زينة العرائس من الطرف والنفائس في تخريج الفروع الفقهية
على القواعد النحوية القاعدة الحادية عشر
قاعدة: إذا اشتركت الجملة الأولى، والجملة المعطوفة عليها في اسم، جاز
أن تأتي به في الثانية ظاهرا كقولك في كلمتي التشهد: "أشهد أن لا إله
إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله"، وضميرا كقولك: " ... ورسوله".
إذا علمت هذا، فيتفرع عليه: ما إذا أتى به في التشهد في الصلاة ضميرا،
فقال: "ورسوله"، فلم أر لأصحابنا فيها شيئا، وأما الأسنوي فحكى لهم
فيها وجهين.
ومنها: إذا وكل إنسان آخر في شيء، ثم إن الوكيل قال للبائع: بعتَ هذا
لموكلي، فقال: بعتُه، فهل يصح هذا؟ فالمتبادر إلى الفهم الصحة، وقد
يقال بعدم الصحة من المسألة الأولى، وهو ما إذا قال: "بعتَك" - بفتح
التاء -.
ومنها: إذا قيل له يا زيد، فقال: زيدا، عتق عبده بغير خلاف فيه، وأما
في الطلاق فهي تشابه ما تقدم.
القاعدة الثانية عشر
قاعدة: الفصل صيغة ضمير مرفوع منفصل، يؤتى به بين المبتدأ والخبر، نحو
زيد هو القائم، أو ما أصله المبتدأ والخبر نحو كان زيد هو القائم. وهو
حرف عند الأكثرين، وصححه ابن عصفور، وقيل هو اسم، وعلى هذا فلا موضع له
من الإعراب. وقيل محله محل ما قبله، وقيل ما بعده، وفائدته التأكيد على
المشهور.
قاله أبو حيان، وقال السهيلي: الحصر.
إذا علمت هذا، فمن فروع القاعدة: التعاليق والأيمان كقولك:" والله إن
زيدا هو القائم، أو هو الآكل، أو هو القاعد، أو هو النائم، ونحوه، فهل
يحنث بقيام غيره، وأكل غيره، وقعود غيره، ونوم غيره، وصيام غيره، إذا
كان الغير هو الفاعل دونه".
القاعدة الثالثة عشر
قاعدة: "من" في إطلاقها على العاقل، وتقع أيضا "ما" لمختلط بمن بعقل،
وذهب قطرب إلى أن "من" تقع على من لا يعقل من غير اشتراط شيء بالكلية،
و"ما" لما لا يعقل، وتقع أيضا - كما قاله ابن مالك - على المختلط
بالعاقل، وذهب جماعة أيضا إلى أنها تقع على من يعقل بلا شرط، وادعى ابن
خروف أنه مذهب سيبويه. وتطلق أيضا "ما" على العاقل، إذا كان مبهما لا
يعلم أذكر هو أم انثى إذا علمت هذا، فمن فروع القاعدة: قول الفقهاء: من
رأي هلال رمضان لزمه الصيام، مرادهم به إذا كان عاقلا مكلفا، فالمجنون
وغيره لا يلزمه الصيام، وكذا من جامع لزمته الكفارة، وجميع هذا.
ومنها: إذا وقع في الدار حجر من سطح، فقال الزوج، إن لم تخبريني من
رماه أنت طالق، فحكى الأسنوي أن في "فتاوى القاضي حسين"، أنها إن قالت:
رماه مخلوق لم تطلق، وإن قالت: رماه آدمي طلقت، لأنه قد يكون رماه كلب
أو غير آدمي.
ويرد على هذا أن "من" لمن يعقل، فكيف يسأل بصيغة "من يعقل" وتجيبه
بصيغة "من لا يعقل"، ولا تطلق.
ومنها: إذا وصى له بما تحمل هذه الجارية، صح ويعطى ما تلد.
ومنها: إذا قال: غصبتك ما تعلم، ولم يعلم شيئا، حبس على تفسيره، فإن
فسره بنفسه لم يقبل.
ومنها: قولهم في الحج: مستطيعه هو أن يجد مؤنته ومن يمؤنه، فإذا كان له
دابة ولم يجد ما يمؤنها، لا يلزمه الحج، لكن في "المقنع" و "مؤنة
عياله"، وأما إذا وجد دابة ولم يجد علفها، فما أظن أحدا يقول بوجوب
الحج عليه. والله أعلم.
