أخبار أبي القاسم الزجاجي

مسألة
قول الله جلّ وعلا: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم) فرفع.
وقال في آخر سورة الفتح في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: (محمد رسول الله والذين معه) إلى إن انتهى إلى قوله: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) فنصب بإيقاع الفعل به. تقديره: وعد الله الذين آمنوا منهم مغفرة أي سترا على ذنوبهم المتقدمة قبل الإسلام. وصفحا عنها وأجرا عظيما بنصرتهم النبي صلى الله عليه وسلم، ومساعدتهم له فضيلة لهم على سواهم من المؤمنين ممن لم يساعده فأما الآية الأولى فقال: (وعد الله الذين آمنوا ... ) فجاءت عامة، ثم فسّر ذلك الوعد فقال: (لهم لمغفرة واجر عظيم) فتقديره: وعدهم الله وعدا ثم بين الوعد فقال: لهم مغفرة. ولو نصب وقد أتى باللام ما جاز وكان كلاما غير جائز وكان بمنزلة قولك: وعدت زيدا له درهما، ولكنه اضمر الموعود به مصدرا لان الإضمار في كلام العرب وفي كتاب الله مشهور كثير لدلالة القول عليه، منه قوله تعالى: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين) تقديره: بدا لهم بدوا لان الفعل لا بد له من فاعل. ومنه (من بعد ما كاد تزيغ قلوب فريق منهم) ففي كاد فاعل مضمر ولولا ذلك لم يكن فعلا.
ومنه قول العرب: من كذب كان شرا له، ومن صدق كان خيرا له، فاضمروا الصدق والكذب لدلالة الفعل عليهما.
ومنه قوله: من أشبه أباه فما ظلم الشبهة، أي لم يضعه لها في موضعه.
ومنه: (ولا تحسبن الذين يبخلون.......) ، ثم قال: (هو خيرا لهم....) تأويلة: البخل هو خيرا لهم.
قال حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا يزيد بن هرون قال وحدثني، محمد بن الربيع بن الحكم:


اخبرنا نفطوية قال حدثنا يزيد بن هرون عن سليم بن سعيد بن مينا قال: سمعت ابن الزبير وهو على المنبر حين أراد هدم الكعبة وبنيها يقول: حدثتني خالتي عائشة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة لولا إن قومك قريبو عهد بشرك لهدمت الكعبة ثم لزدت فيها ستة اذرع من الحجر إن قريشاً تصرّ بها حين بنوها النفقة، وجعلت لها بابين بابا شرقيا وبابا غربيا. قال: فشهدته حين هدمها وزاد فيها من الحطيم ستة اذرع فإذا صخور مثل إعجاز الإبل فجعل لها بابين وفرح بذلك فرحا شديدا. قال نفطويه: فلما قتل: ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين أمر عبد الملك الحجاج على الحجاز فهدم ما كان بناه ابن الزبير وردّه إلى حاله الأولى، فهو إلى الآن على ذلك، وفي ذلك يقول جرير: الطويل
أرى الطير بالحجاج تجري أيامنا ... لكم يا أمير المؤمنين واسعدا
رجعت لبيت الله عهد نبيّه ... وأصلحت ما كان الخبيان افسدا
قال: كان عبد الله بن الزبير يكنى أبا بكر وأخوه يكنى أبا خبيب فكني بأخيه فقيل: الخبيبان.
اخبرنا نفطويه قال اخبرني ثعلب عن ابن الأعرابي قال: تقول العرب: اجعل هذا الأمرَ بأجاً واحدا، وسماطا واحدا، وبيانا واحدا، وسكة واحدة وأنبوبا ورزدقا وشوكلا وقدة وشراكا ورعبوبا وحنانا ووضاحا ومحجّة. كله بمعنى واحد، هكذا الرواية عن ابن الأعرابي. قال: وإنما هذا اتساع وتقارب، والبأج: القرن الواحد وهو فارسي معرب، فأما السكّة والحنان والوضاح والمحجة فالطريق، وأمّا السطر والرزدق والسماط فالصف من الناس وغيرها. وأمّا القدّة والشراك فالطريقة.
أنشدنا الأخفش قال أنشدني ثعلب وقرأت على محمد بن الحسن الأحول لتأبط شرّ ا: الطويل
وقالوا لها: لا تنكحيه فانه ... لأول قرن أن يلاقي مجمعا
يقول: انه يقتل في أول حرب يلقاها لان يتعرض للموت.
فلم تر من رأى فتيلا وحاذرت ... فأيمتها من لابس الليل أروعا
يقول: لم تر من رأى حزم ما يساوي فتيلا في تركها تزوجي. والفتيل: المستطيل في بطن النواة.
قليل غرار العين اكبر هّمه ... دم الثأر أو يلقى كميا مشيعا
الغرار: النوم القليل، والغرار في غير هذا: حدّ السيف ونحوه. والغرار: المثال، يقال: بيوتهم على غرار واحد أي على مثال واحد. والغرار: كساد السوق، يقال: لسوقنا درة وغرار: أي نفاد وكساد. والكمي: الشجاع سميّ بذلك لأنه يتكمىّ القنال والشرّ أي يتعمّدهما، وقيل سميّ بذلك لأنه يتكمي شجاعته أي يسترها. والمشيع: أيضا الشجاع.
يماصعه كل يشجع يومه ... وما ضربه هام العدى ليشجعا
المماصعة: المماكرة بالسيوف وكذلك الصاع. وقوله يشجع يومه الذي يلقى فيه وما لغو، والمعنى: ضربه هام العدى ليوصف بالشجاعة. وقال ثعلب: الأجود أن تكون ما جحد، والمعنى إن خلقته خلقة الشجعان. فشجاعته طبع، وليس ضربه هام العدى ليوصف بالشجاعة ولكن طبعا.
قليل ادخار اللحم إلا تعلّة ... فقد نشر الشرسوف والتصق المعا
يقول: لا يعتلف من اللحم إلا بمقدار ما يتعلل به. ونشر الشرسوف يقول: بدا حجم شراسفه لالتقاء العقلب والصفاق، والشرسوف: غضروف معلق بكل ضلع مثل غضروف الكتف.
يبيت بمعنى الوحش حتى ألفنه ... فأصبح لا يحمي لها الدهر مرتعا
ولكن أرباب المخاض يشفهم ... إذا ما رأوه حاسرا أو مقنعا
يقول: أن أرباب الإبل هم يحزنون من أجله ويخافونه لأنه يطردها على كل حال حاسرا كان أو ذا سلاح.
والمخاض: الحوامل من الإبل واحدتها خلف من غير لفظها.
وإنّي وإن عّمرت أعلم أنّني ... ألاقي سنان الموت يبرق أصلعا
أخبرنا أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة قال حدثني أبي وأخبرنا أبو القاسم الصائغ قال حدثنا ابن قتيبة قال أخبرني السجستاني عن أبي عبيدة في قوله تعالى: (وظلّ ممدود) قال: دائم لا تنسخه الشمس قال أبو محمد: وفي الأثر (ظل الجنة سجبح) قال معناه لا حر فيه ولا برد. وقال بعض العلماء هو بمنزلة عداوات الصيف قبل طلوع الشمس. ومعنى ظل الجنة إنما هو ومنه قول الناس: فلان في ظل فلان أي في ذراه وكنفه، وظل الليل سواده لأنه يسكن فيستر بظلمته كل شيء، قال ذو الرمة: البسيط


قد أعسف النازخ المجهول معسفه ... في ظل أخضر يدعو هامه البوم
أي: في ظل أسود.
أخبرنا أحمد وأبو القاسم الصائغ. قال: حدثنا عبد الله بن مسلم عن السجستاني عن أبى عبيدة في قول الله تعالى (فمستقر ومستودع) قال: مستقر في الصلب، ومستودع في الرحم.
اخبرنا الأخفش والزجاج عن المبرد قال: شعراء ثلاثة احترفت أشعارهم وكلهم من حمير، المسند ويحيى بن نوفل وأبو الهول. فجلس الفضل بن يحيى البرمكي بالنهروان مجلسا غانيا للشعر فتقدم إليه أبو الهول ينشده فقال: لست أسمع منك شيئا من المديح أو تنشدني مما هجوتنا به، فأبى عليه فأقسم عليه ليفعلن فأنشأ يقول: المتقارب
إذا ذكر الشرك في مجلس ... أضاءت وجوه بني برمك
وإن تليت عندهم سورة ... أتوا بالأحاديث من مزدك
فأمر له بعشرين ألف درهم، وقال: هات المديح، فأنشأ يقول: الطويل
لعهدي بهذا البحر ليس يجوزه ... سوى خائف من ذنبه أو مخاطر
فصار جودك عامر ... كأن عليه محكمات القناطر
فأمر له بعشرين ألف درهم، فلما قبض المال قال له: أصلحك الله أن هذا المال لا يخلص معي إلى منزلي، فبعث معه بفرسان حتى أدنوه إلى منزله.
أنشدنا الزجاج قال أنشدنا المبرد قال أنشدني المازني لأبي الأسود الدؤلي: الوافر
أحب محمدا حبّا شديدا ... وعبّاسا وحمزة والوصياّ
أحبهم لحب الله حتى ... أجئ إذا حشرت على هويّا
هوى أعطيته منذ استدارت ... رحى الإسلام لم يعدل سويّا
يقول الأرذلون بنو قشير ... طوال الدهر ما تنسى عليّا
بنو عم النبيّ وأقربوه ... أحبّ الناس كلهم إليّا
فإن يك حبهم رشدا أصبه ... وليس بمخطئ إن كان غيّا
حدثنا أبو بكر محمد بن محمود الواسطي قال حدثنا أبي قال حدثنا الصلت بن مسعود الجحدري فال حدثنا هيثم بن عدي الطافي أبو عبد الرحمن عن مجالد بن سعيد عن الشعبي قال: سألنا ابن عباس أو سئل ابن عباس: من أول الناس إسلاما؟ فقال: أبو بكر، أما سمعت قول حسان: البسيط
إذا تذكّرت شجوا من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البريّة أتقاها وأعدلها ... بعد النبي وأوفاهم بما حملا
التالي الثاني المحمود مشهده ... وأوّ ل الناس منهم صدق الرّسلا
أخبرنا نفطويه عن ثعلب عن سلمة عن الفراء قال: كل مستدير كفّه، وكل مستطيل كفّه، والكفّه: المرّ ة الواحدة من الكف بالفتح، وعلى رأي الكسائي كفّة الميزان بالفتح أيضا. والكفّة بالكسر: ماله استدارة من الرمل، والكفّة أيضا: طوق المنخل، والكفّة أيضا: حبالة الصائد ويقال لها البيضاء، وأنشد: الطويل
وبيضاء من مال الفتى أن أزاحها ... أفاد وإلاّ ماله مال مقتر
يقول: إن أزاح بها فقد أفاد شيئا من المال، وإلا فهو مقتر. والبيضاء: الشمس، وأنشد الطويل
وبيضاء لم تطبع بعيب يرى بها ... ترى أعين الفتيان من دونها خزرا
والبيضاء: بيضة النعامة، وينشد: الطويل
وبيضاء ما تنحاس منا وأمها ... إذ ما رأتنا زال منا ذويلها
اخبرنا الأخفش قال اخبرنا المبرد قال قال عيسى بن يزيد بن بكر بن دأب: لما ثقل معاوية بعث إلى يزيد وكان في ضياعه بغلام له يقال له ليعلمه ثقل أبيه، فلما أعمله أقبل مسرعا وأنشأ يقول البسيط
جاء البريد بقرطاس يجرّ به ... فأوجس القلب من قرطاسه فزعا
قلنا: لك الويل ماذا في صحيفتكم ... قال الخليفة أمسى بيننا وجعا
فمادت الأرض أو كادت تميد بنا ... كأّن أغبر من أركانها انقلعا
نمت عليه إلى عيس مزمّمة ... تغشى الفجاج بها لا تأتي شرعا
لسنا نبالي إذا أتلفن أرحلنا ... ما مات منهن بالبيداء أو ظلعا
من لا تزال نفسه توفي على شرف ... توشك مقادير تلك النفس أن تقعا
لما انتهينا وباب الدار منطبق ... لخوف رملة ريع القلب فارتدعا


فلما دخل عليه خلا به وأخرج أهل بيته فقال: يا يزيد: جاء أمر الله، وهذا أوان هلاكي فما أنت صانع بأمر هذه الأمة بعدي؟ فمن أجلك آثرت الدنيا على الآخرة وحملت الوزر على ظهري لتعلو بني أبيك، فقال: آخذهم بكتاب الله وسنة نبيه، واقتلهم عليه. فقال: ويحك ألا تسير بسيرة أبي بكر الذي قاتل أهل الردّ ة ومض والأمة عنه راضون؟ قال: لا إلاّ أخذهم بكتا'ب الله وسنة نبيه واقتلهم عليه. قال: أولا تسير بسيرة عمر الذي جنّد الأجناد، ومكّر الأمصار، وفرض العطية، وحيا الفيء، وقاتل العدوّ، ومضى والأمة عنه راضون؟ قال: لا إلا آخذهم بكتاب الله وسنة نبيه واقتلهم عليه. قال: أو لا تسير بسيرة عّمك عثمان الذي أكل في حياته وأطعم في مماته، واستعمل أقاربه؟ قال: لا إلا آخذهم بكتاب الله وسنة نبيه واقتلهم عليه. قال: أولا تسير بسيرة أبيك الذي أكل في حياته وأطعم في مماته وحمل الوزر على ظهره؟ قال: لا. قال: يا يزيد انقطع الرجاء منك انك ستقاتل هؤلاء كلهم فتقتل خيار قومك، وتغزو حرم ربك بأوباش الناس وتطعمهم يومهم ظلما بغير حق، ثم تفجؤك المنيةّ فلا دنيا أصبت ولا آخرة أدركت. يا يزيد أما إذا لم تصب الرشد فإني قد وطأت لك الأمور وأذللت لك أعز العرب، وأخضعت لك أهل الشرف والكرم، وكفيتك الحلّ والترحال، وجمعت لك ما يجمع واحد، ولست أخشى عليك أن ينازعك هذا الأمر إلا ثلاثة نفر، الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وابن الزبير. فأما ابن عمر فننهد اشتغل بالعبادة وخلا من الدنيا وشغل نفسه فليس ينازعك عليها أو تجيئه عفوا، وأما الذي يجثم جثوم السبع ويروغ روغان الثعلب إن أمكنته فرصة وثب عليها فابن الزبير فان هو فعل وتمكنت منه فقطعه أربا أربا ألا أن يطلب صلحا فان طلب فافعل. واحقن دماء قومك تمل قلوبهم إليك. وأما الحسين بن علي فان له حرمة وحقا وولاؤه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما أظن أهل العراق تاركيه حتى يخرجونه عليك فان فعل وتمكنت منه فاصفح عنه فأني لو كنت صاحبه لعفوت عنه، قم عنيّ. أنشدنا الأخفش قال أنشدنا المبرد لمسلم بن الوليد: البسيط
لي يبق بعد حلول الشيب في الرأس ... ألاّ ترقّب داء ماله اَس
حين اعتزمت على السلوان وارتدعت ... نفسي وقربت بعد الجهل افراسي
مرت تصدّى لي الصهباء مشرقة ... من كف ساق بعينيه وبالكأس
بانت تجافي عن الأخرى وريقتها ... تمج برد الرضا في حرّ أنفاسي
اخبرنا ابن شقبر قال قال حدثنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال: تقول العرب لكل من قاتل: ضرب أخماسا لأسداس، وأصل ذلك أن رجلا كان له بنون يرعون مالا له، وكان لهم نساء فكانوا يقولون لأبيهم أنا نرعى سدسا فيرعون خمسا ويسرقون يوما يأتون فيه نساءهم، وكذلك كانوا يقولون في الخمس في الخمس فيرعون ربعا ويسرقون يوما، ففطن له فقال الوافي وذلك ضرب أخماس أريدت لأسداس عسى ألاّ تكونا فنقل هذا البيت الكميت في قصيدته لأنه صار مثلا سائرا فقال: وذلك ضرب أخماس................. البيت وأنشد ابن الأعرابي في مثله البسيط
والله والله لولا إنني فرق ... من الأمير لعاتبت ابن نبراس
في موعد قاله لي ثم أخلفه ... غدا غدا ضرب أخماس لأسداس
حتى إذا نحن ألجأنا مواعده ... إلى الحقائق في رفق وايناس
أبدت مخيلته عن لا فقلت له ... لوما بدأت بها ما كان من باس
وليس يرجع في لا بعدما سلفت ... منه نعم طائعا حر من الناس
فأما قول للآخر:
والمجد يدرك أخماسا وأسداسا
فمعناه: انه مفرق لا يكاد يوجد مجتمعا في واحد. قال ابن الأعرابي: والنبراس: السراج، يقال: هو النبراس والسراج والقراط والقرط وهزلق والمصباح والوابصة والوابص والوبيص والمأنوس والحيكة بمعنى واحد. أنشدنا الأخفش قال أنشدنا المبرد لأبي الغناهية: المديد
ساكن يبقى له سكن ... ما بهذا يخبر الزمن
نخن في دار يخبرّنها ... عن بلاها ناطق لسن
دار سوء لم يدم فرح ... لا مريء فيها ولا حزن
في سبيل الله أنفسنا ... كلها بالموت مرتهن


كل نفس عند ميتتها ... حظّها من جمعها كفن
حدثنا أبو بكر يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا أبو غزية قال حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن غوفة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّ العبد (إذا مرض نفى الله عنه الخطايا في مرضه كما ينفي الكير خبث الحديد) قال ابن السكيت: الكير كير الحداد، والكور: الرحل وجمعه أكوار وكيران، قال: وسمعت أبا عمرو الشيباني يقول: الكور المبني من الحديد والطين، والكير: الزق الذي ينفخ به، قال بشر يصف فرسه: الوافر
كأنّ حفيف منخره إذا ما ... كتمن الربو كير مستدار
حدثنا يوسف بن يعقوب قال حدثني جدّي قراءة عليه قال حدثني إسحاق الأزرق عن سفيان وحمزة الزيات عن الأعشى عن أبي وائل فال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: إني قد سمعت القرّاء فوجدتهم متقاربين فاقرءوا كما علّمتم، وإياكم والتنطعّ فإنما هو كقول أحدكم: هلمّ، وتعال وأقبل.
حدثنا يعقوب قال حدثني جدي قراءة عليه عن أبي داود عن محمد بن عبد الله عن أبي إسحاق عن البراء يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من الشعر حكما وان من البيان سحرا) قال أبو القاسم: كذا روينا هذا الخبر وراجعت فيه الشيخ فقال لهم: هو أن من الشعر حكما بضم وتسكين الكاف، ووجهه عندي إذا روى هكذا: أن من الشعر ما يلزم المقول فيه كلزوم الحكم للمحكوم عليه إصابة معنى وقصدا للصواب، وفي نحو هذا يقول أبو تمام: الطويل
فلولا سبيل سنها الشعر ما درى ... بغاة العلا من أين تؤتى المكارم
ترى حكمة ما فيه وهي فكاهة ... ويقضي لما يقضي به وهو ظالم
اخبرنا الأخفش قان اخبرنا المبرد قال: قرأته على خلف فحدثني انه سمعه من أبي عمرو الشيباني وغيره أن عبد الله بن مسعود الفزاري وعمرو بن هبيرة السكوني تذاكرا الشعر عند معاوية بن أبي سفيان فقال السكوني: امرؤ القيس أشعر الناس. فقال الفزاري: كلا أن فينا لشعراء ما أظن أحدا يبلغهم إلى أن تناهي بهما القول إلى أن قالا: فأنمت بيننا يا أمير المؤمنين. فقال للسكوني: أنشدني لهما، فلم يجد عنده رواية. فقال القراري: أنا أنشدك لهما، ابن عمه يقول: الطويل
فأصبحت ودعت الصّبا غير أنني ... أراقب خلات من الناس أربعا
فمنهم فسوفي الخود قد بلهّا الندى ... تراقب منظوم التمائم مرضعا
يعزّ عليها ريبتي ويسوؤها ... بكاه فتثني الجيد أن يتضوعا
وابن عمه الذي يقول: الطويل
ومرضعة أو فاطم قد طرقتها ... فألهيتها عن ذي تمائم معيل
إذا ما ضنا في مهده عطفت له ... بشق وتحتي شقهّا لم يحوّل
ومعاوية يقول: أفّ له، قال: وابن عمي الذي يقول: البسيط
ولا أخالف جاري في حليلته ... ولا ابن عمي غالتني إذا غول
ولا احدّد أظفاري لا لطمه ... أنّ السبّاب وقول السوء محمول
ولا أقول وفضل الماء ذو نفس ... من الحرارة أن الماء مشغول
ولا أكون وكاء الزاد امنعه ... وقد علمت بأن الزاد مأكول
حَتى يقال وقد عوليت في ظعن ... أنّ ابن عوف أبو قران مجعول
اخبرنا الأخفش قال اخبرنا المبرد قال: قرأته على خلف فحدثني انه سمعه حدثت عن الزهري أنه قال: كنت اختلف إلى عبيد الله بن عبد الله اكتب عنه فكنت أقوم له إذا خرج وأسوي عليه ثيابه إذا ركب حتى ظننت أني قد استفزعت ما عنده. فخرج ذات يوم فلم أقم له، فقال لي: انّك في العزاز فقم. أبو القاسم: العزاز: ما صلب من الأرض وإنما يكون في أطراف الأرضيين وأوائل الطرق فإذا توسطتها وصرت إلى اللين والسهولة فيقول له: انّك بعد في أوائل العلوم ولم تتوسطها فارجع إلى ما كنت عليه من التنظم والإكرام لي.
أخبرنا الأخفش عن المبرد قال حدثني بعض جلساء الفخذمي عنه انه قال: كانت امرأة من الأعراب لها أربعة بنين وكان يجتاز بها اخوة أربعة أشكال بنيها وأسنانهم فتأنس بهم ثم أن بنيها أصيبوا فانقطعت الاخوة عنها إبقاء عليها من الحزن إذا رأتهم. ثم أنهم عزموا عزمة على المرور بها فرحا وبقيا، فلما رأتهم أنشأت تقول: الكامل


