تعجيل الندى بشرح قطر الندى 6- الصفة المشبهة
باسم الفاعل
قوله: (وَالصِّفَةُ المُشَبَّهَةُ بِاسْمِ الفَاعِلِ المُتَعَدِّي
لِوَاحِدٍ، وَهِيَ الصِّفَةُ المَصُوغَةُ لِغَيْرِ تَفْضِيلٍ لإفَادَةِ
الثُّبُوتِ كَحَسَنٍ وظَرِيفٍ وَطَاهِرٍ وَضَامِرٍ ... ) .
النوع السادس مما يعمل عمل الفعل الصفة المشبهة وهي:
الصفة المصوغة من فعل لازم لغير تفضيل، للدلالة على معنى قائم في
الموصوف على وجه الثبوت.
نحو: (الصبي فَطِنٌ) فـ (فَطِنٌ) صفة مشبهة. مأخوذة من مصدر الفعل
الثلاثي اللازم (فَطِنَ) وهي لغير تفضيل قطعاً، لأن الصفات الدالة على
التفضيل هي الدالة على أن اثنين اشتركا في صفة وزاد أحدهما على الآخر
فيها، كـ: أعلم وأكبر، وهذه ليست كذلك، وإنما صيغت لدلالة على معنى -
وهو (الفَطَانة) - قائمٍ في الموصوف، وهو (الصبي) ، على وجه الثبوت
والدوام في سائر الأوقات، لا التجدد والحدوث في وقت دون آخر.
__________
(1) سورة ص، آية: 50.
(2) سورة ص، آية: 49.
وهذا بخلاف اسم الفاعل نحو: خالد قائم. فهو
وصف دال على صفة عارضة، لأن هذا القائم قد يجلس، فهذا الوصف لا يفيد
الثبوت، وإنما يفيد التجدد والحدوث. وهذا شأن اسم الفاعل. (1)
والصفة المشبهة لا تصاغ قياساً إلا من مصدر الفعل الماضي الثلاثي
اللازم، وهي نوعان:
1-ما وازن المضارع في الحركات والسكنات كـ: طاهر القلب، وضامر البطن،
فهما يوازنان: يَظْهُر، ويَضْمُر. وهذا قليل.
2-ما لم يوازن المضارع في الحركات والسكنات. كـ (حَسَنٍ) وظريفٍ. فهما
غير موازنين للمضارع: يَحْسُن، ويَظْرُف. وهذا هو الكثير فيها.
فإن كانت من غير الثلاثي وجبت موازنتها للمضارع نحو: منطلق اللسان،
لأنها من غير الثلاثي اسم فاعل أو اسم مفعول أريد بهما الثبوت والدوام.
وإلا فهي لا تصاغ إلا من الثلاثي كما عرفنا.
ويراد بالموازنة: تساوي عدد الحروف المتحركة والساكنة في كل منهما، وأن
يكون ترتيب المتحرك والساكن فيهما متماثلاً، ولا يلزم اتفاق نوع
الحركة، فلو كان الأول مفتوحاً في أحدهما والثاني مضمومًا حصلت
الموازنة والمجاراة.
وسميت بـ (الصفة المشبهة باسم الفاعل المتعدي لواحد) لوجود التشابه
بينهما في أمور أهمها:
1-الدلالة على المعنى وصاحبه. كما تقدم في المثال، ولهذا لم تشبه اسم
المفعول، لأنه لا يدل على الحدث وصاحبه.
__________
(1) الصفة المشبهة تدل على الثبوت والدوام. واسم الفاعل يدل على التجدد
والحدوث - كما بينا - ومثله اسم المفعول. وما جاء من الأوصاف على وزن
اسم الفاعل أو اسم المفعول ودل على الثبوت فهو صفة مشبهة. تقول في اسم
الفاعل: هذا الرجل طاهر القلب. راجح العقل. ولابد من إضافته إلى مرفوعه
كما مثل. وتقول في اسم المفعول: الوالد مسموع الكلمة. ويجوز في الاسم
بعده الرفع على الفاعلية لأن الصفة المشبهة لا ترفع نائب الفاعل. أو
الجر أو النصب كما سيأتي في إعراب معمول الصفة.
2-أنها عملت النصب - كما سيأتي - وكان
الأصل أنها لا تنصب، لكونها مأخوذة من فعل لازم.
