شرح الآجرومية لحسن حفظي

الدرس الأول
المقدمة في اللغة
حمدًا لك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وصلاةً وسلامًا دائمين متتابعين على من أرسله الله رحمة للعالمين نبينا محمدٍ وعلى آله وصحابته أجمعين.
أيها الإخوة الموجودون هنا، أيها المشاهدون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذه هي الحلقة الأولى من حلقات البرنامج الذي سنقوم بإذن الله تعالى بتقديمه في قناة المجد الفضائية، التي نسأل الله عزّ وجلّ أن يوفقها لتسير على هذا السير وعلى هذا النهج القويم.
ونحن هنا بإذن الله تعالى سنقوم بشرح مقدمة الآجرومية، وهي مقدمةٌ مختصرةٌ موجزةٌ لقيت عنايةً كبيرةً من العلماء منذ ألفها مؤلفها رحمه الله تعالى، ولم تلقى العناية في الشروح فقط، ولكنا أضافت إلى ذلك أنها نُظمت شعرًا، وشُرح هذا النظم، فلقيت لها من العناية الشيء الكثير، مما يدل على العناية التي لقيتها هذه المقدمة - وهي المقدمة الآجرومية - أكررها مرةً ثانيةً حتى يثبت اسمها، حتى نعرف ما الذي سنقوم بشرحه.
ذكر حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون عددًا من المؤلفات التي شُرحت بها هذه المقدمة، وأرى لزامًا علينا في بداية الأمر أن نبدأ بمقدمات لابد منها حتى ندخل في هذا العلم ونحن نعرف ما يتعلق به من المقدمات.
وأول ما نبدأ به إن شاء الله تعالى التحدث عن أهمية تعلم اللغة العربية، والأصل الأصيل من أصول اللغة العربية وهو علم النحو، وسننظر إن شاء الله تعالى مدى هذه الأهمية، وسنتحدث بعد هذا إن شاء الله تعالى عن علاقة علم النحو بعلوم الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية، وبعد هذا إن شاء الله تعالى سنتحدث عن بداية التأليف في هذا العلم، وعن خصائص اللغة العربية، ونتحدث ربما قليلا عن أطوار التأليف في هذا العلم.
وأرجو أن يكون الموجودون هنا متابعين لأنه سيوجه إليهم أسئلة إن لم يُوجهوا أسئلة في نهاية الحلقة إن شاء الله تعالى.


وحتى يكون التواصل بيننا وحتى نُبعد الملل عن أنفسنا لابد أن يتخلل لقاءنا هذا وفي اللقاءات القادمة إن شاء الله بعض الحديث عما يتعلق بهذا العلم.
نبدأ بالحديث عن أهمية هذا العلم وهو النحو، النحو فرعٌ من فروع اللغة العربية، وهو فرعٌ له أهميته لما يترتب عليه من استقامة الألسنة، واستقامة حديث المُتحدث واستقامة اللسانين.
هم يجعلون القلم أحد اللسانين، واللسان الآخر هو اللسان المعروف المُتحدَّث به، فاستقامة اللسانين تستلزم منا أن نعرف أصول هذا العلم، ونعرف تركيب الكلام بعضه إلى بعض، ونعرف ما يتعلق به.
أقول أهمية هذا العلم -وهو علم النحو- تتبين لنا في حث عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما قال: "تعلّموا العربية فإنها من دينكم، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم"، وكتب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: "أما بعد، فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن فإنه عربي"، هذا من كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما أرسل أبي موسى الأشعري ذلك. قال ابن الأثير رحمه الله: وفي حديث عمر رضي الله عنه "تعلموا السنن والفرائض واللحن كما تتعلمون القرآن"، والمقصود
باللحن الكلام وأصول العربية، وفي رواية أخرى "تعلموا اللحن في القرآن كما تتعلمونه"، والضمير هنا يعود إلى القرآن، كما تتعلمون القرآن تعلموا ما يتعلق به من العربية، قال ابن الأثير: يريد تعلموا لغة العرب بإعرابها، وقال الأزهري: معناه تعلموا لغة العرب في القرآن واعرفوا معانيه.


وبدون شك أن هذه النصوص نكتفي بها لأنها تضعنا على الطريق الصحيح لبيان مكانة هذا العلم ومنزلته، تعلمون يا أيها الأحباب أن علوم الدين الإسلامي متعددة ومتنوعة، وكل علمٍ يؤدي إلى مصلحة للإسلام والمسلمين فهو من علوم الدين الإسلامي، سواءٌ أكانت علاقته مباشرة بعلوم الدين الإسلامي أم كانت علاقة ليست مباشرةً تمامًا، وإنما هي بعيدة نوعًا ما، لكن في النهاية تصب في مصلحة المسلمين، فإذًا ما دامت حاجة المسلمين قائمةً إذا تعلموا علمًا من العلوم فإنه يُصبح تعلمه على الأقل فرض كفاية،
إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وإلا أثم الجميع، وهذا العلم –أقصد علم النحو- ليس من فروض الكفاية وإنما هو وسيلةٌ لمعرفة كتاب الله عزّ وجلّ ومعرفة سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
نبدأ أولا بالعلاقة بين هذا العلم والقرآن الكريم، اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم لا تدرك أهميتها إلا بقدر ما تتعلق بمعرفة كتاب الله عزّ وجلّ ومعرفة أسراره، وبدون شكٍ يا أيها الأحباب أن معرفة أسرار التعبير في القرآن الكريم إذا لم تكن مدركًا بأصول هذا العلم وما يتعلق به أيضًا من التقديم والتأخير ومن الإيجاز ومن الإطناب وما شاكل ذلك من علوم البلاغة العربية، فإنك لن تصل إلى معرفة أسرار القرآن الكريم ومعرفة حقيقة ما أمر الله به عزّ وجلّ.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "وإنما يُعرف فضل من عرف كلام العرب وعلم العربية وعرف علم البيان ونظر في أشعار العرب وخطبها ومقالاتها في مواطن افتخارها ورسائلها وأراجيزها وأسجاعها فعلم منها تلوين الخطاب ومعدوله وفنون البلاغة ودروب الفصاحة وأجناس التجنيس وبدائع البديع ومحاسن الحكم والأمثال، فإذا علم ذلك في هذا الكتاب العزيز ورأى ما أودعه الله سبحانه فيه من البلاغة والفصاحة وفنون البيان فقد أوتي فيه العجب العجاب"، هذه علاقة تعلم اللغة العربية بمعرفة أسرار كتاب الله عزّ وجلّ.


أما علم التفسير فقد اشترطوا فيمن يتصدى لهذا العلم أن يكون عالمًا باللغة العربية وبكل فنونها، وأولها فن النحو، فإنه إذا لم يكن متقنًا لهذا العلم فإنه يبعد عليه أن يكون مُفسرًا تفسيرًا قويمًا، لأن بعض الكلام فيه تقديم وفيه تأخير، انظروا مثلا إلى قول الله عزّ وجلّ ? إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ? [فاطر: 28] ، لو لم تعرف أن العلماء هنا يجب تأخيرها مع أنها فاعل لأنها هي المحصورة، لو لم تعرف هذا لنقص عليك شيءٌ وأنت تتصدى لتفسير كتاب الله عزّ وجلّ.
نص أبو حيّان في كتابه البحر المحيط فيما يحتاج إليه علم التفسير من علوم فقال: "النظر في كتاب الله تعالى يكون من وجوه، الوجه الأول: علم اللغة اسمًا وفعلا وحرفًا، ويؤخذ ذلك من كتب اللغة. الوجه الثاني: معرفة الأحكام التي للغة العربية من جهة إفرادها ومن جهة تركيبها، ويؤخذ ذلك من كتب النحو. الوجه الثالث: كون اللفظ أو التركيب أحسن وأفصح، ويؤخذ ذلك من علم البيان والبديع"، ثم ذكر أربعة أوجه أخرى تؤخذ من معرفة أسباب النزول وأصول الفقه وعلم العقيدة وعلم القراءات، هذه أصول من يريد التفسير، فإذًا لابد له أن يكون متقنًا لهذا العلم حتى يتصدى لهذا العمل.


ما علاقة هذا العلم بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم؟ تعلمون يا أيها الأحباب أن الحديث هو المصدر الثاني للتشريع، ومعرفة أسراره ومعانيه والمراد منه والأحكام المستخلصة منه يتوقف على معرفة اللغة العربية نحوًا وصرفًا ولغةً وبلاغةً، وبخاصة أمثلة الأسماء وأبنية الأفعال وجهات الإعراب، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (نضَّر الله امرأً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأدَّاها كما سمعها، فرب حامل فقهٍ غير فقيه، وربَّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فإذا كان هذا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يُلزمنا أن نعرف مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلامه حتى نبلغه كما أراد صلى الله عليه وسلم، هذه علاقتنا بعلم الحديث.
أما علاقتنا بعلم الفقه وأصوله، لاشك أن المطلع على أصول الفقه يعرف معرفةً تامةً مدى هذه العلاقة، وأن كثيرًا من أبواب أصول الفقه كأنك تدرسه في أبواب علم النحو، لا فرق بينهما في كثيرٍ من الأمور.
أما علم العقيدة فارتباطها بعلوم اللغة العربية ارتباطٌ وثيقٌ قويٌّ، ذلك أن العقيدة الصحيحة إنما تؤخذ من الكتاب والسنة، وفهمها بتأويلٍ وبدون تأويل مُعتمدٌ على معرفة اللغة العربية وعلومها المختلفة، وللأسف الشديد فقد زاغ كثيرٌ ممن زاغ عن العقيدة الصحيحة بسبب عدم الفهم الصحيح للغة العربية، أو بسبب التأويل المنحرف عن القصد الحقيقي الصحيح، فزاغوا وأزاغوا مع الأسف الشديد.
هذه أبرز علوم الدين الإسلامي ومدى علاقتها باللغة العربية، وننتقل بعد ذلك إلى معرفة بداية التأليف في هذا العلم.


اعلموا يا أيها الأحباب أن هذا العلم –وهو علم النحو- اختلف في من كان له قصب السبق، وأكثر الأقوال وأقواها تقول إنه أبو الأسود الدؤلي بناءً على أمرٍ من الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ونحن هنا نقول إن سبب تأليف هذا العلم إنما هو- يا أيها الأحباب- توسع الفتوحات الإسلامية ودخول العجم بين العرب واختلاطهم بهم وفساد الألسنة بناءً على هذا الاختلاط.
ويُروى في الكتب التي تؤلف لتاريخ النحو روايات كثيرة، تبين هذه الروايات انتشار اللحن قبيل الأمر بالتأليف في هذا العلم، ويُروى في حديثٍ ضعيف أن رجلا لحن بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم –وهو إن لم يكن موضوعًا فهو ضعيف-، لكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما لحن هذا الرجل بحضرته قال (أرشدوا أخاكم فقد ضل) ، وأنا كنت في بدايات أول ما كنت أتحدث عن تاريخ النحو أذكر هذا الحديث حتى تبين لي أنه ضعيف.
على كل حال يُروى روايات أخرى عن صور من انتشار اللحن في الكلام، منها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرّ على قومٍ يُسيئون الرمي فقرّعهم وأنّبهم على ذلك، فقالوا له: إنَّا قومٌ مُتعلمين، فقال رضي الله عنه: والله لخطؤكم في لسانكم أشد عليّ من خطئكم في رميكم.


كما طلب عمر من أحد ولاته أن يُقنِّع كاتبه سوطًا، وهذا كتبه عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أن قنِّع كاتبك سوطًا، لم؟ لأن أبا موسى الأشعري أمر كاتبه أن يكتب كتابًا لعمر بن الخطاب، فكتب في الكتاب "من أبو موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب"، فرد عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "عزمتُ عليك لمَّا ضربت كاتبك سوطًا"، للحنه في قوله "من أبو موسى الأشعري"، والصور التي يذكرونها للحن كثيرة، وقبل قليل ذكرتُ لكم أن القول الصحيح والأقوى في من بدأ التأليف في هذا النحو أنه هو أبو الأسود الدؤلي بإشارة من الإمام علي رضي الله عنه، ويُقال إن أبا الأسود الدؤلي قدّم ورقة مكتوبة إلى علي بن أبي طالب كتب فيها تقسيم الكلام إلى اسمٍ وفعلٍِ وحرف، ثم قال "الاسم ما دلّ على المُسمَّى، والفعل كذا، والحرف كذا"، فأُعجب علي بن أبي طالب بهذا وقال: "ما أحسن هذا النحو الذي نحوْتَ"، لذلك يقول بعضهم إن السبب في تسمية هذا العلم بعلم النحو كلمة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما قال "ما أحسن هذا النحو الذي نحوت"، والمقصود بكلمة نحو كما تعلمون أو كما ربما يتبادر إلى الذهن
هو الاتجاه أو القصد.


أما الحديث عن خصائص اللغة العربية، فاللغة العربية في الحقيقة اختصت بخصائص عديدة، ولها ميزات كثيرةٌ، ذكر بعضها المؤلفون، وأذكر لكم بعض الإيجاز عن هذه الخصائص التي اختصت بها لغة القرآن، يقول المؤلفون إن من أعظم خصائص اللغة العربية سعة مادتها، وغنى حصيلتها، ويدل على ذلك ما نُقل عن الخليل بن أحمد صاحب كتاب العين الذي ذكر أن ما يمكن تكوينه بتركيب أحرف الهجاء وتقليب الكلام، لأن كتاب العين للخليل بن أحمد مبنيٌّ على تقاليب الكلام، كيف ذلك؟ يقول مثلا كلمة "علم" مكونة من ثلاثة أحرف، العين واللام والميم، فيبدأ بمادة علم مثلا لأنها بالعين، وكتابه مُسمَّى بكتاب العين لأنه بدأه بحرف العين، فيقول يُعطيك معنى علم، ثم يُعطيك معنى "لمع"، ثم يُعطيك معنى "ملع" إذا كان لها معنى، ثم هكذا يُقلب تقاليب الكلمة، يُنسب إليه أنه يقول إن عدد التراكيب التي يمكن أن تكون من تقاليب الكلام بعضه إلى بعض في اللغة العربية يربو على اثني عشر ألف ألف، هذا كلامهم، والمقصود الآن اثني عشر مليون كلمة، طبعًا أكثر هذه التقاليب لا تُستعمل، وإنما يُستعمل آلافٌ محدودة قد أحصاها بعضهم فقال إن المواد التي يمكن أن تُركب لا تزيد على ثمانين ألف مادة.
الخاصية الثانية من خصائص هذه اللغة لغة القرآن الكريم، يذكر المؤلفون أن اللغة العربية من خصائصها أنها لغة الفكر والثقافة والعقيدة، لما يزيد على ألف مليون من المسلمين، وإنك لترى كل مسلمٍ مُلزمًا أن يتحدث على الأقل في صلواته ودعواته وأذكاره باللغة العربية، تجد المسلمين في شتَّى أنحاء العالم على الأقل لو لم يتحدَّثوا إلا في صلواتهم باللغة العربية وفي قراءة فاتحة الكتاب، فهي هذه اللغة لغتهم إلزامًا على الأقل في صلواتهم، وتجد كثيرًا من المسلمين يقرأ أو يتعلم هذه اللغة لأنها لغة القرآن الكريم، ولتقوى علاقته بهذا الكتاب وبسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.