لن يلبث القرناء أن يتفرقوا ... ليل يكر عليهم ونهار
فمرض أحدهم ومات، فانقطع الثلاثة عنها زمانا ثم اجتازوا بها فأنشأت تقول: السريع
كل بني أم وأن أكثرت ... يوما يصيرون إلى واحد
فمرض أحدهم ومات فأنقطع الاثنان عنها زمانا ثم اجتازوا بها فقالت: الوافر
وكل أخ مفارقة أخوه ... لعمر أبيك ألا الفرقدان
فمرض أحدهما ومات، ثم اجتاز بها الباقي فأنشأت تقول: السريع
والواحد الفرد كمن قد مضى ... ليس بمتروك ولا خالد
فقال لها قبليني جعلت فداك فلست والله بعائد.
قال أبو القاسم: أما قوله الفرقدان فإنما رفعه لأنه جعل إلا لكل وحملها على معنى غير كأنه قال: وكل أخ غير الفرقدين مفارقة أخوه، وإلا تكون نعتا للنكرات لمضارعتها غير كقولك: لو كان معنا رجل ألا زيد لهلكنا، أو كما قال الله تعالى (لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدنا) قال سيبويه: هذا نعت والمعنى: لو كان فيها آلهة غير الله لفسدنا، وأنشد: البسيط
لو كانَ غَيري سلُيمى اليومَ غيره ... وقعُ الحوادث إلا الصارم الذكر
أنشدنا الأخفش قال أنشدنا محمد بن الحسن الأحول لبشر بن هذيل الفزاري: الطويل
وعاذلة هّبت بليل تلومني ... ولم يفتني في قبل ذاك عذول
نقول اتئد لا يَرْعُكََ الناس مُملقاً ... ويزري بمن يا بن الكرام تقول
فقلت: أبت نفسٌ عليّ كريمةٌ ... وطارق ليل غير ذاك يقول
سرى في سواد الليل يضرب ثوبه ... ذراعيّة تزجي السقيط بليل
وقيل فان أو فلان وأعصفت شمال بضراد الجهام بليل
فإني لا أخَزى إذا قيل مملقٌ ... سخّي وأحرى أن يقال بخيل
فان لا يكن باعي طويلا فإنني ... له بالخلال الصالحات وصول
إذا كنتُ في القوم الطوالِ فَضَلتْهُمْ ... بعارفة حتى يقال طويل
وكم قد رأينا من فروع كثيرة ... تموت إذا لم يحيهن أصول
وإن آل قصدا في الرجال فإنني ... إذا حلّ أمر ساحتي لجليل
ولا تنظري ما يعجب العين وانظري ... إلى عنصر الأحساب أين يؤول
ولا خير في حسن الجسوم وطولها ... إذا لم يزن حُسنَْ الجسومِ عقول
قال أبو القاسم المملق: الفقير، واشتقاقه من الملقة وهي الصخرة الملساء التي لا يتعلق بها شيء، وجمعها ملقات، وانشد ابن السكيت: الوافر
أتيح لها أقيدر ذو حشيف ... إذا سامت على الملقات ساما
والذراعيه: سحابة نشأت بنوء الذراع أو ريح هبت بعقبة. والسقيط: الجليد والثلج، والبليل: الريح البادرة، والجهام: السحاب الذي لا ماء فيه.
اخبرنا الأخفش قال: اخبرنا ثعلب عن الرياشي قال: كان ذئب يأتي أهل قران فيؤذيهم في ثمارهم فجاءهم صائد فقال: ما تعطونني أن أخذته؟ قالوا: شاة من كل قطيع. قال: فذهب فجاء به وقد شده فكبروا وجعلوا يتضاحكون منه فأحس منهم بالغدر فقطع الحبل ووثب شده فكبروا وجعلوا يتضاحكون منه فأحس منهم بالغدر فقطع الحبل ووثب الذئب فوثبوا عليه ليقتلوه. فقال: لا عليكم أن وفيتم لي رددته، فحلوه ليرده فانطلق وهو يقول: البسيط
أعلق بالذئب حبلا ثم قلت له ... يا الحق بأهلك واسلم أيها الذيب
إن كنت من أهل قران فعد لهم ... أو الكنيزة فاذهب غير مطلوب
سأله كيف كانت خير عيشته ... فقال: ماض على الأهوال مرهوب
النحل أدعى به ما كان ذو رطب ... وإن شتوت ففي شاء الأعاريب
وبعض الناس يرويه وهو من رواية قطرب: البسيط
أما تقود به شاة فنأكلها ... أو أن تبيعه في بعض الأعاريب
أما قوله: يا الحق بأهلك: فانه أراد: يا هذا الحق بأهلك فأضمر المنادى كما قال الله عز وجل (إلا يسجدوا لله) .
كما قال الشاعر: البسيط
يا لعنة الله والأقوام كلهم ... والصالحين على سمعان من جار


وأما قوله: فعد لهم فهذا هو الوجه باسكان الدال والتخفيف لأنه من عاد يعود. ورواه بعضهم: فعدّ لهم بالتشديد ووجهه عندي أن يكون نوى الوقف عليه ثم نقله لذلك ثم أجرى الوصل على الوقف كما انشد سيبويه: الراجز
لقد خشيت أن أرى جَدَبا ... في عامنا ذا بعد ما أخصبا
وكما قال: السريع
ضخم يحبّ الخلق الأضخما
وأما قوله: كيف كانت خير عيشته. فانه أنثّ خيرا لما أضافه إلى العيشة وهو بعضها كما قالوا: ذهبت بعض أصابعه، وتخرقت بعض حلته، وأما قوله: فقال ماض على الأهوال مرهوب. فذلك من شاذ العرب كما قال الآخر الوافر
فقال القائلون لمن خفرتهم ... فقال السامعون لهم وزير
تأويله: المخفور له وزير. نحو قول الله تعالى: (وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم؟ قالوا: أساطير الأولين) .
قال يونس: لم يقرروا أن الله أنزل شيئا لأنه في ذكر الكافرين، فقطعوا الجواب وابتدأوا فقالوا (هذا أساطير الأولين) . والنحل اسم موضع، وفيرواية أخرى:
النخل أعمره ما كان ذا رطب ... ................
والرطب: ما كان رطبا من النبات وهو الخلا أيضا مقصور، والحشيش: ما كان يابسا، والكلأ يجمعها. وأما قوله: أو أن تبيعه. فانه أراد تبيعها فحذف الألف وهو شاذ لم يجئ له نظير في كلام العرب لأنه إنما يحذف الياء والواو المتصلتان بالمضمر، ولا تحذف الألف لخفتها.
أخبرنا ابن دريد قال اخبرني عبد الرحمن عن عمه، وأبو حاتم عن أبى عبيدة قالا: كانت امرأة من العرب ذات جمال وكمال وحسب ومال فآلت لا تزوج نفسها إلا من كريم، ولئن خطبها لئين لتجدعن أنفه فتحاماها الناس حتى أنتدب لها زيد الخيل وحاتم بن عبد الله وأوس بن حارثة بن لأم الطائيون فارتحلوا إليها فلما دخلوا عليها قالت: مرحبا بكم ما كنتم زوارا فما الذي جاء بكم؟ قالوا: جئنا زوارا خطابا. قالت: أكفاء كرام فأنزلتهم وفرقت بينهم وأسبغت لهم القرى وزادت فيه. فلما كان في اليوم الثاني بعثت بعض جواريها متنكرة في زي سائلة تتعرض لهم، فدفع لها زيد وأوس شطر ما حمل إلى كل واحد منهما. فلما صارت إلى رحل حاتم دفع إليها جميع ما كان معه من نفقة وحمل معها جميع ما حمل إليه، فلما كان في اليوم الثالث دخلوا عليها، فقالت: ليصف كل واحد منكم نفسه في شعره فابتدر زيد وأنشأ يقول: البسيط
هلاَ سألت بني ذبيان ما حسبي ... عند الطّعان إذا ما احمرّت الحلق
وجاءت الخيل محمرا بوادرها ... بالماء يسفح عن لباتها العلق
والخيل تعلم إني كنت فارسها ... يوم الأكس به من نجدة روق
والجار يعلم إني لست خاذله ... إن ناب دهر لعظم الجار معترق
هذا الثناء فان ترضى فراضية ... أو تسخطي فالي من تعطف العنق
وقال أوس بن حارثة: انك لتعلمين أنا أكرم أحسابا وأشهر أفعالا من أن نصف أنفسنا لك أنا الذي يقول فيه الشاعر: الوافر
إلى أوس بن حارثة بن لأم ... ليقضي حاجتي ولقد قضاها
فما وطيء الحصا مثل ابن سعدي ... ولا لبس النعال ولا احتذاها
وأنا الذي عقت عقيقته فأعتقت عن كل شعرة منها نسمة. ثم أنشأ يقول: الطويل
فان تنكحي ماويّة الخير حاتما ... فما مثله فينا ولا في الأعاجم
شتى لا يزال الدهر أكبر همه ... فكاك أسير أو معونة غارم
وأن تنكحي زيدا ففارس قومه ... إذا الحرب يوما أقعدت كل قائم
وصاحب نبهان الذي يتقّى به ... شذا الأمر عند المعظم المتفاقم
ولا تنكحيني تنكحي غير فاجر ... ولا جارف جرف العشيرة هادم
ولا متقّ يوما إذا الحرب شمرّت ... بأنفسها نفسي كفعل الأشائم
وان طارق الأضياف لاذ برحله ... وجدت ابن سعدي للقرى غير عاتم
فأي فتى أهدى لك الله فاقبلي ... فإنّا كرام من رؤوس أكارم
وأنشأ حاتم يقول: الطويل
أماوىّ قد طال التجنبّ والهجر ... وقد عذرتني في طلابكم عذر
أماوىّ أما مانع فمبيّن ... وأمّا عطاء لا ينهنهه الزجر


أماوىّ ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
وقد علم الأقوام لو أنّ حاتما ... أراد ثراء المال كان له وفر
إلى أن انتهى إلى آخر القصيدة، وهي مشهورة، فقالت: أما أنت يا زيد فقد وترت العرب وبقاؤك مع الحرّة قليل وأما أنت يا أوس فرجل ذو ضرائر، والدخول عليهن شديد، وأما أنت يا حاتم فمرضيّ الخلائق، محمود الشيم، كريم النفس وقد زوجتك نفسي.
اخبرنا نفطويه قال اخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي قال: تقول العرب: الملاحة في الفم، والحلاوة في العينين، والجمال في الأنف. قان أبو القاسم: البوادر: اللحمات بين الكتفين المنكبين والعنق واحدتها بادرة وكذلك البآدل واحدتها بادل، والعلق: الدم، والكشر: قصر الأسنان ولصوقها بأصولها، يقال منه: رجل أكشر. والبال: طول مقدم الأسنان وكذلك الروق.
اخبرنا أبو عبد الله اليزيدي قال اخبرني عمي الفضل بن محمد قال أنشدني سليمان بن عبد الله بن طاهر لأبيه: الطويل
ألا إنما الإنسان غمد لقلبه ... ولا خير في غمد إذا لم يكن نصل
فان كان للإنسان قلب فقلبه ... هو النصل والإنسان من بعده فضل
اخبرنا ابن دريد قال اخبرني عبد الرحمن عن عمه قال: وقف أعرابي على مروان بن الحكم وهو يفرض للناس بالمدينة فقال له: افرض لي فقال: قد طوينا الكتاب. فقال: افرض لي. فقال: قد طوينا الكتاب. فقال: أما علمت إني القائل: الوافر
إذا هزّ الكريم يزيد خيرا ... وان هزّ اللئيم فلا يزيد
فقال له مروان: نشدتك بالله أنت القائل له؟ قال: نعم. قال: أفرضوا له.
أخبرنا ابن دريد قال أخبرني عبد الرحمن عن الأصمعي قال: عمي يتطير مني ويتشاءم، وكانت الضرورة تدعوني إلى لقائه للقراءة عليه فكنت لا آتيه حتى يفرغ من صلاته، فباكرته يوما وهو يصلي الغداة فجلست حتى فرغ من صلاته ثم التفت إليّ فقال: عبد الرحمن أعوذ بالله منك ثم أدار وجهه إلى ناحية اليمين فقمت فجلست بحذائه فأدار وجهه إلى ناحية يساره فقمت فجلست بحذائه فأدار وجهه عنيّ وجعل إليّ قفاه فقمت فجلست بحذائه فقال: هات يا ملعون ما معك فاقرأه، ثم انشأ يقول: مجزوء الرمل
نظر العين إلى ذا ... يكحل العين بداء
ربّ قد أعطيتناه ... وهو من شرّ عطاء
عاريا يا ربّ خذه ... في قميص ورداء
اخبرنا أبو جعفر احمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة قال اخبرني أبي قال اخبرني السجستاني قال: كنت عند الأخفش سعيد بن مسعدة وعنده التوزي فقال التوّزي: ما صنعت في كتاب المذكر والمؤنث يا أبا حاتم؟ قلت: قد جمعنا منه شيئا، قال: فما تقول في الفردوس؟ قلت: هو مذكر قال: فان الله يقول: (الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) قلت: ذهب إلى معنى الجنّة فأنثهّ كما قال تعالى (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) فأنّث والمثل مذكر لأنه ذهب إلى معنى الحسنات. وكما قال ابن أبي ربيعة: الطويل
فكان مجنيّ دون من كنت أتّقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
فأنّث والشخوص مذكر لأنه ذهب إلى النساء، وأبان ذلك بقوله كاعبان ومعصر وكما قال الاخر: الطويل
وان كلابا هذه عشر أبطن ... وأنت بريء من قبائلها العشر
فأنث البطن وهو مذكر لأنه ذهب به إلى القبيلة. فقال لي: يا غافل الناس يقولون: اسألكَ الفردوس الأعلى. فقلت: يا نائم هذه حجتي لان الأعلى من صفات الذكران لأنه أفعل، ولو كان مؤنثا لقال العليا كما يقال الأكبر والكبرى والأصغر والصغرى، فسكت خجلا.
اخبرنا أبو بكر محمد بن محمود الواسطي عن احمد بن صالح عن عبد الرزاق عن معمر قال: سألت أبا عمرو بن العلاء عن العثان ما هو؟ فسكت ساعة ثم قال: هو الدخان من غير نار. قال أبو القاسم: يقال هو الدخان وجمعه دواخن، والعثان وجمعه عواثن، ولا يعرفه لهما نظير في الجموع لان فعالا لا يجمع على فواعل غير هذين الحرفين. ويقال للدخان الدُخ والدَّخ والنحاس. أنشدنا ابن الأعرابي:
تضيء كمثل سراج السلّيط لم يجعل الله فيه نحاسا
وأنشد أيضا: الرجز
لا خير في الشيخ إذا ما أجلخَا ... وسال غرب عينه فلخّها


وكان أكلا كله وشخّا ... تحت رواق البيت يغشى الدّخا
قال أبو القاسم: اجلخّ: اعوج، ولخّ يقول: التصقت عينه. وشخّا: يقول كثر غائطه، ويغشى الدخّ: يقول يغشى التنور فيقول: أطعموني.
اخبرنا ابن دريد قال اخبرنا السجستاني عن الأصمعي قال: قلت لبعض الأعراب: أيّ الأيام أقرّ؟ فقال: الأحص الورد والازب الهلوّف. قلت: فسره لي. فقال: الاحص الورد هو يوم تصفو شماله ويحمر جوّه وتطلع شمسه فلا ينفكّ من يرده لأنك لا تجد لها مساّ. والازّب الهلوّف يوم تهب فيه نكباؤه تسوق الجهام.
قال ابن دريد: أصل الحصص قلة الشعر، فكأنه لما لم يكن فيه غيم شبهه بالاحص الرس. والهلوّف الجمل الكثير الوبر، يقال: لحية هلّوفة إذا كانت كثيرة الشعر فشبهه بالغيم الذي فيه بهذا. والجهام: سحاب لا ماء فيه.
اخبرنا نفطويه قال اخبرنا ثعلب قال اخبرني ابن نجدة عن أبي زيد الأنصاري قال: تقول العرب لشهري البرد: شيبان وملحان لما يرى، فيهما من بياض الثلج والصقيع. واشتقاق شيبان من الشيب وملحان من الملح. ويقال هما شهرا قماح لان الماء فيهما متكرّه مهجور، أخذ من مقامحة. الإبل وذلك أن تورد الماء فلا تشرب، وترفع رؤوسها. قال بشر بن أبى خازم يصف سفينة كان هو وأصحابه فيها: الوافر
ونحن على جوانبها قعودٌ ... نغُضُّ الطرّفَ كالإبلِ القماح
ويزعم العلماء بالأنواء إن مدة هذين الشهرين من لدن سقوط الثريّا وطلوع الإكليل إلى سقوط الظرف وطلوع سعد بلع، وتلك خمسة أنواء. قال: وتسمى العرب ضّدي هذين الشهرين في الحر واشتداده أيام ناجر مأخوذة من النجر وهو شدة العطش. قال ذو الرّمة يصف ماء ورده: الطويل صرى آجن يزوي له المرء وجهه ولو ذاقه ظمآن في شهر ناجر
ممناّهها بالخمس والخمس بعده ... وبالحلّ والترحال أيام ناجر
أعاد القافية مرتين لأنه واطأ في شعره، والعرب تسمي هذا الإيطاء.
أنشدنا الصولي قال أنشدنا ابن المعتز لنفسه: الطويل
وليل يودَ المصطلون بناره ... لو أنهم حتى الصباح وقودها
رفعت به ناري لمن يبتغي القرى ... على شرف حتى أتتني وفودها
قال الصولي وأنشدني ثعلب قال أنشدني ابن الأعرابي: الرجز
ليلتك يا وقادّ ليل قرّ ... والريح مع ذلك فيها صرّ
أوقد يرى نارك من يمرّ ... أن جلبت ضيفا فأنت حرّ
أنشدنا أبو غانم المعنوي: المنسرح
يوم من الزمهرير مقرور ... عليه جيب السماء مزرور
وشمسه حرّة مخدّرة ... ليس لها من ضبابة نور
كأنما الجوّ حشوه إبر ... والأرض من تحته قوارير
أنشدنا الأخفش قال أنشدنا ثعلب لنويفع بن نفيع قال: الكامل
بانت لطيّتها الغداة جنوب ... وطربت انك ما علمت طروب
ولقد تجاورنا وتهجر بيتنا ... حتى تفارق أو يقال مريب
وزيارة البيت الذي لا يبتغي ... فيه سواء حديثهن معيب
ولقد يميل بي الشباب إلى الصبا ... حيننا فيحكم رأيي التجريب
ولقد توسدني الفتاة يمينها ... وشمالها البهانة الرعبوب
نفج الحقيبة لا ترى لكعوبها ... حدا وليس لساقها ظنبوب
عظمت روادفها وأكمل خلقها ... والوالدان نجيبة ونجيب
لما أحل الشيب بي أثقاله ... وعلمت أن شبابي المسلوب
قالت: كبرت وكل صاحب لذة ... ليلى يعود وذلك التنبيب
هل لي من الكبر المبير طبيب ... فأعود غرا والشباب عجيب
ذهبت لداتي والشباب فليس لي ... فيمن ترين من الأنام ضريب
وإذا السنون دأبن في طلب الفتى ... لحق السنون وأدرك المطلوب
فأذهب إليك فليس يعلم عالم ... من أين يجمع حظه المكتوب
يسعى الفتى لينال أفضل سعيه ... هيهات ذاك ودون ذاك خطوب
يسعى ويأمل والمنية خلفه ... توفي الأكام لها عليه رقيب
لا موت محتقر الصغير فعادل ... عنه ولا كبر الكبير مهيب


ولئن كبرت لقد عمرت كأنني ... غصن تفيئو الرياح رطيب
وكذلك حقا من يعمرّ يبله ... كر الزمان عليه والتقليب
حتى يعود من البلى وكأنه ... في الكف أفوق ناصل معصوب
مرط القذاذ فليس فيه مصنع ... لا الريش ينفعه ولا التعقيب
ذهبت شعوب بأهله وبماله ... أن المنايا للرجال شعوب
والمرء من ريب الزمان كأنه ... عود تداوله الرعاء ركوب
غرض لكل منية يرمي بها ... حتى يصاب سواده المنصوب
قال أبو القاسم: لم يجيء في كلام العرب من المجموع على فعال إلا ستة أحرف،. ذلك قولهم: ظئر وظؤار، وعنز ربى واعنز رباب: للحديثة النتا ج، وتؤم وتؤام، وعرق وعراق، ورخل ورخال، وفرير وفرار: لولد البقرة.
ومما جاء مثنى ولم ينطق له بواحد قولهم: جاء يضرب أزدريه، إذا جاء فارغا. وكذلك جاء يضرب أصدريه، ويقال للرجل إذا تهددّ وليس وراء ذلك شيء: جاء ينفض مذرويه، ويقال أيضا مثل ذلك إذا جاء فارغا لا شيء معه.
ويقال: الشي، حوالينا بلفظ التثنية لا غير، ولم يفرد له واحد إلاّ في شعر شاذ الرجز
أهدموا بيتك لا أبالكا ... وزعموا أنّك لا أخالكا
وأنا أمشي الدّألي حوالكا
ومن ذلك: دواليك، والمعنى مداولة بعد مداولة ولا يفرد له واحد. قال عبد بني الحسحاس: الطويل
كأن الصبيرّيات يوم لقيننا ... ظباء أعارت طرفها للمكانس
وهن بنات القوم أن يشعروا بنا ... يكن في بنات القوم إحدّى الدّهارس
فكم قد شققنا من رداء منيرّ ... ومن برقع عن طفلة غير عانس
إذا شقّ برد شقّ بالبرد مثله ... دوايك حتى كلّنا غير لابس
ومن ذلك حنانيك، ومعناه تحننّ بعد تحننّ ولا يستعمل إلاّ هكذا منصوبا بلفظ التثنية لأنه مصدر وضد أفرد واستعمل ممكّنا.
أنشد سيبويه: الطويل
فقالت حنان: ما أتى بك ههنا ... أذ ونسب أم أنت بالحيّ عارف
تقديره: أمرنا حنان فرفعه بالابتداء والخبر. ومعنى الحنان: الرحمة والتعطف.
ومن ذلك هذا ذيك إنما لي يريد هذّا بعد هذّ، والهذّ: القطع وواحده مستعمل. أنشد سيبويه: مشطور الرجز
ضربا هذا ذيك وطعنا وخضا
ومن ذلك لبيكّ وسعديك، إنما تستعمل هكذا بلفظ التثنية. قال سيبويه: سألت الخليل عن اشتقاقه ومعناه فقال: معنى لبيّك من الألباب يقال ألّب الرجل بالمكان البابا: إذا أقام به فإذا قال لبيك فكأنه قال أنا مقيم على طاعتك وعند أمرك. وسعديك مأخوذ من الإسعاد، والإسعاد والمساعدة سواء، فإذا قال لله عز وجل لبيك وسعديك في التلبية فكأنه قال: أنا مقيم عند أمرك ومتابع له فقد تقرب منه بهواه لا ببدنه. هذا معنى قول الخليل وتفسيره.
حدثنا أبو بكر محمد بن محمود الواسطي قال حدثنا محمد بن إسرائيل الجوهري قال حدثنا معاوية عن أبيه عن قتادة عن عبد الملك بن عمير عن بعض بني أبي المعلىّ: رجل من الأنصار عن أبيه عن جده قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر::إنّ قدمي على ترعة من ترع الحوض " وقال: " أن عبدا من عباد الله خيره الله بين أن يعيش في الدنيا ما شاء أن يعيش وأن يأكل من الدنيا ما شاء أن يكل وبين لقاء ربه، فاختار العبد لقاء ربه ".
قال: فبكى أبو بكر حين قالها: انّا نفديك يا رسول الله بآبائنا.
قال أبو القاسم: والرواية متصلة من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا في مرضه الذي مات فيه نعى نفسه إلى أصحابه. ولهذا الحديث لفظ آخر.
حدثنا أبو عبد الله بن محمد الرازي عن علي بن عبد العزيز عن أبى عبيد القاسم بن سلام قال حدثني إسماعيل بن جعفر بن عمرو بن علقمة عن هذا على ترعة من ترع الجنة.
قال أبو القاسم: وللعلماء في الترعة ثلاثة أقوال: قال أبو عمرو الشيباني: الترعة: الدرجة. وقال غيره الترعة: الباب. وقال أبو عبيدة الترعة: الروضة تكون في المكان المرتفع خاصة. فإذا كانت في المكان المطمئن فهي روضة وينشد للأعشى: البسيط
ما روضة من رياض الحزن معشبة ... خضراء جاد عليها مسبل هطل