القاعدة الرابعة عشر
قاعدة: صيغة "ما" في قول القائل: خذ ما شئت، يجوز أن تكون موصولة، وأن
تكون مصدرية ظرفية، أن مدة مشيئتك.
إذا علمت هذا، فمن فروع المسألة: إذا قال
لامرأته: أنت طالق ما شئت، فإن كان مراده القدر الذي تشاء فيرجع فيه
إلى العدد الذي تشاء، وإن كانت مصدرية طلقت عند مشيئتها له طلقة واحدة.
ومنها: إذا قال: أنت طالق ما شاء الله، فالذي ينبغي هنا الطلاق، ولم أر
الأصحاب ذكروها، لكن في كلامهم ما يشبهها، وهي إذا قال: أنت طالق ما لم
يشأ الله، تطلق، والله أعلم.
ومنها: إذا كان له عنده وديعة، أو كتاب أو مال، وحلفه خصمه فحلف هكذا،
فقال" ما لك عندي وديعة، أو ما لك عندي كتاب، أو مالك عندي مال، لم
يحنث ذكره في "المقنع" وغيره، هذا إذا كان مظلوما، وأما الظالم فلا
ينفعه تأويله، والله أعلم.
القاعدة الخامسة عشر
قاعدة: "من" تكون للمعلوم، و"ما" تكون للمجهول في الغالب منها: إذا
قال: بعتك ما في بطن هذه الأمة لم يصح، لأنه مجهول.
ومنها: إذا قال: بعتك من الصبرة كل قفيز بدرهم لم يصح، ذكره الأصحاب.
ومنها: إذا قال: ما زرعت من شعير فكل نصفه، وما زرعت من حنطة فكل ربعه،
ولم يصح وعلله بأنه مجهول.
ومنها: إذا قال: من زرع كذا فله كذا، ومن زرع كذا فله كذا فهل يصح أم
لا؟ في المسألة وجهان.
القاعدة السادسة عشر
قاعدة: "ما" النافية إذا دخلت عليها "إن" صيرتها إثباتية، تقول في
النافية: ما أنت حيوان، وإذا دخلت عليها "إن" تقول إنما أنت حيوان.
إذا تقرر هذا فمن فروع القاعدة: إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن،
حلف كل واحد منهما أيمانا تجمع إثباتا ونفيا، يقول البائع: ما بعته
بكذا، وإنما بعته بكذا، ويحلف المشتري: ما اشتريته بكذا، وإنما اشتريته
بكذا.
ومنها: في العتق، إذا قال له: ما أنت حر، لم يعتق بغير خلاف فيه، وإذا
قال: إنما أنت حر عتق، وكذا في الطلاق، إذا قال: ما أنت طالق لم تطلق،
فإذا قال: إنما أنت طالق طلقت.
ومنها: في القذف، إذا قال: ما زنيت، لم يكن قذفا، إلا أن يكون في
خصومة، فهل يكون صريحا أو كناية؟ في المسألة وجهان. وإن قال: ما زنت
أمي، فجزم ابن مفلح في "أصوله" أنه صريح في القذف، وإن قال: إنما زنيت،
فهو صريح في القذف قد يحد به، والله أعلم بالصواب.
القاعدة السابعة عشر
قاعدة: إذا احتمل كون "أل للعهد وكونها لغيره كالعموم، أو الجنس، فإنا
نحملها على المعهود، لأنه تقدمه قرينة مرشدة إليه".
إذا علمت ذلك، فمن فروع القاعدة: الطهارة لها معان، وإذا أطلقت إنما
تنصرف إلى الطهارة المعهودة وهو الوضوء والغسل، لا إلى غيره، كما قال
الشيخ شمس الدين بن أبي عمر: "الطهارة إذا أطلقت إنما تنصرف إلى
الموضوع الشرعي، وكذا كل ما له معنى في الشرع واللغة إنما ينصرف إلى
الموضوع الشرعي دون غيره، كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والاعتكاف
ونحوه، وكالبيع، والنكاح، وسائر ما له معان" والله أعلم.
ومنها: إذا وصى له بدابة من دوابه، فالدابة اسم لك ما دب على الأرض،
ولكن المعهود أنها إنما تطلق على الخيل والبغال والحمير، فيعطى من
الخيل والبغال والحمير، جزم به في "المقنع" وغيره.
