همع الهوامع في شرح جمع الجوامع

3 - التوكيد
أَي هَذَا مبحثه وَهُوَ مصدر وكد والتأكيد مصدر أكد لُغَتَانِ قَالَ ابْن مَالك وَهُوَ تَابع يقْصد بِهِ كَون الْمَتْبُوع على ظَاهره وَهُوَ قِسْمَانِ فَالْأول معنوي بِأَلْفَاظ محصورة فَلَا يحْتَاج إِلَى حد فَمِنْهُ لدفع توهم الْمجَاز من حذف مُضَاف أَو غَيره أَو السَّهْو أَو النسْيَان النَّفس وَالْعين بِمَعْنى الذَّات مضافين لضمير الْمُؤَكّد المطابق لَهُ فِي الْإِفْرَاد والتذكير وفروعهما نَحْو جَاءَ زيد نَفسه وَهِنْد نَفسهَا والزيدان أَو الهندان أَنفسهمَا والزيدون أنفسهم والهندات أَنْفسهنَّ فَإِن أكد مثنى فجمعهما أفْصح من الْإِفْرَاد كَمَا تقدم وَيجوز الزيدان نفسهما بِالْإِفْرَادِ وَجوز ابْن مَالك وَولده تثنيتهما فَيُقَال نفساهما وَمنع ذَلِك أَبُو حَيَّان وَقَالَ إِنَّه غلط لم يقل بِهِ أحد من النَّحْوِيين وَإِنَّمَا منع أَو قل لكَرَاهَة اجْتِمَاع تثنيتين فِيمَا هُوَ كالكلمة الْوَاحِدَة واختير الْجمع على الْإِفْرَاد لِأَن التَّثْنِيَة جمع فِي الْمَعْنى وَلَا يؤكدان غَالِبا ضمير رفع مُتَّصِلا مستترا أَو بارزا إِلَّا بفاصل مَا نَحْو قُم أَنْت نَفسك وَقمت أَنْت نَفسك وقاما هما نفسهما وعلته أَن تَركه يُؤَدِّي إِلَى اللّبْس فِي بعض الصُّور نَحْو هِنْد ذهبت نَفسهَا أَو عينهَا لاحْتِمَال أَن يظنّ أَنَّهَا مَاتَت أَو عميت واحترزت بقول (غَالِبا) كَمَا فِي (التسهيل) عَمَّا ذكره الْأَخْفَش من أَنه يجوز على ضعف (قَامُوا أنفسهم) وأشرت ب (فاصل مَا) إِلَى أَنه لَا يشْتَرط كَونه ضميرا فَيجوز (هَلُمَّ لكم أَنفسكُم) بِلَا خلاف اكْتِفَاء بِفضل (لكم) وَيجوز جرهما أَي النَّفس وَالْعين بِالْبَاء الزَّائِدَة نَحْو جَاءَ زيد بِنَفسِهِ أَو بِعَيْنِه وَجعل مِنْهُ بَعضهم {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [الْبَقَرَة: 228] وَلَا يجوز ذَلِك فِي غَيرهمَا من أَلْفَاظ التَّأْكِيد

(3/164)


وَمِنْه للشمول وَرفع توهم إِطْلَاق الْبَعْض على الْكل فِي الْمثنى كلا وكلتا وَفِي غَيره أَي الْجمع وَمَا فِي مَعْنَاهُ كل وَجَمِيع وَعَامة مُضَافَة كلهَا إِلَى الضَّمِير المطابق للمؤكد وَأجْمع وأكتع وأبصع وأبتع وَمن ثمَّ أَي من هُنَا وَهُوَ كَون هَذِه الْأَلْفَاظ دَالَّة على الشُّمُول أَي من أجل ذَلِك لم يُؤَكد بالأولين أَي كلا وكلتا مَا لَا يصلح مَوْضِعه (وَاحِد) فَلَا يُقَال اخْتصم الرّجلَانِ كِلَاهُمَا وَلَا رَأَيْت أحد الرجلَيْن كليهمَا وَلَا المَال بَين الرجلَيْن كليهمَا لعدم الْفَائِدَة إِذْ لَا يحْتَمل فِي ذَلِك أَن يُرَاد بِالرجلَيْنِ أَحدهمَا حَتَّى يحْتَاج إِلَى التَّأْكِيد لدفعه وَلِأَنَّهُ لم يسمع من الْعَرَب قطّ وَيدل لَهُ أَنهم لَا يؤكدون فعل التَّعَجُّب بِالْمَصْدَرِ لِأَن التَّأْكِيد لرفع توهم الْمجَاز فِي الْفِعْل وإثباته حَاصِل لكَونه حَقِيقَة إِذْ لَا يتعجب من وصف شَيْء إِلَّا وَذَلِكَ الْوَصْف ثَابت لَهُ فَكَمَا رفضوا تأكيده بِالْمَصْدَرِ رفضوا تَأْكِيد مَا ذكر لما كَانَ الْمجَاز لَا يدْخلهُ خلافًا لِلْجُمْهُورِ فِي تجويزهم ذَلِك قَالُوا لِأَن الْعَرَب قد تؤكد حَيْثُ لَا يُرَاد رفع الِاحْتِمَال كَمَا أَتَوا بأجمع وأكتع بعد كل وَلَا احْتِمَال يرفع بهما لرفعه بِكُل وَالْجَوَاب كَمَا قَالَ أَبُو حَيَّان أَن الْمَعْنى إِذا كَانَ يفِيدهُ اللَّفْظ حَقِيقَة فَلَا حَاجَة للفظ آخر يؤكده إِلَّا إِذا قوي بِرِوَايَة عَن الْعَرَب وَقد ذكرنَا أَن ذَلِك لم يسمع وَمن ثمَّ أَيْضا لَا يُؤَكد بالبواقي أَي كل وَمَا بعده غير ذِي أَجزَاء وَلَو حكما إِذا مَا لَا يتَجَزَّأ لَا يتَوَهَّم فِيهِ عدم الشُّمُول حَتَّى يرفع بالتوكيد بهَا فَلَا يُقَال جَاءَ زيد كُله وَيُقَال قبضت المَال كُله وبعت العَبْد كُله وَرَأَيْت زيدا كُله لِإِمْكَان رُؤْيَة وَبيع بعض زيد وَالْعَبْد وَأنكر الْمبرد عَامَّة وَقَالَ إِنَّمَا هِيَ بِمَعْنى أَكثر وَلم يذكر أَكثر النُّحَاة (جَمِيعًا) قَالَ ابْن مَالك سَهوا أَو جهلا وَقَالَ قد نبه سِيبَوَيْهٍ على أَنَّهَا بِمَنْزِلَة (كل) معنى واستعمالا وَلم يذكر لَهُ شَاهدا وَقد وجدت لَهُ شَاهدا وَهُوَ قَول امْرَأَة من الْعَرَب ترقض ابْنهَا

(3/165)


1553 -
(فِدَاكَ حَيُّ خَوْلانَ ... جَميعُهُم وهَمْدانْ)

(وكُلُّ آل قَحْطانْ ... والأكرمَون عَدْنَانْ)
انْتهى قَالَ أَبُو حَيَّان وَمِمَّنْ نقلهَا عَن سِيبَوَيْهٍ صَاحب (الإفصاح) وَجوز الكوفية والزمخشري الِاسْتِغْنَاء بنية الْإِضَافَة فِي كل عَن التَّصْرِيح بهَا ومثلوا بقوله تَعَالَى {إِنَّا كُلاًّ فِيهَا} [غَافِر: 48] أَي كلنا وخرجه غَيرهم على أَنه حَال أَبُو بدل من الضَّمِير وَعلل ابْن مَالك الْمَنْع بِأَن أَلْفَاظ التوكيد ضَرْبَان مُصَرح بإضافته إِلَى ضمير الْمُؤَكّد وَهُوَ النَّفس وَالْعين وكل وَجَمِيع وَعَامة ومنوي فِيهِ تِلْكَ وَهُوَ أجمع وأخواته وَقد أجمعنا على أَن الْمَنوِي الْإِضَافَة لَا يسْتَعْمل مُضَافا صَرِيحًا وعَلى أَن غير (كل) من الصَّرِيح الْإِضَافَة لَا يسْتَعْمل منويها فتجويز ذَلِك فِي (كل) مُسْتَلْزم عدم النظير فِي الضربين وَجوز ابْن مَالك إضافتها أَي كل إِلَى ظَاهر مثل الْمُؤَكّد وَاسْتدلَّ بقوله 1554 -
(يَا أشْبَهَ النَّاس كلِّ بالقمر ... )

(3/166)


وَقَوله 1555 -
(وأبْعَدُ النَّاس كلِّ النَّاس من عَار ... )
قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا حجَّة فِي ذَلِك لِأَنَّهُ فِيهِ نعت لَا توكيد أَي النَّاس الكاملين فِي الْحسن وَالْفضل كَمَا قَالَ ابْن مَالك فِي قَوْلك مَرَرْت بِالرجلِ كل الرجل أَنه نعت بِمَعْنى الْكَامِل وَيتبع كلهَا جَمْعَاء وَكلهمْ أَجْمَعُونَ نَحْو {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ} [الْحجر: 30] وكلهن جمع وَكَذَا الْبَوَاقِي أَي كتعاء وأكتعون وكتع وَكَذَا فِي أبضع وأبتع وَيجب ترتيبها إِذا اجْتمعت بِأَن يُقَال كُله أجمع أَكْتَع أبصع أبتع وَكَذَا الْفُرُوع وَتقدم النَّفس على الْعين وهما على (كل) فِي الْأَصَح لِأَنَّهَا تَوَابِع وَقيل لَا يجب التَّرْتِيب بل يحسن وَثَالِثهَا لَا يجب فِيمَا بعد أجمع لاستوائها وَيجب فِيهَا مَعَ أجمع وَمَا قبله وَهُوَ رَأْي ابْن عُصْفُور وَالْجُمْهُور على أَنه لَا يُؤَكد بهَا أَي بأكتع وَمَا بعده دونه أَي دون أجمع لِأَنَّهَا تَوَابِع وَجوزهُ الْكُوفِيُّونَ وَابْن كيسَان وَاسْتَدَلُّوا بقوله 1556 -
(تحمِلني الذلفاءُ حَوْلا أكتعا ... )
وَقَوله

(3/167)


1557 -
(وسائِرُهُ بادٍ إِلَى الشَّمْس أكتعُ ... )
وَقَوله 1558 -
(تَولّوا بالدَّوابر واتّقَوْنا ... بنُعْمان بن زُرْعَةَ أكْتَعِينا)
والأولون قَالُوا هُوَ ضَرُورَة وَفِيه نظر لِإِمْكَان الْإِتْيَان بدله بِلَفْظ (أجمع) وَالْجُمْهُور على أَنه لَا يُؤَكد بِهِ أَي بأجمع دون كل اخْتِيَارا وَالْمُخْتَار وفَاقا لأبي حِين جَوَازه لِكَثْرَة وُرُوده فِي الْقُرْآن وَالْكَلَام الفصيح كَقَوْلِه تَعَالَى {ولأغوينهم أَجْمَعِينَ} [الْحجر: 39] {وَإِن جَهَنَّم لموعدهم أَجْمَعِينَ} [الْحجر: 43] {لأَملأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ} [هود: 119] وَفِي الصَّحِيح (فَلهُ سلبه أجمع) (فصلوا جُلُوسًا أَجْمَعِينَ) قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا يُقَال دَلِيل الْمَنْع وجوب تَقْدِيم (كل) عِنْد الِاجْتِمَاع لِأَن النَّفس يجب تَقْدِيمهَا على الْعين إِذا اجْتمعَا وَيجوز التَّأْكِيد بِالْعينِ على الِانْفِرَاد وَهِي أَي أجمع وأخواته معارف بالِاتِّفَاقِ وَلِهَذَا جرت على الْمعرفَة ثمَّ اخْتلف فِي سَبَب تَعْرِيفهَا فَقيل هُوَ بنية الْإِضَافَة إِلَى الضَّمِير إِذْ أصل رَأَيْت النِّسَاء جمع جَمِيعهنَّ فَحذف الضَّمِير للْعلم بِهِ وعزي إِلَى سِيبَوَيْهٍ وَاخْتَارَهُ السُّهيْلي وَابْن مَالك وَقيل بالعلمية لِأَنَّهَا أَعْلَام للتوكيد علقت على معنى الْإِحَاطَة بِمَا يتبعهُ كأسامة وَنَحْوه من أَعْلَام الْأَجْنَاس وَهَذَا قَول صَاحب البديع وَغَيره وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب وَصَححهُ أَبُو حَيَّان قَالَ وَيُؤَيِّدهُ أَنه لم يصرف وَلَيْسَ بِصفة وَلَا شبهها

(3/168)


وَمَا منع وَلَيْسَ كَذَلِك وَهُوَ معرفَة فالمانع فِيهِ هُوَ تَعْرِيف العلمية فَإِنَّهُ جمع بِالْوَاو وَالنُّون وَلَا يجمع من المعارف بهما إِلَّا الْعلم خَاصَّة وَمن ثمَّ أَي من هُنَا وَهُوَ كَونهَا معارف أَي من أجل ذَلِك لم تصرف أما على العلمية فَوَاضِح إِذْ مَعهَا فِي (أجمع) الْوَزْن وَفِي (جمع) الْعدْل عَن (فعلاوات) الَّذِي يسْتَحقّهُ فعلاء مؤنث أفعل الْمَجْمُوع بِالْوَاو وَالنُّون وَأما على نِيَّة الْإِضَافَة فلشبه هَذَا التَّعْرِيف بالعلمية من حَيْثُ إِنَّه لَا أَدَاة لتعريفه لفظا وَإِن كَانَ على نِيَّة أل وَمن ثمَّ أَيْضا لم تنصب حَالا على الْأَصَح وَقيل نعم حكى الْفراء أعجبني الْقصر أجمع وَالدَّار جَمْعَاء وَقيل يجوز نصب أجمع وجمعاء دون أَجْمَعِينَ وَجمع وَاسْتدلَّ ابْن مَالك لجوازه بِحَدِيث الصَّحِيحَيْنِ (فصلوا جُلُوسًا أَجْمَعِينَ) ثمَّ أَكْتَع مَأْخُوذ مَعَ تكتع الْجلد أَي تقبض والتقبض فِيهِ معنى التجمع وأبصع وَهُوَ بالصَّاد الْمُهْملَة على الْمَشْهُور من قَوْلهم (إِلَى مَتى تكرع وَلَا تبصع) أَي لَا تروى وَفِيه معنى الْغَايَة والبتع طول الْعُنُق وَقد جَاءَ أجمع لغير التوكيد قَالُوا جَاءُوا بأجمعهم وجمعاء بِمَعْنى مجتمعة فَلَا تفيده كَحَدِيث
(كَمَا تنْتج الْبَهِيمَة بَهِيمَة جَمْعَاء) أَي مجتمعة الْخلق وَلَا يتحد توكيد متعاطفين مَا لم يتحد عاملهما معنى فَلَا يُقَال مَاتَ زيد وعاش عَمْرو وَكِلَاهُمَا فَإِن اتحدا معنى جَازَ وَإِن اخْتلفَا لفظا جزم بِهِ ابْن مَالك تبعا للأخفش نَحْو انْطلق زيد وَذهب بكر كِلَاهُمَا قَالَ أَبُو حَيَّان وَيحْتَاج ذَلِك إِلَى سَماع من الْعَرَب حَتَّى يصير قانونا يَبْنِي عَلَيْهِ وَالَّذِي تَقْتَضِيه الْقَوَاعِد الْمَنْع لِأَنَّهُ لَا يجْتَمع عاملان على مَعْمُول وَاحِد فَلَا يَجْتَمِعَانِ على تَابعه

(3/169)


وَلَا تؤكد نكرَة مُطلقًا عِنْد أَكثر الْبَصرِيين بِشَيْء من أَلْفَاظ التوكيد لِأَنَّهَا معارف فَلَا تتبع نكرَة وَأَجَازَهُ بَعضهم مُطلقًا سَوَاء كَانَت محدودة أم لَا نَقله ابْن مَالك فِي شرح التسهيل خلاف دَعْوَاهُ فِي شرح الكافية نفي الْخلاف فِي منع غير المحدودة وَثَالِثهَا وَهُوَ رَأْي الْأَخْفَش والكوفيين يجوز توكيدها إِن كَانَت محدودة أَي مُؤَقَّتَة وَإِلَّا فَلَا قَالَ ابْن مَالك وَهَذَا القَوْل أولى بِالصَّوَابِ لصِحَّة السماع بذلك وَلِأَن فِيهِ فَائِدَة لِأَن من قَالَ صمت شهرا قد يُرِيد جَمِيع الشَّهْر وَقد يُرِيد أَكْثَره فَفِي قَوْله احْتِمَال يرفعهُ التوكيد وَمن الْوَارِد فِيهِ قَوْله 1559 -
(قد صَرَّت البكرَة يَوْمًا أجْمعَا ... )
وَقَوله 1560 -
(تحْمِلني الذلفاءُ حولا أكتعا ... )
وَقَوله 1561 -
(أوفتْ بِهِ حوْلا وحوْلا أجمعا ... )
وَقَول عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
(مَا رَأَيْت رَسُول الله
صَامَ شهرا كُله إِلَّا رَمَضَان) أما غير الْمَحْدُود فَلَا فَائِدَة فِيهِ فَلَا يُقَال اعتكفت وقتا كُله وَلَا رَأَيْت شَيْئا نَفسه والمانعون مُطلقًا أجابوا بِأَن مَا ورد من ذَلِك مَحْمُول على الْبَدَل أَو النَّعْت أَو الضَّرُورَة

