِلسُّهَيْلِي من قَوْله لَا يجوز الِاقْتِصَار على الْوَاحِد الْمَنْصُوب
أَنْوَاع الْفِعْل
مَسْأَلَة (الْفِعْل متصرف) وَهُوَ مَا اخْتلفت أبنيته لاخْتِلَاف زَمَانه وَهُوَ كثير (وجامد) بِخِلَافِهِ وَهُوَ مَعْدُود (وَمِنْه غير مَا مر) من النواسخ وَالِاسْتِثْنَاء (قل للنَّفْي الْمَحْض فَترفع الْفَاعِل متلوا بِصفة) مُطَابقَة لَهُ نَحْو قل رجل يَقُول ذَلِك وَقل رجلَانِ يَقُولَانِ ذَلِك بِمَعْنى مَا رجل

(3/17)


(ويكف عَنهُ ب (مَا)) الكافة فَلَا يَليهَا غير فعل اخْتِيَارا وَلَا فَاعل لَهَا لإجرائها مجْرى حرف النَّفْي نَحْو قَلما قَامَ زيد وَقد يَليهَا الِاسْم ضَرُورَة كَقَوْلِه: 1402 -
( ... ... ... . . وقلّما ... وصالٌ على طول الصدود يدومُ)

(3/18)


(و) مِنْهُ (تبَارك) من الْبركَة (وهدك من رجل) وهدتك من امْرَأَة بِمَعْنى كَفاك وكفتك (وَسقط فِي يَده) بِمَعْنى نَدم (وَكذب فِي الإغراء) بِمَعْنى وَجب كَقَوْل عمر كذب عليكهم الْحَج أَي وَجب قَالَ ابْن السّكيت بِمَعْنى عَلَيْكُم بِهِ كلمة نادرة جَاءَت على غير الْقيَاس وَقَالَ الْأَخْفَش الْحَج مَرْفُوع بِهِ وَمَعْنَاهُ نصب لِأَنَّهُ يُرِيد الْأَمر بِهِ كَقَوْلِهِم أمكنك الصَّيْد يُرِيد ارمه وَقَالَ أَبُو حَيَّان الَّذِي تَقْتَضِيه الْقَوَاعِد فِي مثل هَذَا أَنه من بَاب الإعمال وَالْمَرْفُوع فَاعل (كذب) وَحذف مفعول عَلَيْك أَي عَلَيْكُم لفهم الْمَعْنى وَإِن نصب فَهُوَ ب (عَلَيْك) وفاعل كذب مُضْمر يفسره مَا بعده على رَأْي سِيبَوَيْهٍ أَو مَحْذُوف على رَأْي الْكسَائي وَهَذِه الْأَفْعَال الْمَذْكُورَة لم يسْتَعْمل مِنْهَا إِلَّا الْمَاضِي وَالرَّابِع مِنْهَا لم يسْتَعْمل إِلَّا مَبْنِيا للْمَفْعُول و (فِي يَده) مَرْفُوعَة

(3/19)


قَالَ أَبُو حَيَّان لَكِن قرئَ (سقط) بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل أما (قل) مُقَابل (كثر) وَكذب بِمَعْنى اختلق أَو أَخطَأ أَو أبطل فمتصرفة ويهيط يَصِيح ويفج لم يسْتَعْمل إِلَّا مضارعا يُقَال مَا زَالَ مُنْذُ الْيَوْم يهيط هيطا وأهلم بِفَتْح الْهمزَة وَالْهَاء وَضم اللَّام وبضم الْهمزَة وَكسر اللَّام لم يسْتَعْمل مِنْهُ الْمَاضِي وَلَا الْأَمر فِي أَكثر اللُّغَات وأهاء مَبْنِيّ للْفَاعِل بِمَعْنى آخذ وللمفعول بِمَعْنى أعطي لم يسْتَعْمل مِنْهُ غير الْمُضَارع وَإِنَّمَا يليان لَا وَلم بِكَسْر اللَّام وَفتح الْمِيم فَيُقَال فِي جَوَاب (هَا) لَا أها وَلم أهاء وَلَا أهلم وَلم أهلم لَا تنفيسا على الصَّحِيح وهاء بِالْمدِّ وَالْكَسْر وَهَا بِالْقصرِ والسكون معنى خُذ وتلحقها الضمائر فَيُقَال فِي هَاء هائي هَاء وهائين وهاؤم وهاؤن وَعم صباحا بِمَعْنى أنعم صباحا لم يسْتَعْمل مِنْهُ إِلَّا أَمر وَيَنْبَغِي لم يسْتَعْمل مِنْهُ إِلَّا الْمُضَارع وَقَالَ أَبُو حَيَّان سمع مَا ضيهما ومضارع عَم قَالَ يُونُس وعمت الدَّار أَعم قلت لَهَا انعمي وَقَالَ الأعلم وَعم يعم بِمَعْنى نعم ينعم قَالَ 1403 -
(وَهل يَعِمَنْ مَنْ كَانَ فِي العُصُر الْخَالِي ... )

(3/20)


وَقَالَ ابْن فَارس بغيته فانبغى ككسرته فانكسر وهات وتعال وَبِمَا قيل هَاتِي بهاتي وهلم التميمية لم يسْتَعْمل مِنْهَا إِلَّا الْأَمر أما الحجازية فَهِيَ اسْم فعل لَا تلْحقهُ الضمائر وَقَالَ ابْن كيسَان فِي تصريفه ونكر ضد عرف وَيُسَوِّي بِمَعْنى يُسَاوِي لم يسْتَعْمل من الأول إِلَى إِلَّا الْمَاضِي وَمن الثَّانِي إِلَّا الْمُضَارع وَذكر الأول

(3/21)


أَيْضا (البهاري) وَالثَّانِي (ابْن الْحَاج) واستغني غَالِبا ب (ترك) الْمَاضِي وَالتّرْك الْمصدر وتارك اسْم الْفَاعِل ومتروك اسْم الْمَفْعُول عَنْهَا أَي عَن اسْتِعْمَال هَذِه الصِّيَغ من وذر وودع فعلى هَذَا يعدَّانِ فِي الجوامد إِذْ لم يسْتَعْمل مِنْهُمَا إِلَّا الْأَمر وَمن غير الْغَالِب مَا قرئَ (مَا وَدعك رَبك) مخففا وَحَدِيث أبي دَاوُد وَغَيره (دعوا الْحَبَشَة مَا ودعوكم) وَحَدِيثه
(لينتهين أَقوام عَن ودعهم الْجُمُعَات) وَحَدِيث البُخَارِيّ
(غير مكفي وَلَا مكفور وَلَا مُودع) وَقَول الشَّاعِر 1404 -
(جَرى وَهُوَ مَوْدُوعٌ وواعِدُ ... )

(3/22)


3 - نعم وَبئسَ
وَمِنْه أَي الجامد نعم وَبئسَ فعلان لإنشاء الْمَدْح والذم قَالَ الرضي وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت نعم الرجل زيد فَإِنَّمَا تنشيء الْمَدْح وتمدحه بِهَذَا اللَّفْظ وَلَيْسَ الْمَدْح مَوْجُودا فِي الْخَارِج فِي أحد الْأَزْمِنَة مَقْصُودا مُطَابقَة هَذَا الْكَلَام إِيَّاه حَتَّى يكون خَبرا بل يقْصد بِهَذَا الْكَلَام مدحه على جودته الْحَاصِلَة خَارِجا فَقَوْل الْأَعرَابِي لمن بشره بمولودة وَقَالَ نعم الْمَوْلُود وَالله مَا هِيَ بنعم المولودة لَيْسَ تَكْذِيبًا لَهُ فِي الْمَدْح إِذْ لَا يُمكن تَكْذِيبه فِيهِ بل هُوَ إِخْبَار بِأَن الْجَوْدَة الَّتِي حكمت بحصولها فِي الْخَارِج لَيست بحاصلة فَهُوَ إنْشَاء جزؤه الْخَبَر وَكَذَلِكَ الْإِنْشَاء التعجبي والإنشاء الَّذِي فِي كم الخبرية وَرب هَذَا غَايَة مَا يُمكن ذكره فِي تمشية مَا قاولوا من كَون هَذَا الْأَشْيَاء للإنشاء قَالَ وَمَعَ هَذَا فلي فِيهِ نظر إِذْ يطرد ذَلِك فِي جَمِيع الْأَخْبَار لِأَنَّك إِذا قلت زيد أفضل من عَمْرو لَا ريب فِي كَونه خَبرا إِذْ لَا يُمكن أَن يكذب فِي التَّفْضِيل وَيُقَال لَك إِنَّك لم تفضل بل التَّكْذِيب إِنَّمَا يتَعَلَّق بأفضلية زيد وَكَذَا إِذا قلت زيد قَائِم فَهُوَ خبر بِلَا شكّ وَلَا يدْخلهُ التَّصْدِيق والتكذيب من حَيْثُ الْإِخْبَار إِذا لَا يُقَال لَك أخْبرت أَو وَلم تخبر لِأَنَّك أوجدت بِهَذَا اللَّفْظ الْإِخْبَار بل يدخلَانِ من حَيْثُ الْقيام وَيُقَال إِن الْقيام حَاصِل أَو لَيْسَ بحاصل فَكَذَا قَوْله لَيْسَ بنعم المولودة بَيَان أَن النعمية أَي الْجَوْدَة الْمَحْكُوم بثبوتها خَارِجا لَيست بثابتة وَكَذَا فِي التَّعَجُّب وَفِي كم وَرب انْتهى وَعَن الْفراء أَنَّهُمَا اسمان لدُخُول حرف الْجَرّ عَلَيْهِمَا فِي قَوْله (وَالله مَا هِيَ بنعم الْوَلَد) وَقَوْلهمْ (نعم السّير على بئس العير) وَالْإِضَافَة فِي قَوْله 1405 -
(بنِعْمَ طيْر وشبابٍ فاخِر ... )