ومنها: إذا أوصى له بشاة أو بعير وثور، فالشاة في الحقيقة اسم للذكر
والأنثى، والبعير والثور اسم للذكر والأنثى، وفي العهد اسم للشاة
الأنثى، والبعير والثور للذكر، فهل يغلب العهد والحقيقة، فالذي جزم به
في "الوجيز" وقدمه في "المقنع" تغليب العهد، واختار الأصحاب تغليب
الحقيقة.
ومنها: إذا قال: الطلاق يلزمني، قال ابن رجب: "يراد به طلاق الجنس
واستغراق الجنس" كما سيأتي في القاعدة التي بعدها.
ومنها: إذا وصى له بقوس، وله أقواس، فإنه يعطى قوس النشاب، لأنه
المعهود، وهو أظهر القسي، جزم به الأصحاب والله أعلم.
ومنها: إذا حلف لا يدخل الدار، أو دار فلان فدخلها، فصارت فضاء، أو
حماما، أو مسجدا، أو بستانا، أو باعها فلان، حنث، جزم به في "الوجيز"،
وقدمه في "المقنع"، وكذا ما لو حلف لا يلبس القميص، فجعل سروالا أو
عمامة، ونحو هذا.
ومنها: إذا حلف لا يأكل اللحم، فأكل الشحم، أو الكرش، أوالمخ، أو
الكبد، أو الطحال، أو المصران ونحوه لم يحنث، جزم به في "المقنع" و
"الوجيز" وأكثر الأصحاب، وكذا لو أكل المرق، جزم به في "الوجيز"، ونقل
عن أحمد: "لا يعجبني". قال أبو الخطاب: "هذا على سبيل الورع".
ومنها: إذا حلف لا يأكل اللبن، فأكل الزبد،
أو السمن، أو الجبن، أو المصل، لم يحنث، جزم به الأصحاب.
ومنها: إذا حلف لا يشرب الماء، حنث بالماء المعهود. ولم يحنث بماء
الورد، وماء الاهتباد، وماء الحمص، وماء الباقلاء ونحوه. وإ وإذا شرب
ماء البحر المالح حنث، وحكي عن الشافعية قولان.
ومنها: إذا حلف لا يأكل الجوز، فأكل جوز الهند لم يحنث.
ومنها: إذا حلف لا يأكل البطيخ، حنث بأكل الأخضر والأصفر، وحكى الأسنوي
أنه لا يحنث عندهم، وهو مشكل.
ومنها: إذا حلف لا يشم الريحان، فشم الورد، أو البنفسج، أو الياسمين،
أو لا يشمهما فشم دهنهما أو ماءهما، لم يحنث، جزم به في "الوجيز" وقدمه
في "المقنع"، وقال بعض أصحابنا: يحنث، والله أعلم.
ومنها: إذا حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا حنث، جزم به في "الوجيز"
واختاره الخرقي، وقدمه في "المقنع"، واختار ابن أبي موسى عدم الحنث.
ومنها: إذا حلف لا يأكل الرأس والبيض، حنث بأكل الرؤوس المعهودة، وهو
الرأس يؤكل منفردا، والبيض المعهود لا يؤكل بائضه حال الحياة، ذكره أبو
الخطاب، وجزم في "الوجيز" وقدمه في " المقنع"، واختار القاضي يحنث بأكل
رؤوس الطير والسمك وبيض السمك والجراد.
ومنها: إذا حلف لا يركب، فركب سفينة لم يحنث، وجزم في "الوجيز" وقدمه
في "المقنع" الحنث.
ومنها: إذا حلف لا أكلت السويق فشربه، أو لا شربته فأكله، لم يحنث في
ظاهر نص أحمد، لأنه قال فيمن حلف لا يشرب النبيذ فثرد فيه وأكله: لا
يحنث، وقال الخرقي: "يحنث". وخرج الأصحاب من كلام أحمد في كل ما كان
مأكولا، فحلف لا يأكله، فشربه أو عكسه وجهين.
وقال القاضي: إن عين المحلوف عليه حنث، وإلا فلا. وأكثر ثمار الأيمان
يدخل في هذه القاعدة، لأن كل ما كان في "أل" وكان فيه معهود وعام يدخل
فيها، والله أعلم.
القاعدة الثامنة عشر
قاعدة: الاسم المحلى ب "أل" التي ليست للعهد تفيد أي "أل" العموم مفردا
كان أو جمعا، والمضاف كالمحلى ب "أل" فيما ذكرناه في إفادة العموم
والجمع بطريق أولى. والكلام الآن في المفرد والجمع المضافين أو
المعرفين ب "أل" تفيده العموم.
