تعجيل الندى بشرح قطر الندى النكرة والمعرفة
قوله: (الاِسْمُ ضَرْبَانِ نَكِرَةٌ وهُوَ مَا شَاعَ في جِنْسٍ
مَوْجُودٍ كَرَجُلٍ أوْ مُقَدَّرٍ كَشَمْسِ، ومَعْرِفةٌ وهِيَ سِتَّةٌ
... ) .
الاسم باعتبار التنكير والتعريف ضربان:
الأول: نكرة.
الثاني: معرفة.
فالنكرة: ما شاع في جنس موجود أو مقدر. أي النكرة اسم يدل على واحد
ولكنه غير معين. لأنه فرد شائع في أفراد الجنس.
__________
(1) سورة الحشر، آية: 6.
(2) سورة الطلاق، آية: 6.
(3) سورة التوبة، آية: 28.
(4) سورة الروم، آية: 36.
فكلمة (طالب) لا تدل على طالب معين. لأنه
لفظ شائع في جميع أفراد الطلاب من زيد وعمرو وبكر وغيرهم. لا يخص فرداً
بعينه.
وهذا الجنس نوعان:
1-جنس موجودٌ في الخارج تعدُّدُه كلفظ رجل، وطالب، وكتاب. فكل منها
شائع في جنس الرجال والطلاب والكتب. وتعدده في الخارج موجود مشاهد.
2-جنس مقدرٌ وجودُ تعدُّدِه في الخارج. كشمس. فِإنها موضوعة لما كان
كوكبًا نهاريًا يزيل ظهوره وجود الليل. فحقها أن تصدق على متعدد كما أن
رجلاً كذلك. وإنما تخلف ذلك من جهة عدم وجود أفراد له في الخارج، ولو
وجدت لكان هذا اللفظ صالحًا لها.
والنكرة لها علامتان: -
1-أن تقبل (ال) وتؤثر فيها التعريف، مثل: كتاب، رجل. تقول: الرجل شجاع.
الكتاب جديد.
2-ما تقع موقع ما يقبل (ال) مثل: (ذو) بمعنى: صاحب. نحو: جاء ذو علم.
أي: صاحب علم. فـ (ذو) نكرة. وهي لا تقبل (ال) ، لكنها واقعة موقع ما
يقبل (ال) ، وهو صاحب.
وقوله: (وَمَعْرِفَةٌ وهِيَ سِتَّةٌ) المعرفة اسم يدل على شيء معين،
وهي ستة: الضمير، والعلم، واسم الإشارة، واسم الموصول، والمعرَّف بـ
(ال) ، والمضاف لواحد منها (1) .
أنواع المعارف
1-الضمير
قوله: (الضَّمِيرُ وهُوَ مَا دَلَّ عَلَى مُتَكَلِّمٍ أَوْ مُخَاطَبٍ
أَوْ غائِبٍ) .
هذا القسم الأول من المعارف وهو الضمير وهو لفظ يدل على متكلم كـ (أنا)
أو مخاطب كـ (أنت) أو غائب كـ (هو) والضمير هو أعرف المعارف - بعد لفظ
الجلالة وضميره (2) - وأعرف الضمائر ضمير المتكلم، ثم المخاطب، ثم
الغائب.
__________
(1) وبقي من أنواع المعارف: النكرة المقصودة في باب المنادى نحو: يا
طالب أجب [إذا كنت تريد واحداً معينًا] ولعله تركه لأنه سيذكره في
بابه.
(2) إنما كان لفظ الجلالة أعرف المعارف لأنه لا يحتمل إلا المولى جل
وعلا بخلاف بقية المعارف.
قوله: (وَهُوَ إِمَّا مُسْتَتِرٌ
كالمُقَدَّرِ وُجُوباً في نحْوِ أَقْومُ وتَقُومُ أَوْ جَوَازاً في
نحْوِ زَيْدٌ يَقُومُ، أوْ بَارِزٌ) .
الضمير من حيث ظهوره في الكلام وعدم ظهوره قسمان:
الأول: بارز: وهو ماله صورة في اللفظ، كالتاء من: كتبتُ الواجب.
الثاني: مستتر: وهو الذي ليس له صورة في اللفظ (1) ، وهو نوعان:
1- مستتر وجوبًا. ………2- مستتر جوازًا.
فالمستتر وجوبًا: هو الذي لا يحل محله اسم ظاهر ولا ضمير منفصل يرتفع
العامل به، نحو: أقوم بصلة رحمي. ففاعل (أقوم) ضمير مستتر وجوبًا
تقديره (أنا) وهذا الضمير لا يحل محله اسم ظاهر، فلا تقول: أقوم خالد -
مثلاً - ولا ضمير منفصل فلا تقول: أقوم أنا. على أن يكون فاعلاً بل هو
توكيد للضمير المستتر.
والاستتار الواجب له مواضع منها:
1-مع فعل الأمر المسند للواحد، نحو: أقم الصلاة. وأما قوله تعالى:
{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} (2) فـ (أنت) توكيد للضمير
المستتر. و (زوجك) معطوف على الضمير المستتر. (3)
2-مع الفعل المضارع الذي في أوله همزة المتكلم، نحو: أستيقظ مبكرًا.
3-مع الفعل المضارع الذي في أوله النون، نحو: نحن لا نحب السهر.
4-مع الفعل المضارع الذي في أوله تاء خطاب الواحد، نحو: أنت تحب الكتب
المفيدة.
__________
(1) ولا يكون الضمير المستتر إلا مرفوعًا لأنه فاعل. أو نائبه.
(2) سورة البقرة، آية: 35.
(3) انظر تعليقاً في آخر باب: المفعول معه.
وأما المستتر جوازًا: فهو الذي يحل محل
محله الاسم الظاهر، أو الضمير المنفصل، وهو المرفوع بفعل الغائب، نحو:
خليل يواظب على الصلاة. أو الغائبة نحو: آمنة تحسن الحجاب، وغيرهما (1)
.
قوله: (أوْ بَارِزٌ وهُوَ إمَّا مُتَّصِلٌ كَتَاءِ قُمْتُ وكَافِ
أَكْرَمَكَ وهَاءِ غلاَمِهِ، أَوْ مُنْفَصِلٌ كأنَا وأنتَ وهُوَ
وإِيَّايَ) .
تقدم أن الضمير البارز هو ما له صورة في اللفظ. وهو قسمان:
1-متصل: وهو الذي لا يبتدأ به في الكلام ولا يقع بعد (إلا) كالتاء في
قولك: استمعتُ للمحاضرة.
2-منفصل: وهو الذي يبتدأ به ويقع بعد (إلا) ، نحو: أنت تهذب أولادك. فـ
(أنت) ضمير منفصل، لأنه ابتدئ به. ويصح وقوعه بعد (إلا) نحو: لا يقوم
بالواجب إلا أنت، فـ (أنت) فاعل (يقوم) .
والضمير المتصل ينقسم بحسب موقعه من الإعراب ثلاث أقسام:
الأول: ما يكون في محل رفع فقط - كأن يكون فاعلاً أو نائب فاعل أو
اسمًا لناسخ، مثل: (كان) أو إحدى أخواتها، ونحو ذلك - وهو خمسة ضمائر:
التاء المتحركة نحو: ألقيتُ في الحفل كلمة، وألف الاثنين، نحو: الولدان
سمعاً النصيحة، وواو الجماعة نحو: المصلون خرجوا وياء المخاطبة نحو:
أنتِ تحبين الفضيلة، ونون الإناث نحو: أنتن تهذبن أولادكن.
__________
(1) هنا قاعدة لا بأس بها في هذا الموضع وهي أنه إذا كان الضمير
المستتر مقدراً بـ (أنا) أو (نحن) أو (أنت) فهو مستتر وجوبًا. وإن كان
مقدراً بـ (هو) فهو مستتر جوازًا إلا في مواضع يسيرة مع أفعال
الاستثناء مثل: خلا، وعدا، وليس، ومع فعل التعجب الماضي، وفاعل (نعم
وبئس) إذا كان ضميرًا مفسَّراً بتمييز على أحد القولين.
الثاني: ما يكون في محل نصب أو جر - كأن
يكون مفعولاً، أو اسمًا لناسخ مثل (إنّ) أو إحدى أخواتها، أو مضافاً
إليه، ونحو ذلك، وهو ثلاثة: ياء المتكلم نحو: حفظت كتابي، كتابي جديد،
وكاف المخاطب. نحو: أمرك أستاذك بحفظ كتابك، وهاء الغائب، نحو: البنت
تهذبها أمها. والابن يهذبه أبوه.
الثالث: ما يكون في محل رفع أو نصب أو جر. وهو (نا) نحو قوله تعالى:
{رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا
عَذَابَ النَّارِ} (1) .
وأما المنفصل فهو بحسب الإعراب قسمان:
1-ما يكون في محل رفع فقط، وهي اثنا عشر ضميرًا، (أنا) و (أنت) و (هو)
وفروعها. نحو: أنت تحضر مبكرًا. فـ (أنت) ضمير منفصل مبني على الفتح في
محل رفع مبتدأ.
2-ما يكون في محل نصب فقط. وهي اثنا عشر ضميرًا (إياي) و (إياك) و
(إياه) وفروعها. نحو: إياك كافأ المدرس. فـ (إياك) مفعول مقدم (2) .
مبني على الفتح في محل نصب.
قوله: (ولاَ فَصْلَ مَعَ إِمْكَانِ الوَصْلِ إلاَّ في نَحْوِ الْهَاءِ
مِنْ سَلِنيهِ بمَرْجُوحِيَّةٍ وظَنَنْتُكَهُ وكُنْتُهُ بِرُجْحَانٍ) .
القاعدة في باب الضمير أنه متى أمكن الإتيان بالضمير المتصل فإنه لا
يعدل إلى الضمير المنفصل، لأن الغرض من وضع الضمير الاختصار، والمتصل
أشد اختصارًا من المنفصل. تقول: أكرمتك. ولا تقول: أكرمت إياك. لأنه
أمكن الوصل.
وقد يتعين الإتيان بالضمير منفصلاً، ولا يمكن الإتيان به متصلاً كأن
يقع الضمير بعد (إلا) نحو: ربنا ما نرجوا إلا إياك. أو يتقدم الضمير
على عامله نحو: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (3) .
وهذه القاعدة يستنثى منها ثلاث مسائل - كما ذكر ابن هشام - يجوز فيها
الاتصال والانفصال، والخلاف إنما هو في الأرجح منهما.
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 16.
(2) هذا هو الأيسر أن نعتبر الجميع ضميرًا بدون تجزئة (إيا) و (االكاف)
.
(3) سورة الفاتحة، آية: 5.
المسألة الأولى: أن يكون الضمير ثاني
ضميرين أولهما أعرف من الثاني، والعامل فيهما فعل غير ناسخ - كأعطى
وأخواتها - وذلك كـ (الهاء) من قولك: الكتاب سلنيه. فيجوز في (الهاء)
الاتصال، ويجوز الانفصال: نحو: الكتاب سلني إياه. والياء للمتكلم مفعول
أول، والهاء للغائب مفعول ثان، وضمير المتكلم أعرف من ضمير الغائب
بمعنى: أنه أشد تمييزًا لمسماه.
وقوله: (بَمرْجُوحِيَّةٍ) أي أن الانفصال في هذه المسألة مرجوح. فيكون
الاتصال أرجح لأنه الأصل. ولأنه مؤيد بالقرِآن قال تعالى:
{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ} (1) .فـ (يكفي) فعل مضارع، والكاف مفعول
أول، والهاء مفعول ثان، والميم علامة الجمع. ولفظ الجلالة فاعل. وقال
تعالى: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} (2) فـ (نلزم) فعل مضارع، والفاعل ضمير
مستتر والكاف مفعول أول، والميم علامة الجمع، والواو حرف إشباع و (ها)
مفعول ثان. وقال تعالى: {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا} (3) فـ (يسأل) فعل
مضارع. والكاف مفعول أول، والميم علامة الجمع. والواو حرف إشباع، و
(ها) مفعول ثان، والفاعل ضمير مستتر.
ومن الانفصال قوله - صلى الله عليه وسلم -: " أفلا تتقي الله في هذه
البهيمة التي ملكك الله إياها" (4) فـ (الكاف) مفعول أول، و (إياها)
مفعول ثان.
المسألة الثانية: أن يكون الضمير ثاني ضميرين، أولهما أعرف من الآخر،
والعامل فيهما فعل ناسخ - كظن وأخواتها - نحو: الصديق ظَنَنْتُكَهُ. فـ
(الكاف) مفعول أول، و (الهاء) مفعول ثانٍ. فيجوز الاتصال، ويجوز
الانفصال. فتقول: الصديق ظننتك إياه.
المسألة الثالثة: أن يكون الضمير خبراً لـ (كان) أو إحدى أخواتها. نحو:
الصديق كُنْتَهُ. ويجوز: الصديق كنت إياه. بالانفصال.
__________
(1) سورة البقرة، آية: 137.
(2) سورة هود، آية: 28.
(3) سورة محمد، آية: 37.
(4) أخرجه أبو داود رقم (2549) وهو حديث صحيح.
وقوله: (بِرُجْحَانٍ) أي: أن الانفصال في
هاتين المسألتين أرجح من الوصل عند الجمهور، لأنه خبر في الأصل. وحق
الخبر الفصل قبل دخول الناسخ، وعند جماعة الوصل أرجح؛ لأنه الأصل.
