زينة العرائس من الطرف والنفائس في تخريج الفروع الفقهية على القواعد النحوية

بسم الله الرحمن الرحيم
وهو حسبي ونعم الوكيل
الحمد لله المتفرد بالجلال والجمال، والمتصف بصفات البهاء والكمال، أحمده حمدا كثيرا مباركا في المستقبل والحال، وأشكره شكرا يثقل الأرض والجبال، وأوحده توحيد عبد معترف بذنوبه الثقال.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ضد ولا ند، ولا وزير ولا مشير، إلها واحدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاة دائمة بالغداة والآصال، وسلم تسليما، وبعد: فهذا كتاب استخرت الله في استخراجه وإتقانه، ورسمت بعض ألفاظه من العربية، وكتبت عليها بعض المسائل الفقهية على مذهب الإمام المفضل والحبر المبجل أبي عبد الله أحمد بن محمد ابن حنبل رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة مثواه بمنه وكرمه، إنه سميع مجيب الدعوات، وأسأل الله أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

القاعدة الأولى
قاعدة: الكلمة لاتطلق على الكلام، على الصحيح عند النحويين وقال بعضهم: يقصد بها الكلام العام، واستدلوا بقوله تعالى: "كلا إنها كلمة هو قائلها"، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم "أفضل كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل. . ."، وغير ذلك.
إذا تقرر هذا، فمن فروع القاعدة: إذا حلف لا يكلمه فوق كلمة، حنث بالكلمة التي هو واحدة الكلام، مع أني لم أجد في هذه المسألة: نقل، والذي ينبغي أن يقال إن كان مراده بالكلمة واحدة الكلام حنث بما زاد عليها، وإن كانت نيته غير ذلك رجع إلى نيته، والله أعلم.
ومنها: إذا قال: إن كلمت زيدا فوق كلمة فإنك طالق، فكلمته فوق الكلمة التي هي واحدة الكلام طلقت.
ومنها - ما قالوا في الجنائز: إنه إذا تكلم أعاد تلقينه، فإن كان مرادهم الكلام، فتكلم كلمة لم يعد تلقينه، وإن كان مرادهم: الكلمة أعيد. ومرادهم والله أعلم، أنه إذا تكلم ولو كلمة أعيد والله أعلم.
ومنها: ما قالوا في الخطبة في الجمعة: إنه يحرم الكلام، فإن أريد به: الكلام الذي واحده الكلمة لم تحرم الكلمة، لأن الكلمة تطلق ويراد بها الكلام، مرادهم - والله أعلم - أنه يحرم الكلام والكلمة وهذه المسألة فيها ثلاث روايات: يحرم، لا يحرم، يحرم لغير الإمام ومن يكلمه، والله أعلم.
ومنها: إذا سلم قبل إتمام الصلاة، ثم تكلم لغير مصلحتها بطلت فمرادهم هنا، ولو كلمة التي هي واحدة الكلام، والله أعلم.
وكذا في جميع ما ذكروا في الفقه من تحريم الكلام أو كلام، فالمراد به - والله أعلم - الكلمة التي هي واحدة الكلم.

القاعدة الثانية
قاعدة: القول من معاني الأفعال وكلام جميع النحاة يدل عليه، لأنك إذا قلت: "قال" فهي فعل و"ضرب" فعل.
ومن فروع هذه القاعدة: إذا حلف لا يفعل فعلا، أو لا يعمل عملا، فهل يحنث إذا كلمه أم لا؟ حكى الشيخ تقي الدين بن تيمية رضي الله عنه في كتاب درء تعارض العقل والنقل أن المسألة على وجهين.
وقال في "الفروع": "قال شيخنا: الكلام يتضمن فعلا كالحركة، ويتضمن ما يقترن به من الحروف والمعاني، فلهذا نجعل القول قسيما له، وقسما منه تارة أخرى. وينبني على ذلك، من حلف لا يعمل عملا، فقال قولا كالقراءة ونحوها، هل يحنث أم لا؟ على وجهين في مذهب أحمد وغيره" وذكر في الخلاف في قوله عليه السلام للمسيء في صلاته:"وافعل ذلك في صلاتك كلها. . ."، أنه يرجع إلى القول والفعل جميعا، لأن القراءة فعل في الحقيقة، وليس إذا كان لها اسم أخص به من الفعل يمتنع أن يسمى فعلا.