يضاحك الشمس منها كوكب شرق ... مؤزر بعمسم النبت مكتهل
يوما بأطيب منها نشر رائحة ... ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل
قال الأصمعي: قال أبو عمرو بن العلاء: لم يقل في وصف جمال النساء وطيب نشرهن أحسن من هذا الشعر ولا أبلغ.
اخبرنا الأخفش قال أخبرنا المبرد قال قال المدائني: روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: يجب على العاقل ثلاث خصال، أن يكون عارفا بزمانه مالكا للسانه مقبلا على شأنه. وقال عمر بن الخطاب: من قعد به أدبه لم لي يرفعه حسبه. وقال أبو بكر الصديق: التقوى الحسب.
اخبرنا ابن دريد قال اخبرنا أبو خاتم قال اخبرني أبو عبيدة قال: خرج الكميت إلى أبان بن عبد الله البجلي وهو على خراسان فجعله في سماّره، وكان في الكميت حسد، فبينما هو ذات ليلة يسمر عنده أغفى أبان وتناظر القوم في الكرم والجود، فقال أحدهم: مات الجود يوم مات الفياض، ورفع صوته فانتبه البجلي فقال: فيم انتم؟ فقال الكميت: الخفيف زعم النضر والمغيرة والنعمان والبحتري وابن عياض قال: ويوحك. زعموا ماذا يا أبا المستهلّ، فقال:
أنّ جود الأنام مات جميعا ... يوم راحوا منيّة الفياض
قال: فقلت لهم ماذا يا أبا المستهلّ؟ قال: قلت:
كذبوا والذي يلبيّ له الركب سراعا بالمفضيات العراض
لا يموت الندّى ولا الجود ما عا ... ش أبان غياث ذى الانفاض
فإذا ما دعا الإله أبانا ... آذن الجود بعده بانقراض
فقال له: أجدت فسل حاجتك. قال: تعطيني لكل بيت عشرة آلاف درهم. قال: أفعل وأزيدك عشرة آلاف من عندي. فأمر له بستين ألف درهم.
اخبرني الأخفش قال اخبرني أبي عن جدّي عن إسماعيل بن نوبخت قال: قصد أبو نواس بعض النوبختية من الكتاب وكأن بعض أجداد ذلك الكاتب كتب لبعض الأكاسرة فوجد كسرى على بعض حظاياه فدفعها إلى ذلك الكاتب النوبختي وأمره بقتلها، فكره أن يقتلها فتتبعها نفس الملك، وخشي أن يستبقيها فيتهمه بها. فاستبقاها وجبّ نفسه. ثم أن نفس الملك تتبعتها فحملها إليه، وعرفه ما صنع بنفسه، فأكبر ذلك وقال: ما جزاؤك إلاّ أن اجمع خاصّتي وأقعدك على رقبتي. فحسده وزراء الملك وقالوا له: إن هذا لقبيح ولكن يأمر الملك بأن يصاغ له تاج ويصور فيه تمثاله فيجعله على رأسه، ففعل فقال أبو نواس يذكر هذه القصة: الكامل
ما حاجة علق الهدى بنجاحها ... من حاجة علقت أبا تماّم
إن الرجال رأوا أباك بأعين ... كحلت لهم بمراود الأعظام
فلئن مددت يدا إليّ بنائل ... فلقد هززتك هزّة الصمصام
فبعث إليه بأربعة آلاف درهم، ولم يكن يملك غيرها.
اخبرنا ابن شقير قال أخبرنا ثعلب عن ابن شبةّ قال:.كانت رملة بنت عبيد الله بن معمر تحت هشام بن سليمان بن عبد الملك فجرى بينهما ذات يوم كلام فقال لها: أنت بغلة لا تلدين. فقالت سه: يأبى كرمي أن يخالط لؤمك.
قال أبو العباس: وشبيه بهذا من الجوابات المسكتة ما روى عن الخنساء حين دخلت على عائشة فأنشدتها قولها في أخيها صخر: الوافر
ألا يا صخرُ أن أبكيتَ عَيني ... لقد أَضْحكتَني زمنهَا طَويلا
بكيتكَ في نساءٍ مُعْوِلاتٍ ... وكنتُ أَحقَ منَْ أبدى العوَيلا
دفعتُ بكَ الخطوبَ وأنت حيّ ... فمن ذا يدفعُ الخَطْبَ الجَليلا
إذا قَبُحَ البكاءُ على قتيلٍ ... رأيتُ بكاءَكَ الحسًنَ الجَميلا
فقالت لها عائشة رضي الله عنها: أتبكين صخرا وهو جمرة في النار؟ فقالت: يا أم المؤمنين: ذاك أشد لجزعي عليه وأبعث لبكائي.
أنشدنا ابن دريد قال أنشدنا عبد الرحمن عن عمه لمحمد بن بشير بن عدوان: الكامل
نعم الفتى فجعت به إخوانه ... يوم البقيع حوادث الأيام
سهل الفناء إذا حللت ببابه ... طلق اليدين مؤدّب الخدّام
وإذا رأيت شقيقه وصديقه ... لم تدر أيهما ذوو الأرحام
اخبرنا نفطويه عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الفسيط بالفاء: قلامة الظفر، والسفّيط بالفاء الموخّرة: الرجل السّخي. والسّقيط بالقاف: الرجل الأحمق، والسّفيط أيضا: الثلج والصقيع، والرّبيط: الراهب. والأربط: الأحمق.


وتقول العرب: فلان من شرطاته لا يعرف لطاته من لهاته. وبعضهم يقول: لا يعرف قطاته من لطاته. والقطاة: الدّبر، واللطّاة: الجبهة. والبطيط: العجب، والأطيط: الجوع، والأطيط أيضا: صوت تمدد النطّع وأشباهه. والحضيرة: الجماعة القليلة يغزون، وينشد: الكامل
يَرِدُ المياهَ حَضِيرََةَ وَنَفِيضَة ... وِرْدَ القَطاةِ إذا اسْمَأَلَّ التبُعَّ
والتبع: الظل. واسمألّ: تقلّص.
اخبرنا أبو جعفر احمد بن محمد بن رستم الطبري قال اخبرنا المازني قال: كنت عند الأخفش ومعنا الرياشي فقال الأخفش: أن مذ إذا رفع بها. فهي اسم مبتدأ وما بعدها خبر كقولك: ما رأيته منذ يومان. وإذا خفض بها فهي حرف جر معنى ليس باسم كقولك: ما رأيته مذ اليوم. فقال الرياشي: فلم لا تكون في الموضعين اسما؟ فقد نرى الأسماء تنصب وتخفض كقولنا: هذا ضارب زيد أمس. فلم لا تكون مذ بهذه المنزلة؟ فلم يأت الأخفش بمقنع. فقلت أنا: لا تشبه مذ ما ذكرت من الأسماء لأنا لم نر الأسماء هكذا تلزم موضعا واحدا إلا إذا ضارعت حروف المعاني نحو أين وكيف وكذلك مذ هي مضارعة الحروف فلزمت موضعا واحدا.
قال أبو جعفر: فقال أبو يعلى بن أبي زرعة للمازني: أفرأيت حرف المعنى يعمل عملين متضادين؟ قال: نعم كقولك قام القوم حاشا زيد وحاشا زيدا، وعلى زيد ثوب، وعلا زيد الجبل. فيكون مرة حرفا ومرة فعلا بلفظ واحد. قال أبو القاسم: هذا الذي فاله أبو عثمان صحيح إلا أنه كان يلزمه أن يبين لأيّ حرف ضارعت مذ؟ كما أنا قد علمنا أن متى وكيف مضارعان ألف الاستفهام؟ وأن يبين كيف وجه الرفع بمذ وأيّ شيء العامل فيها؟.
والقول في ذلك أن مذ إذا خفض بها في قولك: ما رأيته مذ اليوم مضارعة من لأن من لابتداء الغايات ومذ إذا كأن معها النون فهي لابتداء الغايات في الزمان خاصة فوقعت مذ بمعنى منذ في هذا الموضع. ومنذ بمنزلة من، فقد بان تضارعهما.
وأماّ القول في الرفع بها في قولك: ما رأيته مذ يومان، فأن هذا لا يصحّ إلاّ من كلامين لأنك أن جعلت الرؤية واقعة على مذ انقطعت مما بعدها ولم يكن له رافع. ولكنه على تقدير قولك: ما رأيته، ثم تقول للقائل: كم مدة ذلك؟ فيقول: يومان، أي مدة ذلك يومان، فرفعه بالابتداء والخبر.
اخبرنا نفطويه قال قال ثعلب: سألني بعض أصحابنا عن قول الشاعر: الرجز
جاءت به مرمّدا ماملاّ ... مانيّ ألّ خمّ حين ألي
فلم أدر ما يقول، فصرت إلى ابن الأعرابي فسألته عنه ففّسره لي فقال: هذا يصف قرصا خبزته امرأة فلم تنضجه، فقال: جاءت به مرمّدا أي ملوّثا بالرماد. ماملّ في الملّة وهو الجمر والرماد الحار. ثم قال: ماني ألّ: وما زائدة كأنه قال ني، والألّ: وجهه، يعني وجه القرص، وقوله خمّ: يعني تغيرّ حين ألى أي حين أبطأ في النضج، يقال ألى الرجل: إذا توانى وأبطأ في العمل، وأنشد: الوافر
فما إلى بنيّ ولا أساءوا
أنشدنا الأخفش لأبي نواس الطويل
ودار ندامى عطلّوها وأدلجوا ... بها أثر منهم جديد ودارس
مساحب من جر الزقاق على الثرى ... وأضغاث ريحان جنيّ ويابس
وقفت بها صحبي فجدّدت عهدهم ... وأني على أمثال تلك لحابس
ولم أدر ماهم غير ما شهدت به ... بشرفىّ ساباط الديار البسابس
أقمنا بها يوما ويوما وثالثها ... ويوما له يوم الترحل خامس
تدار علينا الراح في عسجدية ... حبتها بأنواع التصاوير فارس
قرارتها كسرى وفي جنباتها ... مها تدريها بالقسيّ الفوارس
فللخمر ما زرّت عليه جيوبها ... وللماء ما دارت عليه القلانس
قال أبو القاسم: الدار: منزل القوم مبنية كانت أو غير مبنية. ويقال:


دار ودارة. والبسابس: القفار واحدها بسبس، ومثلها السباسب، واحدها سبسب وأصلها الصحراء الواسعة الملساء. والعسجدية: كأس مصنوعة من العسجد وهو الذهب. وقوله: قرارتها كسري نصبه على الظرف، يريد أنه كان في قرارة الكأس - وهو أرضها - صورة كسرى. وفي جنباتها وهي نواحيها صورة المها وهو بقر الوحش، وصور فرسان بأيديهم قسيّ ونشاب يرمون تلك المها. وهو معنى قوله تدّريها بالقسيّ الفوارس. والدريئة: الشيء الذي يرمى يعني أنه صب الخمر في الكأس إلى أن بلغت صورة حلوق الفرسان وهو موضع الأزرار. ثم صبّ الماء مقدار رؤوس الصور، وهو الذي تحتازه القلانس.
حدثنا إسماعيل الوراق قال حدثنا إبراهيم بن محمد البصري بمكة قال حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن خالد عن أبيه عن جده عن يونس بن يّسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله، ولا تناجشوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ".
قال أبو القاسم: معنى قوله: ولا تناجشوا يقول: لا يزيدّن أحدكم على ثمن سلعة إذا لم يرد شراءها لئلا ينظر إليه من لا بصر له بالسلعة فيغتر به. وأصل النجش: استثارة الشيء، ومنه النجاشي.
وكان محمد بن إسحاق يقول: اسم النجاشي اسم الملك، كقولهم قيصر وهرقل، وكأن اسمه أصحمة بلغتهم وتفسيره بالعربية عطيةّ. وقوله ولا تدابروا يقول: ولا تقاطعوا ولا تهاجروا فأن المتهاجرين إذا ولى كل واحد منهما عن صاحبه فقد أولاه دبره. ويقال: بعت الشيء: إذا بعته فأخرجته من يدك، وبعته: إذا اشتريته. ويستعمل في الضدّين معا. ويقال أبعن الشيء: إذا عرضته للبيع. وينشد: الكامل
وَرَضيِتُ آَلاءَ الكميت فمن يَبعْ ... فرَساً فليس جَوادنا بُمباعِ
أي: بمعرّض للبيع.
اخبرنا أبو القاسم الصائغ قال اخبرنا ابن قتيبة قال: روى أن وفد همدان قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فلقوه مقبلا من تبوك فقام مالك ابن نمط. الهمداني فقل: يا رسول الله نصيةّ من همدان من كل حاضر وباد، أتوك على قلص نواج، متصلة بحبائل الإسلام، من مخلاف خارف ويام، لا تأخذهم في الله لومة لائم عهدهم لا ينقض عن سنةّ ما حل، ولا سوداء عنقفير، ما قام لعلع، وما جرى اليعفور بصلعّ.
فكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم: هذا كتاب من محمد رسوله الله عليه السلام لمخلاف خارف وأهل جناب الهضب وحقاف الرمل مع وافدها مالك بن نمط ومن اسلم من قومه على أن لهم عزازها وهاطها وفراعها ما أقاموا الصلاة واَتوا الزكاة، يرعون علافها ويأكلون عفاءها، ولنا من دفئهم وصرامهم ما سلموا بالميثاق والأمانة. ولهم من الصدّقة الثلّب والناب والفصيل، والفارض الدّاجن، والكبش الحوري، وعليهم الصاّلغ والقارح.
قوله: نصيةّ. يقول نحن نصيةّ من همدان فرفعه لأنه خبر ابتداء محذوف، والنصيةّ: الرؤساء المختارون. ويقال: انتصيت الشيء إذا اخترته، وأصله من الناصية كما أن الرؤساء من الرأس. والقلص: جماعة القلوص وهي الفتيةّ من الإبل، قال الأصمعي: القلوص من النوق بمنزلة الشابّة من النساء، والجمل بمنزلة الرجل، والبعير بمنزلة الإنسان يقع على الذكر والأنثى. والنواحي: السّراج واحدتها ناجية، والنجّاء: السرعة يمد ويقصر، قال بعض لصوص الأعراض: الرجز
إذا أخذت النهب فالنجا النجا ... أني أخاف الطالب السّفنجّا
وخارف ويام قبيلتان. والمخلاف لأهل اليمن كالأجناد لأهل الشام والكور لأهل العراق والطساسيج لأهل الأهواز والرستاتيق لأهل الجبال.
وقوله: عهدهم لا ينقص عن سنةّ ماحل فالماحل: الساعي، يقال: محل به إلى السلطان. والسوداء العنقفير: الداهية. والسنّة: الطريقة، يريد أنهم لا يزولون عن العهد لسعي الساعي، ولا لشّدّة عظيمة تنزل بهم. ولعلع: جبل بعينه. واليعفور: ولد البقر. والصّلع: الأرض الملساء. والفراع: أعالي الجبال والأشياء المرتفعة واحدها فرعة. والفرعة في غير هذا: القملة ومنه حسان بن الفريعة. والوهاط: ما انخفض من الأرض، والعزاز: ما صلب منها وهو مثل الجلد. والدّفء: الإبل سميت بذلك لأنه يتخذ من أوبارها ما يستدفأ به. والصّرام: النخل لأنها تصرم، ويجوز أن يكون الصرام التمر نفسه. والثلَّب: الجمل المسمن. والناب: الناقة المسنة.


والفارض: الكبيرة التي ليست بصغيرة. والداجن: الذي يعلف في البيت ولا يرسل إلى المراعي. والضالع من البقر والغنم ما كمل وتناهت سنة، وذلك في السنة السادسة. والقارح مثله من الخيل. والكبش الحوري: ذكر ابن أن قتيبة أنه ضرب من الكباش الحمر الجلود، ولا أدري من أي شيء اشتقاقه إذ كان المعروف في اللغة هو أن الحور البياض، ومنه قيل للقصارين الحواريون لتبيضهم الثياب.
اخبرنا اليزيزي قال اخبرني عمي الفضل بن محمد بن أبى محمد اليزيزي عن أبيه عن جده قال: اخبرني بعض أصحابنا قال: اجتزت بناحية نجد على جارية من الأعراب كأنها فلقة قمر تنظر عن عينين نجلاوتين بأهداب كفوادم النسر لم أر أكمل كمالا منها. فوقفت أنظر إليها ولحسنها وبجنبها عجوز، فقالت العجوز: ما وقوفك على هذا الغزال النجدي، ولا حظ لك فيه. فقالت الجارية: دعيه بالله يا أمتاه يكن ما قال ذو الرمة: الطويل
خليلي عدا حاجتي من هواكما ... ومن ذا يواسي النفس إلا خليلها
ألما بمي قبل أن تطرح النوى ... بنا مطرحا أو قبل بين يزيلها
وأن لم يكن إلا معرس ساعة ... قليلا فإني نافع لي قليلها
اخبرنا الأخفش قال اخبرنا ثعلب قال حدثني حماد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن أبيه قال: كان رجل من آل أبى جعفر يعشق مغنية فطال عليه أمرها وثقلت مؤونتها فقال يوما لبعض إخوانه إن هذه قد شغلتني عن كثير من أموري فامض بنا إليها لأكاشفها وأتاركها، فقد وجدت بعض السلو. فلما صار إليها قال لها: أتغنين قول الشاعر: الوافر
وكنت أحبكم فسلوت عنكم ... عليكم في دياركم السلام
قالت: لا ولكني اغني قول القائل: الوافر
تحملّ أهلها منّي فبانوا ... على آثار من ذهب العفاء
فاستحيا الفتى وأطرق وازداد بها عجبا وكلفا. قال لها: أتغنين قول القائل الطويل
وأخضع للعتبى إذا كنت ظالما ... وأن ظلمت كنت الذي يتنصّل
قالت: نعم، وقول القائل: الطويل
فأن تقبلي بالود نقبل بمثله ... وأن تدبري أذهب إلى حال باليا
فتقاطعا في بيتين وتواصلا في بيتين ولم يشعر بهما أحد.
اخبرنا الأخفش قال اخبرنا المبرد قال: دخلت في حداثتي أنا وصديق لي من أهل الأدب إلى بعض الديارات لننظر إلى مجانين قد وصفوا لنا فرأينا منهم عجائب، حتى انتهينا إلى شاب في حجرة منهم نظيف الوجه واللباس على حصير نظيف، بيده مرآة ومشط وهو ينظر في المرآة ويسرح لحيته، فقلت: ما يقعدك هنا وأنت مباين لهؤلاء؟ فرفع طرفه وأمال آخر وأنشأ يقول: الكامل
الله يعلم أنني كمد ... لا أستطيع أبثّ ما أجد
نفسان لي؛ نفس تقسّمها ... بلد وأخرى حازها بلد
وإذا المقيمة ليس ينفعها ... صبر تجد الذي أجد
فقلت له: أراك عاشقا. قال: أجل. قلت: لمن؟ قال: أنك لسؤول. قلت: محسن أن أخبرت. قال: أن أبي عقد لي على ابنة عم لي نكاحا فتوفيّ قبل أن أزفها. وخلّف مالا عظيما، فقبض عمي على جميع المال وحبسني في هذا الدير وزعم أني مجنون، وقيمّ الدير في خلال ذلك يقول لنا: احذروه فأنه الآن يتغير ثم قال لي: أنشدني شيئا فأني أظنك من أهل الأدب. فقلت لرفيقي أنشد. فأنشد:
قبلّت فاها على خوف مخالسة ... كقابس النار لم يشعر من العجل
ماذا على رصد في الدار لو غفلوا ... عنيّ فقبلتها عشرا على مهل
غضي جفونك عني وانظري أمما ... فإنما افتضح العشاق بالمقل
فقال لي: أبو من جعلت فداك؟ قلت: أبو العباس، فقال: يا أبا العباس أنا وهذا الفتى في الطرّفين، هذا مجاور من يهواه مستقبل لما يناله منه، وأنا ناء مقصى، فبالله أنشدني أنت شيئاً. فلم يحضرني في الوقت غير قول عمر بن أبي ربيعة: الكامل
قالت سكينة والدموع ذوارف ... تجرى على الخدين والجلباب
ليت المغيرىّ الذي لم أجهزه ... فيما أطال تصبرّي وطلابي
كانت تردّ لنا المنى أيامه ... إذ لا تلام على هوى وتصاب
خبرّت ما قالت فبتّ كأنما ... ترمي الحشا بصوائب النشاّب