ومؤيد بالقرآن قال تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ
قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ} (1) فالكاف مفعول
أول، والهاء مفعول ثان، والميم علامة الجمع، و (قليلاً) مفعول ثالث،
ومثله (ولو أراكهم كثيرًا) ، وقال - صلى الله عليه وسلم - في شأن ابن
صياد: "إن يَكُنْهُ فلن تسلط عليه، وإلا يكنه فلا خير لك في قتله"،
فالهاء في قوله: (يكنه) خبر (يكن) . وقد جاء متصلاً.
وهو عائد على الدجال، واسم (يكن) ضمير يعود على ابن صياد (2) .
والحق أن كلاً من الفصل والوصل واردٌ عن العرب في المسائل الثلاث بكثرة
تبيح القياس، وعليه فهذا الترجيح والخلاف مما لا طائل تحته، والله
أعلم.
2- العلم
قوله: (ثُمَّ الْعَلَمُ وَهُوَ: إِمَّا شَخْصِيٌ كَزَيْدٍ أَوْ جِنْسيٌ
كَأُسَأمَةَ) .
هذا القسم الثاني من أنواع المعارف وهو: العلم. وهو قسمان:
1- علم شخصي.…………2- علم جنسي.
والعلم الشخصي: هو الذي يعين مسماه مطلقاً. نحو: جاء خالد. هذه مكة.
وقولنا: يعين مسماه: يخرج النكرة لأنها لا تدل على معين.
__________
(1) سورة الأنفال - آية: 43. واعلم أن كلام الجمهور من أن الضمير خبر
في الأصل لا يتأتى في هذه الآية لأن الضمير الذي جاء متصلاً وهو الهاء
ليس خبرًا في الأصل بل هو مبتدأ والخبر في الأصل هو قوله (قليلاً)
[حاشية يس على شرح الفاكهي 1/192] .
(2) الحديث متفق عليه، وابن صياد واسمه (صاف) فيه بعض أوصاف الدجال،
وقد هَمَّ عمر - رضي الله عنه - بقتله، ولكنه - صلى الله عليه وسلم -
لم يقطع بأنه الدجال ولا غيره فقال ذلك لعمر رضي الله عنه.
وقولنا: مطلقاً. أي بلا قرينة. وهذا لإخراج
بقية المعارف، فإن كل واحد منها لا يعين مسماه إلا بقرينة، كما سيأتي
إن شاء الله، وسمى علم شخص؛ لأنه يدل على شخص معين معلوم. (1)
أما العلم الجنسي: فهو الذي لا يخص واحدًا بعينه، وإنما يصلح للجنس
كله. كقولك: هذا أسامة، (للأسد) ، فهذا لفظ صالح لكل أسد.
وسمى (علم جنس) لأنه موضوع لكل فرد من أفراد الجنس. فـ (أسامة) يصلح
لكل أسد و (ثُعَالة) يصلح لكل ثعلب، و (أم عِرْيَطٍ) لكل عقرب، وهكذا.
قوله: (وَإِمَّا اَسْمٌ كَمَا مَثًَّلْنَا، أَوْ لَقَبٌ كَزَيْنِ
العَابِدِينَ، وَقُفَّةَ (2) أَوْ كُنْيَةٌ كَأَبِي عَمْرو وَأَمِّ
كُلْثُومٍ) .
العلم الشخصي باعتبار وضعه ثلاثة أقسام:
1-اسم: وهو ما أطلق على الذات أولاً، نحو: عاصم، هند.
2-كنية: ما أطلق على الذات بعد التسمية وصُدِّرَ بأب، نحو أبو حفص عمر
بن الخطاب - رضي الله عنه - ثاني الخلفاء الراشدين، أو أم، نحو: أم
المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - راوية الحديث.
3-لقب وهو ما أطلق على الذات بعد التسمية، وأشعر بمدح كالمأمون
والرشيد، أو ذم، كالجاحظ، والسفَّاح.
قوله: (وَيُؤّخَّرُ اللَّقَبُ عَنِ الاِسْمِ تَابِعًا لَهُ مُطْلَقًا،
أَوْ مَخْفُوضًا بإِضَافَتِهِ إِنْ أُفْرِدَا كَسَعِيدِ كُرْزٍ) .
__________
(1) الأصل في العلم ِأنه لا يضاف ولا تدخل عليه (أل) المعرفة، لأنه
معرفة بالعلمية فيستغنى بها عن أي تعريف آخر. لكن إن حصل لصاحبه مشارك
في اسمه خرج عن كونه معرفة وجرى مجرى الأسماء الشائعة التي تحتاج إلى
إيضاح وتعيين فيحتاج إلى تعريف بالإضافة - مثلاً - نحو: زيدكم، خالدكم
... وتكون معارف بالإضافة لا بالعلمية، انظر: شرح المفصل لابن يعيش
(1/44) .
(2) القُفَّة: القرعة اليابسة. والقفة: ما يتخذ من خوص كهيئة القرعة
تضع فيه المرأة القطن ونحوه. وجمعها قفف. مثل غرفة وغرف (المصباح
المنير) .
إذا اجتمع الاسم مع اللقب وجب تأخير اللقب
عن الاسم، فتقول: عمر الفاروق ثاني الخلفاء الراشدين؛ لأن اللقب بمنزلة
الصفة لإشعاره بالمدح أو الذم، وهي تتأخر عن الموصوف. (1)
أما من حيث إعراب اللقب فقد ذكر المصنف أنه يعرب بإعراب الاسم، فيكون
تابعًا له في رفعه ونصبه وجره. على أنه بدل منه أو عطف بيان.
وقوله: (مطلقًا) أي سواء كان اللقب والاسم مفردين، أي: غير مركبين.
نحو: جاء سعيدٌ كرزٌ (2) ورأيت سعيدًا كرزًا. ومررت بسعيدٍ كرزٍ. أم
مركبين نحو: جاء عبدُ الله زينُ العابدين. أم مختلفين إفرادًا
وتركيباً، مثل: جاء زيدٌ زينُ العابدين، وجاء عبدُ الله كرزٌ.
ففي هذه الحالات الأربع يتبع اللقبُ الاسمَ في إعرابه. ويجوز في الحالة
الأولى - وهي أن يكونا مفردين - إضافة الاسم إلى اللقب. فيكون اللقب
مجرورًا بالإضافة، مراداً بالأول المسمى والثاني الاسم، نحو: جاء سعيدُ
كرزٍ.
لكن المختار في هذه الحالة الاتباع - كغيرها من الحالات - لأنه أيسر،
ولأن الاتباع لا يحتاج إلى التأويل المذكور. لأنه يلزم على القول
بالإضافة إضافة الشيء إلى نفسه، وهذا ممنوع كما ذكر النحويون في باب
الإضافة.
3-اسم الإشارة
قوله: (ثُمَّ الإشَارَةُ وهِيَ ذَا للْمُذَكَّرِ وذي وذِهِ وتِي وتِهِ
وتَا لِلْمُؤَنَّثِ، وذَانِ وتَانِ لِلْمُثَنَّى بِالأَلِفِ رَفْعاً،
وبالْيَاءِ جَرَّاً ونصبْاً، وأُولاَءِ لِجَمْعِهِمَا) .
القسم الثالث من أقسام المعارف اسم الإشارة: وهو اسم يعين مسماه بإشارة
حسية أو معنوية.
فمثال الإشارة الحسية: هذا كتاب مفيد.
__________
(1) قد يتقدم اللقب إذا كان أشهر من الاسم، كقوله تعالى: {إِنَّمَا
الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ} فالمسيح لقب وقد
تقدم على الاسم (عيسى) .
(2) كرز كبُرْج: خُرْج الراعي، بضم الخاء. وهو وعاء معروف، وعلى وزنه
(فُعَّل) معناه: اللئيم والخبيث والحاذق (قاموس) .
ومثال الإشارة المعنوية: هذا رأي صائب.
ولأسماء الإشارة تقسيمان:
الأول: ما يلاحظ فيه الإفراد والتذكير وفروعهما، وهو ثلاثة أقسام:
1-ما يشار به للمفرد. فللمذكر (ذا) مثل: هذا تاجر صدوق، فـ (ها)
للتنبيه (1) . و (ذا) اسم إشارة مبني على الكسون في محل رفع مبتدأ
(تاجر) خبر (صدوق) صفة، وللمؤنث (ذي) نحو: هذي الفتاة تحسن الحجاب، و
(ذه) بإسكان الهاء أو كسرها، وهو الأكثر نحو: هذه البنت مهذبة. و (تي)
نحو: تيك المرأة تعرف معنى التربية، و (ته) بإسكان الهاء أو كسرها، و
(تا) .
2-ما يشار به للمثنى، فللمذكر (ذان) في حالة الرفع، و (ذين) في حالتي
النصب والجر، نحو: هذان عالمان جليلان، صافحت هذين العالمين، سلمت على
هذين العالمين. وللمؤنث (تان) في حالة الرفع، و (تين) في حالتي النصب
والجر. نحو: هاتان بنتان عاقلتان، تصدقت على هاتين المرأتين الكبيرتين.
فـ (ها) للتنبيه (تان) اسم إشارة مبني على الألف (2) في محل رفع مبتدأ
(بنتان) خبر.
3-ما يشار به للجمع بنوعيه. وهو لفظه (أولاء) نحو: هؤلاء الطلاب يحبون
الفائدة. وهو مبني على الكسر دائماً كما تقدم في الأسماء المبنية.
قوله: (وَالْبَعِيدُ بِالْكَافِ مُجَرَّدَةً مِنَ اللاَّمِ مُطْلَقاً،
أَوْ مَقْرُونَةً بِهَا إلاَّ في الْمُثَنَّى مُطْلَقاً، وفِي
الْجَمْعِ فِي لُغَةِ مَنْ مَدَّهُ وفِيمَا تَقَدَّمَتْهُ هَا
التَّنْبِيهِ) .
__________
(1) لأنها تنبه المخاطب إلى المشار إليه.
(2) هذا هو الأولى في اسم الإشارة المثنى أنه مبني لا معرب، طردًا
للباب على طريقة واحدة إذ لا معنى لإخراج حالة التثنية من البناء إلى
الإعراب، ثم إن الظاهر أنهما ليسا مثنيين حقيقيين بل هما صيغتان وضعتا
ابتداء للمثنى. فإن من النحاة من يرى أن ألف التثنية في (هذان) هي ألف
(هذا) والنون للفرق بين الواحد والمثنى.
التقسيم الثاني لأسماء الإشارة: ما يلاحظ
فيه المشار إليه من جهة قربه أو بعده، فله مرتبتان:
الأولى: أن يكون المشار إليه قريباً. وتستعمل فيه أسماء الإشارة، بدون
زيادة (كاف) أو (لام) . نحو: هذا مطر غزير.
الثاني: أن يكون المشار إليه بعيداً. وتستعمل فيه أسماء الإشارة بزيادة
الكاف، نحو: ذاك رجل مقبل. أو الكاف واللام، نحو: ذلك الرجل (1) أقبل
إلينا.
وهذه الكاف حرف خطاب لا محل له من الإعراب وليست بضمير لأنها لو كانت
ضميرًا لكانت مضافاً إليه، وأسماء الإشارة لا تضاف.
وأما اللام فهي حرف دال على المبالغة في البعد تزاد قبل الكاف نحو:
{ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} (2) فـ (ذا) اسم إشارة مبني على
السكون في محل رفع مبتدأ، و (اللام) للبعد و (الكاف) حرف خطاب (الكتاب)
بدل أو عطف بيان (لا) نافية للجنس (ريب) اسمها مبني على الفتح في محل
نصب (فيه) خبر (لا) والجملة خبر المبتدأ. (3)
وهذه اللام ملازمة للكاف إلا في التثنية فلا تزاد. ولا في الجمع في لغة
من مده فقال: (هؤلاء) ، أما من قصره فقال: (أولى) فإنه يزيد اللام
فيقول: (أُولا لك) وكذا فيما تقدمته (ها) التنبيه فلا يجوز: هذا لك.
ولا تزاد أيضًا في أسماء الإشارة للمؤنث.
4- الاسم الموصول
قوله: (ثُمَّ الْمَوْصُولُ، وهُوَ الَّذِي والَّتي واللَّذانِ
واللَّتانِ بِالأَلِفِ رَفْعاً وبِالْيَاءِ جَرًّا ونَصبْاً ولِجَمْعِ
الْمُذَكَّرِ الَّذينَ بِالْيَاءِ مُطْلَقاً والأُولَى ولِجَمْعِ
الْمُؤنَّثِ اللاَّئي واللاتيِ) .
__________
(1) ذكرنا فيما مضى أن الاسم المحلى بـ (أل) بعد اسم الإشارة إن كان
مشتقًا فالأحسن إعرابه نعتًا نحو: ذلك الفاضل أقبل إلينا، وإن كان
جامدًا كالرجل فالأحسن إعرابه بدلاً أو عطف بيان.
(2) سورة البقرة، آية: 2.
(3) في الآية أعاريب أخرى.
الرابع من أقسام المعارف. الاسم الموصول
وهو: اسم يعين مسماه بقيد الصلة المشتملة على عائد. نحو: حضر الذي فاز
ابنه فـ (الذي) اسم موصول مبهم، لا يدل على معين، وجملة (فاز ابنه) هي
الصلة التي عينت المراد، وقد اشتملت على عائد يعود على الاسم الموصول،
وهو: الضمير. وهو قسمان:
الأول: اسم موصول مختص: وهو ما كان نصًا في الدلالة على بعض الأنواع لا
يتعداها - وهو المراد هنا - وله ثمانية ألفاظ:
1-الذي: للمفرد المذكر، نحو: جاء الذي أخذ الجائزة. فـ (الذي) اسم
موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل.