القاعدة الثالثة
قاعدة: لا يشترط في الكلام صدوره من ناطق واحد، ولا قصد المتكلم لكلامه، ولا إفادة المخاطب شيئا يجهله على الصحيح في الثلاث كما ذكره في "الارتشاف" مثال الأولى: أن يقول أحدهم: زيد، ويقول الآخر: قائم.
ومن فروعها: إذا كان له وكيلان بإعتاق عبد، أو وقفه، أو طلاق امرأته، فاتفقا على أن يقول أحدهما هذا، ويقول الآخر: حر، أو طالق، عتق وطلقت لأنهما قد اتفقا على العتق.


ومنها - ما قاله الأسنوي: إذا قال: لي عليك ألف، فقال المدعى عليه: إلا عشرة أو غير عشرة أو نحو ذلك، فهل يكون مقرا بباقي الألف؟ أما باقي الألف فهو مقر بها، وليس مقرا بالعشرة. وهذه المسألة والله أعلم ليست من فروع هذه القاعدة.
ومنها: إذا قال رجل: امرأة فلان طالق، فقال الزوج: ثلاثا، فقال الشيخ تقي الدين: تخرج على وجهين، ذكره القاضي علاء الدين في "القواعد".
ومنها: إذا قال: لي عليك ألف، فقال: صحاح، ففيها وجهان ذكرهما القاضي علاء الدين، والله أعلم. قال الشيخ تقي الدين: "هذا أصل في كل كلام من اثنين"، أي كل كلام صدر عن شخصين، ففيه وجهان.
ومنها: إذا قال العبد: أنا، فقال السيد: حر، عتق العبد لأنه قد أتى بصريح العتق فوقع.
ومنها: إذا قال: إن كلمت إحداكن زيدا كلمة فهي طالق، فكلمتاه - الثنتان - كلمة لا تطلقا إلا أن يكون قصد عدم الكلام بالكلية، وذكروا ما يشبه هذا. فإن قال: إن كلمتما زيدا وعمرا فأنتما طالقتان، فكلمت كل واحدة واحدا طلقتا، جزم به الأصحاب.
والمسألة الثانية: إذا لم يقصد المتكلم كلامه، ككلام النائم والساهي والطيور.
ومنها: إذا تكلم في الصلاة ساهيا لغير مصلحتها فهل تبطل صلاته؟ في المسألة روايتان عن الإمام أحمد، الصحيح: البطلان جزم به أكثر الأصحاب.
ومنها: إذا قرأ ساهيا أو نائما أو طيرا سجدة، فهل يلزم من سمع السجود؟ الذي جزم به الأصحاب لا يلزمهم السجود، لأنهم قالوا: يعتبر أن يكون القارئ يصلح إماما له، وهؤلاء لا يصلحوا أن يكونوا أئمة، إلا اللهم أن نقول في الساهي: يلزم فيه السجود إذا كان يصلح إماما، والله أعلم.
ومنها: إذا وقف النائم أو الساهي، لم يثبت الوقف لأن النية معتبرة في الوقف، ولا نية هنا.
ومنها: إذا أتى بصريح العتق، عتق من الساهي، ولم يعتق من النائم، وكذا النكاح والطلاق، والله أعلم.
ومنها: إذا حلف لا يكلم زيدا، فكلمه نائما، أو جاهلا لم يحنث.
ومنها: إذا أقر النائم لم يصح، ولا الساهي.
والمسألة الثالثة: الكلام الذي لا فائدة فيه، مثل الشمس حارة، والسماء فوق الأرض، ويؤيد عدم تسميته كلاما.
منها: إذا حلف: لا أصعد السماء لو أن طرت أو قلبت الحجر ذهبا، أو رددت أمس، أو شربت ماء الكوز، ولا ماء فيه، أو شاء الميت، لم يحنث.
ومنها: ما قال الأسنوي: إذا حلف أن لا يحلف، قال: يرجح أصحابهم عدم الانعقاد، فلم أر فيها لأصحابنا شيئا، والله أعلم.