ثالث هذه الخصائص للغة العربية أنهم يصفونها بأنها لغة اشتقاق، موادها كثيرة، ويمكن الاشتقاق من كل مادة صيغًا كثيرة تفي بحاجة العلوم،وبحاجة المخترعات، وتؤدي المطلوب منها، وهذا الاشتقاق كما يذكر المؤرخون للغات عمومًا لا يوجد له نظير في كثرته وقبول كل مادة منه في اللغات الأخرى.
رابع هذه الخصائص تنوع أساليبها وعباراتها، فأنت تجد بعض الألفاظ فيها ألفاظٌ حقيقية، بعض الألفاظ فيها ألفاظٌ مجازية، بعض الألفاظ فيها ألفاظ مُكَنَّى بها، بعض الألفاظ فيها ألفاظٌ مُصرَّحٌ بها، فأساليبها متعددة، ولا توجد هذه الخاصية في كثيرٍ من اللغات الأخرى، لا أقول لا توجد في كل اللغات، كثير من اللغات لا توجد فيها مثل هذه الخاصية.
خامس هذه الخصائص لهذه اللغة أنها أقرب لغات الدنيا إلى قواعد المنطق، يعني تجد أن مخارج الحروف وتجد أن تركيب الحروف بعضها إلى بعض أقرب إلى المنطق كما يقول الدارسون للغات، أنا لا أقول هذا الكلام من عندي، ولكن الدارسين للغات نصوا على أن اللغة العربية أقرب إلى قواعد المنطق من أي لغة أخرى، وعباراتها سليمة طيِّعة تطاوع من أراد أن يصوغ منها صيغًا مناسبةً لمعانٍ متعددة.
سادس هذه الخصائص كما ذكر الأستاذ أنور الجندي في كتابه "الفُصحى لغة القرآن" أنه توصل علم اللغات المقارن -فيما نُقل عن الأستاذ محمد أديب السلاوي- قال إنها بلغت رقمًا قياسيًّا في الكمال، وإنها معبرةٌ بطبيعتها عن العلوم المختلفة، هذا الكلام يقوله من يُقارن بين اللغات ويوازن بينها.


سابع هذه الخصائص أن جميع مفرداتها قابلةٌ للتصريف إلا ما ندر، مما ندر كلمة "عسى" ما تتصرف، كلمة "ليس" لا تتصرف، كلمة "نعم" لا تتصرف، أيضًا شئ عام الحروف كلها لا تتصرف، أما الأفعال فهي قابلةٌ للتصريف، بل إن الأصل في التصريف للأفعال، الأسماء كذلك يمكن أن يكون الاسم مفردًا، يمكن أن يكون مثنى، يمكن أن يكون مجموعًا، يمكن أن يكون مصغرًا، يمكن أن يكون منسوبًا، وهكذا. إذًا كل مفرداتها تقبل التصريف إلا ما ندر، وهذا في الحقيقة يعنيننا على أن نصوغ لكل شيءٍ ما يخصه، متى ما أردنا إلى اسم الفاعل أتينا به، متى ما أردنا إلى اسم المفعول الذي وقع عليه الفعل أتينا به، وهكذا، فهذه اللغة والمفردات قابلةٌ للتصريف.
ثامنُ هذه الخصائص أنه نظرًا لسعتها وثرائها فإنه يوجد فيها ما يُسمَّى بالمترادفات، وهو تعبيرٌ عن الشيء الواحد بألفاظٍ متعددة، مثلا يذكرون أن للسيف عدد كبير من الأسماء، يذكرون للجمل كثير من الأسماء، هذا دليلٌ على ثراء هذه اللغة، إذا كان المعنى الواحد يمكن أن يُعبَّر عنه بألفاظٍ متعددة، فإن هذا دليلٌ على ثراء هذه اللغة.
يُقابل هذا ما يُسمَّى بالاشتراك وهو أن يكون اللفظ الواحد يُطلق على معانٍ متعددة، على سبيل المثال كلمة العين، تطلق على العين الجارية، تطلق على العين المبصرة، تُطلق على الجاسوس، وهكذا.


ولكن شيءٌ آخر ننبه عليه وهو أن بعضهم يقول لا يوجد ترادف لا في اللغة ولا في القرآن ولا في الشعر ولا في غيره، لم؟ قالوا كل لفظٍ له معنًى خاص به، فمثلا إذا قلت إن السيف يُطلق عليه اسم الفيصل، قال لأنه يفصل في القضايا لقوة من يستعمله، يُسمى حسامًا، يقول لا، هذا لا يُسمى حسامًا إلا إذا كان له كذا وكذا، مُهند، لا يُسمى مهندًا إلا إذا كان منسوبًا إلى الهند، وهكذا، فإذًا بعضهم ينفي وجود الترادف في اللغة، ويقول لا يوجد ترادفٌ في اللغة وإنما كل لفظٍ خاصٌ بالمعنى الذي أُطلق عليه، فهذا هو ثامن خصائص هذه اللغة.
من خصائصها التي يذكرها المؤرخون أيضًا أنها لا توجد في غيرها ما يُسمَّى بالإيجاز، المعنى الكبير تؤديه بألفاظٍ قليلة، ويقول بعضهم حينما عرّف البلاغة: البلاغة هي الإيجاز، وكتب بعضهم رسالةً مطوَّلةً جدًا ثم اعتذر في آخرها فقال: يؤسفني يا أخي أنه ليس عندي وقت للإيجاز، معنى هذا أن الإيجاز أصعب من الإطناب، وهذه خاصية اختصت بها هذه اللغة.
من خصائصها وهي الخاصية العاشرة أن مفرداتها غنية جدًا ويمكن زيادتها عن طريق الاشتقاق والتوليد إلى ما لا نهاية، مثلا نأخذ الجذر "سَلِمَ"، سَلِمَ معناها نجى، و"سَلَّمَ" –اختلفت الصيغة بمجرد زيادة حرف- معناها ألقى التحية، و"سالم" دخل في السلم، و"أسلم" انقاد، و"الإسلام" الخضوع لله، و"تَسَلَّمَ" أخذ شيئًا، و"استلم" لمس الحجر الأسود بالشفة أو باليد، وهناك "مُسلم" و"مُتسلِّم" و"مُسالم" وإلى آخره، صيغٌ كثيرةٌ وكل صيغة لها معنى جديد.


من الخصائص أيضًا أن بعض صيغها لا يمكن التعبير عنه باللغات الأخرى كما يقول المؤرخون للغات، يقولون صيغة "تفاعل" و"انفعل" و"افتعل" و"استفعل" هذه الصيغ ليست موجودةً في اللغات الأخرى، وإنما لابد أن يؤتى بكلمتين أو بثلاث كلمات حتى يؤدى معنى التفاعل أو التفعل أو الانفعال أوالاستفعال أو ما شاكل ذلك كما يقول أيضًا مؤرخو اللغة، ونحن نبرأ إلى الله إذا كان هذا الكلام غير صحيح.
من الخصائص أيضًا أنه لم يدخل في اللغة العربية من اللغات الأخرى إلا ألفاظ قليلة محدودة، هذا طبعًا عند بداية التأليف في علوم اللغة، لمَّا نقلوا العلوم الأخرى لم يحتاجوا إلى أن ينقلوها بالغات التي نُقلت منها مثل علم الطب وعلم الفلسفة وعلم الفلك وما شاكل ذلك، لم ينقلوها بألفاظ الذين ألّفوا بها، ولكنهم استغنوا بمادة هذه اللغة فألَّفوا بها الكتب، ولم يدخل إلا ألفاظٌ قليلةٌ محدودة.


أبرز خصائص هذه اللغة أن أبناءها المتحدثين بها بعد ألفٍ وخمسمائة سنة أو أكثر لا يزالون يفهمون ما كُتب بها منذ مئات السنين، في حين أن اللغات الأخرى يكاد يستحيل أن يقرأ غير المتخصصين ما كُتب بها بعد بضع مئاتٍ من السنين، وهذه الحقيقة لا ينكرها أحدٌ من أصحاب اللغات الأخرى، والسبب في هذا يا أيها الأحباب هو أن هذه اللغة حُفظت بحفظ كتاب الله عزّ وجلّ، يقول الله سبحانه وتعالى ? أنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ? [الحجر: 9] ، هذه اللغة لغة دين، ولغة كتاب، والمحافظة عليها تؤجر عليها إذا قصدت بها خدمة كتاب الله عزّ وجلّ، والله سبحانه وتعالى تكفّل بحفظ كتابه فحُفظت هذه اللغة، ولذلك تجد كثيرًا ممن يريد الهجوم على كتاب الله عزّ وجلّ أو الهجوم على الدين الإسلامي ما يستطيع أن يهاجم مباشرةً على كتاب الله خاصةً ممن في قلوبهم زيغ، ولكنه يأتي إلى اللغة فيهجم عليها بغرض أن يتوصل من هجومه هذا إلى الهجوم على كتاب الله عزّ وجلّ، فيدعو إلى الكتابة مثلا بالأحرف اللاتينية، يدعو إلى العامية، وما شاكل ذلك، فلا يستطيع أن يهجم مباشرةً على كتاب الله عزّ وجلّ، أو يتخفى من وراء هجومه على كتاب الله عزّ وجلّ بهجومه على اللغة العربية لغة القرآن الكريم، وهذا الجانب في الحقيقة تصدى له كثيرٌ ممن أراد الله عزّ وجلّ أن يجعل على أيديهم الخير فدافعوا، والحمد لله رب العالمين أن كل الدعوات ما تلبث أن تضمحل وتنصرف عن ذلك.
من خصائص اللغة أيضًا خاصية أخرى وهي خاصية التوليد والاشتقاق، فيبقى معك بعض الأحرف ثم تولد مادةً أخرى، وتصوغ منها مواد أخرى حتى تصل إلى مرادك للمجيء بألفاظٍ جديدة لمسمياتٍ جديدة أنت مُحتاجٌ إليها.
هذه أبرز الخصائص التي تتعلق باللغة العربية.


ونقف عند هذا الحد في هذا اليوم، ونستمع إن كان لديكم أسئلة متعلقة بهذه المقدمة، وفي حلقتنا القادمة إن شاء الله تعالى سنبدأ في شرح الآجرومية، وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد.
أتلقى منكم الأسئلة إذا كان لديكم سؤال أو أنا أسألكم إذا كنتم مستعدين لذلك.
سأل أحد الطلبة:
أحسن الله إليكم يا شيخ، حضرتك قلت في أول الكلام أن هذه اللغة ليست فرض كفاية، فهي فرض عينٌ لأهميتها في فهم هذا الدين.
أجاب الشيخ:
بارك الله فيك يا أخي وجزاك خيرًا، هذا سبق لسان، لعله إذا قام بأصولها وما تحتاج إليه من يكفي فلعله يسقط الإثم عن الباقين، ولا أستطيع أن أحكم بأنها فرض عين على كل مسلم وإلا ألزمنا كل المسلمين بما لا يستطيعون، فربما كان هذا سبق لسانٍ مني، جزاك الله خيرًا على هذا التنبيه. ولكن هذه اللغة فعلا أقل ما يُقال إن تعلمها من فروض الكفاية، إذا لم يقم به من يكفي فإنه سيأثم الجميع، والحمد لله أنه على مر الزمن يوجد من يقوم بأمر هذه اللغة ومن يعتني بها، والحمد لله أولا وآخرًا.
سأل الشيخ:
من ترون أنه هو أول من بدأ في التأليف في علم النحو؟
أجاب أحد الطلبة:
ذُكر في أول من ألف في النحو عدة أقوال، وأقواها كما ذكرتم أبو الأسود الدؤلي بأمر من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
سأل الشيخ:
هل تعرفون أشخاص آخرين غير علي بن أبي طالب وأبو الأسود الدؤلي يمكن أن ينسب إليه هذا العلم؟
أجاب أحد الطلبة:
نُسب هذا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لكنه لا يوجد له سند.
سأل الشيخ الطالب الذي أجاب:
يعني هل نُسب إليه أنه بدأ في التأليف هو؟
أجاب الطالب:
لا، هو أول من أمر.
علق الشيخ:


أما هذا فعلا، يُنسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر بالتأليف في علم اللغة، بل إنه تذكر رواية أن أعرابيًّا دخل المدينة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسمع القارئ يقرأ قول الله عزّ وجلّ ? وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ? [التوبة: 3] ، كان هذا القارئ يقرؤها "أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِهِ" فقال الأعرابيُّ: وأنا أبرأ مما بريء الله منه، فأُخذ الأعرابي إلى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، فلما سأله قال: إني سمعت كذا وكذا، فأمر عمر رضي الله عنه ألا يُعلم القرآن إلا من عنده معرفةٌ باللغة العربية وبما يُحيل المعنى أو يقلب المعنى، وأنتم ترون في مثل هذا أنه قلب الله، يعني أن الله تبارك وتعالى يتبرأ من المشركين ويتبرأ من رسوله، وهذا لم يحصل، وإنما
الموجود في القرآن الكريم ? أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ? أي ورسوله أيضًا بريءٌ من المشركين.
يُقال أيضًا إن عمر بن الخطاب أول من أمر بالتأليف في النحو، ويُقال أيضًا إنه علي ابن أبي طالب، ويُقال إن أبا الأسود الدؤلي من نفسه، ويُقال إن أبا الأسود الدؤلي كان مع ابنته فسمعها تقول: يا أبت ما أحسنُ السماءِ، فقال لها: نجومها، قالت: يا أبت أنا لا أسأل وإنما أتعجب، قال: إذًا فافتحي فاكِ وقولي: ما أحسنَ السماءَ، ولعل هذا من الأشياء التي دعت أبا الأسود الدؤلي، وفيه قصص كثيرة تُذكر في سبب تأليف هذا العلم.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله
وصحابته أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


الدرس الثاني
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نبدأ في هذه الحلقة مستعينين بالله عزّ وجلّ، كنت وعدتُ في الحلقة الماضية أن نتحدث في أطوار التأليف في هذا النحو، ولكني نسيتُ، فنتحدث بإيجاز في بداية هذه الحلقة عنه أطوار التأليف في هذا العلم، ثم ننتقل بعده بإذن الله تعالى إلى شرح ما تيسر من المقدمة الآجرومية.
أطوار التأليف في هذا العلم تبدأ من بداية عصر أبي الأسود الدؤلي، ويُقسمونها أربعة أقسام:
الطور الأول: هو طور الوضع والتكوين.
الطور الثاني: هو طور النشأة والنمو.
الطور الثالث: هو طور النضج والكمال.
الطور الرابع: هو طور البسط والتوسع في التأليف، البسط في هذا العلم وشرحه، وذكر التفاصيل الموجودة فيه، هذا هو آخر الأطوار المعتد بها في التأليف.
وإلا لا يزال إلى الآن يؤلف في هذا العلم، صحيح أنه الآن لا يوجد قواعد جديدة يؤلفها الناس،
لكنهم يوازنون بين ما مضى من قواعد وما مضى من تأليفات، ويرجحون بعض الأقوال بوجود
أدلة جديدة أو نحو ذلك.
نتحدث عن هذه الأطوار تحدثًا يسيرًا وسريعًا إن شاء الله تعالى.