(3/23)


والنداء فِي قَوْلهم يَا نعم الْمولى وَنعم النصير وَدخُول لَام الِابْتِدَاء عَلَيْهِمَا فِي خبر إِن وَلَا يدْخل على الْمَاضِي والإخبار عَنْهُمَا فِيمَا حكى الرُّؤَاسِي (فِيك نعم الْخصْلَة) وعطفهما على الِاسْم فِيمَا حكى الْفراء (الصَّالح وَبئسَ الرجل فِي الْحق سَوَاء) وَعدم التَّصَرُّف والمصدر وَأجِيب بِأَن حرف الْجَرّ والنداء قد يدخلَانِ على مَا لَا خلاف فِي فعليته بِتَأْوِيل مَوْصُوف أَو منادى مُقَدّر وَكَذَا فِي الْإِخْبَار والعطف أَي فِيك خصْلَة نعمت الْخصْلَة وَرجل بئس الرجل وَبِأَن نعم فِي (نعم طير) سمي بهَا محكية وَلذَا فتحت ميمها وَبِأَن عدم التَّصَرُّف والمصدر لَا يدلان على الاسمية بِدَلِيل لَيْسَ وَعَسَى وَنَحْوهمَا وَيدل لفعليتهما لُحُوق تَاء التَّأْنِيث الساكنة بهما فِي كل اللُّغَات وَضمير الرّفْع فِي لُغَة حَكَاهَا الْكسَائي وَقيل لَا خلاف فِي أَنَّهُمَا فعلان وَإِنَّمَا الْخلاف فيهمَا بعد الْإِسْنَاد إِلَى الْفَاعِل فالبصريون يَقُولُونَ نعم الرجل وَبئسَ الرجل جملتان فعليتان وَغَيرهم يَقُول اسمان محكيان نقلا عَن أَصلهمَا وَسمي بهما الْمَدْح والذم كتأبط شرا وَنَحْوه وأصلهما فعل بِفَتْح الْفَاء وَكسر الْعين وَقد يردان بِهِ قَالَ طرفَة 1406 -
(مَا أقَلَّتْ قَدَمٌ أنَّهُمُ ... نَعِمَ السَّاعون فِي الْأَمر المُبرْ)

(3/24)


صفحة فارغة

(3/25)


وَقد يردان بِسُكُون الْعين وَفتح الْفَاء تَخْفِيفًا قَالَ أَبُو حَيَّان وَلم يذكرُوا لَهُ شَاهدا وكسرهما إتباعا قَالَ تَعَالَى {إِن الله نعما يعظكم بِهِ} [النِّسَاء: 58] وَكَذَا كل ذِي عين حلقية أَي هِيَ حرف حلق من فعل بِالْفَتْح وَالْكَسْر اسْما كَانَ أَو فعلا يرد بِهَذِهِ اللُّغَات الْأَرْبَع نَحْو فَخذ فَخذ فَخذ فَخذ شهد شهد شهد شهد قَالَ 1407 -
(إِذا غَابَ عنّا غَابَ عنّا ربيعُنَا ... وإنْ شِهْدَ أجْدَى خيرُهُ ونوافِلُه)

(3/26)


قَالَ أَبُو حَيَّان وَيشْتَرط فِي ذَلِك أَلا يكون مِمَّا شذت بِهِ الْعَرَب فِي فكه نَحْو لححت عينه أَو اتَّصل بِآخِرهِ مَا يسكن لَهُ نَحْو شهِدت وَلَا اسْم فَاعل معتل اللَّام نَحْو ثوب صخ أَي متسخ فَلَا يجوز التسكين فِيهَا وَيُقَال فِي بئس بيس بِفَتْح الْبَاء وياء سَاكِنة مبدلة من الْهمزَة على غير قِيَاس حَكَاهَا الْأَخْفَش والفارسي وَيُقَال فِي نعم نعيم بالإشباع حَكَاهُ الصفار قَالَ أَبُو حَيَّان وَذَلِكَ شذوذ لَا لُغَة قَالَ وَذكر بعض أَصْحَابنَا أَن الْأَفْصَح نعم وَهِي لُغَة الْقُرْآن ثمَّ نعم وَعَلِيهِ {فَنعما هِيَ} [الْبَقَرَة: 271] ثمَّ نعم وَهِي الْأَصْلِيَّة ثمَّ نعم وفاعلهما ظَاهر معرف بأل نَحْو {نعم الْمولى} [الْأَنْفَال: 40] {ولبئس المهاد} [الْبَقَرَة: 206] أَو مُضَاف لما هِيَ فِيهِ نَحْو {ولنعم دَار الْمُتَّقِينَ} [النَّحْل: 30] {فبئس مثوى المتكبرين} [غَافِر: 76] أَو مُضَاف لمضاف إِلَيْهِ أَي إِلَى مَا هِيَ فِيهِ كَقَوْلِه 1408 -
(فَنِعْمَ ابنُ أخْتِ الْقَوْم غَيْرَ مُكَذّبٍ ... )
وَقَوله 1409 -
(فَنِعْم ذَوُو مُجامَلَةِ الْخَلِيل ... )

(3/27)


قيل أَو مُضَاف إِلَى ضمير عَائِد عَلَيْهِ أَي على مَا هِيَ فِيهِ كَقَوْلِهِم 1410 -
(فَنعم أَخُو الهيجا ونِعْم شبابُها ... )
وَالأَصَح أَنه لَا يُقَاس عَلَيْهِ لقلته وَهِي أَي أل الَّتِي فِي فاعلهما جنسية عِنْد الْجُمْهُور بِدَلِيل عدم لحوقهما التَّاء حَيْثُ الْفَاعِل مؤنث فِي الْأَفْصَح وَاخْتلف على هَذَا فَقيل للْجِنْس حَقِيقَة فالجنس كُله هُوَ الممدوح أَو المذموم والمخصوص بِهِ فَرد من أَفْرَاده مندرج تَحْتَهُ وَقصد ذَلِك مُبَالغَة فِي إِثْبَات الْمَدْح أَو الذَّم للْجِنْس الَّذِي هُوَ مُبْهَم لِئَلَّا يتَوَهَّم كَونه طارئا على الْمَخْصُوص وَقيل تعديته إِلَيْهِ بِسَبَبِهِ وَقيل قصد جعله عَاما ليطابق الْفِعْل لِأَنَّهُ عَام فِي الْمَدْح وَلَا يكون الْفِعْل عَاما وَالْفَاعِل خَاصّا وَقيل للْجِنْس مجَازًا فَجعل الْمَخْصُوص جَمِيع الْجِنْس مُبَالغَة وَلم يقْصد غير مدحه أَو ذمه وَقَالَ قوم هِيَ عهدية ذهنية كَمَا تَقول اشْتريت اللَّحْم وَلَا تُرِيدُ الْجِنْس وَلَا معهودا تقدم وَأُرِيد بذلك أَن يَقع إِبْهَام ثمَّ يَأْتِي التَّفْسِير بعده تفخيما لِلْأَمْرِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق بن ملكون وَأَبُو مَنْصُور الجواليقي وَأَبُو عبد الله الشلوبين الصَّغِير عهدية شخصية والمعهود هُوَ الشَّخْص الممدوح والمذموم

(3/28)


