تعجيل الندى بشرح قطر الندى 2- المصدر
قوله: (وَالمَصْدَرُ كَضَرْبٍ وَإِكْرَامٍ إِنْ حَلَّ محَلَّهُ فِعْلٌ
مَعَ (أَنْ) أَوْ (مَا) وَلَمْ يَكُنْ مُصَغَّرًا وَلا مُضْمَرًا وَلا
مَحْدُودًا وَلاَ مَنْعُوتًا قَبْلَ العَمَلِ وَلا مَحْذُوفًا وَلا
مَفْصُولاً مِنَ المَعْمُولِ وَلا مُؤَخَّرًا عَنْهُ) .
النوع الثاني: من الأسماء العاملة عمل الفعل: المصدر، والمصدر هو:
الاسم الدال على الحدث المجرد، المشتمل على حروف فعل أو أكثر منها،
نحو: بَذْلُ المال في الخير نَفْعٌ لصاحبه. فـ (بَذْل) مصدر: بَذَلَ،
يبذل بذلاً، وهو يدل على حدوث البذل من غير زمن. وقد اشتمل على جميع
حروف الفعل (بَذَلَ) .
وفي نحو: إكرام الضيف من آداب الإسلام.
اشتمل المصدر على حروف فعله وزيادة الألف قبل آخره. (1)
وقول المصنف: (والمصدر) بالرفع عطف على (اسم الفعل) والتقدير: يعمل عمل
فعله سبعة: اسم الفعل والمصدر ...
فيعمل المصدر عمل فعله الذي اشتق منه. فيرفع الفاعل وينصب المفعول به
بواسطة أو بغيرها، وفي تمثيل المصنف - رحمه الله - للمصدر بقوله: (كضرب
وإكرام) إشارة إلى أن المصدر المزيد يعمل عمل المجرد.
وقد ذكر المصنف لعمله ثمانية شروط، واحد منها وجودي، والسبعة الباقية
عدمية وهي كما يلي:
1-أن يصح أن يَحِلَّ محله (أن) والفعل. أو (ما) والفعل، نحو: يسرني
أداؤك الواجب. فـ (أداءُ) فاعل (يسرُّ) وهو مصدر عَمِلَ عَمَل فعله،
وقد أضيف إلى فاعله وهو (الكاف) ، ونصب المفعول (الواجب) ، ويمكن أن
يحل محله (أن والفعل) أو (ما والفعل) فتقول: يسرني أن تؤدي الواجب. إن
أردت المضي أو الاستقبال. أو يسرني ما تؤدي الواجب، إن أردت الحال.
__________
(1) والمصدر يختلف عن اسم المصدر وإن كان يتفقان في الدلالة على الحدث
لكن المصدر لا تنقص حروفه عن حروف فعله. واسم المصدر تنقص حروفه عن
حروف فعله لفظاً وتقديرًا دون تعويض مثل: عطاء، فإنه مساو للمصدر:
إعطاء في الدلالة على المعنى. لكنه خالفه بخلوه من الهمزة الموجودة في
فعله. وقولنا: لفظًا وتقديرًا شرط في اسم المصدر. لإخراج ما خلا من بعض
ما في فعله لفظًا ولم يخل منها تقديرًا فهو مصدر نحو: قتال مصدر قاتل،
وقد خلا من الألف التي قبل التاء في الفعل. لكن خلا منها لفظًا ولم يخل
منها تقديرًا. ولذلك نطق بها في بعض المواضع نحو: قاتل قيتالاً. لكن
انقلبت الألف ياء لكسر ما قبلها. وأما حذفها فهو للتخفيف وكثرة
الاستعمال. وقولنا: دون تعويض. احتراز مما فيه تعويض نحو: عدة. فإنه
مصدر. وعد. وقد خلا من الواو التي في فعله لفظًا وتقديرًا لكن عوض عنها
التاء.
2-ألا يكون مصغرًا فلا يجوز: أُكَيلُكَ
الطعام بسرعة مضر. تريد: أكلك الطعام.
3-ألا يكون ضميرًا. فلا يجوز: إكرامي الصديق مطلوب وهو جارًا أشد،
تريد: وإكرامي جارًا أشد.
4-ألا يكون محدودًا. أي: مختومًا بالتاء الدالة على المرة الواحدة. فلا
يصح ساءني ضربتك عليًا. لأن (ضربة) مصدر محدود. مختوم بتاء زائدة دالة
على المرة الواحدة.