2-التي: للمفرد المؤنث، نحو: حضرت التي كتبت النصيحة، فـ (التي) اسم
موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل.
3-اللذان (1) : للمثنى المذكر - رفعًا - واللذين نصبًا وجراً، نحو: قدم
اللذين تبرعا بالمال. فـ (اللذان) اسم موصول مبني على الألف في محل رفع
فاعل. (2)
4-اللتان: للمثنى المؤنث، وحكمه كالذي قبله. نحو: حضرت اللتان ضمدتا
الجراح. شكرت اللتين ضمدتا الجراح.
5-الذين: لجمع الذكور. وهو بالياء (مطلقًا) أي في حالة الرفع والنصب
والجر، نحو: أحب الذين علموني، فـ (الذين) اسم موصول مبني على الفتح في
محل نصب مفعول به.
6-الألى: لجمع الذكور، نحو: سرني الألى ساهموا في الدعوة. فـ (الألى)
اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل.
7-اللائي: لجمع المؤنث، ويجوز إثبات الياء وحذفها. نحو: حَضَرتِ اللائي
جمعن الصدقات. فـ (اللائي) اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل.
وإن حذفت الياء فهي مبنية على الكسر.
8-اللاتي: لجمع المؤنث - أيضًا - وهي كالتي قبلها.
__________
(1) تكتب اللذان بلامين فرقا بينهما وبين الذين، التي لجمع الذكور
منعاً من الالتباس في حالتي النصب والجر..
(2) انظر ما تقدم في اسم الإشارة المثنى.
قوله: (وَبِمَعْنى الْجِمِيعِ مَنْ ومَا
وأَيٌّ وأَلْ في وصْفٍ صَريحِ لِغَيْرِ تَفْضيل كَالضَّارِبِ
والْمَضْرُوبِ وذُو فيِ لُغَةِ طَيِّىءٍ، وذا بَعْدَ مَا أَوْ مَنْ
الاسِْتِفهَامِيَّتَيْنِ) .
هذا القسم الثاني من الأسماء - الموصولة وهو الموصول المشترك. وهو الذي
لا يختص بنوع معين، وإنما يصلح للواحد وغيره، دون أن تتغير صيغته،
والصلة هي التي تحدد المراد، وهو ستة:
1-من: وهي اسم موصول مبني على السكون، وتكون كثيرًا للعالِم (1) نحو:
خرج من ألقى المحاضرة. ولغيره قليلاً نحو: من مخلوقات الله من يمشي على
أربع.
2-ما: وهي اسم موصول مبني على السكون، وهي لغير العالِم كثيرًا نحو:
{مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ} (2) . فـ (ما) اسم موصول مبتدأ (عندكم) عند:
ظرف مكان منصوب متعلق بمحذوف صلة (ما) وهو مضاف. والكاف مضاف إليه.
والميم علامة الجمع. وجملة (ينفد) خبر المبتدأ. ولغيره قليلاً نحو:
{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (3) .
فـ (ما) اسم موصول فاعل (يسبح) والجار والمجرور (في السموات) متعلق
بمحذوف صلة الموصول.
3-أيٌّ: وهي موصول مبني على الضم، إذا أضيفت وحذف صدر صلتها، نحو سلمت
على أيُّهم أفضلُ. فـ (أيُّ) . مبنية على الضم في محل جر، لأنها أضيفت
إلى الضمير، وصدر صلتها - وهو المبتدأ - محذوف، لأن الأصل: هو أفضلُ.
وتعرب بالحركات فيما عدا ذلك نحو: كافأت أيَّهم هو مجتهد، فـ (أيَّ)
مفعول به منصوب بالفتحة.
__________
(1) اختار بعض النحاة أن يقال: (من) للعالم، بدل العاقل. لأن الله
تعالى وصف نفسه بالعلم. وهي قد تستعمل في الدلالة عليه سبحانه في مثل
(سبحان من يسبح الرعد بحمده) [انظر: الأدب المفرد للبخاري مع شرحه: فضل
الله الصمد (2/185) ] .
(2) سورة النحل، آية: 96.
(3) سورة الجمعة، آية: 1.
4-أل: وهي اسم موصول - وإن كانت على صورة
الحرف - (1) وإعرابها يظهر على ما بعدها.
وقوله: (في وصف صريح لغير تفضيل) أشار به إلى أن (ال) لا تكون اسماً
موصولاً إلا بثلاثة شروط:
الأول: أن تكون مع وصف. وهو ما دل على معنى وذات.
الثاني: أن يكون الوصف صريحًا. والوصف الصريح: هو الاسم المشتق الذي
يشبه الفعل في التجدد والحدوث شبهًا قويًا. بحيث يمكن أن يحل الفعل
محله، وذلك هو اسم الفاعل نحو: أعجبني القارئ. واسم المفعول نحو: تصفحت
المكتوب، وصيغ المبالغة نحو: فاز السابقون إلى الخيرات.
الثالث: أن يكون الوصف لغير تفضيل. فإن كان لتفضيل كالأفضل والأعلم،
فهي حرف تعريف، وليست موصولة، فلا تكون بمعنى (الذي) .
5-ذو: وهي اسم موصول عند قبيلة (طيئ) نحو: زارني ذو تعلم، أي: الذي
تعلم. وهي مبنية على السكون في محل رفع أو نصب أو جر حسب موقعها في
الجملة.
6- ذا: وأصلها اسم إشارة. وتأتي موصولة بمعنى (الذي) (2) بشرط أن تسبق
بـ (ما) أو (من) الاستفهاميتين (3) نحو: ماذا عملت من الخير؟ ومن ذا
عندك؟ فـ (ما) اسم استفهام مبتدأ و (ذا) اسم موصول مبني على السكون في
محل رفع خبر. وجملة (عملت) صلة.
__________
(1) وإنما كانت اسمًا - على الراجح - لأن الضمير في نحو: حضر القائم
بواجبه، يعود عليها والضمير لا يعود إلا على اسم. ولا مرجع له سواها.
(2) الفرق بين (ذا) الموصولة والإشارية، أنها إن دخلت على مفرد فهي اسم
إشارة نحو: من ذا الكاتب، أي: من هذا؟ لأن المفرد لا يصلح صلة لها، وإن
دخلت على جملة أو شبه جملة فهي موصولة.
(3) ويشترط فيها ألا تكون ملغاة. ومعنى الإلغاء: أن تركب (ما) أو (من)
مع (ذا) تركيباً يجعلهما كلمة واحدة في المعنى والإعراب فمثلاً: ماذا
عملت؟ يصح اعتبارها موصولة. كما ذكرنا. ويصح إلغاؤها واعتبار (ماذا)
اسم استفهام مفعولاً مقدمًا.
قوله: (وَصِلَةُ ألْ الْوَصْفُ، وصِلَةُ
غَيْرِهَا إِمَّا جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ ذَاتُ ضَمير طِبْقٍ
للْمَوْصُولِ يُسَمْى عَائِداً أو ظرفٌ أو جارٌ ومجرور، تامّان،
متعلِّقان باستقرَّ محذوفاً) .
يحتاج الاسم الموصول إلى صلة بعده توضح معناه وتزيل إبهامه - كما تقدم
- وهذه الصلة ثلاثة أنواع:
1- الوصف: وهذا خاص بـ (ال) الموصولة. وقد مضى الكلام عليه.
2- الجملة اسمية أو فعلية. وشرطها أمران:
الأول: أن تكون خبرية. ليكون مضمونها معلوماً عند المخاطب قبل الكلام
نحو: جاء الذي زارنا بالأمس. فإن كانت إنشائية لم يصح وقوعها صلة نحو:
جاء الذي أكرمْهُ. لأن الإنشائية لا يقع مضمونها إلا بعد ذكرها، فلا
تكون معروفة عند المخاطب. فيفوت الإيضاح المقصود من الصلة.
الشرط الثاني: أن تشتمل الجملة على ضمير يرجع إلى الاسم الموصول. وهو
المسمى بـ (العائد) .
وشرطه: أن يكون مطابقاً للاسم الموصول في إفراده وتثنيته وجمعه وتذكيره
وتأنيثه، نحو جاء الذي فاز، أي: هو. وجاءت التي فازت، أي: هي. وجاء
اللذان فازا. وجاء الذين فازوا. وجاءت اللاتي فُزْنَ. فجملة (فاز) وما
بعدها، صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
3-الظرف والجار المجرور، ويشترط في وقوعهما صلة أن يكون تامين أي: يحصل
بالوصل بكل منهما فائدة. تزيل الإبهام وتوضح المراد، من غير حاجة لذكر
متعلقهما، نحو: عرفت الذي عندك. وصافحت الذي في الدار. فالظرف (عندك)
والجار والمجرور (في الدار) حصل في الوصل بهما فائدة؛ لأنهما متعلقان
بمحذوف يدل على مجرد الوجود العام. فهو واضح وبَيِّنٌ لا حاجة إلى
ذكره.
وقوله: (مُتَعلِّقَانِ باسْتَقَرَّ
مَحْذُوفاً) أي أن الظرف والجار والمجرور إذا وقعا صلة فلا بد أن يكون
متعلَّقهما فعلاً نحو: استقر - حصل - ثبت، ولا بد أن يكون محذوفاً ولا
يصح تقديره بوصف مثل: كائن، ومستقر؛ لأن الصلة لا تكون إلا جملة؛ لأنها
هي التي تزيل الإبهام، ولا يجوز ذكره لعدم الحاجة إليه في كشف المراد.
(1)
قوله: (وَقَدْ يُحْذَفُ نَحْوُ: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} (2) ، {وَمَا
عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} (3) {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} (4) ،
{وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} (5)) .
الضمير في قوله (وقد يحذف) أي العائد. وهو إما أن يكون مرفوعًا أو
منصوبًا أو مجرورًا.
وشرط حذفه: أمن اللبس، وذلك بأن لا يصلح الباقي بعد حذفه لأن يكون صلة
كاملة. لاشتماله على ضمير غير ذلك الضمير المحذوف. فمثلا جاء الذي هو
أبو مسافر، لا يجوز حذف العائد المرفوع (هو) ؛ لأن الباقي بعد الحذف
مشتمل على عائد وهو (الهاء) .
__________
(1) الكون العام: هو الذي يدل على مجرد الوجود العام دون شيء آخر زائد
عليه نحو: سلمت على الذي عندك. فـ (عندك) لا يفيد شيئاً أكثر من
الدلالة على وجود الشخص وجودًا مطلقاً. فهو متعلق بمحذوف تقديره:
استقر، ولا حاجة لذكره، وأما الكون الخاص: فهو الذي يدل على معنى زائد
على مجرد الوجود العام. فإن دل عليه دليل حذف وإلا وجب ذكره فمثلاً:
عرفت الذي قرأ عندك. لا يجوز حذف المتعلق (قرأ) لعدم ما يدل عليه.
ونحو: ذاكر خالد في المسجد وعاصم في المنزل. فتقول: بل عاصم الذي في
المسجد. أي بل عاصم الذي ذاكر في المسجد. فصح حذفه لوجود الدليل.
(2) سورة مريم، آية: 69.
(3) سورة يس - آية 35. والتمثيل بالآية إنما يتم على قراءة حمزة
والكسائي وأبي بكر بحذف الهاء (وما عملت) . لكن كتبت الآية برسم المصحف
على قراءة حفص بإثبات الهاء.
(4) سورة طه، آية: 72.
(5) سورة المؤمنون، آية: 33.
ومثال حذف العائد المرفوع: كثر الإقبال على
حلقات العلم التي هي كفيلة بإصلاح الفرد والمجتمع. فيجوز حذف العائد
المرفوع (هي) ، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ
شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ} (1) فـ (أيُّهم) اسم موصول مبني على الضم
في محل نصب مفعول به، والهاء مضاف إليه، والميم علامة الجمع. و (أشدُّ)
خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هو) ، وهو العائد.
ومثال حذف العائد المنصوب: لا تقل ما لا تعلم وإن قلَّ ما تعلم. فـ
(ما) اسم موصول في الموضعين، وقد حذف العائد المنصوب، وتقديره: ما لا
تعلمه وإن قلَّ ما تعلمه. ومنه قوله تعالى: {وَمَا عَمِلَتْهُ
أَيْدِيهِمْ} فـ (ما) اسم موصول مبني على السكون في محل جر عطف على
قوله: {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} (2) ، وجملة (عملت) صلة، والعائد
محذوف أي: عملته. وقد قرأ أبو بكر والكسائي وحمزة بحذف العائد، وقرأ
الباقون بذكره على الأصل. (3)
ومثال المجرور بالإضافة: ابذل ما أنت باذل في وجوه البر، فـ (ما) اسم
موصول، وقد حذف العائد المجرور بالإضافة، والتقدير: ما أنت باذله، ومنه
قوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} (4) فـ (ما) اسم موصول مفعول
به. وقد حذف العائد؛ لأنه مجرور بالإضافة، والتقدير: قاضيه.
ومثال المجرور بالحرف: استفد مما يستفيد العقلاء، أي: استفد مما يستفيد
منه العقلاء، فحذف العائد المجرور بالحرف. ومنه قوله تعالى:
{وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} (5) فـ (مما) : من: حرف جر. و (ما)
اسم موصول مبني على السكون في محل جر. وجملة (تشربون) صلة الموصول لا
محل لها من الإعراب، والعائد محذوف تقديره: مما تشربون منه.
5- المعرَّف بـ (ال)
__________
(1) سورة مريم، آية: 69.