3-أنها تثنى وتجمع وتذكر وتؤنث مثل: (جميل جميلة) (جميلان، جميلتان)
(جميلون، جميلات) .
وقول المصنف: (المتعدى لواحد) إشارة إلى أنها لا تنصب إلا اسمًا
واحدًا.
ومع أنها توافق اسم الفاعل في هذه الأمور فهي تخالفه في أمور أخرى
أهمها:
1-أنها لا تؤخذ إلا من الفعل اللازم. واسم الفاعل يصاغ من اللازم
والمتعدي.
2-أنها تارة لا تجري على حركات المضارع وسكناته. وتارة تجري - كما تقدم
-، واسم الفاعل لا يكون إلا مجاريًا للمضارع كضارب، فإنه مجار لـ
(يَضْرِب) و (مُكْرِم) فإنه موافق لـ (يُكْرِم) .
3-أنها للزمن الحاضر الدائم، لأنها تفيد الثبوت والدوام. فلا تكون
للماضي وحده. أو المستقبل وحده. أو الحاضر وحده. واسم الفاعل يكون لأحد
الأزمنة الثلاثة.
وسأذكر أمرين آخرين - إن شاء الله - في الكلام على معمول الصفة.
قوله: (وَلا يَتَقَدَّمُهَا مَعْمُولُهَا، وَلا يَكُونُ أَجْنَبِيًّا
وَيُرْفَعُ عَلَى الفَاعِلِيَّةِ، أَو الإِبْدَالِ ويُنْصَبُ عَلَى
التَّمْيِيْزِ أَوِ التَّشْبِيهِ بِالمَفْعُولِ بِهِ وَالثَّانِي
يَتَعَيَّنُ في المَعْرِفَةِ، ويُخْفَضُ بالإِضَافَةِ) .
هذا بحث في معمول الصفة المشبهة. فله حكمان:
الأول: أن لا يتقدم معمولها المنصوب عليها، فنحو: أخوك حسنُ رأيَه،
بالنصب، لا تقول: أخوك رأيَه حَسنَ. بخلاف اسم الفاعل فيجوز تقديم
منصوبة عليه نحو: كاتبٌ الدرسَ، فتقول زيد الدرسَ كاتبٌ.
الثاني: أنه لا يكون أجنبيًا بل سببيًا،
والمراد بالسببي: الاسم الظاهر المتصل بضمير يعود على صاحبها، كما في
المثال السابق (1) بخلاف اسم الفاعل فإن معموله يكون أجنبيًا كما في
المثال المتقدم ويكون سببيًا نحو: مررت برجل قائدٍ بعيرَه.
وأما إعراب معمول الصفة، فإن الصفة المشبهة تعمل فيما بعدها، ويأتي
معمولها على ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون مرفوعًا على الفاعلية. وهذا باتفاق. وحينئذ فالصفة
خالية من ضمير موصوفها؛ لأنه لا يكون للشيء فاعلان. أو على الإبدال من
ضمير مستتر في الصفة عند أبي عليِّ الفارسي.
مثال ذلك: الخطيبُ طلقٌ لسانُه. فـ (الخطيب) مبتدأ (طلق) خبر (لسانه)
لسان: فاعل للصفة المشبهة على قول الجمهور. أو الفاعل ضمير مستتر. و
(لسان) بدل من هذا الضمير. و (الهاء) مضاف إليه.
الثانية: أن يكون منصوبًا على شبه المفعولية إن كان معرفة (2) ، وعليه
أو على التمييز إن كان نكرة، وإنما لم يكن مفعولاً به؛ لأنه تقدم أن
الصفة لا تؤخذ إلا من مصدر الفعل اللازم. والفعل اللازم لا ينصب
مفعولاً به. فكذا ما أخذ من مصدره، مثال المعرفة: أخوك حسن رأيَه، فـ
(رأيه) منصوب على التشبيه بالمفعول به، ومثال النكرة: العدو شديد
بأسًا، فـ (بأسًا) تمييز، وهو الأرجح، أو منصوب على التشبيه بالمفعول
به.
الثالثة: أن يكون مجرورًا بالإضافة، نحو: جارنا كريمُ الطبعِ.