(3/170)


وَفِي توكيد مَحْذُوف خلاف فَأَجَازَهُ الْخَلِيل وسيبويه والمازني وَابْن طَاهِر وَابْن خروف فَيُقَال فِي (الَّذِي ضَربته نَفسه زيد) (الَّذِي ضربت نَفسه زيد) (ومررت بزيد وأتاني أَخُوهُ أَنفسهمَا) وَمنعه الْأَخْفَش والفارسي وَابْن جني وثعلب وَصَححهُ ابْن مَالك وَأَبُو حَيَّان لِأَن التوكيد بَابه الإطناب والحذف للاختصار فتدافعا وَلِأَنَّهُ لَا دَلِيل على الْمَحْذُوف ورد الأول بِأَن ذَلِك تَأْكِيد التّكْرَار دون غَيره وَالثَّانِي بِأَن التوكيد يدل على الْمَحْذُوف قَالَ أَبُو حَيَّان وَالَّذِي نختاره عدم الْجَوَاز لِأَن إجَازَة مثل ذَلِك يحْتَاج إِلَى سَماع من الْعَرَب وَلَا يجوز تعاطفهما أَي عطف بعض أَلْفَاظ التوكيد على بعض فَلَا يُقَال قَامَ زيد نَفسه وعينه وَلَا جَاءَ الْقَوْم كلهم وأجمعون لاتحادهما فِي الْمَعْنى خلافًا لِابْنِ الطراوة فِي أجازته ذَلِك وَيَنْبَغِي أَن يكون مَبْنِيا فِي (كل) و (أَجْمَعِينَ) على مَا ذهب إِلَيْهِ الْمبرد وَالْفراء من اخْتِلَاف مَعْنَاهُمَا بإفادة أَجْمَعِينَ اجْتِمَاعهم فِي وَقت الْفِعْل بِخِلَاف كل وَهُوَ مَرْدُود بقوله {ولأغوينهم أَجْمَعِينَ} [الْحجر: 39] مَعَ أَن إغواءهم لم يجْتَمع فِي وَقت تَنْبِيه خَالف التوكيد النَّعْت فِي أَنه بِأَلْفَاظ مَخْصُوصَة وَوُجُوب ترتيبها إِذا اجْتمعت وَأَنه لَا يجْرِي على النكرَة على رَأْي الْجُمْهُور وَلَا على مَحْذُوف على الْأَصَح عِنْد الْمُتَأَخِّرين وَلَا على توكيد وَلَا يعْطف وَفِي أَنه لَا يقطع لَا إِلَى رفع وَلَا إِلَى نصب

(3/171)


3 - التوكيد اللَّفْظِيّ
الثَّانِي من قسمي التوكيد لَفْظِي وَهُوَ بِإِعَادَة اللَّفْظ الأول أَو مرادفه وَهُوَ أحسن فِي الضَّمِير الْمُتَّصِل والحرف مُفردا كَانَ أَو مركبا مُضَافا أَو جملَة أَو كلَاما نكرَة أَو معرفَة ظَاهرا أَو مضمرا اسْما أَو فعلا أَو حرفا وَلَو ثَلَاثًا نَحْو {دكت الأَرْض دكا دكا وَجَاء رَبك وَالْملك صفا صفا} [الْفجْر: 21، 22] وَقَوله 1562 -
(أنْتَ بِالْخَيرِ حَقِيقٌ قَمِنُ ... )
وَقَوله 1563 -
(أجَلْ جَيْر إِن كَانَت أُبيحَتْ ... )
وَقَوله 1564 -
(تَيَمّمْتُ هَمْدانَ الَّذينَ هُمُ هُمُ ... )
وَقَوله 1565 -
(أَخَاك أخَاك إنّ من لَا أَخا لَهُ ... )

(3/172)


وَقَوله 1566 -
(فأيْنَ إِلَى أيْن النَّجاةُ ببغلتي ... أتاكَ أتاكَ اللاّحِقون احْبس احْبس)
وَقَوله 1567 -
(فحتام حتام العناءُ المُطوَّلُ ... )
وَقَوله 1568 -
(لَا لَا أَبُوحُ بحُبِّ بَثْنَة إنّها ... أخَذَتْ عليّ مواثقاً وعُهُودا ... )
وَقَوله 1569 -
(أيَا مَنْ لَسْتُ أقْلاهُ ... وَلَا فِي البُعْد أنْساهُ)

(لَك اللهُ على ذَاك ... لَك اللهُ لَك اللهُ)
وَقَوله 1570 -
(قُمْ قائِماً قُمْ قائِما ... إنّك لاَ ترجعُ إلاًّ سالِمَا)
وَلَا يضر نوع اخْتِلَاف فِي اللَّفْظ نَحْو {فمهل الْكَافرين أمهلهم} [الطارق: 117] فَإِن كَانَ الْمُؤَكّد ضميرا مُتَّصِلا أَو حرفا غير جَوَاب عَاملا أَو غَيره لم يعد اخْتِيَارا إِلَّا مَعَ مَا دخل عَلَيْهِ لكَونه كالجزء مِنْهُ نَحْو قُمْت قُمْت رَأَيْتُك رَأَيْتُك مَرَرْت بِهِ بِهِ إِن زيدا إِن زيدا قَائِم وَقَوله 1571 -
(لَيْتني لَيْتَني تَوقَيْتُ مذ أَيْفَعْتُ ... طَوْعَ الهوَى وكنتُ مُنِيبا)

(3/173)


أَو مَفْصُولًا بفاصل مَا وَلَو حرف عطف ووقف نَحْو {أيعدكم أَنكُمْ إِذا متم وكنتم تُرَابا وعظاما أَنكُمْ مخرجون} [الْمُؤْمِنُونَ: 35] وَقَوله 1572 -
(حَتَّى ترَاهَا وكأنَّ وَكأنْ ... )
وَقَوله 1573 -
(ليْتَ شِعْري هَل ثمَّ هلْ آتينهُم ... )
وَقَوله 1574 -
(لَا يُنْسِك الأسَى تأسِّياً فَمَا ... مَا من حمام أحدٌ مُعْتَصِما)
وَلَا تجوز إِعَادَته وَحده دون فصل إِلَّا فِي ضَرُورَة كَقَوْلِه 1575 -
(وَلَا لِلما بهم أبدا دَواءُ ... )

(3/174)


وَقَوله 1576 -
(إنَّ إنَّ الْكَرِيم يَحْلُم مَا لَمْ ... يَرَيَنْ مَنْ أجارَهُ قد ضِيما)
خلافًا للزمخشري فِي تجويزه ذَلِك اخْتِيَارا فَيُقَال إِن إِن زيدا قَائِم أما أحرف الْجَواب فتعاد وَحدهَا نَحْو لَا لَا نعم نعم والأجود مَعَ الظَّاهِر الْمَجْرُور إِذا أكد إِعَادَة الْجَار مَعَ لَفظه أَو ضَمِيره نَحْو مَرَرْت بزيد بزيد وَبِه قَالَ تَعَالَى {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الجَنِّةِ خَالدِينَ فِيهَا} [هود: 108] {فَفِي رَحْمَة الله هم فِيهَا خَالدُونَ} [آل عمرَان: 107] والأجود مَعَ الْجُمْلَة إِذا أكدت الْفَصْل بَينهَا وَبَين الْمُعَادَة بثم نَحْو {أولى لَك فَأولى ثمَّ أولى لَك فَأولى} [الْقِيَامَة: 34، 35] {وَمَآ أَدراكَ ومَا يَومُ الدِّينِ ثُمَّ مَآ أَدرَاكَ مَا يَومُ الدَّينِ} [الانفطار: 17، 18] وَهَذَا إِذْ لَا لبس يحصل فَإِن حصل لم يُؤْت بهَا نَحْو ضربت زيدا ضربت زيدا إِذْ لَو جِيءَ بهَا لتوهم أَنَّهُمَا ضَرْبَان ويؤكد بالمضمر الْمَرْفُوع الْمُنْفَصِل كل ضمير مُتَّصِل مَرْفُوعا كَانَ أَو مَنْصُوبًا أَو مجرورا مَعَ مطابقته لَهُ فِي التَّكَلُّم والإفراد والتذكير وأضدادها نَحْو قُمْت أَنا وأكرمتني أَنا ومررت بك أَنْت وأكرمته هُوَ وَهَكَذَا وَجوز بَعضهم تَأْكِيد الضَّمِير الْمُنْفَصِل بِالْإِشَارَةِ وَجعل مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {ثمَّ أَنْتُم هَؤُلَاءِ} [الْبَقَرَة: 85]

(3/175)


3 - الْبَدَل
أَي هَذَا مبحثه وَالتَّعْبِير بِهِ اصْطِلَاح الْبَصرِيين والكوفيين قَالَ الْأَخْفَش يسمونه التَّبْيِين وَقَالَ ابْن كيسَان التكرير وَهُوَ التَّابِع الْمَقْصُود بِحكم بِلَا وَاسِطَة فَخرج بِالْمَقْصُودِ مَا عدا النسق وَهُوَ بِمَا بعده وَهُوَ أَقسَام بدل كل من كل بِأَن اتحدا معنى وَقد يُقَال بدل شَيْء من شَيْء لوُجُوده فِيمَا لَا يُطلق عَلَيْهِ (كل) نَحْو {صِرَاط الْعَزِيز الحميد الله} [إِبْرَاهِيم: 1، 2] وَبدل بعض إِن دلّ على بعض مَا دلّ عَلَيْهِ الأول نحون مَرَرْت بقومك نَاس مِنْهُم وَبدل اشْتِمَال إِن دلّ على معنى فِي الأول أَو استلزمه فِيهِ كعجبت من زيد علمه أَو قِرَاءَته {يَسئَلُونَكَ عَنِ الشَّهرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [الْبَقَرَة: 217] {أَصْحَاب الْأُخْدُود النَّار} [البروج: 4، 5] ورجعهما السُّهيْلي إِلَى الأول أَي إِلَى بُد الشَّيْء من الشَّيْء قَالَ لِأَن الْعَرَب تَتَكَلَّم بِالْعَام وتريد بِهِ الْخَاص وتحذف الْمُضَاف وتنويه فقولك أكلت الرَّغِيف ثلثه إِنَّمَا تُرِيدُ أكلت بعض الرَّغِيف ثمَّ بيّنت ذَلِك الْبَعْض وأعجبتني الْجَارِيَة حسنها إِنَّمَا تُرِيدُ أعجبني وصفهَا فحذفته ثمَّ بَينته بِقَوْلِك حسنها وشرطهما صِحَة الِاسْتِغْنَاء بالمبدل مِنْهُ وَعدم اختلال الْكَلَام لَو حذف الْبَدَل أَو أظهر فِيهِ الْعَامِل فَلَا يجوز قطعت زيدا أَنفه وَلَا لقِيت كل أَصْحَابك أَكْثَرهم وَلَا أسرجت الْقَوْم دابتهم وَلَا مَرَرْت بزيد أَبِيه وَكَذَا عود ضمير فيهمَا على الْمُبدل مِنْهُ ملفوظا أَو مُقَدرا شَرط على الصَّحِيح ليحصل الرَّبْط نَحْو {ثمَّ عموا وصموا كثير مِنْهُم} [الْمَائِدَة: 71] {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ} [آل عمرَان: 97] أَي مِنْهُم {أَصْحَاب الْأُخْدُود النَّار} [البروج: 4، 5] أَي فِيهِ وَلم يشْتَرط ذَلِك فِي بدل الْكل لِأَنَّهُ نفس الْمُبدل مِنْهُ فِي الْمَعْنى كَمَا أَن جملَة

(3/176)


الْخَبَر الَّتِي هِيَ نفس الْمُبْتَدَأ فِي الْمَعْنى لَا تحْتَاج إِلَى ذَلِك وَمن النَّحْوِيين من لَا يلْتَزم فِي هذَيْن الْبَدَلَيْنِ أَيْضا ضميرا وَقد صَححهُ ابْن مَالك فِي شرح الكافية قَالَ وَلَكِن وجوده أَكثر من عَدمه وَفِي الْمُشْتَمل فِي بدل الاشتمال هَل هُوَ الأول على الثَّانِي أَو الثَّانِي على الأول أَو الْعَامِل خلاف قَالَ الْفَارِسِي والرماني فِي أحد قوليهما وخطاب الأول وَصَححهُ ابْن مَالك فَلَا يجوز سرني زيد دَاره وَلَا أعجبني زيد فرسه وَلَا رَأَيْت زيدا فرسه وَيجوز سرني زيد ثَوْبه لِأَن الثَّوْب متضمنه جسده وَقَالَ الْفَارِسِي والرماني فِي أحد قوليهما الثَّانِي نَحْو سلب زيد ثَوْبه فَإِن الثَّوْب يشْتَمل على زيد قَالَ الْأَولونَ إِن ظهر معنى اشْتِمَال الثَّانِي على الأول فِي سلب زيد ثَوْبه لم يطرد فِي أعجبني زيد علمه وَكَلَامه وفصاحته وكرهت زيدا ضجره وسلب زيد فرسه وَنَحْوهَا فَإِن الثَّانِي فِيهَا غير مُشْتَمل على الأول وَقَالَ الْمبرد والسيرافي وَابْن جني وَابْن الباذش وَابْن أبي الْعَافِيَة وَابْن الأبرش هُوَ (الْعَامِل) بِمَعْنى (أَن الْفِعْل يستدعيهما) أَحدهمَا على سَبِيل الْحَقِيقَة وَالْقَصْد وَالْآخر على سَبِيل الْمجَاز والتبع فنحو سلب زيد ثَوْبه وأعجبني زيد علمه {يَسئَلُونَكَ عَنِ الشَّهرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [الْبَقَرَة: 217] الْإِسْنَاد فِيهِ حَقِيقَة إِلَى الثَّانِي مجَاز فِي الأول إِذْ المسلوب هُوَ الثَّوْب والمعجب هُوَ الْعلم لَا زيد والمسئول عَنهُ الْقِتَال لَا الشَّهْر وَقيل بِمَعْنى أَنه اشْتَمَل على التَّابِع والمتبوع مَعًا إِذْ الْإِعْجَاب فِي (أعجبتني الْجَارِيَة حسنها) مُشْتَمل على الْجَارِيَة وعَلى حسنها والوضوح فِي (كَانَ زيد عذره وَاضحا) مُشْتَمل عَليّ زيد وعذره وَالْكَثْرَة فِي (كَانَ زيد مَاله كثيرا)

(3/177)


مُشْتَمِلَة على زيد وَمَاله فَالْمُرَاد بالعامل مَا تمّ بِهِ الْمُتَعَلّق فعلا كَانَ أَو اسْما مقدما أَو مُؤَخرا وَالْقسم الرَّابِع بدل البداء وَيُسمى بدل الإضراب أَيْضا وَهُوَ مَا لَا تناسب بَينه وَبَين الأول بموافقة وَلَا خبرية وَلَا تلازم بل هما متباينان لفظا وَمعنى نَحْو مَرَرْت بِرَجُل امْرَأَة أخْبرت أَولا أَنَّك مَرَرْت بِرَجُل ثمَّ بدا لَك أَن تخبر أَنَّك مَرَرْت بِامْرَأَة من غير إبِْطَال الأول فَصَارَ كَأَنَّهُمَا إخباران مُصَرح بهما وَهَذَا الْبَدَل أثْبته سِيبَوَيْهٍ وَغَيره وَمثل لَهُ ابْن مَالك وَغَيره بِحَدِيث أَحْمد وَغَيره (إِن الرجل ليُصَلِّي الصَّلَاة وَمَا كتب لَهُ نصفهَا ثلثهَا) أخبر أَنه قد يُصليهَا وَمَا كتب لَهُ نصفهَا ثمَّ أضْرب عَنهُ وَأخْبر أَنه قد يُصليهَا وَمَا كتب لَهُ ثلثهَا وَهَكَذَا وَالْخَامِس بدل الْغَلَط وَهُوَ مَا ذكر فِيهِ الأول من غير قصد بل سبق اللِّسَان إِلَيْهِ وَبِهَذَا يُفَارق بدل البداء وَإِن كَانَ مثله فِي اللَّفْظ وَهَذَا الْقسم أثْبته سِيبَوَيْهٍ وَغَيره مثله بِقَوْلِك (مَرَرْت بِرَجُل حمَار) أردْت أَن تخبر بِحِمَار فَسبق لسَانك إِلَى رجل ثمَّ أبدلت مِنْهُ الْحمار (وأنكرهما) أَي بدل البداء والغلط قوم وَقَالُوا فِي الأول إِنَّه مِمَّا حذف فِيهِ حرف الْعَطف وَفِي الثَّانِي أَنه لم يُوجد قَالَ الْمبرد على سَعَة حفظه بدل الْغَلَط لَا يكون مثله فِي كَلَام الله وَلَا فِي شعر وَلَا فِي كَلَام مُسْتَقِيم وَقَالَ خطاب لَا يُوجد فِي كَلَام الْعَرَب لَا نثرها وَلَا نظمها وَقد عنيت بِطَلَب ذَلِك فِي الْكَلَام وَالشعر فَلم أَجِدهُ وطالب غَيْرِي بِهِ فَلم يعرفهُ وَادّعى أَبُو مُحَمَّد بن السَّيِّد أَنه وجد فِي قَول ذِي الرمة 1577 -
(لَمْيَاءُ فِي شَفَتْيها حُوَّة لَعَسٌ ... وَفِي اللّثاثِ وَفِي أنيابها شَنَبُ)
قَالَ (فلعس بدل غلط لِأَن الحوة السوَاد بِعَيْنِه واللعس سَواد مشرب بحمرة)