(2) سورة يس، آية: 35.
(3) انظر: الكشف لمكي (2/216) والتبصرة له ص (32) .
(4) سورة طه، آية: 72.
(5) سورة المؤمنون، آية: 33.
قوله: (ثُمَّ ذو الأَدَاةِ وهِيَ أَلْ
عِنْدَ الخَلِيل وسيبَويْهِ لاَ اللاَّمُ وحْدَها خِلافاً لْلأَخْفَش،
وتَكُونُ لِلْعَهْدِ نَحْوُ: {فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ} (1) ،
وجَاءَ الْقَاضِي، أوْ لِلْجِنْس كَأَهْلَكَ النَّاسَ الدِّينَارُ
والدِّرْهُم، {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} (2) ،
أَوْ لاِسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِهِ نَحْوُ: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ
ضَعِيفًا} (3) أَوْ صِفَاتِهِ نحْوُ: زَيدٌ الرَّجُلُ) .
هذا القسم الخامس من المعارف: وهو المعرَّف بـ (ال) وقد اختلف النحويون
في حرف التعريف في مثل (الغلام) فقال الخليل بن أحمد: المعرِّف هو (ال)
أي: الحرفان معاً، والهمزة همزة قطع أصلية بدليل فتحها. وُصِلَتْ (4) ،
لكثرة الاستعمال. وهذا هو الراجح لسلامته من دعوى الزيادة. وقال سيبويه
والأخفش: المعرف هو اللام وحدها (5) والهمزة زيدت للنطق بالساكن، فلا
مدخل لها في التعريف.
و (ال) المعرفة ثلاثة أنواع:
__________
(1) سورة النور، آية: 35.
(2) سورة الأنبياء، آية: 30.
(3) سورة النساء، آية: 28.
(4) همزة الوصل: كل همز يثبت في الابتداء ويسقط في الدرج. وهمزة القطع
كل همز يثبت في أول الكلام وفي درجه. ولها بحث في آخر الكتاب إن شاء
الله.
(5) هذا هو المشهور عند النحاة وقد نص عليه ابن هشام في شرحه على
(القطر) مخالفاً ما في المتن. وذكر السجاعي في حاشيته على شرح القطر ص
(52) أن هذا قول آخر لسيبويه وهو أن حرف التعريف ثنائي. ولكن همزته
همزة وصل. معتد بها في الوضع ومثل هذا الخلاف لا يستفيد منه الطالب ولا
سيما المبتدئ، فكان على المصنف - رحمه الله - ألا يذكره. انظر: الجنى
الداني ص (138) (192) .
1-لتعريف العهد أي: تعريف ذي العهد. بمعنى:
الشيء المعهود، وهي التي تدخل على النكرة فتفيدها درجة من التعريف تجعل
مدلولها فردًا معينًا بعد أن كان مبهمًا شائعًا، والعهد ثلاثة أنواع:
(أ) عهد ذكري: وهو أن يكون مدخول (ال) تقدم له ذكر في الكلام، كقوله
تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي
زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} (1) وفائدتها:
التنبيه على أن مصحوبها هو الأول بعينه (2) .
ب- عهد ذهني: وهو أن يكون مدخول (ال) معلومًا لدى المخاطب، نحو: جاء
القاضي، إذا كان بينك وبين مخاطبك عهد في قاضٍ خاص، قال تعالى: {إِذْ
هُمَا فِي الْغَارِ} (3)
ج- عهد حضوري: وهو أن يكون مصحوب (ال) حاضراً، كقوله تعالى: {الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (4) . أي: اليوم الحاضر، وهو
يوم عرفة؛ لأن الآية نزلت فيه.
2- لتعريف الجنس. وهي التي تدخل على لفظ الجنس لبيان حقيقته الذاتية
القائمة في الذهن دون التعرض لأفراده. نحو: أهلك الناس الدينار والدرهم
أي: جنسهما، وليس المراد كل فرد. فإن من الدنانير والدراهم ما يكون
زادًا لصاحبه إلى الجنة. ومنه قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ
كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} (5) (6) أي: من هذه الحقيقة لا من كل شيء اسمه
ماء.
__________
(1) سورة النور، آية: 35.
(2) انظر مغني اللبيب ص (861) وما بعدها.
(3) سورة التوبة، آية: 40
(4) سورة المائدة، آية: 3.
(5) سورة الأنبياء، آية: 30.
(6) كل شيء: مفعول به للفعل (جعلنا) لأنه بمعنى خلقنا. و (حي) صفة لـ
(شيء) فإن كان (جعلنا) بمعنى: صيرنا. فـ (كل شيء) مفعول أول (من الماء)
مفعول ثان.
3- للاستغراق: وهي الداخلة على واحد من
الجنس لإفادة الاستغراق والشمول. وعلامتها صحة وقوع (كل) موقعها. وهي
إما لاستغراق الأفراد كقوله تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}
(1) أي: كل فرد من أفراد الإنسان ضعيف.
أو لاستغراق صفات الأفراد، نحو: خالد الرجل. أي الجامع لصفات الرجال
المحمودة. إذ لو قيل: خالد كل رجل، على وجه المبالغة والمجاز لصحَّ،
بمعنى أنه اجتمع فيه ما افترق في غيره من الرجال. ومنه قوله تعالى:
{ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} (2) أي الكتاب الكامل في الهداية
الجامع لصفات جميع الكتب المنزلة وخصائصها.
والفرق بين هذه الأقسام الثلاثة: أن العهدية يراد بمدخولها فرد معين،
والتي لتعريف الجنس يراد بمصحوبها نفس الحقيقة، لا ما تصدق عليه من
الأفراد، والتي للاستغراق يراد بمصحوبها كل الأفراد حقيقة، أو مجازا ً
(3) .
قوله: (وإبْدَالُ اللاَّم ميماً لُغَةٌ حِمْيَرِيَّةٌ) أي إبدال اللام
في (ال) المعرِّفة لغة لقبيلة حِمْيَرٍ من قبائل اليمن. فيقولون في
(الغلام) : أمغلام، وفي (الفرس) : أمفرس.
6- المضاف لمعرفة
قوله: (وَالمُضَافُ إلَى وَاحدٍ مِمَّا ذُكِرَ، وهُوَ بِحَسَبِ مَا
يُضَافُ إلَيْه إلاَّ المُضَافَ إلَى الضَّمِيرِ فَكالْعَلَمِ) .
هذا القسم السادس من أقسام المعارف. وهو النكرة المضافة لواحد من أقسام
المعرفة. فإذا أضيفت النكرة للضمير أو العلم أو اسم الإشارة أو لاسم
الموصول، ِأو المعرف بـ (ال) اكتسبت التعريف وصارت معرفة.
__________
(1) سورة النساء، آية: 28.
(2) سورة البقرة، آية: 2. والآية تقدم إعرابها في آخر اسم الإشارة.
(3) انظر: الجنى الداني ص (195) .
ورتبة المضاف في التعريف كرتبة ما أضيف
إليه، فـ (سيرةُ عمرَ - رضي الله عنه - حميدةٌ) في رتبة العلم. (وعملُ
هذا الصانِع متقن) في رتبة الإشارة (ولا تصغ إلى وعدِ مَنْ لا يفي) في
رتبة الموصول. و (عاقبةُ الصبرِ محمودة) في رتبة ذي الأداة، ولا يستثنى
من ذلك إلا المضاف إلى الضمير فليس في رتبة المضمر، وإنما هو في رتبة
العلم - على القول الصحيح الذي اختاره ابن هشام في شرح الشذور (1) -
بدليل أنك إذا قلت: مررت بخالد صاحبِك أعربت (صاحبِك) نعتاً لـ (خالد)
، وهو علم. فلو كان المضاف إلى الضمير في رتبة الضمير لكانت الصفةُ
أعرفَ من الموصوف؛ لأن الضمير أعرف من العلم، وهذا لا يجوز. فدل على أن
المضاف إلى الضمير في رتبة العلم.
والقول الثاني أن ما أضيف لمعرفة فهو في رتبتهما حتى الاسم المضاف
للضمير فهو في رتبة الضمير، وليس في رتبة العلم، لأن الأنسب أن تكون
الصفة التي سيقت للإيضاح - كما في المثال المذكور - أعرف من الموصوف
العلم. ثم إنه لا يلزم إعراب (صاحبك) صفة. بل يجوز كونه بدلاً أو عطف
بيان. وهذا القول وجيه في نظري، والله أعلم. (2)
باب المبتدأ والخبر
قوله: (المُبْتَدَأ والْخَبَرُ مَرْفُوعانِ: كالله رَبُّنا، ومُحمَّدٌ
نَبِيُّنا) .
المبتدأ قسمان:
1- مبتدأ له خبر، وهو الغالب.
2- مبتدأ له مرفوع سد مسد الخبر، وسيأتي إن شاء الله.
__________
(1) شرح الشذور ص (156) .
(2) انظر حاشية الصبان (1/107) الحاشية العصرية على شرح الشذور ص (400)
.
والمبتدأ اسم (1) في أول جملته غالباً مجرد
عن العوامل اللفظية (2) نحو: ربنا. فلفظ الجلالة اسم جاء في أول
الجملة، لم يدخل عليه عامل لفظي كحرف جر أصلي، أو فعل أو غيرهما فيكون
مبتدأ، أما نحو: في الدار رجل، فليست كلمة (الدار) مبتدأ؛ لوجود العامل
اللفظي وهو حرف الجر (في) ، وشرط المبتدأ أن يتجرد من العامل اللفظي،
فالجار والمجرور خبر مقدم. و (رجل) مبتدأ مؤخر، لأنه تجرد عن العوامل
اللفظية.
وأما الخبر فهو: المسند الذي تتم به مع المبتدأ فائدة (3) نحو: العلم
نافع. فـ (نافع) مسند تمت به مع المبتدأ وهو (العلم) فائدة. فيكون
خبراً.
وخرج بهذا التعريف فاعل الوصف - كاسم الفاعل مثلاً - نحو: أقائم خالد؟،
فإنه وإن تمت به مع المبتدأ فائدة، لكنه مسند إليه لا مسند. وخرج
بقولنا: (مع المبتدأ) . نحو انتصر. في قولك: انتصر الحق، فإنه وإن كان
مسنداً تمت به الفائدة لكن ليس مع مبتدأ، بل مع الفاعل.
__________
(1) قد يكون الاسم صريحًا وهو ما لا يحتاج في اسميته إلى تأويل وهو
الغالب نحو: الكتاب جديد، وقد يكون مؤولاً وهو المصدر المسبوك من (أن)
المصدرية نحو: (وأن تصوموا خير لكم) . أي: وصومكم خير لكم.
(2) يستثنى من العامل اللفظي حرف الجر الزائد والشبيه بالزائد فإنه
يدخل على المبتدأ فإذا قلت: هل من رجل موجود. فـ (رجل) مبتدأ مرفوع
بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. ونحو،
رب رجل قائم. رجل: مبتدأ. كما في الذي قبله. ولا أثر للحرفين (من) و
(رب) لأن المبتدأ تجرد عن العوامل الأصلية.
(3) هذا هو الأصل والغالب أن الخبر يتمم بنفسه الفائدة مع المبتدأ، لأن
المبتدأ محكوم عليه. والخبر محكوم به كما في الأمثلة. وقد يتممها
أحياناً بمساعدة لفظ آخر كالنعت في مثل قوله تعالى: {بَلْ أَنتُمْ
قَوْمٌ عَادُونَ} فإن معنى الخبر (قوم) معلوم. والذي تمم الفائدة
الأساسية هو النعت بعده.
وحكم المبتدأ والخبر الرفع. ورافع المبتدأ
عامل معنوي، وهو الابتداء. وهو وجود المبتدأ في أول الجملة لا يسبقه
شيء، ورافع الخبر عامل لفظي، وهو المبتدأ مثل: القرآن شفاء. فـ
(القرآن) مبتدأ مرفوع بالابتداء، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة (شفاء) خبر
مرفوع بالمبتدأ، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
قوله: (ويَقَعُ المُبْتَدَأُ نَكِرَةً إنْ عَمَّ أَوْ خَصَّ نَحْوُ مَا
رَجُلٌ في الدَّارِ، و {أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} (1) ، و {وَلَعَبْدٌ
مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} (2) وخَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ
الله) (3) .
الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة؛ لأن المبتدأ محكوم عليه والخبر هو
الحكم. كقولك: خالد حاضر. ولا يجوز الحكم على مجهول، لعدم الفائدة، فلا
تقول: طالب مجتهد.
ويصح وقوع المبتدأ نكرة إذا أفادت. وتحصل الفائدة بأمرين:
الأول: أن تكون النكرة عامة لكل فرد من أفراد الجنس، سواء كانت عامة
بنفسها، نحو: كلٌ يموت، أو بغيرها ... نحو: ما رجل في الدار. لأن
النكرة في سياق النفي تعم. وكقوله تعالى: {أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} (4)
لأن النكرة في سياق الاستفهام تعم. و (إله) مبتدأ (ومع الله) خبر.
الثاني: أن تكون خاصة في فرد من أفراد الجنس نحو: نومٌ مبكرٌ أفضلُ من
سهر، ومنه قوله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} (5)
فالمتبدأ (عبد) خاص؛ لأنه وُصِفَ فحصلت به فائدة ليست للعبد الذي لم
يوصف. وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: " خمس صلوات كتبهن الله "
فالمبتدأ (خمس) خاص؛ لأنه أضيف فاتضح المراد من الخمس التي كُتِبَتْ
وأنها خمس صلوات. و (كتبهن الله) خبر.