اسم التفضيل
__________
(1) قد يكون الضمير ملفوظًا به كما في المثال. وقد يكون مقدرًا نحو:
هذا الرجل سهل الخليقة، أي: منه. وقال الكوفيون: لا حذف في الكلام و
(أل) الداخلة على السببي تغني عن الضمير وهو رأي جيد لخلوه من التقدير.
والقاعدة أن كل ما لا يحتاج إلى تقدير فهو أولى مما يحتاج إلى تقدير.
(2) ولا يجوز نصبه على التمييز لأن التمييز لا يكون إلا نكرة. كما تقدم
في بابه.
قوله: (واسْمُ التَّفْضِيلِ، وَهُوَ
الصِّفَةُ الدَّالَّةُ عَلَى المُشَارَكَةِ وَالزِّيَادَةِ كَأَكْرَمَ،
وَيُسْتَعْمَلُ بـ (مِنْ) وَمُضَافًا لِنَكِرَةٍ فَيُفْرَدُ
وَيُذَكَّرُ وَبـ (اَلْ) فَيُطَابِقُ، وَمُضَافًا لمَعْرِفَةٍ
فَوَجْهَانِ) .
هذا النوع السابع مما يعمل عمل الفعل وهو اسم التفضيل وتعريفه: هو
الصفة الدالة على المشاركة والزيادة.
ومعنى المشاركة: أي اشتراك شيئين في صفة من الصفات، كالكرم، والشجاعة،
والعلم ونحوها.
ومعنى الزيادة: أي زيادة أحدهما على الآخر في هذه الصفة نحو: العلم
أنفع من المال. والذي زاد يسمى (المفضَّل) والآخر يسمى: (المفضَّل
عليه) أو (المفضول) . ويدل اسم التفضيل في أغلب صوره على الاستمرار
والدوام.
ويصاغ اسم التفضيل على وزن (أفعل) (1) من مصدر الفعل الذي يراد التفضيل
في معناه، بشرط أن يكون هذا الفعل من الأفعال التي يجوز التعجب منها،
وهي الأفعال الجامعةُ الشروطَ المذكورةَ في باب التعجب. وستأتي إن شاء
الله.
واسم التفضيل له ثلاث حالات:
الأولى: وجوب إفراده وتذكيره، فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث. وذلك في
صورتين:
__________
(1) قد ورد حذف الهمزة في هذا الباب من كلمتي (خير وشر) نحو: الصلاة
خير من النوم. ونحو: البطالة شر من المرض. وعللوا لذلك بكثرة
الاستعمال. وقد ورد إثباتها في الحديث الصحيح " إن من أشر الناس عند
الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر
سرها" أخرجه مسلم.
إحداهما: أن يؤتى بعده بالمفضَّل عليه
مجروراً بـ (من) نحو: زيد أشجع من عمرو، والزيدان أشجع من عمرو،
والزيدون أشجع من عمرو، وهند أشجع من عمرو، والهندان أشجع من عمرو،
والهندات أشجع من عمرو، ومنه قوله تعالى: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ
وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} (1) فجاء اسم التفضيل
(أحبُّ) مفرداً مع الاثنين. وقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ
وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ
وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا
وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ} (2) فجاء اسم التفضيل (أحبَّ)
مفرداً مع الجماعة.
الصورة الثانية: أن يكون مضافاً إلى نكرة، فتقول: عليٌّ أفضل رجل،
والعليان أفضل رجلين، والعليون أفضل رجال، وهند أفضل امرأة، والهندان
أفضل امرأتين، والهندات أفضل نسوة.
الحالة الثانية: وجوب مطابقته لموصوفه إفرادًا وتذكيراً وفرعيهما، وذلك
إذا كان مقترناً بـ (ال) تقول: الولد الأكبر ذكي، والدار الكبرى جميلة
... وهكذا البقية، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} (3)
وقال تعالى: {فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا} (4) .
__________
(1) سورة يوسف، آية: 8.
(2) سورة التوبة، آية: 24.
(3) سورة النحل، آية: 60.
(4) سورة طه، آية: 75.
الحالة الثالثة: جواز المطابقة وعدمها.