فَإِذا قلت زيد نعم الرجل فكأنك قلت نعم هُوَ وَاسْتدلَّ هَؤُلَاءِ بتثنيته وَجمعه وَلَو كَانَ عبارَة عَن الْجِنْس لم يسغْ فِيهِ ذَلِك وَيجوز إتباعه أَي فاعلهما بِبَدَل وَعطف وَيجوز مباشرتهما لنعم وَبئسَ لَا بِصفة فِي الْأَصَح وَهُوَ رَأْي الْجُمْهُور لما فِيهَا من التَّخْصِيص الْمنَافِي للشياع الْمُقْتَضِي مِنْهُ عُمُوم الْمَدْح والذم وَأَجَازَهُ ابْن السراج والفارسي وَابْن جني فِي قَوْله 1411 -
(لبئْس الْفَتى المدْعُوُّ باللَّيل حاتِمُ ... )
وَثَالِثهَا وَهُوَ رَأْي ابْن مَالك يجوز إِذا تؤول بالجامع لأكمل الْخِصَال اللائقة فِي الْمَدْح والذم بِخِلَاف مَا إِذا قصد بِهِ التَّخْصِيص مَعَ إِقَامَة الْفَاعِل مقَام الْجِنْس لِأَن تَخْصِيصه منَاف لذَلِك وَلَا توكيد معنوي قطعا كَذَا قَالَه ابْن مَالك وَعلله بِأَن الْقَصْد بالتوكيد من رفع توهم الْمجَاز أَو الْخُصُوص منَاف للقصد بفاعل نعم من إِقَامَته مقَام الْجِنْس أَو تَأْوِيله بالجامع لأكمل خِصَال الْمَدْح أَو الذَّم قَالَ أَبُو حَيَّان وَمن يرى أَن أل عهدية شخصية لَا يبعد أَن يُجِيز نعم الرجل نَفسه زيد وَفِي إتباعه بالتوكيد اللَّفْظِيّ احْتِمَالَانِ وَأَجَازَهُ ابْن مَالك فَيُقَال نعم الرجل الرجل زيد وَقَالَ أَبُو حَيَّان يَنْبَغِي أَلا يجوز إِلَّا بِسَمَاع وَلَا يفصل بَين نعم وفاعلها بظرف وَلَا غَيره قَالَه ابْن أبي الرّبيع وَالْجُمْهُور وَفِي (الْبَسِيط) يجوز الْفَصْل لتصرف هَذَا الْفِعْل فِي رَفعه الظَّاهِر والمضمر وَعدم التَّرْكِيب

(3/29)


وَثَالِثهَا قَالَه الْكسَائي يجوز بمعموله أَي الْفَاعِل نَحْو نعم فِيك الرَّاغِب قَالَ أَبُو حَيَّان وَفِي الشّعْر مَا يدل لَهُ قَالَ 1412 -
(وَبئسَ من المليحاتِ البديلُ ... )
قَالَ وورود الْفَصْل ب (إِذن) وبالقسم فِي قَوْله 1413 -
(لبئس إِذن راعِي المودّة والوَصْل ... )
وَقَوله 1414 -
(بئسَ عَمْرُ الله قومٌ طرقوا ... )
أَو يكون ضميرا مستترا خلافًا للكسائي فِي مَنعه ذَلِك قَالَ فِي نَحْو نعم رجلا زيد الْفَاعِل هُوَ زيد والمنصوب حَال وَتَبعهُ دريود وَقَالَ الْفراء تَمْيِيز محول عَن الْفَاعِل وَالْأَصْل نعم الرجل زيد وعَلى الأول هَذَا الضَّمِير يكون مَمْنُوع الإتباع فَلَا يعْطف عَلَيْهِ وَلَا يُبدل مِنْهُ وَلَا يُؤَكد بضمير وَلَا غَيره لشبهه بضمير الشَّأْن فِي قصد إبهامه تَعْظِيمًا لمعناه وَمَا ورد من نَحْو (نعم هم قوما أَنْتُم) فشاذ مُفَسرًا بتمييز مُطَابق للمعنى) فِي الْإِفْرَاد والتذكير وفروعهما عَام فِي الْوُجُود غير متوغل فِي الْإِبْهَام وَلَا ذِي تَفْضِيل بِخِلَاف نَحْو الشَّمْس وَالْقَمَر فَلَا يُقَال نعم شمسا هَذِه الشَّمْس

(3/30)


وَنَحْو غير وَمثل وَأي وَمَا دلّ على مفاضلة فَلَا يُقَال (نعم أفضل مِنْك زيد) لعدم قبُول مَا ذكر ل (أل) ولكونه خلفا عَن فَاعل مقرون بهَا اشْترط صلاحيته لَهَا جَائِز الْوَصْف نَحْو نعم رجلا صَالحا زيد نَقله أَبُو حَيَّان عَن الْبَسِيط جَازِمًا بِهِ وَكَذَا الْفَصْل نَحْو {بئس للظالمين بَدَلا} [الْكَهْف: 50] خلافًا لِابْنِ أبي الرّبيع فِي قَوْله يمْنَع الْفَصْل بَين نعم والمفسر قيل وَجَائِز الْحَذف أَيْضا إِذا علم نَحْو حَدِيث
(من تَوَضَّأ يَوْم الْجُمُعَة) فبها ونعمت ونعمت السّنة سنة أَو رخصَة فعلية أَي فبالسنة أَخذ وَعَلِيهِ ابْن عُصْفُور وَابْن مَالك وَنَصّ سِيبَوَيْهٍ على لُزُوم ذكره وَفِي الْجمع بَينه أَي التَّمْيِيز وَبَين الْفَاعِل الظَّاهِر أَقْوَال أَحدهَا لَا يجوز إِذْ لَا إِبْهَام يرفعهُ التَّمْيِيز وَعَلِيهِ سِيبَوَيْهٍ والسيرافي وَجَمَاعَة ثَانِيهَا يجوز وَعَلِيهِ الْمبرد وَابْن السراج والفارسي وَاخْتَارَهُ ابْن مَالك قَالَ وَلَا يمْنَع مِنْهُ زَوَال الْإِبْهَام لِأَن التَّمْيِيز قد يجاء بِهِ توكيدا وَمِمَّا ورد مِنْهُ قَوْله 1415 -
(والتغلبيون بئس الفحلُ فحلُهُم ... فحلاً ... )

(3/31)


وَقَوله 1416 -
(نعم الفتاةُ فتاةً هِنْدُ لَو بَذَلتْ ... )
ثَالِثهَا وَعَلِيهِ ابْن عُصْفُور يجوز إِن أَفَادَ التَّمْيِيز مَا لم يفده الْفَاعِل نَحْو نعم الرجل رجلا فَارِسًا وَقَوله 1417 -
(فَنِعْم المرءُ من رَجُل تِهَامى ... )
وَلَا يجوز إِن لم يفد ذَلِك وَلَا يُؤَخر هَذَا التَّمْيِيز عَن الْمَخْصُوص اخْتِيَارا فَلَا يُقَال نعم زيد رجلا إِلَّا فِي ضَرُورَة خلافًا للكوفية فِي تجويزهم تَأْخِيره عَنهُ أم تَأَخره عَن الْفِعْل فَوَاجِب قطعا وَلَا يكون الْفَاعِل لنعم وَبئسَ نكرَة اخْتِيَارا وَإِن ورد فضرورة كَقَوْلِه 1418 -
(بئْسَ قرينا يَفَن هالِكِ ... )
وَقَوله 1419 -
(فنِعْم صَاحِبُ قوم لَا سِلاح لَهُمْ ... )

(3/32)


خلافًا للكوفيه وموافقتهم فِي إجازتهم ذَلِك لما حكى الْأَخْفَش أَن نَاسا من الْعَرَب يرفعون بهم النكرَة مُفْردَة ومضافة وَلَا يكون موصلا قَالَه الْكُوفِيُّونَ وَكثير من الْبَصرِيين وَجوزهُ الْمبرد فِي الَّذِي الجنسية كَقَوْلِه 1420 - ( ... بئس الَّذِي مَا أنتمُ آلَ أبْجرا ... )
قَالَ ابْن مَالك وَظَاهر قَول الْأَخْفَش أَنه يُجِيز نعم الَّذِي يفعل زيد ولايجيز نعم من يفعل قَالَ وَلَا يَنْبَغِي أَن يمْنَع لِأَن الَّذِي يفعل بِمَنْزِلَة الْفَاعِل وَلذَلِك أطْرد الْوَصْف بِهِ وَمُقْتَضى النّظر الصَّحِيح أَلا يجوز مُطلقًا وَلَا يمْنَع مُطلقًا بل إِذا قصد بِهِ الْجِنْس جَازَ أَو الْعَهْد منع انْتهى والمانعون مُطلقًا عللوا بِأَن مَا كَانَ فَاعِلا لنعم وَكَانَ فِيهِ أل كَانَ مُفَسرًا للضمير الْمُسْتَتر فِيهَا إِذا نزعت مِنْهُ وَالَّذِي لَيْسَ كَذَلِك (و) جوزه قوم فِي من وَمَا مرَادا بهما الْجِنْس كَقَوْلِه 1421 - ( ... ونِعْم مَنْ هُو فِي سرِّ وإعْلان ... )

(3/33)