__________
(1) سورة النمل، آية: 60.
(2) سورة البقرة، آية: 221.
(3) انظر الموطأ للإمام مالك رحمه الله (1/123) .
(4) سورة النمل، آية: 60.
(5) سورة البقرة، آية: 221.
قوله: (وَالْخَبَرُ جُمْلَةٌ لَهَا رَابطٌ
كَزَيْدٌ أَبُوهُ قائمٌ، {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} (1) ،
{الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ} (2) ، وزَيْدٌ نِعْمَ الرَّجُلُ،
إِلاَّ في نحوِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3)) .
الخبر ثلاثة أنواع:
1-مفرد: وهو ما ليس جملة ولا شبه جملة، نحو: العلم نافع. المشي مفيد.
2-جملة: وهي ما تألفت من مسند ومسند إليه.
3-شبه جملة: وسيأتي.
أما الجملة فهي إما اسمية أو فعلية:
فالاسمية نحو: الإسلام رايته عالية. فـ (الإسلام) مبتدأ أول مرفوع
بالابتداء وعلامة رفعه الضمة. (رايته) مبتدأ ثان. والهاء مضاف إليه
(عالية) خبر المبتدأ الثاني مرفوع وعلامة رفعه الضمة، والجملة من
المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول. (4)
والفعلية نحو: الصدق يهدي إلى البر، فـ (الصدق) مبتدأ (يهدي) فعل
مضارع. وفاعله ضمير مستتر جوازاً تقديره: "هو" يعود إلى (الصدق)
والجملة خبر.
وإذا وقعت الجملة خبراً فلا تخلو: إما أن تكون نفس المبتدأ في المعنى
أو لا، فإن كانت نفس المبتدأ في المعنى لم تحتج إلى رابط يربطها
بالمبتدأ نحو: حديثي العملُ ثمرةُ العلمِ. فـ (حديثي) مبتدأ أول،
والياء مضاف إليه، و (العمل) مبتدأ ثان، و (ثمرة العلم) خبر المبتدأ
الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول.
__________
(1) سورة الأعراف، آية: 26.
(2) سورة الحاقة، آية: 1، 2.
(3) سورة الإخلاص، آية: 1.
(4) إذا كان الخبر جملة اسمية فلابد من اشتمال الكلام على مبتدأ أول
ومبتدأ ثان.
فهذه الجملة الواقعة خبراً عن المبتدأ
(حديثي) مطابقة له في المعنى لأن الحديث هو: العملُ ثمرةُُ العلم،
والعملُ ثمرةُ العلم هو: الحديث، ومنه قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ} (1) فـ (هو) مبتدأ. و (الله أحد) مبتدأ وخبره. والجملة خبر
المبتدأ الأول. وهي مرتبطة به لأنها نفسه في المعنى. (2)
فإن لم تكن جملةُ الخبر نفسَ المبتدأ في المعنى فلا بد فيها من رابط
يربطها بالمبتدأ، لتكون شديدة الاتصال بالمبتدأ. ولولا الرابط لكانت
أجنبية. لأن الأصل في الجملة أنها كلام مستقل. فإذا جاء الرابط عُلِمَ
أنها خبر للمبتدأ. وهذا الرابط أنواع:
1-الضمير العائد على المبتدأ. وهو أصل الروابط وأقواها، نحو: المجتهد
يفوز بغايته، فـ (المجتهد) : مبتدأ، وجملة (يفوز بغايته) خبر، والهاء
هي الرابط، ونحو: خالد أبوه قائم. فـ (خالد) مبتدأ و (أبوه قائم) مبتدأ
وخبره. والجملة خبر المبتدأ الأول والرابط الهاء قال تعالى
{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}
(3) فـ (المطلقات) مبتدأ ((يتربصن)) فعل وفاعل خبر.والرابط نون الإناث.
2-الإشارة إلى المبتدأ نحو: الاجتهاد ذلك أساس النجاح، فـ (الاجتهاد)
مبتدأ أول (ذلك أساس النجاح) مبتدأ وخبره. والجملة خبر المبتدأ الأول،
والرابط اسم الإشارة العائد على المبتدأ الأول.
__________
(1) سورة الإخلاص، آية: 1.
(2) هذا الإعراب على أن (هو) ضمير الشأن أو الحديث أو الخبر أي: الحديث
الحق الله أحد. والوجه الثاني: (هو) مبتدأ، بمعنى المسؤول عنه، لأن
المشركين قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: انسب لنا ربك؟
فأنزل الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ}
رواه الترمذي وحسنه الألباني. ولفظ الجلالة خبره و (أحد) بدل أو خبر
لمبتدأ محذوف أو خبر بعد خبر.
(3) سورة البقر، آية: 228.
ومنه قوله تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى
ذَلِكَ خَيْرٌ} (1) فـ (لباس) مبتدأ أول (التقوى) مضاف إليه. و (ذلك
خير) مبتدأ وخبره، والجملة خبر المبتدأ الأول. والرابط اسم الإشارة
العائد على المبتدأ الأول.
3-إعادة المبتدأ بلفظه. وأكثر ما يكون ذلك في مواضع التفخيم نحو
الإخلاصُ ما الإخلاصُ؟ ـ (الإخلاص) مبتدأ أول (ما الإخلاص) مبتدأ وخبر،
والجملة خبر المبتدأ الأول، ومنه قوله تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ
مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} (2) أو التهويل نحو: الحربُ ما الحربُ؟ ومنه
قوله تعالى: {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ} (3) فـ (الحاقة) مبتدأ
أول (ما الحاقة) مبتدأ وخبره، والجملة خبر المبتدأ الأول، والرابط
بينهما إعادة المبتدأ بلفظه.
4-أن يكون الرابط عمومًا يدخل تحته المبتدأ، نحو: الوفيُّ نعم الرجل،
فـ (الوفي) مبتدأ و (نعم الرجل) فعل وفاعل، والجملة خبر المبتدأ.
والرابط بينهما العموم. وذلك لأن (ال) في (الرجل) للعموم. و (الوفي)
فرد من أفراده، فدخل في العموم فحصل الربط.
قوله (وَظَرْفاً مَنْصُوباً نحْوُ: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}
(4) وجاراً ومَجْرُوراً كـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
(5) وتَعَلُّقُهُمَا بِمسْتَقرٍ أو اسْتَقَرَّ مَحْذُوفَيْنِ) .
هذا القسم الثالث من أقسام الخبر وهو شبه الجملة (6) والمراد به: الظرف
بنوعيه - الزماني والمكاني - والجار والمجرور، وشرط الإخبار بهما حصول
الفائدة.
__________
(1) سورة الأعراف، آية: 26.
(2) سورة الواقعة، آية: 27.
(3) سورة الحاقة، آية: 1، 2.
(4) سورة الأنفال، آية: 42.
(5) سورة الفاتحة، آية: 2.
(6) أطلق على الظرف والمجرور (شبه الجملة) لأنهما أشبها الجملة في
كونهما متعلقين بالفعل أو ما يشبهه وأنه لا يتم معناهما إلا بذلك.
مثال ظرف الزمان: الصومُ يومَ الخميس،
فالصوم مبتدأ (يوم) ظرف منصوب متعلق بمحذوف خبر، (الخميس) مضاف إليه.
ومثال ظرف المكان: المسجدُ أمامَ المنزل، فـ (المسجد) مبتدأ (أمام) ظرف
منصوب متعلق بمحذوف خبر، (المنزل) مضاف إليه.
ومثال الجار والمجرور: الكتاب في الحقيبة، فـ (الكتاب) مبتدأ (في
الحقيبة) جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر.
والمشهور عند النحاة أن الخبر هو المتعلَّقُ المحذوف. فيقدر فعلاً نحو
استقر، أو اسماً نحو: مستقر. (1) ومن أمثلة الظرف قوله تعالى:
{وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} (2) فـ (الركب) مبتدأ (أسفل) ظرف مكان
منصوب متعلق بمحذوف خبر تقديره (كائن) أو (مستقر) (منكم) متعلق بـ
(أسفل) ، ومن أمثلة الجار والمجرور: قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ} (3) فـ (الحمد) مبتدأ و (لله) جار ومجرور متعلق
بحذوف خبر، تقديره (كائن) أو (مُسْتَحَقٌ) (ربِّ) صفة للفظ الجلالة،
(العالمين) مضاف إليه مجرور بالياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم.
قوله: (وَلاَ يُخْبَرُ بالزَّمانِ عَنِ الذَّات، واللَّيْلَةَ
الهِلاَلُ مُتَأوَّلٌ) .
__________
(1) هناك قول آخر وهو أن الخبر الظرف والجار والمجرور، لأنهما يتضمنان
معنى صادفاً على المبتدأ فيكونان في محل رفع خبر. وهذا رأي وجيه. وفيه
تيسير ولاسيما على المبتدئين.
(2) سورة الأنفال، آية: 42.
(3) سورة الفتحة، آية: 2.
يقع اسم الزمان خبرًا عن اسم المعنى، نحو:
الصوم غدًا. ولا يقع خبرًا عن اسم الذات (1) نحو: محمد اليوم، لعدم
الإفادة. لأن من شأن الذوات الاستمرار في جميع الأزمنة المقدرة
لوجودها. فلا فائدة في الإخبار عنها بزمن مخصوص. بخلاف الأمكنة. كما
سيأتي.
وأما قولهم: (الليلةَ الهلالُ) . مما ظاهره الإخبار باسم الزمان عن اسم
الذات، فهو موؤل على حذف مضاف هو اسم معنى، أي: الليلةَ طلوعُ الهلالِ،
أو رؤية الهلال. فـ (الليلة) خبر مقدم، و (الهلال) مبتدأ مؤخر على حذف
مضاف.
وسكت المصنف - رحمه الله - عن اسم المكان لأنه يقع خبرًا عن الذات،
نحو: الكتاب أمامك. وعن اسم المعنى، نحو: الاجتماع عندك.
قوله: (وَيُغْنى عَنِ الْخَبَرِ مَرْفُوعُ وصفٍ مَعْتَمِدٍ عَلَى
اسْتِفْهَامٍ أوْ نَفْيٍ نَحْوُ: أَقاطِنٌ قوْمُ سَلْمَى، وما مَضْروبٌ
الْعَمْرانِ) .
تقدم أن المبتدأ قسمان: مبتدأ له خبر، وقد مضى الكلام عليه، ومبتدأ له
مرفوع أغنى عن الخبر. وهو المذكور هنا. (2)
والمراد به: كل وصف مستغنٍ بمرفوعه في الإفادة وإتمام الجملة، والوصف:
ما دل على معنى وصاحبه، كاسم الفاعل، واسم المفعول. وشرطه هنا: أن
يُسْبَقَ بنفي أو استفهام. على القول المشهور.
__________
(1) المراد باسم الذات هو الجسم الذي نحسه بالبصر أو بغيره من الحواس
كالإنسان والشجرة والقلم والكتاب والهلال ... واسم المعنى: هو الأمر
المفهوم غير المحسوس كالعلم والأدب والصوم ونحو ذلك.
(2) القسمان يتفقان في التجرد عن العوامل اللفظية. وأن العامل فيهما
معنوي وهو الابتداء. ويفترقان في أن المبتدأ الذي له خبر قد يكون اسمًا
صريحًا وهو الغالب وقد يكون مؤولاً - كما تقدم - أما المبتدأ المستغني
بمرفوعه فلا يكون إلا صريحًا. كما أنه لابد أن يعتمد على نفي أو
استفهام. - كما سنذكر - بخلاف الأول فلا يشترط فيه شيء من ذلك.
فمثال النفي: ما نافع الكذب، ما محبوب
المغتاب. فـ (ما) نافية و (نافع) مبتدأ و (الكذب) فاعل سد مسد الخبر، و
(ما محبوب) كالذي قبله. (المغتاب) نائب فاعل سد مسد الخبر.
ومثال الاستفهام: أحاضر الضيف؟ أمكتوب الواجب؟، ومنه قوله الشاعر:
أقاطنٌ قومُ سلمى أم نووا ظَعَنَا ……إن يظعنوا فعجيبٌ عيشُ من قَطَنَا
(1)
فـ (قاطن) مبتدأ. (قوم) فاعل سد مسد الخبر. وقد اعتمد على الاستفهام
وهو الهمزة.
ومثل المصنف بمثالين، لبيان أنه لا فرق بين أن يكون الوصف رافعًا
للفاعل، أو لنائب الفاعل (2) .
قوله: (وَقَدْ يَتَعَدَّدُ الْخَبَرُ نحْوُ: {وَهُوَ الْغَفُورُ
الْوَدُودُ} (3)) .
يجوز تعدد الخبر لمبتدأ واحد، لأن الخبر وصف للمبتدأ في المعنى، والنعت
يجوز تعدده، فكذا ما هو بمنزلته. والتعدد نوعان:
__________
(1) أقاطن: أي أمقيم. من قطن: إذا أقام، ظعنا: بفتح الظاء والعين هو
الارتحال. وقوله: (إن يظعنوا ... إلخ) أي أنه لا يطيق الحياة بعد
ارتحالهم.
إعرابه: (أقاطن قوم سلمى) أعرب في الأصل. (أم) حرف عطف (نووا) فعل ماض
مبني على فتح مقدر على آخره المحذوف للتخلص من التقاء الساكنين، منع من
ظهوره التعذر، والواو فاعل. (ظعنا) مفعول به (إن) حرف شرط جازم
(يظعنوا) فعل مضارع فعل الشرط مجزوم وعلامة جزمه حذف النون. والواو
فاعل. (فعجيب) الفاء واقعة في جواب الشرط و (عجيب) خبر مقدم (عيش)
مبتدأ مؤخر. وهو مضاف و (من) اسم موصول مضاف إليه مبني على السكون في
محل جر (قطنا) فعل ماض مبني على الفتح. والألف للإطلاق. والفاعل ضمير
مستتر جوازاً تقديره (هو) يعود على (من) والجملة لا محل لها صلة. وجملة
المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط.