أسكين ما ماء الفرات وطيبه ... مناّ على ظمأ وحبّ شراب
بالّذ منك وأن نأيت وقلّما ... ترعى النساء أمانة الغياّب
ثم قلت له: أنشدنا أنت شيئاً آخر، فأنشأ يقول: مجزوء الوافر
أبن لي أيها الطلل ... عن الأحباب ما فعلوا
ترى ساروا ترى نزلوا ... بأرض الشام أو رحلوا
فقال له رفيقي مجونا ولعبا: ماتوا. فقال: ويلك ماتوا؟ قال: نعم ماتوا. فاضطرب واحمرت عيناه وهم بالوثوب فتنحينا عنه فجعل يضرب برأسه الأرض ويقول: ويلك ماتوا. حتى هالنا أمره فانصرفنا عنه.
ثم عدنا بعد أيام فسألنا عنه صاحب الدير فقال: ما زالت تلك حاله إلى أن مات.
أخبرنا ابن دريد قال اخبرني أبو حاتم عن الأصمعي قال: تقول العرب: رجع فلان في حافرته ورجع أدراجه ورجع عوده على بدئه إذ إذا رجع في الطريق التي جاء منها.
قال: والنفير والجمع أنفار: الذين ينفرون في حوائجهم، في الغزو وغير ذلك. وأمّا قولهم: لا في العير ولا في النفير قيلت يوم بدر وجرى في الإسلاَم كلام بين يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وبين عمرو الأشدق فقال عمرو ليزيد: اسكت فلست في العير ولا في النفير. فقال يزيد لجلسائه: إن هذا الأحمق سمع كلمة فأحب أن يتمثل بها، ولم يحسن أن يضعها موضعها يقول لي: لست لم في العير ولا في النفير. وصاحب العير جدّى أبو سفيان، وصاحب النفير جدي عتبة بن ربيعة.
اخبرنا نفطويه عن ثعلب عن ابن الأعرابي في قول الشاعر: الرجز
ما للجمال مشيها وئيدا ... أجندلا يحملن أم حديدا
أم صرفانا باردا شديدا ... أم الرجال جثّما قعودا
قال: الصّرفان: الرصاص، وبعض أهل اللغة يقول: الصّرفان: الموت، وقال بعضهم في هذا البيت: التمر: الصّرفان نفسه، وأكثر أهل العلم على القول الأول. والشّنف: ما علق في الأذن من أعلاها. والقرط: ما علق في أسفلها. والعر: حلقة القرط. قال أبو القاسم: قوله مشيها خفضه على البدل من الجمال لأشتمال المعنى عليه. والتقدير: مالمشي الجمال وئيدا أي ثقيلا، ونصب وئيدا على الحال. 'والقبص: الجماعات كأنه جمع قابص بمنزلة ضارب وضرّ ب. وصائم وصوّم. والقبص بكسر القاف واسكان الباء: العدد الكثير من الناس.
اخبرنا أبو محمد إسماعيل بن النجم الشرابي قال: كنا في مجلس أبي العباس المبرد في يوم شديد البرد فمرّ بنا إسماعيل بن زرزور المغني وعليه غلالة قصب وكرحل ديباج وعلى رأسه منديل دبيقي وفي رلجه نعل صرّارة. فمرّ ولم يسلم فقال لنا المبرد: من هذا؟ فقلنا: ابن زرزور المغني فقال: اكتبوا:
غناؤك يكسبك التزنيه ... وصفعا وطردا من الأبنيه
وقذفك اجمل من أن تبرّ ... وشتمك أولى من التكنيه
فيوم ولادك لتعزيات ... ويوم حمامك للتهنيه
وأنشدنا غيره لابن بسّام: الكامل
سيان من بالصفع مكسبه ... أو من له بغنائه جزر
حالاهما في الصفع واحدة ... ما بين مكتسبيهما فتر
حدثنا نفطويه قال حدثنا الحنيني عن الحسين بن محمد عن شيبان عن قتادة في قول الله عز وجل وترى الشمس إذا طلعت تزّاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال قال: معناه تدعهم ذات الشمال وهم في فجوة منه لما قال يقول: في فضاء من الغار. قال أبو القاسم: أصل تزّاور تتزاور فأبدلت التاء الثانية زايا وأدغمت في التي بعدها فقيل تزّاور، والأزور: المائل. وفي تقرضهم أقوال، قال بعض أهل اللغة: معناه تدعهم ذات اليمين كما قال قتادة. وقال آخرون: تجاوزهم ذات الشمال وهو مذهب أبي عبيدة. قال: ويقال: هل مررت بمكان كذا وكذا؟ فيقول المسؤول: قرضته ليلا أي جاوزته ليلا. وأنشد غيره لذي الرمّة: الطويل
إلى ظَعنٍ يَقْرِضْنَ أجوازَ مُشْرِفٍ ... سراعا وعن أيمانهنّ الفوارسُ
وقال آخرون: تقرضهم ذات الشمال أي تعدل عنهم.


وحكى ابن شقير عن ثعلب أنه قال قال الكسائي والفراء: هو من المحاذاة. يقال قرضنا الشيء وحذاني، يقرضني وجذوني، وحاذاني يحاذيني بمعنى واحد. ويقال: غربت الشمس غروبا وغابت غيوبا وغيبا ومعيبا، ووجبت وجوبا، وآبت أيابا، ووقبت وقوبا، وقنبت قنوبا، وقنبت قنوباً، وألقت يدا في كاعر. كل ذلك بمعنى واحد. ويقال: أفل الكوكب يأفل ويأفل أفلا وأفولا. وغرب، واغتمس، وخفق. فإذا دنت الشمس للغروب وبمّا تغب قيل: زبّت وأزبّت وتضيّفت ومالت، وجنحت، وطفلت.
اخبرنا الأخفش والزجاج قالا اخبرنا المبرد قال: قال حدثنا من غير وجه بألفاظ منقطعة ومعان متفقة وبعضها يزيد على بعض أنه لما مات النبي صلى الله عليه وسلم تولى غَسله العباس وعلي والفضل قال علي: فلم أره يعتاد فاه من التغير ما يعتاد الموتى. فلما فرغ من غسله كشف علي الإزار عن وجهه ثم قال: بأبي أنت وأمي طبت حياّ وطبت ميتا، أنقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد ممن سواك من الأنبياء والنبوة، خصصت حتى صرت مسلياّ عمن سواك وعممت حتى صارت الرزيّة فيك سواء، ولولا أنك أمرت بالصبر ونهيت عن الجزع لأنفذنا عليك الشؤون. ولكن ما لابد منه كمد وأدبار محالفان، وهما داء الأجل، وقلا والله لك بأبي أنت وأمي اذكرنا عند ربك واجعلنا من هّمك.
ثم لمح قذاة فلفظها بلسانه وردّ الإزار على وجهه. قال أبو القاسم: الشؤون: الدموع واحدها شأن ويقالَ هي مجارى الدموع. ويقال هي قبائل الرأس ومنها ابتداء مجرى الدموع. ثم سميت الدموع شؤونا لذلك وينشد لأوس بن حجر: الكامل
لا تحزنيني بالفراق فأنني ... لا تستهل من الفراق شؤوني
اخبرنا الزجاج قال حدثنا المبرد قال حدث لوط بن يحيى بن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال: دخلت على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه حين ضربه ابن ملجم أسأل به فلم أجلس عنده. لأنه دخلت عنده بنت مستترة، فدعا الحسن والحسين صلوات الله عليهما ثم قال لهما: أوصيكما بتقوى الله، ولا تبغيا الدنيا وأن بغتكما، ولا تبكيا على شيء زوى عنكما منها. قولا الحق، وارحما اليتيم، وأعينا الصانع، واصنعا للأخرة. كَونا للظالم خصما، وللمظلوم عونا، ولا تأخذ كما في الله لومة لائم.
ثم نظر إلى ابن الحنفية فقال: أسمعت ما وصيّتهما به؟ قال: نعم قال: وأوصيك بمثله، وبتزيين أمر أخويك، ولا تقطع أمرا دونهما.
ثم قال لهما، وأوصيكما به فأنه شقيقكما وابن أبيكما، وقد علمتما أّن أباه كان يحبه فأحباّه.
اخبرنا اليزيدي قال اخبرني عمي الفضل بن محمد عن أبيه عن أبي محمد اليزيدي قال: لحق أبا العتاهية جفاء من عمرو بن مسعدة فكتب إليه: الطويل
غنيت عن الودّ القديم غنيتا ... وضيعّت ودّا كان لي ونسيتا
وقد كنت في أيام ضعف من القوى ... أبرّ وأوفى منك حين قويتا
عهدتك في غير الولاية حافظا ... فأغلقت باب الودّ حين ولينا
تجاهلت عما كنت تحسن وصفه ... ومت عن الإحسان حين حييتا
ومن عجب الأيام أن باد من يفي ... ومن كنت ترعاني له وبقيتا
غناك لمن يرجوك فقر وفاقة ... وذلّ ويأس منك يوم رجيتا
اخبرنا اليزيدى عن عمه عن أبيه عن جده قال: وليّ النعمان بن المنذر بعض الأعراب باب الحيرة مما يلي البريّة فصاد ضبّاً فبعث به إلى النعمان وكتب إليه: الطويل
جبى المال عمال الخراج وجبوتي ... مقطعة الآذان صفر الشواكل
رعين الرّبا والبقل حتى كأنما ... كساهّن سلطان ثياب المراجل
قال أبو القاسم: الرّبا جمع ربوة: وهو ما ارتفع من الأرض يقال: ربوة، وربوة، ورباوة. ويروى في بعض التفاسير أن المعنى بقول الله تعالى (وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين) : دمشق. والشواكل: جمع شاكلة وهي الخاصرة. وثياب المراجل: ثياب مخططة تعمل باليمن. ويقال أن المراجل موضع هناك تعمل فيه الثياب فنسبت إليه.
أنشدنا نفطويه للمؤمل: البسيط
لا تغضبنّ على قوم تحبهّم ... فليس منك عليهم ينفع الغضب
ولا تخاصمهم يوما وان ظلموا ... أن القضاة إذا ما خوصموا غلبوا
يا جائرين علينا في حكومتهم ... والجور أقبح ما يؤتى ويرتكب


لسنا إلى غيركم منكم نفرّ إذا ... جرتم ولكن إليكم منكم الهرب
وهذا هو بعينه قول البحتري: مخلع البسيط
يا ظالما لي بغير جرم ... إليك من ظلمك المفر
وهذا المعنى مستنبط من كلام الله تعالى (ففروّا إلى الله أني لكم منه نذير مبين) .
أنشدنا نفطويه لأبي العتاهية: الكامل
كتب الفناء على البرية كلها ... والناس بين مقدّم ومخلّف
سبحان ذي الملكوت أيّة ليلة ... مخضت بوجه صباح يوم الموقف
ويروى بدل كلها " ربها ".
حدثنا عبد الله بن محمد النيسابورى قال حدثنا عليّ بن سعيد ابن جرير النسائي قال حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث عن شعبة عن عبد الملك بن عمر عن ربعي: أن أبا موسى أغمي عليه فبكته زوجته فقال: ابرأ إليكم مما برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن حلق، وسلق، وخرق.
قال أبو القاسم: حلق من حلق الرأس للنساء على الميّت. وأمّا السلّق: فرفع الصوت بالبكاء والعويل، قال الله تعالى: (سلقوكم بألسنة حداد) وكذلك النقع: رفع الصوت بالبكاء والعويل. وهذا كان منهيّا عنه في أول الإسلام. أعني البكاء على الميت، ثم رخّص فيه ما لم يكن مفرطا متجاوز للقدر بالصراخ والعويل. قال عمر بن الخطاب: " ما على نساء المغيرة أن يهرقن من دموعهن على أبي سليمان ما لم يكن نقع ولا لقلقة ". فالنقع ما ذكرنا. اللقلقة: تحريك اللسان والولولة. وأبو سليمان خالد بن الوليد ابن المغيرة. والسلّق: بفتح اللام والسين: المستوى من الأرض جمعه سلقان. والفلق: مطمئن بين ربوين، وجمعه فلقان.
حدثنا محمد بن محمود الواسطي قال حدثنا أبو إسماعيل اليزيدى قال حدثنا عفان عن همام عن ثابت عن أنس: أنّ أبا بكر حدثهم قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار: لو أنّ أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه. فقال " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ".
اخبرنا نفطويه قال اخبرنا إسماعيل بن محمد السامي قال اخبرني روك بن المحبّر قال سمعت شعبة يقول: " تعلموا العربية فإنها تزيد في العقل ".
حدثنا ابن الانبارى وابن شقير قالا حدثنا احمد بن عبيد قال: كان في عضد بزر جمهر: " أن كانت الحظوظ بالجدود فما الحرص وان كانت الأشياء غير دائمة فما السرور. وان كانت الدار غرّارة فما الطمأنينة إليها؟ حدثنا ابن الانبارى قال حدثنا احمد بن عبد الله الحربي قال حدثنا أبو عبد الله القرشي قال: قال أبو الحسن المدائني: بعث عبد الملك أخاه محمد بن مروان إلى مصعب بن الزبير يعطيه الأمان فقال مصعب: " مثلي لا يرجع عن هذا الموضع ألا غالبا أو مغلوباً ".
اخبرنا الأخفش قال اخبرنا السكري عن الزيادى عن الأصمعي قال: كان الأحوص بن محمد يشببّ بنساء الأشراف، فشكي إلى عمر بن عبد العزيز فنفاه إلى قرية من قرى اليمن قال: ولما قال: الطويل
أدور ولولا أن أرى أمّ جعفر ... بأبياتكم ما درت حيث أدور
وما كنت زوّارا ولكن ذا الهوى ... إذا لم يزر لابدّ أن سيزور
لقد منعت معروفها أمّ جعفر ... وأني إلى معروفها لفقير
جاءت أم جعفر بكتاب حقّ على الأحوص بدين حالّ فقبضت عليه وجعلت تطالبه بالدين المذكور في هذا الكتاب، وهو يحلف بالله انه ما يعرفها، ولا رآها قط. فقالت له: يا فاسق، فأنا أمّ جعفر فلم تذكرني في شعرك ولم ترني قط؟.
اخبرنا اليزيدي قال اخبرنا أبو محمد بن حمدون حزابية قال: أنشدني أبو نواس لنفسه: الكامل
شبهّته بالبدر حين بدا ... أو بالعروس صبيحة العرس
وأعيذه من أن يكون له ... ما تحت مئزرها من الرجس
اخبرنا اليزيدى قال اخبرنا ثعلب قال: كنا عند ابن الأعرابي فأنشدني قول جرير: الطويل
ويوم كإبهام القطاة تخايلت ... ضحاه وطابت بالعشيّ أصائله
رزقنا به الصيد الغزير ولم نكن ... كمن نبله محرومة وحبائله
فقال ابن الأعرابي: أحسن منه وهو الذي أخذ منه جرير - قول الآخر: الوافر
ويوم عند دار أبي نعيم ... قصير مثل سالفة الذباب


قال أبو القاسم: وأنا أقول أن هذا نهاية في الإفراط، وخروج عن حد التشبيه المصيب. ونظيره في الإفراط في ضد هذا المعنى قول أبي تمام: الطويل ويوم كطول الدهر في عرض مثله وشوقي من هذا وهذاك أطول اخبرنا ابن دريد قال اخبرنا ابن حاتم السجستاني عن أبي زيد الأنصاري قال: البطريق: الرجل المختال المعجب المزهو، وهم البطارقة والبطاريق، ولا فعل له ولا يستعمل في النساء. والهمام: الرجل السيد ذو الشجاعة والسخاء، ولا فعل له ولا يستعمل في النساء. والجحجاح: الرجل السيد الأديب ولا فعل له ولا يستعمل في النساء.
أنشدنا اليزيدى قال أنشدني عمي: الرجز
أمّا تريني مره العينين ... مسفّع الوجنة والخدّين
جلد القميص جاسيء النعلين ... فإنما المرء بالأصغرين
قال أبو القاسم: الأصغران: القلب واللسان ومنه قول ضمرة بن ضمرة وكان يغير على مسالح النعمان، وينقص أطرافه، فطلبه فأعياه وأشجاه، فجعل له أنف ناقة والأمان. فلما دخل عليه ازدراه لأنه كان حقيرا ذميما فقال النعمان: " لأن تسمع بالمعيدى خير من أن تراه " وهو أول من قالها فذهبت مثلا. فقال له ضمرة: " مهلا أبيت اللعن فإنما المرء بأصغريه: بلسانه وقلبه، أن نطق ببيان، وان قاتل بجنان " فأعجب به وولاّ هـ بابه.
أنشدنا الزجاج قال أنشدني المبرد قال أنشدني الأخفش بيتين ذكرهما سيبويه في كتابه لبعض الأعراب وهما: الرجز
أن الكريم وأبيك يعتمل ... أن لم يجد يوما على من يتكل
قال أبو القاسم: في هذا البيت خمسة أوجه، أحدها: مذهب يونس وكان المبرد يذهب إليه قديما وذكره في كتاب " الرد على سيبويه " واختاره ثم ردّه وهو أن يكون التقدير: أن الكريم وأبيك يعتمد أن لم يجد يوما شيئاً.
ثم يبدئ فيقول مستفهما على من يتكل أعلى هذا أم على هذا؟ ويكون يتكل في موضع رفع ولكنه يسكنه للقافية فيقول: يعني يكتب. والوجه الثاني كان يذهب إلية الفراء، فان معنى لم يجد: لم يدر كأنه قال أن لم يدر على من يتكل قال: وقيل لامرأة من العرب: انزلي قدرك من النار. فقالت: لا أجد بم أنزلها، أي لا أدري بأي شيء أنزلها.
والوجه الثالث مذهب المازني وهو الذي اختاره المبرد أخرا، والمعنى لم يجد ولم يعلم كأنه قال: أن الكريم يعتمل أن لم يعلم على من يتكل.
والوجه الرابع: أن يكون لم يجد لم يكتب كأنه قال: إذا لم يكتب على من يتكل.
والوجه الخامس: مذهب سيبويه وإنما أخرناه لغموضه لان بعض الناس يزعم انه قد غلط فيه. وتقديره عند سيبويه أن يكون يجد موصلا إلى من بعلى كأن تقديره: أن لم يجد على من يتكل عليه، فتقديره: أن لم يجد من يتكل عليه، وليس وجدت مما يتعدى بحرف خفض، فلهذا خالفوه.
قال المازني: وتقديره صحيح جيد لأن الفعل المتعدي قد يجوز ألا يعدّى فكأنه قصد لذلك ثم بدا له فعدّاه بعلى كما قال تعالى: (عسى أن يكون ردف لكم) وإنما جاز أن يحذف " عليه " من قوله " أن لم يجد من يتكل عليه ". لذكرها في أوّل الكلام. وأجاز على هذا أن تقول: متى تمرر أمرر. وعلى من تنزل أنزل، على إضمار به، وعليه لأنه قد جرى ذكرهما والوجه أن يؤتى بهما.
أنشدنا نفطويه: الطويل
ولما حللنا منزلاً طلّه الندى ... أنيقا وبستانا من النَّور خَاليا
لعدّ لنا حسنُ المكان وطيبُه ... مُنىً فتمنينّا فكنتِ الأمانيا
وأنشدنا أيضا في مثله: المنسرح
الله لي شاهد بذاك وقد ... يشهد أهل العفاف والورع
ما كنت في مجلس أسرّ به ... ألا تمنّيت أن تكون معي
اخبرنا نفطويه قال اخبرنا ثعلب قال اخبرنا سلمة عن الفراء قال: يقال للجدى: هذا الجدى، والعطعط والعثعث، والأمرّ، قال: والحنان: الهيبة، والحنان العطاء، والحنان: الرزق، والحنان: الرحمة، وينشد لامرئ القيس: الوافر
وَيَمْنَحُها بنو شَمَجَى بن جَرْمٍ ... مَعِيزَهُمُ حَنانَكَ ذا الحَنانِ
انشدنا ابن دريد قال أنشدنا عبد الرحمن عن عمه: الطويل
ونصر بن دهمان الهنيدة عانها ... وخمسين حولا ثم قوّم فانصاتا
وعاد سواد الرأس بعد بياضه ... وشرخ الشباب بعد أن كان قد فاتا


وبدّل حلما وافرا بعد طيشه ... ولكنه من بعد ذا كلّه ماتا
قال أبو القاسم: قوله: إنصات يقول: انتصب بعد أن أحنى. والهنيدة: مائة من الإبل، فاستعارها ههنا لمائة من السنين. يقول: عاش مائة وخمسين سنة.
أنشدني مدرك لنفسه: الرمل
أنّ سقما جدّ بي من عبث ... منك بالهجر لسحر مستمر
جلّ مادقّ ضحى الأمس فما ... أنا فيه اليوم أدهى وأمر
وعدوا إذ وعدوا أن يرجعوا ... عن ريب فارتقبهم واصطبر
ما عليهم أن جرت في أثرهم ... أدمع تجري بماء منهمر
ثم وافاه دم فالتقيا ... فوق خدّي لأمر قد قدر
يا أبا القطان صبرا يا فتى ... فعسى مولاك يعقب بالظفر
من غزال ماكسي أغيد ... اسمه في الصف يتلوه البشر
أنشدنا الأخفش قال أنشدنا محمد بن الحسن الأحول للعطوي ويقال بل هو لعمرو بن عبد الملك الوراق في فتنة المخلوع: البسيط
ماذا أصابك يا بغداد بالعين ... ألم تكوني زماناً قرّة العين
ألم يكن فيك قوم كنت مسكنهم ... وكان قربهم زينا من الزين
استودع الله قوما ما ذكرتهم ... ألا ترقرق ماء العين من عيني
كانوا فمزّقهم دهر وصدّعهم ... والدهر يصدع ما بين الفريقين
قال: وأنشدني ثعلب في هذه: المنسرح
أذم بغداد والمقام بها ... من بعد ما خبرة وتجريب
ما عند أملاكهم لمختبط ... روح ولا فرجة لمكروب
يحتاج باغي النوال عندهم ... إلى ثلاث من بعد تقريب
كنوز قارون أن تكون له ... وعمر نوح وصبر أيّوب
المختبط: الذي يطلب ما عندك من غير معرفة ولا سبب. ويجوز في كنوز قارون وما بعده الرفع والخفض، فمن رفعه جعله خبر مبتدأ مضمر كأنه قال: هي كنوز قارون. ومن خفضه جعله بدلا من الثلاث.
أنشدني بعض المجربين ممن قدم بغداد فاستوملها: الطويل
أرى الريف يدنو كل يوم وليلة ... وأزداد من نجد وساكنه بعدا
ألا إن بغداد بلادا نقيضة ... إليّ وان كانت معيشتها رغدا
بلاد ترى الأرواح فيها رخيصة ... وتزداد نتنا حين تمطر أو تندا
أنشدنا اليزيدى قال أنشدني عمي عن أبيه: الطويل
ألا أيها البين الذي أقلق الحشا ... متى أنت عينا جدّك الله غافل
أراك عن الأحباب غيرى وغيرها ... حبيبا فلاقتك الحتوف القواتل
حدثنا الأخفش قال حدثنا ثعلب قال اخبرنا الرياشي قال حدثنا بشر بن عمر قال حدثنا عبد الله بن طيقة قال حدثنا أبو زرعة بن جابر عن عمر بن علي أن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه قال: يا رسول الله أمنّا الهداة أم من غيرنا؟ قال: لا بل مناّ، بنا يختم الدين كما افتتح بنا. يستنقذ من الضلالة بنا يجمع الله بين قلوبهم بعد عداوة كما بنا جمع بنيهم بعد عداوة الشرك. قال علي: يا رسول الله فمن بقي أمؤمنون أم كافرون؟ قال: مفتون وكافر.
قال أبو القاسم: الفتنة على ضروب في كلام العرب، فالفتنة: الابتلاء، والفتنة: الاختبار، والفتنة: الكفر من قوله عزّ اسمه (والفتنة أشدّ من القتل) . والفتنة: العذاب، والمفتون: المحرق بالنار من قوله: (يوم هم على النار يفتنون) . قيل: يعذبون، وقيل: يحرقون. والهداة جمع هاد. وهذا جمع اختص به المعتل، وليس له في السالم نظير. كقولك: غاز وغزاة، وقاض وقضاة، ورام ورماة، وهاد وهداة، وليس في السالم شيء جمع على " فعلة ".