(3/178)


ورد بِأَنَّهُ من بَاب التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَتَقْدِيره فِي شفتيها حوة وَفِي اللثاث لعس وَفِي أنيابها شنب وَجوز بعض القدماء وُقُوع الْغَلَط فِي غير الشّعْر وَمنعه فِي الشّعْر لوُقُوعه غَالِبا عَن ترو فَلَا يقدر فِيهِ الْغَلَط وَهَذَا نقيض الْقَاعِدَة الْمَشْهُورَة أَنه يغْتَفر فِي الشّعْر مَا لَا يغْتَفر فِي غَيره وَالْمُخْتَار خلافًا لِلْجُمْهُورِ إِثْبَات بدل الْكل من الْبَعْض لوروده فِي الفصيح نَحْو قَوْله تَعَالَى {يدْخلُونَ الْجنَّة وَلَا يظْلمُونَ شَيْئا جنَّات عدن} [مَرْيَم: 60، 61] فجنات أعربت بَدَلا من الْجنَّة وَهُوَ بدل كل من بعض وَفَائِدَته تَقْرِير أَنَّهَا جنَّات كَثِيرَة لَا جنَّة وَاحِدَة وَقَول الشَّاعِر 1578 -
(رحمَ الله أعْظُماً دَفَنُوها ... بسِجستَان طَلْحَةَ الطّلَحاتِ)
ف (طَلْحَة) بدل من (أعظم) وَهِي بعضه وَقَوله 1579 -
(كَأَنِّي غَدَاة البَيْن يَوْم ترحّلوا ... )
ف يَوْم بدل من غَدَاة وَهِي بعضه وَالْجُمْهُور لَا تجب مُوَافقَة الْبَدَل لمتبوعه فِي التَّعْرِيف والإظهار وضدهما فتبدل النكرَة من الْمعرفَة والمضمر من الْمظهر والمفرد من غَيره وبالعكوس كَقَوْلِه تَعَالَى {إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم صِرَاط الله} [الشورة: 52، 53] {لَتَسفَعَا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيةٍ} [العلق: 15، 16] وَقَول الشَّاعِر 1580 -
(وَلَا تلمْه أَن ينامَ البَائِسَا ... )
وقولك رَأَيْت زيدا أَبَاهُ

(3/179)


لَكِن إِنَّمَا يُبدل الظَّاهِر من ضمير الْحَاضِر مُخَاطبا أَو متكلما إِن أَفَادَ إحاطة نَحْو {تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا} [الْمَائِدَة: 114] و (أكرمتكم أكابركم وأصاغركم) أَو بَعْضًا نَحْو 1581 -
(أوْعَدانِي بالسِّجْن والأدَاهِم ... رجْلي فَرجْلي شَثْنُةُ المنَاسِم)
أَو اشتمالا نَحْو 1582 -
(وَمَا ألفيْتِني حِلمي مُضَاعا ... )

(3/180)


وَإِلَّا فَلَا يُبدل مِنْهُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا جِيءَ بِهِ للْبَيَان وَضمير الْمُتَكَلّم والمخاطب لَا يحْتَاج إِلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي غَايَة الوضوح وَقيل يجوز مُطلقًا وَعَلِيهِ الْأَخْفَش والكوفيون قِيَاسا عَن الْغَائِب لِأَنَّهُ لَا لبس فِيهِ أَيْضا وَلذَا لم ينعَت وَلَو كَانَ الْبَدَل لإِزَالَة لبس لامتنع فِي الْغَائِب كَمَا امْتنع أَن ينعَت وَقد ورد قَالَ تَعَالَى {ليجمعنكم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا ريب فِيهِ الَّذين خسروا} [الْأَنْعَام: 12] ف (الَّذين) بدل من ضمير الْخطاب وَأجِيب بِأَنَّهُ مُسْتَأْنف وَثَالِثهَا وَهُوَ رَأْي قطرب يجوز فِي الِاسْتِثْنَاء نَحْو مَا ضربتكم إِلَّا زيدا قَالَ تَعَالَى {لِئَلَّا يكون للنَّاس عَلَيْكُم حجَّة إِلَّا الَّذين ظلمُوا} [الْبَقَرَة: 150] أَي إِلَّا على الَّذِي ظلمُوا وَمنع أهل الْكُوفَة وبغداد بدل النكرَة من الْمعرفَة مَا لم تُوصَف وَوَافَقَهُمْ السُّهيْلي وَابْن أبي الرّبيع نَحْو قَوْله تَعَالَى {عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} [الْبَقَرَة: 217] لِأَنَّهَا إِذا لم تُوصَف لم تفد إِذْ لَا فَائِدَة فِي قَوْلك مَرَرْت بزيد بِرَجُل زَاد أهل بَغْدَاد أَو يكون من لفظ الأول كَمَا تقدم فِي (نَاصِيَة) وَالْجُمْهُور أطْلقُوا الْجَوَاز لورودها غير مَوْصُوفَة وَلَيْسَت من لفظ الأول كَقَوْلِه 1583 -
(فَصَدُوا من خيارهن لِقاحاً ... يتقَاذَفْنَ كالغُصون غِزَارُ)
فغزار بدل من الضَّمِير فِي يتقاذفن وَقَوله 1584 -
(فَإلَى ابْن أُمِّ أُناس أرْحَلُ نَاقَتِي ... عَمرو فَتُبْلِغُ حاجَتِي أَو تُزْحِفُ)

(مَلِكٍ إِذا نزل الوُفودُ ببَابه ... عَرَفُوا مَوارد مُزْبدٍ لَا يُنْزَفُ)

(3/181)


فَملك بدل من عَمْرو وَأجِيب عَمَّا ذكر من عدم الْفَائِدَة بِأَنَّهُ علم من طَريقَة الْعَرَب أَنهم يسمون الْمُذكر بالمؤنث وَعَكسه ففائدة الْإِبْدَال رفع الإلباس نَحْو (مَرَرْت بهند رجل وبجعفر امْرَأَة) وَمنع أَو حَيَّان وَقوم بدل الْمُضمر من مثله أَي من مُضْمر بدل بعض أَو اشْتِمَال نحنو ثلث التفاحة أكلتها إِيَّاه و (حسن الْجَارِيَة أعجبتني هُوَ) وَأَجَازَهُ آخَرُونَ قَالَ أَبُو حَيَّان ومنشأ الْخلاف هَل الْبَدَل من جملَة أُخْرَى أَو الْعَامِل فِيهِ عَامل الْمَتْبُوع فعلى الأولى يمْنَع لِئَلَّا يبْقى الْمُبْتَدَأ بِلَا رابط لِأَن الضَّمِير يعود على الْمُضَاف إِلَيْهِ وعَلى الثَّانِي يجوز قَالَ إِلَّا أَنه يحْتَاج إِلَى سَماع قَالَ الكوفية أَو كل أَي لَا يُبدل الْمُضمر من مُضْمر بدل كل إِذا كَانَ مَنْصُوبًا بل يحمل على التَّأْكِيد نَحْو رَأَيْتُك إياك والبصريون قَالُوا هُوَ بدل كَمَا أَن الْمَرْفُوع بدل بِإِجْمَاع نَحْو (قُمْت أَنْت) وَصحح الأول ابْن مَالك وَالثَّانِي أَبُو حَيَّان وَمنع ابْن مَالك إِبْدَال الْمُضمر من الظَّاهِر بدل كل قَالَ لِأَنَّهُ لم يسمع من الْعَرَب لَا نثرا وَلَا نظما وَلَو سمع لَكَانَ توكيدا لَا بَدَلا وَأَجَازَهُ الْأَصْحَاب نَحْو رَأَيْت زيدا إِيَّاه وَفِي جَوَاز بدل الْبَعْض والاشتمال خلف قيل يجوز نَحْو (ثلث التفاحة أكلت التفاحة إِيَّاه) و (حسن الْجَارِيَة أعجبني الْجَارِيَة هُوَ) وَقيل يمْنَع قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ كالخلاف فِي إبدالهما مضمرا من مُضْمر وَمُقْتَضَاهُ تَرْجِيح الْمَنْع على رَأْيه والمبدل من اسْم شَرط أَو اسْم اسْتِفْهَام يقْتَرن بأداته نَحْو (مَا تقْرَأ إِن نَحوا وَإِن فقها أقرأه) وَكَيف زيد أصحيح أم سقيم فَإِن دخت الأداة على الْمُبدل مِنْهُ لم تدخل على الْبَدَل نَحْو هَل أحد جَاءَك زيد أَو عَمْرو وَإِن تضرب أحدا رجلا أَو امْرَأَة أضربه

(3/182)


(ويبدل الْفِعْل من الْفِعْل بدل كل) بِلَا خلاف نَحْو: {وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاما يُضَاعف لَهُ الْعَذَاب} [الْفرْقَان: 68، 69] وَقَوله: 1585 -
(مَتى تَأتِنا تُلْمِمْ بِنَا فِي دِيَارنَا ... تَجدْ حَطَباً جَزْلاً وَنَارًا تأجّجَا)
(لَا) بدل (بعض) بِلَا خلاف لِأَن الْفِعْل لَا يَتَبَعَّض (وَفِي) جَوَاز بدل (الاشتمال) فِيهِ (خلف) قيل لَا لِأَن الْفِعْل لَا يشْتَمل على الْفِعْل وَقيل نعم وَجعل مِنْهُ الْآيَة السَّابِقَة قَالَ صَاحب الْبَسِيط وَأما بدل الْغَلَط فجوزه فِيهِ سِيبَوَيْهٍ وَجَمَاعَة وَالْقِيَاس يَقْتَضِيهِ (و) تبدل (الْجُمْلَة من الْجُمْلَة) نَحْو: {أمدكم بِمَا تعلمُونَ أمدكم بأنعام وبنين} [الشُّعَرَاء: 132، 133] {إِنِّي جزيتهم الْيَوْم بِمَا صَبَرُوا أَنهم هم الفائزون} [الْمُؤْمِنُونَ: 111] بِكَسْر إِن (وَقَالَ ابْن جني والزمخشري وَابْن مَالك و) تبدل الْجُمْلَة (من الْمُفْرد) نَحْو قَوْله: 1586 -
(إِلَى الله أشْكُو بالمَدينة حَاجَة ... وبالشّام أُخْرَى كَيْفَ يَلْتقِيان)
فيكف يَلْتَقِيَانِ بدل من حَاجَة وَأُخْرَى كَأَنَّهُ قَالَ أَشْكُو هَاتين الحاجتين لتعذر التقائهما

(3/183)


قَالَ ابْن مَالك وَمِنْه {مَا يُقَال لَك إِلَّا مَا قد قيل للرسل من قبلك إِن رَبك} [فصلت: 43] الْآيَة وَإِن وَمَا بعْدهَا بدل من (مَا) وصلتها وَالْجُمْهُور لم يذكرُوا ذَلِك قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَيْسَ (كَيفَ يَلْتَقِيَانِ) بَدَلا بل استئنافا للاستبعاد وَكَذَا (إِن رَبك) لِئَلَّا يُؤَدِّي إِلَى إِسْنَاد الْفِعْل إِلَى الْجُمْلَة وَهُوَ مَمْنُوع (وَلَا يتَقَدَّم بدل الْكل) على الْمُبدل مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يدْرِي أَيهمَا هُوَ الْمُعْتَمد عَلَيْهِ بِخِلَاف بدل الْبَعْض فَيقدم لَكِن الْأَحْسَن إِضَافَته نَحْو أكلت ثلث الرَّغِيف (وَفِي) جَوَاز (حذف الْمُبدل مِنْهُ) وإبقاء الْبَدَل (رأيان) قيل يجوز وَعَلِيهِ الْأَخْفَش وَابْن مَالك نَحْو أحسن إِلَى الَّذِي وصفت زيدا أَي وَصفته وَجعل مِنْهُ: {وَلَا تَقولُوا لما تصف أَلْسِنَتكُم الْكَذِب} [النَّحْل: 116] وَقيل لَا وَعَلِيهِ السيرافي وَغَيره لِأَن الْبَدَل للإسهاب والحذف يُنَافِيهِ (وَيجوز الْقطع) على إِضْمَار مُبْتَدأ كالإتباع (فِيمَا) أَي بدل (فصل بِهِ جمع أَو عدد) نَحْو مَرَرْت بِرِجَال طَوِيل وقصير وربعه
و (بني الْإِسْلَام على خمس شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله) الحَدِيث (وَكَذَا غَيره) أَي غير التَّفْصِيل يجوز فِيهِ الْقطع أَيْضا نَحْو مَرَرْت بزيد أَخُوك نَص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ والأخفش وَقيل يقبح فِي غير التَّفْصِيل (مَا لم يطلّ الْكَلَام) فَيحسن نَحْو: {بشر من ذَلِكُم النَّار} [الْحَج: 72]

(3/184)


حُرُوف الْعَطف
أَي هَذَا مَبْحَث الْحُرُوف العاطفة وَتسَمى المعطوفات بهَا عِنْد الْبَصرِيين شركَة وَعند الْكُوفِيّين وَهُوَ المتداول نسفا بِفَتْح السِّين اسْم مصدر نسقت الْكَلَام أنسقه نسقا بالتسكين أَي عطفت بعضه على بعض قَالَ أَبُو حَيَّان ولكونه بأدوات محصورة لَا يحْتَاج إِلَى حَده وَمن حَده كَابْن مَالك بِكَوْنِهِ تَابعا بِأحد حُرُوف الْعَطف لم يصب مَعَ مَا فِيهِ من الدّور ولتوقف معرفَة الْمَعْطُوف على حرفه وَمَعْرِفَة الْحَرْف على الْعَطف
حرف الْوَاو
(الْوَاو) وَهِي (لمُطلق الْجمع) أَي الِاجْتِمَاع فِي الْفِعْل من غير تَقْيِيد بحصوله من كليهمَا فِي زمَان أَو سبق أَحدهمَا فقولك جَاءَ زيد وَعَمْرو يحْتَمل على السوَاء أَنَّهُمَا جَاءَا مَعًا أَو زيدا أَولا أَو آخرا وَمن وُرُودهَا فِي: {فأنجيناه وَأَصْحَاب السَّفِينَة} [العنكبوت: 15] وَفِي السَّابِق: {وَلَقَد أرسلنَا نوحًا وَإِبْرَاهِيم} [الْحَدِيد: 26] وَفِي الْمُتَأَخر: {كَذَلِك يوحي إِلَيْك وَإِلَى الَّذين من قبلك} [الشورى: 3] وَاسْتدلَّ لذَلِك بِأَن التَّثْنِيَة مختصرة من الْعَطف بِالْوَاو فَكَمَا تحْتَمل ثَلَاثَة معَان وَلَا دلَالَة فِي لَفظهَا على تَقْدِيم وَلَا تَأْخِير فَكَذَلِك الْعَطف بهَا وباستعمالها حَيْثُ لَا تَرْتِيب فِي نَحْو اشْترك زيد وَعَمْرو وبصحة نَحْو قَامَ زيد وَعَمْرو بعده أَو قبله أَو مَعَه وَالتَّعْبِير بِمَا سبق أحسن كَمَا قَالَه ابْن هِشَام من قَول بَعضهم (للْجمع الْمُطلق) لتقييد الْجمع بِقَيْد الْإِطْلَاق وَإِنَّمَا هِيَ للْجمع لَا بِقَيْد (وَقَالَ قطرب والربعي وَهِشَام وثعلب و) غُلَامه أَبُو عمر (الزَّاهِد و)

(3/185)


أَبُو جَعْفَر أَحْمد بن جَعْفَر (الدينَوَرِي) هِيَ (للتَّرْتِيب) قَالُوا لِأَن التَّرْتِيب فِي اللَّفْظ يَسْتَدْعِي سبا وَالتَّرْتِيب فِي الْوُجُود صَالح لَهُ فَوَجَبَ الْحمل عَلَيْهِ وَنقل هَذَا القَوْل عَن الْمَذْكُورين فِي شرح أبي حَيَّان رد بِهِ على ادِّعَاء السيرافي وَغَيره إِجْمَاع الْبَصرِيين والكوفيين على أَنَّهَا لَا تفيده وَنَقله ابْن هِشَام عَن الْفراء أَيْضا والرضي عَن الْكسَائي وَابْن درسْتوَيْه ورد بِلُزُوم التَّنَاقُض فِي قَوْله تَعَالَى: {وادخلوا الْبَاب سجدا وَقُولُوا حطة} [الْبَقَرَة: 58] مَعَ قَوْله فِي مَوضِع آخر: {وَقُولُوا حطة وادخلوا الْبَاب سجدا} [الْأَعْرَاف: 161] والقصة وَاحِدَة (و) قَالَ (ابْن كيسَان) هِيَ (للمعية حَقِيقَة) واستعمالها فِي غَيرهَا مجَاز قَالَ لِأَنَّهَا لما احتملت الْوُجُوه الثَّلَاثَة وَلم يكن فِيهَا أَكثر من جمع الْأَشْيَاء كَانَ أغلب أحوالها أَن تكون للْجمع فِي كل حَال حَتَّى يكون فِي الْكَلَام مَا يدل على التَّفَرُّق (وَعَكسه الرضي) فَقَالَ لقَائِل أَن يَقُول اسْتِعْمَال الْوَاو فِيمَا لَا تَرْتِيب فِيهِ مجَاز وَهِي فِي أصل الْوَضع للتَّرْتِيب وَلما الثَّانِي فِيهِ قبل الأول وَالْأَصْل فِي الِاسْتِعْمَال الْحَقِيقَة (و) قَالَ (ابْن مَالك الْمَعِيَّة) فِيهَا (أرجح) من غَيرهَا (وَالتَّرْتِيب كثير وَعَكسه قَلِيل) قَالَ أَبُو حَيَّان وَهُوَ قَول مخترع مُخَالف لمَذْهَب الْأَكْثَرين وَغَيرهم (وتختص) بِأَحْكَام لَا يشاركها فِيهَا غَيرهَا من حُرُوف الْعَطف فاختصت (بعطف مَا لَا يسْتَغْنى عَنهُ) نَحْو اخْتصم زيد وَعَمْرو وَهَذَانِ زيد وَعَمْرو وَإِن إخْوَتك زيدا وعمرا وبكرا نجباء وَالْمَال بَين زيد وَعَمْرو وَأما قَول امْرِئ الْقَيْس: 1587 -
(بَين الدَّخول فحَوْمل ... )