أما الطور الأول فهو طور الوضع والتكوين وهو بصريٌ خالصٌ، ويبدأ من أول عصر أبي الأسود الدؤلي وينتهي بأول عصر الخليل بن أحمد الفراهيدي، أي ما يقارب قرنًا من الزمان، لم يكن للنحويين الكوفيين في هذا الوقت شروعٌ في التأليف في هذا العلم، وإنما كان المؤلفون كلهم من البصرة، وأما الكوفيون فقد نفعونا نفعًا كبيرًا في هذا الوقت، وهو أنهم كانوا يجمعون كلام العرب، صحيح أنهم جمعوا أحيانًا الغث مع السمين، لكنهم تفرغوا في هذا الوقت كله إلى جمع كلام العرب من أماكن متعددة من القبائل العربية، وأخطئوا خطأً يسيرًا في أنهم اعتمدوا على بعض القبائل التي اختلطت بالأعاجم أو التي كانت في أطراف الجزيرة العربية، لكن الغالب في ما جمعوه في الفترة الأولى حينما كانوا مشغولين بجمع الأخبار والأشعار الغالب فيه أنه يمكن أن يُعتد به ويُبنى عليه القواعد الصحيحة السليمة. هذا هو الطور الأول، قلنا طورٌ بصريٌّ يبدأ من عصر أبي الأسود، وينتهي بأول عصر الخليل.
ويقسمون هذا الطور الأول طبقتين:
الطبقة الأولى: من أبرزهم أُناسٌ ممن قيل إنهم هم الذين بدؤوا في التأليف في النحو، وأبرزهم أربعة، ويُقال يُنسب إلى كل واحدٍ منهم أنه هو الذي بدأ في التأليف في علم النحو. واحد اسمه عنبسة بن معدان الفيل، الثاني اسمه نصر بن عاصم، والحقيقة أنه الذي قام بضبط المصحف بالحركات، ولكنه ليس هو المؤلف أو البادئ الحقيقي لهذا العلم، الثالث عبد الرحمن بن هُرمز، الرابع يحيى بن يعمر. هذه هي الطبقة الأولى، وكثير من الناس يقولون إن هؤلاء الأربعة هم الذي بدؤوا التأليف في هذا العلم.


الطبقة الثانية من الطور الأول: أبرز علمائها عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وعيسى ابن عمر، وأبو عمرو بن العلاء، وكلهم لم يصل إلينا شيءٌ من مؤلفاتهم، وإن كان يُنسب إلى أبي عمرو بن العلاء كتاب في القراءات، وهو واحدٌ من القراء السبعة كما تعلمون، ويُنسب إلى عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي كتاب أسماءه "الهمز"، يعني تصريفات الهمزة، ويُنسب إلى عيسى بن عمر كتابان، واحد اسمه الجامع، وواحد اسمه الإكمال، وقد عنهما الخليل بيتين من الشعر:
ذهب النحو جميعًا كله غير ما ألف عيسى بن عمر
ذاك إكمالٌ وهذا جامع فهما للناس شمسٌ وقمر
على كل حال هذا هو الطور الأول، وللأسف لم يصلنا ـ فيما أعلم ـ من كتب هذا الطور شيءٌ.
الطور الثاني: وهو طور النشأة والنمو، هذا بدأ الكوفيين فيه يشاركون البصريين في التأليف، وكانوا في بداية هذا العصر لا توجد بينهم مناقشات ولا محاورات ولا شيءٌ، يعني كانوا إخوانًا يتعلم بعضهم من بعضٍ، ويتعلم الكوفيون من البصريين الأوائل.
وهذا الطور يبدأ بالنسبة للبصرة بعصر الخليل بن أحمد، وبالنسبة للكوفة يبدأ بأبي جعفر الرؤاسي، وينتهي بالنسبة للبصرة إلى عصر المازني، ويبدأ بالنسبة للكوفة من أبي جعفر الرؤاسي إلى ابن السكيت، في هذا الطور اشتركت المدرستان في التأليف، واشتركوا في بدايات الحوار والنقاش فيما بينهما، لكنه لم يقوَ، لأنهم لا يزالون إلى الآن ـ أعني الكوفييّن ـ يعترفون بأساتذتهم ويقدرونهم لأنهم أخذوا علمهم في النحو في بداية الأمر عن البصريين. هذا هو الطور الثاني.


أما الطور الثالث فهو طور النضج والكمال، وهو أيضًا بصريٌ كوفيٌّ، ويبدأ بالنسبة للبصرة من المازني وينتهي بالمبرد، المُتوفَّى سنة 286هـ، أما بالنسبة للكوفة فإنه يبدأ بعصر ابن السكيت وينتهي بعصر ثعلب أبي العباس. وبالمناسبة يا إخوان، يوجد عندنا شخصية مشهورة في الكوفة اسمها أبو العباس، وشخصية مشهورة أيضًا في البصرة اسمها أبو العباس، فإذا أُطلق اسم أبو العباس في البصرة فهو المبرد، وإذا أُطلق اسم أبو العباس في الكوفة فهو ثعلب. يوجد عندنا أيضًا شخصيتان متشابهتان، إحداهما بصرية
والثانية كوفية، البصري هو أبو عمرو بن العلاء، الكوفي هو أبو عمرو الشيباني، هذه
على الهامش.
المهم أنه في هذا العصر بدأت المدرستان يقوى عودهما، وبدأ التأليف على أشده، وبدأ أيضًا انفصال الصرف عن النحو، وانفصال ما يتعلق بالأخبار والأشعار في كتب أُخرى، يعني بدأ النحو يستقل بالتأليف فيه، وبدأ الصرف يستقل بالتأليف فيه، وبدأ شيءٌ مهمٌ جدًا وهو النقاش والحوار بين المدرستين، والتنافس الشديد، كلٌ يرغب أن يكون هو المقدم، ففي هذا العصر وهو طورٌ استوى فيه النحو وقام على سوقه وانفصل النحو عن الصرف وانفصل أيضًا ما يتعلق بالأخبار والأشعار فأُلفت لها كتبٌ مستقلة، ولم تعد
تدخل في مؤلفات النحويين هنا أو هناك.


الطور الرابع: هو ما يُسمى بطور الترجيح والبسط في التأليف، أيها الأحباب إن عاصمة الخلافة انتقلت إلى بغداد، واتجه العلماء وغير العلماء إلى بغداد، فأصبح من يُشار إليهم بالبنان في هذه العاصمة عاصمة الخلافة الإسلامية في بغداد، وليس كل هذا العصر وهو عصر البسط في التأليف والترجيح بغداديٌّ، بل هو يمتد إلى ثلاثة قرون أو أكثر، وصار يشمل مناطق متعددة، فصار موجودًا في بغداد، وفي الشام، وفي مصر، وفي الأندلس، طبعًا نحن نتحدث عن التأليف في هذا العلم، وصار المؤلفون هنا لا يأتون بقواعد جديدة كثيرة اعتمادًا منهم على القواعد السابقة، لأن القواعد السابقة مبنيّةٌ على ما سُمع من كلام الله عزّ وجلّ أولا، ما عُرف ما حُفظ من كتاب الله على ما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان بعضهم يتردد في الاستشهاد بالحديث نظرًا لإجازة روايته المعنى، مع أننا نرى أن الاستشهاد بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُقدم عليه شيءٌ إلا القرآن الكريم.
لكن يجب أن يكون ثابتًا أن هذا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى لو قالوا إن من الأشياء التي يمكن أن يرد بها الاستشهاد بالحديث أن دخول الأعاجم في سند الحديث ربما كان سببًا فيمكن أن يُجاب على كل النقاط الذي ذكرت، هم ذكروا أربع نقاط رئيسية في سبب عدم الاستشهاد بالحديث:
أولها: إجازة روايتها بالمعنى، وهذا أقوى دليلٌ عندهم.
الثاني: دخول الأعاجم في سنده، يعني في سند الحديث.
الثالث: دخول ما يُسمى بالإدراج، يعني ألا يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يكون من كلام الراوي الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الدليل الرابع: وجود أحاديث موضوعة وضعيفة، فيقولون هذه الأحاديث الموضوعة لا يمكن أن نستشهد بها لأنها ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.


والجواب عن الأول وهو الاستشهاد بالحديث إذا كان مرويًّا بالمعنى، نقول لهم إنهم اشترطوا في صحة رواية الحديث بالمعنى أن يكون هذا الراوي عالمًا بأصول اللغة، فاهمًا لما يحيل المعنى ولما يُمكن أن يُغيِّر في المعنى المراد، فإذا كان ذلك كذلك فإنهم أجازا رواية الحديث المعنى، وإلا فلا.
الثاني وهو دخول الأعاجم في سند الحديث، هذا يمكن أن يجاب عنه يا أيها الأحباب بأن هؤلاء الأعاجم سيكونون أحرص من أهل العربية نفسها على تأدية لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصهخوفًا من الوقوع في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، الحديث رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كذب عليَّ مُتعمِّدًا فليتبوَّأ مقعده من النار) ، هذا لا يمكن إلى أن يحرف في الكلام خوفًا من أن لا يكون هو المعنى المراد الذي أراده صلى الله عليه وسلم فسيؤدي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصه وفصه.
أما دخول الإدراج، فنقول من المدرج؟ المدرج إما صحابي وإما تابعي، وهؤلاء ممن تقولون إنه يُحتج بكلامهم، لنفرض أن هذا المدرج لم يتبين لنا هل هو من نص الحديث أم من المدرج، فنقول: المدرج هذا إنما هو صحابيٌّ، وأنتم تعتدون بقوله، لأنه في الوقت الذي لا زلتم تعتدون به، وإما أن يكون تابعيًّا، وكذلك أنتم تعتدون به، لأنهم حدّدوا إلى حدود مائة وخمسين من الهجرة في الحاضرة، وإلى حدود مائتان وخمسين من الهجرة في البادية، هؤلاء يُستشهد بكلامهم.
أما الدليل الرابع فهذا سهل الرد عليه جدًا وهو الأحاديث الضعيفة والموضوعة، نقول لهم إذا كان حديثًا موضوعًا فنحن معكم لا نقبله لأنه ليس حديثًا، مادام موضوعًا فليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن لا نحتج به، وكذلك الضعيف بقدر الإمكان نتوقى أن نستشهد به؛ لأنه قد يكون ليس حديثًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.


نعود لموضوعنا، أقول اعتمد النحويون في التأليف على القرآن الكريم، حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الشعر، وقد حددت لكم المدة التي يستشهدون فيها، وهي حدود مائة وخمسين من الهجرة في الحاضرة، ومائتين وخمسين من الهجرة في البادية، وأيضًا اعتمدوا على أصلٍ عظيمٍ جدًا يُسمى بالقياس، يقيسون ما لم يُسمع على ما سُمع، فإذا ورد شيء قد قاله من يُحتج بكلامه فإننا نقيس عليه ما يُشبهه من الأساليب الأخرى، فهذه الأصول التي اعتمدوا عليها في التأليف.
أقول مرة أخيرة الطور الرابع هو طور الترجيح والبسط في التأليف، وهو بغدادي شامي
مصري أندلسي، وقد كانت مهمة الناس في حينه هو النظر في المسائل والترجيح فيما بينها وتقوية الأدلة، أو سرد الأدلة إن كانت موجودة من قبل أو ترجيح بعضها على بعض أو زيادة أدلة مما جد فيما بعد مما لم يطلع عليه السابقون، وهذا يعني كنا نريد أن تكون مختصرة موجزة ولكنها طال الكلام بنا فيها فنبدأ بعون الله تعالى الآن في النظر في كتاب الأجرومية.
الآجرومية أولاً هذا العنوان، سمة لكتاب اسمه المقدمة الآجرومية، أو مقدمة في النحو لابن آجروم ومؤلفه هو محمد بن محمد بن داود الصنهاجي أبو عبد الله المشهور بابن آجروم، ومعناه يقولون بلغة البربر الفقير الصوفي، هذا معناه معنى كلمة آجروم بلغة البربر والمؤلف رحمه الله تعالى ألف لنا هذه المقدمة وتتابع الناس على شرحها، ونحن بإذن الله تعالى سنبدأ في شرحها مستعينين بعونه تعالى، وهذا الكتاب في الحقيقة كما ذكرت لكم قبل قليل أو كما ذكرت في الحلقة الماضية أنه قد تتابع الناس على شرحه وأذكر لكم بعض الشروح الآن التي ذكرها حاجي خليفة في كتابة كشف الظنون في أسماء الكتب والفنون.