اخبرنا أبو الحارث بشر بن مروان بن الحكم بن بشر بن أبي عمرو بن العلاء بالمدينة السلام يوم الخميس لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة في منزل أبي الحسين بن أبي عباد قال اخبرني محمد بن الوليد الضروى قال اخبرني أبو المقدام شيخ من أهل حزبة قال اخبرني بعض بني مخزوم بمكة سنة أربعين ومائة قال: لما وقع بين بني عذرة وخزاعة هنة في سبب غلام لامرأة من خزاعة يحطب لها ويعود بكسبه عليها، فأصابه رجل من بني عذرة فقتله فحملت عذرة قيمته إلى خزاعة فأبوا أن يقبلوها وقالوا: لا يكون ذلك أبدا حتى نقتل غلام عمرة بنت قبيصة بن سليك. فتفاقم الأمر بينهم حتى تداعوا بالأحلاف فخشي هاشم بن عبد مناف فساد الحرم وان تنهتك حرمته فدعا بمنبره المركن ووعد الناس بئر بني قصي بن كلاب الحرد التي بملتقى الرفاق. فلما اجتمع الناس قام فيهم خطيبا فخطب خطبته التي تسمى الحكيمة يختص فيها ابني نزار دون قحطان، ومضر دون ربيعة، وقريشا دون سائر القبائل، فقال: " معاشر " الناس نحن آل إبراهيم وذرية إسماعيل، وولد النضر بن كنانة، وبنو قصي بن كلاب أرباب مكة وسلطان الحرم. لنا ذروة الشرف ولباب الحسب، ومعدن المجد، وغاية العز، ونحن جبال الأرض ودعائم الحق، وسادات الأمم، ولكل في كل حلف تجب نصرته، وإجابة دعوته لا مادحا إلى عقوق عشيرة أو قطيعة رحم، وقد جمعتكم مخافة أن تقتادكم العجلة وسوء الرأي وجهل المعرفة إلى حص القمة وجرد التباعد، فيحمل كل امرئ منكم قتبا على أخيه يجتث به باسقات فروعه ويستدعي به درة الحرب. وأقسم لئن ادرّت الجرة الخلب قبل حسم الشظة ليعلون الحمة العمق ولتأنفنّ شمل السحيق حتى يردع قذيف الكبد أو تتعلق الشنان شظايا المقذرة أفواقها ويفرغ المداخن جمة الدخن وتظهر مدمجات الخواطر مضمن مستودع أنفسها. فإذا كان ذلك طاش حلم الأديب، وضلّ رأى المصيب واتسع نؤى السبوبة، وشل نزح الغرب، واتصل لجام القين. وقيل قد ضاق الطريق فأقدم. فهناك يقلب الأمراء أمره، ونقبل الحجر شدخه، وتملك السهم قصده، ويستثير كل امرئ ما دفن. يا بني خزاعة أن بني أبيكم حملوا إليكم قيمة عبد رمته المنيّة عن يد الخطأ فوافق أجله. فان كان من أرصاد طلب وطلب طالبه كان عمدا، أو أبيتم قبول ما هو سنة العرب لتعظم نيران. المنيةّ. فكونوا هامة العرب تهتف بنوها وقد حكمت بقبول قيمته، وعلى، بني عذرة بدفع ذلك إليكم، فمن أمحكه النجاح وترك ما حكمت به قلبه فأنا حليف علية، ومادّة عذرة إليه حتى يحتقبها السفر وترقل بها خوص الركاب إلى حكام العرب فتصير أمثالا.
أيها الناس، الحلم شرف، والصبر ظفر، والجود سؤدد، والمعروف كنز، والحرب خدعة، والظفر دولة، والأيام غير، والأنساب منسوب إلى فعله، ومأخوذ بعمله فاستشيروا الحلم نجزكم العوراء، ودعوا الفضول يجانبكم السفهاء، وأكرموا الجليس يعمر ناديكم، وعليكم بمكارم الأخلاق فأنها رفعة، وإياكم والأخلاق الدنيئة فأنها تضع الشريف، وتهدم المجد. ألا وقد أبقت مخافة المستعجم قلوب بغير مشرع التسعين، شكيم الشوى خطاّر وفمه قرع الرياضة وقلص هاديه جبذ الجريرة. فأنقب مدمجه رضيض الأماعز لبعد المدلجة فأرجل راكبه ومتعيجه ركب أعطش أهله املاص مرس السبوبة لترك أحكام عقد الكرب، فلم تنج ألا بلمظة المرتفع شدقاه ألا أوان نهنهة الجاهل أهون من جريرته، وداس العشيرة تحمل ثقلها. ومقام الحكيم غيظه لمن انتفع، وأني لأحب رأب الشعب، وجمع الفرقة.
ثم سكت فقالت بنو عذرة وبنو خزاعة: قد رضينا بحكمك يا أبا نضلة. وانصرف القوم عن صلح.
قال أبو القاسم: لم يمل علينا هذا الرجل شيئا من غريب هذا الخبر ولا سألناه عنه، وأحسب أيضا أن النسّاب يقولون أن أبا عمرو لم يعقب، والله اعلم كيف كان ذلك ولكنا نقول فيما تضمنه هذا الخبر بحسب ما علمناه.


أمّا قوله: " كان يحطب لها "، فالحطب: الكسب، يقال حطب فلان على أهله أي كسب لهم، والحاطب والجارم والكاسب والجارح سواء لقول العرب: فلان جريمة أهله أي كاسبهم: كسبت المال وكسب زيد المال بغير ألف. وقد حكي في لغة شاذّة أكسبته وليس بالجيّد، والسليك تصغير السلّك وهو فرخ العجل والأنثى سلكة. والبئر الجرر تشبه أن تكون البعيدة القعر مشتق من الاجتران كأنه يبعد مجرر شائها. وآل الرجل: أتباعه وقومه وأشياعه، ومنه قوله تعالى (ادخلوا آل فرعون) يعني أتباعه وقومه، وقد تكون الآل: الأهل أيضا وتقول أهل القرية. في تصغير أهل أهيل كأن الهمزة فيه مبدلة من الهاء ثم أبدلت ألفا لاجتماع الهمزتين في كلمة واحدة كما فعل ذلك في آدم وآخر، فهذا يدل على أن أصل آل أهل أبدلت الهاء همزة ووضع للمعنى الذي ذكرنا. ونظير تصغير آل أهيل ردّ إلى الأصل. وان كان بغير ذلك المعنى قول سيبويه في تصغير مذ إذا سميّ بها منيذ،.قال لأن الأصل فيها منذ فحذفت منها النون حين جعلت اسما لأن منذ عنده حرف خافض وهو مذهب أكثر العرب. ومذ اسم للزمان يرتفع ما بعده بالابتداء ففصل بينهما لذلك. فإذا نقلها من هذا الموضع قال في تصغيرها منيذ لأن المصغر لا يكون على أقل من ثلاثة أحرف. وان سهي بها امرأة منيذة كما تقول في تصغير هند هنيدة.
وإبراهيم اسم أعجمي يقول أهل النحو في وزنه قولين، فال بعضهم في تصغيره أبيره، وأبيريه في العوض. وان جمعه جمع التكسير قال أباره، وقال بعضهم: الهمزة فيه مزيدة ألا أن الهمزة لا تزاد أولا فيما جاوز ثلاثة أحرف ولكنها جاءت في أول هذا مزيدة شاذا، فتقديره عنده افعاليل فيقول في تصغيره بريهيم وفي الجمع براهمة. وكذلك القول في إسماعيل تقول. ويقال في تصغيره على هذا المذهب الثاني سميعيل في التصغير، وسماعلة في الجمع.
والنضر: الذهب، والنضار أيضا وكذلك النضار ضرب من الخشب. والكنانة: الجعبة وجمعها كنائن، ومن أمثال العرب " قبل الرماء تملأ الكنائن ". وقصيّ: فعيل من القصو، يقال ناقة قصواء أي مقطوعة الأذن. ولا يقال جمل أقصى، ويجوز أن يكون اشتقاقه من الإقصاء وهو الأبعاد ألا أن ذاك أصبح قياسا وأطرد. وأرباب: جمع رب، والرب: المالك للشيء، وا لرب: المصلح، والرب: السيد.
وفي اشتقاق مكة قولان، قال بعضهم: هو من قولك أمتك الصيف ما في خلف الناقة من اللبن: إذا شربه اجمع كأنها تجذب الناس إليها من جميع الآفاق. وقال آخرون أصلها بكّة والميم مبدلة من الباء كما قيل سمد رأسه وسبده إذا استأصل شعره. وسميت بذلك لأنها تبكّ أعناق الجبابرة أي تدقها. وقال بعضهم: سميت بذلك لأن الناس يتباكون فيها أي يتزاحمون. ولباب الشيء: خالصه، وكذلك لبه. والحسب: الكرم والشرف، وقال أهل اللغة: اشتقاق الحسب من الحساب من قولك حسبت الشيء إذا عددته فكأنه الذي يعد لنفسه مآثر وأفعالا حسنة أو يعد آباء أشرافا.
والمعدن: المقام من قولك عدن بالمكان: إذا أقام به ومنه (جنات عدن) أي جنات إقامة، وهكذا رواه لنا بالفتح. وكل ما كان على فعل يفعل مثل ضرب يضرب ونصب ينصب فالمصدر منه على مفعل مكسور العين كقولك ضربت ضربا ومضربا إذا أردت المصدر، والمضرب: المكان الذي يضرب فيه وكذلك الزمان أيضا يبنى على مفعل كقول العرب " أتت الناقة على مضربها " أي على وقت ضرابها. فأما قول زياد الأعجم الطويل
فما ترك الهاجون لي أن هجوته ... مصحّا أراه في أديم الفرزدق
فانه أراد مكانا صحيحا، والمصدر مصحّ بالفتح كما ذكرت.
وما كان فَعِل يَفَعْلَ مثل علم يعلم، وشرب يشرب أو على فَعَلَ يفعُل، مثل قتل يقتل فالزمان والمكان منه والمصدر على مَفْعَل كله مفتوح العين كقولك: المذهب، والمشرب، والمعلم. ويقال عدن بالمكان يعِدن بكسر المضارع. فالمعدن على هذه اللغة يجب ان يكون مكسور الدال، ويقال يعدُن بالضم. والمعدن من هذه اللغة مفتوح الدال، فتفهم هذا فقد جاءت فيه اللغتان وراجعنا فيه هذا الشيخ الذي أملى علينا الخبر فأبى أن يقول ألا معدَنا بالفتح قال: وكذلك سمعته وقد كان هو أيضاً فصيحاً.
والحلف: المحالف، وكانت العرب في الجاهلية تحالف القبيلة من هو بعضهم لبعض أن تكون يدهم واحدة. فكانوا يوفون بذلك ولا يتخاذلون، ويرونه ديناً يتدينون به.


والعقوق: قطيعة الوالدين أو ذوى المحرم وأصله من العق وهو الشقّ، يقال في ثوبه عقّ، وفي سقائه عقّ أي شقّ. والعقيقة ما يبقى من شعاع البرق في السحّاب إذا نفق عنه. ومنه سمّيت العيّوق عقائق. العقيقة أيضا: الشعر الذي يولد به المولود وهو على رأسه. ويقال عقّ عن المولود: إذا حلق ذلك الشعر فتصدق عنه بشيء أو ذبحت شاة ونحوها. وفي الحديث عقّ النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين فتصدّق بزنة شعورهما ورقا.
وأمّا قوله: أن تعتادكم العجلة إلى حصّ القمة من قولهم رجل أحصّ: إذا كان قليل الشعر. والحصص: ذهاب الشعر، والقمة: أعلى الرأس، وهذا مثل كأنه أراد استئصال الرؤساء ومن به قوام أمرهم. ويقال للقمة: الشعفة وجمعها الشعفات، وكذلك أعالي كل شيء من جبل ونحوه يقال له شعفات، قال العجاج: مشطور الرجز
دواخسا في الأرض ألا شعفا
فأمّا الأمة فالقامة قامة الإنسان قال الشاعر: المتقارب
وان معاوية الأكرمين حسان ... الوجوه طوال الأمم
وقوله: وجرد الساعد فان العرب تقول " فلان يقدح في نفس فلان ويفت في ساعده " يعنون الساعد العشيرة والقوم. والجرد: النحت والقشر، ومنه قيل: تجرد الرجل من ثيابه. وامرأة حسنة المجردة، والمتجرد من ذلك.
والضت: الحقد ومثله الحسيكة والضغينة والوحر. والاجتثاث: قطع الشيء من أصله واستئصاله ومنه قول الله عز وجل (اجتثت من فوق الأرض) .
والباسقات: الطوال، يقال: نخل باسقات من ذلك. والجرّة: اجترار الشيء ومدّه إليك. والجرّة أيضا: ما يجتره البعير من جوفه.
والحسم: القطع، ومنه قيل: حسمت مادة هذا الأمر. والجمّة:.اجتماع الماء في قرار أو بئر أو غيره. والعمق: عمق البئر ونحوها وهو امتدادها في النزول وإنما هذا مثل ضربه لاستعلاء الشر وغلبته.
وقوله: وليتأثفن شمل السحيق: يريد ليجتمعن على الأمر الخسيس الحقير المتناهى الحال إليه، وإقفار الحرب الناس واختلالها بأحوالهم. والثأثق: الاجتماع على شيء والإحاطة به من نواحيه مشتق من الأثافي. قال النابغة: البسيط
لا تقذفني بركن لأكفاء له ... ولا تأثفك الأعداء بالرفد
والسّمل: الثوب الخلق، يقال سمل الثوب وأسمل فهو سمل: إذا أخلق، ومثله نج وأنج، ومج وأمج، وأخلق اخلاقا فهو مخلق، وخلق خلوقه فهو خلق وهي أقل اللغتين.
ويقال: ثوب خلق ودرس ودرس ودريس بمعنى. ومثله الحسيف، والمعوز وجمعه معاوز. قال الشماخ: الطويل
إذا سقط الأنداء صينت وأشعرت ... حبيرا ولم تدرج عليها المعاوز
يصف قوسا يوقيها من الندا بثياب فاخرة لا بالخلقان فإذا كان الثوب مخرّقا لا خلاقة قيل ثوب مرق وسماطيط ورعاهل بل ومردّم. ومنه قول عنترة: الكامل.
هل غادر الشعراء من متردم ... .................
يقول: هل تزكوا وجها للمقال لم يقولوا فيه.
وقوله: " حتى يردع قذيف الكبد " يقول: حتى يرجع إلى حيث خرج منه معكوسا، من قولهم: ارتدع انسهم إذا رجع ولم يمض على سننه، وارتدع الرجل عن الفعل القبيح.
والشنان: جمع شن وهي القربة الخلق: والشظايا: جمع شظيةّ، والمقذدّة أفواقها يعني السهام، ولا معنى لتعلق الشنان بالسهام ألا أن يكون مثلا لكون ما لا يكون واستحالته، أو لكون الأشياء العجيبة إذا أراد بالشنان غير ما ذكرنا ما لم يتبين لنا معناه.
وقوله: " ويفرغ المهادن جمّة الدخن ": الغلّة والقش. يقال: بينهما هدنة على دخن: إذا كانت غير نقيةّ الباطن. والدخن: من الدخان، والإفراغ ها هنا: الاستفراغ يقال: أفرغ فلان ما في إنائه بمعنى استفرغه، وأوصله اجمع من الفراغ.
ومدمجات الخواصر: ما طويت الخواصر عليه يعني ما أسرّته من غش وعداوة وغير ذلك. ومنه قيل: فلان مدمج الخلق: آي مطوي الخلق ملتفه. والعرب تصف الملتف الخلق بالإدماج والإدراج كما قال رؤبة في وصف عير: الرجز
محملق أدمج إدماج الطلق
والأريب: العاقل، والأرب: العقل وكذلك الحجى والنهى والحول.
وأمّا قوله: " واتسع فرى السّبوبة " فالفرى: الشّق: وهو القطع يقال: فيربت الجلد إذا قطعته للإصلاح، وأفريته: إذا قطعته للإفساد.


والسبوية: الدلو، وكذلك المقريّة وهو نعت لها كأنها مفعولة من فريت، وكذلك الذّنوب وهي الدّلو العظيمة، والغرب مثلها، والسجيل، والسجيلة، فإذا كانت الدلو صغيرة فهي كتعة وولغة. وإنما أراد بقوله: " اتسع فرى السبّوية " مثل قولهم: " اتسع الخرق على الراقع ".
وقوله: " ووشل نزح الغرب " يقول: قل ماء الدلو الكبيرة لأنها لا تصادف ما تمتلئ به. يريد قلة الخير ونفاده. والوشل: بقية ماء في غدير قليلة. ومثله التمدد. ويقال: لها القليل الدعت. والحضج والحضج والملبطة. فإذا كان الماء كدرا قيل: ماء طرق، ورفق، ورنق. وان كانت بقية كدرة قيل هي رفقة، وغرنقة، ورجرجة. والامدان: الماء الناقع في أصول الشجر. فإذا كان الماء صافيا قيل: ماء أزرق وأخضر. وإذا كان عذبا قيل ماء عذب وتفاح، وسلسال، وسلسل، وسلاسل، وفرات. وحكى الليحاني انه يقال في جمعه فرتان. ويقال: ماء مسوس إذا كان ناميا في النسارية في أبدانها. وإذا كان ملحا قيل: ماء ملح، وذعاق، وفقاع، واجاج، وحراق. وينشد: الرجز
بحرك عذاب الماء ما أعقّه ... ربّك والمحروم من لم يسقه
يريد: ما أفقه فقلب.
وإذا كانت البئر ضيقة الرأس قيل لها: سكّ فإذا كانت ضليعة الرأس قيل لها جلواخ. وإذا كانت فوق أكمة قيل لها جمجمة، والزبر والضرس: طيّ البئر ويقال: بئر مضروسة ومزبورة.
وأماّ قوله: " واتّصل لحام القين " فالقين: الحداد ويزعم بعض أهل اللغة إن العرب تسمي كل صانع قينا، والمتفق عليه مما لا خلاف فيه إنها تسمي كل صانع اسكافا. قال الشماخ: السريع
'لم يبق إلاّ منطق وأطراف ... وريطتان وقميص هفهاف
وشعبتا ميس براها اسكاف
والقينة: الجارية مغنية كانت أو غير مغنية. والمقينّة: الماشطة، تقول العرب: قانت المرأة الجارية قينا إذا زيّنتها. وقال ابن كيسان: إنما سميت المرأة قينة لأنها تعما، بيديها فقد جمعت مع التزيّن والتحسنّ إنها تعمل: بيدها.
والشديخ: المشدوخ بحجر أو غيره، والشادخة: الغرة التي ملأت الوجه ولم تأخذ العينين، فإذا أخذت العينين حتى تبيض أشفارها فذلك الأغراب. والفرس مغرب، والشدخ: الطفل ما دام صغيرا يرتضع. والعميد: المعمود المقصود، والعميد: السيد، والعميد: الحزين أيضا. والهنبثة: الاختلاط والاضطراب. وكذلك الهنهنة، والهنهان، وأنشد: البسيط
قد كان بعدك أنباء وهنهنة ... لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
والمحل: اللياج، والخوص: جمع أخوص وخوصاء وهي الغائرة الأعين من الإبل، والحوص بالحاء غير معجمة: ضيق مؤخر العبن يقال رجل أحوص وامرأة حوصاء، والحوص: الخياطة. يقال: حص عين صقرك. والركاب: الإبل لا واحد لها من لفظها وواحدها راحلة، ويقول أهل اللغة: لا يقال راكب إلا لراكب البعير والفرس خاصة ولا يقال ذلك لراكب الحمار والبغل. والعوراء: الكلمة القبيحة، قال حاتم الطائي: الطويل
وأغفر عوراء الكريم ادخاره ... وأعرض عن شتم اللئيم تكرما
والشسع: سير مصفور، والشوى: الأطراف، اليدان والرجلان.
والشوى: الناحية من النواحي وكذلك الحشا وينشد: الطويل
يقول الذي أمسى إلى الحزن أهله ... بأي الشوى أمسى الخليط المباين
والشّوى جمع شواة: وهي جلدة الرأس خاصة، ومنه قوله تعالى (نزّاعة للشوى) والشوى: رذال المال قال الشاعر: الطويل
أكلنا الشوى حتى إذا لم نجد شوى ... أشرنا إلى خيراتها بالأصابع
ويقال: رمى الصيد فأشواه إذا لم يصب مقتله رماه فأنماه فان أصاب مقتله قيل: رماه فأصماه ومنه: كل ما أصميت ودع ما أغنيت.
والخطار: الحمل الذي يخطر بذنبه عند الصول والهياج. والوقم: الذل. وقول: " وعلص هاديه جبذ الجرير " يقول: اَلمه حتى انتفخ وورم. والعلوّص: اللوى الذي يكون في الجوف من سوء الهضم. وحكى الخليل في كتاب العين عن بعض الأعراب أنه قال: أتيت بفيجة فيها زغبذ فتناولت منها يمعو فأصبحت كأن بي علّوصا. فالفيجة: السكرجة، والزغبذ: الزبد، والمعو: الرطب، والجبذ والجذب سواء، والجرير: الحبل، ورصيص. الأماعز: الحصا، والاماعز: جمع أمعز وهو المكان الغليظ الحصا، والمرس:.الحبل يمرس مرسا: إذا خرج عن مجراه ونشب، فإذا أمر برده إلى مجراه قيل أمرس امرس وينشد: الرجز