(2) ضابط ذلك: أنه إن كان الوصف اسم فاعل فما بعده فاعل. وإن كان اسم
مفعول فما بعده نائب فاعل.
(3) سورة البروج، آية: 14.
1-أن يتعدد لفظاً ومعنى. وعلامة هذا النوع
صحة الإخبار بكل خبر على انفراده. نحو: معهدُنا علميٌّ أدبيٌ، ومنه
قوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} (1) فـ (هو) مبتدأ و
(الغفور) خبر أول و (الودود) خبر ثان، وقد تعدد الخبر في اللفظ
والمعنى. وإذا استعمل هذا النوع بالعطف جاز اتفاقًا.
2-أن يتعدد لفظًا لا معنى، وعلامة هذا النوع عدم صحة الإخبار بكل خبر
على انفراده، لقيام الخبر المتعدد مقام خبر واحد نحو: هذا البرتقال
حلوٌ حامض. أي متوسط بين الحلاوة والحموضة، ولا يجوز الإخبار بكل خبر
على انفراده؛ لأنه لا يتم المعنى المراد، ولا يجوز العطف؛ لأن المجموع
بمنزلة الخبر الواحد في المعنى.
قوله: (وَقَدْ يَتَقَدَّمُ نحْوُ: في الدَّار زَيْدٌ، وأَيْنَ زَيْدٌ)
.
اعلم أن الأصل تأخر الخبر عن المبتدأ؛ لأنه وصف له في المعنى، فاستحق
التأخير كالوصف. وقد يتقدم على المبتدأ إما جوازاً وإما وجوباً.
أما التقدم الجائز فضابطه: ألا يوجد في الكلام ما يوجب التقدم ولا ما
يوجب التأخر. نحو: في الدار زيد. بتقديم الخبر، ويجوز تأخره على الأصل،
نحو: زيد في الدار.
وأما التقدم الواجب ففي أربعة مواضع:
1-أن يكون المبتدأ نكرة ليس لها مسوِّغ إلا تقدم الخبر، وهو ظرف أو جار
ومجرور، نحو: في الإيجاز بلاغةٌ، عندي ضيفٌ. ولو أخر الخبر فقيل:
بلاغةٌ في الإيجار، ضيفٌ عندي، لتوهم السامع أنه صفة لا خبر، لأن
النكرة أحوج إلى الصفة منها إلى الخبر، ولبقي ينتظر الخبر.
فإن كان للنكرة مسوِّغ جاز التقديم والتأخير، نحو: رجلٌ عالمٌ عندي،
ويجوز: عندي رجلٌ عالمٌ.
2-أن يكون في المبتدأ ضمير يعود على بعض الخبر، نحو: لِمجالس العلم
روادها، فالضمير في المبتدأ (روادها) يعود على بعض الخبر، وهو كلمة
(مجالس) ، ولو أخر الخبر لعاد الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وهو ممنوع
هنا.
__________
(1) سورة البروج، آية: 14.
3-أن يكون الخبر له صدر الكلام في جملته
(1) نحو: أين زيد (2) ؟ فـ (أين) خبر مقدم (زيد) مبتدأ مؤخر.
4-أن يكون الخبر محصورًا بـ (إنما) أو بـ (إلا) نحو: إنما القائد خالد،
ما الهادي إلا الله، ففي الأول: قصرُ صفة القيادة على خالد، فالمحكوم
عليه هو (خالد) وهو المتأخر والمحكوم به وهو صفة القيادة هو المتقدم،
فـ (إنما) أداة حصر (القائد) خبر مقدم (خالد) مبتدأ مؤخر، وفي الثاني:
قصرُ صفةِ الهداية على الله تعالى، فـ (ما) نافية (الهادي) خبر مقدم.
(إلا) أداة حصر (الله) مبتدأ مؤخر.
قوله: (وَقَدْ يُحْذَفُ كُلٌّ مِنَ المُبْتَدَأ والْخَبرِ نَحْوُ:
{سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} (3) أَيْ عَلَيْكُمْ أَنْتُمْ) .
بحذف كل من المبتدأ والخبر إذا دل عليه دليل، ولم يتأثر المعنى بحذفه.
فمثال حذف الخبر أن يقال: من عندك؟ فتقول: خالد. التقدير: خالد عندي،
ومنه قوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا}
(4) فـ (ظلها) مبتدأ، وخبره محذوف دل عليه ما قبله، أي: وظلها دائم.
وأما حذف المبتدأ فيكثر في المواضع الآتية:
__________
(1) الألفاظ التي لها الصدارة هي: أسماء الاستفهام والشرط و (ما)
التعجبية و (كم) الخبرية فإذا وقعت مبتدأ وجب تقديمه. وما وقع منها
خبرًا وجب تقديمه أيضًا.
(2) الذي يميز اسم الاستفهام الواقع مبتدأ أو خبراً هو جواب الاستفهام
فإذا قيل في الجواب: زيد في المسجد. فـ (في المسجد) تقابل (أين) فدل
على أنها خبر.
(3) سورة الذاريات، آية: 25.
(4) سورة الرعد، آية: 35.
1-في جواب الاستفهام، نحو: كيف الحال؟
فتقول: حسن. التقدير: الحال الحسن. ومنه قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ
مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} (1) أي: هي نار الله.
2-بعد (فاء) الجزاء، نحو: من أخلص في عمله فلنفسه. أي: فإخلاصه لنفسه.
ومنه قوله تعالى: {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ
فَعَلَيْهَا} (2) أي فالإبصارُ لنفسه، والعمى عليها.
3-بعد القول، كقوله تعالى: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ
اكْتَتَبَهَا} (3) أي: هو أساطير الأولين.
وقد اجتمع حذف كل منهما وبقاء الآخر في قوله تعالى: {سَلَامٌ قَوْمٌ
مُنْكَرُونَ} (4) ، فـ (سلام) مبتدأ حذف خبره، أي: سلام عليكم. و (قوم)
خبر حذف مبتدؤه، أي: أنتم قوم.
قوله: (وَيَجِبُ حَذْفُ الْخَبَرِ قَبْلَ جَوَابَيْ لَوْلاَ،
والْقِسَمِ الصَّرِيحِ، والْحَالِ المُمْتَنِع كَوْنُها خَبَراً،
وبَعْدَ وَاوِ المُصَاحَبَةِ الصَّرِيحَةِ نَحْوُ: {لَوْلَا أَنْتُمْ
لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} (5) ، ولَعُمْرُكَ لأَفْعَلَنَّ، وضَرْبِي
زَيَداً قائماً، وكُلُّ رَجُلٍ وضَيْعَتُهُ) .
يجب حذف خبر المبتدأ في أربع مسائل:
__________
(1) سورة الهمزة، آية: 4، 5 و (ما) اسم استفهام مبتدأ و (أدري) فعل
ماضٍ مبني على الفتح مقدر على الألف للتعذر، والكاف ضمير متصل مبني على
الفتح في محل نصب مفعول به أول، وفاعله ضمير مستتر جوازاً تقديره (هو)
يعود على (ما) ، والجملة خبر المبتدأ. وجملة (ما الحطمة) في محل نصب
مفعول به ثانٍ للفعل (أدراك) .
(2) سورة الأنعام، آية: 104.
(3) سورة الفرقان، آية: 5.
(4) سورة الذاريات، آية: 25.
(5) سورة سبأ، آية: 31.
1-أن يكون الخبر قبل جواب (لولا)
الامتناعية. وهي الدالة على امتناع الثاني لوجود الأول، نحو: لولا
الهواءُ ما عاش مخلوق. فحذف الخبر وهو لفظ (موجود) لوقوعه قبل جواب
(لولا) إذ التقدير: لولا الهواء موجود ما عاش مخلوق. ومنه قوله تعالى:
{لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} (1) ، فـ (أنتم) مبتدأ،
والخبر محذوف أي: صددتمونا. بدليل {أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ} (2) .
2-أن يكون الخبر قبل جواب القسم الصريح. وهو ما يعلم بمجرد لفظه كون
الناطق به مقسماً نحو: لعمر الله (3) لأنصرن المظلوم، فـ (اللام)
للابتداء (عمر الله) مبتدأ ومضاف إليه، والخبر محذوف وجوباً تقديره:
قسمي.
فإن لم يكن القسم صريحًا بأن غلب استعماله في غير القسم لم يجب الحذف،
نحو: عهدُ الله لأفعلن الخير، أي: عهدُ الله عليَّ. فهذا ليس بصريح في
القسم، بل هو محتمل قبل الإتيان بالجواب. إذ يصح أن يقال: عهدُ الله
يجب الوفاء به، فلا يكون قسمًا.
__________
(1) سورة سبأ، آية: 31.
(2) التمثيل بهذه الآية للحذف الواجب فيه نظر. لأن الخبر كون خاص وهو
(صددتمونا) دل عليه دليل (أنحن صددناكم) وحذف الخبر للدليل جائز لا
واجب. فالأولى التمثيل بما يكون فيه الخبر كوناً عاماً كقوله تعالى:
{وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} وقد تقدم في
باب الموصول معنى الكون العام والكون الخاص.
(3) العمر، بضم العين وفتحها، هو البقاء والحياء. ولا يستعمل مع لام
الابتداء إلا مفتوحًا؛ لأن القسم موضع التخفيف لكثرة استعماله.
3-أن يكون الخبر قبل حال لا تصلح خبرًا
نحو: ضربي زيدًا قائمًا. فـ (ضربي) مبتدأ، والياء مضاف إليه. و (زيدًا)
مفعول به للمصدر. و (قائمًا) حال من (زيد) والخبر ظرف محذوف مع جملة
فعلية بعده أضيف إليها. والتقدير: ضربي زيدًا إذا كان قائماً [في
المستقبل] وتقدر (إذ) في الماضي. و (كان) تامة. وهذه الحال لا تصلح
خبرًا؛ لأن الخبر وصف للمبتدأ في المعنى، والضرب لا يوصف بالقيام.
4-إذا وقع الخبر بعد واو المصاحبة الصريحة، وهي التي يصح حذفها
وَوَضْعُ كلمةِ (مَعَ) موضعَها. فلا يتغير المعنى بل يتضح نحو: كلٌّ
رجلٍ وضيعتُه (1) فـ (كل) مبتدأ و (رجل) مضاف إليه و (ضيعته) معطوف على
المبتدأ، والخبر محذوف، أي: مقترنان، وإنما حذف للعلم به، ولأن العطف
يسد مسده.
فإن لم تكن الواو للمصاحبة بل لمجرد التشريك في الحكم لم يحذف الخبر
وجوبًا، نحو خالد وعاصم متباعدان. وكذا إن كانت للمصاحبة ولكنها ليست
صريحة، نحو: الرجل وجاره مقترنان. وإنما لم تكن صريحة لأن الجار لا
يلازم جاره، ولا يكون معه في الأوقات كلها أو أكثرها.
باب كان وأخواتها
قوله: (النَّواسِخُ لِحُكْم المُبَتَدأ والْخَبرِ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ.
أَحَدُهَا كَانَ وأَمْسى وأَصْبَحَ وأَضَحْى وظَلَّ وبَاتَ وصَارَ
ولَيسَ ومَا زَالَ ومَا فَتِئَ ومَا انْفَكَّ ومَا بَرِحَ ومَا دَامَ،
فَيَرْفَْعنَ المُبَتَدأَ اسْماً لَهُنَّ ويَنْصِبْنَ الْخَبَرَ
خَبَراً لَهُنَّ نحْوُ: {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} (2)) .
لما فرغ ابن هشام - رحمه الله - من الكلام على المبتدأ والخبر ذكر
النواسخ، وهي جمع ناسخ. والنسخ في اللغة يطلق على الإزالة، يقال: نسخت
الشمس الظل: أزالته. فسميت بذلك لأنها تزيل حكم المبتدأ والخبر وتغيره.
وهي من حيث العمل ثلاثة أنواع:
__________
(1) الضيعة: بضاد معجمة: الحرفة والصناعة.
(2) سورة الفرقان، آية: 54.
1-ما يرفع المبتدأ وينصب الخبر. وهو "كان
وأخواتها"، وما حمل على (ليس) من الحروف النافية، وأفعال المقاربة (1)
.
2-ما ينصب المبتدأ ويرفع الخبر. وهو إن وأخواتها. ولا النافية للجنس.
3-ما ينصبهما معاً، وهو ظن وأخواتها.
فـ (كان) وأخواتها ترفع المبتدأ ويسمى اسمها، وتنصب الخبر ويسمى خبرها،
وقد ذكر المؤلف منها ثلاثة عشر فعلاً، وهي ثلاثة أقسام:
(أ) ما يعمل هذا العمل بلا شرط، وهو ثمانية أفعال:
1-كان: ويفيد اتصاف الاسم بالخبر في الماضي مع الانقطاع نحو: كان الجو
صحواً، أو مع الاستمرار، نحو قوله تعالى: {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا}
(2) فـ (كان) فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر، (ربك) اسمها مرفوع
بها، والكاف مضاف إليه (قديراً) خبرها منصوب بها.
2-أمسى: ويفيد اتصاف الاسم بالخبر في وقت المساء نحو: أمسى الجو
باردًا.