(3/186)


فتقديره بَين نواحي الدُّخُول وَأَجَازَ الْكسَائي الْعَطف فِي ذَلِك بِالْفَاءِ وَثمّ وأو (و) اخْتصّت بعطف (الْخَاص على الْعَام وَعَكسه) أَي الْعَام على الْخَاص نَحْو: {وَمَلَائِكَته وَرُسُله وَجِبْرِيل وميكال} [الْبَقَرَة: 98] {رب اغْفِر لي ولوالدي وَلمن دخل بَيْتِي مُؤمنا وَلِلْمُؤْمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} [نوح: 28] وَقَالَ ابْن هِشَام قد يشاركها فِي هَذَا الحكم (حَتَّى) قَالَ الْفَارِسِي وَابْن جني مَا جَاءَ من ذَلِك لم ينْدَرج تَحت مَا قبله بل أُرِيد بِهِ غير مَا عطف عَلَيْهِ لِأَن الْمَعْطُوف غير الْمَعْطُوف عَلَيْهِ (و) اخْتصّت بعطف (المرادف) على مرادفه نَحْو: {إِنَّمَا أَشكُوا بَثِّي وَحُزنِي إِلَى اللهِ} [يُوسُف: 86] {صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة} [الْبَقَرَة: 157] (ليليني مِنْكُم ذَوُو الأحلام والنهى) 1588 -
(وألْقَى قَوْلَها كَذِباً ومَيْنا ... )
وَقَالَ ابْن مَالك قد يشاركها فِي ذَلِك (أَو) نَحْو: {وَمن يكْسب خَطِيئَة أَو إِثْمًا} [النِّسَاء: 112] وَسَبقه إِلَيْهِ ثَعْلَب فِيمَا حَكَاهُ صَاحب الْمُحكم عَنهُ فِي قَوْله: {عُذرًا أَو نُدرًا} [المرسلات: 6] وَقَالَ الْعذر وَالنّذر وَاحِد (و) اخْتصّت بعطف (النَّعْت) على مَا تقدم تَفْصِيله فِي مَبْحَث النَّعْت (فِي

(3/187)


الْأَصَح فِيهَا) أَي فِي الْمسَائِل الْخَمْسَة وَقد ذكر فِي كل مَا يُقَابله (و) اخْتصّت بعطف (مَا حَقه التَّثْنِيَة) أَو الْجمع كَقَوْل الفرزدق: 1589 -
(إِن الرَّزيّةَ لَا رَزيّةَ مِثْلُها ... فُقْدانُ مِثْل مُحمّدٍ ومُحَمّدِ)
وَقَول أبي نواس: 1590 -
(أقَمْنا بهَا يَوْماً وَيَوْما وثالِثاً ... وَيَوْما لَهُ يومُ التّرحل خَامِسُ)
(و) اخْتصّت بعطف (العقد على النيف) نَحْو أحد وَعِشْرُونَ (و) اخْتصّت (باقترانها بإما) نَحْو: {إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا} [الْإِنْسَان 3] (وَلَكِن) نَحْو: {وَلَكِن رَسُول الله} [الْأَحْزَاب: 40] (وَلَا) إِن سبقت بِنَفْي وَلم تقصد الْمَعِيَّة) نَحْو مَا قَامَ زيد وَلَا عَمْرو ليُفِيد أَن الْفِعْل منفي عَنْهُمَا فِي حَالَة الِاجْتِمَاع والافتراق وَمِنْه: {وَمَا أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم بِالَّتِي تقربكم} [سبأ: 37] إِذْ لَو لم تدخل (لَا) لاحتمل أَن المُرَاد نفي التَّقْرِيب عِنْد الِاجْتِمَاع دون الِافْتِرَاق والعطف حِينَئِذٍ من عطف الْمُفْردَات وَقيل الْجمل بإضمار الْعَامِل فَإِن لم يسْبق بِنَفْي أَو قصد الْمَعِيَّة لم تدخل فَلَا يُقَال قَامَ زيد وَلَا عَمْرو وَلَا مَا اخْتصم زيد وَلَا عَمْرو وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَمَا يَستَوِي الأَعَمَى وَالبَصَيرُ وَلاَ الضُّلُمَاتُ وَلاَ النُّورُ} [فاطر: 19، 20] الْآيَة ف (لَا) الثَّانِيَة زَائِدَة لأمن اللّبْس (وَغير ذَلِك) اخْتصّت بِهِ كعطف الْمُفْرد السببي على الْأَجْنَبِيّ عِنْد الاجتياع إِلَى الرَّبْط نَحْو مَرَرْت بِرَجُل قَائِم زيد وَأَخُوهُ وَعطف الْجوَار إِن قيل بِهِ فِي النسق وَعطف الْمُقدم على متبوعه للضَّرُورَة نَحْو:

(3/188)


1591 -
(عَلَيْك ورَحْمَة اللهِ السّلامُ ... )
وَنَحْوهمَا مِمَّا هُوَ مفرق فِي محاله (قَالَ ابْن مَالك وَعطف عَامل حذف وَبَقِي معموله على) عَامل (ظَاهر يجمعهما معنى) وَاحِدًا (نَحْو) قَوْله تَعَالَى: {تَبَؤءُوا الدَّارَ وَالإِيمانَ} [الْحَشْر: 9] أَصله واعتقدوا الْإِيمَان أَو اكتسبوا فاستغنى بمفعوله عَنهُ لِأَن فِيهِ وَفِي (تبوءوا) معنى لازموا وألفوا وَقَول الشَّاعِر: 1592 -
(عَلَفْتُها تِبْناً وَمَاء بَارِدًا ... )
أَي وسقيتها وَالْجَامِع الطّعْم 1593 -
(وزجّجْنَ الحواجبَ والعُيُونَا ... )
أَي وكحلن وَالْجَامِع التحسين (وَجعله الْجُمْهُور من عطف الْجمل بإضمار فعل) مُنَاسِب كَمَا تقدم لتعذر الْعَطف (و) جعله (قوم) من عطف (الْمُفْرد بتضمين) الْفِعْل (الأول معنى يتسلط) بِهِ عَلَيْهِ فَيقدر (آثروا الدَّار الْإِيمَان) وَنَحْوه قَالَ أَبُو حَيَّان فَركب ابْن مَالك من المذهبين مذهبا ثَالِثا (وَقَالَ أَبُو حَيَّان) فِي الارتشاف الَّذِي اخْتَارَهُ التَّفْصِيل وَذَلِكَ أَنه (إِن صَحَّ نسبه) الْعَامِل الأول (الظَّاهِر لما يَلِيهِ حَقِيقَة فالإضمار مُتَعَيّن فِي الثَّانِي) لِأَنَّهُ أَكثر من التَّضْمِين نَحْو (يجدع الله أَنفه وَعَيْنَيْهِ) أَي ويفقأ عَيْنَيْهِ فنسبة الجدع إِلَى

(3/189)


الْأنف حَقِيقَة (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يَصح نسبته إِلَيْهِ حَقِيقَة (فالتضمين) مُتَعَيّن فِي الثَّانِي لتعذر الْإِضْمَار نَحْو علفت الدَّابَّة تبنا وَمَاء أَي أطعمتها أَو غذوتها (وَالْأَكْثَر) على (أَنه) أَي التَّضْمِين (ينقاس) وضابطه أَن يكون الأول وَالثَّانِي يَجْتَمِعَانِ فِي معنى عَام لَهما وَمنع بَعضهم قِيَاسه (قيل وَتَكون) الْوَاو (للتقسيم) نَحْو الْكَلِمَة اسْم وَفعل وحرف 1594 -
(كَمَا النَّاس مجرومٌ عَلَيْهِ وجَارمٌ ... )
ذكره ابْن مَالك فِي (التُّحْفَة) وَغَيره قَالَ ابْن هِشَام وَالصَّوَاب أَنَّهَا على مَعْنَاهَا الْأَصْلِيّ إِذْ الْأَنْوَاع مجتمعة فِي الدُّخُول تَحت الْجِنْس (قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ والقزويني وَالْإِبَاحَة والتخيير) نَحْو جَالس الْحسن أَو ابْن سِيرِين أَي أَحدهمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَلِهَذَا قيل (تِلكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [الْبَقَرَة: 196] بعد ذكر ثَلَاثَة وَسَبْعَة لِئَلَّا يتَوَهَّم إِرَادَة التَّخْيِير قَالَ ابْن هِشَام وَالْمَعْرُوف من كَلَام النَّحْوِيين خِلَافه (و) قَالَ (الخارزنجي) و (التَّعْلِيل) وَحمل عَلَيْهِ الواوات الدَّاخِلَة على الْأَفْعَال المنصوبة فِي قَوْله تَعَالَى: {أَو يُوبِقهُنَّ بَمَا كَسَبُوا وَيَعفُ عَن كَثِير وَيَعلَمَ الَّذِينَ} [الشورى: 34، 35] {أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعلَمِ اللهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُم وَيَعلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمرَان 142] {يَا لَيتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِبُ} [الْأَنْعَام: 27] قَالَ ابْن هِشَام وَالصَّوَاب الْوَاو فِيهِنَّ للمعية (و) قَالَ (الْكُوفِيُّونَ والأخفش) وَتَكون (زَائِدَة) نَحْو: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَت أَبَوابُها وَقَالَ لَهُم خَزَنَتُهَا} [الزمر: 73] (فَلَمَّا أَسلَمَا وَتَلَّهُ لِلجَبِينِ

(3/190)


وَنَادينَاهُ} [الصافات: 103، 104] إِحْدَى الواوين فِي الْآيَتَيْنِ زَائِدَة إِمَّا الأولى أَو الثَّانِيَة وَغَيرهم قَالَ لَا تزاد وَهِي فيهمَا عاطفة وَالْجَوَاب مَحْذُوف أَو حَالية فِي الأولى أَي جاءوها وَقد فتحت أَبْوَابهَا من قبل إِكْرَاما لَهُم عَن أَن يقفوا حَتَّى تفتح لَهُم وَأثبت الحريري وَابْن خالويه وَاو الثَّمَانِية وَقَالا لِأَن الْعَرَب إِذْ عدوا قَالُوا سِتَّة سَبْعَة ثَمَانِيَة إِيذَانًا بِأَن السَّبْعَة عدد تَامّ وَمَا بعده عدد مُسْتَأْنف وَاسْتَدَلُّوا بقوله تَعَالَى {سَيَقُولُونَ ثَلاَثَةٌ رَّابِعُهُم كَلبُهُم} إِلَى قَوْله {وَثَامِنُهُم} [الْكَهْف: 22] وَقَوله فِي آيَة الْجنَّة {وَفُتِحَت أَبَوابُهَا} [الزمر: 73] لِأَن أَبْوَابهَا ثَمَانِيَة بِخِلَاف آيَة جَهَنَّم لِأَن أَبْوَابهَا سَبْعَة وَقَوله {وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنكَرِ} [التَّوْبَة: 112] فَإِنَّهُ الْوَصْف الثَّامِن وَقَوله {وَأَبكَاراً} [التَّحْرِيم: 5] وَلم يذكر هَذِه الْوَاو أحد من أَئِمَّة الْعَرَبيَّة ووجهت فِي الْآيَة الأولى بِأَنَّهَا لعطف جملَة على جملَة أَي هم سَبْعَة وثامنهم وَفِي الثَّانِيَة زَائِدَة أَو عاطفة أَو حَالية كَمَا تقدم وَفِي الثَّالِثَة عاطفة لِأَن الْأَمر وَالنَّهْي صفتان متقابلتان بِخِلَاف بَقِيَّة الصِّفَات وَكَذَا فِي الرَّابِعَة لعطف صفتين متقابلتين إِذْ لَا تَجْتَمِع الثيوبة والبكارة وَتَأْتِي الْوَاو للتذكير وَالْإِنْكَار كَقَوْل من أَرَادَ أَن يَقُول يقوم زيد نفس (زيد) فَأَرَادَ مد الصَّوْت ليتذكر إِذْ لم يرد قطع الْكَلَام يقومو وقولك آلرجلوه بعد قَول قَائِل قَامَ الرجل قَالَ ابْن هِشَام وَالصَّوَاب أَلا يعدَّانِ لِأَنَّهُمَا إشباع للحركة بِدَلِيل آلرجلاه فِي النصب وآلرجلية فِي الْجَرّ

(3/191)


3 - حرف الْفَاء
(الْفَاء للتَّرْتِيب) مَعَ التَّشْرِيك وَهُوَ معنوي كقام زيد فعمرو وذكري وَهُوَ عطف مفصل على مُجمل نَحْو {فأزلهما الشَّيْطَان عَنْهَا فأخرجهما} [الْبَقَرَة: 36] {فقد سَأَلُوا مُوسَى أكبر من ذَلِك فَقَالُوا} [النِّسَاء: 153] {ونادى نوح ربه فَقَالَ} [هود: 45] (وَأنْكرهُ) أَي التَّرْتِيب (الْفراء مُطلقًا) وَاحْتج بقوله تَعَالَى {أهلكناها فَجَاءَهَا بأسنا} [الْأَعْرَاف: 4] ومجيء الْبَأْس سَابق للإهلاك وَأجِيب بِأَن الْمَعْنى أردنَا إهلاكها أَو بِأَنَّهَا للتَّرْتِيب الذكري وَأنْكرهُ (الْجرْمِي فِي الْأَمَاكِن والمطر) بِدَلِيل قَوْله 1595 -
(بَين الدَّخول فحّومل ... )
وَقَوْلهمْ (مُطِرْنَا مَكَان كَذَا فَكَانَ كَذَا) وَإِن كَانَ وُقُوع الْمَطَر فيهمَا فِي وَقت وَاحِد (وللتعقيب فِي كل شَيْء بِحَسبِهِ) نَحْو جَاءَ زيد فعمرو أَي عقبه بِلَا مهلة (تزوج فلَان فولد لَهُ) إِذا لم يكن بَينهمَا إِلَّا مُدَّة الْحمل وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {أنزل من السَّمَاء مَاء فَتُصْبِح الأَرْض مخضرة} [الْحَج: 63] (وللسببية غَالِبا) فِي عطف (جملَة أَو صفة) نَحْو {فوكزه مُوسَى فَقضى عَلَيْهِ} [الْقَصَص: 15] {فَتَلَقًّىءَادَمُ مِن رَّبِهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيهِ} [الْبَقَرَة: 37] {لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ فَمَالِئُنَ مِنهَا البُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيهِ مِنَ الحَمِيمِ} [الْوَاقِعَة: 52، 53، 54] وَقد تخلوا عَنهُ نَحْو {فرَاغ إِلَى أَهله فجَاء بعجل سمين فقربه إِلَيْهِم} [الذرايات: 26، 27] {فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا} [الصافات: 2، 3]

(3/192)


(وتختص) الْفَاء (بعطف مفصل على مُجمل) كالأمثلة السَّابِقَة فِي التَّرْتِيب الذكري (و) بعطف (جملَة شَرطهَا الْعَائِد خلت مِنْهُ) صفة أَو صلَة أَو خَبرا لما فِيهَا من الرَّبْط نَحْو (الَّذِي يطير فيغضب زيد الذُّبَاب) (مَرَرْت بِرَجُل يبكي فيضحك عَمْرو خَالِد يقوم فيقعد عَمْرو) قيل وَترد للغاية بِمَعْنى إِلَى وَجعل مِنْهُ قَوْله 1596 -
(بَين الدّخول فحومل ... )
على تَقْدِير مَا بَين (الدُّخُول) إِلَى (حومل) فَحذف مَا دون (بَين) كَمَا عكس ذَلِك من قَالَ 1597 -
(يَا أحْسنَ النَاس مَا قرْنا إِلَى قدَم ... )
أَي مَا بَين قرن فَحذف (بَين) وَأقَام (قرنا) مقَامهَا وَالْفَاء نائبة عَن (إِلَى) قَالَ ابْن هِشَام وَهَذَا غَرِيب قَالَ ويستأنس لَهُ بمجيء عَكسه فِي قَوْله 1598 -
(وأنْتِ الَّتِي حبّبْتِ شَغْباً إِلَى بَدَا ... إليَّ وأوطاني بلادٌ سِواهُما)
إِذْ الْمَعْنى شغبا فَبَدَا وهما موضعان قَالَ وَيدل على إِرَادَة التَّرْتِيب قَوْله بعده 1599 -
(حَللْتِ بِهَذَا حَلّة ثمَّ حَلّةً ... بِهَذَا فطاب الواديان كِلاهُما)

(3/193)