القاعدة الرابعة
قاعدة: يطلق الكلام على المعاني النفسانية، الصحيح في "الارتشاف" أنه إطلاق مجازي، وقيل مشترك بينهما، وقيل هو حقيقة في النفساني دون اللساني.
إذا علمت هذا. . فمن فروع القاعدة: إذا حلف لا يتكلم، ولا يقرأ، ولا يذكر، لم يحنث إلا بما لفظ بلسانه دون ما خطر بقلبه، أو أتى به قلبه.
ومنها: الغيبة: ذكر الشخص بما يكرهه، فلو خطر بقلبه لم يكن كذلك، وذكر الأسنوي عن الغزالي والنووي بلى.
ومنها: لو طلق بقلبه، ولم يتلفظ بلسانه وقع، جزم به ابن رجب في "شرح البخاري"، والله أعلم، وصح عن مالك أنه إذا أتى به بقلبه بلا لفظ. روايتين.
ومنها: الجنب يحرم عليه قراءة القرآن، فلو أتى بقلبه لم يحرم، جزم به غير واحد من الأصحاب، كما يأتي في الكتابة.
ومنها: الصائم إذا شتم استحب أن يقول: إني صائم، فيقول بقلبه وهو قائم مقام اللفظ، وقيل: يقول باللفظ، وقيل: باللفظ في رمضان، وبالقلب في النفل، أو واجب غيره، والأولى عندي عكسه، والله أعلم.
ومنها: أن الصائم يحرم عليه الرفث والفسوق والشتم ونحوه، وكذا الحاج، فلو أتى به قلبه كان حراما.
ومنها: العتق والنذر يصح بقلبه، ولو لم يأت بلفظه.

القاعدة الخامسة
قاعدة: يطلق الكلام أيضا على الكتابة والإشارة وما يفهم من حال الشيء، إلا أن الصحيح - كما قاله في "الارتشاف" - أنه إطلاق مجازي، وليس من باب الاشتراك.
إذا علمت ذلك فمن فروع المسألة: الأذان لا يصح بالإشارة لأنه إعلام، لأنه لا يحصل بالإشارة، والله أعلم.
ومنها: خطبة الجمعة، هل تصح بالإشارة، إذا كانوا جميعهم طرشانا، أو يصلون ظهرا؟ فيه وجهان. الذي قدمه ابن تميم يصلون ظهرا، وهو الصحيح ومنها: الأمان يصح بالإشارة، جزم به في "الوجيز" بكل ما يدل على الأمان، والله أعلم.