بئس مقام الشيخ أمرس أمرس ... أمّا على قعو وأمّا اقعنس
وقال أبو زيد: أما مقدم يد الرماح فلا أبكيك إلا للدلو والمرس.
والكرب: أن يشدّ حبل بعد الحبل الأول فان انقطع الأول ضبط الدلو الكرب فالأول العناج، والثاني الكرب، قال الحطيئة: البسيط
قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم ... شدّوا العناج وشدّ وافوقه الكربا
أخبارنا الأخفش قال حدثنا بشر بن عمر عن احمد بن يحيى قال حدثنا العباس بن الفرج فال حدثنا بشر بن عمر بن عبد الله بن طيقة عن أبي زرعة عمرو بن جابر عن عبد الله بن عمر ما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لن تقوم الساعة حتى يرفع الركن والمقام ".
حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الرازي عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد القاسم بن سلاّم قال حدثنا بن أبي زائدة عن مجالد بن سعيد عن الشعبي إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قضي في القارصة، والقامصة، والواقصة بالديّة أثلاثا، قال ابن أبي زائدة: وتفسير ذلك أن ثلاث جوار اجتمعن يلعبن فركبت إحداهن الأخرى فقرصت الثالثة المركوبة فقمصت فوقعت الراكبة فوقصت أي اندفعّت عنقها فماتت، فجعل على القارصة ثلث الديّة وعلى القامصة الثلث الثاني وأهدر الثلث الثالث لأنه حصة الراكبة وذلك أنها أعانت على نفسها بركوبها.
قال أبو القاسم: أصل الوقص الدقّ، وكل شيء دققته فقد وقصته وكان السبيل أن يقال الموقوصة لأنه يقال وقصت فهي موقوصة، ولكنه جاء بلفظ الفاعل على معنى مفعول كما قيل ماء دافق بمعنى مدفوق، وعيشة راضية بمعنى مرضية.
اخبرنا عبد الله بن مالك قال اخبرنا الزبير قال اخبرني مصعب بن عثمان عن أبيه جعفر بن الزبير بن العوّام قال: لمّا كان يوم الجمل نادى عليّ بن أبي طالب بالزبير بن العوّام فخرج إليه فقال له: يا أبا عبد الله لمن كان حلّ لك خذلاننا فحرام عليك قتالنا. قال: أفتحب أن انصرف عنك؟ قال: ومالي لا أحب ذلك وأنت سيف رسول الله وحوارى رسول الله، وصهر رسول الله، وسليل رسول الله، وابن عم رسول الله. فانصرف عنه وعارضه ابنه عبد الله فقال: ما دعاك يا أبة؟ فأخبره الخبر فقال: أما والله لقد أعلمك ابنه أبي طالب مع علمك أنّك بهذا الأمر أملك منه بعنان فرسك. ولمن أخطأك لما أن يقول الناس جبّنه ابن أبي طالب ليقولنّ خدعه. قال الزبير: ليقل منه شاء ما يشاء أن يقول فو الله لا أشري عملي بشيء أبدا، وللدنيا علي أهون من صيحة سحساحة، وانصرف راجعا.
قال أبو القاسم: الضيح: اللبن يكثر مزج الماء به فيفسد. والسحساحة: من السحّ وهو الصبّ كأنّه قال: الدنيا أهون عليّ من مذقة أفسدت بالماء فصبتّ لأنه لا مستنفع فيها.
اخبرنا المعنوي قال حدثني إسحاق بن إسماعيل الأصبهاني عن أبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الكريم القرشي عن سعيد بن عفير عن علوان بن داود قال: خرج عمر بن الخطاب ليلة فسمع امرأة تقول من بيت: البسيط
ألا سبيل إلى خمر فأشربها ... أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج
فقالت لها امرأة معها: من نصر بن حجاج؟ قالت: اجل وددت أنه في ليلة من ليالي الخريف وأطول ليلة من ليالي الشتاء. وليس معه غيره. فدعا بها عمر فضربها بالدرّ ة ضربات ثم سأل عنها فلم يخبر عنها إلاّ بخير. فلما كان من الغد أرسل إلى نصر بن حجاج فأحضره وله شعرة: فقال: انه ليتمثل بك ويغنىّ بك، وأمر بشعرته فحلقت ثم راح إليه بالعشيّ فرآه في الحلاق احسن منه في الشعر فقال له: لا تساكني في بلدة واختر أيّ البلدان شئت. فكتبت المرأة إلى عمر: البسيط
قل للإمام الذي تخشى بوادره ... مالي وللخمر أو نصر بن حجاج
إني غنيت أبا حفص بغيرهما ... شرب الحليب وطرف قاصر ساجي
لا تجعل الظنّ حقّا أو تيقّنه ... إن السبيل سبيل الخائف الراجي
إن الهوى زمهّ التقوى فخيسّه ... حتى اقرّ بإلجام وإسراج
فبعث إليها عمر: لم يبلغنا عنك إلاّ خير. وكتب إليه نصر بن حجاج: الطويل
أأن غنت الذلفاء يوما بمنية ... وبعض أحاديث النساء غرام
ظننت بي الأمر الذي ليس بعده ... بقاء ومالي في الندىّ كلام
فأصحب منفيا على غير ريبة ... وقد كان لي بالمكّتين مقام


ويمنعني مما تظّن تحرّج ... وآباء صدق سالفون كرام
ويمنعها من منيتيها تعبّد ... وحال لها في قومها وصيام
وهاتان حالانا فهل أنت راجع ... وقد جبّ منا غارب وسنام؟
فبعث إليه: لا رجعة فارحل إلى البصرة. فنزل على رجل من قومه يقال له مجاشع بن مسعود وكانت له امرأة يقال لها خضراء بني سليم، وكانت من اجمل النساء وهي أول من لبس الشفوت. فبيناهم ليلة يتعشوّن كتب لها نصر على الأرض، وكانت المرأة تقرأ وتكتب " أحبك حباّ لو كان فوقك لأظلّك، ولو كان تحتك لأقلك " فقالت المرأة: " وأنا والله " فقال؟ لها الشيخ: ما هذا؟ فقالت: انه قال لي: ما أطيب لبن ناقتك؟ فقلت: وأنا والله. فقال الشيخ: ما هذا كذا ثم كفأ القصة على الموضع الذي رآه يخطط فيه ودعا بمعلم على باب داره فقال: اقرأ هذا. فقال: هو " أحبك حبا لو كان فوقك لأظلك ولو كان تحتك لأقلك " فقال الشيخ: أجل ثم التفت أليه فقال: يا ابن أخي أن يكون الطلاق ثلاثا فهي طالق ثلاثا. فقال: وهي طالق إن جمعني وأيّاها بيت أبدا، ثم ارتحل إلى فارس.
اخبرنا اليزيدى قال: سئل عمي أبو العباس الفضل بن محمد اليزيدي عن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم كل مسلم عن مسلم محرم فقال: المحرم في كلام العرب الممسك معناه: إن المسلم ممسك عن ماله المسلم وعرضه ودمه. قال وأنشدني سوار القاضي لمسكين الدرامي: الطويل
أتتني هناة عن رجال كأنها ... خنافس ليل ليس فيها عقارب
احلوّا على عرضي فأحرمت عنهم ... وفي الله جار لا ينام وطالب
قال وأنشدني جدّ ي للراعي الكامل
قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ... ودعا فلم أر مثله مخذولا
قال: وفيه قولان، إن المحرم الممسك عن قتالهم، والآخر: انه إنما سميّ محرما لأنه قتل في أوسط الأشهر الحرم. قال: فقيل للفضل أعندك في هذا شعر لجاهلي؟ فقال: أنشدني محمد بن حبيب لأخضر بن عناد المازني وهو جاهلي الطويل
لقد طال إعراضي وصفحي عن التي ... تبلغ عنه والقلوب قلوب
وطال انتظاري عطفة الحلم منكم ... ليرجع ودّ والمعاد قريب
ولست أراكم محرمين عن التي ... كرهت ومنها في القلوب ندوب
فلا تأمنوا منها كفاءة فعلكم ... فيشمت قتل أو يساء حبيب
وتظهر منا في المنام ومنكم ... إذا ما ارتمينا في المقال عيوب
قال أبو القاسم: أنشدنا نفطويه قال أنشدنا ثعلب عن ابن الأعرابي: الطويل
ألا حيى ليلى حان منك رحيل ... ونأي وان عز الفراق طويل
وألمم على ليلى فان تحيّة ... لها قبل سوم الناعجات قليل
فانك لا تدري إذا العيس شمرّت ... بنا أملاق أم عدى وشغول
أنشدنا نفطويه للسيد بن محمد الحميرى: الطويل
ساَخذ من نفسي لنفسي لعلها ... بأخذي لها منها تزحزح عن ستر
ثلاثة أيام من الشهر حلفة ... أصوم وأحيانا أقوم إلى السحّر
وأبيات شعر محكمات أقولها ... لآل رسول الله غرّا من الغرر
قال أبو عبد الله الكرماني: ما يعد في خلق الفرس من أسماء الطير الصّردان: عرقان مكتنفان اللسان. ويقال بياض في الظهر. والذباب:


إنسان العين. والديك: ما انحنى من لحييه. والهامة: السجالة في الدماغ، كأنه عرقي البيدقي. ويقال: هما خلف قونسة من هامته. واليعسوب الغرة الرقيقة المستطيلة. والهامة: مؤخر الدماغ، ويقال إنها الدماغ. والعصفور منبت الناصية وقرنسته. والعصفور: عظم ناتئ في كل جبين، وإذا شالت الغرة فدقت ولم تجاوز العينين فهي العصفور. والصلصل: مؤخر الناصية. والجباه: أصل الأذن والخرب: السواد يكون في الأذن من ظاهره، ويقال متون القرنين. والشمامة الدائرة التي في العنق. والخطاف: دائرة عند المركض. والقطاة: مقعد الردف. والغراب: طرف الورك من ظاهر. والرخمة عضلة الساق. والنامض: طرت القنب. في العقد الفريد: والناهض: فرخ القطا. ويقال: الكلفة والنسر. باطن الحافر كالحصا والنوى. والساق ساق الفرس. والرجل رجل الفرس. والفراشة: عظام الجبهة. والاصقع: الناصية البيضاء. والعقابان: الحدقتان. والحرّان: حقافا الأذن. والصقران: موضعا الصوت من الخاصرتين. والكرسوع: رأس الذراع مما يلي الوظيف والسعدانة: ما انجرد من ظهر ذراعي الفرس بمنزلة الحماتين وهي شعرات بيض تنبت في اليد أو الرجل. والورسان عملاق العين الأعلى. وقيل: الذرق: تحجيل يكون دوين الشعرة. وقال آخر: الزرق بياض لا يطيف بالعظم كله ولكنه رضخ. وقال في غيره: الصلصلة: ناصية الفرس. والصلصلة: الفاختة.
؟؟؟؟؟؟؟؟ مساْلة
قال أبو العباس المبرد: ذكر سيبويه في تصغير أحوى مذاهب قد بينت مراد أصحابها فيها، وما يوجبه القياس. أما مذهب عيسى بن عمر، فهو عنده وعندنا خطأ لأنه كان يقول في تصغير أحوى " أحيّ " فيصرفه. والزيادة في أوله، ويحتج بأنه نقص عن الوزن فألزمه سيبويه أن يصرف رجلا يسمى يضع أو يزن لأنه قد نقص عن " يفعل " والزيادة في أوله وهذا لا يصرفه أحد لأن الزيادة التي بها ضارع الأفعال في أوله وهي الياء. وكذلك أحوى إذا صغرّ قيل أحيّ. فصرفه غير جائز لأن الهمزة في أوّله. وإنما المانع له من الصرف عندنا الوزن مع الزيادة ألا ترى أنهك تصرفه رجلا سميته خبزا أو بسرا لأن الزيادة مع الوزن قد زالا، وان كنت تريد به معنى أفعل.
قال أبو العباس: ومذهب أبي عمرو بن العلاء كان سيبويه لا يقّره وأنا أتابعه على ذلك لأنه كان يقول في تصغير " أحي " ويشدّد الياء ويخفض وقد ألزمه سيبويه على قياسه أن يقول في تصغير عطاء عطيّ بالخفض وهذا لا يقوله أحد وهو لازم على قياسه. وإنما فعل أبو عمرو هذا لأنه يجتمع ثلاثة ياءات فيذهب التنوين آخرها بعد أن يدغم ياء التصغير في الواو فيقول هو عندي من باب جوار وقواص. وليس بأبعد منه عند. فيقال له: " باب جوار وقواص " لما ودعانا إليه إن الحركة ممتنعة فيه فجعلنا التنوين عوضا كما جعلناه في يومئذ وفي قوله: الخفيف
طَلَبُوا صُلحنا ولاتَ أَوانٍ ... فأجَبْنا أَنْ لَيسَ حيِنَ بَقاءِ
لما كان آذن لا تضاف إلى ما يفسرها ثم حذف عنها ما يوضحها وجب بناؤها وجعل التنوين فيها عوضا من المحذوف، وكذلك قوله يومئذ إنما نونت لما حذف ما يوضحها فجعلت التنوين عوضا منه ومع ذلك فقد نقص جوار وغواش عن فواعل وليست فيه زيادة المضارعة ألا ترى انك لا تنون جوارى في حال النصب لتمامها وان احتججت بأنه قد اجتمع ثلاث ياءات، فاحذف وامنع الصرف كما تفعل ذلك في يضع ويعد إذا سميت بواحد منهما على ما ألزمك سيبويه وهو لازم لك على قياسك. وأما يونس بن حبيب فانه كان يقول في تصغير أحوى أحيو فيظهر الواو ولا يدغم لأن الواو متحركة تصح في الجمع في قولك أحاو وهذا على لغة من قال في اسود اسيود إلى هذا كان مذهب سيبويه فقال هو القياس لأنه صغر على الأصل وأذهب لام الفعل لالتقاء الساكنين كما تذهب في قاض ورام وفي أعيم تصغير أعمى. ويحتج بمثل احتج به أبو عمرو وبالحاقه بباب جوار وقواض وغواش لأنها ياء قبلها كسرة وواو.
فال أبو العباس: وهذا أقرب إلى الصواب وأمس به ولكن الذي


اختاره أنا ولا أجيز غيره أن أقول في تصغير أحوى أحيّ يا فتى، وأحذف الياء الأخيرة وهي اللام ولا أنوّن لأن الزيادة في أوّله كزيادة يجد ويضع، ولأني قد رأيتهم إذا اجتمعت الياءات حذفوا تخفيفا في مثل قصي وغني إذا نسبوا إليهما وإلى ما كان مثلهما ووجدتهم أيضا يحذفون اللامات ويعربون العينات في مثل يد ودم وما أشبههما فأحذف أنا وأعرب ولا أنوّن.
مسألة
قال سيبويه في كتابه: " ما أغفله عنك شيئا " أي دع الشكّ. واختلف العلماء في مراد سيبويه في هذه المسألة وشرحها، فقال الأخفش سعيد بن سعدة: أنا مذ عقلت أسأل عن هذا فلم أجد من يعرفه على الحقيقة. وكان يونس يقول: ذهب من كان يعرف هذا، والسبب في هذا هو أن هذا كلام جرى كالمثل وفيه حذف قل استعماله مظهرا فمضى من كان يعرفه.
وقال المازني: غرض سيبويه في هذا بينّ لأنه قال " ما أغفله عنك شيئا " أي دع الشك. فالناصب لشيء الفعل المذكور وهو أغفل تقديره عنك فنصب غفلة على المصدر، ثم يضع الشيء مكان المصدر.
وقال الأخفش: ليس هذا الكلام بتعجب إنما معنى الكلام " الذي أغفله عنك شيئا " أي قليلا أمر من الأمور فيكون خبر المبتدأ مضمرا، ويكون ما بتأويل الذي على الخبر. ثم يقبل على صاحب له فيقول له: دع عنك الشك مما خبرتك به لأنه حق.
وكان الزجاج يقول: لم أر من هذه التفاسير شيئا يليق بالمسألة وإنما شرحها على الحقيقة على ما شرحه لنا أبو العباس المبرد، قال: تقدير هذا الكلام أن يكون رجل له صديق مناصح له، وله عدو مكاشح له ومظهر له الموده نفاقا ومسر العداوة فقال له صديقه: إن فلانا عدوّ لك. فقال: ما هو بعدو لي ولكنه صديق. فقال له صديقه في الحقيقة: هيهات ليس الأمر كما قدرت وانه لعدوّ عليك. ثم أقبل عليه فقال: ما أغفله عنك. أي إن عدوّك غافل عنك ولو علم أنّك هكذا واثق به لأهلكك. ثم قال له بعد ذلك شيئا فنصبه بفعل مضمر كأنه قال: فكر شيئا وانظر شيئا. أي انك لو فكرت أدنى فكر ونظرت أدنى نظر بان لك انه عدو لك ولم تركن إليه بعد هذا. وشيء يستعمل موضع ما يقل مقداره جدا، كقولك: هذا الدينار يزيد قيراطا وحبتين. فإذا كان مقدار الزيادة يسيرا جدا قيل: هذا الدينار يزيد شيئا. وكذلك وضع الرجل الشيء في مسألته مكان أدنى نظر وفكر. فغمض هذا الكلام لما قلّ استعمال هذا المضمر الذي ذكرناه في كلامهم. فهذا هو معنى قول سيبويه يعقب: ما أغفله عنك شيئا. أي دع الشك؟، هذا واضح بينّ وهو معنى المسألة في الحقيقة وهو من المضمرات التي تخفي على من لم يسمعها مظهرة، ألا ترى أنّ الناصب لشيء ليس المذكور في أول الكلام وإنّما ذكر سيبويه هذا الكلام في باب لولا والمضمر بعد هذا. ونظيره قول العرب: كان ذلك حينئذ الآن. ألا ترى إن حينئذ زمان قد مضى، والآن زمان أنت فيه. وإنما معنى الكلام: كان ذلك حينئذ واستمع، أنت إليّ الآن. أو لا ترى ان المضمر الذي يتصل به الآن غير الكلام المذكور أولا، وكذلك المضمر في باب لولا لأنك إذا قلت: لولا زيد لأكرمتك. إنما ترفع زيدا بالابتداء ولا خبر له في الظاهر وإنّما الخبر مقدر مضمر، والتقدير لولا زيد أهابه وأجلّه أو ما أشبه ذلك، لأكرمتك، فاللام جواب والخبر مضمر على ما ذكرت لك، ولابد من هذا الإضمار وإلاّ كان الكلام غير مستقيم.
والمضمر في كلام العرب أكثر من أن يحصى إلاّ انه يحيط به أصول ثلاثة، مضمر يجوز إظهاره وإضماره كقولك لرجل رأيته يضرب رجلا: الرأس، تريد: اضرب الرأس. أو رأيت قوما يتوقعون الهلال ثم كبرّوا فقلت: الهلال تريد: أبصروا الهلال، أو ترى رجلا في زيّ سفر فقلت: مكة أي وربي أي تريد مكة. وان شئت أظهرت هذا المضمر وان شئت أضمرته. وقال الأصمعي: قال رجل من بني تميم يوم جبلة واستقتلهم بعير أعور: يا بني تميم أأعور وذا ناب؟ على جهة التطيرّ. قال: ثم قلت لبعض الأعراب: أتعرفه بمكان كذا وكذا أو جذا، وهو موضع يمتلئ الماء، فقال: نعم وجاذا، أي أعرت به وجاذا.
ومضمر لا يجوز إظهاره وهو قولك: أزيدا ضربته؟، أعبد الله أكرمته؟ وما أشبه ذلك، وهو منصوب بفعل لا يظهر. قال الشاعر: الوافر
أثعلبةَ الفَوارسِ أو رياحا ... عَدَلتَ بهم طهَيةََّ والخِشابا
وكذلك قول الآخر: المنسرح
أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا


والذئب أخشاه أن خلوت به ... وحدي وأخشى الرياح والمطرا
فكذلك ما أشبهه منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره. وكذلك قولهم: إيّاك والشرّ وإيّاك والمراء منصوب بفعل لا يظهر. وكذلك قوله: الطويل اإّياك إيّاك المراء فانه إلى الشرّ دعاء وللشر جالب لا يجوز إظهار الناصب لا يّاك. والمراء منصوب بفعل مضمر غير الذي نصب إيّاك، والتقدير دع المراء، وإظهاره جائز. ونظائر هذا المضمر الذي لا يجوز إظهاره كثير في كلامهم وهو نحو قوله: ما أغفلك عنك شيئا، في تركهم إظهار الناصب للشيء، واستعمالهم إيّاه مضمرا علما ما فسّرت لك.
ومضمر لا يجوز أن يستعمل ألا بعد موافقة المخاطب عليه وذلك إن تصير إلى رجل لم يخطر بباله ضرب زيد ولا إكرامه فغير جائز أن تقول له: زيدا، فتنصبه بفعل مضمر لأنه لا دليل عليه. فعلى هذه الأوجه الثلاثة إضمار الأفعال في كلام العرب فقس عليه إن شاء الله.
حدثنا أبو بكر محمد بن محمود بن محمد الواسطي بواسط قان حدثنا احمد بن سعيد الزهري قال حدثنا مكرم بن محرز بن المهدي عن عبد الرحمن بن عمرو الخزاعي من ولد أم معبد بقديد قال حدثني أبي محرز ابن المهدى عن جدّه حكيم بن هشام عن أبيه حبيش بن خالد قتيل البطحاء يوم الفتح إن النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة خرج منها مهاجرا هو وأبو بكر ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة، ودليلهم عبد الله بن الأرقط فمروا على خيمتي أم معبد الخزاعية وكانت برزة جلدة تختبئ بفناء القبة ثم تطعم وتسقى فسألوها لحما وتمرا يشترونه منها فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك، وكان القوم مرملين مشتين فنظر صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم. قال: هل بها من لبن؟ قالت. هي أجهد من ذلك. قال: أتأذنين لي أن أحلبها؟ قالت: نعم بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلبا فاحلبها. فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرها وسمي الله عز وجلّ ودعا لها في شاتها فتفاجَّتْ عليه ودرّت واجترّتْ. فدعا بإناءُ يُربض الرهْط فحلبت فيه ثّجاَ حتى علاه البهاء ثم سقاها حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا وشرب آرهم ثم ازداد. ثم حلبها ثانيا بعد بدء حتى ملا الإناء ثم غادره عندها وبايعها وارتحل عنها. فقلّما لبث حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزاً جافاً يتساوكن هزلي ضجا هدّ هن قليل. فلما رأى أبو معبد عجب فقال: من أين لك هذا يا أم معبد والشاء عازب حيالّ، ولا حلوب في البيت؟ قالت: والله إلاّ أنه مرّ بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا: قال: صفيه لي يا أم معبد؟ قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة بلج الوجه، حسن الوجه، لم يعبه ثجلةَ ولم يزر صُقْلةَ، وسيما جسيما. أو قالت: فيما شك أبو ابرهة في عينيه دعج، وفي أشفاره غطف، وفي عنقه سطَعَ، وفي صوته صَحَل. ازج أقرن. إن صمت فعليه الوقار، وان تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب. حلو المنطق، فصل لا نزَْر ولا هذَر كأن منطقه خرزات نظم يتحدّرن من سمط، راحة لا بائن من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين فهو انظر الفتية عودا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفّون به، إن قال أنصتوا لقوله، وان أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا معتدّ. فقال أبو معبد: هذا والله صاحب قريش الذي كنا نحدث عنه بمكة ما نحدث. ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن ذلكَ إن وجدت إليه سبيلا. فأصبح صوت بمكة يسمعونه عاليا ولا يدرون من صاحبه وهو يقول: الطويل
جزى الله رب الناس حين جزائه ... رفيقين نالا خيمتي أم معبد
هما نزلاها بالهدى فاهتدت به ... فقد فاز من أمسى رفيق محمد
فيا لقصيَّ ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا يجازى وسؤدد
ليهن بني كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلو أختكم عن شائها وأمائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاء لشاة حائل فتحبلت ... له بصريح ضرة الشاة تزبد
فلما سمع حساّن بن ثابت الأنصاري هذا الشعر أجاب الهاتف بقوله: الطويل
لقد خاب قوم زال عنهم نبيهّم ... وقد سرّ من يسرى إليه ويغتدي


ترحّل عن قوم فضلتّ عقولهم ... وحلّ على قوم بنور مجدّد
هداهم به بعد الضلالة ربّهم ... وأرشدهم من يتبع الحقّ يرشد
وقد نزلت منهم على أهل يثرب ... ركاب هدى حلتّ عليهم بأسعد
ليهن أبا بكر سعادة جده ... ّبصحبته من يسعد الله يسعد
ليهن بني كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد
قال أبو القاسم: أما قوله " كانت برزة جلدة " فالبرزة: البارزة، يقول: كان قد خلا لها فكانت تبرز للناس وتظهر ولم تكن بمنزلة الصغيرة المحجوبة. يقال: رجل جلد وامرأة جلدة بينّا الجلد وذلك من القوّة واحسب أصل ذلك من الجلد وهو ما غلظ من الأرض.
وقوله: " كان القوم مرملين " يقول: قد نفذ زادهم. قال أبو زيد الأنصاري يقال: أرمل الرجل وأقوى: نفذ زاده في سفر كان أو حضر. والمسنوّن: الداخلون في السنة. والسنة: المجاعة والجدب، وفي رواية أخرى على ما أخبرنا به الصائغ عن ابن قتيبة وكان القوم مشتين: أي داخلين في الشتاء لأن الشتاء وقت الشدة والضيق. وأنشد ابن قتيبة شاهدا لهذه الرواية الوافر
إذا نزل الشتاء بدار قوم ... تجنّب دار قومهم الشتاء
يقال: كسر وكسر كما يقال: بزر وبزر، ونفط ونفط، وجسر وجسر. ناحية منها، قال ابن قتيبة: هو الشقة التي تلي طرفها الأرض وفيه لغتان، يقال: كسر وكسر كما يقال: بزر وبزر، ونفط ونفط، وجسر وجسر. وقوله: فتفاجت عليه، يقول: فتحت رجليها تحلب، وكذلك يقال: نفج الرجل: إذا فتح ما بين رجليه ليبول. وقوله: فدعا بإناء يربض الرّهط: يريد إناء كبيرا يشرب منه الجماعة فيروون حتى يمنعهم عن النهوض ليربضوا. قال الرياشي: يقال أربضت الشمس: إذا اشتد حرّها، فتربض الشاة والظبي فتحملهما على أن يربضا ولا ينهضا. وقال الكسائي: أكبر الأقداح التبن وهو يروي عشرين رجلا وبعده الصحن وهو قريب منه، ثم العسف وهو يروى أربعة، ثم القدح وهو يروى اثنين، ثم القبب وهو يروى واحدا، والرهط: ما بين الثلاثة إلى العشرة، كذلك النفر والعصبة: فوق ذلك إلى الأربعين.
وقوله فحلبت فيه بخّا: أي صبا يقال: بخبخت الماء وغيره إذا صببته. وقوله: حتى علاه البهاء. يقول: علا الإناء اللبن وهو بياض رغوته، والرغوة والثمال واحد.
وقوله: يسوق أعنزا عجافا: أي هزلى نقي شهن. وقوله: يتساوكن: أي يتمايلن ضعفا قال كعب: الكامل
حزق تعاورها السّفار فجسمها ... عار تساوك والفؤاد خطيف
وبعضهم يرويه: تساوكن هزلا أي قد تساوين في الهزال كأنهن اشتركن فيه. والشاء عازب: أي بعيد عن المنزل في المرعى. والحياك جمع حائل وهي التي لم تحمل. وأمّا قولها في صفته صلى عليه وسلم: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، فالوضاءة: الحسن والجمال والأبلج المضيء من قولهم تبلج الصبح وانبلج: إذا انفجر ولم ترد به بلج الحاجبين لأنها وصفته بالقرن، وقولها: لم يعبه ثجله، فالثجل: عظم البطن واسترخاء أسفله، يقال: رجل أثجل وامرأة ثجلاء والثجل مثله.
وقولها: ولم يفته صقله. الصقل: عظم الصقلة وهي الخاصرة، والوسيم: الجميل وكذلك المقسم والقسيم والقسامة والوسامة: الحسن. والدعج: شدة سواد العين. والأشفار: أطراف الأجفان التي ينبت عليها الشعر والشعر هو الهدب. فجعلت الأشفار ها هنا الشعر نفسه لأن العرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا جاوره أو ناسبه. والنطف: أن يطول هدب العين حتى ينعطف، والسطع: طول العنق. والصحل: كالبحّة في الصوت. والزجج: سبوغ الحاجبين وكثرة شعرهما. والقرن: أن يلتقي طرفاهما. وقولها لا يأيس من طول: تقول ليس بعظيم الطول فيأيس مطاوله من مطاولته. ولا تقحمه عين من قصر أي لا تحتقره ولا تزدريه لقصره.
وقولها: محشود محفود، فالمحفود: المخدوم، والحفدة: الخدم والأخوان، والمحشود: من قولهم عين حشد من الناس أي جمع كثير. وقولها: لا عابس ولا مغتدّ تقول: ليس بعابس الوجه، والمغتدّ: الملوم. تقول: لا يلام على شيء يأتيه، وراوه ابن قتيبة لا عابس ولا معتد بالعين، وذهب إلى العداء وهو الظلم: والضرّ: لحم الضرع. والصريح: الخالص من اللبن وغيره.


حدثنا أبو العباس احمد بن محمد بن سعيد الكوفي قال حدثنا احمد ابن زكريا قال حدثنا علي بن عبيد عن سليمان بن أسير عن إبراهيم عن علقمة ومسروق والأسود عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبلني وهو صائم، ولكه كان أملككم لأربه. قال أبو العباس بن خندة: سمعت احمد بن عبد الحميد الحارثي وقد سأله رجل أهو سليمان بن يسير أو سليمان بن أسير فقال: ابن أسير بالألف، قال أبو القاسم: الاربة: الحاجة وكذلك الأرب والارب والمأربة. فأمّا الأربة بالضم: فالعقد. وأصل الصوم في كلام العرب: الإمساك، ويقال: صام النهار إذا قام قائم الظهيرة، وصامت الخيل إذا وقفت. قال النابغة: البسيط
خيلٌ صِيامٌ وخيلٌ غيرُ صائمةٍ ... تحتَ العَجاجِ وخيلٌ تَعْلِكُ اللُّجُما
حدثنا أبو القاسم الصائغ: قال حدثنا ابن قتيبة قال روي أنَّ سويداً قدم مكة فتصدّى له النبي صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإسلام فقال له سويد: لعل الذي معك أكدى مثل الذي معي. قال: وما معك؟ قال: مجلّة لقمان. قوله: تصدّى: يعني تعرّض. والمجلّة: صحيفة فيها شيء من الحكم. وينشد للنابغة: الطويل
مجلتهم ذات الإله ودينهم ... قويم فما يرجون غير العواقب
هكذا يرويه بعض الناس بالجيم. قال يعني كتبهم التي كانوا يقرءونها. ورواه بعضهم " محلّتهم " بالحاء غير معجمة. قال: يعني بيت المقدس لأنها كانت دارهم، يعني المدينة فلذلك قال محلّتهم.
حدثنا أبو بكر يوسف بن يعقوب بن البهلول الأزرق قال حدثنا حميد بن الربيع قال حدثنا مسينة عن أبي الجهم عن الزهري عن أبي سليمة عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " امرؤ القيس قائد الشعراء إلى النار ".
قال أبو القاسم: وليس بين العلماء خلاف أعلمه إن هذا اللفظ خرج مخرج العموم وهو خاص وإنما يراد به شعر الكفار خاصة دون الإسلاميين والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مُدِحَ وأجاز على الشعر لأنه أجاز كعب بن زهير بالبردة التي عند الخلفاء اليوم فباعها بعشرين ألف درهم. ومدحه العباس بن عبد المطلب والعباس بن مرداس وحسان بن ثابت. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لحسّان: " أجب قريشا عن شعرهم وروح القدس معك ". واكثر الصحابة قد قالوا الشعر.
اخبرنا الأخفش عن المبرد إن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنابغة الجعدي: أنشدني، فأنشده: الطويل
ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدّرا
ولا خير في جهل ذا لج يكن له ... حليم إذا ما أوتي الأمر أصدرا
فقال له: " أجدت لا يفضض الله فاك ". قال: فروى النابغة وقال طال عمره في زمان ابن الزبير وكأّن فاه البرد المنهل، ما سقطت سنّ ولا انغلّت غروبه.
اخبرنا المعنوي قال اخبرنا الفضل بن الحباب الجمحي قال اخبرني محمد ابن سلام قال حدثنا أبو يحيى الضبّي قال: لقي ذو الرّمة رؤبة بن العجاج فقال له ذو الرّمة: ما معنى قول الراعي الطويل
أناخا بأشوال طروقا مخبّة ... قليلا وقد أقعى سهيل فعرّدا
فجعل رؤبة يقع ههنا وههنا مرّة إلى أن قال له: ويحك هي أرض بين المكليةّ والمجدبة. فقال: هو كذلك.
أخبرنا المعنوي قل حدثنا أبو خليفة قال حدثني سلام قال حدثني محمد بن أبان بن الاحوص بن محمد الشاعر كان يهوى أخت امرأته وكتم ذلك ويشبّب بها ولا يفصح باسمها، فتزوجت " مطر " فغلبه الأمر وأنشأ يقول: الوافر
أإن نادى هديلا ذات فلج ... مع الإشراق في فنن حمام
ظللت كأن دمعك سلك نظم ... هوى سيفا فأسلمه النظام
تموت تشوقا طربا وتحيا ... وأنت جو بدائك مستهام
كأنك من تذكّر أم حفص ... سقى بلدا تحل به الغمام
احل النّعف من أحد وأدنى ... مساكنها الشبيكة أو سنام
سلام الله يا مطر عليها ... وليس عليك يا مطر السلام
فلا غفر الإله لمنكحيها ... ذنوبهم وان صلوّا وصاموا
كأن المالكين نكاح سلمى ... غداة يرومها مطر نيام
فان يكن النكاح أحلّ شيئا ... فاّن نكاحها مطرا حرام
فلو لم ينكحوا ألا كفيّا ... لكان كفيهّا الملك الهمام


فطلّقها فلست لها بندّ ... وألا مضّ مفرقك الحسام
أمّا قوله: أأن نادى هديلا، فأني سمعت الأخفش يقول: سمعت المبرد يقول أصحابنا تقول: هديل الحمام هديلا، وهدر هديرا: إذا صوّت، وهدر الجمل ولا يقال هدل. وغير أصحابنا يجيزه، فإذا طرب قيل غردّ تغريدا. والتغريد قد يكون للإنسان وأصله من الطير. وبعضهم يقول: الهديل: ذكر الحمام، ويحتج بقول الراعي: الكامل
كهداهد كسر الرّماة جناحه ... يدعو بقارعة الطريق هديل
وساق حرّ: ذكر القمارى والحمام، ومنه قول الطرمّاح في تشبيهه الرماة بالحمام: المديد
بين أظآر بمظلومة ... كسراة الساق ساق الحمام
وأمّا قوله: " سلام الله يا مطر طيها " فانه منادى مفرد ونَوَّنهُ ضرورة.
وأمّا الخليل والمازني وسيبويه، فيختارون أن ينوّنوه مرفوعا ويقولون: لما اضطررنا إلى تنوينه نوّناه على لفظه، والى هذا كان يذهب الفراء ويختاره.
وأماّ أبو عمرو بن العلاء ويونس وعيسى بن عمرو الجرمي فينشدونه: " يا مطرا عليها " بالنصب والتنوين ويقولون: ردّه التنوين إلى أصله، وأصله النصب وهو مثل اسم لا ينصرف فإذا اضطر الشاعر إلى تنوينه نوّنه وصرفه وردهّ إلى أصله. قال الشاعر: الكامل
ما إن رأيت ولا أرى في مدّتي ... كجواري يلعبن في الصحراء
ألا ترى كيف نوّنه وخفضه. والقول عندي قول الخليل وأصحابه، وتلخيص ذلك: أن الاسم المنادى المفرد العلم مبني على الضم لمضارعته عند الخليل وأبي عمرو وأصحابهما للأصوات، وعند غيرهما لوقوعه موقع المضمر فإذا لحقه التنوين في ضرورة الشعر فالعلةّ التي من أجلها بني قائمة بعد فينوّن على لفظه لأنّا قد رأينا من المبنيّات ما هو منوّن نحو ايه، وغاق وما أشبه وليس بمنزلة ما لا ينصرف. لأن ما لا ينصرف أصله الصرف. وكثير من العرب لا يمتنع من صرف شيء في ضرورة شعر ولا غيره ألا أفعل منك. وعلى هذه اللغة قرئ " قواريرا قوايرا من فضة " بتنوينهما جميعها. فإذا نوّن فإنما يردّ إلى اصله، والمفرد المنادى العلم لم ينطق به منصوبا قط منوّنا في غير ضرورة شعر. وهذا بينّ واضح اخبرنا عبد الله بن مالك قان اخبرنا الزبير بن بكار عن عمّه قال: خرج عمر بن عبد الله بن أبى ربيعة إلى الشام فلقيه جميل فقال: أنشدني شيئا عن شعرك يا جميل فانشد الطويل
خليليّ فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حبّ قاتله قبلي
ثم قال: أنشدني يا أبا الخطّاب فأنشده: الطويل
ألم تسأل الأطلال والمتربعا ... ببطن حليّات دوارس بلقعا
أما في رسول من ثلاث كواعب ... ورابعة تستكمل الحسن أجمعا
فلما تواقفنا وسلمت أقبلت ... وجوه رعاها الحسن أن تتقنّعا
تبالهن بالعرفان لما عرفنني ... وقلن: امرؤ باغ أضلّ وأوضعا
وقرَّبن أسباب الهوى المتيمّ ... يقيس ذراعا كلما قسن إصبعا
فقلت لمطريهنّ في الحسن إنّما ... ضررت فهل تسطيع نفعا فتنفعا؟
فصاح جميل: هذا والله الذي أخذ منه النسيب، ولم ينشد شيئا إلى أن افترقا.
يقال: نسب الشاعر بالمرأة ينسب نسيبا: إذا ذكر محاسنها في شعره. ونسب الرجل ينسبه نسبا ونسبة.
أنشدنا الأخفش قال أنشدنا المبرد قال أنشدني العطوي لنفسه يرثي أحمد بن أبي دؤاد: الطويل
وليس صرير النعش ما تسمعونه ... ولكنه أصلاب قوم تقصّف
وليس نسيم المسك ريّا حنوطه ... ولكنه ذاك الثناء المخلف
أنشدنا ابن دريد لنفسه: مجزوء الرمل
أعن الشمس عشاء ... كشفت تلك السّجوف
أم عن البدر تسرّى ... موهنا ذاك النصيف
أم على ليتي غزال ... علقت تلك الشنوف
أم أراك الحين ما لم ... يره القوم الوقوف
إنّ حكم المقل النجل ... على الخلق يحيف
هنّ قرّبن إلى ال ... وجد والوجد قذيف
فأزلن الصبر عنّي ... وهو لي خدن حليف
يالها شربة سقم ... شوبها سمّ مدوف
ساقها الحين لنفسي ... جهرة وهي عيوف
يا ابنة القيل اليماني وللدّهر صروف


أن يكن أضحى مضيئا ... فله يوما كسوف
أو يكن هبّ نسيماً ... فله يوما هيوف
لا يغرّنك سماحيي فمقتادي عنيف
ربّما انقاد جموح ... تارة ثم يصيف
فاحذري عزفة نفسي ... عنك فالنفس عزوف
أقصدت ضرغام غاب ... بين خيسيه غريف
ظبية يكنفها في ال ... ألمجيات الرفيف
ربّما أردى الجليد السّهم والرامي ضعيف
وعقار عتّقتها ... بعد أسلاف خلوف
كانت الجّن اصطفتها ... قبل والأرض رجوف
فهي معنى ليس يحتا ... ط به الوهم اللطيف
وهي في الجسم وساع ... وهي في الكأس قطوف
وهي ضدّ لظلام الليل والليل عكوف
يصرف الوامق عنها ... طرفه وهو نزيف
قد تعدّينا إليها النهّى والله رؤوف
ومقام ورده مستوبل ظنك مخوف
بكت الآجال لمّا ... ضحكت فيه الحتوف
خفضت فيه العوالي ... وعلت فيه السّيوف
قد تسربلت وعقبا ... ن الردى فيه تعيف
حين للأنفس في الرّو ... ع من الهول وجيف
أن بيتي في ذرى قحطان للبيت المنيف
ولي الجمجمة العلياء والعزّ الكثيف
ولي التالد في المجد قديما والطريف
كل مجد لم يسمّته اليمانون نحيف
السجوف: جمع سجف وهو الستر، يقال هو سجف وسجف، وقوله: تسرّى من قالك سروت ثوبي إذا ألقيته. والموهن: من أول الليل إلى ساعات منه، والنصف: الخمار، والليتان: صفحتا العنق، والشنوف جمع شنف، وهو ما علق في أعلى الأذن. والقذيف: البعيد، والحليف: الملازم، والشوب: الخلط. من قوله تعالى: (ثم أن لهم عليها لشوبا من حميم) والعيوف: الكاره للشيء، والقيل: الملك. ويقال: صاف عن الشيء إذا عدل عنه، وعزفت نفسي عن الشيء: إذا كرهته، والغاب: جمع غابة وهي الأجمة، وكذلك الخيس. والامجيّات: موضع. والرفيف: حركة الشيء وبريقه وصفاؤه. يقال: اسنان فلان ترف. والأسلاف جمع سلف. والخلوف: جمع خلف أو خالف. والخلف بفتح اللام يستعمل في الخير والشر، فأمّا الخلف بتسكين اللام فلا يكون إلا في الذمّ. والوساع: المسرعة. والقطف: مدراكة الخطو ومقاربته. والنزيف: السكران، والمستوفل: المكروه. والعوالي: جمع عالية وهي أعلى الرمح. وقوله: وعقبان الردى فيه تعيف، الردى: الهلاك، وتعيف: أي تدور حوله وتكره ورده.
حدثنا نفطويه قال حدثنا أبو يعقوب قال حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا شيبان عن قتادة م في قوله تعالى (والذين اتخذوا من دونه وليّا ما نعبدهم إلا ليقرَبونا إلى الله زلفى) قال: كانوا يقولون ما نعبد هذه الآلهة إلا ليشفعوا لنا عند الله.
قال أبو القاسم: في هذه الآية ضروب من السؤال على مذهب العربية.
منها أن يقال: أين خبر " الذين " مما تراه في سياق الكلام، ومنها أن يقال: أي لام هذه التي في يقرّبونا؟ ومنها أن يسأل عن موضع " زلفى " من الإعراب.
وتقدير الآية - والله أعلم - انه لما قال: (فاعبد الله مخلصا له الدين ...
الآية) الدين الخالص، فأخبر أن الدين هو ما أخلص لله تعالى. ابتدأه يخبر عن الكافرين موبّخا لهم. ومنبهّا على ضلالتهم، فقال: (والذين اتخذوا من دون الله أولياء ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى) والذين مبتدأ وخبره يقولون فأضمر لما في الكلام عليه من الدليل، كما قال تعالى: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم) أي يقولون سلام. والسلام التي في قوله: " ليقربونا " لام كي تأويله لكي يقربونا وليست بلام الجحود وان كان قبلها ما، والفرق بين لام الجحود ولام كي إن لام الجود يجوز إسقاطها كقولك: " ما كان زيد ليخرج " فلو قلت " ما كان زيد يخرج " لكان كلاما كاملا ولام كي لا جوز إسقاطها. فلو قلت لأفي قولك: " قصدتك لتكرمني لمي قصدتك تكرمني لم يجز. وكذلك لا يجوز إسقاطها في هذه الآية. والزلفى: القربى وهو منصوب على المصدر لأن معنى يقربون ويزلفون سواء. والزلف: في قوله (وَزَلفا من اللّيل) جمع زلفة وهي ساعات يقرب بعضها من بعض، قال العجاج: الرجز
ناج طَوَاهُ الأَيْنُ مماّ وَجَفا ... طيّ الليالي زُلَفا فزَلفَا