إذا عرف ذلك، فيتفرع على القاعدة مسائل: منها: بطلان بيع الغرر بقولك:
"نهي عن بيع الغرر"، فدخل فيه جميع ما فيه غرر، من بيع الحمل في البطن،
والصوف على الظهر، واللبن في الضرع، والمسك في الفار، والنوى في التمر.
ومنها: تحريم بيع اللحم بالحيوان بقولك: "نهى عن بيع اللحم بالحيوان"،
فدخل فيه كل لحم بكل حيوان، سواء كان الحيوان يؤكل أو لا، وبيع اللحم
بجنسه من الحيوان الحرام، جزم به الأصحاب. وفي بيعه بغير جنسه وجهان.
ومنها: إذا قالت المرأة: أذنت للحاكم أن يزوجني، وكان في البلد حكام،
فعهد لكل واحد أن يزوجها، لم أر لأصحابنا في هذه المسألة كلاما، وأما
الشافعية فذكر ابن الصلاح في فتاويه جوازه، والله أعلم.
ومنها: إذا أوصى زيد بثلث ماله، فهل يكون للجميع؟.
مقتضى كلام أصحابنا أنه لجميعهم، إلا أن يوصي لبنيه فيكون للذكور، وعند
الشافعية أيضا هو لجميعهم، ذكره الروياني في "البحر" ومنها: إذا قال:
والله لأشربن ماء الكوز أو الإداوة، أو البئر، لم يبرأ حتى يشرب جميعه.
وإن قال: لا شربته، فقال الشافعية: لا يحنث بشرب بعضه، ولم أر لأصحابنا
فيه شيئا.
ومنها: إذا حلف لا يأكل الخبز الذي في البيت، لم يحنث حتى يأكل الجميع.
إن حلف: والله لأكلن الخبز الذي في البيت، لم يبرأ حتى يأكل جميعه.
والله أعلم.
ومنها: إذا قال الإمام للقاضي: وليتك الحكم، فكانت ولايته عامة في جميع
الأشياء.
ومنها: ما ذكره الأسنوي: إذا قال لثلاث نسوة: من تخبرني منكن بعدد
ركعات الصلاة المفروضة في اليوم والليلة، فهي طالق. فقالت واحدة: سبعة
عشر ركعة، وقالت الثانية: خمسة عشر، وقالت الثالثة: إحدى عشر، لم تطلق
واحدة منهن، فالأول معروف، والثاني يوم الجمعة، والثالث في السفر.
نقله الأسنوي عن الرافعي، والرافعي عن القاضي حسين. قال الأسنوي:"وهو
كلام غير محرر"، وهو كما قال، لأنه عام، لأن القاعدة للعموم، فعم السفر
والحضر وغير ذلك، فتخصيصه بالسفر مشكل، وقد حرره الأسنوي في كتابه
فعاوده.
ومنها: إذا قال: الحرام يلزمني، أعني به
طلاقا، طلقت واحدة، وعنه أنه ظهار، وإن قال: أنوي به الطلاق: طلقت
ثلاثا بغير خلاف في العدد عند أصحابنا، وعنه أنه ظهار أيضا.
ومنها: إذا قال: الطلاق يلزمني، ونوى الثلاث، طلقت ثلاثا، وإن لم ينو
شيئا، فهل تطلق ثلاثا أو واحدة؟ على روايتن، وإن نوى واحدة فلم أر فيها
شيئا، إلا الشافعية لا يقع إلا واحدة، والله أعلم.
قال ابن رجب في "القواعد" في القاعدة التاسعة والخمسين بعد المائة:
"إذا قال: الطلاق يلزمني، فهل يلزمه واحدة أو ثلاث؟ على روايتين، لأن
الألف واللام قد أراد بها العهد في الطلاق المعهود المسنون، وهو
الواحدة - وهذا يجيء على القاعدة التي قبل هذه - قال -: ويراد بها مطلق
الجنس، ويراد بها استغراق الجنس، لكنها في الاستغراق والعموم أظهر.
والمتيقن في تلك الواحدة، والأصل بقاء النكاح.
وعلى رواية وقوع الثلاث. . . فلو نوى بها ما دونها، فهل يقع به ما نواو
خاصة أو يقع به الثلاث، ويكون دون ذلك صريحا في الثلاث؟ فيه طريقا
للأصحاب.
ولو قال: الطلاق يلزمني، وله أكثر من زوجة، فإن كان هناك نية أو سبب
يقتضي التعميم أو التخصيص عمل به.