ومنها: البيع لا يصح بالإشارة، ولا بد فيه من اللفظ، إلا بيع المعاطاة، فإن فيه ثلاث روايات. هل يصح بلا لفظ، أو لا يصح؟ أو يصح في الشيء اليسير، وهو الذي اختاره القاضي، والله أعلم.
ومنها: الشهادة بالإشارة، لا تصح على الصحيح، ويحتمل أن تصح فيما طريقه الرؤية إذا فهمت إشارته.
ومنها: النكاح بالإشارة، قال في "الفروع": "وينعقد نكاح الأخرس بالإشارة المفهومة، نص عليه" ووالله أعلم.
ومنها: الوصية فأما الأخرس الذي لا تفهم إشارته، والصحيح الذي يقدر على الكلام، لا تصح الوصية منهما بالإشارة. وهل تصح من المثل لسانه بها؟ الصحيح عدم الصحة، وجزم به في "الوجيز"، ولنا احتمال بالصحة، وهو متجه.
ومنها: إذا حلف، لا تكلمه، فأشارت إليه لم يحنث على الصحيح، وجزم به في "الوجيز".
ومنها: إذا أشار إلى الصيد في الإحرام وهو محرم ضمنه، جزم به في "المقنع"، و"الوجيز"، وأكثر أصحاب الإمام أحمد.
ومنها: العتق، تقوم الإشارة فيه مقام النطق، ذكره ابن عقيل في "الفصول".
ومنها: الإقرار، فهل يصح بالإشارة، فذكر ابن عقيل في "الفصول" أن الإشارة فيه قائمة مقام النطق، والله أعلم.
ومنها: الإقرار، فهل يصح بالإشارة، فذكر ابن عقيل في "الفصول" أن الإشارة فيه قائمة مقام النطق، والله أعلم.
ومنها: الطلاق، وجزم ابن عقيل في "الفصول" أن الإشارة قائمة مقام اللفظ، واستدل عليه بصحة أمان المسلم الكافر بالإشارة، قاله ابن رجب في "شرح البخاري"، وهذا غريب.
ونقل عمرو بن عبد الواحد عن الأوزاعي في رجل قيل له:"أطلقت امرأتك؟ فأومأ برأسه، قيل له: كم؟ فأمسك ثلاثا". قال: لا شيء إلا أن يتكلم. قال ابن رجب في "شرح البخاري": "وذهب طائفة من العلماء إلى وقوعه بالنية المحددة، فالإشارة مع النية أولى".
وأما عدد الطلاق، فهل يكفي فيه الإشارة، فإذا قال: أنت طالق، وأشار بثلاث أصابعه ونوى الثلاث؟ فقال قتادة: "تبين منه بإشارته وظاهره أنه أوقع الثلاث بالإشارة مع النية"، وعند الشافعي وأبي عبيد هو كما لو نوى الثلاث ولم يتلفظ بها، ولا عبرة بإشارته، وكذا قال أكثر أصحابنا، وقد توقف أحمد في هذه المسألة، وحكى فيها خلافا، قال في رواية مهنا في رجل قال لامرأته: أنت طالق وأشار بثلاث أصابع، فقال: قد اختلفوا في هذه، فقال بعضهم: هي ثلاث، وقال بعضهم: هي واحدة.
وروى أبو عبيد بإسناده عن الليث عن الحكم قال: طلق رجل امرأته فأمسكوا بفيه، فأشار بأصابعه الثلاث، فأجمعوا أنه ما تكلم به، ولو قال: أنت طالق وأشار بأصابعه الثلاث، ولم يتلفظ بطلاق، فقال النخغي والشافعي لا تطلق، وهو ظاهر كلام أحمد، فإنه إن لم يتكلم بلسانه فأرجو أن لا يدخل عليه وإن عقد عليه قلبه، نقله عنه حرب، ومفهومه أنه إن أراد طلاقها طلقت.
قال الشعبي في رجل قال لامرأته: أنت هكذا، وأشار بأصابعه الثلاث: "إن نوى طلاقها فهو مانوى"، وللشافعي في هذه الصورة ثلاثة أوجه: إحداها: لا يقع به شيء.
والثاني: يقع به واحدة.
والثالث: يقع به الثلاث، وهو قول القفال وغيره.
بخلاف ما إذا قال: أنت ولم يقل هكذا، وأشار بأصابعه مع النية، لأن قوله: "أنت" ليس من ألفاظ الطلاق.
وإذا قال: أنت هكذا، فقد تكلم بجملة تامة، فسر اسم الإشارة بالطلاق، مع إشارته بأصابعه.
وللشافعية أن إشارة الناطق كناية، إن نوى بها الطلاق وقع كالأخرس.
ومذهب مالك أنه إذا أشار بالطلاق إشارة مفهومة عنه، مع نيته بقلبه فإنه يقع بالكتابة رواية واحدة المسألة الثانية: الكتابة منها: أن الجنب لا يجوز له أن يقرأ القرآن، ويجوز له كتابة القرآن، ذكره بعض أصحابنا، والله أعلم.
ومنها: الأمان يصح بالكتابة، وهو الذي ظاهر في كلام الأصحاب، لأنهم قالوا: يصح بكل ما دل عليه، فدخل فيه الكتابة.
ومنها: البيع لا يصح بالكتابة بلا خلاف فيه، والله أعلم.
ومنها: الوصية إذا كتبها بخطه صحت، جزم به الأصحاب، وهو نص أحمد، نقل حرب عن أحمد أنه سئل عن رجل ثقل لسانه، وكتب وصيته وقرأت، وقال برأسه: نعم. هل يشهدون عليه؟ قال: لا أدري، فظاهر هذا التوقف عنه، والصحيح عن الصحة، ولنا قول بعدم الصحة.