سمَاوَةَ الهِلالِ حتى احْقَوْقفاَ
اخبرنا أبو بكر احمد بن الحسن بن العباس بن الفرج النحوي المعروف بابن شقير قال حدثنا احمد بن عبيد بن ناصح بن عصيدة عن شيوخه يرفعه إلى محمد بن إسحاق قال: كان عمرو بن الجموع بن زيد سيدا شريفا وكان قد اتخذ له صنما من خشب يقال له مناة يعبده في داره. وكان ابنه معاذ بن عمرو بايع النبي صلى الله عليه وسلم وكان يريد أباه على الإسلام فيأبى. فلما اسلم معاذ بن جبل وجماعة من فتيان قومه كانوا يجتمعون مع معاذ بن عمرو فيأتون ليلا إلى صنم عمرو فيلوثونه بالقذارة ويلطخونه بالنجاسات فإذا أصبح عمرو يقول: ويلكم من عدا الليلة على الهي فلما كثر ذلك عليه قال: إني والله لا أعلم من تعرض لك ولو علمت ذلك لمنعت عنك، ثم غسله ونظفه وطيبه وعلّق عليه سيفا وقال له: امنع عن نفسك إن كان فيك خير. فلما كان الليل وافى ابنه ومعاذ وجماعة معهم فقرنوا به كلبا ميتا وألقوه مع السيف والكلب في بئر لبني سليم مملؤة عذرة. فلما اصبح عمرو جعل يطوف عليه فلما وقف عليه استبصر وأسلم وحسن إسلامه وأنشأ يقول: المتقارب
أتوب إلى الله مما مضى ... واستغفر الله من ناره
وأثني عليه بآلائه ... اله الحطيم وأستاره
فسبحانه عدد الخاطئين ... وقطر السحاب ومدراره
هداني وقد كنت في ظلمة ... حليف مناة وأحجاره
وأنقذني بعد شيب القذا ... ل من شين ذاك ومن عاره
وقد كدت أهلك في ظلمه ... فدارك ذاك بمقداره
فحمدا وشكرا له ما بقيتمقالة عار لإنذاره
أرجى بذلك إذ قلته ... مجاورة الله في داره
ثم التفت إلى صنمه وأنشأ يقول: الرجز
أفّ لمنواك إلها في الدرن ... الآن فتّشناك عن سوء الغبن
تالله لو كنت إلها لم تكن ... أنت وكسب وسط بئر في قرن
الحمد لله الهي ذي المنن ... الواهب الرازق ديّان الدّين
هو الذي أنقذني من قبل أن ... أصير في ظلمة قبر مرتهن
قال أبو القاسم: يقال اخطأ الرجل في فعله يخطئ اخطا فهو مخطئ. والخطئ في دينه يخطأ خطأ إذا أثم فهو خاطئ يا هذا. فقوله: عدد الخاطئين، يريد المذنبين. والعاني: الخاضع الذليل. ومنه قوله: (وعنت الوجوه) ومنه قيل للأسير عان. والدّرن: الوسخ. والقرن: الجبل يقرن فيه بعيران، وإيّاه أراد نفي شعره. والقرن: مصدر الأقرن من الرجال وهو الذي التقى طرفا حاجبيه والقرن: جبل منفرد. والقرن كالعقل مسكن الراء -: اختصم إلى شريح في جارية بها قرن مملوكة فقال: اقعدوها فان أصاب الأرض فهو عيب وإلاّ فليس بعيب.
اخبرنا عبد الله بن مالك قال اخبرنا أبو مسلم الحرّاني قال حدثت عن عبد الرحمن بن صالح عن يونس بن بكير عن مجالد عن الشعبي قال: دخلت على مصعب بن الزبير فقال لي: يا شعبي ارفع هذا الستر فرفعته فإذا عائشة بنت طلحة فقال: كيف ترى؟ فقلت: ما كنت أظنهّ أّن في أهل الأرض من يشبه هذه. تقال: أما إني ما تهنأت بالعيش معها ولا انتفعت به متى، لأني رجل مذكر أريد أن يكون الأمر لي، وهي مذكرة تريد أن يكون الأمر لها. فلا أنا أتابعها، ولا هي تتابعني.
أخبرنا أبو محمد الضرير قال اخبرنا أبو مسلم الحرّاني قال روى عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن أبيه قال: رأيت عائشة بنت طلحة متكةَّ، ولو أنيخت جزور ما رؤيت.
اخبرنا الأخفش ونفطويه عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الهبنقع والهبنقعة: المزهوّ الأحمق وهو الذي يجلس على أطراف أصابع رجليه، ويسأل الناس. والسخل: مزج الشراب. والسّخيل: الغلام الحديث يصادق رجلا. والخضيل بكسر الضاد: كل شيء لا يرشرش، ومنه قيل شواء خضل: إذا كان رطبا جيد الإنضاج. والخضل: بإسكان الضاد: اللؤلؤ واحدته خضلة، ويروى أن امرأة قدمت زوجها إلى الحجاج فقالت تزوجني على فضلة.
ويقال: أكمخ الرجل: إذا قعد متعظما، والكيخم: من أسماء العظمة والسلطان، والكامخ عند أقحاح الأعراب السلامح. ويروى أّن أعرابيا قحا دخل قرية فاستطعم فقدموا له خبزا وكامخا فجعل يلمحه مغيظا ظنه سلامحا فقال له بعضهم: انه كامخ: قد علمت انه كامخ فأيّكم كخّ به.


اخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمدان البصري وأبو غانم المعنوي قال اخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب عن محمد بن سلام قال: كان سراقة البارقي شاعرا ظريفا زورا للملوك حلو الحديث فخرج في جملة من خرج لقتال المختار فوقع أسيرا فأتى به المختار فلما وقع بين يديه قال: يا أمين آل محص. انه لم يأسرني أحد ممن بين يديك. قال ويحك فمن أسرك؟ قال: رأيت رجالا على خيل بلق يقاتلوننا ما أراهم الساعة، هم الذين أسروني. فقال المختار لأصحابه: إن عدوّكم يرى من هذا الأمر ما لا ترون ثم أمر بقتله فقال: يا أمين آل محمد انك تعلم أنه ما هذا أوان تقتلي فيه. قال: فمتى أقتلك؟ قال: إذا افتتحت دمشق ونقضتها حجرا حجرا ثم جلست على كرسي في أحد أبوابها فهناك تدعوني فتقتلني وتصلبني. فقال المختار: صدقت، ثم التفت إلى صاحب شرطته. فقال: ويحك من يخرج سرى إلى الناس ثم أمر بتخلية سراقه. فلما أفلت أنشأ يقول وكان المختار يكنى أبا إسحاق: الوافر
ألا أبلغ أبا إسحاق إني ... رأيت البلق دهما مصمتات
ترى عيني ما لم ترأياه ... كلانا عالم بالترّهات
كفرت بوحيكم وجعلت نذرا ... عليّ قتالكم حتى الممات
أما قوله: " ترأياه " فانه ردّه إلى أصله، والعرب لم تستعمل يرى وترى وأرى ونرى إلا بإسقاط الهمزة تخفيفا. أما في الماضي فالهمزة مثبتة.
وكان المازني يقول: الاختيار عندي أن أرويه ترياه بغير همز لآن الزحاف أيسر من رد هذا إلى أصله وكذلك كان ينشد قول الآخر: الطويل
ألم تر ما لاقيت والدهر أعصر ... ومن يتملّ العيش يرأ ويسمع
بتحقيق الهمزة.
اخبرنا نفطويه قال حدثنا أبو يعقوب الحرمي قال حدثنا الحسين بن محمد قال حدثنا شيبان عن قتادة في قوله الله ش وجل (لقد كان لسباء في مساكنهم آية جنتان عن يمين وشمال) الاثنان جميعا قال: كانوا قوما انعم الله عليهم نعما وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته، فأعرضوا أي شركوا أمر الله عز وجل فأرسل الله عليهم سيل العرم. قال: والعرم وادي سبأ كان يجتمع إليه سيول أو أي شيء فعمدوا فسدّوا ما بين الجبلين بالقير والحجارة وظفوا عليه أبوابا. وكانوا يأخذون من الماء بقدر الحكيمة ويسدون طيه ما سوى ذلك. فلما تركوا أمر الله أرسل الله عليهم جرذا يقال له الخلد فنقبه من أسفله فغرق جناتهم وخرب أرضهم وتمزقوا في البلاد وذلك عقوبة من الله لهم على كفرهم. قال: (ومزقناهم كل ممزق) ثم قال: (وبدّ لناهم بجنتهم جنتين ذواتي أكل خمط) والخمط: الأراك وأكله: بريره، والاصل شجر شبيه بالطرفاء إلا انه اعظم منه. وقوله: (وشيء من سدر قليل) قال: بنينا أرضهم خير ارض وشجرهم خير شجر، خرّب الله أرضهم وجعل شجرهم شجر شر شجر عقوبة لهم بكفرهم.
قال أبو القاسم: وللعلماء في العرم ثلاثة أقوال، قال بعضهم: العرم: البثق نفسه الذي انبثق عليهم. وقال آخرون: العرم: المسنياّت وهو جمع واحدته عرمة مثل لبنة ولبن ونبقة ونبق، وإلى هذا يذهب أهل اللغة، واحتجوا بقول النابغة الجعدي: المنسرح
من سَباَء الخاسرِينَ مأَْرَبَ إذْ ... يبنون من دون سيَلْهِِ العرَِما
اخبرني الأخفش قال اخبرنا ثعلب قال اخبرنا الرياشي قال: سمعت أبا عبيدة معمر بن المثنى يذكر عن أبي الضحاك قال: شهدت البثق الذي انبثق في اليمن أيام سبأ فوجدته مثل نهر يجرى بالبصرة. وأما سبأ فمهموز وغير مهموز إلا إن للعرب فيه لغتين منهم من جعله اسم حيّ مذكرا وان نسبوا إليه فتصرفه ومنهم من يجعله اسم قبيلة فلا يصرفه. وقد قرأت القراء بالصرف وتركه وكذلك ثمود قياسه هذا القياس بعينه في الصرف وترك الصرف. والجنة في كلام العرب: البستان. فأما الجرذ من الفأر فبضم أوله والذال المعجمة. وكذلك الجرذ في أرجل الدواب بالذال معجمة إلا انه مفتوح الأول، وكذلك الزرد بالذال معجمة لا غير.
اخبرني اليزيدي قال اخبرني عمي الفضل بن محمد بن أبي محمد اليزيدي


مكن أبي محمد بن المبارك اليزيدي قال: إني لأطوف غداة يوم بمكة لقيني ماسين الزيات فقال لي: يا أبا محمد أنا منتظرك عند المقام نوافيك في المصيراني إذا فرغت من الطواف، فصرت إليه فقال لي: يا أبا محمد ما نمت البارحة لشيء اختلج في صدري منعني المْكر فيه النوم وما كنت أود إلا أن اصبح. قلت: وما ذاك؟ قال: يجوز في كلام العرب أن يقول الرجل: أريد أن أقول كذا وكذا لشيء قد فعله فقد ذلك غير جائز إلا على ضرب من الحكَاية فسر لك. قال: فما تقول في قول الله عز وجل (إن فرعون علا في الأرض) إلى إن بلغ إلى قوله (ونريد أن تمنّ على الذين استضعفوا 000 الآية) فخاطب بها محمدا وقد فعل ذلك قبل. فقلت له: هذا من الحكاية التي ذكرتها لك لأنه لما قال (انه كان من المفسدين كان تقدير الكلام " وكان من حكمنا يومئذ أن تمن " فحكى ذلك لمحمد صلى الله عليه وسلم. كما قاله في قصة يحيى (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت.... الآية) لأن تقدير الكلام " وكان من حكمنا سلام عليه) فحكى ذلك محمد حلى الله عليه وسلم. فقال لي: جزاك الله خيرا يا أبا محمد فقد فرّجت عنيّ لما شرحت ولأفيدنّك كما أفدتني.
قال أبو محمد فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان اكثر دعائه " اللهم إني أسألك اليقين والعفو والعافية وتمام النعمة في الدنيا والآخرة ".
اخبرنا المعنوي قال اخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلاّم قال: كانت ميّ الني ينسب بها ذو الرمّة بنت طلبة بن قيس بن عاصم المنقري. وكانت أم ذي الرمّة مولاة لآل قيس بن عاصم. فلما رأت شغف ذي الرمةّ بها وتزايد أمره أرادت أن توقع بينهما وحشة فقالت على لسان ذي الرمةّ: الطويل
على وجه ميّ مسحة من ملاحه ... وتحت الثياب الخزي لو كان باديا
ألم ترأّن الماء يخبث طعمه ... ولو كان لون الماء في العين صافيا
فوجدت من ذلك مي. فما زال ذو الرمة يعتذر ويحلف أنه ما قاله. فقال: وكيف يكون ذلك وقد أفنيت عمري في التشبيب بها. قال أبو القاسم: وهذا الشعر أشبه شيء بقول ذي الرمة وهو مقارب لطبعه وشبيه بهذا الوزن والروى قول ذي الرمة. أنشدنا الأخفش: الطويل
تقول عجوز مدرجي متروحا ... على بابها من عند أهلي وغاديا
فقلت لها: لا أن أهلي لجيرة ... لأكثبة الدهنا جميعا وماليا
وما كنت مذ أبصرتني في خصومة ... أراجع فيها يا ابنة القوم قاضيا
ولكنني أقبلت من جانبي قسا ... أزور فتى نجدا كرميا يمانيا
من آل أبي موسى ترى القوم حوله ... كأنهم الكروان ابصرن بازيا
مرمين من ليث عليه مهابة ... تفادي اسود الغاب منه تفاديا
وما الخرق منه يرهبون ولا الحيا ... عليهم ولكن هيبة هي ماهيا
اخبرنا ابن دريد قال اخبرنا أبو حاتم قال اخبرنا الأصمعي قال: العرب تقول " العرى الفادح خير من الزي الفاضح ".
اخبرنا ابن دريد قال اخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال رفع بعض القوم إلى المنصور رقعة يسأله فيها بناء مسجد في محلته فوقع فيها: " من أشراط الساعة كثرة المساجد فازدد أفي خطاك تزدد من الأجر.
اخبرنا الأخفش قال اخبرنا المبرد قال اخبرنا المازني عن الأصمعي قال اخبرني أبي وغيره: قال الحجاج بن يوسف ليحيى بن يعمر " هل الحرفي كلامي؟ " قال: معاذ الله. قال: عزمت عليك قال: تزيد الألف وتنقصها. قال: الحق بخراسان. فلما كان بعد ذلك كتب قتيبة بن مسلم من خراسان: إن العدو بعرعرة الجبل. ونحن بالحضيض. فقال الحجاج: من عند؟ وأنكر أن يكون هذا من كلامه. فقيل له: يحيى بن يعمر. فقال هذا من إملائه. قال المبرد: العرعرة: أعلى الجبل، والحضيض: أسفله حيث يفضي إلى السهل. وعرعرة البقرة: سنامها.
اخبرنا الأخفش عن المبرد عن الرياشي قال قال عدىّ بن المفضل: أتيت


عمر بن عبد العزيز استحفره بئرا بالعذبة. فقال لي: وأين العذبة؟ قلت: على مسيرة ليلتين من البصرة. فأحفرني وتذمّم إلاّ يكون بمثل هذا الموضع ماء واشترط عليّ أن أدلّ شارب ابن السبيل ثم حييته في يوم الجمعة فوجدته يخطب فسمعته يقول: " أيها الناس إنكم ميتون ثم أنكم مبعوثون ثم إنكم تحاسبون. فلئن كنتم صادقين لقد قصّرتم. ولئن كنتم كاذبين لقد كذبتم. أيها الناس انه من يقدر له رزق برأس جبل أو حضيض أرض يأته فاحملوا في الطلب ". قال: فأقمت عنده شهرا ما بي إلا استماع كلامه.
اخبرنا الأخفش قال اخبرنا المبرد قال: نقل الرواة انه لما توفي عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ولم تحضر عائشة زارت قبره فقالت: يا أخي إني لو حضرت وفاتك ما زرت قبرك. وأنشأت تقول متمثلة: الطويل وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن يتصدَّعا
فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معها
ثم إنها حفرت أبا بكر وهو يجود بنفسه فقالت: هذا والله كما قال حاتم: الطويل
أماوّى ما يغني المراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
فقال لها أبو بكر: يا بنيةّ لا تقولي هكذا ولكن قولي (وجاءت سكر الحق بالموت) وهكذا كان يقروها أبو بكر رحمه الله.
أنشدنا الأخفش والزجاج قال أنشدنا المبرد لأبي العتاهية يرثى علي بن ثابت وكان مؤاخيا له، قال أبو العباس: كان علي أديبا ناسكا شاعرا ظريفا: الوافر
ألا من لي بأنسك أي أخيّا ... ومن لي أن أبثك ما لديّا
طوتك خطوب دهرك بعد نشر ... كذاك خطوبه نشرا وطيّا
فلو نشرت قواك لي المنايا ... شكوت إليك ما صنعت إلياّ
وكانت في حياتك لي عظات ... وأنت اليوم أوعظ منك حيّا
قال أبو العباس: اخذ هذا من قول بعض الأعاجم حضر ملكا لهم مات فقال: كان الملك أمس أنطق منه اليوم، وهو اليوم أوعظ منه أمس.
وقال أبو العتاهية فيه أيضا: الخفيف
يا علي بن ثابت أين أنتا ... أنت بين القبور حيث دفنتا
يا علي بن ثابت بان منّي ... صاحب جلّ فقده يوم بنتا
قد لعمري حكيت لي غصص المو ... ت وحركتني لها وسكنتا
قال أبو العباس: وهذا أيضا مأخوذ من قول بعض الأعاجم حضر موت صديق له، فلما قضى ارتفعت الأصوات بالبكاء عليه فقال: حركنا بسكونه.
وقال أبو العتاهية في عليّ بن ثابت أيضا: مجزوء الخفيف
صاحب كان لي هلك ... والسبيل التي سلك
كل حيّ مملّك ... سوف يفنى وما ملك
يا عليّ بن ثابت ... غفر الله لي ولك
اخبرنا عبد الله بن مالك قال اخبرني محمد بن أبي عبيد البصري عن أسد بن سعيد بن حنين عن أبيه قال حدثني ابن مغني رجل من ولد سعيد بن العاص قال حدثني إسحاق بن سعد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: كان العرجي وهو عبد الله بن عمر بن عثمان بن عفان يشبب بامرأة محمد بن هشام قال ابن مغني: وأما الهذلي يزيد بن عبد الله فحدثني انه كان يشبب بامرأته الحارثية وهو القائل: السريع
عوجي علينا ربة الهودج ... انك إن لا تفعلي تحرجي
ايسر ما قال حبيب لدى ... بين حبيب قوله عرّجي
تقض إليه حاجة أو يقل ... هل لي مما بي من مخرج
من حباكم بنتم ولم ينصرم ... وجد فؤادي الهائم المنضج
فما استطاعت غير أن أومأت ... بطرف عين شادن أدعج
تذود بالبرد لها عبرة ... جاءت بها العين ولم تنتج
مخافة الواشين أن يفطنوا ... بشاتها والكاشح المزمج
أقول لماّ فاتني منهم ... ما كنت من وصلهم ارتجي
إنّي أتيحت لي يمانية ... إحدى بني الحارث من مذحج
أحجّ إن حجّت وماذا مني ... واهنة إن هي لم تحجج
اخبرنا عبد الله بن الأعرابي الحارث الفهري إن إبراهيم بن المنذر حدّثهم قال حدثني محمد بن معن الغفاري قال اخبرني عمر بن عبد الله بن نصر قال: كنت جالسا عند طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر فدخل علينا كثير وأنا أتمثلّ بقول جميل: الطويل


وحدّثتماني إن تيماء منزل ... لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا
فهذى شهور الصيف عنا قد انقضت ... فما للنوى ترمي بليلى المراميا
فأخذ برحله من ورائه ثم جل طربا حتى أتى العرش، يعني صدر البيت، ثم رجع وهو يقول: هو والله انسب العرب.
1 12