قَالَ وَهَذَا معنى غَرِيب لِأَنِّي لم أر من ذكره (قيل والاستئناف) نَحْو 1600 -
(ألم تسْأل الرَّبْعَ القواء فينطِقُ ... )
أَي فَهُوَ ينْطق لِأَنَّهَا لَو كَانَت عاطفة جزم مَا بعْدهَا أَو سَبَبِيَّة نصب وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون} [يس: 82] بِالرَّفْع وَقَول الشَّاعِر 1601 -
(يُريدُ أَن يُعْربَه فيُعْجمُهْ ... )
قَالَ ابْن هِشَام وَالتَّحْقِيق أَنَّهَا فِي ذَلِك كُله للْعَطْف وَأَن الْمُعْتَمد بالْعَطْف الْجُمْلَة لَا الْفِعْل (قيل) وَترد (زَائِدَة) دُخُولهَا كخروجها كَقَوْلِه 1602 -
(يَموتُ أناسُ أَو يشِيبَ فَتاهُمُ ... ويَحْدُثُ ناسٌ والصَّغيرُ فيَكْبُرُ)
وَقَوله 1603 -
(أَرَانِي إذَا مَال بنُّ على هَوًى ... فثمَّ إِذا أصبحتُ غادِيا)

(3/194)


3 - ثمَّ
(ثمَّ) وَيُقَال فَم بِالْفَاءِ بَدَلا من الثَّاء كَمَا قَالُوا فِي جدث جدف (و) يُقَال (ثمت) بتاء سَاكِنة ومفتوحة قَالَ 1604 -
(صاحْبته ثمّت فارقتهُ ... )
(للتشريك) فِي الحكم (وَالتَّرْتِيب خلافًا لقطرب) فِي قَوْله إِنَّهَا لَا تفيده وَاحْتج بقوله تَعَالَى {خَلقكُم من نفس وَاحِدَة ثمَّ جعل مِنْهَا زَوجهَا} [الزمر: 6] {وَبَدَأَ خلق الْإِنْسَان من طين ثمَّ جعل نَسْله من سلالة من مَاء مهين ثمَّ سواهُ وَنفخ فِيهِ من روحه} [السَّجْدَة: 7، 8، 9] {ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ثُمَّءَاتَينَا مُوسَى الكِتَابَ} [الْأَنْعَام: 153، 154] وَقَول الشَّاعِر 1605 -
(إنَّ مَنْ سادَ ثُمّ سادَ أَبُوه ... ثُمَّ قد سَاد قَبْلَ ذلِك جَدُّه)
وَأجِيب بِأَنَّهَا فِي الْجَمِيع لترتيب الْأَخْبَار لَا الحكم (والمهلة) (خلافًا للفراء) فِي قَوْله إِنَّهَا بِمَعْنى الْفَاء (وَقد تقع الْفَاء) فِي إِفَادَة التَّرْتِيب بِلَا مهلة (وَعَكسه) أَي تقع الْفَاء موقع (ثمَّ) فِي إفادته بمهلة فَالْأول كَقَوْلِه 1606 -
(كهَزِّ الرُّدَيْنيِّ تَحت العَجَاج ... جَرَى فِي الأنابيب ثُمَّ اضْطَربْ)

(3/195)


إِذْ الهز مَعَ جرى فِي أنابيب الرمْح يعقبه اضطرابه بِلَا تراخ وَالثَّانِي كَقَوْلِه تَعَالَى {ثمَّ خلقنَا النُّطْفَة علقَة فخلقنا الْعلقَة مُضْغَة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا الْعِظَام لَحْمًا} [الْمُؤْمِنُونَ: 14] فالفاء فِي الثَّلَاثَة بِمَعْنى ثمَّ (قَالَ الكوفية و) تقع (زَائِدَة) كَقَوْلِه تَعَالَى {حَتَّى إِذا ضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ} إِلَى قَوْله {ثمَّ تَابَ عَلَيْهِم} [التَّوْبَة: 118] وَأجِيب بِأَن الْجَواب فِيهَا مُقَدّر (و) قَالَ (الْفراء) تقع (الِاسْتِئْنَاف) نَحْو أَعطيتك ألفا ثمَّ أَعطيتك قبل ذَلِك مَالا فَيكون
3 - أم
(أم) وأنكرها أَبُو عُبَيْدَة معمر بن الْمثنى وَتَبعهُ مُحَمَّد بن مَسْعُود الغزني صَاحب البديع فَقَالَ لَيست بِحرف عطف بل بِمَعْنى همزَة الِاسْتِفْهَام وَلِهَذَا يَقع بعْدهَا جملَة يستفهم عَنْهَا كَمَا تقع بعد الْهمزَة نَحْو أضربت زيدا أم قتلته أبكر فِي الدَّار أم خَالِد أَي أخالد فِيهَا قَالَ ولتساوي الجملتين بعْدهَا فِي الِاسْتِفْهَام حسن وُقُوعهَا بعد (سَوَاء) لَكِن لما كَانَت تتوسط بَين مُحْتَمل الْوُجُود لشيئين أَحدهمَا بالاستفهام كتوسط (أَو) بَين اسْمَيْنِ محتملي الْوُجُود قيل إِنَّهَا حرف عطف (وَزعم ابْن كيسَان أَن أَصْلهَا أَو) أبدلت واوها ميما فتحولت إِلَى معنى يزِيد على معنى أَو

(3/196)


وَقَالَ أَبُو حَيَّان وَهِي دَعْوَى بِلَا دَلِيل وَلَو كَانَ كَذَلِك لاتفقت أحكامهما وهما مُخْتَلِفَانِ من أوجه مِنْهَا أَن السُّؤَال بِأَو قبله بِأم وَأَنه يقدر مَعَ (أَو) بِأحد وَمَعَ أم (بِأَيّ) وَأَن جَوَاب (أَو) بنعم أَو لَا وَجَوَاب (أم) بِالتَّعْيِينِ بِالِاسْمِ أَو الْفِعْل وَأَن الْأَحْسَن مَعَ أَو تَقْدِيم الْفِعْل وَمَعَ (أم) تَقْدِيم الِاسْم وَأَن (أَو) لَا يلْزم معادلتها للاستفهام بِخِلَاف أم وَأَنَّك إِذا استفهمت باسم وعطفت عَلَيْهِ كَانَ (بِأَو) دون (أم) وَأَن الْعَطف بعد أفعل التَّفْضِيل (بِأم) دون (أَو) وَكَذَا مَا لم يحسن السُّكُوت عَلَيْهِ (وَهِي قِسْمَانِ مُتَّصِلَة) تقع بعد همزَة التَّسْوِيَة (أَو) همزَة يطْلب بهَا وبأم (التَّعْيِين) وَلذَا تسمى معادلة لمعادلتها للهمزة فِي إِفَادَة التَّسْوِيَة أَو الِاسْتِفْهَام ويجمعهما أَن يُقَال هِيَ الَّتِي لَا يَسْتَغْنِي مَا بعْدهَا عَمَّا قبلهَا وَلَا يَقع إِلَّا فِيمَا يسْتَعْمل فِي لفظ الِاسْتِفْهَام سَوَاء أُرِيد مَعْنَاهُ أم لَا (وتختص الأولى) أَي الَّتِي تقع بعد همزَة التَّسْوِيَة (بِأَنَّهَا لَا تقع إِلَّا بَين جملتين) شَرطهمَا أَن يَكُونَا (فِي تَأْوِيل المفردين) وَسَوَاء الاسميتان والفعليتان والأغلب فيهمَا الْمُضِيّ والمختلفان كَقَوْلِه تَعَالَى {سَوَاء علينا أجزعنا أم صَبرنَا} [إِبْرَاهِيم: 21] وَقَوله {سَوَاء عَلَيْكُم أدعوتموهم أم أَنْتُم صامتون} [الْأَعْرَاف: 193] وَقَول الشَّاعِر 1607 -
(ولَسْتُ أُبالِي بعد فَقْدِيَ مالِكاً ... أمَوْتِيَ ناء أم هُوَ الْآن واقِعُ)
بِخِلَاف الْأُخْرَى فَتَقَع بَين مفردين وَهُوَ الْغَالِب فِيهَا نَحْو

(3/197)


{ءَأَنتُم أَشَدُ خَلقاً أَمِ السَّمَآءُ} [النازعات: 27] وجملتين ليستا فِي تأويلهما كَقَوْلِه 1608 -
(فَقُلْتُ أهْيَ سَرَتْ أمْ عادني حلُمُ)
وَقَوله 1609 -
(لَعمْرُك مَا أدْري وإنْ كنت دَاريا ... شُعَيْثُ ابْن سَهْم شُعَيْثُ ابْن مِنْقَر)
وتختص الأولى أَيْضا بِأَنَّهَا لَا تسْتَحقّ جَوَابا لِأَن الْمَعْنى مَعهَا لَيْسَ على الِاسْتِفْهَام فَإِن الْكَلَام مَعهَا قَابل للتصديق والتكذيب لِأَنَّهُ خبر بِخِلَاف الْأُخْرَى (وَيُؤَخر الْمَنْفِيّ فيهمَا) أَي الأولى وَالْأُخْرَى فَيُقَال (سَوَاء على أجاء أم لم يَجِيء) (أَقَامَ زيد أم لم يقم) وَلَا يجوز سَوَاء على لم يَجِيء أم جَاءَ وَلَا ألم يقم أم قَامَ فَإِن كَانَ مَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا مثبتا قدم مَا شِئْت مِنْهُمَا (وَفصل الثَّانِيَة من معطوفها أَكثر لَا وَاجِب وَلَا مَمْنُوع فِي الْأَصَح) مِثَال الْفَصْل {أذلك خير أم جنَّة الْخلد} [الْفرْقَان: 15] والوصل {أَقَرِيب أم بعيد مَا توعدون} [الْأَنْبِيَاء: 109] وَالتَّأْخِير أعندك زيد أم عَمْرو ألقيت زيدا أم عمرا وَقيل لَا يجوز إِلَّا الْفَصْل وَقيل لَا يجوز إِلَّا ضم أَحدهمَا إِلَى الآخر مقدمين أَو مؤخرين (وَقد تحذف الْهمزَة) وتنوي كَقَوْلِه 1610 -
(لَعَمْرُك مَا أدْري وَإِن كنتُ دارياً ... بسَبْع رمَيْن الْجَمْر أم بثَمان} أَي أبسبع وَقُرِئَ {سَوَاءٌ عَلَيهِم أَنذَرتَهُم أَم لَم تُنذِرهُم} [الْبَقَرَة: 6] بِهَمْزَة وَاحِدَة

(3/198)


(و) قد تحذف (أم والمعطوف بهَا) كَقَوْلِه 1611 -
(دَعَاني إليْها القلْبُ إنِّي لأَمره ... سميعٌ فَمَا أَدْرِي أرُشْدٌ طِلاَبُها)
أَي أم غي (و) قد يحذف (هُوَ) أَي الْمَعْطُوف بهَا (دونهَا بتعويض لَا) نَحْو أَزِيد عنْدك أم لَا أَزِيد يقوم أم لَا (قيل: و) يحذف (دونه) أَي دون تعويض وَجعل مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {أَفلا تبصرون أم} [الزخرف: 51، 52] أَي أم تبصرون ثمَّ ابْتَدَأَ {أَنا خير} [الزخرف: 52] قَالَ ابْن هِشَام وَهَذَا بَاطِل إِذْ لم يسمع حذف مَعْطُوف بِدُونِ عاطفة وَإِنَّمَا الْمَعْطُوف جملَة {أَنَا خَيرٌ} [الزخرف: 52] وَوجه المعادلة أَن الأَصْل أم ينْصرُونَ ثمَّ أُقِيمَت الأسمية مقَام الفعلية وَالسَّبَب مقَام الْمُسَبّب لأَنهم إِذْ قَالُوا لَهُ (أَنْت خير) كَانُوا عِنْده بصراء قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ (و) يحذف (الْمَعْطُوف عَلَيْهِ) وَجعل مِنْهُ {أَم كُنتُم شَهَدَآءَ} [الْبَقَرَة: 133] أَي (أَتَدعُونَ على الْأَنْبِيَاء الْيَهُودِيَّة أم كُنْتُم شُهَدَاء) وَوَافَقَهُ الواحدي وَقدر أبلغكم مَا تنسبون إِلَى يَعْقُوب من إيصائه بنية باليهود أم كُنْتُم (و) الثَّانِي من قسمي أم (مُنْقَطِعَة) سميت بذلك لِأَن الْجُمْلَة بعْدهَا مُسْتَقلَّة وَهِي

(3/199)


الَّتِي تقع (بعد غير همزَة الِاسْتِفْهَام) وَذَلِكَ إِمَّا خبر مَحْض نَحْو {تَنْزِيل الْكتاب لَا ريب فِيهِ من رب الْعَالمين} [السَّجْدَة: 2] أَو همزَة لغير اسْتِفْهَام نَحْو {ألهم أرجل يَمْشُونَ بهَا أم لَهُم أيد} [الْأَعْرَاف: 195] لِأَن الْهمزَة هُنَا للإنكار فَهِيَ بِمَعْنى النَّفْي أَو الِاسْتِفْهَام بِغَيْر الْهمزَة نَحْو {هَل يَستَووي الأَعمَى وَالبَصيِرُ أَم هَل تَستَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} [الرَّعْد: 16] وَاخْتلف فِي مَعْنَاهَا (فَقَالَ البصريون هِيَ بِمَعْنى بل) أَي للإضراب (والهمزة مُطلقًا) (و) قَالَ (الْكسَائي وَهِشَام) هِيَ (كبل وتاليها) أَي مَا بعْدهَا (كمتلوها) أَي كَمَا قبلهَا فَإِذا قلت قَامَ زيد أم عَمْرو فَالْمَعْنى بل قَامَ عَمْرو وَإِذا قلت هَل قَامَ زيد أم عَمْرو فَالْمَعْنى بل هَل قَامَ عَمْرو ورد بقوله تَعَالَى {وَمَا خلقنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا بَاطِلا} إِلَى قَوْله {أَم نَجعَلُ الَّذِينَءَامَنُوا} [ص: 27، 28] الْآيَة ف (أم) لم يتقدمها اسْتِفْهَام وَقد استؤنف بِأم السُّؤَال على جِهَة الْإِنْكَار وَالرَّدّ وَلَا يُمكن أَن يكون مَا بعْدهَا مُوجبا فَلَيْسَ مثل مَا قبلهَا (و) قَالَ (الْفراء) هِيَ ك (بل) إِذا وَقعت (بعد اسْتِفْهَام) كَقَوْلِه 1612 -
(فواللهِ مَا أَدْرِي أسَلْمَى تغوَّلَتْ ... أم النّوْمُ أم كُلُّ إليَّ حَبيبُ)
أَي بل كل ورد بِأَن الْمَعْنى على الِاسْتِفْهَام أَي بل أكل إِلَى حبيب لِأَنَّهَا لما تمثلت لعَينه لم يدر أذلك فِي النّوم أم صَارَت من الغول لِأَن الْعَرَب تزْعم أَنَّهَا تبدو متزينة لتفتن ثمَّ لما جوز أَن تكون تغولت دَاخله الشَّك فَقَالَ بل أكل إِلَيّ حبيب أَي الغول وسلمى كل مِنْهُمَا إِلَى حبيب (و) قَالَ (قوم) تكون ك (بل) إِذا وَقعت بعد الِاسْتِفْهَام (وَالْخَبَر)

(3/200)


وَقَالَ (أَبُو عُبَيْدَة) هِيَ (كالهمزة مُطلقًا) قَالَ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {أَم ترِيدُونَ أَن تَسئَلُوا رَسُولَكُم} [الْبَقَرَة: 108] (و) قَالَ (الْهَرَوِيّ) فِي (الأزهية) هِيَ كالهمزة (إِن لم يتَقَدَّم) عَلَيْهَا (اسْتِفْهَام) ورد الْقَوْلَانِ بِأَنَّهَا لَو كَانَت بِمَعْنى الْهمزَة لوقعت فِي أول الْكَلَام وَذَلِكَ لَا يجوز فِيهَا ولورودها للاستفهام بعده فِي قَوْله 1613 -
(هَلْ مَا عَلِمْتَ وَمَا اسُتودِعْت مَكْتومُ ... أم حَبْلها إِذْ نَأتْكَ الْيَوْم مَصْرومُ)
فَإِنَّهُ اسْتَأْنف السُّؤَال بِأم عَمَّا بعْدهَا مَعَ تقدم الِاسْتِفْهَام لِأَن الْمَعْنى بل أحبلها لقَوْله بعده
(أم هَل كبيرٌ بَكَى لم يَقْص عبَرته ... إثْر الأحِبَّة يَوْم الْبَين مَشْكُومُ)
(وَتدْخل) أم هَذِه (على هَل) كَمَا تقدم (و) على (سَائِر أَسمَاء الِاسْتِفْهَام فِي الْأَصَح) نَحْو {أَمَّاذَا كُنتُم تَعمَلُون} [النَّمْل: 84] وَلَا تدخل على حرفه وَهُوَ الْهمزَة وَبِذَلِك اسْتدلَّ على أَنَّهَا بِمَعْنى بل والهمزة وَإِلَّا لدخلت عَلَيْهَا كَمَا يدْخل عَلَيْهَا بل فِي قَوْلك أَقَامَ زيد بل أَقَامَ عَمْرو وَلَا بدع فِي دُخُولهَا على هَل وَإِن كَانَت للاستفهام فقد دخلت عَلَيْهَا الْهمزَة فِي قَوْله 1615 -
(أهَل رأوْنا بسَفح القاع ذِي الأكَم ... )