تحرير هذه المسألة: أنها إذا كانت بخطه تقبل على الصحيح، وإن كانت بغير خطه، وهي مشهود عليه فيها، وقرأه عليه، فالصحيح أيضا تقبل، والله أعلم.
ومنها: أن العتق بالكتابة يصح، كما هو ظاهر كلام ابن عقيل، والله أعلم.
ومنها: النكاح هل يصح بالكتابة؟ فقال في "المحرر": "ويصح بالكتابة والإشارة، نص عليه".
ومنها: الطلاق، وفيه ثلاث صور: إذا كتبه بما يبين ونوى الطلاق وقع، وجزبه في "الوجيز" و"المقنع"، وأكثر أصحاب الإمام أحمد.
الصورة الثانية: إذا كتبه ولم ينو الطلاق، لكن نوى غم أهله أو تجويد خطه، لم تطلق، جزم به في "المقنع" وأكثر الأصحاب. وهل تقبل دعواه في الحكم؟ يخرج على روايتين.
وإن لم ينو شيئا، لا تجويد خطه، ولا غم أهله، ولا شيء، فهل يقبل؟ فيه وجهان.
الصورة الثالثة: إذا كتبه بشيء لا يبين، لم يقع، جزم به في "الوجيز" وقدمه في "المقنع"، ولنا قول بالوقوع، وهو قول أبي حفص العكبري، والله أعلم بالصواب.
ومنها: إذا حلف لا تكلم زيدا، فكاتبته، حنث جزم به في "الوجيز" و "المقنع" وغيرهما.
ومنها: كتاب القاضي إلى القاضي، لا بد من الإشهاد عليه، وهو أن يقرأه عليهما، فإذا قرأه عليهما وأشهدهما بما فيه جاز، وإن كتبه وختمه وقال: أشهدا على بما فيه، ولم يقرأه عليهما، لم يجز لظاهر نص أحمد في الوصية، وخرج غير واحد الجواز في مسألة الوصية.
فأما إن كتبه وأرسله إليه من غير إشهاد، لم يقبل قولا واحدا، والله أعلم.
ومنها: الشاهد إذا وجد خطه، ولم يذكر الشهادة، وتحقق الخط، فهل له أن يشهد به؟ على روايتين. وجزم به في "الوجيز" بالشهادة عليه، والله أعلم.
ومنها: الحاكم، إذا وجد شيئا تحت ختمه في قمطرة بخطه، فهل له أن ينفذه؟ فيه روايتان، والذي جزم في "الوجيز" أيضا إنفاذه.
ومنها: إذا وجد في دفتر له عليه دينا لزمه قضاءه، وأما إذا وجد أن لأبيه دينا، فهل له أن يحلف عليه؟ فإن تحقق أنه أباه لم يقبضه فله أن يحلف عليه، وإلا فلا، والله أعلم.
ومنها: الإقرار، هل يصح بالكتابة؟ لم أر فيه شيئا المسألة الثالثة: وهو ما يفهم من حال الشيء، منها: ما حكاه الطحاوي عن الأوزاعي في أعجمي ناول امرأته حبلا، فأمسك بطرفه، والمرأة بطرفه الآخر، ثم أخذ سكينا وقطعه، وقال: أردت بذلك الطلاق، أنها تطلق. ذكره ابن رجب في "شرح البخاري".
ومنها: إذا حلف لا تكلم زيدا، فكلمته، فلم يسمع لشغل أو غفلة، أو سكرانا، أو مجنونا، أو أصم، أو راسلته، حنث، جزم به في "الوجيز"، وقدمه في "المقنع".
وإن كلمته ميتا أو غائبا، أو مغمى عليه، أو نائما لم يحنث، جزم به في "الوجيز"، وقدمه في "المقنع"، ولنا قول بالحنث، وهو قول أبي بكر بن جعفر من أصحابنا، والله أعلم.