ومع فقد النية والسبب خرجها بعض الأصحاب على الروايتين في وقوع الثلاث
بذلك على الزوجة الواحدة، لأن الاستغراق في الطلاق يكون تارة في نفسه،
وتارة في محله، وقد فرق بعضهم بينهما بأن عموم المصدر لإفراده أقوى من
عمومه لمفعولاته، لأنه يدل على أفراده بذاته عقلا ولفظا، ويدل على
مفعولاته بواسطة، فلفظ الأكل والشرب - مثلا - يعم الأنواع منه،
والأعداد أبلغ من عموم المأكول والمشروب إذا كان عاما، فلا يلزم من
عمومه لأفراده وأنواعه عموم لمفعولاته. ذكر هذا كله الشيخ تقي الدين
بمعناه.
وفي موضع آخر قوي وقوع الطلاق بجميع الزوجات دون وقوع الثلاث بالزوجة
الواحدة، وفرق بأن وقوع الثلاث بالواحدة محرم، بخلاف وقوعه بالزوجات
المتعددات.
وقد يقال: إن قوله الطلاق يلزمه، وإن كان صيغة عموم، لكن إن لم ينو
عمومه، كان مخصصا بالشرع عند من يحرم جمع الثلاث، وهو ظاهر المذهب،
فتكون المسألة حينئذ من صور التخصيص بالشرع.
ومنها: دعوى "الأصل في الأبوال كلها النجاسة" لقوله صلى الله عليه
وسلم: "تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه"، والأصحاب يحملوا
الألف واللام هنا على العهد، وهو بول الآدمي بقرينة.
ومنها: دعوى جواز التكبير في الصلاة بقول المصلي: "الله الأكبر أو
الكبير" أو إذا نكس على الخلاف في ذلك، استدلالا بقوله عليه السلام:
"تحريمها التكبير.."، والمذهب "تخصيص الله أكبر"، فتكون الألف واللام
للعهد، لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر بغير هذا.
ومنها: دعوى جواز" السلام" للخروج من الصلاة بقوله: "عليكم السلام"و
"سلام عليكم" بغير تعريف، وفي المسألة وجهان ذكرهما القاضي أبو يعلى في
"الجامع الكبير" وغيره، هل هما للعهد أو العموم؟ فإن أتى به بغير الألف
واللام ففيه أوجه: أحدها: الإجراء إذا نونه، وهو احتمال أبداه في
"الجامع الكبير"، وقد أومأ إليه أحمد في رواية مهنا.
والثاني: عدم الإجزاء على أنهما للعهد.
والثالث: عدم الإجزاء مطلقا، سواء نونه أو لا.
ومنها: إذا تيمم ونوى الصلاة أو أطلق، فالذي قاله في "المقنع" أنه لا
يصلي الفرض، والذي ينبغي صلاتها، وحكى الأسنوي عن الشافعية وجهين.
ومنها: إذا قال: له علي كذا كذا درهم، فتارة يقوله كذا بلا عطف، وتارة
بقوله معطوفا، وهو أن يقول: كذا وكذا.
فإن قاله بلا عطف أعطي درهما، ومع العطف درهمين، وهكذا حكى الأسنوي عن
الشافعية قال: "فلو أفرد الدينار مع الإضافة أعطي حبتين عند العطف،
وحبة واحدة عند عدمه.
وفرق أصحابنا في هذا وقالوا: الدرهم تارة يؤتى به بعد العطف والإضافة
مرفوعا، وتارة مخفوضا، وتارة منصوبا، فإن كان مرفوعا لزمه في العطف
والإضافة، ومع الخفض يلزمه بعض درهم، ومع النصب يلزمه درهم عند أبن
حامد، ودرهمان عند أبي الحسن التميمي، والله أعلم.
ومنها: إذا قال لزوجته: إذا قدم الحاج فأنت طالق. فهل تطلق بأول قدوم
بعضهم، أو لا تطلق حتى يقدم جميعهم؟ المتعين تطلق بأول قدومهم، مالم
تكن نيته قدوم الجميع.
ومنها: إذا قال: إذا كان حملك ذكرا، فأنت طالق طلقة، وإن كان أنثى
فطلقتين، فولدت ذكرا وأنثى، لم تطلق، جزم به في "المقنع"، وأكثر أصحاب
الإمام، لأن حملها ليس بذكر وليس بأنثى، بل الذكر بعضه والأنثى بعض.