(3/201)


وَذهب الصفار إِلَى منع دُخُول (أم) على (هَل) وَغَيرهَا لِأَنَّهُ جمع بَين أداتي معنى وَقَالَ لَا يحفظ مِنْهُ إِلَّا قَوْله 1616 -
(أم هَل كبيرٌ بَكَى ... )
وَقَوله 1617 -
(أم هَل لامَنِي فِيك لائمُ ... )
وَقَوله 1618 -
(وَمَا أنتَ أمْ مَا ذِكرُها رَبعيّة ... )
وَقَوله تَعَالَى {أَمَّن هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُم} [الْملك: 20] (أَمن يرزقكم) قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا مِنْهُ دَلِيل على الجسارة وَعدم حفظ كتاب الله قَالَ وَقد دخلت على كَيفَ فِي قَوْله 1619 -
(أم كَيفَ يَنْفَع مَا تُعْطي العَلوقُ بِهِ ... )

(3/202)


وعَلى (أَيْن) فِي قَوْله: 1620 -
(فَأصْبح لَا يَدْري أيَقْعُد فيكُمُ ... على حَسَك الشّحْناء أم أيْن يَذْهبُ)
(لَا مُفْرد) أَي لَا تدخل عَلَيْهِ (خلافًا لِابْنِ مَالك) فِي قَوْله بذلك وَأَنه مِنْهُ قَوْلهم (إِنَّهَا لإبل أم شَاءَ) لقَوْل بَعضهم (إِن هُنَاكَ لإبلا أم شَاءَ) بِالنّصب قَالَ فَهَذَا عطف صَرِيح يُقَوي عدم الْإِضْمَار فِي الْمَرْفُوع قَالَ أَبُو حَيَّان وَابْن هِشَام وَقد خرق إِجْمَاع النَّحْوِيين فِي ذَلِك فَإِنَّهُم اتَّفقُوا على تَقْدِير مُبْتَدأ أَي بل أَهِي شَاءَ وَأما رِوَايَة النصب إِن صحت فَالْأولى أَن يقدر فِيهَا ناصب أَي أم أرى شَاءَ (قَالَ أَبُو زيد) الْأنْصَارِيّ (وَترد) أم (زَائِدَة) وَاسْتدلَّ بقوله: 1621 -
(يَا ليْت شِعري وَلَا مَنْجَا من الهَرَم ... أم هَل على الْعَيْش بعد الشّيْب من نَدَم)

أَو
أَو (قَالَ المتقدمون هِيَ لإحدى الشَّيْئَيْنِ أَو الْأَشْيَاء) قَالَ ابْن هِشَام وَهُوَ التَّحْقِيق والمعاني الَّتِي ذكرهَا غَيرهم مستفادة من غَيرهَا (و) قَالَ (الْمُتَأَخّرُونَ) هِيَ مَعَ ذَلِك (للشَّكّ) من الْمُتَكَلّم نَحْو: {لبثنا يَوْمًا أَو بعض يَوْم} [الْكَهْف: 19] (والإبهام) بِالْمُوَحَّدَةِ على السَّامع نَحوه {وَإِنَّا أَو إيَّاكُمْ لعلى هدى أَو فِي ضلال مُبين} [سبأ: 24] (والتخيير وَالْإِبَاحَة) وَالْفرق بَينهمَا أَن الثَّانِي يجوز فِيهِ الْجَمِيع نَحْو اقْرَأ فقها أَو نَحوا بِخِلَاف الأول نَحْو انكح هندا أَو أُخْتهَا

(3/203)


قَالَ ابْن مَالك وَأكْثر ... (وَالتَّفْصِيل) بعد الْإِجْمَال نَحْو: {وَقَالُوا كونُوا هودا أَو نَصَارَى تهتدوا} [الْبَقَرَة: 135] {قَالُوا سَاحر أَو مَجْنُون} [الذاريات: 52] أَي قَالَ بَعضهم كَذَا وَبَعْضهمْ كَذَا (والإضراب) ك (بل) (قَالَ قوم) تَأتي لَهُ (مُطلقًا) كَقَوْلِه تَعَالَى: {وأرسلناه إِلَى مائَة ألف أَو يزِيدُونَ} [الصافات: 147] أَي بل يزِيدُونَ وَقَول جرير: 1622 -
(مَاذَا ترى فِي عِيَال قد بَرمْتُ بهم ... لم أُحْص عِدَّتَهُم إِلَّا بعدّاد)

(كَانُوا ثَمَانِينَ أَو زادوا ثَمَانِيَة ... لَوْلَا رجَاؤُك قد قَتّلْتُ أوْلادي)
(و) قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِذا وَقعت (بعد نفي أَو نهي أَو) بعد (إِعَادَة الْعَامِل) نَحْو (مَا) قَامَ زيد أَو مَا قَامَ عَمْرو أَو (لَا تضرب زيدا أَو لَا تضرب عمرا) (قَالَ الكوفية والأخفش والجرمي والأزهري وَابْن مَالك و) بِمَعْنى (الْوَاو) أَي لمُطلق الْجمع نَحْو:

(3/204)


1623 -
(لِنَفْسي تُقَاها أَو عَلَيْهَا فُجُورُها ... )
أَي وَعَلَيْهَا 1624 -
(جَاءَ الخِلافَة أَو كانَتْ لَهُ قَدَرًا ... )
أَي وَكَانَت قَالَ ابْن مَالك وَمن أحسن شواهده حَدِيث: (اسكن حرا) فَمَا عَلَيْك إِلَّا نَبِي أَو صديق أَو شَهِيد وَحَدِيث (مَا أخطأك سرف أَو مخيلة)

(3/205)


وَغَيرهم تَأَول الْبَيْتَيْنِ الأول على أَن أَو فِيهِ للإبهام وَأَنَّهَا فِي الثَّانِي للشَّكّ وَقَالَ ابْن هِشَام الَّذِي رَأَيْته فِي ديوَان جرير إِذْ كَانَت وَقَالَ أَبُو حَيَّان إِنَّهَا الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة (زَاد ابْن مَالك) فِي الكافية وَشَرحهَا (والتقسيم) نَحْو الْكَلِمَة اسْم أَو فعل أَو حرف وَلم يذكرهُ فِي التسهيل وَلَا شَرحه بل قَالَ تَأتي للتفريق الْمُجَرّد من الشَّك والإبهام والتخيير قَالَ وَهَذَا أولى من التَّعْبِير بالتقسيم لِأَن اسْتِعْمَال الْوَاو فِيهِ أَجود قَالَ وَمن مَجِيئه بِأَو قَوْله: 1625 -
(فَقَالُوا لنا ثِنْتان لَا بُدَّ مِنْهُمَا ... صدُورُ رماح أُشْرعت أَو سَلاسِلُ)
قَالَ ابْن هِشَام ومجيء الْوَاو فِي التَّقْسِيم أَكثر لَا يَقْتَضِي أَن (أَو) لَا تَأتي لَهُ (و) قَالَ (الحريري) والتقريب نَحْو مَا أَدْرِي أسلم أَو ودع وَأذن أَو أَقَامَ قَالَ ابْن هِشَام وَهُوَ بَين الْفساد لِأَن التَّقْرِيب إِنَّمَا اسْتُفِيدَ من إِثْبَات اشْتِبَاه السَّلَام بالتوديع فَهِيَ للشَّكّ (و) قَالَ (ابْن الشجري وَالشّرط) نَحْو لأضربنه عَاشَ أَو مَاتَ أَي إِن عَاشَ بعد الضَّرْب وَإِن مَاتَ مِنْهُ ولآتينك أَعْطَيْتنِي أَو أحرمتني قَالَ ابْن هِشَام وَالْحق أَنَّهَا للْعَطْف على بَابهَا وَلَكِن لما عطفت على مَا فِيهِ معنى الشَّرْط دخل فِيهِ الْمَعْطُوف

(3/206)


(و) قَالَ (قوم) من الْكُوفِيّين (والتبعيض) نَحْو: {وَقَالُوا كونُوا هودا أَو نَصَارَى} [الْبَقَرَة: 135] قَالَ ابْن هِشَام وَالَّذِي يظْهر أَنه أَرَادَ معنى التَّفْصِيل فَإِن كل وَاحِد مِمَّا قبل أَو التفصيلية وَمَا بعْدهَا بعض لما تقدم عَلَيْهِمَا من الْمُجْمل وَلم يرد أَنَّهَا ذكرت لتفيد مُجَرّد معنى التَّبْعِيض (وَلَا تَأتي بعد همزَة التَّسْوِيَة) لِأَنَّهَا لأحد الشَّيْئَيْنِ أَو الْأَشْيَاء والتسوية تَقْتَضِي شَيْئَيْنِ فَصَاعِدا فَلَا يُقَال سَوَاء كَانَ كَذَا أَو كَذَا قَالَ ابْن هِشَام وَقد أولع بهَا الْفُقَهَاء وَهُوَ لحن وَالصَّوَاب الْإِتْيَان بِأم وَفِي الصِّحَاح تَقول سَوَاء عَليّ أَقمت أَو قعدت وَهُوَ سَهْو وَفِي الْكَامِل أَن ابْن مُحَيْصِن قَرَأَ: {أَو لَمْ تُنذِرْهُمْ} [الْبَقَرَة: 6] وَهُوَ من الشذوذ بمَكَان قَالَ أما همزَة الِاسْتِفْهَام فيعطف بعْدهَا بِأَو نَحْو أَزِيد عنْدك أَو عَمْرو انْتهى وَفِي البديع قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِذا كَانَ بعد (سَوَاء) همزَة الِاسْتِفْهَام فَلَا بُد من (أم) اسْمَيْنِ كَانَا أَو فعلين تَقول سَوَاء عَليّ أَزِيد فِي الدَّار أم عَمْرو وَسَوَاء عَليّ أَقمت أم قعدت وَإِذا كَانَ بعْدهَا فعلان بِغَيْر ألف الِاسْتِفْهَام عطف الثَّانِي بِأَو تَقول سَوَاء عَليّ قُمْت أَو قعدت وَإِن كَانَا اسْمَيْنِ بِلَا ألف عطف الثَّانِي بِالْوَاو تَقول سَوَاء عَليّ زيد وَعَمْرو

(3/207)


وَإِن كَانَ بعْدهَا مصدران كَانَ الثَّانِي بِالْوَاو وأو حملا عَلَيْهَا قَالَ السيرافي فَإِذا قلت سَوَاء عَليّ قُمْت أَو قعدت فتقديره إِن قُمْت أَو قعدت فهما عَليّ سَوَاء فعلى هَذَا سَوَاء خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي الْأَمْرَانِ سَوَاء وَالْجُمْلَة دَالَّة على جَوَاب الشَّرْط الْمُقدر قَالَ ابْن الدماميني وَبِذَلِك تبين صِحَة قَول الْفُقَهَاء وَكَأن ابْن هِشَام توهم أَن الْهمزَة لَازِمَة بعد كلمة سَوَاء فِي أول جملتيها وَلَيْسَ كَذَلِك
إِمَّا
(إِمَّا) بِالْكَسْرِ (المسبوقة بِمِثْلِهَا لمعاني (أَو) الْخَمْسَة) الأول الشَّك نَحْو جَاءَ إِمَّا زيد وَإِمَّا عَمْرو والإبهام نَحْو: {وَءَاخَرُونَ مُرجَونَ لأَمرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِبُهُم وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيهِم} [التَّوْبَة: 106] والتخيير نَحْو: {إِمَّا أَن تعذب وَإِمَّا أَن تتَّخذ فيهم حسنا} [الْكَهْف: 81] وَالْإِبَاحَة نَحْو اقْرَأ إِمَّا فقها وَإِمَّا نَحوا وَالتَّفْصِيل نَحْو: {إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا} [الْإِنْسَان: 3] وَعبر عَنهُ فِي التسهيل بِالتَّفْرِيقِ الْمُجَرّد كَمَا عبر بِهِ فِي أَو وَالْفرق بَينهَا وَبَين (أَو) فِي الْمعَانِي الْخَمْسَة أَنَّهَا لتكررها يدل الْكَلَام مَعهَا من أول وهلة على مَا أَتَى بهَا لأَجله من شكّ أَو غَيره بِخِلَاف (أَو) فَإِن الْكَلَام مَعهَا أَولا دَال على الْجَزْم ثمَّ يُؤْتى (بِأَو) دَالَّة على مَا جِيءَ بهَا لأَجله ثمَّ التَّحْقِيق أَن (إِمَّا) لأحد الشَّيْئَيْنِ أَو الْأَشْيَاء وَهَذِه الْمعَانِي تعرض فِي الْكَلَام من جِهَة أُخْرَى كَمَا فِي أَو (وَأنكر قوم الْإِبَاحَة) فِي (إِمَّا) مَعَ إثباتهم ذَلِك لأو (و) أنكر (يُونُس وَأَبُو عَليّ) الْفَارِسِي (وَابْن كيسَان وَابْن مَالك كَونهَا عاطفة) كَمَا أَن الأولى غير عاطفة وَقَالُوا الْعَطف بِالْوَاو الَّتِي قبلهَا وَهِي جائية لِمَعْنى من الْمعَانِي المفادة بِأَو

(3/208)


وَقَالَ ابْن مَالك وُقُوعهَا بعد الْوَاو مسبوقة بِمِثْلِهَا شَبيه بِوُقُوع لَا بعد الْوَاو مسبوقة بِمِثْلِهَا فِي مثل لَا زيد وَلَا عَمْرو فِيهَا و (لَا) هَذِه غير عاطفة بِإِجْمَاع مَعَ صلاحيتها للْعَطْف قبل الْوَاو فلتكن إِمَّا كَذَلِك بل أولى (وَادّعى ابْن عُصْفُور الْإِجْمَاع عَلَيْهِ) أَي على كَونهَا غير عاطفة كالأولى تخلصا من دُخُول عاطف على عاطف قَالَ وَإِنَّمَا ذكروها فِي بَاب الْعَطف لمصاحبتها لحرفه (وَقيل) (إِمَّا) (عطفت الِاسْم على الِاسْم وَالْوَاو) عطفت (إِمَّا على إِمَّا) قَالَ ابْن هِشَام وَعطف الْحَرْف على الْحَرْف غَرِيب وَقَالَ الرضي غير مَوْجُود (وَقد تفتح همزتها) وَالْتَزَمَهُ تَمِيم وَقيس وَأسد كَقَوْلِه: 1626 -
(تُلَقِّحُها أمّا شَمالٌ عَريَّةٌ ... وأمَّا صبا جنْح العشيّ هَبُوبُ)
(و) قد (تبدل الْمِيم الأولى يَاء) مَعَ كسر الْهمزَة وَفتحهَا كَقَوْلِه: 1627 -
(لَا تُفسِدُوا آبَا لَكُمْ ... إيما لنا إيما لَكُمْ)
وَقَوله: 1628 -
(يَا لَيْتَما أمُّنَا شَالَت نَعَامَتُها ... إيْما إِلَى جَنّة إيما إِلَى نَار)
(و) قد (تحذف الأولى) كَقَوْلِه: 1629 -
(تُهاضُ بدار قد تقادم عَهْدُها ... وإمَّا بأمواتٍ ألمَّ خَيَالُها)

(3/209)


وَنقل النّحاس أَن الْبَصرِيين لَا يجيزون فِيهَا إِلَّا التكرير وَأَن الْفراء أجَازه إِجْرَاء لَهَا مجْرى (أَو) فِي ذَلِك (أَو) تحذف (الْوَاو) من الثَّانِيَة فتنوى كالبيت السَّابِق (أَو) يحذف (مَا) من الأولى أَو الثَّانِيَة كَقَوْلِه: 1630 -
(وَقد كَذَبَتْكَ نَفْسُك فاكْذَبَنْها ... فَإِن جَزَعاً وَإِن إجْمالَ صَبْر)
(أَو) تحذف (هِيَ) بكمالها (مُسْتَغْنى عَنْهَا ب (وَإِلَّا) أَو بِأَو) كَقَوْلِه: 1631 -
(فإمَّا أَن تكونَ أخِي بصدْق ... فأعْرفَ مِنْك غَثِّي من سَمِيني)

(وإلاّ فاطَّرحْني واتَّخِذْنِي ... عدوًّا أتَّقِيك وتَّتّقِيني)
وَقَوله: 1632 -
(وَقد شَفّنِي ألاّ يَزال يروعُنِي ... خَيَالُك إمّا طَارِقًا أَو مُغاديا)
(وَهِي مركبة) من (إِن) و (مَا) الزَّائِدَة (على الْأَصَح) وَهُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَعَلِيهِ بني الِاقْتِصَار على (إِن) وَحذف (مَا) وَقيل بسيطة وَاخْتَارَهُ أَبُو حَيَّان لِأَن الأَصْل البساطة لَا التَّرْكِيب

(3/210)