القاعدة السادسة
قاعدة: الضمير إذا سبقه المضاف والمضاف إليه، وأمكن عوده على كل منهما على انفراده كقوله: "مررت بغلام زيد فأكرمته"، فإنه يعود على المضاف دون المضاف إليه، لأن المضاف هو المحدث عنه، والمضاف إليه وقع ذكره بطريق التبع، وهو تعريف المضاف أو تخصيصه.
كذا ذكره أبو حيان في " تفسيره" وكتبه النحوية، وأبطل استدلال ابن حزم ومن نحا نحوه كالماوردي في الحاوي على نجاسة "الخنزير" بقوله تعالى: (أو لحم خنزير فإنه رجس) ، حيث زعموا أن الضمير في قوله تعالى: (فإنه رجس) ، يعود إلى الخنزير، وعللوه بأنه أقرب مذكور.
إذا علمت هذا فمن فروع المسألة: إذا قال له: علي ألف درهم ونصفه، قال الأسنوي:"فالقياس يلزمه ألف وخمس مائة لا ألف ونصف درهم، وهكذا القول في الوصايا، والبياعات، والوكالات، والإجارات وغيرها، والله أعلم.

القاعدة السابعة
قاعدة: الضمير في "أنت" - بفتح التاء للمذكر وكسرها للمؤنث واختلفوا، فقال الفراء: "جميعه هو الضمير"، وقال ابن كيسان: "الاسم منه "التاء" فقط"، وذهب بعض المتقدمينفيه إلى أنه مركب من "ألف" أقوم، و"نون" نقوم، و"تاء" تقوم، ولا أصل له. قال في "الإرتشاف" وغيره: إلا أنه يشار إلى المؤنث بإشارة المذكر على إرادة الشخص وعكسه، كذلك أيضا بتقدير الذات أو التسمية ونحوهما.
إذا تقرر هذا، فمن فروع القاعدة: إذا قال لعبده: أنت - بكسر التاء - حر عتق، لأنه أتى بصريح العتق فيقع، ولا عبرة بالضمير ههنا، والله أعلم.


ومنها: الطلاق يقع، ولو أتى بفتح " التاء " والله أعلم.
ومنها: إذا قال للرجل "زنيتِ" بكسر التاء، وللمرأة "زنيتَ" - بفتحها - كان صريحا في القذف، جزم به في "الوجيز" وهو قول أبي بكر، وقدمه في "المقنع"، وليس بصريح في وجه آخر اختاره ابن حامد، والله أعلم.
ومنها: الشهادة، فلا بد أن يأتي فيها بلفظ المذكر للمذكر، والمؤنث للمؤنث، فلو جعل المؤنث مذكرا، أو المذكر مؤنثا لم تقبل.

القاعدة الثامنة
قاعدة: ضمير الغائب قد يعود على غير ملفوظ به، كالذي يفسره سياق الكلام.
من فروع المسألة: إذا قال: له علي درهم ونصفه، فإنه يلزمه درهم كامل ونصف درهم غيره، والتقدير كما قال ابن مالك: ونصف درهم آخر، إذا لو كان عائدا إلى المذكور، لكان يلزمه درهم واحد، ويكون قد أعاد النصف تأكيدا وعطفه لتغاير الألفاظ.
ومنها: إذا قال: امرأته طالق، وعنى نفسه، فيقع الطلاق، لأنه أتى بصريح الطلاق فيقع، إلا أن نقول: إنه نحو إذا قال: أنا طالق، فلا شيء عليه، وكذا أنا منك طالق، ولنا احتمال بالقوع.
والصحيح في الأول: أنه صريح، ولا يقبله قوله في هذا، ولو قبلنا قوله في هذا لأفضى إلى أن كثيرا من الناس يطلقون، ثم يقولون: أردنا هذا.
وذكر الأسنوي عن الشافعية: قولان، وقال: "حكاهما القاضي شريح الروياني عن جده. . . أبي العباس، وزاد في الروضة للشافعية فقال أرجح الوجهين الوقوع". والله أعلم.
ومنها: إذا شرط الخيار يوما ونصفه، فإن النصف يكون غير اليوم بلا نزاع. وجميع ما يرد كذا، فإن الضمير لا يعود إلى الملفوظ به، والله أعلم.