فإن كانت التاء من صيغة الكلمة وليست للوحدة جاز أن يعمل المصدر نحو:
إغاثتك الملهوف دليل مروءتك.
5-ألا يكون المصدر متبعاً بتابع كالنعت وغيره، قبل تمام عمله. فلا
يجوز: أعجبني إكرامُك الطيِّبُ زيدًا. لأن (الطيب) صفة للمصدر (إكرام)
وهو لم يستكمل عمله بنصب مفعوله (زيدًا) .
6- ألا يكون محذوفاً، لأنه إذا حذف لم توجد حروف الفعل الذي هو محمول
عليه.
7-ألا يكون مفصولاً عن معموله بفاصل ليس معمولاً لهذا المصدر نحو: إني
أقوى على إلقاءٍ في الحفل كلمةً نافعة، والأصل: إني أقوى على إلقاءٍ
كلمةً نافعةً في الحفل.
8-ألا يتأخر عن معموله، فلا يجوز: ساءني زيدًا ضربُك. إلا إن كان
المعمول ظرفًا أو جارًا أو مجرورًا فيجوز تأخره عنه، لوروده في القرآن،
ولأنه يتوسع فيهما. قال تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} (1)
(2) وقال تعالى: {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} (3) (4) . والأصل:
بلغ السعي معه. حِوَلاً عنها. ولا داعي للتكلف في التأويل من غير داع،
ولا سيما في القرآن.
__________
(1) سورة الصافات، آية: 102.
(2) السعي: مصدر للفعل الثلاثي: سعى.
(3) سورة الكهف، آية: 108.
(4) حولاً: مصدر للثلاثي (حال) ، أو اسم مصدر للفعل (تحوَّل) بمعنى
التحول، صحت الواو ولم تقلب ياء، لأن الواو متحركة وليس بعدها ألف
[انظر "معجم مفردات الإبدال والإعلال في القرآن الكريم " ص89 للدكتور
أحمد الخراط] .
قوله: (وَإِعْمَالُهُ مُضَافًا أكْثَرُ
نَحْوُ: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} (1) وقَوْل الشَّاعر:
(أَلاَّ إنَّ ظُلْمَ نَفْسِهِ المَرْءُ بَيِّنٌ) . وَمُنَوَّنًا
أَقْيَسُ نَحْوُ: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14)
يَتِيمًا} (2) وبـ (اَلْ) شَاذٌ نَحْوُ: (عجبت من الرزق المسيءَ
إلهُهُ)) .
ينقسم المصدر العامل إلى ثلاثة أقسام:
الأول: المضاف. وإعماله أكثر من إعمال القسمين الآخرين. وهو ضربان:
(أ) مضاف لفاعله. نحو: يسرني شكرُكَ المنعمَ. فـ (شكر) مصدر. وهو فاعل
(يسرُّ) ، وهو مضاف والكاف مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله.
(المنعمَ) مفعول به للمصدر، ومنه قوله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ
اللَّهِ النَّاسَ} (3) فـ (دفعُ) مبتدأ حذف خبره وجوبًا. وهو مضاف إلى
فاعله. و (الناسَ) مفعول به للمصدر.
(ب) مضاف لمفعوله نحو: من سوء التربية عصيانُ الآباءِ بنوهم. فـ
(عصيان) مصدر، وهو مبتدأ مؤخر. وهو مضاف إلى مفعوله (الآباء) و (بنوهم)
فاعل المصدر، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: " بني الإسلام على
خمس.. وحجِّ البيتِ من استطاع إليه سبيلاً " فـ (حج) مصدر مضاف لمفعوله
(البيت) و (من استطاع) فاعل المصدر. وقول الشاعر:
ألا إنَّ ظلمَ نفسِه المرءُ بيّنٌ……إذا لم يَصُنْها عن هوىً يغلب
العقلا (4)
فأضاف المصدر (ظلم) إلى مفعوله وهو (نفسه) ثم أتى بالفاعل بعد ذلك، وهو
قوله: (المرءُ) والأصل: ألا إن ظلمَ المرءِ نفسَه بين ...
__________
(1) سورة البقرة، آية: 251.
(2) سورة البلد، آية: 14. ومعنى (مسغبة) : مجاعة.
(3) سورة البقرة، آية: 251.
(4) هذا البيت غير موجود في متن القطر الذي عليه شرح الفاكهي. ومعناه
واضح. وقوله: (ألا) أداة استفتاح وتنبيه. والألف في قوله (العقلا)
للإطلاق.