وتأوله غَيرهم على أَن الْفَاعِل مُضْمر وَمن فِي مَحل نصب تَمْيِيزه وَمن ثمَّ أَي من هُنَا وَهُوَ أَن فاعلهما لَا يكون مَوْصُولا قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُم سِيبَوَيْهٍ إِن مَا فِي نعم وَبئسَ الْوَاقِع بعْدهَا فعل نَحْو {بئْسَمَا اشْتَروا} [الْبَقَرَة: 90] نعم مَا صنعت معرفَة تَامَّة أَي لَا يفْتَقر إِلَى صلَة فَاعل وَالْفِعْل بعْدهَا صفة لمخصوص مَحْذُوف أَي نعم الشَّيْء شَيْء اشْتَروا قَالَ فِي شرح الكافية ويقويه كَثْرَة الِاقْتِصَار عَلَيْهَا فِي نَحْو غسلته غسلا نعما والنكرة التالية نعم لَا يقْتَصر عَلَيْهَا (وَقيل نكرَة تَمْيِيز) وَالْفِعْل بعْدهَا صفة لَهَا أَو بِمَعْنى شَيْء صفتهَا الْفِعْل أَي بئس شَيْئا شَيْء اشْتَروا أَقْوَال ورد بِأَن التَّمْيِيز يرفع الْإِبْهَام وَمَا يُسَاوِي الْمُضمر فِي الْإِبْهَام فَلَا يكون تمييزا (وَثَالِثهَا) هِيَ (مَوْصُولَة) صلتها الْفِعْل والمخصوص مَحْذُوف أَو هِيَ الْمَخْصُوص و (مَا) أُخْرَى تَمْيِيز مَحْذُوف أَي نعم شَيْئا الَّذِي صَنعته أَو هِيَ الْفَاعِل واكتفي بهَا وبصلتها عَن الْمَخْصُوص أَقْوَال (وَرَابِعهَا مَصْدَرِيَّة) وَلَا حذف وَالتَّقْدِير نعم صنعك وَبئسَ شراؤهم (وخامسها نكرَة مَوْصُوفَة فَاعل) يكْتَفى بهَا وبصلتها عَن الْمَخْصُوص (وسادسها كَافَّة) كفت نعم وَبئسَ كَمَا كفت قل وَصَارَت تدخل على الْجُمْلَة الفعلية (وَفِي) (مَا) إِذا وَليهَا اسْم نَحْو: (نعما هِيَ) الْقَوْلَانِ (الْأَوَّلَانِ) أَحدهمَا أَنَّهَا معرفَة تَامَّة فَاعل بِالْفِعْلِ وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ والمبرد وَابْن السراج والفارسي وَالثَّانِي أَنَّهَا نكرَة غير مَوْصُوفَة تَمْيِيز وَالْفَاعِل مُضْمر وَالْمَرْفُوع بعْدهَا هُوَ الْمَخْصُوص

(3/34)


(وَثَالِثهَا) أَن (مَا) (مركبة) مَعَ الْفِعْل (لَا مَحل لَهَا) من الْإِعْرَاب وَالْمَرْفُوع فَاعل (وشذ كَونه) أَي الْفَاعِل (إِشَارَة) متبوعا بِذِي اللَّام كَقَوْلِه: 1422 -
(بئْسَ هَذَا الحيُّ حَيًّا ناصِرًا ... )
(وعلما) كَقَوْل سهل بن حنيف شهِدت صفّين وبئست الصفون وَكَذَا شَذَّ كَونه (مُضَافا إِلَى الله) علما أَو غَيره وَإِن كَانَت فِيهِ (أل) لِأَنَّهُ من الْأَعْلَام كَقَوْل
:
(نعم عبد الله خَالِد بن الْوَلِيد) وَقَول الشَّاعِر: 1423 -
(بئس قوم الله يومٌ طُرقوا ... )
(خلافًا للجرمي) فِي قَوْله باطراده وَغَيره يتَأَوَّل مَا ورد مِنْهُ وَمن الْعلم على أَنه الْمَخْصُوص وَالْفَاعِل مُضْمر حذف مفسره (وشذ كَونه ضميرا غير مُفْرد) أَي مطابقا للمخصوص نَحْو أَخَوَاك نعما رجلَيْنِ وَحكى الْأَخْفَش عَن بعض بني أَسد نعما رجلَيْنِ الزيدان ونعموا رجَالًا الزيدون ونعمتم رجَالًا ونعمن نسَاء الهندات ثمَّ قَالَ (لَا آمن أَن يَكُونَا فهما التَّلْقِين) (خلافًا لقوم) من الكوفية لقَولهم بِالْقِيَاسِ على ذَلِك (و) شَذَّ جَرّه (بِالْبَاء) الزَّائِدَة رُوِيَ نعم بهم قوما أَي نعم هم (وَلَا يعملان) أَي نعم وَبئسَ (فِي مصدر و) لَا (ظرف) (وَيذكر الْمَخْصُوص) وَهُوَ الْمَقْصُود بالمدح أَو الذَّم (قبلهمَا) أَي نعم وَبئسَ (مُبْتَدأ أَو مَنْسُوخا) وَالْفِعْل ومعموله الْخَبَر والرابط هُنَا الْعُمُوم فِي الْمَرْفُوع الْمَفْهُوم من أل الجنسية نَحْو زيد نعم الرجل أَو رجلا وَكَانَ زيد نعم الرجل وَإِن زيدا نعم الرجل قَالَ:

(3/35)


1424 -
(إنَّ ابْن عبد الله نِعْم ... أَخُو النّدى وابنُ العَشِيرَهْ)
وَقَالَ: 1425 -
(إِذا أرْسَلُوني عِنْد تعذير حَاجَة ... أُمارسُ فِيهَا كنتُ نِعْمَ الممارسُ)
(أَو) يذكر (بعد الْفَاعِل) نَحْو نعم الرجل زيد وَهُوَ أحسن من تقدمه لإِرَادَة الْإِبْهَام ثمَّ التَّفْسِير وَإِعْرَابه (مُبْتَدأ) خَبره الْجُمْلَة قبله وَقيل مَحْذُوف أَو خَبرا مبتدؤه مَحْذُوف وجوبا (أَو بَدَلا) من الْفَاعِل أَقْوَال قَالَ ابْن مَالك أرجحها الأول لصِحَّته فِي الْمَعْنى وسلامته من مُخَالفَة أصل بِخِلَاف جعله خَبرا فَإِنَّهُ يلْزم مِنْهُ أَن ينصب لدُخُول كَانَ عَلَيْهِ أَو جعل خَبره محذوفا فَإِنَّهُ لم يعْهَد الْتِزَام حذف الْخَبَر إِلَّا حَيْثُ سد مسده شَيْء أَو جعله بَدَلا فَإِنَّهُ لَا يصلح لمباشرة نعم وَأجَاب قَائِله بِأَنَّهُ يجوز أَن يَقع بَدَلا مَا لَا يجوز أَن يَلِي الْعَامِل بِدَلِيل (أَنَّك أَنْت) وعَلى هَذَا هُوَ بدل اشْتِمَال لِأَنَّهُ خَاص وَالرجل عَام (وَقد يدْخلهُ نَاسخ) نَحْو نعم الرجل كَانَ زيدا وظننت زيدا فالجملة فِي مَوْضُوع خبر كَانَ أَو ثَانِي مفعولي ظن (ويغلب أَن يخْتَص) بِأَن يَقع معرفَة أَو قَرِيبا مِنْهَا أخص من الْفَاعِل لَا أَعم مِنْهُ وَلَا مُسَاوِيا نَحْو نعم الْفَتى رجل من قُرَيْش (و) أَن (يَصح الْإِخْبَار بِهِ عَن الْفَاعِل) مَوْصُوفا بالممدوح بعد نعم أَو المذموم بعد بئس كَقَوْلِك فِي نعم الرجل زيد الرجل الممدوح زيد وَفِي بئس الْوَلَد الْعَاق أَبَاهُ الْوَلَد المذموم الْعَاق أَبَاهُ

(3/36)


وَإِلَّا أَي وَإِن وَقع غير مُخْتَصّ وَلَا صَحِيح الْإِخْبَار عَنهُ بِهِ بِأَن وَقع مباينا لَهُ (أول) كَقَوْلِه تَعَالَى: {بئس مثل الْقَوْم الَّذين كذبُوا} [الْجُمُعَة: 5] أَي (مثل الَّذين) حذف (مثل) الْمَخْصُوص وأقيم الَّذين مقَامه ويحذف الْمَخْصُوص (لدَلِيل) يدل عَلَيْهِ نَحْو: {نعم العَبْد} [ص: 5] أَي أَيُّوب ( {فَنعم الماهدون} [الذاريات: 48] أَي نَحن (وَقيل) إِنَّمَا يحذف إِن تقدم (ذكره) وَالْأَكْثَرُونَ على عدم اشْتِرَاطه (وتخلفه) إِذا حذف (صفته) وَهِي إِن كَانَت اسْما وفَاقا نَحْو نعم الرجل حَلِيم كريم أَي رجل حَلِيم فَإِن كَانَت فعلا نَحْو (نعم) الصاحب تستعين بِهِ فيعينك أَي (رجل) (فَمَمْنُوع أَو جَائِز أَو غَالب مَعَ مَا قَلِيل دونهَا أَقْوَال) الْأَكْثَر على الأول وَالْكسَائِيّ على الثَّانِي وَابْن مَالك على الثَّالِث وَأَقل مِنْهُ أَن يحذف الْمَخْصُوص وَصفته وَيبقى متعلقهما كَقَوْلِه: 1426 -
(بئس مقامُ الشَّيْخ أمْرِسْ أمْرِسِ ... )
أَي مقَام مقول فِيهِ أمرس أبقى مقول القَوْل
مَا ألحق ب (بئس)
(مَسْأَلَة) ألحق ببئس فِي الْعَمَل (سَاءَ) وفَاقا كَقَوْلِه تَعَالَى: {سَاءَ مثلا الْقَوْم} [الْأَعْرَاف: 177] وَقَوله: {بئس الشَّرَاب وَسَاءَتْ مرتفقا} [الْكَهْف: 29] وَقَوله: {سَاءَ مَا يحكمون} [الْأَنْعَام: 136] وَهِي فَرد من أَفْرَاد فعل الْآتِي لِأَنَّهَا فِي الأَصْل بِوَزْن (فعل) بِالْفَتْح متصرفة فحولت إِلَى (فعل) ومنعت التَّصَرُّف وَإِنَّمَا أفردت بِالذكر للاتفاق عَلَيْهَا كَمَا قَالَه فِي سبك المنظوم (و) ألحق (بهما) أَي بنعم فِي الْمَدْح وَبئسَ فِي الذَّم عملا (فعل) بِضَم الْعين (وَصفا) ككرم وظرف وَشرف (أَو مصوغا) محولا (من ثلاثي) مَفْتُوح أَو مكسور كعقل ونجس