3-أصبح: ويفيد اتصاف الاسم بالخبر في وقت الصباح نحو: أصبح الساهر
متعبًا.
4-أضحى: ويفيد اتصاف الاسم بالخبر في وقت الضحى نحو: أضحى الطالب
نشيطاً.
5-ظل: ويفيد اتصاف الاسم بالخبر في جميع النهار غالبًا نحو: ظل الجوُّ
حارًا.
6-بات: يفيد اتصاف الاسم بالخبر في وقت البيات وهو الليل نحو: بات
الحارس ساهراً.
7-صار: يفيد تحول الاسم من حالته إلى الحالة التي يدل عليها الخبر نحو:
صار الحديد بابًا.
__________
(1) لم يذكر ابن هشام - رحمه الله - أفعال المقاربة في القطر.
(2) سورة الفرقان، آية: 54.
8-ليس: يفيد نفي الخبر عن الاسم في الزمن
الحالي عند الإطلاق (1) نحو: ليست المكتبة مفتوحة.
(ب) ما يعمل بشرط أن يتقدمه نفي أو نهي أو دعاء وهو أربعة: (زال، وبرح
وفتئ وانفك) فمثال النفي: لا يزال البرد قارساً، فـ (لا) نافية و
(يزال) فعل مضارع يرفع الاسم وينصب الخبر (البرد) اسمها (قارساً)
خبرها.
ومثال النهي: لا تفتأ محسنًا إلى الفقراء. فـ (لا) ناهية (تفتأ) فعل
مضارع يرفع الاسم وينصب الخبر مجزوم. واسمه ضمير مستتر وجوبًا تقديره:
أنت (محسنًا) خبر (تفتأ) (إلى الفقراء) متعلق بالخبر.
ومثال الدعاء: لا زال بيتكم عامرًا بطاعة الله، فـ (لا) دعائية (زال)
فعل ماض يرفع الاسم وينصب الخبر (بيتكم) اسمها والكاف مضاف إليه،
والميم علامة الجمع (عامرًا) خبرها.
وهذه الأربعة تدل على ملازمة الخبر للاسم ملازمة مستمرة لا تنقطع. أو
مستمرة إلى وقت الكلام ثم تنقطع بعد وقت طويل أو قصير. فالأول نحو: ما
زال الأدب حلية طالب العلم. ومثال الثاني: لا يزال الخطيب يتكلم.
__________
(1) المراد بالإطلاق عدم وجود قرينة تدل على أن النفي واقع في الزمن
الماضي، أو المستقبل كالمثال المذكور. فإن معناه: نفي فتح المكتبة
الآن، وهو زمن المتكلم. فإن وجد قرينة تدل على أن النفي واقع في الماضي
أو المستقبل عمل بها نحو: ليس خالد مسافراً أمس، أو غدا. وقد تكون
للنفي المجرد من الزمن كقول العرب: ليس الإنسان الصورة إنما الإنسان
العقل.
(ج) ما يعمل بشرط أن تتقدمه (ما) المصدرية
الظرفية، وهو (دام) ومعنى المصدرية: أنها تقدر بالمصدر وهو الدوام.
والظرفية: لنيابتها عن الظرف وهو (مدة) ، ومثالها: لا أصحبك ما دمت
منحرفًا. فـ (ما) مصدرية ظرفية. و (دام) فعل ماض ناقص. والتاء اسمها. و
(ما) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بإضافة ظرف الزمان، والتقدير:
مدة دوامك، ولما حذف الظرف نابت (ما) وصلتها منابه فاستحقت إعرابه. فهي
في محل نصب (منحرفاً) خبر (ما دام) .
ومعنى (ما دام) : استمرار المعنى الذي قبلها مدة محدودة، هي مدة ثبوت
معنى خبرها لاسمها، فنفي الصحبة في المثال السابق، يدوم بدوام وقت معين
محدود هو: مدة الانحراف.
قوله: (وقَدْ يَتَوَسَّطُ الْخَبرُ نحْوُ: * فَلَيْسَ سَوَاءً عالِمٌ
وجَهُولٌ *) .
قد يتوسط الخبر- في هذا الباب- بين الاسم والفعل مع جميع الأفعال، وهذا
التوسط نوعان:
1-توسط جائز: إذا لم يوجد ما يوجب التوسط
ولا ما يوجب التأخر (1) نحو: كان الخطيب مؤثرًا. أو كان مؤثرًا الخطيب.
ومن ذلك قوله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}
(2) فـ (حقاً) خبر (كان) مقدم (نصر المؤمنين) اسمها مؤخر. ومضاف إليه،
ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا
السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ} (3) فقد قرأ الكوفيون (4)
وابن عامر بنصب (عاقبة) على أنه خبر مقدم لـ (كان) و (السُّوأى) اسمها
مؤخر على أحد الأعاريب. والتقدير: (ثم كانت السوأى (5) عاقبة الذين
أساءوا) . ومنه أيضًا قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا
وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} (6) فقد قرأ حمزة وحفص
- من السبعة - بنصب (البرَّ) على أنه خبر (ليس) مقدم، والمصدر المؤول
من (أن تولوا) اسمها مؤخر، أي: ليس البرَّ تولية وجوهِكم، وقرأ الباقون
برفع (البر) على أنه اسم (ليس) والخبر هو المصدر المؤول، ومنه - أيضاً
- قول الشاعر:
__________
(1) وجوب التوسط سيذكر قريبًا إن شاء الله. وأما وجوب التأخر فمن
مواضعه عدم تميز الاسم من الخبر لكون الإعراب مقدراً نحو: كان شريكي
أخي. فـ (شريكي) اسم (كان) و (أخي) هو الخبر، ولا يجوز تقديمه على
الاسم لوقوع اللبس. وفرق بين الجملتين.
(2) سورة الروم، آية: 47.
(3) سورة الروم، آية: 10.
(4) الكوفيون هم: عاصم بن أبي النجود (م 127هـ) وحمزة بن حبيب الزيات
(م 156) وعلي بن حمزة الكسائي (م 189) . وأما ابن عامر وهو عبد الله بن
عامر فهو شامي (م 118) وبقية السبعة نافع بن عبد الرحمن المدني (م 169)
وعبد الله بن كثير المكي (م 120) وأبو عمرو بن العلاء البصري (م154)
وهؤلاء قرأوا بالرفع.
(5) السوأى: جهنم. والحسنى: الجنة.
(6) سورة البقرة، آية: 117.
سلي إن جهلتِ الناسَ عنا وعنهمُ ……فليس
سواءً عالمٌ وجهولُ (1)
فـ (سواءً) خبر (ليس) مقدم. و (عالمٌ) اسمها مؤخر.
وقوله (وقَدْ يَتَوَسَّطُ) يفيد أن الأصل تأخر الخبر، وتوسطه جائز.
2-توسط واجب: وذلك في موضعين:
الأول: أن يكون الخبر محصوراً في الاسم نحو: ما كان مستفيدًا إلا
المجدُّ.
الثاني: أن يتصل بالاسم ضمير يعود على بعض الخبر نحو: كان في الفصل
طلابُه، وقد تقدم إيضاح ذلك في باب المبتدأ والخبر.
قوله: (وقَدْ يَتَقَدَّمُ الْخَبَرُ إلاَّ خَبَرَ دَامَ ولَيْسَ) .
قد يتقدم الخبر على الاسم والفعل، وهذا التقدم نوعان:
1-تقدم جائز نحو: كان الجو باردًا. فتقول: باردًا كان الجو.
2-تقدم واجب. كأن يكون الخبر اسماً واجب الصدارة كأسماء الاستفهام نحو:
أين كان الغائب؟ فـ (أين) اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب خبر
(كان) مقدم (الغائب) اسمها مؤخر. ومنه قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا
فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ} (2) فـ (كيف) اسم استفهام في محل نصب خبر مقدم لـ (كان) و
(عاقبة) اسمها.
__________
(1) إعرابه: (سلي) فعل أمر مبني على حذف النون. وياء المخاطبة: فاعل.
(إن) حرف شرط جازم (جهلت) فعل وفاعل. وهو فعل الشرط وجوابه محذوف دل
عليه السياق. (الناس) مفعول به لـ (سلي) (عنا) جار ومجرور متعلق بـ
(سلي) (وعنهم) معطوف على المجرور السابق (فليس) الفاء للتعليل (ليس)
فعل ماض ناقص (سواء) خبر مقدم لـ (ليس) (عالم) اسم ليس مؤخر (وجهول)
معطوف عليه.
(2) سورة الروم، آية: 9.
ولا يستثنى من أفعال هذا الباب إلا (دام،
وليس) ، أما (دام) فلا يجوز تقدم الخبر على (ما) المتصلة بها، فلا
تقول: لا أصحبك منحرفًا ما دمت، وعللوا لذلك بأن تقديم الخبر على (ما)
يقتضي تقديم بعض الصلة على الموصول؛ لأن (ما) مصدرية. فهي موصول حرفي
وما بعده صلة له، فلو قدم الخبر لزم منه تقدم بعض أجزاء الصلة، وهذا لا
يجوز (1) . وأما تقدمه على (دام) وحدها فالظاهر الجواز، تقول: لا أصحبك
ما منحرفاً دمت.
وأما (ليس) فقد وقع الخلاف في جواز تقديم خبرها عليها. والمنع أرجح؛
لأن ذلك لم يرد في لسان العرب.
قوله: (وتختَصُّ الْخَمْسَةُ الأُوَلُ بُمَرادَفَةِ صَارَ) .
تختص الخمسة الأول من أفعال هذا الباب وهي: كان. أمسى. أصبح. أضحى. ظل.
بمرادفة (صار) فتستعمل فيما يدل على التحول والانتقال نحو: احترق الخشب
فكان ترابًا،
__________
(1) انظر: شرح الأشموني بحاشية الصبان (1/233) .
ومنه قوله تعالى: {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ
فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا
(20) } (1) أي: (صارت) ؛ لأن المعنى يقتضي هذا. وتقول: أصبح الكتاب
مبذولاً، وإنما كانت بمعنى (صار) لأن المراد ليس مقصوراً على وقت
الصباح، ومنه قوله تعالى: {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}
(2) وتقول: شرحت له باب (الفاعل) فأمسى واضحاً، وإنما كانت بمعنى (صار)
لأن المراد ليس مقيداً بوقت المساء، وتقول: أضحى طلب العلم ميسورًا؛
لأن المراد ليس مقيداً بوقت الضحى. ومثال (ظل) : قوله تعالى: {وَإِذَا
بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ
كَظِيمٌ (58) } (3) وإنما كانت بمعنى صار، لأن وجهه لم يكن مسودًا قبل
البشرى، وإنما تحول إلى السواد بعد ولادة البنت.
قوله: (وغَيرُ لَيْسَ وفَتئَ وزَالَ بجَوَاز التَّمام أي:
الاسْتِغْنَاء عَن الْخَبر نحْوُ: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ
فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (4) ، {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ
تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) } (5)
{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} (6)) .
__________
(1) سورة النبأ، آية: 19، 20.
(2) سورة آل عمران، آية: 103.
(3) سورة النحل، آية: 58. وقيل: إنّ (ظلَّ) على بابها [انظر: تفسير
البحر المحيط (5/488) ] .
(4) سورة البقرة، آية: 280.
(5) سورة الروم، آية: 17.
(6) سورة هود، آية: 107.
تختص غير (ليس، زال، فتئ) من أفعالها هذا
الباب بجواز استعمالها تامة. ومعنى التمام: أن تستغنى بمرفوعها عن
الخبر فتكون كغيرها من الأفعال التامة. ويعرب فاعلاً، نحو: إذا كان
الشتاء فاجتهد في الصدقة. فـ (كان) فعل ماض تام بمعنى: جاء، و (الشتاء)
فاعل، ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى
مَيْسَرَةٍ} (1) فـ (ذو عسرة) فاعل (كان) وقوله تعالى: {فَسُبْحَانَ
اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} (2) أي تدخلون في
المساء، و (تمسون) فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو فاعل، ومثله
(تصبحون) . وقوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ
وَالْأَرْضُ} (3) أي ما بقيت و (السموات) فاعل، وقوله تعالى: {أَلَا
إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} (4) أي: ترجع، و (الأمور) فاعل،
وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى
أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} (5) فقوله:
(لا أبرح) أي: لا أذهب. والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره: أنا. وتقول:
أضحينا. أي دخلنا في الضحى. و (نا) فاعل: وبات بالقوم، أي: نزل بهم
ليلاً، والفاعل ضمير مستتر، وتقول: لو ظل الظلم هلك الناس. فـ (ظل)
بمعنى دام. وتقول: فككت حلقات السلسلة فانفكت، أي: انفصلت، والفاعل
ضمير مستتر جوازًا تقديره (هي) .
هذا هو المراد بالتمام في هذا الباب.
__________
(1) سورة البقرة، آية: 280.
(2) سورة الروم، آية: 17.
(3) سورة هود، آية: 107.
(4) سورة الشورى، آية: 53.
(5) سورة الكهف، آية: 60.
وأما النقصان - الذي هو الأصل فيها -
فمعناه احتياج هذه الأفعال إلى منصوب، إذ لا يتم معناها بذكر مرفوعها
فقط، فإذا قلت: كان خالد. لم تدل إلا على الوجود المطلق الذي هو ضد
العدم؟، وهذا غير مراد ولا مطلوب، فإذا جاء الخبر، وقلت: كان خالد
مسافرًا، تحدد المعنى. وتم المراد.