وهذا موافق لكون المضاف للعموم، وإن قال: إن كنت حاملا، مكان "إن كان
... " طلقت ثلاثا.
ومنها: إذا قال السيد لعبده: إذا قرأت القرآن فأنت مدبر، فقرأ بعضه لم
يصر مدبرا، جزم به الأصحاب.
ومنها: إذا حلف لا رأى منكرا إلا رفعه إلى الوالي، من غير تعيين وال،
فهل يتعين في المنصوب وبكل من ينصب بعده؟ في المسألة وجهان: قال في
"الترغيب": "لتردد الألف واللام بين الجنس والعهد".
ومنها: إذا قال: إن ولدت ذكرا فأنت طالق واحدة، وإن ولدت أنثى فأنت
طالق اثنتين فولدت ذكرا وأنثى.
طلقت بالأول، وبانت بالثاني، ولم تطلق به، ذكره أبو بكر، وقال ابن
حامد، تطلق به.
المسألة الثانية: وهو الجمع المحلى ب"أل" أو المضاف، إذا لم يقم قرينة
تدل على معهود.
ويتفرع عليه: إذا قال: إن كان الله يعذب الموحدين فأنت طالق، طلقت.
ومنها: لا يجوز التسمية بملك الملوك، وسلطان السلاطين، وجبار الجبابرة.
ذكره الشيخ شمس الدين بن القيم في كتاب "تحفة المودود".
ومنها: ما قاله الأسنوي عن ابن عبد السلام: لا يجوز الدعاء للمؤمنين
والمؤمنات أن يغفر الله ذنوبهم جميعها، ولا بعدم دخولهم النار، وما
قاله فيه نظر.
وقال هو عن قول نوح: إنه فعل في سياق الإثبات، وذلك لا يقتضي العموم،
لأن الأفعال نكرات ويجوز بها قصد معهود خاص، والذي ينبغي أن هذا يجوز،
والله أعلم.
ومنها: إذا وقف على فقراء بلد، أو أقاربه، أو جماعة يمكن حصرهم
واستيعابهم، وجب تعميمهم والتسوية بينهم، وإن لم يمكن جاز تفضيل بعضهم
على بعض، وإلا فيصار على واحد منهم، ويحتمل أن لا يجزيه أقل من ثلاثة.
ومنها: إذا حلف ليصومن الأيام، فهو ثلاثة أيام، جزم به في "المقنع" في
كتاب "جامع الأيمان" ونقله الرافعي عن بعض الشافعية، وحكى الأسنوي
احتمالا عندهم أنه أيام العمر، والله أعلم.
وكذا لو قال: الأشهر، فلو قال: الشهور، فهي اثنى عشر، ذكره القاضي،
وعند أبي الخطاب هي ثلاثة، والله أعلم.
القاعدة التاسعة عشر
قاعدة: الفاعل يطلق على الحال، وعلى الاستقبال، وعلى المضي، وكذا اسم
المفعول، وإطلاق النحاة يقتضي أنه إطلاق حقيقي.
إذا علمت هذا فيفرع على القاعدة فروع" منها: إذا قال لزوجته: أنت طالق
أو مطلقة، فإنه يقع للماضي، لأنه يقال: طالق أمس، ويطلق في أنت طالق
أمس، جزم به الأصحاب. وللحال، وهو مرادهم في جميع الطلاق.
ويراد به الاستقبال مثل أن يقول: أنت طالق إذا جاء رأس الشهر، فلو لم
يقل شيئا وقع في الحال، فإن قال: أردت ذلك دين، وهل يقبل منه في الحكم؟
يخرج على روايتين، والله أعلم. وكذا في الوقف والبيع، والله أعلم.
القاعدة العشرون
قاعدة: إذا أردت باسم الفاعل الحال أو الاستقبال، نصبت معموله، وإن
أريد به المضي، فإن كان معموله ملتبسا ب "أل" جاز النصب به، وإن عري
عنها فلا، بل يتعين إضافته وقال الكسائي: يجوز أن ينصب مطلقا، وحيث
يجوز النصب به، فيجوز الجر أيضا، بل هو أولى لأنه الأصل. وقال سيبويه:
"الجر والنصب سواء". وقال هشام: "النصب أولى".
إذا علمت ذلك. . فمن فروع القاعدة: إذا قال قائل: أنا قاتل زيد، ووجد
زيد مقتولا، فإن نونه ونصب به ما بعده، لم يكن إقرارا. |