(3/37)


ثمَّ إِن كَانَ معتل الْعين لزم قَلبهَا ألفا نَحْو قَالَ الرجل زيد وَبَاعَ الرجل زيد أَو اللَّام ظَهرت الْوَاو وقلبت الْيَاء واوا نَحْو غَزْو ورمو وَقيل يقر على حَاله فَيُقَال رمى وغزا وَمن المسموع قَوْلهم لقضو الرجل فلَان أَي نعم القَاضِي هُوَ وَمَا ذكر من اشْتِرَاط كَون الصَّحِيح مِنْهُ ثلاثيا كالتسهيل زَاد عَلَيْهِ (خطاب) فِي الترشيح أَن يكون مِمَّا يَبْنِي مِنْهُ التَّعَجُّب فَلَا يصاغ من الألوان والعاهات كَمَا لَا يصاغ من الرباعي اسْتغْنَاء بأفعل الْفِعْل فعله نَحْو أَشد الْحمرَة حمرته وأسرع الانطلاق انطلاقه فأفعل مُضَاف مُبْتَدأ خَبره الْجُزْء الْأَخير وَرجحه أَبُو حَيَّان (وَقيل إِلَّا علم وَجَهل وَسمع) فَلَا تحول إِلَى فعل بل يسْتَعْمل اسْتِعْمَاله بَاقِيَة على حَالهَا قَالَه الْكسَائي (قيل) وَيلْحق فعل الْمَذْكُور (بصيغتي التَّعَجُّب) أَيْضا حكى الْأَخْفَش ذَلِك عَن الْعَرَب فَيُقَال حسن الرجل زيد بِمَعْنى مَا أحْسنه (فيصدر بلام) نَحْو لكرم الرجل زيد بِمَعْنى مَا أكْرمه قَالَ خطاب وَهِي لَام قسم (وَلَا تلْزم أل فَاعله) بل تكون معرفَة ونكرة وتلحق الْفِعْل العلامات نَحْو لكرم زيد وَهِنْد لكرمت والزيدان لكرما رجلَيْنِ والزيدون لكرموا رجَالًا يُرِيد مَا أكْرم بِخِلَافِهِ خَال اسْتِعْمَاله كنعم فَلَا تلْزمهُ اللَّام بل يجوز إدخالها وَتركهَا وَلَا يكون فَاعله إِلَّا كفاعل نعم
حبذا
(مَسْأَلَة) كنعم فِي الْعَمَل وَفِي الْمَعْنى مَعَ زِيَادَة أَن الممدوح بهَا مَحْبُوب للقلب (حبذا وَأَصله حبب) بِالضَّمِّ أَي صَار حبيبا لَا من حبب بِالْفَتْح (ثمَّ) أدغم فَصَارَ (حب) وَالأَصَح أَن (ذَا) فَاعله فَلَا تتبع وَتلْزم الْإِفْرَاد والتذكير وَإِن كَانَ الْمَخْصُوص بِخِلَاف ذَلِك كَقَوْلِه:

(3/38)


1427 -
(يَا حبّذا جَبَلُ الرّ يان من جبل ... وحبَّذَا ساكِنُ الرَّيَان مَنْ كَانَا)

(وحبّذا نَفَحاتٌ من يمانِيةٍ ... تَأْتِيك من قبل الرَّيّان أَحْيَانًا)
وَقَوله: 1428 -
(حبَّذا أنْتُما خلِيليَّ إنْ لَمْ ... تَعذُلانِي منْ دَمْعِيَ المهراق)
وَقَوله: 1429 -
(أَلا حَبَّذا هِندٌ وأرْضٌ بهَا هِنْد ... )
وَإِنَّمَا الْتزم ذَلِك (لِأَنَّهُ كالمثل) والأمثال لَا تغير كَمَا يُقَال (الصَّيف ضيعت اللَّبن) بِكَسْر التَّاء وَإِن كَانَ الْخطاب لغير مؤنث أَو لِأَنَّهُ على حذف وَالتَّقْدِير فِي (حبذا هِنْد) مثلا (حبذا حسن هِنْد) و (حبذا زيد) (حبذا أمره وشأنه) فالمقدر الْمشَار إِلَيْهِ مُذَكّر مُفْرد حذف وأقيم الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه أَو لِأَنَّهُ على إِرَادَة جنس شَائِع فَلم يخْتَلف كَمَا لم يخْتَلف فَاعل نعم إِذا كَانَ ضميرا هَذِه أَقْوَال الْأَكْثَر على الأول وَنسب للخليل وسيبويه وَابْن كيسَان على الثَّانِي والفارسي على الثَّالِث (وَقَالَ دريود (ذَا) زَائِدَة) وَلَيْسَت اسْما مشارا بِهِ بِدَلِيل حذفهَا من قَوْله:

(3/39)


1430 -
(وحبَّ دِينا ... )
وَقيل صَارَت بالتركيب مَعَ (حب) فعلا فَاعله الْمَخْصُوص كَقَوْلِهِم فِيمَا حكى لَا حبذه قَالَه الْمبرد وَالْأَكْثَرُونَ وَلعدم الْفَصْل بَين (حب) و (ذَا) وَلعدم تصرف (ذَا) بِحَسب الْمشَار إِلَيْهِ ورد بِجَوَاز حذف الْمَخْصُوص وَالْفَاعِل لَا يحذف (وَقيل الْكل اسْم وَاحِد) وَاحِد مركب قَالَه الْمبرد وَالْأَكْثَرُونَ وَاخْتَارَهُ ابْن عُصْفُور لإكثار الْعَرَب من دُخُولهَا عَلَيْهَا من غير استيحاش وَلعدم الْفَصْل بَين (حب) و (ذَا) وَلعدم تصرف (ذَا) بِحَسب الْمشَار إِلَيْهِ وعَلى هَذَا هُوَ مَرْفُوع وفَاقا ثمَّ هَل هُوَ (مُبْتَدأ خَبره الْمَخْصُوص أَو عَكسه) أَي خبر مبتدؤه الْمَخْصُوص (قَولَانِ) الْمبرد على الأول والفارسي على الثَّانِي (وعَلى الأول) وَهُوَ القَوْل بِأَن ذَا فَاعل (هُوَ) الْمَخْصُوص (مبتدؤها) أَي الْجُمْلَة فَهِيَ خبر عَنهُ والرابط ذَا أَو الْعُمُوم إِن قُلْنَا أُرِيد الْجِنْس (أَو مُبْتَدأ مَحْذُوف الْخَبَر أَو عَكسه) أَي خبر مَحْذُوف الْمُبْتَدَأ وجوبا وَكَأَنَّهُ قيل من المحبوب فَقَالَ زيد أَي هُوَ (أَو بدل) من ذَا لَازم التّبعِيَّة (أَو عطف بَيَان) وَعَلِيهِ (أَقْوَال) الْأَكْثَرُونَ على الأول وعَلى الثَّانِي الصَّيْمَرِيّ وَابْن مَالك على الثَّالِث وَابْن كيسَان على الرَّابِع قَالَ ابْن مَالك وَالْحكم عَلَيْهِ بالخبرية هُنَا أسهل مِنْهُ فِي بَاب (نعم) لِأَن مصعبه هُنَا نَشأ من دُخُول نواسخ الِابْتِدَاء وَهِي لَا تدخل هُنَا لِأَن حبذا جَار مجْرى الْمثل ورد كَونه مُبْتَدأ حذف خَبره أَو عَكسه بِأَنَّهُ يجوز حذف الْمَخْصُوص فَيلْزم حذف الْجُمْلَة بأسرها من غير دَلِيل

(3/40)