قال من الشروح التي ذكرها شرح ابن أبي إسحاق، شرح أبي إسحاق إبراهيم بن محمد المعروف ببرهان الدين المتوفى سنة تسعمائة وستة عشر، وشرح حسن بن حسين الطولوني المتوفى سنة ثمانمائة وستة وثلاثين وشرح محمد بن محمد المالكي المعروف بالراعي الأندلسي المتوفى سنة ثمانمائة وثلاثة وخمسين وسماه المستقل بالمفهومية في شرح ألفاظ الآجرومية وشرحها أيضا الشيخ خالد بن عبد الله الأزهري المتوفى سنة تسعمائة
وخمسة وله كتاب في إعرابها وعلى شرح الشيخ خالد الأزهري حاشية للعلامة أبي بكر بن إسماعيل الشنواني المتوفى سنة ألف وتسعة عشر، وللشنواني شرح مطول للآجرومية قال عنه حاجي خليفة:
جمع فيه نفائس الأقوال، ولا يزال الناس إلى الآن يتتالون ويتتابعون في دروس خاصة وفى دروس عامة وفى تأليف لشرح هذه المقدمة وذلك لأنها امتازت بوجزتها ووفائها بمعظم أبواب النحو، يعني يأتي بكلام موجز غير مخل، وفى الوقت نفسه يستوفي الحديث عن جميع الأبواب أو عن معظم الأبواب إذ لم نقل عن جميعها وسيتبن ذلك إن شاء الله تعالى، ومن آخر ما أعلمه أُلف من شروحها كتاب حاشية
الآجرومية للشيخ عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم المتوفى سنة ثلاثمائة واثنين وتسعين من الهجرة ومن أوسع الشروح التي اطلعت عليها مقدمة شرح الشيخ أحمد بن على الرملي المتوفي سنة تسعمائة وواحد وسبعين، وقد حققه الدكتور على بن موسى الشوملى وعدد صفحاته مائتان وسبعون صفحة غير الفهارس وللأستاذ محمد محي الدين عبد الحميد، شرح عنوانه التحفة السنية بشرح المقدمة الآجرومية عدد صفحاتها مائة وثمانية وعشرون، وهذا الشرح شرح قيم وشرح طيب وشرح يمتاز بالتمثيل وبالسهولة واليسر، هذه حقيقة الشرح شرح الرملي أكبر وأوسع ومستوفى وشرح الشيخ أو الأستاذ محمد محي الدين عبد الحميد شرح وافي إلى حد ما، وعدد صفحاته كما قلت لكم مائة وثمانية وعشرون صفحة وهذا يعني آخر ما يمكن أن يقال بالنسبة للشروح


نبدأ مستعينين بالله عزّ وجلّ كما بدأ المصنف أيضاً الآجرومية بقوله: (بسم الله الرحمن الرحيم) ، ورد حديث من الرسول صلى الله عليه وسلم (كل أمر ذي بال، لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أقطع) وفى هذا الحديث مقال ذكر الألباني رحمه أنه ضعيف جداً، وقال ابن حجر في سنده ضعف، وقيل ما قيل عن هذا الحديث، على كل حال فقد بدأ المصنف مصنفه هذا ببسم الله الرحمن الرحيم، والبسملة هذه فيها كلام كثير للنحويين واللغويين في أصل اشتقاق كلمة اسم، وفى أصل اشتقاق كلمة لفظ الجلالة، وفى كلمة الرحمن وفى كلمة الرحيم، ولكننا لا نطيل الحديث فيه وإنما نأخذ كلاماً موجزاً جداً فأما كلمة اسم فإن بعضهم يرى أنها من الوسم لكونه علامة على من يسمى به، وبعضهم يرى أنه من السمو لأنه يعدو على المسمى ويدل على ما تحته هذا عن كلمة اسم، أما لفظ الجلالة ففيها كلام طويل وأذكر أن لسان العرب ذكر فيها عدداً من الصفحات، في أصل هذه الكلمة وفى شواهدها وفيما يتحدث فيها، ومن أبرز ما قال هل هي مأخوذة من الإله وحذفت الهمزة للتخفف فصارت الله، أو من لاه أو وله أو ما شاكل ذلك كلام أيضاً طويل في أصل اشتقاق هذه الكلمة وأما المراد منها فهو بدون شك المألوه أو المعبود، هذا هو المراد بلفظ الجلالة، بسم الله، الرحمن الرحيم صفتان تثبتان لله عزّ وجلّ الرحمة يقال إن الرحمن فيها مبالغة أكثر من الرحيم ويقال العكس، يقال إن صيغة فعيل أكثر من صيغة فعلان للدلالة على المبالغة ويقال العكس، وعلى كل حال فهاتان الصفتان لله سبحانه وتعالى قد وصف بهما نفسه وفيهما من المبالغة ما فيهما سواء أكانت هذه أو تلك فالمهم أن تلك الصيغتين في كل منهما مبالغة وسواء كانت الرحمن أكثر مبالغة أم الرحيم أكثر مبالغة ففيهما الصفة نفسها وإنما يؤتي بصيغة التفضيل للدلالة اشتراك أمرين في صفة وزيادة إحداهما على الأخرى في تلك الصفة انتهينا من هذا، يقال أيضاً بالنسبة للنحويين يتحدثون عن


إعراب بسم الله الرحمن الرحيم ويقولون أيضاً إن أنواع الجر في الكلام يعني يمثل به بلفظ البسملة فالجر إما أن يكون بحرف الجر وإما أن يكون بالإضافة وإما أن يكون بالتبعية وقد اجتمعت كلها في البسملة فأما حرف الجر فهو قوله باسم فلفظة اسم مجرور بالباء، وأما الإضافة فإن لفظ الجلالة هنا مجرور بالإضافة بإضافة اسم إليه وأما التبعية فلأن الرحمن تابع للفظ الجلالة مجرور والرحيم أيضاً تابع ثان فهذا أنواع الجر اجتمعت في البسملة وننصرف إلى غيرها.
قال المصنف (الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع) وهذه أمور تحتاج لها إلى وقت طويل ولكنا نوجز الحديث فيها إن شاء الله تعالى، أما ذكره لتام هنا فشبيه به تعريف
ابن مالك في قوله كلامنا لفظ مفيد لكنه زاد هنا بكلمة المركب وكلمة الوضع، طبعاً ابن مالك تعرفون كلامه شعر نظم كلامه نظم فقد يكون محاصراً ما يستطيع أن يزيد في الكلام أما هذا فكلامه منثور وكلامه صحيح وكلام ابن مالك صحيح نقول في شرح كلام ابن آجروم اللفظ ما اللفظ؟ اللفظ هو الصوت المشتمل على بعض الحروف، هذا هو اللفظ سواء أفادت معني أم لم تفد معنى، فأنت إذا قلت: "و"، وإذا قلت: حسن هذا لفظ، وإذا قلت: بيت هذا لفظ، وإذا قلت: إنسان هذا لفظ، وإذا قلت ديز مقلوب زيد هذا لفظ، كل شيء لفظ، فهو أعم ما يقال فيما سنتحدث عنه لأننا ربما تحدثنا عن اللفظ والقول والكلم
والكلمة والكلام ربما نتحدث عن هذا.


قال (الكلام هو اللفظ المركب) لا يكون الكلام غير مركب، بل إن النحو كله على التركيب، تعرف أن الكلمة مبنية وتعرف أنها معربة أو تعرف أنها فاعل أو تعرف أنها مبتدأ أو تعرف أنها خبر إذا كانت مركبة، أما إذا كانت غير مركبة كقولك مثلاً بيت، وجدار وأرض وسقف وإلى أخره هذه ليست كلاماً، ولا تعتبر نحواً لا نعرف لا نقول فاعل ولا نقول ولذلك يقولون لما تعدت حروف الهجاء مثلاً أ، ب، ت، ث تسكنها كلها ولا تقول أٌ، بٌ، تٌ، ثٌ لأنها ما لها محال من الإعراب ما لم تكن مركبة، فإذا كان الكلام مركباً بعضه إلى بعض فهو علم النحو فالمقصود بالمركب هنا أن يكون أكثر من كلمة لابد، لابد أن يكون أكثر من كلمة، قولك محمد حاضر هذا كلام، قولك قم هذا كلام أنت قبل قليل تقول لابد أن يكون مكون من كلمتين، فلماذا قلت قم كلام أقول لك نعم، قم كلام لأنها كلمة ظاهرة وكلمة مخفية أما الكلمة الظاهرة فهي قم اللفظ اللام والميم، أما الكلمة المخفية فهي الضمير المستتر وهذا مستتر وجوباً، وهذا لابد أن تقدره لأنه عمدة ولأنه فاعل، فصار عندنا كلمتان، فسواء كان هذان اللفظان مذكورين، أم كان واحد منهما مقدراً، فإذا لابد أن يكون الكلام مركباً، اللفظ المركب.


بعد هذا لابد أن يكون مفيداً، فإن لم يكن مفيداً حتى لو كان مركباً فليس كذلك، هل عندنا شيء يكون مركب وغير مفيد؟ قال: نعم، عندنا شيء يسمونه الكلم وهو ما تكون من ثلاث كلمات فأكثر سواء أفاد أم لم يفد، فإذا قلت مثلاً إذا جاء عبد الله فهذا كلمٌ لكونه مكون من أربع كلمات وليس كلاماً؛ لأنه لم يفد فائدة يحسن السكوت عليها، وليس كلمة لأنه مركب، هل هو لفظ يا أيها الأحباب؟ الجواب: نعم، لأن اللفظ هو الصوت، فمجرد ما تقول أي صوت، سواء كان كلمة كلمتين ثلاث، مفيد غير مفيد، هذا لفظ، إذاً الكلام هو اللفظ المركب المفيد، لابد أن يفيد فائدة يحسن السكوت عليها فإذا قلت مثلاً: محمدٌ مجتهدٌ، فهذا كلام، فإذاً هل نعده كلماً؟ لا نعده كلماً، لماذا؟ قال لأنه أقل من ثلاث كلمات والكلم لابد أن يتكون من ثلاث كلمات فأكثر، فإذا قلنا إذا جاء محمد فهذا كلم وليس كلاماً وليس كلمة، فإذا قلنا إذا جاء محمد أكرمته، فإن هذا كلاماًَ وكلم وقول ولفظ يعني كل هذه تنطبق عليه.
بقينا في كلمة واحدة في التعريف وهي كلمة بالوضع، فما المراد بها؟ اختلف شراح ابن آجروم أو مقدمة ابن آجروم في المراد بقوله بالوضع فبعضهم يقولون المراد بكلمة الوضع، القصد أن يكون المتكلم قاصداً إفادة السامع، وبعضهم يقول لا ليس المقصود به القصد وإنما المقصود به أن يكون مما تعارف العرب على وضعه، يعني ما تأتي بكلمة ليست مشهورة عند العرب بأنها تفيد فائدة ديز تجتهد مثلاً هذه لم يتواضع العرب على معرفة مثل هذا الكلام فهو كلام حتى لو أنه لو قلت أنه إن هاتين كلمتان متقابلتان ويمكن أن
يقول واحد الأولى منهم مبتدأ والثاني خبراً، تكون مبتدأً والثانية خبراً لكنها ليست من الكلام الذي وضعه العرب، إذا لابد أن يقول ولعل هذا هو الأقوى في تفسير قوله الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع.


بعد هذا ننتقل إلى بيان بعض الأمور المتعلقة بهذا فنقول: الكلام انتهينا من شرحه الكلمة تعريفها هي القول المفرد، فما القول إذاً؟ القول هو اللفظ لكن لابد فيه زيادة، القول هو اللفظ الدال على معنى ولا يلزم أن يكون مفيداً فائدة يحسن السكوت عليها، لا، لكن يدل على معنى هذا القول، المفرد هو عكس المركب، حتى تكون كلمة واحدة فقط، أما المركب فلابد أن يكون من كلمتين فأكثر، إذاً عندنا الكلمة هي القول المفرد اللفظ هو الصوت المشتمل على بعض الحروف القول هو اللفظ الدال على معنى، الكلم هو يعرّفه ابن هشام بقوله هو اسم جنس جمعي واحدته كلمة، ولابد أن يكون مكوناً من ثلاث كلمات فأكثر لكن لا يشترط فيه الإفادة، فقد يجتمع الكلام والكلم، وقد ينفرد كل واحد منهما بصفة، لكن الكلمة والكلام ما يجتمعان، والقول يمكن أن يكون كلاماً، ويمكن أن يكون كلماً، واللفظ عام في الجميع، لأنه لا يلزم إلا لفظة واحدة فقط يعني خروج صوت من اللسان سواء أكان هذا الصوت دالاً على معني أم لم يكن دالاً على معني، فأقول قد يجتمع الكلام والكلم وقد ينفرد كل واحد منهما، فأما اجتماعهما فنحو قولك إذا جاء عليٌ أكرمته، وأما انفراد الكلم فقولك إذا جاء عليٌ وأما انفراد الكلام فقولك جاء
محمدٌ.
واضح هذا الكلام؟ حتى ننتقل إلى غيره، هذه مقدمات لابد منها، ولا تستصعبوا الأمر فهو سيسهل إن شاء الله تعالى لكننا نحن في البداية والتأسيس هذا شرطه لابد أن يتأسس على معناً قوي نكتفي بهذا الإيضاح قول المصنف الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع، وننتقل بعده إن شاء الله في اللقاء القادم إلى شرح غيره، والآن الأمر إليكم إذا كنتم تريدون توجيه بعض الأسئلة المتعلقة بهذا اللقاء، تفضل.
سأل أحد الطلبة:
لا يمكن أن يكون معنى الوضع أنه موضوع بأحرف عربية؟
أجاب الشيخ:


هو هذا الكلام الذي رجحناه، لكن على ما اصطلح عليه العرب، هو إذا كانت الألفاظ فقط عربية فقد تكون مركبة في داخل الكلمة الواحدة تركيباً لم يتواضع العرب عليه أو لم يتواطئ العرب على أنه دال على معنى فإذاً لا نقبله، حتى لو كان مثلاً كلمة ديز حروفها كلها عربية لكنها ليست مما اتفقوا على أنه يعني يمكن أن يكون دالاً على معناً معين إذاً لابد أن يكون دالاً على معناً موضوع متعارف عليه عند العرب.
سأل أحد الطلبة:
جزاكم الله خير فضيلة الشيخ، ذكرتم أن أهل الكوفة تلاميذ أهل البصرة وكانوا على ود ثم انقلب عليهم أهل الكوفة، فما هي أسباب الانقلاب عليهم وأيهما المعتمد الآن مذهب البصرة أم مذهب أهل الكوفة؟
أجاب الشيخ:
أما هذه المعركة التي جرت واستمرت فترات طويلة بين الكوفيين والبصريين، فلعل منشأها هو التنافس العلمي في بداية الأمر يعني في أول ما بدأ الكوفيون كانوا يعني مجرد تلاميذ للبصريين وكانوا يقرون بكل ما عندهم ويعترفون به لكن لما بدأ يقوى عودهم تعرف أنت التنافس العلمي بين المتعاصرين في أغلب الأحيان حتى علماء الشريعة في بعض الأحيان يقوم بينهم ومشهور بين ابن حجر والعيني يعني هما من علماء الشريعة يعني فيهم فضل كبير، لكن التنافس العلمي لا ينكر فقل ربما كان هذا هو الدافع للتنافس، أما المعتمد الآن فأغلب ما نعتمد عليه نحن وهذا تلقيناه عن مشايخنا هو كلام البصريين لقوة منهجهم في الاستدلال وأنهم لم يكونوا يعتمدون على الشاهد والشاهدين والثلاثة وفى الوقت نفسه كانوا يتوخون الأخذ عن يعني المعتد بكلامه أكثر وعن من لم يختلطوا بالأعاجم فنحن نعتمد في كثير من الأحيان على
البصريين، ولكن إذا تبين لنا أن الرأي الكوفي دليل قوي وشواهده كثيرة فنحن نرمي بالرأي الآخر عرض الحائط ونأخذ برأي صاحب الدليل القوي ويعني تعدد شواهده نأخذه ولا نتردد.
سأل أحد الطلبة:


ما أزهى فترات الطور الرابع الذي قلناه في التأليف؟
أجاب الشيخ:
والله لعل أحسن الأوقات وهو الطور الرابع الذي بدأ بغدادياً مصرياً شامياً أندلسياً يعني في بداياته صحيح أن في حدود القرن السادس الهجري والسابع الهجري أيضاً كانت هناك مؤلفات قوية جداً لابن مالك رحمه الله ولابن يعيش له كتب وللرازي له كتب مؤلفة نحوية جيدة، في هذا العصر يعني قوة التأسيس كانت في العصور الأولى في القرن الثالث في القرن الرابع صحيح لعل هذا أزهى هذه العصور والله أعلم بالصواب.
سأل أحد الطلبة:
ذكرت فضيلة الشيخ في المفيد هل يشترط في الإفادة إفادة جديدة أم إفادة معلومة عند السامع من قبل؟
أجاب الشيخ:
ممكن أن تكون جديدة وممكن أن تكون معلومة عند السامع من قبل، لأن الأصل أن تخاطب المخاطب بما يعرف هذا الأصل فيه فإن جد عليه جديد فلابد أن تعطيه ما يوضح له هذا الجديد، إذا كنت تريد أن تفيده فائدة جديدة فلابد أن يكون عندك ما تقوي به هذه الفائدة الجديدة وإلا فإن كنت تعطيه معلومة قديمة فإنما تؤكدها له وقد يكون هذا التأكيد إدعاء يعني تريد إدعاءً أن تؤكد له هذه المعلومة لأنك تعرف أنه يعرفها، لكن الأصل أن تفيده فائدة إما معلومة عنده لتؤكدها وإما أن تفيده فائدة جديدة فتأتي
بأدلتها الجديدة والله أعلم.
سأل أحد الطلبة:
فضيلة الشيخ ذكرت أن مذهب أهل البصرة غالباً ما يكون المعتمد الآن فكيف يهتم العلماء بمقدمة ومؤلفه معروف أنه من أهل الكوفة؟
أجاب الشيخ:


فعلاً معروف أن ابن آجروم اعتمد في كثير من الأحيان على آراء الكوفيين وفعلاً هناك أدلة سنذكرها إن شاء الله عند الشرح لكن هذا لا يمنع أيض ـ نعم ـ أن نأخذ من الكوفيين ولهم علماء وفيهم فضل كثير لكن أنا أقول إن إذا كان رأيان بصري وكوفي فإننا نظر إلى الدليل القولي الأصل أن ننظر إلى الدليل القولي، لكن إذا كان عندنا الرأي البصري والأدلة متساوية فنأخذ الرأي البصري والله أعلم بالصواب، ونكتفي
اليوم بهذا القدر، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الدرس الثالث
الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على من أرسله الله رحمةً للعالمين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحابته أجمعين.
أيها الإخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نواصل بإذن الله تعالى شرح
ما يتيسر من الآجرومية.
انتقل المصنف إلى بينان أقسام الكلام، فقال: (وأقسامه ثلاثة: اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ جاء لمعنى) .
(أقسامه) الضمير يعود إلى الكلام، لأنه قبل قليل كان يعرف الكلام، فهو هنا قسم بالنظر إلى الكلام، بعض النحويين يقسم بالنظر إلى الكلم، فيقول: الكلم اسم وفعل وحرف، بعضهم يقسمه بالنظر إلى الكلمة فيقول: الكلمة اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ، أو بعضهم يرى: اسمٌ أو فعلٌ أو حرفٌ، والمسألة في هذا سهلةٌ والحمد لله.


يقول (وأقسامه ثلاثة) ، لماذا لم تكن أربعة؟ لماذا لم تكن اثنين؟ لماذا لم تكن أكثر؟ اختلف الناس في السبب في الاقتصار على هذه الثلاثة، فناس نظروا إلى المعنى، وناس نظروا إلى الاستقراء، فمنهم من يرى أنه باستقراء كلام العرب لم يوجد إلا هذه الأقسام الثلاثة، وناس نظروا إلى أن المعنى في الكلمة إن كان لها معنى في ذاتها غير مرتبطٍ بزمن فهي الاسمٌ، وإن كان لها معنى في ذاتها مرتبطٌ بزمن فهي الفعلٌ، وإن كان معناها فيما تدخل عليه فهي الحرف، فهذان قولان في سبب الاقتصار على هذا، بعضهم يرى أن السبب هو أنه لم يوجد في كلام العرب سوى هذه الأنواع الثلاثة، ولذلك اكتفى النحويون بالنظر فيها بالاستقراء، بعضهم يقول لا، بل المعنى للكلمة، إن كان لها معنى في نفسها مرتبط بالزمن فهي الفعل، غير مرتبطبالزمن في الاسم، ليس لها معنى في نفسها وإنما معناها فيما تدخل عليه في الحرف، وسيتبين إن شاء الله تعالى الحديث في ذلك تمام التَبَيُّن بإذن الله تعالى.
أنت إذا قلت "بيت" فإن هذه تدل على معنًى في نفسها غير مقترن بزمن فهي اسمٌ، فإذا قلت "أكرم" هذه تدل على معنى وهو الإكرام، لكنه مقترنٌ بزمن، فإذا قلت "إنَّ" هذه لا تدل على معنىً حتى تدخل على شيءٍ، "إنَّ الله غفورٌ رحيمٌ" حينئذٍ تبين معنى التأكيد والمراد في أي شيءٍ تؤكده، فدل على أن هذه الكلمة حرفٌ وليست اسمًا وليست فعلا، سيأتينا إن شاء الله في الفصول القادمة بعض الكلام فيما يتعلق إذا جاء عندنا كلام، كيف نميز أن هذه الكلمة اسم أو هذه الكلمة فعل أو هذه الكلمة حرف، فلكلٍ علامات ستتبين إن شاء الله تعالى فيما يلي من الأمور.


قال المؤلف: (فالاسم يُعرف بالخفض) وهذه عبارةٌ كما يقول صاحبكم إنها من عبارات الكوفيين، البصريون يعبرون بالجر مكان الخفض، ولا مشاحة في الاصطلاح، فهو عبر بالخفض بناءً على ما يعتبره الكوفيون، وسنجد أن بعض المسائل الأخرى اعتمد فيها المصنف رحمه الله على أراء الكوفيين وعلى مصطلحاتهم، قال: (فالاسم يُعرف الخفض، والتنوين، ودخول الألف واللام) .
الحق أن هذه الثلاثة أمور أعظم ما يتميز به الاسم، ابن مالك جعلها خمسة، وغيره أوصلها عشرة، وربما زاد بعضهم، ابن مالك ماذا يقول؟
بالجر والتنوين والندا وال ومسندٍ للاسم تمييزٌ حصل
يعني حصل تمييز الاسم بواحدةٍ من هذه العلامات، إذا وجدت الكلمة مجرورة فاعلم أنها اسم لأن الأفعال لا تجر والحروف لا تُجر، إذا وجدت أن الكلمة منونةً فاعلم أنها اسم، ولا يوجد التنوين في غير الأسماء، إذا وجدت الألف واللام داخلتين على كلمة فاعلم أنها اسم، سواءٌ كانت الـ هذه معرِّفة أو موصولة أو نحو ذلك فإنها لا تدخل إلا على الأسماء، وسنستثني بعض الاستثناءات سنذكرها إن شاء الله، أما كلام ابن مالك الذي قاله وهو إدخاله على علمتين أخريين وهما النداء والإسناد، فالنداء نحو قولك "يا عمر"، بل "يا الله"، تنادي ذا العزة والجلال بـ يا، فهذه إذا وجدت الكلمة مناداةً، مناداةً لأنه قد يدخل حرف النداء على غير الأسماء، لكنه في الحقيقة داخلٌ على مقدر، قال الله عزّ وجلّ ? قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ? [يس: 26] ، فدخلت على "ليت"، في الواقع أنهم أولوا هذا فقالوا إنها داخلةٌ على مُنادى مُقدر "يا سامعون ليت قومي يعلمون"، أو أن نقول هذه ليست حرف نداء، وإنما هي حرفٌ للتنبيه فقط وليست للنداء حتى تستمر قاعدتنا على ما هي عليه، فالنداء علامة من علامات الأسماء.


نعود نأخذها واحدةً واحدةً، (الخفض) ، ما المراد بالخفض؟ الخفض هو أن يكون الاسم مجرورا، بم يكون الجر؟ يكون بواحدٍ من حروفٍ الجر، وسيأتي بيانها إن شاء الله، أو يكون بالإضافة، أو يكون بالتبعية، وقد ذكرت في الحلقة الماضية أنها مجموعة كلها في قولك بسم الله الرحمان الرحيم، فكلمة "اسم" مجرورة بالباء، ولفظ الجلالة مجرورٌ بالإضافة، و"الرحمن" مجرورٌ بالتبعية، لأنه صفة لفظ الجلالة.
هل يعني دخول حرف الجر على الكلمة أنه لابد أن تكون اسمًا؟ الجواب لا، لأن حرف الجر قد يدخل في ظاهر اللفظ على غير الأسماء، كقولك مثلا "عجبت من أن حضر عبد الله"، فـ "من" حرف جر وقد دخلت على "أن"، و"أن" حرف وليست اسمًا، فهل هذا صحيح في ظاهر اللفظ؟ نعم، هي دخلت على، و"أن" ليست اسمًا وإنما هي حرف، لكن الواقع أنها دخلت على اسم، كيف هذا؟ أين هذا الاسم الذي تتحدث عنه؟ "أن" وما دخلت عليه تؤول المصدر، والمصدر اسم، فكأنك قلت "عجبت من حضور عبد الله"، فهي في الحقيقة داخلة على الاسم، لكن الاسم هذا مؤول، ولولا الحذف والتقدير والتأويل لعرف النحو كل واحد، فلابد أن تتنبهوا إلى مثل هذا.
إذًا دخول حرف الجر على الكلمة ليس دليلا قاطعًا على أن هذه الكلمة اسم، ولكن هو في حقيقة الأمر لو تدبرت الموضوع لوجدت أنه لا يدخل فعلا إلا على أسماء، سواءٌ كانت أسماء ظاهرة مثل "مررت بالرجل"، أو كانت مؤولةً كما ذكرنا لكم قبل قليل في قولك "عجبت من أن حضر محمد"، فيكون التقدير "عجبت من حضور محمد"، هذا هو الخفض أو الجر كما يعبر به البصريون.
(والتنوين) ، التنوين يا أيها الأحباب هو نون ساكنة تلحق الآخر لفظًا لا خطًا لغير توكيد، هذا هو تعريف التنوين، "محمدٌ صالحٌ مجتهدٌ" "حاضرٌ" غائبٌ" "مسافرٌ" "بيتٌ" "دارٌ" إلى آخره، هذه كلها أسماء لأنه دخلها التنوين. يقسم النحويون التنوين أربعة أقسام:


القسم الأول: وهو أعظم أنواع التنوين دلالةً على اسمية الكلمة، هو المسمى بتنوين التمكين، وهو الداخل على الأسماء المعربة المنصرفة، كالأمثلة التي ذكرتها قبل قليل، "بابٌ" "دارٌ"، وهكذا.
القسم الثاني: هو تنوين التنكير، وهو الداخل على الأسماء المبنية للدلالة على تنكيرها، كقولك مثلا "مررت بسيبويه وسيبويهٍ آخر"، الثاني مجهول لك، أما سيبويه الأول غير منون فهو معرفة، فإذا أدخلت التنوين على كلمة مبنية للدلالة على أن هذه الكلمة نكرة وليست معروفة فاعلم أن هذا التنوين يُسمى بتنوين التنكير.
يقولون إذا قلت "إيهِ" فمعناها زدني من هذا الحديث الذي تتحدث به، وإذا قلت "إيهٍ" بالتنوين معناه زدني من أي حديث، وإذا قلت "صهْ" فأنت تقول له اسكت عن هذا الحديث فقط، فإذا قلت "صهً" فمعناه لا تتكلم بكلمة، يعني ما تقصد معنًى معينًا وإنما تقصد النهي عن كل شيءٍ، فمتى ما رأيت التنوين داخلا على كلمة مبنية فاعلم أنه للتنكير.
القسم الثالث: هو التنوين المسمى بتنوين المقابلة، وهو اللاحق بجمع المؤنث السالم في مقابلةٍ النون في مع المذكر السالم، تقول "مسلماتٌ" و"نظرتُ إلى مسلماتٍ" و"مررتُ بمسلماتٍ"، يقولون هذا التنوين اللاحق بجمع المؤنث السالم هو في مقابلة النون في جمع المذكر السالم، ولذلك سموه بتنوين المقابلة، فهو يلحق جمع المؤنث السالم.
القسم الرابع: تنوين العوض، هو ثلاثة أقسام:
1- إما تنوين عوض عن جملة، كقول الله عزّ وجلّ ? وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ?4? بِنَصْرِ اللَّهِ ? [الروم: 4، 5] ، وقوله الله عزّ وجلّ ? وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ? [المرسلات: 24] ، إذ الأصل أنها تُضاف إلى الجمل، فإذا حذفت المضاف إليه تُعوض عنه بالتنوين.