الثاني: المنون. وإعماله أقرب إلى القياس
من إعمال المضاف، لأنه يشبه الفعل في التنكير، وهو يلي المضاف في
الكثرة نحو: واجب علينا تشجيعٌ كلَّ مجتهد، تقديره: واجب علينا أن نشجع
كل مجتهد. ومنه قوله تعالى {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ
(14) يَتِيمًا} (1) فـ (إطعام) مصدر، معطوف على ما قبله وهو (فك رقبة)
وهو منون نَصَبَ المفعول به وهو قوله (يتيماً) . والتقدير: أو أن يطعم
يتيمًا.
الثالث: المعرف بـ (ال) . وإعماله شاذ، لبعده عن مشابهة الفعل باقترانه
بـ (ال) ، وهو أقل من سابقيه استعمالاً وبلاغة، نحو: المجدُّ سريع
الإنجاز أعمالَه. بنصب (أعماله) على أنه مفعول به للمصدر وهو (الإنجاز)
. ومنه قوله الشاعر:
عجبت من الرزق المسيءَ إلهُهُ ……ومن ترك بعض الصالحين فقيرًا (2)
(2) بنصب (المسيء) على أنه مفعول به للمصدر (3) وهو (الرزق) و (إلهه)
بالرفع فاعل له.
3- اسم الفاعل
__________
(1) سورة البلد، آية: 14.
(2) هذا البيت ثابت في متن القطر الذي عليه شرح الفاكهي. وموجود في شرح
ابن هشام على القطر. والمثبت في متن القطر شطر بيت آخر فانظره.
(3) هذا ما ذكر الفاكهي في شرحه على القطر (2/195) وذكر محمد عبد
الحميد في إعرابه لشواهد شرح القطر لابن هشام أنه بالجر مضاف إليه.
ومعنى هذا البيت أن الشاعر يتعجب من أن الله تعالى يرزق بعض المسيئين
ويترك بعض الصالحين فقيرً معدمًا. وقوله: (ومن ترك بعض الصالحين) فيه
إضافة المصدر إلى مفعوله. و (فقيراً) أعربوه حالاً، وعندي أنه مفعول
ثان للمصدر.
قوله: (وَاسْمُ الفَاعِلِ كَـ (ضَاربٍ
وَمُكْرِمٍ) ، فَإِنْ كَانَ بـ (اَلْ) عَمِلَ مُطْلَقًا، أَوْ
مُجَرَّدًا فَبِشَرْطَيْنِ كَوْنُهُ حَالاً أَوِ اسْتِقْبَالاً
وَاعْتِمَادُهُ عَلَى نَفْيٍ أَوِ اسْتِفْهَامٍ، أَوْ مُخْبَر ٍعَنْهُ،
أَوْ مَوْصُوفٍ و {بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} (1) عَلَى حِكَايَةِ الحَالِ،
خِلافًا لِلْكِسَائي. وَخَبِيرٌ بَنُو لِهْبٍ عَلَى التَّقْدِيمِ
وَالتَّأخِيرِ، وَتَقْدِيرُهُ خَبِيرٌ كَظَهِيرٍ خِلافًا لِلأخْفَشِ) .
النوع الثالث من الأسماء العاملة عمل الفعل (اسم الفاعل) وقوله المصنف:
(واسم الفاعل) معطوف على ما قبله كما تقدم في المصدر.
واسم الفاعل: اسم مشتق للدلالة على معنى مجرد حادث وعلى فاعله.
وقولنا: (معنى مجرد) المراد: هو الحدث، كالقيام، والقعود، في قولك:
قائم، قاعد.
ومعنى: (حادث) أي: عارض يتغير ويزول. وهذا هو الغالب في اسم الفاعل
نحو: ندم الظالم فهو نادم.
ويصاغ من الفعل الثلاثي على وزن (فاعل) كـ: ضارب، ومن غير الثلاثي على
وزن مضارعه بعد إبدال حرف المضارعة ميماً مضمومة وكسر ما قبل الآخر كـ:
مُكْرِم، وهو يعمل عمل فعله فإن كان لازمًا رفع الفاعل، وإن كان
متعديًا رفع الفاعل ونصب المفعول، ويأتي توضيح ذلك إن شاء الله.
واسم الفاعل لا يخلو من حالين:
الأولى: أن يكون مقترنًا بـ (ال) .
الثانية: أن يكون مجردًا منها.