ورد عطف الْبَيَان بمجيئه نكرَة وَاسم الْإِشَارَة معرفَة كَمَا فِي قَوْله: 1431 -
(وحبَّذا نفحات ... )
ورد الْبَدَل بِأَنَّهُ على نِيَّة تكْرَار الْعَامِل وَهُوَ لَا يَلِي حب وَأجِيب بِعَدَمِ اللُّزُوم بِدَلِيل (أَنَّك أَنْت) (وَلَا تقدم) مَخْصُوص حبذا عَلَيْهَا وَإِن جَازَ تَقْدِيمه على (نعم) بقلة لِأَنَّهَا فرع عَنْهَا فَلَا تساويها فِي تصرفاتها وَلِأَنَّهَا جَارِيَة مجْرى الْمثل وَلِئَلَّا يتَوَهَّم من قَوْلك مثلا (زيد حبذا) كَون المُرَاد الْإِخْبَار بِأَن زيدا أحب ذَا وَإِن كَانَ توهما بَعيدا (وحذفه) اسْتغْنَاء بِمَا دلّ عَلَيْهِ كَقَوْلِه: 1432 -
(فحبذا ربًّا وحبّ دِينا ... )
أَي رَبًّا الْإِلَه وَقَوله: 1433 -
(أَلا حبّذا لَوْلَا الحياءُ وربّما ... مَنَحْتُ الهوَى من لَيْس بالمتقارب)
أَي حبذا حالتي مَعَك (وَيجوز فَصله) من حبذا (بِنِدَاء) كَقَوْل كثير: 1434 -
(أَلا حبذا يَا عَزُّ ذَاك التّسَاتُرُ ... )
(و) يجوز (كَونه) اسْم (إِشَارَة) كَقَوْل كثير الْمَذْكُور وَقَول الآخر

(3/41)


1435 -
(فيا حبّذا ذَاك الحبيبُ المُبَسْمِلُ ... )
(وَيكون قبله) أَي الْمَخْصُوص (أَو بعده نكرَة مَنْصُوبَة بمطابقة مَا) كَقَوْلِه: 1436 -
(أَلا حبّذا قوَماً سُلَيْمٌ فإِنّهُمْ ... )
وَقَوله: 1437 -
(حبذا الصَّبْرُ شِيمَة لامرئ رام ... مُباراةَ مُولَعٌ بالمعَالي)
وَيُقَال حبذا رجلَيْنِ الزيدان ورجالا الزيدون وَنسَاء الهندات وَكَذَا مُؤَخرا (فثالثها) أَي الْأَقْوَال فِيهِ (إِن كَانَ مشتقا) فَهُوَ (حَال وَإِلَّا) بِأَن كَانَ جَامِدا فَهُوَ (تَمْيِيز) وَقَالَ الْأَخْفَش والفارسي والربعي حَال مُطلقًا وَقَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء تَمْيِيز مُطلقًا (وَرَابِعهَا) قَالَه أَبُو حَيَّان (الْمُشْتَقّ إِن أُرِيد تقيد الْمَدْح بِهِ حَال وَغَيره) وَهُوَ الجامد والمشتق الَّذِي لم يرد بِهِ ذَلِك بل تَبْيِين حسن المبالغ فِي مدحه (تَمْيِيز) مِثَال الأول وَلَا يَصح دُخُول (من) عَلَيْهِ (حبذا هِنْد مُوَاصلَة) أَي فِي حَال مواصلتها وَالثَّانِي وَتدْخل عَلَيْهِ (من) حبذا زيد رَاكِبًا

(3/42)


(وخامسها) قَالَه فِي الْبَسِيط إِنَّه مَنْصُوب ب (أَعنِي) مضمرا فَهُوَ مفعول لَا حَال وَلَا تَمْيِيز قَالَه أَبُو حَيَّان وَهُوَ غَرِيب ثمَّ الأولى التَّأْخِير عِنْد الْفَارِسِي والتقديم عِنْد ابْن مَالك وَقَالَ الْجرْمِي وَابْن خروف هما سَوَاء فِي الْحَال ثمَّ قَالَ الْجرْمِي تَقْدِيم التَّمْيِيز فِيهِ قَبِيح وَقَالَ ابْن خروف حسن وَقَالَ أَبُو حَيَّان الْأَحْسَن تَقْدِيم التَّمْيِيز وَكَذَا الْحَال إِن كَانَت من (ذَا) وَإِن كَانَت من الْمَخْصُوص فالتأخير (وتؤكد حبذا) توكيداً (لفظيا) كَقَوْلِه: 1438 -
(أَلا حبّذا حَبّذا حبّذا ... حبيبٌ تَحمّلْتُ مِنْهُ الْأَذَى)
(وَتدْخل عَلَيْهِ لَا فتساوي بئس فِي) الْعَمَل وَالْمعْنَى مَعَ زِيَادَة مَا تقدم نَظِيره فِي حبذا كَقَوْلِه: 1439 -
(لَا حبّذا أنتِ يَا صنعاءُ من بلد ... )
وَقَوله: 1440 -
(وَلَا حبّذا الجاهِلُ العاذِلُ ... )

(3/43)


وَقَوله: 1441 -
(أَلا حبذا أهْلُ الملا غَيْرَ أنّهُ ... إِذا ذُكِرَتْ مَيٌّ فَلَا حبّذا هِيا)
وَقَالَ أَبُو حَيَّان وَدخُول (لَا) على حبذا لَا يَخْلُو من إِشْكَال لِأَنَّهُ إِن قدر (حب) فعلا و (ذَا) فَاعله أَو حبذا كلهَا فعلا ف (لَا) لَا تدخل على الْمَاضِي غير الْمُتَصَرف وَلَا على الْمُتَصَرف إِلَّا قَلِيلا أَو كلهَا اسْما فَإِن قدر فِي مَحل نصب لم يَصح لِأَنَّهُ على الْعُمُوم نَحْو لَا رجل وَهُوَ هُنَا خُصُوص أَو رقع فَكَذَلِك لوُجُوب تكْرَار (لَا) حِينَئِذٍ (وتعمل) حبذا (فِيمَا عدا الْمصدر) كالظرف وَالْمَفْعُول لَهُ وَمَعَهُ نَحْو حبذا زيد إِكْرَاما لَهُ وحبذا عَمْرو لزيد بِخِلَاف الْمصدر إِذْ هِيَ غير متصرفة فَلَا مصدر لَهَا (وَتوقف أَبُو حَيَّان فِي) عَملهَا من غير (الْحَال والتمييز) وَقَالَ لَا يَنْبَغِي أَن يقدم عَلَيْهِ إِلَّا بِسَمَاع أما الْحَال والتمييز فتعلم فيهمَا وفَاقا (وتضم فَاء (حب) مُفْردَة) من (ذَا) بِنَقْل ضمة الْعين إِلَيْهَا كَمَا يجوز إبْقَاء الْفَتْح استصحابا نَحْو حب زيد وَحب دينا وَيجب الْإِبْقَاء إِذا فكت كإسناد (حب) إِلَى مَا سكن لَهُ آخر الْفِعْل نَحْو حببت يَا هَذَا (وَكَذَا فعل السَّابِق) الْمُسْتَعْمل كنعم وَبئسَ أَو تَعَجبا أصلا أَو تحولا يجوز نقل ضمة عينه إِلَى الْفَاء فتسكن كَقَوْلِه: 1442 -
(حُسْنَ فِعلاً لِقاءُ ذِي الثّروةِ المملق ... بالبشْر وَالعطَاء الجزيل)
وَقيد فِي التسهيل الْفَاء بِكَوْنِهَا حلقية قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا يخْتَص بذلك بل

(3/44)


كل فعل يجْرِي فِيهِ ذَلِك نَحْو لضرب الرجل بِضَم الضَّاد (وَيجوز جر فاعلهما) أَي (حب) المفردة وَفعل (بِالْبَاء) الزَّائِدَة تَشْبِيها بفاعل أفعل تَعَجبا كَقَوْلِه: 1443 -
(وحُبَّ بهَا مَقْتُولةً حِين تُقْتَلُ ... )

(3/45)


وَكَقَوْلِه: 1444 -
(حبَّ بالزَّوْر الَّذِي لَا يُرى ... مِنْهُ إلاّ صفحةٌ أَو لمامُ)
وَحكى الْكسَائي (مَرَرْت بِأَبْيَات جاد بِهن أبياتاً وجدن أبياتاً)
صيغتا التَّعَجُّب
(وَمِنْه) أَي الجامد (صيغتا التَّعَجُّب) وهما (مَا أفعل وأفعل) بِهِ (قَالَ الكوفية وأفعل) بِغَيْر (مَا) مُسندَة إِلَى الْفَاعِل نَحْو قَوْله: 1445 -
(فأبْرحْتَ فَارِسًا ... )
أَي مَا أبرحك فَارِسًا (وَبَعْضهمْ وأفعل من كَذَا) وَزعم الْفراء الأولى أَي مَا أفعل (اسْما) لكَونه لَا يتَصَرَّف ولتصغيره ولصحة عينه فِي قَوْلهم مَا أحيسنه وَقَوله: 1446 -
(يَا مَا أُميلح غِزْلاناً ... )
وَقَالُوا مَا أطوله كَمَا قَالُوا هُوَ أطول من كَذَا ورد بِأَن امْتنَاع التَّصَرُّف لكَونه غير مُحْتَاج إِلَيْهِ للزومه طَريقَة وَاحِدَة إِذْ معنى التَّعَجُّب لَا يخْتَلف باخْتلَاف الْأَزْمِنَة لَا يُنَافِي الفعلية ك (لَيْسَ) (وعس) وَبِأَن تصغيره وَصِحَّة عينه لشبهه بأفعل التَّفْضِيل وَقد صحت الْعين فِي أَفعَال كحول وعور