القاعدة التاسعة
قاعدة: الضمير المرفوع للواحد المتكلم "تاء" مضمومة، وللمخاطب "تاء" مفتوحة إذا تقرر هذا فمن فروع القاعدة: إذا قال في قراءة الفاتحة: "أنعمتُ" بكسر "التاء" أو ضمها - فلا يخلو إما أن يكون هذا أماما أو منفردا، فإن كان إماما لم تصح إمامته، وإن كان يقدر على إصلاحه لم تصح صلاته، وكذا المنفرد، وإن لم يقدر صحت.
ومنها: إذا قال في البيع: "بعتَك" - بفتح التاء - فالذي يتوجه عدم الصحة، وقد ذكر بعض أصحابنا ما هو مثل هذا، فقالوا: إذا أتي في البيع بلفظ المضارع، مثل إن قال: "فَتَبِعْنِي" أو قال: أبيعُك" لم يصح، وهذا أولى، بل هو مثله، لأن "بعتَك" تحيل المعنى الذي هو دال على البيع. قال الأسنوي: "فكأنه باع نفسه إلى نفس المشتري لما قال: بعتك، والله أعلم.
ومنها: الرهن، إذا قال: رهنتَك - بفتح التاء - والذي يتوجه هنا من الرهن الصحة.
ومنها: الإجارة، والنكاح، وهما كالبيع، والذي تقدم في البيع جميعه يجري فيهما، والله أعلم.
وقد أفتى جماعة من الحنابلة المتوسطة أنه كان يعرف هذا في النكاح، فلا يصح، وإن كان لا يعرفه صح، قال الشيخ موفق الدين: "يصح لأن في الغالب لا يقوله إلا من لا يعرفه، والظاهر أنه كان لا يعرفه، فإذا عرفه وقصد هذا، مثل: إن أراد لا يعرفه ونحوه، فلا يصح، والله أعلم.

القاعدة العاشرة
قاعدة: الظاهر قد يقع موقع الضمير في الصلة وغيرها، ومنه قول العرب:"أبو سعيد الذي رويت عن الخدري أي عنه، وقول الشاعر:

وأنت الذي في رحمة الله أطمع
أي في رحمته ومذهب سيبويه أن ذلك لا ينقاس، وخالف فيه بعضهم.
إذا علمت ذلك فمن فروع القاعدة: إذا كان اسمه زيد، فنودي: يازيد، فقال: غلام زيد حر، عتق عبده، لأنه قد أتى بصريح العتق، ولا يقبل منه غير هذا.
ومنها: في الطلاق إذا قيل له: يازيد، فقال: امرأة زيد طالق، طلقت امرأته إن عنى نفسه، لأنه أتى بصريح الطلاق وإن عنى غيره، فالذي ينبغي أنه لا تطلق امرأته، والصحيح عند الشافعية وقوع الطلاق، ولهم قول بعدم الوقوع، إلا أن يريد نفسه.
ومنها: إذا كان اسم زوجته هند، وامرأة أخرى اسمها هند، فقال: هند طالق، طلقت امرأته، جزم به في "الوجيز" و"المقنع"، وقال في "المقنع": "إن أراد امرأته طلقت، وإن أراد الأجنبية لم تطلق، وإن ادعاه دين فيما بينه وبين الله تعالى". وهل يقبل قوله في الحكم؟ خرج الأصحاب في روايتين.


ومنها: إذا نادى امرأته، فأجابته امرأة له أخرى، فقال: أنت طالق ففيها صور. أحدها: إجراء اللفظ على ظاهره، فهل تطلقان أو المناداة وحدها؟، على روايتين. الصورة الثانية: إذا قال: علمت أنها غيرها وأردت طلاق المناداة، طلقتا معا، جزم به في "المقنع"، و "الوجيز" وأكثر أصحاب الإمام أحمد. الصورة الثالثة: إذا قال: أردت طلاق الثانية وحدها، طلقت.
ومنها: إذا لقى امرأة ظنها زوجته، فقال: فلانة أنت طالق، طلقت امرأته، جزم به أكثر أصحاب الإمام أحمد.
ومنها: إذا لقي امرأة فظنها أجنبية، فقال: أنت طالق، لم تطلق امرأته، جزم به في "الوجيز"، والله أعلم.
ومنها: إذا كان اسم امرأته "فاطمة"، فقال: "فاطمة طالق"، فإن أراد امرأته طلقت، وإن لم يرد امرأته لم تطلق، وإن ادعاه دين، وهل يقبل في الحكم؟ يخر على الروايتين، وللشافعية وجهان: أحدهما: هكذا، قال الأسنوي: "ويشبه أن يكون هو الأصح". والوجه الثاني: تطلق امرأته، والله أعلم بالصواب.