2- وتنوين العوض عن جملة يلحق بكلمتين فقط هما "إذ" و"إذا"، ومنهم بالنسبة لـ"إذا" قول الله عزّ وجلّ ? وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ? [الإسراء: 76] ، يقولون التقدير لهذه الآية الكريمة ـ والله أعلم ـ: "وإذا حصل ذلك لا يلبثون خلافك إلا قليلا"، فحُذفت جملة "حصل ذلك" وعُوِّض عنها بالتنوين، هذا تنوين العوض عن جملة.
3- أو تنوين عوض عن كلمة واحدة، ففي ثلاث كلمات هي: كل، وبعض، وأي، قال الله عزّ وجلّ ? بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ? [النساء: 25] ، التقدير والله أعلم "بعضكم من بعضكم".
أما "أي" فشاهدها قول الله عزّ وجلّ ? أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ? [الإسراء: 110] ، حُذف المضاف إليه وهو كلمة واحدة، ? وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ? [الأعراف: 180] ، وقوله عزّ وجلّ ? أَيًّا مَا تَدْعُوا ? [الإسراء: 110] أي مدعوٍ أو اسمٍ أو نحو ذلك، الله أعلم كيف يكون تأويلها، لابد أن تكون متعلقةً بسياق الآية. المهم أن التنوين هنا عوضٌ عن كلمة واحدة.
أما "كل" فقولك "كلٌ يجتهد"، فالتقدير "كلنا يجتهد" مثلا، أو "كل رجلٍ يجتهد"، فحُذف المضاف إليه وعوِّض عنه بالتنوين، وهذا تنوين عوض عن كلمة.


4- أما التنوين الذي يأتي عوضًا عن حرفٍ واحد: فهو في نحو "غواشٍ" و"جوارٍ"، يقولون كلمة "غواشٍ" كما قال الله عزّ وجلّ ? مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ? [الأعراف: 41] ، أصلها "غواشيُ" لأنها على وزن فواعل، وفواعل صيغة منتهى الجموع فهي ممنوعة من الصرف لعلةٍ واحدة، فاستثقلت ـ كما يقولون ـ الضمة على الياء فسكنت، ثم حُذفت الياء هذه وعُوِّض عنها التنوين، قال الله عزّ وجلّ ? وَالْفَجْرِ ?1? وَلَيَالٍ عَشْرٍ ? [الفجر: 1، 2] ، أصلها ـ والله أعلم ـ "ولياليُ"، تُستثقل الضمة أيضًا على الياء فتُحذف ثم تُحذف الياء ثم يُعوض عنها التنوين.
هذا هو تنوين العوض عن حرف.
إذًا تنوين العوض ثلاثة أنواع، تنوين عوض عن جملة ? وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ?4? بِنَصْرِ اللَّهِ ? [الروم: 4، 5] ، تنوين عوض عن كلمة كقول الله عزّ وجلّ ? بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ? [النساء: 25] ، وقوله عزّ وجلّ ? أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ? [الإسراء: 110] ، وأما تنوين العوض عن حرفٍ واحد فهو في نحو قول الله عزّ وجلّ ? وَالْفَجْرِ ?1? وَلَيَالٍ عَشْرٍ ? [الفجر: 1، 2] .
هذا هو التنوين وقد انتهينا منه. فيه كلام طويل في التنوين لا نتعرض له من حيث أن
بعضهم زاد في التنوين، سمَّى واحدًا منهما بتنوين الترنم، وسمَّى الثاني بالتنوين الغالي، وكلا هذين التنوين ليسا مما يخص الأسماء، ولذلك تدخل على الأفعال وتدخل على الحروف، فلا نتحدث عنها لأنها ليست داخلةً معنا.


أما دخول الألف واللام، فمتى ما وجدت الكلمة يا أخي مُقترنةً بـ"الـ" سواءٌ كانت هذه "الـ" جنسية أو عهدية أو موصولية أو غيرها فاعلم أن هذه الكلمة التي دخلت عليها اسم، كـ "الرجل"، قال الله عزّ وجلّ ? كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ ? [هود: 24] ، و? وَالْفَجْرِ ?1? وَلَيَالٍ عَشْرٍ ? [الفجر: 1، 2] ، وما شاكل ذلك. هذه كلها دخلت عليها "الـ" فهذا دليلٌ على أن الكلمة التي دخلت عليها "الـ" اسمٌ وليست فعلا ولا حرفًا.
قال الشاعر:
ما أنت بالحكم الترضي حكومته ولا الأصيل ذي الرأي والجدل
دخلت "الـ" هنا على كلمة "تُرضى"، مع أن كلمة "تُرضى"، فماذا يُقال عنه؟ قال يُكتفى
بهذا الشاهد، وهي أولا لا تدخل على فعل ماض، ودخلت على الفعل المضارع لمشابهته لاسم الفاعل، فدخولها هنا خاصٌ بالشعر، ثم إنه لا يأتي في النثر أبدًا، لا يأتي إلا في ضرورة الشعر، ويُحفظ ولا يُقاس عليه، وقد ورد له عدة شواهد كلها داخلة على الفعل المضارع، ولكننا نقول يُكتفى بما ورد.
أما النداء فقد انتهيت منه قبل قليل، وهو دخول حرف النداء على الكلمة، وليس مجرد دخوله دليلا على أن الكلمة اسم، ومنه كما ذكرتُ لكم قبل قليلٌ قول الله عزّ وجلّ ? قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ? [يس: 26] .
انتهينا من الحديث عن علامات الأسماء، الخفض والتنوين ودخول الألف واللام والنداء.
بقي مما ذكر ابن مالك الإسناد إلى الاسم، وهذا في الحقيقة علامة جيدة، لأن بعض الأسماء لم تُعرف اسميتها إلا بهذه العلامة، ولا يصح لها شيءٌ من العلامات الأخرى وهي الضمائر، الضمائر ليس عندنا دليلٌ على أنها أسماء إلا بهذه العلامة وهي الإسناد.


أولا: ما معنى الإسناد، الإسناد في اللغة هي الإمالة، تقول "أسندت الخشبة إلى الجدار" بمعنى "أملتها إليه"، هذا في اللغة، لكن الإسناد في اصطلاح النحويين هو الحديث عن الشيء، أو نسبة شيءٍ إليه، فأنت إذا قلت "قمتُ" فقد أسندت القيام إليك، أي نسبته إليك، التاء هذه ظاهرها أنها حرف لأنها مكونة من كلمةٍ واحدة، فليس عندنا دليلٌ على اسميتها إلا هذا الإسناد وهو الحديث عنه.
"أنت مخلصٌ"، ليس عندنا أيضًا دليلٌ على أن "أنت" اسم إلا بالإسناد إليه، لماذا؟ لأننا نقول الضمير لايصلح لدخول حرف الجر، ولا يصلح للتنوين، ولا يصلح للنداء، ولا يُنادى إلا شاذًّا وفي الشعر خاصةً، لا يُنادى الضمير إلا شذوذًا، ومنه قول الشاعر:
يا أبجر بن أبجر يا أنتَ أنت الذي طلقت عام جُعْتَ
الشاهد دخول حرف النداء على الضمير، والشاهد أيضًا أن الضمائر لا يصلح لها شيءٌ من العلامات الأخرى، لا يصلح لها نداء، ولا تظهر عليها علامات الخفض حتى نقول إنه مخفوض، ولا يصلح للتنوين، ولا تدخل عليه "الـ"، فلا يبقى له إلا هذه العلامة الوحيدة وهي الإسناد كما ذكر بن مالك رحمه الله، مع أن مصنفنا رحمه الله اكتفى بهذه العلامات الثلاث، وهي أبرز العلامات في الحقيقة.
بعد هذا نتحدث عن بعض كلام المصنف رحمه الله وهو قوله (وحروف الخفض وهي: من وإلى
وعن وعلى وفي ورب والكاف واللام وحروف القسم وهي: الواو والباء والتاء) .
هو لا يزال يتحدث عن علامات الأسماء، واستطرد فذكر لنا حروف الخفض أو حروف الجر، ابن مالك ذكر حروف الجر فعدها عشرين حرفًا، اشترك معه ابن آجروم في معظم هذه الحروف، نذكر لكم أبيات من ابن مالك في ألفيته، قال:
هاك حروف الجر وهي من إلى حتى خلا حاشا عدا في عن على


مُذ منذ رُب اللام كي واو وتا والكاف والباء ولعل ومتى
هذه عشرون حرفًا، وبعض هذه الحروف في الحقيقة لا يُستعمل حرف جر إلا أحيانًا عند بعض القبائل، وأحيانًا شاذًّا، ومن هذه الحروف التي تُستعمل قليلا جدًا حروف جر "لعل" و"متى"، فالأصل في "لعل" أنها للترجي، وليست حرف جر، ولكن ورد منه في بعض لغات العرب قول الشاعر:
فقلت ادع أخرى وارفع الصوت جهرة لعل أبي المغوار منك قريب
فـ"أبي" هنا جاءت مجرورةً ب"لعل"، وهذا قليلٌ جدًّا، ويختص بلغات بعض العرب. أيضًا "متى" لا تُستعمل إلا عند بعض العرب أيضًا، وهي بعض القبائل، ولعلها عُقيل أو هُذيل، يقولون "أخرجها متى كمه"، يعني من كمه، ومنه قول الشاعر "متى لجج خضر لهن نئيج" يعني من لجج، فهي تُستعمل بمعنى من، ولكنه أيضًا قليلٌ وخاصٌّ ببعض لغات العرب.
أما من وإلى وعن وعلى وفي والباء واللام فهذه كلها تجر الظاهر والمضمر، تدخل على الأسماء الظاهرة فتجرها، وتدخل على الأسماء المضمرة فتجرها، طبعًا الأسماء الظاهرة مبنية، ولكنها تكون في محل جر، قال الله عزّ وجلّ ? وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ ? [الأحزاب: 7] ، "من" دخلت على الكاف ـوهو ضمير
ـ ونوح، وقال الله عزّ وجلّ ? وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ? [المائدة: 18] ، وقال سبحانه وتعالى ? وَإِلَى اللَّهِ
تُرْجَعُ الْأُمُورُ ? [البقرة: 210] ، فجرت مرةً الظاهر ومرةً المضمر، وقال الله عزّ وجلّ ? طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ ? [المطففين: 19] ، فدخلت عن على اسمٍ ظاهر، وقال الله عزّ وجلّ ? رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ? [المائدة: 119] ، دخلت على "هم" في الأول وعلى الهاء في الثاني، أما على نحو قول الله عزّ وجلّ ? عَلَى
اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ? [الأعراف: 89] ، ودخولها على الضمير نحو قولك "عليك أن تعمل كذا وكذا".
أما "في" نحو قول الشاعر:


وفي النفس حاجاتٌ وفيك فطانةٌ
وهو أشعر الناس أبو الطيب المتنبي، فالنفس هنا اسم ظاهر و"فيك" دخلت على الضمير.
و"رُبَّ"، هذه "رُبَّ" تختص بالدخول على الأسماء الظاهرة، وهي أيضًا حرفٌ يدل على التقليل غالبا، ويدل على التكثير أحيانًا، وبعضهم يرى العكس، المهم أنها خاصةٌ بالدخول على الأسماء الظاهرة، "رُبَّ رجلٍ لاقيته فأكرمته".
أما الباء فكقول الشاعر:
بالله يا ظبيات الحي قلن لنا ليلاي منكن أم ليلى من البشر
وكقولك مثلا "مررتُ به أو بك أو بهم"، أو "مررتَ بنا"، إلى آخره، المهم أنها تجر الظاهر وتجر الضمير.
أما الكاف فخاصةٌ بالدخول على الأسماء الظاهرة، قال الله عزّ وجلّ ? لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ? [الشورى: 11] ، وهي حرفٌ يدل على التشبيه، "محمدٌ كعليٍّ" أو "زيدٌ كخالدٍ"، إلى آخره.
أما اللام فنحو قول الله عزّ وجلّ ?لله مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ? [البقرة: 284] ، وكقول الله عزّ وجلّ ? لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ? [البقرة: 255] ، فأحيانًا تدخل على الاسم الظاهر وأحيانًا تدخل على الضمير وتجرهما على السواء.
أما حروف القسم فهي بعض هذه الحروف، منها الباء، الباء حرف قسم، والواو تدخل على كل الأسماء الظاهرة ويُقسم بها، "والله" "ورب الكعبة" "والرحمن" "والرحيم"، وهذه طبعًا نحن بوصفنا مسلمين لا يجوز أن ندخلها للقسم إلا على ما يتعلق باسم الله عزّ وجلّ أو بصفةٍ من صفاته، أما لو قال واحدٌ وحياتك أو نحو ذلك فهو جائزٌ لغةً، أما شرعًا فإنه لا يجوز الإقسام إلا بالله عزّ وجلّ، ولا يجوز الإقسام بغيره أبدًا، لأن نفس القسم بالشيء دليلٌ على التعظيم، ولا يستحق التعظيم الحقيقيَّ إلا الله سبحانه وتعالى.