(3/46)


وَيدل للفعلية بِنَاؤُه على الْفَتْح ونصبه الْمَفْعُول الصَّرِيح وَلُزُوم نون الْوِقَايَة مَعَ الْيَاء (و) زعم ابْن الْأَنْبَارِي (الثَّانِيَة) أَي (أفعل بِهِ) اسْما لكَونه لَا تلْحقهُ الضمائر (وَجوز هِشَام الْمُضَارع من مَا أفعل) فَيُقَال مَا يحسن زيدا (ورد بِأَنَّهُ لم يسمع) (وَينصب المتعجب مِنْهُ بعد مَا أفعل مَفْعُولا بِهِ) على رَأْي غير الْفراء والهمزة فِيهِ للتعدية وَالْفَاعِل ضمير مستتر عَائِد على (مَا) مُفْرد مُذَكّر لَا يتبع بعطف وَلَا توكيد وَلَا بدل وعَلى رَأْيه نَصبه على حد نصب (الْأَب) فِي زيد كريم الْأَب وَالْأَصْل زيد أحسن من غَيره مثلا أَتَوا ب (مَا) على سَبِيل الِاسْتِفْهَام فنقلوا الصّفة من (زيد) وأسندوها إِلَى ضمير (مَا) وانتصب (زيد) ب (أحسن) فرقا بَين الْخَبَر والاستفهام وفتحة افْعَل على هَذَا قيل بِنَاء لتَضَمّنه معنى التَّعَجُّب وَقيل إِعْرَاب وَهُوَ خبر (مَا) بِنَاء على نصب الخبرية بِالْخِلَافِ عِنْد الْكُوفِيّين (وَالأَصَح أَن (مَا) مُبْتَدأ) خَبره مَا بعده وَقَالَ الْكسَائي لَا مَوضِع ل (مَا) من الْإِعْرَاب (و) الْأَصَح (أَنَّهَا نكرَة تَامَّة بِمَعْنى شَيْء خبرية قصد بهَا الْإِبْهَام ثمَّ الْإِعْلَام بإيقاع الْفِعْل على المتعجب مِنْهُ لاقْتِضَاء التَّعَجُّب ذَلِك (وَقيل) نكرَة (مَوْصُوفَة) بِالْفِعْلِ وَالْخَبَر مَحْذُوف وجوبا أَي شَيْء أحسن زيدا عَظِيم (وَقيل) استفهامية) دَخلهَا معنى التَّعَجُّب لإجماعهم على ذَلِك فِي أَي رجل زيد ورد بِأَن مثل ذَلِك لَا يَلِيهِ غَالِبا إِلَّا الْأَسْمَاء نَحْو: {فأصحاب الميمنة مَا أَصْحَاب الميمنة} [الْوَاقِعَة: 8] و (مَا) مُلَازمَة للْفِعْل وبأنها لَو كَانَت كَذَلِك جَازَ أَن يخلفها أَي كَمَا جَازَ ذَلِك فِي:

(3/47)


1447 -
(يَا سيدًا مَا أَنْت من سَيّد ... )
(وَقيل مَوْصُولَة صلتها الْفِعْل وَالْخَبَر مَحْذُوف وجوبا وَالتَّقْدِير الَّذِي أحسن زيدا عَظِيم (و) يجر المتعجب مِنْهُ (بعد أفعل بباء زَائِدَة لَازِمَة) لَا يجوز حذفهَا نَحْو أكْرم بزيد (وَقيل يجوز حذفهامع وَأَن) المصدريتين كَقَوْلِه: 1448 -
(وأحبب إِلَيْنَا أَن نَكونَ المُقدّما ... )
وَقَوله: 1449 -
(فأحْسِن وأزْين لامْرئ أنْ تسرْبَلا ... )
وَقَالَ بعض المولدين: 1450 -
(أَهْون عليَّ إِذا امتلأتَ من الْكرَى ... أَنِّي أَبيت بليلة الملْسُوع)
(وَالأَصَح أَنه خبر) معنى وَإِن كَانَ لَفظه الْأَمر للْمُبَالَغَة وَلَيْسَ بِأَمْر حَقِيقَة (فَمحل الْمَجْرُور) بعده (رفع فَاعِلا) والهمزة فِيهِ للصيرورة وَالْبَاء للتعدية وَلَا

(3/48)


ضمير فِي (أفعل) وَالتَّقْدِير فِي أحسن بزيد صَار زيد ذَا حسن كَقَوْلِهِم أبقلت الأَرْض أَي صَارَت ذَات بقل (وَقيل) هُوَ (أَمر) حَقِيقَة فَمحل الْمَجْرُور نصب على المفعولية والهمزة للنَّقْل كهي فِي (مَا أفعل) فالباء زَائِدَة وَاخْتلف على هَذَا فَالْأَصَحّ (فَاعله ضمير الْمصدر) الدَّال على الْفِعْل فَكَأَنَّهُ قيل يَا حسن أحسن بزيد أَي الزمه وَدم بِهِ وَلذَلِك وجد الْفِعْل على كل حَال (وَقيل) فَاعله ضمير (الْمُخَاطب) كَأَنَّك قلت أحسن يَا مُخَاطب بِهِ أَي احكم بحسنه وَلم يبرز فِي التَّأْنِيث والتثنية وَالْجمع لِأَنَّهُ جرى مجْرى الْمثل ولزمت الْبَاء فِي الْمَفْعُول ليَكُون لِلْأَمْرِ فِي معنى التَّعَجُّب حَال لَا يكون لَهُ فِي غَيره ورد كَونه أمرا بِأَنَّهُ مُحْتَمل للصدق وَالْكذب وَبِأَنَّهُ لَا يُجَاب بِالْفَاءِ وَبِأَنَّهُ يَلِيهِ ضمير الْمُخَاطب نَحْو أحسن بك وَلَا يجوز ذَلِك فِي الْأَمر لما فِيهِ من إِعْمَال فعل وَاحِد فِي ضميري فَاعل ومفعول لمسمى وَاحِد وَبِأَنَّهُ لَو كَانَ النَّاطِق بِهِ أمرا بالتعجب لم يكن مُتَعَجِّبا كَمَا لَا يكون الْأَمر بِالْحلف والنداء والتشبه حَالفا وَلَا مناديا وَلَا مشبها وَقد أجمع على أَنه متعجب قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَو ذهب ذَاهِب إِلَى أَن أفعل أَمر صُورَة خبر معنى وَالْفَاعِل فِيهِ ضمير يعود على الْمصدر الْمَفْهُوم فِي الْفِعْل والهمزة للتعدية وَالْمَجْرُور فِي مَوضِع مفعول لَكَانَ مذهبا فقولك أحسن بزيد مَعْنَاهُ أحسن هُوَ أَي الْإِحْسَان زيدا أَي جعله حسنا فيوافق معنى مَا أحسن زيدا قَالَ وَلَا يُنَافِي ذَلِك التَّصْرِيح بِالْخِطَابِ من يَا زيد أحسن بزيد لِأَن الْفَاعِل مُخَالف للمخاطب فَالْمَعْنى يَا زيد أحسن الْإِحْسَان زيدا أَي جعله حسنا كَمَا تَقول يَا زيد مَا أحسن زيدا أَي شَيْء جعله حسنا قَالَ وَيدل على أَن مَحل الْمَجْرُور نصب جَوَاز حذفه ونصبه بعد حذف الْبَاء فِي قَوْله:

(3/49)