فإن كان مقترناً بأل عمل بلا شرط، نحو: الكاتمُ سرَّ إخوانه محبوبٌ، فـ
(الكاتمُ) مبتدأ. وفيه فاعل مستتر. (سرَّ) مفعول به لاسم الفاعل
(محبوب) خبر المبتدأ.
__________
(1) سورة الكهف، آية: 18.
وإن كان مجردًا عمل عمل فعله بشرطين (1) :
الأول: أن يكون للحال أو الاستقبال.
الثاني: أن يعتمد على نفي، أو استفهام، أو على مبتدأ، وهو المراد
بقوله: (أو مخبرٍ عنه) . أو يعتمد على موصوف، وذلك بأن يقع اسم الفاعل
خبرًا عن المبتدأ أو صفة.
مثال اعتماده على نفي: ما حامدٌ السوقَ إلا من ربح. فـ (ما) نافية و
(حامد) مبتدأ، وهو اسم فاعل. عمل عمل فعله. فرفع الفاعل الذي سد مسد
الخبر وهو (من) الموصولة. ونصب المفعول المقدَّم وهو كلمة (السوق) .
ومثال الاستفهام: أبالغٌ أنت قصدَك؟ فـ (بالغٌ) مبتدأ (أنت) فاعل سد
مسد الخبر، (قصدَك) مفعول به لاسم الفاعل. والكاف مضاف إليه.
ومثال اعتماده على مبتدأ: أنت حافظٌ غَيْبَةَ جارك.
ومثال اعتماده على موصوف. صحبت رجلاً عارفًا حقوق الصداقة.
فإن كان مفيدًا للمضي لم يعمل، فلا يصح أن تقول: محمد كاتبٌ واجبَه
أمس، بنصب (واجبه) بل يجب فيه الإضافة فتقول: محمد كاتبُ واجبِهِ أمس،
وخالف في ذلك الكسائي فأجاز عمله - وإن كان ماضيًا - محتجًا بقوله
تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} (2) فـ (باسط) بمعنى
الماضي. وخرجه غيره على أنه حكاية حال ماضية. ومعنى ذلك: أن يفرض
المتكلم حين كلامه أن القصة واقعة الآن فهو يصفها. وعليه لا يكون
(باسطٌ) ماضياً، وإنما هو حاضر. والسر في ذلك إحضاره في الذهن حتى كأنه
مشاهد.
__________
(1) عمل فعله تقدم ذكره. لكن ينبغي أن يعلم أن وجود هذين الشرطين لا
يوجب عمله بل تجوز إضافته إلى مفعوله كما في قوله تعالى: {إِنَّ
اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِه} فقد قرأ حفص بالإضافة. وقرأ الباقون بالتنوين
ونصب (أمره) على المفعولية قال مكي: (وهما لغتان في إثبات التنوين في
اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال وحذفه وقد مضى له نظائر)
انظر الكشف عن وجوه القراءات السبع (2/239، 324) .
(2) سورة الكهف، آية: 18.
وإن لم يعتمد اسم الفاعل لم يعمل. وخالف في
ذلك الأخفش فأجاز عمله، واحتج بقول الشاعر:
خبيرٌ بنو لِهْبٍ فلا تكُ ملغيًا ……مقالة لِهْبيٍّ إذا الطير مَرَّتِ
(1)
فإن قوله: (خبير) مبتدأ، وقوله (بنو لهب) فاعل سد مسد الخبر، ولم يعتمد
اسم الفاعل على شيء مما ذكر.
__________
(1) المعنى: أن بني لهب عالمون بزجر الطير وعيافتها - أي التكهن
بأسمائها وحركاتها وأصواتها تفاؤلاً وتشاؤمًا - فإذا أخبرك لهبي بشيء
من ذلك فصدقه ولا تلغ كلامه. ومعلوم أن التطيرّ من أعمال الجاهلية وهو
نوع من الشرك يتنافى مع التوحيد أو ينقص كماله.
إعرابه: فلا تك: مضارع مجزوم وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة للتخفيف
واسمها ضمير مستتر وجوبًا تقديره (أنت) (ملغيًا) خبرها. (مقالة) مفعول
به لاسم الفاعل (ملغيًا) (الطير) فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور، أو
مبتدأ خبره ما بعده.
والجمهور على اشتراط الاعتماد - كما تقدم -
ولا حجة للأخفش في هذا البيت، لجواز حمله على التقديم والتأخير، بجعل
الوصف وهو قوله (خبير) خبرًا مقدمًا. وقوله: (بنو لهب) مبتدأ مؤخر.