بل
(بل) للإضراب فَإِن كَانَت بعد أَمر أَو إِيجَاب نقلت حكم مَا قبلهَا لتاليها الْمُفْرد وَصَارَ مَا قبلهَا مسكوتا عَنهُ لَا يحكم لَهُ بِشَيْء نَحْو اضْرِب زيدا بل عمرا وَجَاء زيد بل عَمْرو أَو نفي أَو نهي (قَرّرته) أَي حكمه لَهُ (وَجعلت ضِدّه لتاليها) الْمُفْرد نَحْو مَا قَامَ زيد بل عَمْرو وَلَا تضرب زيدا بل عمرا (وَجوز الْمبرد النَّقْل فيهمَا) أَي النَّفْي وَالنَّهْي أَيْضا على تَقْدِير بل مَا قَامَ وبل لَا تضرب قَالَ ابْن مَالك وَهُوَ مُخَالف لاستعمال الْعَرَب كَقَوْلِه: 1633 -
(لَو اعْتصَمْتَ بِنَا لم تَعْتَصمْ بعِدًى ... بل أولياءَ كُفَاةٍ غَيْر أوغادِ)
وَقَوله: 1634 -
(وَمَا انْتَميْتُ إِلَى خثور وَلَا كُشُفٍ ... وَلَا لِئام غداةَ الرَّوْع أوْزَاع)

(بل ضاربين حبيك الْبيض إِن لَحِقُوا ... شُمّ العرانين عِنْد الْمَوْت لُذَّاعِ)
(وَمنع الكوفية و) أَبُو جَعْفَر (بن صابر الْعَطف بهَا بعد غَيرهمَا) قَالَ هِشَام مِنْهُم محَال ضربت عبد الله بل إياك قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا من الْكُوفِيّين مَعَ كَونهم أوسع من الْبَصرِيين فِي اتِّبَاع شواذ الْعَرَب دَلِيل على أَنه لم يسمع الْعَطف بهَا فِي الْإِيجَاب أَو على قلته وَلَا يعْطف بهَا بعد الِاسْتِفْهَام وفَاقا

(3/211)


(فَإِن تَلَاهَا جملَة فللإبطال) للمعنى الأول وإثباته لما بعد نَحْو: {أم يَقُولُونَ بِهِ جنَّة بل جَاءَهُم بِالْحَقِّ} [الْمُؤْمِنُونَ: 70] (أَو الِانْتِقَال) من غَرَض إِلَى آخر بِدُونِ إبِْطَال نَحْو: {ولدينا كتاب ينْطق بِالْحَقِّ وهم لَا يظْلمُونَ بل قُلُوبهم فِي غمرة} [الْمُؤْمِنُونَ: 62، 63] (وَلَيْسَت) حِينَئِذٍ (عاطفة على الصَّحِيح) بل حرف ابْتِدَاء (وتزاد قبلهَا لَا) لتوكيد الإضراب بعد الْإِيجَاب كَقَوْلِه: 1635 -
(وَجْهُك البدرُ لَا بل الشّمْسُ لَوْ لَمْ ... يُقْضَ للشَّمْس كَسْفةٌ وأُفولُ)
ولتوكيد تَقْرِير مَا قبلهَا بعد النَّفْي وَالنَّهْي (ومنعها) أَي زِيَادَة (لَا) (ابْن درسْتوَيْه بعد النَّفْي زَاد ابْن عُصْفُور) وَبعد (النَّهْي) أَيْضا قَالَ لِأَنَّهُ لم يسمع ورد بقوله: 1636 -
(وَمَا هَجَرْتُك لَا بل زادَني شغَفًا ... هَجْرٌ وبُعْدٌ ترَاخى لَا إِلَى أجَل)
وَقَوله: 1637 -
(لَا تَملَّنَّ طاعةَ الله لاَ بَلْ ... طاعةَ الله مَا حَييتَ اسْتَدِيما)
قَالَ أَبُو حَيَّان وَيُقَال فِي لَا بل (نَا بن) و (لَا بن) و (نَا بل) بإبدال اللامين أَو إِحْدَاهمَا نونا (وتزاد (لَا) ضَرُورَة)
حَتَّى
(حَتَّى) هِيَ (كالواو) لمُطلق الْجمع

(3/212)


(وَقيل) هِيَ (للتَّرْتِيب) قَالَ ابْن مَالك وَهِي دَعْوَى بِلَا دَلِيل فَفِي الحَدِيث:
(كل شَيْء بِقَضَاء وَقدر حَتَّى الْعَجز والكيس) وَلَيْسَ فِي الْقَضَاء تَرْتِيب وَإِنَّمَا التَّرْتِيب فِي ظُهُور المقضيات وَقَالَ الشَّاعِر: 1638 -
(لَقَوْمي حَتَّى الأقدمون تمَالَئُوا ... )
فعطف الأقدمون وهم سَابِقُونَ (و) تفارق الْوَاو فِي أَحْكَام (لَا يعْطف) إِلَّا مَا كَانَ (بَعْضًا) من الْمَعْطُوف عَلَيْهِ (أَو كبعض) مِنْهُ (غَايَة لَهُ فِي رَفعه أَو خفضه) نَحْو (مَاتَ النَّاس حَتَّى الْأَنْبِيَاء) و (قدم الْحجَّاج حَتَّى المشاة) وَقَوله: 1639 -
(قهرنَاكُمُ حَتَّى الكماةُ فأنتمُ ... تهَابُوننا حَتَّى بَنِينا الأصَاغِرا)
وَقَوله: 1640 -
(ألْقى الصَّحِيفَة كي يُخَفِّف رَحْلَه ... والزَّادَ حَتَّى نَعْله ألْقاهَا)
فالنعل لَيست بعض الصَّحِيفَة والزاد وَلَكِن كبعضه لِأَن الْمَعْنى ألْقى مَا يثقله قَالَ ابْن هِشَام وَالضَّابِط أَنَّهَا تدخل حَيْثُ يَصح الِاسْتِثْنَاء وتمتنع حَيْثُ يمْتَنع وَلِهَذَا لَا يجوز (ضربت الرجلَيْن حَتَّى أفضلهما) و (لَا صمت الْأَيَّام حَتَّى يَوْمًا)

(3/213)


(وَكَذَا لَا تعطف إِلَّا مَا كَانَ (مُفردا على الصَّحِيح) لِأَن الْجُزْئِيَّة لَا تتأتى إِلَّا فِي الْمُفْردَات وَقَالَ ابْن السَّيِّد يعْطف بهَا الْجمل كَقَوْلِه: 1641 -
(سريْتُ بهم حَتَّى تكِلُّ مطيُّهُمْ ... )
بِرَفْع (تكل) عطفا على سريت وَنقل فِي الْبَسِيط عَن الْأَخْفَش أَنَّهَا تعطف الْفِعْل إِذا كَانَت سَببا كالفاء نَحْو مَا تَأْتِينَا حَتَّى تحدثنا (قَالَ) ابْن هِشَام (الخضراوي و) لَا تعطف إِلَّا مَا كَانَ (ظَاهرا) كَمَا لَا تجر إِلَّا الظَّاهِر قَالَ فِي الْمُغنِي وَلم أره لغيره (ويعاد الْجَار مَعهَا) إِذا عطفت على مجرور فرقا بَينهَا وَبَين الجارة نَحْو مَرَرْت بالقوم حَتَّى بزيد ثمَّ اخْتلف فِيهِ هَذِه الْإِعَادَة (قَالَ ابْن عُصْفُور) يُعَاد (رجحانا) لَا وجوبا (و) قَالَ ابْن (الخباز) المصولي شَارِح (ألفية) ابْن معط (و) أَو عبد الله (الجليس) صَاحب (ثمار الصِّنَاعَة) (وجوبا و) قَالَ (ابْن مَالك إِن لم يتَعَيَّن للْعَطْف) وَجب نَحْو اعْتكف فِي الشَّهْر حَتَّى فِي آخِره وَإِن تعيّنت لَهُ (فَلَا لحُصُول الْفرق) نَحْو عجبت من الْقَوْم حَتَّى بنيهم وَقَوله: 1642 -
(جُود يُمْنَاك فاضَ فِي الخلْق حتّى ... بائس دَان بالإساءة دينا)

(3/214)


قَالَ ابْن هِشَام وَهُوَ حسن وَأما أَبُو حَيَّان فَرده وَقَالَ هِيَ فِي الْمِثَال جَارة وَفِي الْبَيْت مُحْتَملَة (والعطف بهَا قَلِيل وَمن ثمَّ) أَي من أجل قَتله (أنكرهُ الكوفية) فَقَالُوا لَا يعْطف بهَا أَلْبَتَّة وحملوا نَحْو جَاءَ الْقَوْم حَتَّى أَبوك ورأيتهم حَتَّى أَبَاك ومررت بهم حَتَّى أَبِيك على أَن حَتَّى فِيهِ ابتدائية وَأَن مَا بعْدهَا بإضمار عَامل
لَا
((لَا) يعْطف بهَا بعد أَمر) نَحْو اضْرِب زيدا لَا عمرا (وَدُعَاء) نَحْو غفر الله لزيد لَا لبكر (وتحضيض) نَحْو هلا تضرب زيدا لَا عمرا (وَإِيجَاب) نَحْو (جَاءَ زيد لَا عَمْرو) و (زيد قَائِم لَا عَمْرو أَو لَا قَاعد) وَيقوم زيد لَا عَمْرو (وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ ونداء) نَحْو يَا ابْن أخي لَا ابْن عمي وَأنْكرهُ ابْن سَعْدَان وَقَالَ لَيْسَ هَذَا من كَلَامهم قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذِه شَهَادَة على نفي وَالظَّن لسيبويه أَنه لم يذكرهُ فِي كِتَابه إِلَّا وَهُوَ مسموع (و) قَالَ (الْفراء وَاسم لَعَلَّ) نَحْو لَعَلَّ عمرا لَا زيدا منطلق كَمَا يجوز ذَلِك فِي اسْم إِن (وَشرط السُّهيْلي) فِي نتائج الْفِكر والأيذي فِي شرح الجزولية وَأَبُو حَيَّان فِي الارتشاف وَابْن هِشَام فِي الْمُغنِي (تعاند متعاطفيها) فَلَا يجوز جَاءَنِي رجل لَا زيد أَو لَا عَاقل لصدق اسْم الرجل عَلَيْهِ بِخِلَاف لَا امْرَأَة أَو عَالم لَا جَاهِل أَو عَمْرو لَا زيد وَعلله الأبذي بِأَن (لَا) تدخل لتأكيد الْمَنْفِيّ وَلَيْسَ فِي مَفْهُوم الْكَلَام الأول مَا يَنْفِي الْفِعْل عَن الثَّانِي فَإِن أُرِيد بذلك الْمَعْنى جِيءَ بِغَيْر فَيُقَال غير زيد وَغير عَاقل بِخِلَاف الْأَمْثِلَة الْأَخِيرَة فَإِن مَفْهُوم الْخطاب يقْضِي من قَوْلك جَاءَ رجل

(3/215)


وَنَحْوه نفي الْمَرْأَة وَنَحْوهَا فَدخلت (لَا) للتصريح بِمَا اقْتَضَاهُ الْمَفْهُوم وللسبكي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مؤلف مُسْتَقل يشْتَمل على نفائس لخصتها فِي حَاشِيَة الْمُغنِي (وضع قوم الْعَطف بهَا على معموم مَاض) فَلم يجيزوا (قَامَ زيد لَا عَمْرو) مَعَ إجازتهم ذَلِك فِي الْمُضَارع قَالُوا لِأَنَّهَا تكون نَافِيَة للماضي وَنفي الْمَاضِي لَا يجوز وَمَا جَاءَ مِنْهُ حفظ وَلم يقس عَلَيْهِ وَقيل لِأَن الْعَامِل مُقَدّر بعد العاطف وَلَا يُقَال لَا قَامَ عَمْرو إِلَّا على الدُّعَاء قَالَ ابْن هِشَام وَهُوَ مَرْدُود فَإِنَّهُ لَو توقفت صِحَة الْعَطف على تَقْدِير الْعَامِل بعد الْحَرْف لامتنع لَيْسَ زيد قَائِما وَلَا قَاعِدا وَلَا يعْطف بهَا جملَة لَا مَحل لَهَا فِي الْأَصَح وَقد يحذف متبوعها نَحْو (أَعطيتك لَا لتظلم) أَي لتعدل لَا لتظلم
لَكِن
(لن) للاستدراك فَإِن وَليهَا جملَة فَغير عاطفة بل حرف ابْتِدَاء سَوَاء كَانَت بِالْوَاو نَحْو: {وَلَكِن كَانُوا هم الظَّالِمين} [الزخرف: 76] أَو بِدُونِهَا كَقَوْلِه: 1643 -
(إنَّ ابْنَ ورقَاء لَا تُخْشَى بوادِرُه ... لَكِنْ وقائِعُهُ فِي الْحَرْب تُنْتَظَرُ)
(وَقَالَ ابْن أبي الرّبيع) هِيَ عاطفة جملَة على جملَة (مَا لم تقترن بِالْوَاو) أَو وَليهَا (مُفْرد فشرطها تقدم نفي أَو نهي) نَحْو مَا قَامَ زيد لَكِن عَمْرو لَا تضرب زيدا لَكِن عمرا (قَالَ الكوفية أَو إِيجَاب) كبل لِأَنَّهَا مثلهَا فِي الْمَعْنى نَحْو قَامَ زيد لَكِن عَمْرو

(3/216)


والبصريون منعُوهُ لِأَنَّهُ لم يسمع فَيتَعَيَّن كَونهَا حرف ابْتِدَاء بعده الْجُمْلَة فَيُقَال لَكِن عَمْرو لم يقم (و) الثَّانِي (أَلا تقترن بِالْوَاو) فَإِن اقترنت بِهِ فحرف ابْتِدَاء لِأَن العاطف لَا يدْخل على عاطف نَحْو مَا قَامَ زيد وَلَكِن عَمْرو (وَقيل لَا تكون) عاطفة (مَعَه) أَي مَعَ الْمُفْرد (إِلَّا بهَا) أَي بِالْوَاو قَالَه ابْن خروف (وَزعم يُونُس الْعَطف بِالْوَاو دونهَا) فَلَا تكون عاطفة عِنْده أصلا لِأَنَّهَا لَام لم تسْتَعْمل غير مسبوقة بواو وَهُوَ عِنْده عطف (مُفْرد) على (مُفْرد) (و) زعم (ابْن مَالك) أَن الْعَطف بِالْوَاو دونهَا لَكِن (عطف جملَة حذف بَعْضهَا) على جملَة صرح بجميعها فالتقدير وَلَكِن قَامَ عَمْرو وَعلل ذَلِك بِأَن الْوَاو لَا تعطف مُفردا على مُفْرد مُخَالف لَهُ فِي الْإِيجَاب وَالسَّلب بِخِلَاف الجملتين المتعاطفتين فَيجوز تخالفهما فِيهِ نَحْو قَامَ زيد وَلم يقم عَمْرو (و) زعم (ابْن عُصْفُور الْوَاو زَائِدَة لَازِمَة) والعطف بلكن (و) زعم (ابْن كيسَان) أَنَّهَا زَائِدَة (غير لَازِمَة) والعطف بلكن أَيْضا
لَيْسَ
(وَأثبت الكوفية الْعَطف بليس ك (لَا)) فَتكون حرفا وَاحْتَجُّوا بقوله: 1644 -
(أَيْن المَفرُّ والإلهُ الطّالِبُ ... والأشْرَمُ المغْلُوبُ لَيْسَ الغالِبُ)
أَي لَا الْغَالِب وَفِي الصَّحِيح من قَول أبي بكر بِأبي شَبيه بِالنَّبِيِّ لَيْسَ بشبيه بعلي

(3/217)


والبصريون أولُوا ذَلِك بِأَن الْمَرْفُوع بعْدهَا اسْمهَا وَالْخَبَر ضمير مُتَّصِل مَحْذُوف تَخْفِيفًا أَي ليسه قلت الغاب وَفِي ذَلِك نظر على أَن حذف خبر بَاب كَانَ ضَرُورَة (وَبِه نطق الشَّافِعِي) فَإِنَّهُ قَالَ فِي (الْأُم) فِي أثْنَاء مَسْأَلَة (لِأَن الطَّهَارَة على الظَّاهِر لَيْسَ على الأجواف) أَي لَا وَلَا يَصح أَن يكون اسْما ضميرا مستترا لوُجُوب تَأْنِيث الْفِعْل حِينَئِذٍ وَقَول الشَّافِعِي حجَّة فِي اللُّغَة
أَي
(و) أثبت الْكُوفِيُّونَ أَيْضا الْعَطف (بِأَيّ) نَحْو رَأَيْت الغضنفر أَي الْأسد وَضربت بالعضب أَي السَّيْف وَالصَّحِيح أَنَّهَا حرف تَفْسِير يتبع بعْدهَا الأجلي للأخفي لأَنا لم نر عاطفا يصلح للسقوط دَائِما وَلَا ملازما لعطف الشَّيْء على مرادفه وَهَذَا القَوْل نَقله فِي التسهيل عَن صَاحب المستوفي قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا أَدْرِي من هُوَ قَالَ وَالْعجب نسبته هَذَا الْمَذْهَب إِلَى كتاب مَجْهُول وَهُوَ مَذْهَب الْكُوفِيّين وَوَافَقَهُمْ ابْن صابر والسكاكي
هلا
(و) أثبت الْكُوفِيُّونَ عطف (هلا) قَالُوا تَقول الْعَرَب جَاءَ زيد فَهَلا عَمْرو وَضربت زيدا فَهَلا عمرا فمجيء الِاسْم مُوَافقا للْأولِ فِي الْإِعْرَاب دلّ على الْعَطف وَالصَّحِيح أَنَّهَا لَيست من أدواته وَالرَّفْع وَالنّصب على الْإِضْمَار بِدَلِيل امْتنَاع الْجَرّ فِي مَا مَرَرْت بِرَجُل فَهَلا امْرَأَة
إِلَّا
(و) أثبت الْكُوفِيُّونَ عطف (إِلَّا) وَجعلُوا مِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَواتُ وَالأَرضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رُبُّكَ} [هود: 107] أَي وَمَا شَاءَ رَبك ورد