1451 -
(فأبْعِد دَار مُرْتحل مزارا ... )
ويحذف المتعجب مِنْهُ مَعَ مَا أفعل (لدَلِيل) كَقَوْلِه: 1452 -
(جزى اللهُ عَنَّا والجزَاءُ بفَضْلِه ... ربيعَة خيرا مَا أعفَّ وأكْرَما)
أَي مَا أعفهم وَأكْرمهمْ وَفِي جَوَاز حذفه (مَعَ أفعل خلف) قَالَ سِيبَوَيْهٍ لَا يجوز وَقَالَ الْأَخْفَش وَقوم يجوز لقَوْله تَعَالَى: {أسمع بهم وَأبْصر} [مَرْيَم: 38] أَي بهم (وَقيل بل يحذف الْجَار فيستتر) الْفَاعِل فِي أفعل وَلَا يحذف ورد بِأَنَّهُ لَو كَانَ مستترا لبرز فِي التَّثْنِيَة وَالْجمع والتأنيث (وَلَا يكون المتعجب) مِنْهُ (إِلَّا مُخْتَصًّا) من معرفَة أَو قريب مِنْهَا بالتخصيص لِأَنَّهُ مخبر عَنهُ فِي الْمَعْنى (وَمنع الْفراء ذَا أل العهدية) نَحْو مَا أحسن القَاضِي تُرِيدُ قَاضِيا بَيْنك وَبَين الْمُخَاطب عهد فِيهِ وَأَجَازَهُ الْجُمْهُور (و) منع (الْأَخْفَش أيا الْمَوْصُول بالماضي) نَحْو مَا أحسن أَيهمْ قَالَ ذَاك وأجازها سَائِر الْبَصرِيين فَإِن وصلت بمضارع جَازَ اتِّفَاقًا (وَلَا يفصل) المتعجب مِنْهُ من أفعل وأفعل بِشَيْء لضعفهما بِعَدَمِ التَّصَرُّف فأشبها إِن وَأَخَوَاتهَا (إِلَّا بظرف ومجرور يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ) فَإِنَّهُ يجوز (على الصَّحِيح) توسعهم فيهمَا ولجواز الْفَصْل بهما بَين إِن ومعمولها وَلَيْسَ فعل التَّعَجُّب بأضعف مِنْهَا ولكثرة وُرُوده كَقَوْلِه: (مَا أحسن فِي الهيجاء لقاءها) وَقَوله:

(3/50)


1453 -
(وأحْبب إِلَيْنَا أَن تكون المقدّما ... )
وَقيل لَا يجوز الْفَصْل بهما أَيْضا وَعَلِيهِ أَكثر الْبَصرِيين وَنسب إِلَى سِيبَوَيْهٍ (وَثَالِثهَا قَبِيح) أَي جوز على قبح قَالَ أَبُو حَيَّان وَمحل الْخلاف فِيمَا إِذا لم يتَعَلَّق بالمعمول ضمير يعود على الْمَجْرُور فَإِن تعلق وَجب تَقْدِيم الْمَجْرُور كَقَوْلِهِم مَا أحسن بِالرجلِ أَن يصدق وَقَوله: 1454 -
(خَلِيليَّ مَا أحرَى بِذِي اللُّب أَن يُرَى ... صبوراً وَلَكِن لَا سَبيلَ إِلَى الصّبر)
أما مَا لَا يتَعَلَّق مِنْهُمَا بِالْفِعْلِ فَلَا يجوز الْفَصْل بِهِ وفَاقا نَحْو مَا أحسن بِمَعْرُوف أمرا (وَجوزهُ الْجرْمِي وَهِشَام بِالْحَال) أَيْضا نَحْو مَا أحسن مُقبلا زيدا (وَزَاد الْجرْمِي أَو الْمصدر) نَحْو مَا أحسن إحسانا زيدا وَالْجُمْهُور على الْمَنْع فيهمَا (و) جوزه (ابْن مَالك بالنداء) كَقَوْل عَليّ: (أعزز عَليّ أَبَا الْيَقظَان أَن أَرَاك صَرِيعًا مجدلا) (و) جوزه (ابْن كيسَان بلولا) الامتناعية نَحْو مَا أحسن لَوْلَا بخله زيدا قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا حجَّة لَهُ على ذَلِك (وَلَا يقدم مَعْمُول) لفعل التَّعَجُّب (على الْفِعْل وَلَا) على (مَا) وَإِن جَازَ ذَلِك فِي غير هَذَا الْبَاب لعدم تصرفه وَلِأَن الْمَجْرُور من أفعل عِنْد الْجُمْهُور فَاعل وَالْفَاعِل لَا يجوز تَقْدِيمه

(3/51)


(وَلَا يفصل بَينهمَا) أَي بَين (مَا) وأفعل (بِغَيْر كَانَ) أما كَانَ الزَّائِدَة فَيجوز الْفَصْل نَحْو مَا كَانَ أحسن زيدا (وَالْأَكْثَر) على أَن فعل التَّعَجُّب (يدل على الْمَاضِي الْمُتَّصِل) بِالْحَال فَإِذا أُرِيد الْمَاضِي الْمُنْقَطع أُتِي بكان أَو المتستقبل أُتِي بيكون (وَقيل) إِنَّمَا يدل على (الْحَال) دون الْمُضِيّ حُكيَ عَن الْمبرد (وَقيل) يدل على (الثَّلَاثَة) الْحَال والماضي والاستقبال ويقيد فِي الْمُضِيّ بكان وَأمسى وَفِي الْحَال بالآن وَفِي الِاسْتِقْبَال بيكون وَنَحْوه من الظروف الْمُسْتَقْبلَة كَقَوْلِه تَعَالَى: {أسمع بهم وَأبْصر يَوْم يأتوننا} [مَرْيَم: 38] قَالَه ابْن الْحَاج (ويجر مَا يتَعَلَّق بهما إِن كَانَ فَاعِلا معنى بإلى) نَحْو مَا أحب زيدا إِلَى عَمْرو وَمَا أبغضه إِلَى بكر وَالْأَصْل أحب عَمْرو زيدا وَأبْغض بكر زيدا (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن فَاعِلا معنى (فَإِن أفهم علما أَو جهلا فبالياء) يجر نَحْو مَا أعرف زيدا بالفقه وَمَا أبْصر عمرا بالنحو وأجهل خَالِدا بالشعر (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يفهم ذَلِك (فَإِن تعدى بِحرف فِيهِ) يجر نَحْو مَا أعز زيدا عَليّ وَمَا أزهده فِي الدُّنْيَا (وَإِلَّا) بِأَن تعدى بِنَفسِهِ (فباللام) يجر نَحْو مَا أضْرب زيدا لعَمْرو (ويقتصر على الْفَاعِل) فِي بَابي كسا وَظن فَيُقَال مَا أكسى زيدا وَمَا أعْطى عمرا وَمَا أَظن خَالِدا بِحَذْف المفعولين (ويستغنى بجر أحد مفعولي الأول) أَي بَاب كسا بِاللَّامِ عَن ذكر الآخر نَحْو مَا أكساه لعَمْرو وَمَا أكساه للثياب وَلَا يفعل ذَلِك فِي بَاب ظن وَإِن جمع بَينهمَا فَالثَّانِي منتصب بمضمر نَحْو مَا أعْطى زيدا لعَمْرو الدَّرَاهِم وَمَا أكساه للْفُقَرَاء الثِّيَاب (خلافًا للكوفية) فِي الْأَمريْنِ أَي قَوْلهم بِجَوَاز ذكرهمَا فِي بَاب كسا على أَن الثَّانِي مَنْصُوب بِفعل التَّعَجُّب وبجواز مثل ذَلِك فِي بَاب ظن إِذا أَمن اللّبْس نَحْو مَا أَظن زيدا لبكر صديقا فَإِن خيف أَدخل اللَّام عَلَيْهِمَا نَحْو مَا أَظن زيدا لأخيك لأَبِيك وَالْأَصْل ظن أَخَاك أَبَاك

(3/52)


قَالَ أَبُو حَيَّان هَذَا تَحْرِير النَّقْل فِي الْمَسْأَلَة وخلط ابْن مَالك فَنقل عَن الْبَصرِيين تساوى الحكم فِي بَاب كسا وَظن وَعَن الْكُوفِيّين نصب الثَّانِي بِفعل التَّعَجُّب بِلَا تَفْصِيل
بعض صِيغ التَّعَجُّب الَّتِي لم تبوب فِي النَّحْو
مَسْأَلَة (من مفهم التَّعَجُّب) الَّذِي لَا يبوب لَهُ فِي النَّحْو قَوْلهم (سُبْحَانَ الله) وَفِي الحَدِيث:
(سُبْحَانَ الله إِن الْمُؤمن لَا ينجس) (لله دره) قَالَ فِي الصِّحَاح أَي عمله وأصل الدّرّ اللَّبن (حَسبك بزيد رجلا) وَيجوز حذف (من) فِي رجل (يَا لَك من ليل) وَيجوز حذف (من) وَالنّصب (إِنَّك من رجل) لعالم وَلَا يجوز حذف (من) مِنْهُ (مَا أَنْت جَارة) بِالنّصب على التَّمْيِيز وَيجوز إِدْخَال (من) (واها لَهُ ناهيا) وَمن ذَلِك لَا إِلَه إِلَّا الله سُبْحَانَ الله من هُوَ أَو رجلا ويله رجلا وَكَفاك بِهِ رجلا وَالْعَظَمَة لله من رب واعجبوا لزيد رجلا أَو من جرل وكاليوم رجلا وكالليلة قمرا وكرما وصلفا وَيَا للْمَاء يَا للدواهي وَيَا حسنه رجلا وَيَا طيبها من لَيْلَة لله لَا يُؤَخر الْأَجَل (و) من ذَلِك (كَيفَ وَمن وَمَا وَأي فِي الِاسْتِفْهَام) نَحْو: {كَيفَ تكفرون بِاللَّه} [الْبَقَرَة: 28] {عَم يتساءلون} [النبأ: 1] {الحاقة مَا الحاقة} [الحاقة: 1، 2] {لأي يَوْم أجلت} [المرسلات: 12]

(3/53)