وذلك إذا كان مضافًا لمعرفة تقول: الزيدان أفضل القوم. بعدم المطابقة،
وإن شئت قلت: أفضلا القوم، بالمطابقة. ومن عدم المطابقة قول الله
تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ} (1) فـ (هم) مفعول أول
لـ (تجد) و (أحرصَ) مفعولٌ ثانٍ. وقد جاء مفرداً. ولو طابق لقال:
أحرصي، ومن المطابقة قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ
قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} (2) فـ (أكابر) مضاف إلى (مجرميها)
وهو مفعول أول لـ (جعل) التي بمعنى (صيَّر) والمفعول الثاني هو الجار
والمجرور (في كل قرية) على أحد الأعاريب، وقد جاء اسم التفضيل المضاف
مطابقًا لموصوفه المقدر، أي: قومًا أكابر، ولو لم يطابق لقيل: أكبر
مجرميها.
قوله: (وَلا يَنْصِبُ المَفْعُولَ مُطْلَقًا، وَلا يَرْفَعُ في
الغَالِبِ ظَاهِرًا إِلا في مَسْأَلَةِ الكُحْلِ) .
ذكر المصنف - رحمه الله - عمل اسم التفضيل، وهو يحتاج إلى شيء من
التفصيل، فأقول:
اسم التفصيل أحد المشتقات العاملة عمل الفعل، فيصح أن يتعلق به الظرف،
والجار والمجرور، نحو: هذا الخطيب أفصح في القول لساناً. فالجار
والمجرور (في القول) متعلق بـ (أفصح) .
وأما عمله:
فقد ذكر المصنف أنه لا ينصب المفعول به (مطلقًا) أي: سواء كان اسمًا
ظاهرًا أم ضميرًا، بل يصل إلى مفعوله باللام نحو: خالد أبذل للمعروف
وأسرع للنجدة. أو بالباء نحو: عليٌّ أعرف بالنحو من خالد، أما الحال
والتمييز فإن اسم التفضيل ينصبهما، فمثال الحال: خالد مفرداً أنفعُ من
عمرو معانًا. فالعامل في الحالين: (مفرداً، معاناً) هو اسم التفضيل
(أنفع) .
ومثال التمييز: المتقدمون أكثر صلاحاً من المتأخرين، فـ (صلاحاً) تمييز
منصوب باسم التفضيل.
__________
(1) سورة البقرة، آية: 96.
(2) سورة الأنعام، آية: 123.
وأما عمله الرفع فإنه يرفع الضمير المستتر باتفاق، نحو: العفة أكرم من
الابتذال، فاسم التفضيل (أكرم) رافع ضميراً مستتراً هو فاعله.
ولا يرفع الظاهر قياساً إلا إذا صح أن يقع في موضعه فعل بمعناه، وهذا
مطرد في كل موضع يقع فيه اسم التفضيل بعد نفي أو شبهه كالنهي، ويكون
مرفوعه أجنبياً مفضلاً على نفسه باعتبارين.
مثال تقدم النفي: ما رأيت رجلاً أحسنَ في عينه الكحلُ منه في عين زيد.
وهذا المثال يتردد في كتب النحو، وبه عرفت مسألةُ رفعِ اسمِ التفضيلِ
الاسمَ الظاهرَ بمسألة الكحل.
ففي المثال يصح وقوع الفعل موقع اسم التفضيل، فيقال: ما رأيت رجلاً
يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد. وقد تقدم في المثال نفي بـ (ما)
، ومرفوع اسم التفضيل وهو (الكحل) أجنبي لم يتصل بضمير يعود على
الموصوف، وقولنا: مفضلاً على نفسه باعتبارين. أي: أن هذا الأجنبي مفضل
على نفسه باعتبارين مختلفين، فالكحل في عين زيد أحسن من الكحل نفسه في
عين غيره من الرجال.
فـ (أحسن) اسم تفضيل نعت لـ (رجل) و (الكحل) فاعل لاسم التفضيل مرفوع.
ومثال النهي: لا يكن غيرُك أقربَ إليه الخيرُ منه إليك، فـ (أقرب) خبر
(يكن) منصوب و (الخير) فاعل لاسم التفضيل.
وأما الجر فإن اسم التفضيل يجر المفضول إذا كان مضافاً إليه، نكرةً
كان، نحو العالم أقدرُ رجلٍ على إزالة مشكلات الناس، أو معرفة نحو:
الذي يرى الأسد بكثرة أجرأُ الناس عليه. |