هذه الواو، وأما الباء فتدخل على لفظ الجلالة، فتقول "بالله أن تعمل كذا وكذا"، هذا إذا كانت للقسم، أما إذا كانت حرف جر لا يُراد به القسم فهي تدخل على كل شيءٍ، فتدخل هذه الباء على لفظ الجلالة وعلى غيرها من أسماء الله سبحانه وتعالى متى ما أردت القسم.
التاء، الغالب أنها تدخل على لفظ الجلالة، قال الله عزّ وجلّ ? وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ ? [الأنبياء: 57] ، "تالله" فأقسم بالله سبحانه وتعالى، بعضهم يجيز الدخول على لفظ الرحمن، فيقول "تالرحمن"، بعضهم يجيز أيضًا ـ على قلة ـ دخولها على قولك "ربي" فتقول "تربي"، بعضهم يجيز دخولها على كلمة "رب الكعبة" فتقول "ترب الكعبة"، هذه التاء على ألفاظ محدودة، يعني ما يجوز أن تقول "تالرحيم" مثلا، ولم يرد، فهي خاصة بالأربعة ألفاظ التي ذكرتها لكم، والغالب أن تكون داخلةً على لفظ الجلالة وحده.
هذه بالنسبة لحروف الجر التي ذكرها ابن آجروم، بقيت بعض حروف الجر، وهي في باب الاستثناء، وهي مشتركة أحيانًا تصير أفعالا وأحيانًا تصير حروفًا، أحيانًا تصير حروف جر وأحيانًا تصير أفعالا، وهي ثلاثة خلا وعدا وحاشا، كيف تميز أنها فعل أو أنها حرف جر؟ انظر إلى الاسم الذي بعدها، فإن كان منصوبًا فهي فعل استثناء، وإن كان مجرورًا فهي حرف دالٌّ على الاستثناء فتكون حرف جر.
هذه الحروف الثلاثة، وطبعًا ابن آجروم لم يذكر هذه الحروف الثلاثة، خلا وعدا وحاشا.


تناوب حروف الجر، وقوع بعض حروف الجر موقع بعض للدلالة على المعنى أو تضمين الفعل الذي تعلق بحرف جر معنى فعلٍ آخر، هذا خلاف بين النحويين، ما المعتمد في فيه؟ هل تقع قال الله عزّ وجلّ ? وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ? [طه: 71] ، هل "في" هنا تدل على الظرفية أو تدل على أنها بمعنى على؟ أو أنه تضمين "أصلبنكم" معنى فعلٍ يتعدى بـ"في"، هذا خلافٌ بين النحويين في ذلك، والمسألة في هذا سهلة، والذي أراه أن بعض الحروف لها معنًى أصلي يغلب أن يكون هو المقصود به، مثلا "من" تدل في الأصل على التبعيض، لكن يمكن أن تدل لابتداء الغاية سواءٌ في الزمان أو المكان، ويمكن أن تكون للتعليل، قال الشاعر:
يغضي حياءً ويُغضى من مهابته
وهكذا، المهم أن لها معنًى أصليٌّ، ولها معانٍ أخرى ليست بأصلية يمكن أن تكون عليها، هذا الذي أرجحه في هذه المسألة، وإلا بعضهم يقول لا، الحروف يمكن أن تضع أي حرف مكان أيِّ حرفٍ مطلقًا، ويمكن أن تقول لا، بل لكل حرفٍ معنًى واحدٌ فقط وإنما التغيير في الفعل الذي دخل عليه فتُضمنه معنًى يصح أن يكون داخلا على هذا الحرف المُستشهد به، فهذا بالنسبة لاستعمال حروف الجر من ناحية معناها، والله أعلم بالصواب.
الآن نقف عند هذا الحد ونتلقى الأسئلة منكم إذا كان لديكم بعض الأسئلة، وأنا أسألكم فيما ما مر شرحه إن شاء الله.
سأل أحد الطلبة:
جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ، قلتم في تعريف التنوين هو النون الداخلة على الاسم لفظًا تفارقه خطًّا لغير التوكيد، فهل إذا دخلت في التوكيد فلا يكون اسمًا؟
أجاب الشيخ:


بارك الله فيك، هذا سؤالٌ جيدٌ، وأنا ما شرحتُ تعريف التنوين شرحًا تامًّا، وإلا فله مُحرزان، أن أعيد التعريف مرةً ثانية، التنوين: نونُ ساكنة تلحق الآخر لفظًا لا خطًّا لغير توكيد، أحيانًا تكون الكلمة نون ساكنة وفي الأخير ولكنها للتوكيد، فإذا كانت تدل على التوكيد فليست داخلة على الاسم بل هي داخلة على فعل، قال الله عزّ وجلّ ? لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ? [العلق: 15] ، وقال الله عزّ وجلّ ? لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ ? [يوسف: 32] ، فالنون في ? لَيَكُونً ? صحيحٌ نون ساكنة وتلحق الأخير وتلفظ ولا تُكتب، لكن هذه النون وردت هنا للتوكيد، إذا كانت دالة على التوكيد فإنها لا تدخل على الأسماء، بل إن التوكيد علامة من علامات الأفعال، والله أعلم بالصواب.
سأل أحد الطلبة:
جزاكم الله خيرًا، نرجو من فضيلتكم أن تمثلوا لنا في خلا وحاشا وعدا.
أجاب الشيخ:
بار الله فيك، هذه أولا لا ترد إلا في الاستثناء، لا ترد بهذا المعنى إذا كنا نقصد بها حرف جر إلا في الاستثناء، فتقول "قام القوم خلا زيد وحاشا عمرٍو وعدا زيدٍ"، فإذا دخلت عليها "ما" تحولت، لا تصير حرف جر، ويصير ما بعدها منصوبًا، تصير فعل متى ما دخلت "ما"، تقول "دخل القوم ما خلا زيدًا" لابد أن تقول "زيدًا" ما تقول "زيدٍ"، لأن ما هذه تحولها إلى فعل وتصرفها عن الحروف، فهذا التمثيل بالنسبة لخلا وحاشا وعدا إذا كانت في الاستثناء خاصةً وإذا كانت حروف جر، ولا تكون حروف جر إلا في الاستثناء فقط.
سأل الشيخ:
أنا أريد منكم من يتحدث عن الحرف الذي يدل على التقليل غالبًا وعلى التكثير أحيانًا، وقال بعضهم بالعكس.
أجاب أحد الطلبة:
الحرف الذي يدل على التقليل غالبًا أو التكثير هو "رُبَّ".
سأل الشيخ:
تُمثل له؟
أجاب الطلبة:
"رُبَّ رجلٍ لاقيته فأكرمته".
أكمل الشيخ كلامه:


هذا كلامٌ صحيحٌ، بارك الله فيك. لكن أنا أريد أن أنبه على مسألة الاختلاف في الدلالة على التقليل وعلى التكثير، الذين يرون أنها دالةٌ على التكثير كثير، والذين يرون أنها دالة على التقليل قليل، ولذلك يستشهدون بقول الشاعر:
ألا رُبَّ مولودٍ وليس له أبٌ وذي ولد لم يلده أبوان
يقولون هذه لا يوجد إلا واحدٌ وواحد، مولود وليس له أبٌ وهو عيسى بن مريم، وذي ولدٍ شخص عنده أولاد وليس له أبوان، من هو؟ آدم عليه السلام، وهذا ما يوجد من كل واحدٍ منهما إلا واحد، لكن في قول الرسول صلى الله عليه وسلم (يا رُبَّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٍ يوم القيامة) ، فـ"رُبَّ" على التكثير، فبعضهم وهو الغالب والكثير من النحويين أنهم يرون أنها تدل على التكثير، والقليل يرون أنها تدل على التقليل غالبًا.
هذه "رُبَّ"، أريد من حروف الجر التي تدخل على الظاهر والمُضمر مع التمثيل.
أجاب أحد الطلبة:
من الحروف التي تجر الظاهر والمضمر من وإلى وعن وعلى.
سأل الشيخ:
واحد منها مع تمثيله؟
أجاب الطلبة:
? وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ? [البقرة: 210] ، ? وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ? [المائدة: 18] .
أكمل الشيخ كلامه:
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونكتفي بهذا القدر اليوم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ.


الدرس الرابع

الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نواصل الحديث في شرح ما يتيسر من الآجرومية. قال المصنف رحمه الله (والفعل يُعرف ب "قد" والسين وسوف وتاء التأنيث الساكنة) ، هذه علامات الأفعال، إذا وجدت الكلمة مبدوءةً بـ "قد" فاعلم أنها فعلٌ، فعل ماضي أم فعل مضارع؟ الوجهان، يمكن أن تدخل على الفعل الماضي، وهذا يدل على التحقيق، ويمكن أن تدخل على الفعل المضارع، وهذا يدل على التقليل غالبًا وعلى التحقيق أحيانًا. "قد يعلم الله الذين يخالفونك"، هذه للتحقيق، لكن "قد يجيء محمدٌ" هذه للتقليل، "قد أمر فلانٌ بكذا وكذا" للتحقيق، ولا يوجد وجه آخر.
إذًا قد لا تدخل على الأسماء، وطبعًا من باب أولى أن لا تدخل على الحروف، وإنما تدخل على الأفعال، هل تدخل على فعل الأمر؟ الجواب لا، هل تدخل على الفعل الماضي؟ الجواب نعم، هل تدخل على الفعل المضارع؟ الجواب نعم، ما دلالتها إذا دخلت على الفعل الماضي؟ التحقيق قولا واحدًا، ما دلالتها إذا دخلت على الفعل المضارع؟ التقليل غالبًا، والتحقيق أحيانًا، ? قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا ? [النور: 63] ، وهو يعلم سبحانه بدون شكٍ في ذلك.
(والفعل يُعرف بـ"قد" والسين وسوف) ،ماذا يُسمّى هذان الحرفان؟ يُسميان حروف التنفيس، وأحيانًا يُسميان حروف التسويف، السين وسوف، السين يقولون إنها أقرب من سوف، "سوف" أبعد، "سوف أسافر" يعني بعد مدة، "سيجيء محمدٌ" يعني بعد قليلٌ، فالبعض يرى أنهما حرفان للتنفيس، والبعض يرى أنهما حرفان للتسويف، أما السين فأقرب من سوف مدةً، هذا كما يقول أهل اللغة. والسين و"سوف" لا يدخلان إلا على الفعل المضارع، لا تدخلان على الفعل الماضي، ولا تدخلان على الفعل الأمر، فهما خاصان بالفعل المضارع.


وأما تاء التأنيث الساكنة، فاعلم بارك الله فيك أن تاء التأنيث أنواع، أحيانًا تكون اسمًا، وأحيانًا تكون حرفًا، فأما إن كانت اسمًا فهي الضمير إذا كانت للمخاطبة، مثل "أقبلتِ يا فاطمة" و"ذهبتِ يا هند"، فإن التاء الموجودة هذه هي تاء التأنيث، ولكنها كما ترون متحركة هنا، أما تاء التأنيث الساكنة فهي التي يقصدها المصنف هنا وهي حرفٌ، تدخل على الأفعال الماضية فقط، ولا تدخل على غيرها، وتدخل في آخر الفعل الماضي، "قامت هندٌ" و"حضرت دعدٌ" و"سافرت فاطمةُ". يعني إذا قلت "قد قامت الصلاة"،
التاء هنا ساكنة أم متحركة؟ هي ساكنة في الأصل ولكنها لالتقاء الساكنة حُركت، فسواءٌ كانت بقيت على سكونها أم حُركت لالتقاء الساكنين.
فإذًا عندنا التاء بأنواعها، متى ما وجدت التاء موجودةً في آخر الكلمة فاعلم أن هذه الكلمة فعل ماضي. هل هناك تاءاتٌ أخرى؟ نعم، عندنا تاء الفاعل، وهي ثلاثة أنواع، تاء المتكلم، وتاء المخاطب، وتاء المخاطبة، هذه التاء يسمونها تاء الفاعل، ولا تلحق إلا بالفعل الماضي، وكذلك تاء التأنيث الساكنة لا تلحق إلا آخر الفعل الماضي. يوجد عندنا تاء حرف ومتحرك وعلامة للفعل أيضًا، وهي التاء التي تلحق أول الفعل المضارع إذا كان المقصود به المخاطبة، "أنتِ تقومين يا هند"، فالعلامة هذه قد تكون في أول الفعل المضارع، وقد تكون في آخر الفعل الماضي، أعني التاء "أنتِ تقومين يا هند"، ولابد أن يكون المقصود بها المخاطبة بالنسبة للفعل المضارع، لأن عندنا تاء أحيانًا تكون دالةً على الغائب مثل "هندٌ تقوم"، أو "أنت تقوم"، فلابد أن يكون المقصود بها المخاطبة، فهي تلحق الفعل المضارع، وهي دالة على أن الكلمة فعل.
المهم أن تاء التأنيث الساكنة، والتاء إذا كانت اسمًا بأنواعها لا تلحق إلا الأفعال، قال ابن مالك:
بتا فعلت وأتت ويا افعلي...... ونون أقبلنّ فعل ينجلي


يعني ينجلي الفعل بواحدةٍ من هذه العلامات الأربع، أعيدها مرةً ثانية، "بتا فعلت" يعني تاء المخاطبة مثلا أو تاء الفاعل عمومًا، "وأتت" يعني تاء التأنيث الساكنة، "ويا افعلي" هذه ياء المخاطبة، ولا تلحق إلا الأفعال أبدًا "ونون أقبلنّ" هذه نون التوكيد ولا تلحق إلا الأفعال كما ذكرنا لكم في اللقاء الماضي.
الآن عندنا ثلاثة أنواع من الأفعال، فما علامة الفعل الماضي؟ وما علامة الفعل المضارع؟ وما علامة فعل الأمر؟ كيف يتبين لنا أن هذه الكلمة فعلٌ ماضي؟ أما الفعل الماضي فعلامته قبول التاء، سواءٌ أكانت تاء الفاعل أم كانت تاء التأنيث الساكنة، ولا تقع إلا في آخره، تقول "ضربتَ" و"ضربتُ" و"ضربتِ" و"ضربتْ"، هذه التاء دليلٌ على أن الكلمة التي لحقتها فعلٌ ماضٍ، فالفعل الماضي علامته قبول التاء، قال ابن مالك " وماضي الأفعال بالتا مز" أي ميز الفعل الماضي بقبوله التاء في آخره، سواءٌ كانت للفاعل أو كانت للتأنيث.
أما علامة الفعل المضارع فهي قبوله لـ "لم"، وقبول السين، وقبول سوف، إذا قبلت الكلمة دخول واحدة من هذه العلامات فهي فعلٌ مضارع، ولا تقع هذه الأدوات إلا قبل الفعل المضارع، ولا يصح أن تدخل لا على الماضي ولا فعل الأمر ولا الأسماء طبعًا من باب أولى، ولذلك قال ابن مالك أيضًا " فعل مضارع يلي لم كيشم".
في بعض الأحيان تدل الكلمة على معنى المضارع، ولكنها لا تقبل دخول "لم"، وفي بعض الأحيان تدل الكلمة على معنى الفعل الماضي ولكن لا يقبل التاء، وما ذكرنا فعل الأمر، ولكن سنذكره ثم بعد هذا نعود إلى هذه الأمور الثلاثة المُستثناة، في بعض الأحيان تدل الكلمة على معنى الأمر ومع ذلك لا يقبل علامة الأمر التي سأذكرها بعد قليل، فماذا نفعل في هذا الأمر؟ ننظر بعد قليل بعد أن نذكر لكم علامة فعل الأمر.