(3/218)


بقَوْلهمْ مَا قَامَ إِلَّا زيد وَلَيْسَ شَيْء من أحرف الْعَطف يَلِي العوامل
أَيْن
(و) أثبتوا عطف (أَيْن) قَالُوا تَقول الْعَرَب هَذَا زيد فَأَيْنَ عَمْرو وَلَقِيت زيدا فَأَيْنَ عمرا
لَوْلَا وَمَتى
(و) أثبت الْكسَائي الْعَطف (بلولا وَمَتى) فِي قَوْلك مَرَرْت بزيد فلولا عَمْرو أَو فَمَتَى عَمْرو بِالْجَرِّ وأباه الْفراء كالبصريين
كَيفَ
(و) أثبت هِشَام الْعَطف (بكيف بعد نفي) نَحْو مَا مَرَرْت بزيد فَكيف عَمْرو وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ وَهُوَ رَدِيء لَا تَتَكَلَّم بِهِ الْعَرَب قَالَ أَبُو حَيَّان وَدخُول حرف الْعَطف على هَذِه الأحرف دَلِيل على أَنَّهَا لَيست حُرُوف عطف وَنسب ابْن عُصْفُور الْعَطف بكيف للكوفيين قَالَ ابْن بابشاذ وَلم يقل بِهِ مِنْهُم إِلَّا هِشَام وَحده قَالَ فِي الْمُغنِي وَقد قَالَ بِهِ عِيسَى بن موهب وَاسْتدلَّ بقوله: 1645 -
(إِذا قَلَّ مالُ الْمَرْء لانَت قَناتُه ... وَهَان على الأدْنى فَكيف الأباعِد)
قَالَ هَذَا خطأ لاقترانها بِالْفَاءِ والجر بِإِضَافَة مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي فيكف حَال الأباعد على حد قِرَاءَة: {وَالله يُرِيد الْآخِرَة} [الْأَنْفَال: 67] بالْعَطْف بِالْفَاءِ وَكَيف مقحمة لإِفَادَة الْأَوْلَوِيَّة بالحكم

(3/219)


عطف بعض الْأَسْمَاء على بعض
مسالة (يعْطف بعض الْأَسْمَاء على بعض) فيعطف الظَّاهِر على ظَاهر ومضمر مُتَّصِل ومنفصل والمضمر الْمُنْفَصِل على مثله ومتصل وَظَاهر سَوَاء صلح الْمَعْطُوف لمباشرة الْعَامِل أم لَا فَيجوز قَامَ زيد وَأَنا وَقمت أَنا وَزيد وَرب رجل وأخيه (وَمنع الأبذي عطف) ضمير (مُنْفَصِل على ظَاهر) قَالَ أَبُو حَيَّان وَوهم فِي ذَلِك وَكَلَام الْعَرَب على جَوَازه وَمِنْه {وَلَقَد وصينا الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ وَإِيَّاكُم} [النِّسَاء: 131] (وَلَا يعْطف على ضمير رفع مُتَّصِل اخْتِيَارا إِلَّا) بعد الْفَصْل (بفاصل مَا) ضميرا مُنْفَصِلا أَو غَيره نَحْو: {كُنتُم أَنتُم وَءَاباؤُكُم} [الْأَنْبِيَاء: 54] {يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ} [الرَّعْد: 23] {مَا أشركنا وَلَا آبَاؤُنَا} [الْأَنْعَام: 148] فصل فِي الأول بالضمير الْمَذْكُور وَفِي الثَّانِي بالمفعول وَفِي الثَّالِث بِلَا وَقَوله: 1646 -
(لقد نلْت عَبْد اللهِ وابْنُك غايَةً ... )
فصل بالنداء وَقَوله: 1647 -
(مُلِئْتَ رُعْباً وقومٌ كُنت رَاجيهم ... )

(3/220)


فصل بالتمييز قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا يَكْفِي الْفَصْل بكاف رويدك بل لَا بُد من التَّأْكِيد نَحْو رويدك أَنْت وزيدا وَمن ترك الْفَصْل ضَرُورَة قَوْله: 1648 -
(وَرَجا الأخَيْطِلُ من سفُاهة ... مَا لَمْ يكُنْ وأبٌ لَهُ لِينَالا)
(خلافًا للكوفية) فِي تجويزهم الْعَطف عَلَيْهِ بِلَا فصل اخْتِيَارا حكى مَرَرْت بِرَجُل سَوَاء والعدم وَفِي الصَّحِيح كنت وَأَبُو بكر وَعمر وَفعلت وَأَبُو بكر وَعمر وَانْطَلَقت وَأَبُو بكر وَعمر أما ضمير النصب فَيجوز الْعَطف عَلَيْهِ بِلَا فصل اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ كالجزء من الْفِعْل بِخِلَاف ضمير الرّفْع (وَلَا يجب عود الْجَار فِي الْعَطف على ضَمِيره) أَي الْجَرّ لوُرُود ذَلِك فِي الفصيح بِغَيْر عود قَالَ تَعَالَى: {تساءلون بِهِ والأرحام} [النِّسَاء: 1] {وَجَعَلنَا لكم فِيهَا معايش وَمن لَسْتُم لَهُ برازقين} [الْحجر: 20] وَسمع مَا فِيهَا غَيره وفرسه قَالَ: 1649 -
(فَمَا بك والأيّام من عَجَبٍ ... )
وَهَذَا رَأْي الْكُوفِيّين وَيُونُس والأخفش وَصَححهُ ابْن مَالك وَأَبُو حَيَّان (خلافًا لجمهور البصرية) فِي قَوْلهم بِوُجُوب إِعَادَة الْجَار لِأَنَّهُ الْأَكْثَر نَحْو: {فَقَالَ لَهَا وللأرض} [فصلت: 11] {وَعَلَيْهَا وعَلى الْفلك} [غَافِر: 80] {ينجيكم مِنْهَا وَمن كل كرب} [الْأَنْعَام: 64] {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَءَابَائِكَ} [الْبَقَرَة: 133]

(3/221)


وَاحْتَجُّوا بِأَن ضمير الْجَرّ شَبيه بِالتَّنْوِينِ ومعاقب لَهُ فَلم يجز الْعَطف عَلَيْهِ كالتنوين وَبِأَن حق المتعاطفين أَن يصلحا لحلول كل مِنْهُمَا مَحل الآخر وَضمير الْجَرّ لَا يصلح لحلوله مَحل الْمَعْطُوف فَامْتنعَ الْعَطف عَلَيْهِ قَالَ ابْن مَالك وَالْجَوَاب أَن شبه الضَّمِير بِالتَّنْوِينِ لَو منع الْعَطف عَلَيْهِ لمنع من توكيده والإبدال مِنْهُ كالتنوين وَلَا يمنعان بِإِجْمَاع وَأَن الْحُلُول لَو كَانَ شرطا لم يجز رب رجل وأخيه وَلَا كل شَاة وسخلتها بدرهم وَلَا: 1650 -
(الواهِبُ الْمِائَة الهجَان وعَبْدَها ... )
وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يصلح فِيهِ الْحُلُول (وَثَالِثهَا) وَهُوَ رَأْي الْجرْمِي والزيادي (يجب) الْعود (أَن لم يُؤَكد) نَحْو مَرَرْت بك وبزيد بِخِلَاف مَا إِذا أكد نَحْو مَرَرْت بك أَنْت وَزيد ومررت بِهِ نَفسه وَزيد ومررت بهم كلهم وَزيد (ويعطف) بالحرف (على) مَعْمُول (ومعمولي ومعمولات عَامل) وَاحِد (لَا) معمولات عوامل (ثَلَاثَة بِإِجْمَاع) فيهمَا فَيُقَال ضرب زيد عمرا وَبكر خَالِدا وَظن زيد عمرا مُنْطَلقًا وَبكر جعفرا مُقيما وَأعلم زيد عمرا بكرا مُقيما وَعبد الله جعفرا عَاصِمًا راحلا وَلَا يُقَال إِن زيدا فِي الْبَيْت على فرَاش وَالْقصر نطع عمرا أَي وَإِن فِي الْقصر على نطع عمرا بنيابة الْوَاو عَن (إِن) و (فِي) و (عَليّ) وَلَا جَاءَ من الدَّار إِلَى الْمَسْجِد زيد والحانوت الْبَيْت عَمْرو بنيابتها عَن (جَاءَ) و (من) و (إِلَى) (وَفِي) الْعَطف على معمولي (عاملين) أَقْوَال (منع سِيبَوَيْهٍ) الْعَطف (مُطلقًا) فِي الْمَجْرُور وَغَيره وَصَححهُ ابْن مَالك فَلَا يُقَال كَانَ آكلا طَعَاما زيد وَتَمْرًا عَمْرو وَلَا فِي الدَّار زيد والحجرة عَمْرو لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة تعديتين بمعد وَاحِد وَذَلِكَ لَا يجوز وَلِأَنَّهُ لَو جَازَ لجَاز من أَكثر من عاملين وَذَلِكَ مُمْتَنع بِإِجْمَاع كَمَا تقدم

(3/222)


(وَجوزهُ شَيخنَا الكافيجي وشرذمة) مُطلقًا من الْمَجْرُور وَغَيره قَالَ لِأَن جزئيات الْكَلَام إِذا أفادت الْمَعْنى الْمَقْصُود مِنْهَا على وَجه الاسْتقَامَة لَا يحْتَاج إِلَى النَّقْل وَالسَّمَاع وَإِلَّا لزم توقف تراكيب الْعلمَاء فِي تصانيفهم عَلَيْهِ وَقد نقل ابْن مَالك وَغَيره الْإِجْمَاع على الِامْتِنَاع فِي غير الْمَجْرُور ورد ابْن الْحَاجِب نقل الْجَوَاز عَن قوم مُطلقًا وَذكره الْفَارِسِي فِي بعض كتبه عَن قوم من النَّحْوِيين وَنسب إِلَى الْأَخْفَش (وَثَالِثهَا) يجوز (إِن كَانَ أَحدهمَا جارا) حرفا أَو اسْما سَوَاء تقدم الْمَجْرُور الْمَعْطُوف نَحْو فِي الدَّار زيد والحجرة عَمْرو أم تَأَخّر نَحْو وَعَمْرو الْحُجْرَة (وَرَابِعهَا) يجوز (إِن تقدم الْمَجْرُور الْمَعْطُوف) سَوَاء تقدم فِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ أم لَا بِخِلَاف مَا إِذا تَأَخّر وَهُوَ رَأْي الْأَخْفَش وَالْكسَائِيّ وَالْفراء والزجاج وَابْن مضاء (وخامسها) يجوز (إِن تقدم) الْمَجْرُور (فِي المتعاطفين) نَحْو إِن فِي الدَّار زيدا والحجرة عمرا وَلَا يجوز إِن لم يتَقَدَّم فيهمَا وَإِن تقدم فِي الْمَعْطُوف نَحْو إِن زيدا فِي الدَّار والحجرة عمرا وَهُوَ رَأْي الأعلم قَالَ لِأَنَّهُ لم يسمع إِلَّا مقدما فيهمَا ولتساوى الجملتين حِينَئِذٍ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَفِي خَلقِكُم وَمَا يَبُثُّ ومِن دَابَةٍءَايَاتٌ لَقَومٍ يُوقِنُونَ وَاختِلاَفِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ} إِلَى قَوْله: {ءَايَاتٌ لِقَومٍ يَعقِلُونَ} [الجاثية: 4، 5] وَقَوله: {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} [يُونُس: 26] {وَالَّذين كسبوا السَّيِّئَات جَزَاء سَيِّئَة} [يُونُس: 27] وَقَول الشَّاعِر: 1651 -
(وللطَّيْر مَجْرًى والجُنوب مَصارعُ ... )
وَأول ذَلِك من منع مُطلقًا على حذف حرف الْجَرّ

(3/223)


(وسادسها) يجوز (فِي غير العوامل اللفظية) وَيمْتَنع فِيهَا وَغَيرهَا هِيَ الابتدائية فجوز نَحْو زيد فِي الدَّار وَالْقصر عَمْرو لِأَن الِابْتِدَاء رَافع لزيد ولعمرو أَيْضا فَكَأَن الْعَطف على مَعْمُول عَامل وَاحِد وَهُوَ رَأْي ابْن طَلْحَة (وسابعها) يجوز فِي غير اللفظية (وَفِي) اللفظية (الزَّائِدَة) لِأَنَّهُ عَارض وَالْحكم للْأولِ نَحْو لَيْسَ زيد بقائم وَلَا خَارج أَخُوهُ وَمَا شرب من عسل زيد وَلَا لبن عَمْرو وَإِنَّمَا امْتنع فِي العوامل اللفظية المؤثرة لفظا وَمعنى وَهَذَا رَأْي ابْن الطراوة (وَيجوز عطف الِاسْم على الْفِعْل والماضي على الْمُضَارع والمفرد على الْجُمْلَة وبالعكوس) أَي الْفِعْل على الِاسْم والمضارع على الْمُضَارع وَالْجُمْلَة على الْمُفْرد (فِي الْأَصَح إِن اتحدا) أَي الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ (بالتأويل) بِأَن كل الِاسْم يشبه الْفِعْل والماضي مُسْتَقْبل الْمَعْنى أَبُو الْمُضَارع ماضي الْمَعْنى وَالْجُمْلَة فِي تَأْوِيل الْمُفْرد بِأَن يكون صفة أَو حَالا أَو خَبرا أَو مَفْعُولا لظن نَحْو: {يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت ومخرج الْمَيِّت من الْحَيّ} [الْأَنْعَام: 95] {إِن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله} [الْحَدِيد: 18] {يَقدُمُ قَومَهُ يَوَمَ القِيَامَةِ فَأَورَدهُمُ النَّارَ} [هود: 98] {إِن شَاءَ جعل لَك خيرا من ذَلِك جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار وَيجْعَل لَك قصورا} [الْفرْقَان: 10] {أنزل من السَّمَاء مَاء فَتُصْبِح الأَرْض مخضرة} [الْحَج: 663] أَي فَأَصْبَحت 1652 -
(وَلَقَد أمرُّ على اللَّئِيم يَسُبّني ... فمَضَيْتُ ... )
أَي مَرَرْت {دَعَانَا لجنبه أَو قَاعِدا أَو قَائِما} [يُونُس: 12] ف (قَاعِدا) عطف على (لجنبه) لِأَنَّهُ حَال فَهُوَ فِي تَأْوِيل الْمُفْرد ( {بياتا أَو هم قَائِلُونَ} [الْأَعْرَاف: 4] عطف الْجُمْلَة على الْمُفْرد لِأَنَّهَا حَال أَيْضا أَي قائلين وَمنع الْمَازِني والمبرد والزجاج عطف الِاسْم على الْفِعْل وَعَكسه لِأَن الْعَطف أَخُو التَّثْنِيَة فَكَمَا لَا يَنْضَم فِيهَا فعل إِلَى اسْم فَكَذَا لَا يعْطف أَحدهمَا على الآخر

(3/224)


وَقَالَ السُّهيْلي يحسن عطف الِاسْم على الْفِعْل ويقبح عَكسه لِأَنَّهُ فِي الصُّورَة الأولى عَامل لاعتماده على مَا قبله فَأشبه الْفِعْل وَفِي الثَّانِيَة لَا يعْمل فتمحض فِيهِ معنى الِاسْم وَلَا يجوز التعاطف بَين فعل وَاسم لَا يُشبههُ وَلَا فعلين اخْتلفَا فِي الزَّمَان (و) يجوز عطف الْجُمْلَة (الاسمية على الفعلية وَبِالْعَكْسِ) نَحْو قَامَ زيد وَعَمْرو أكرمته وَمنعه ابْن جني مُطلقًا (وَثَالِثهَا) يجوز بِالْوَاو فَقَط وَلَا يجوز بغَيْرهَا قَالَه الْفَارِسِي وَبني عَلَيْهِ منع كَون الْفَاء عاطفة فِي (خرجت فَإِذا الْأسد حَاضر) (وَأما) عطف (الْخَبَر على الْإِنْشَاء وَعَكسه فَمَنعه البيانيون وَابْن مَالك) فِي بَاب الْمَفْعُول مَعَه فِي شرح التسهيل وَابْن عُصْفُور فِي شرح الْإِيضَاح وَنَقله عَن الْأَكْثَرين (وَجوزهُ الصفار وَجَمَاعَة) وَاسْتَدَلُّوا بقوله تَعَالَى: {وَبَشِرِ الِّذِينَءَامَنُوا} [الْبَقَرَة: 25] {وَبشر الْمُؤمنِينَ} [يُونُس: 87] وَقَول الشَّاعِر: 1653 -
(وَإِن شِفائي عَبرة مُهراقَة ... فَهَل عِنْد رَسْمٍ دارسٍ من مُعَوّل)
والمانعون أولُوا ذَلِك بِأَن الْأَمريْنِ فِي الْآيَتَيْنِ معطوفان على (قل) مقدرَة قبل (يَا أَيهَا) أَو على أَمر مَحْذُوف تَقْدِيره فِي الأولى (فَأَنْذر) وَفِي الثَّانِيَة (فأبشر)

(3/225)


كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي: {واهجرني مَلِيًّا} [مَرْيَم: 46] إِن التَّقْدِير فاحذرني واهجرني لدلَالَة (لأرجمنك) على التهديد وَإِن الْفَاء فِي قَوْله: فَهَل إِلَى آخِره لمُجَرّد السَّبَبِيَّة