وأما (زال وفتئ وليس) فهي ملازمة للنقصان، فلا تستعمل تامة كما تقدم.
والمراد (زال) التي مضارعها (يزال) ، أما (زال) التي مضارعها (يزول)
فهي تامة، وليست من أفعال هذا الباب، نحو: صلاة الظهر إذا زالت الشمس.
قوله: (وكانَ بِجَوَازِ زِيَادَاتِها مُتَوَسِّطَةً نحْوُ: ما كان
أَحْسَنَ زَيْداً) .
هذا معطوف على ما تقدم أي: وتختص كان عن باقي أخواتها بأحكام خاصة، وقد
ذكر منها ابن هشام أربعة:
الأول: جواز زيادتها، ومعنى زيادتها أنها غير عاملة، وأن الكلام يستغني
عنها، ولا ينقص معناه بحذفها، وتزاد لإفادة التوكيد وتقوية الكلام،
وعلى هذا فـ (كان) الزائدة غير (كان) الناقصة و (كان) التامة، وقد
مضتا، وشرط زيادتها أمران:
1-أن تكون بلفظ الماضي.
2-أن تكون متوسطة بين شيئين متلازمين، كالمبتدأ والخبر نحو: (الكتابُ
كان مفيدٌ) ، وبين (ما) وفعل التعجب نحو: (ما كان أحسن زيدًا) فـ (ما)
تعجيبة مبتدأ و (كان) زائدة، و (أحسن) فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر
وجوباً تقديره: هو، يعود على (ما) و (زيدًا) مفعول به، والجملة خبر.
قوله: (وحَذْفِ نُونِ مُضَارِعَها المَجْزُومِ وصْلاً إنْ لَمْ
يَلْقَهَا سَاكِنٌ ولاَ ضَمِيرُ نَصْبٍ مُتَّصِلٌ) .
الثاني: مما تختص به كان: جواز حذف نون مضارعها، وذلك بخمسة شروط:
1-أن يكون المضارع مجزومًا، فلا حذف في نحو: من تكونُ له الجائزة؟ لعدم
الجزم.
2-أن يكون الجزم بالسكون، ولم يذكره المصنف، لأنه الأصل والمتبادر عند
الإطلاق، فلا حذف في نحو: إن تأخرتم لم تكونوا مستفيدين، لأن الجزم ليس
بالسكون، وإنما بحذف النون.
3-أن لا يقع بعد النون ضمير نصب متصل،
بخلاف قوله - صلى الله عليه وسلم -: لعمر - رضي الله عنه - في شأن ابن
صياد "إن يَكُنْهُ فلن تسلط عليه، وإن لا يكنه فلا خير لك في قتله" (1)
فلا يجوز حذف النون، لأن بعدها ضمير نصب متصل، وهو الهاء.
4-أن لا يقع بعدها ساكن، بخلاف قولك (لم يكن الجوُّ صحوًا) فلا تحذف
النون لوقوع الساكن بعدها، وهو لام التعريف.
5-أن يكون ذلك في حالة الوصل، فلا تحذف حال الوقف نحو (لم أكن) ؛ لأن
النون في حالة الوقف ترجع وتظهر.
والمثال: (لم يكُ طالبُ العلم مقصرًا) وقال تعالى: {وَلَمْ يَكُ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ} (2) وقال تعالى عن مريم: {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} (3)
فقوله (ولم يك) أصله: لم يكوْنْ، فهو مجزوم بالسكون على النون، فالتقى
ساكنان: الواو والنون، فحذفت الواو للتخلص من التقائهما، فصار: لم
يكنْ، ثم حذفت النون تخفيفاً، فـ (لم يك) (لم) حرف نفي وجزم وقلب، و
(يك) فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة للتخفيف.
قوله (وحَذْفِها وحْدَهَا مُعَوِّضاً عَنَها (مَا) في مِثْل: أمَّا
أَنْتَ ذَا نَفَرٍ، ومَعَ اسْمِهَا في مِثْلِ: إِنْ خيراً فَخَيرٌ،
والْتَمِسْ ولَوْ خاتَماً مِنْ حَديدٍ) .
الثالث: مما تختص به (كان) : جواز حذفها وبقاء اسمها وخبرها. وذلك بعد
(أن) المصدرية، في كل موضع: أريد فيه تعليل شيء بشيء.
__________
(1) تقدم معنى هذا الحديث في بحث الضمير.
(2) سورة النحل، آية: 120.
(3) سورة مريم، آية: 20.
مثال ذلك: أمَّا أنت غنياً فتصدق. والأصل:
تصدق لأن كنت غنيًا، فقدمت اللام: وما بعدها على (تصدق) للاختصاص. ثم
حذفت اللام للاختصار والتخفيف، فصار: أن كنت غنيًا، ثم حذفت (كان)
للاختصار، فانفصل الضمير فصار: أن أنت غنيًا: ثم أتى بـ (ما) الزائدة
عوضاً عن (كان) ثم أدغمت النون في الميم فصار: أما أنت غنيًا، فـ (أما)
عبارة عن (أن) المصدرية. المدغمة في (ما) و (أنت) اسم لكان المحذوفة و
(غنيًا) خبرها ومثله قول الشاعر:
(1) أبا خراشة أما أنت ذا نفر …فإن قومي لم تأكلهم الضبع (1)
والأصل: فَخَرْتَ عليَّ لأن كنت ذا نفر. فعمل فيه ما ذكرنا.
الرابع مما تختص به (كان) : جواز حذفها مع اسمها وبقاء خبرها وذلك بعد
(إن) و (لو) الشرطيتين. نحو: المرء محاسب على عمله إن خيرًا فخير وإن
شرًا فشر. فـ (خيرًا) خبر لكان المحذوفة مع اسمها و (فخير) خبر لمبتدأ
محذوف. والتقدير إن كان عمله خيرًا فجزاؤه خير، وإن كان عمل شرًا
فجزاؤه شر.
__________
(1) أبا خراشة: كنية المخاطب بهذا البيت. (ذا نفر) أي: جماعة (الضبع)
المراد هنا السنوات المجدبة.
…إعرابه: أبا خراشة: منادي بحرف نداء محذوف. منصوب بالألف، لأنه من
الأسماء الستة، وهو مضاف و (خراشة) مضاف إليه مجرور بالفتحة، لأنه لا
ينصرف للعلمية والتأنيث (أما أنت ذا نفر) أعربت في الأصل. (فإن) الفاء
للتعليل و (إن) حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر (قومي) اسم
(إن) منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم. والياء مضاف إليه (لم)
حرف نفي وجزم وقلب. (تأكلهم) فعل مضارع مجزوم بالسكون والهاء: مفعول به
ضمير متصل في محل نصب والميم: علامة الجمع (الضبع) فاعل (تأكل) والجملة
في محل رفع خبر (إن) .
ومثال الحذف بعد (لو) قوله - صلى الله عليه
وسلم -: (التمس ولو خاتمًا من حديد) (1) فـ (خاتمًا) خبر (كان)
المحذوفة مع اسمها، والتقدير: ولو كان الملتمس خاتَماً من حديث.
الحروف العاملة عمل (ليس)
قوله: (وَمَا النَّافِيَةُ عِِنْدَ الحِجازِيِّينَ كلَيْسَ إنْ
تَقَدَّمَ الاسم ولَمْ يُسْبَقْ بِإنْ ولاَ بِمَعْمُول الْخَبر إلاَّ
ظَرْفاً، أوْ جاراً ومجْروراً، ولا اقْتَرَنَ الْخَبرُ بِإلاَّ نحْوُ:
{مَا هَذَا بَشَرًا} (2)) .
اعلم أنهم أجروا ثلاثة أحرف من حروف النفي مُجْرَى (ليس) في رفع الاسم
ونصب الخبر، وهي: (ما) و (لا) و (لات) ، ولكل منها كلام يخصها.
والكلام الآن في (ما) وهي حرف يفيد نفي المعنى عن الخبر في الزمن
الحالي عند الإطلاق (3) وإعمالها عمل (ليس) لغة الحجازيين وبها جاء
التنزيل، قال تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} (1) ، وقال تعالى: {مَا هُنَّ
أُمَّهَاتِهِمْ} (4) ، فـ (ذا) اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع
اسم (ما) و (بشرًا) خبرها منصوب، و (هن) ضمير منفصل مبني على الفتح في
محل رفع اسم (ما) و (أمهاتهم) خبر (ما) منصوب وعلامة نصبه الكسرة، لأنه
جمع مؤنث سالم، والهاء مضاف إليه، والميم علامة الجمع، ولا تعمل عندهم
إلا بأربعة شروط:
1-أن يتقدم اسمها على خبرها، فإن تقدم الخبر بطل عملها، نحو: (ما الفقر
عيبًا) فلو قيل: ما عيب الفقر، بتقديم الخبر بطل عملها. ووجب رفع ما
بعدها على أنه مبتدأ وخبر.
2-ألا يقترن اسمها بـ (إنْ) الزائدة، فإن اقترن بطل عملها، نحو (ما إنِ
الحقُ منهزمٌ) برفع (منهزم) على أنه خبر المبتدأ.
__________
(1) متفق عليه.
(2) سورة يوسف، آية: 31.
(3) المراد بإطلاق عدم وجود قرينة تحدد المراد بالزمن. فإن وجدت أخذ
بها. انظر ما تقدم في الكلام على (ليس) .
(4) سورة المجادلة، آية: 2.
3-ألا يتقدم معمول خبرها على اسمها، فإن
تقدم بطل عملها، نحو (ما العاقلُ مصاحبًا الأحمقَ) فتقول: ما الأحمقَ
العاقلُ مصاحبٌ، برفع مصاحب، لأنه خبر المبتدأ، إلا إن كان المعمول
ظرفًا أو جارًا ومجرورًا، فيجوز إعمالها وإهمالها مع تقدمه، نحو: ما في
الشر أنت راغبًا، وما عندي معروفك ضائعًا، والأصل: ما أنت راغبًا في
الشر. وما معروفك ضائعاً عندي.
4-ألا يقترن الخبر بـ (إلا) فإن اقترن بطل عملها، نحو: ما دنياك إلا
فانية. برفع (فانية) على أنه خبر المبتدأ. قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ
إِلَّا رَسُولٌ} (1) .
قوله: (وكَذَا لاَ النَّافِيةِ في الشِّعْرِ بِشَرْطِ تَنْكِيرِ
مَعْمُولَيْهَا نحْوُ:
تَعَزَّ فَلاَ شَيءٌ عَلَىَ الأْرْضِ باقِياً ……ولاَ وَزَرٌ مِمَّا
قَضى الله وَاقياً)
الحرف الثاني مما يعمل عمل ليس: (لا) وهي النافية للواحد (2) وهي لنفي
معنى الخبر في الزمان الحالي عند الإطلاق، نحو: لا طالب حاضرًا. أي:
الآن، فـ (لا) نافية عاملة عمل ليس (طالب) اسمها مرفوع بها (حاضرًا)
خبرها منصوب بها، وقد ذكر المصنف لإعمالها شرطين:
الأول: أن يكون ذلك في الشعر خاصة، فلا تعمل في النثر. ولا يخفى أنه
إذا اثبت السماع عن العرب فلا حاجة لتقييده بالشعر.
الثاني: تنكير معموليها أي: اسمها وخبرها. فلا تعمل في المعرفة. ومن
شواهد إعمالها في النكرات قول الشاعر:
تعزَّ فلا شيء على الأرض باقيًا …ولا وَزَرٌ مما قضى الله واقياً (3)
__________
(1) سورة آل عمران، آية: 144.
(2) أي نفي حكم الخبر عن فرد واحد نحو: لا طالب غائباً. فتدل على نفي
الغياب عن طالب واحد. وتحتمل أيضاً نفي الغياب عن الجنس كله. وهذا
بخلاف (لا) النافية للجنس وسيأتي مزيد إيضاح لذلك في باب (لا) النافية
للجنس إن شاء الله.
(3) تعز: أي تصبَّرْ أمر من تعزى يتعزى. والوزر: بالفتح الملجأ،
والواقي الحافظ، وإعرابه في الأصل.
فـ (لا) نافية عاملة عمل ليس. (شيء) اسمها و (باقيًا) خبرها.
وكذا الشطر الثاني.
ويشترط لها زيادة على هذين الشرطين ما يشترط في عمل (ما) فلا يتقدم
خبرها على اسمها. ولا ينتقض نفيها بـ (إلا) .
قوله: (وَلاَتَ لكنْ في الحين، ولاَ يُجْمَعُ بَيْنَ جُزّءَيْها،
والغَالِبُ حَذْفُ المَرْفُوعِ نَحْوُ: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} (1)) .
الحرف الثالث مما يعمل عمل (ليس) : (لات) وهي حرف مبني على الفتح، تفيد
نفي معنى الخبر في الزمن الحالي عند الإطلاق. وشرط عملها أمران:
1-أن يكون اسمها وخبرها لفظ (الحين) وما رادفه، كالساعة والوقت
ونحوهما، وإعمالها في (الحين) أكثر.
2-أن يحذف أحدهما، والغالب حذف المرفوع، وهو اسمها، نحو: ندم الطالب
المتأخر ولات وقت ندامة، أي: لات الوقتُ وقتَ ندامةٍ، والمعنى: ليس
الوقت وقت ندامة، ومنه قوله تعالى: {فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ}
(2) بنصب (حين) وهي قراءة الجمهور، أي: ولات الحينُ حينَ مناصٍِ، فحذف
الاسم، و (حينَ) خبرها منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والمناص:
الفرار. |