والأصل: بنو لهب خبير، ولما كان هذا الحمل يلزم عليه الإخبار بالمفرد
عن الجمع، قال المصنف - رحمه الله: (وتقديره (1) خبير كظهير) والمعنى:
أن صيغة (فعيل) على وزن المصدر كالصهيل والنعيق. والمصدر يخبر به عن
المفرد والمثنى والجمع بلفظ واحد فكذا ما هو على وزنه، وقد ورد ذلك
صريحًا في قوله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} (2)
فـ (الملائكة) مبتدأ و (ظهير) خبر المبتدأ (3) . فأُخبر عن الجمع
بالمفرد؛ لما تقدم، والله أعلم.
4- أمثلة المبالغة
قوله: (وَالمِثَالُ وَهُوَ مَا حُوِّلَ لِلمُبَالَغَةِ مِنْ فَاعِلٍ
إِلى فَعَّالٍ، أَوْ فَعُولٍ أَوْ مِفْعَالٍ بِكثْرَةٍ، أَوْ فَعِيلٍ،
أَوْ فَعِلٍ بِقِلَّةٍ نَحْوُ: أَمَّا العَسَلَ فَأَنَا شَرَّابٌ) .
النوع الأول: من الأسماء العاملة عمل الفعل (أمثلة المبالغة) وقول
المصنف (والمثال) معطوف على ما قبله كما تقدم.
والمراد به: كل اسم حُوِّلَ للمبالغة والتكثير (4) في الفعل من صيغة
(فاعل) إلى إحدى الصيغ المذكورة. وهي خمس:
__________
(1) هكذا في القطر وشرحه. وفي الفاكهي (2/199) بحذف الهاء، وعندي أنه
أصح.
(2) سورة التحريم، آية: 4.
(3) كلام المصنف هنا مبني على أن الاعتماد على شيء شرط لعمل اسم الفاعل
مطلقاً - في المرفوع والمنصوب - ولهذا عمل على تخريج البيت مع أن الوصف
فيه لم يعمل في منصوب، والجمهور على أن ذلك شرط لعمله في المرفوع - إذا
كان اسمًا ظاهرًا - وفي المنصوب، دون الضمير - المستتر والبارز - وقد
حقق المصنف ذلك في المغني على ما ذكره الشيخ يس في حاشيته على شرح
الفاكهي. (2/199) .
(4) هما متغايران فالمبالغة باعتبار الكيفية، والتكثير باعتبار الكمية.
1-فَعَّال: بتشديد العين. نحو: القائد
الناجح ليس بهياب عند الفزع. ومنه ما حكاه سيبويه: أما العسلَ فأنا
شراب. فـ (شراب) صيغة مبالغة، وقد عملت عمل الفعل. ففيها ضمير مستتر هو
الفاعل. والمفعول (العسلَ) فهو منصوب.
2-فَعُول: بفتح الفاء، نحو: المؤمن شكورٌ ربَّه على نعمه، فـ (ربَّه)
منصوب على التعظيم، والهاء مضاف إليه.
3-مِفْعال: بكسر الميم، نحو: الشجاعُ مِطْعانٌ عَدُوَّهُ. والتحويل إلى
هذه الثلاث بكثرة.
4-فَعِيل: بكسر العين وبعدها ياء. نحو: المؤمن رحيمٌ بالضعفاء.
5-فَعِل: بكسر العين من غير ياء. نحو: لا تكن جزعًا عند الشدائد
والتحويل إلى هذين بقلة. (1)
فهذه الصيغ الخمس تعمل عمل اسم الفاعل - الذي يعمل عمل فعله - لإفادتها
ما يفيده مكررًا، ولورود السماع عن العرب بإعمالها كما تقدم فيما حكاه
سيبويه. ومنه قوله الشاعر:
حَذِرٌ أمورًا لا تضير وآمنٌ ……ما ليس منجيَه من الأقدار (2)
فأعمل الشاعر صيغة المبالغة (حَذِرٌ) عمل الفعل، فنصب بها المفعول وهو
قوله: (أمورًا) .
__________
(1) وردت صيغة (فعيل) في آيات كثيرة. ذكر منها الأستاذ: محمد عضيمة -
رحمه الله - ما يزيد على ثلاثين آية. فانظرها في: دراسات لأسلوب القرآن
الكريم (2/4/40) وانظر: حاشية الصبان (2/297) .
(2) إعرابه:
(حذر) خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هو. وفي (حذر) ضمير مستتر هو الفاعل
(أموراً) مفعول به (لا تضير) لا: نافية. وتضير: فعل مضارع. والفاعل
ضمير مستتر جوازاً تقديره: هي. والجملة في محل نصب صفة لأمور (وآمن)
معطوف على (حذر) وفيه ضمير مستتر هو الفاعل (ما) اسم موصول مفعول به
لآمن. (ليس) فعل ماض ناقص. واسمه ضمير مستتر يعود على (ما) (منجيه)
منجي: خبر (ليس) منصوب بالفتحة. وهو مضاف والهاء، مضاف إليه. من إضافة
اسم الفاعل إلى مفعوله. (من الأقدار) متعلق بما قبله. وجملة (ليس)
واسمها وخبرها لا محل لها صلة الموصول.
وصيغ المبالغة تؤخذ من مصدر الفعل الثلاثي
كما في الأمثلة المتقدمة، وأخذها من مصدر غير الثلاثي قليل مثل: معطاء،
من الفعل (أعطى) ، ومثل: بشير ونذير، من الفعلين: (بَشَّرَ) و (أنذر) .
(1)
وسميت هذه الصيغ بأمثلة المبالغة لأنها مثال لكل ما جاء على وزنها،
مثل: ضَرَّاب، وشَرَّاب، ونَفَّاع. ونحوها مما هو على وزن (فَعَّال)
وكذا الباقي.
5- اسم المفعول
قوله: (وَاسْمُ المَفْعُولِ كَمَضْرُوبٍ ومُكْرَمٍ، ويَعْمَلُ عَمَلَ
فِعْلِهِ وهُوَ (2) كاسْمِ الفَاعِلِ) .
النوع الخامس: مما يعمل عمل الفعل (اسم المفعول) وهو معطوف على ما
تقدم.
واسم المفعول: اسم مشتق للدلالة على معين مجرد وعلى من وقع عليه ذلك
المعنى.
نحو: مُنِحَ الفائزُ جائزةً فهو ممنوح. فاسم المفعول (ممنوح) يدل على
معنى مجرد، وهو (منح الجائزة) غير مقيد بزمان، ويدل على الذات التي وقع
عليها منح الجائزة.
وهو يصاغ من الفعل الثلاثي على وزن (مفعول) كـ: مضروب ومن غير الثلاثي
على وزن مضارعه بعد إبدال حرف المضارعة ميماً مضمومة وفتح ما قبل الآخر
كـ: مُكْرَم.
واسم المفعول يعمل عمل فعله المبني للمجهول، فإن كان محلى بأل عمل
مطلقاً بدون شرط نحو: المذمومُ خلقُه مبغض، قال تعالى في مصارف الزكاة
{وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} (3) فـ (قلوبهم) نائب فاعل لاسم
المفعول. والميم علامة الجمع. والهاء مضاف إليه.
وإن كان مجردًا عمل إذا تحققت له الشروط التي اشترطت لعمل اسم الفاعل.
__________
(1) انظر: البحر المحيط (1/538) .
(2) في متن القطر بشرح الفاكهي (وهما كاسم الفاعل) قال الشارح: (وهما)
أي المثال واسم المفعول (كاسم الفاعل) في جميع ما اشترط لصحة عمله....
(3) سورة التوبة، آية: 60.
فيرفع نائب الفاعل إن كان فعله متعدياً لواحد فتقول: الخبر منقول. فـ
(الخبر) مبتدأ و (منقول) خبر. وهو اسم مفعول، وفيه نائب فاعل ضمير
مستتر تقديره (هو) كما تقول: نقل الخبر.
وإن كان فعله متعديًا لاثنين فأكثر. رَفَعَ واحداً بالنيابة ونَصَبَ
غيره نحو: المجد ممنوح جائزةً. فـ (المجد) مبتدأ (ممنوح) خبر. وهو اسم
مفعول، وفيه نائب فاعل ضمير مستتر تقديره. (هو) وهو المفعول الأول في
الأصل. (جائزة) مفعول ثان. والأصل: منحت المجدَّ جائزة، ثم بُني
للمجهول فقيل: مُنِحَ المجدُّ جائزة. ومن إعماله في المتعدي قوله
تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ} (1) فـ
(جنات) بدل أو عطف بيان مما قبله وهو قوله تعالى: {لَحُسْنَ مَآَبٍ}
(2) ، و (مفتحةً) حال من (جناتِ عدنٍ) و (الأبواب) نائب فاعل. |