علامة فعل الأمر مكونة من أمرين، الدلالة على الطلب وقبول نون التوكيد، لابد من
الأمرين مجتمعين:
1 ـ الدلالة على الأمر.
2 ـ وقبول نون التوكيد.
قولك مثلا "اضربنّ"، هذه قبلت النون ودلت على الأمر، وإذا قبلت النون ولم تدل على الأمر فهي فعل مضارع كما ذكرنا قبل قليل، وإذا لم تقبل النون ودلت على الأمر فهي اسم فعل أمر مثل "صه" بمعنى اسكت ومثل "دراكي" ومثل "جَلاسي" ومثل "مه" بمعنى كفَّ وما شاكل ذلك.
إذا دلت الكلمة إلى معنى الفعل المضارع ولم تقبل نون التوكيد أو لم تقبل دخول "لم" عليها فإنها حين إذٍ اسم فعل مضارع، مثاله "وي" بمعنى أتعجب، "أُوَّهْ" بمعنى أتوجع، "أُفٍّ" بمعنى أتضجر، هذه كلها تدل على الفعل المضارع، ولكنها لا تقبل دخول "لم" عليها، فهي اسم فعل مضارع.
الفعل الماضي أو ما يدل على الزمن الماضي، هل يوجد منه ما يدل على الزمن الماضي ولا يقبل علامة الفعل الماضي؟ نعم، يوجد مثلا "هيهات" بمعنى بَعُدَ، و"شَتَّان" بمعنى افترق، هذه كلها تدل على الزمن الماضي ولكن لا تقبل تاء التأنيث ولا تاء الفاعل.
فهذه علامات الأفعال جمعها المصنف هنا في بعض العلامات فقال (الفعل يُعرف بقد والسين وسوف وتاء التأنيث الساكنة) ، ومع الأسف لم يأت بعلامةٍ لفعل الأمر، ولكن فعل الأمر كما أخبرتكم لابد من اجتماع علامتين فيه حتى يدل على الأمر.
هذه علامات الأفعال.
ننتقل بعد هذا إلى قول المصنف (والحروف ما لا يصلح معه دليل الاسم ولا دليل الحرف) ، كيف تعرف أن الكلمة حرف؟ تعرف يا أخي بارك الله فيك بطريقة وهي أن تجرب علامات الأسماء، فإذا قبلت الكلمة علامةً من هذه العلامات فهي اسم، وإذا لم تقبل لم تقبل فانتقل إلى علامات الأفعال وجرب عليها، فإذا لم تقبل علامةً من هذه العلامات فهي حرفٌ.


وهناك طريقة ثانية وهي أن تنظر إلى المعنى، فإن كان للكلمة معنًى في نفسها غير مقترن بزمن فهي اسم، إن كان للكلمة معنًى في نفسها مقترنًا بزمن فهي فعل، إن كانت الكلمة ليس لها معنًى في نفسها وإنما معناها فيما تدخل عليه فهي حرفٌ، والله أعلم بالصواب. ولذلك قال المصنف هنا (والحروف ما لا يصلح معه دليل الاسم ولا دليل الحرف) ، فما كان كذلك فهو حرفٌ، والله أعلم بالصواب.
والحروف يا إخواني أنواع، الحروف منها ما يختص بالدخول على الأسماء، وهي حروف الجر وإن وأخواتها، وحروف تختص بالدخول على الأفعال، وهي الجوازم ونواصب الأفعال، وحروف مشتركة تدخل على الأسماء وعلى الأفعال، والحروف المشتركة هذه مثل همزة الاستفهام و"هل" في الاستفهام فإنها يمكن أن تدخل على الأسماء ويمكن أن تدخل على الأفعال، والأولى طبعًا دخولها على الأفعال، ولكنها قد تدخل على الأسماء وقد تدخل على الأفعال، والله أعلم بالصواب.
ننتقل الآن إلى قضية جديدة، بعد أن انتهى المصنف رحمه الله من الحديث عن علامات الأسماء وعلامات الأفعال وعلامات الحرف، وعلامة الحرف علامة عديمة، وهي أن تجرب عليها علامات الأسماء فإذا قبلت خرجت، أو تجرب عليها علامات الأفعال فإذا قبلت خرجت، وإذا لم تقبل علامةً من علامات الأسماء ولا من علامات الأفعال فهي حرفٌ بدون شكٍ.


ننتقل بعد هذا إلى حديث المصنف عن الإعراب، والآن دخل بنا في باب الجمل، لأن باب الإعراب والبناء خاصّان بالجمل، ولا تعرف أن هذه الكلمة مبنية ولا مُعربة ولا أنها فاعل ولا أنها مفعولٌ به ولا أنها مُبتدأ ولا أنها خبر إلا إذا كانت في جملة، وهذا قول المصنف هنا (الإعراب هو تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليه لفظًا أو تقديرًا) ، بعضهم يُعرف الإعراب وبعضهم يُعرف المُعرب، والمسألة في هذا سهلةٌ، إما أن تعرف بشيءٍ معنويٍّ وإما أن تعرف بشيءٍ محسوسٍ، الذين يعرفون بشيءٍ محسوسٍ هم الذين يعرفون المعرب، والذين يعرفون بشيءٍ معنويٍّ هم الذين يعرفون الإعراب، فالمصنف هنا اعتمد على الناحية المعنوية، فقال الإعراب هو تغيير أواخر الكلم، الكلم جمع كلمة أو اسم جنس جمعي للكلمة، واسم الجنس الجمعي هو الذي يُفرق بينه وبين واحده بالتاء في المفرد، مثل كلم وكلمة، وشجر وشجرة، وتمر وتمرة، إلى آخره.
فإذا وجدت أن الكلمة بسبب ما يدخل عليها من العوامل مرة تكون مرفوعة ومرة تكون منصوبة ومرة تكون مجرورة ومجرة تكون مجزومة فاعلم أن هذه الكلمة مُعربة، وإذا رأيتها ثابتةً في كل أحوالها مهما تغيّرت العوامل عليها فاعلم أن الكلمة مبينة، فأنت تستطيع أن تقول هذا الجدار مبنيٌّ لأنه لا يتحرك، أما المعرب فإنه يتحرك آخره، يعني تتغير حركته، تقول "جاء رجلٌ" و"رأيتُ رجلا" و"مررتُ برجلٍ"، "رجل" لما صارت فاعلا صارت مرفوعة ولما صارت مفعولا به صارت منصوبة ولما دخل عليها حرف الجر صارت مجرورة دليلٌ على أنَّ كلمة "رجل" معربة وليست مبنية لتغيرها بسبب تغير العوامل.


يقولون إن كلمة "حيث" مبنية، ويجيزون فيها أن تقول "جلستُ حيثُ زيدٌ جالسٌ" و"جلستُ حيثَ زيدٌ جالسٌ" وتقول "جلستُ حيثِ زيدٌ جالسٌ"، ومع ذلك يعدونها مبنية مع أنها تغيرت حركتها، فهل عندنا من مخرجٍ من هذه المشكلة؟ الجواب نعم، لأننا حددنا لك هنا أن يكون سبب التغيير هو بتغير دخول العوامل، العامل هنا في حيث لم يتغير لأنك تقول "جلستُ حيثُ" و"جلستُ حيثَ" و"جلستُ حيثِ" فما الذي تغيّر؟ التغير في لغات العرب فقط، لأن بعض العرب وهو الغالب الكثير يبنيها على الضم، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ? [البقرة: 149] ، فلم يقل "وَمِنْ حَيْثِ"، ولكن بعض لغات العرب ـ وهي أقل منها درجةً ـ يجعلها مبنيةً على الفتح فيقول "من حيثَ"، وبعضهم يرى أنها مبنية على الكسر، وهذا قليل.
إذًا الإعراب المُعتد به أو التغير المعتد به هو ما كان بسبب دخول العوامل، أما ما لم يكن بسبب دخول العوامل وإنما هو بسبب اختلاف لغات العرب فلا نعده من المعرب، وإنما نعده مبنيًّا، هذا قول المصنف (الإعراب هو تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليه لفظًا أو تقديرًا) ، الذين عرّفوا المعرب قالوا المعرب: هو الذي يتغير آخره بسبب ما يدخل عليه من عوامل، والمسألة في هذا سهلةٌ والحمد لله رب العالمين.
قوله (الإعراب هو تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليه لفظًا أو
تقديرًا) (لفظًا) انتهينا منه،


الآن ننتقل إلى الإعراب التقديري، أحيانًا تكون الكلمة لا تظهر عليها علامة الإعراب مطلقًا لأنها مكسورة مثلا، أو لأنها متصلة بياء المتكلم، مثلا تقول "جاء موسى" و"رأيت موسى" و"مررتُ بموسى"، "موسى" هنا مُعرب، لكنه مرفوعٌ بضمة مقدرة، "رأيت موسى" منصوب بفتحة مقدرة، "مررتُ بموسى" مجرور بكسرة مقدرة، إذًا لماذا لا تقول إنه مبنيٌّ طالما لم يتغير حاله؟ أقول لك لأن هذه الكلمة اسمٌ والأسماء الأصل فيها الإعراب، ولا تُبنى إلا إذا شابهت الحروف، وهذا ليس بينه وبين الحروف أي شبه –أي كلمة "موسى" ـ، فنقول صحيحٌ أنه مُعرب، لكن علامات تقديرية. هذا نوعٌ مما تُقدر عليه جميع علامات الإعراب.
النوع الثاني: مما تُقدر عليه جميع علامات الإعراب هو المُضاف إلى ياء المُتكلم مثل "هذا كتابي" و"ورأيتُ كتابي" و"قرأتُ في كتابي"، "هذا" مُبتدأ، "كتاب" خبرٌ مرفوعٌ وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الباء، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة للياء، لماذا؟ لأن الياء هذه –أي ياء المتكلم ـ لا يقع ما قبلها إلا مكسورًا، ولذلك إذا دخل عليها فعلٌ يجيئون بنون الوقاية حتى تقي الفعل من الكسر، لأن الفعل لا يُكسر.
إذًا هذه تُقدر عليها جميع علامات الإعراب، بعضهم هنا قال إن المضاف إلى ياء المتكلم اكتسب البناء من إضافته إلى الياء لأن الياء مبنية فهو مبنيٌّ، لكن الصواب أنه مُعربُ، وأنه معربٌ بحركاتٍ مقدرة، ومنع من ظهروها اشتغال المحل بحركة المناسبة. هذا بالنسبة للمضاف إلى ياء المتكلم، بعضهم يرى أنه في منزلةٍ بين المنزلتين، لا هو معربٌ ولا هو مبنيٌّ بل قسمٌ مُستقلٌ بنفسه، الذي هو المُضاف إلى ياء المتكلم، لكن نعود مرةً أخرى ونقول لا، بل هو معرب، ومعربٌ بعلاماتٍ مقدرة.


أحيانًا يكون الإعراب التقديري في بعض الأحيان، فمثلا الاسم المنقوص مثل "القاضي" و"الساعي" و"الداعي" و"المرتدي" وإلى آخره، هذه مختومة بياء، وما قبل الياء مكسور، هذه تُسمى أسماء منقوصة أو ناقصة، هذه تظهر عليها العلامة الإعرابية في حالة النصب، أما في حالة الجر وفي حالة الرفع فلا تظهر عليها العلامة الإعرابية، أقول "جاء القاضي" و"ورأيتُ القاضيَ" و"مررت بالقاضي"، في حالة الرفع وفي حالة الجر ساكنة ولكن الحركات مقدرة عليها، ويقولون إن هذا التقدير للثقل وليس للتعذر، فالتقدير في الأسماء المنقوصة للثقل.
الفعل المضارع المختوم بالواو أو الياء تُقدر عليه العلامة الإعرابية في حالة الرفع فقط، تقول "محمدٌ يدعو ربه" و"محمدٌ يرمي عدوه" في حالة الرفع، فأما إذا جئت بالنصب فإن الفتحة تظهر فتقول "محمد لن يدعوَ الشيطان" أو "لن يدعوَ عدوه" وتقول "لن يرميَ أحبابه"، ظهرت عليها الفتحة، أما في حالة الجزم نحذف حرف العلة، تقول "لم يدعُ" و"لم يرمِ" و"لم يسعَ"، "واحذف جازما ثلاثهن تقض حكما لازما"، هذا في الفعل المضارع المعتل الآخر، وسيأتينا بيانه إن شاء الله.
إذًا قد تكون العلامة مقدرةٌ مطلقًا، يعني في كل الأوقات رفعًا ونصبًا وغيرها، وقد تكون في بعض الحالات كما رأيتم وكما مثلنا في حالة الاسم المنقوص وفي حالة الاسم المقصور والفعل المضارع المعتل الآخر والكلمة المضافة إلى ياء المتكلم، ونكون بهذا أنهينا الحديث عن الإعراب الظاهر والإعراب المقدر.
البناء:


المبني هو الذي لا يتغير آخره بسبب ما يدخل عليه من العوامل، ولم يذكر هذا الكلام ابن آجروم رحمه الله، لم يذكر المبني اكتفاءً بالمعرب، قال الإعراب هو تغيير أواخر الكلم، ومعناه عكسه هو المبني، البناء هو عدم تغيير أواخر الكلم بسبب ما يدخل عليه من العوامل، تقول "جاء من أحبه" و"رأيتُ من أحبه" و"مررتُ بمن أحبه"، "من" هذه اسم موصول، وقد جاءت ساكنة في الأحوال الثلاثة، في الرفع والنصب والخفض، معنى هذا أنها كلمة مبنية، ولا تتأثر بما يدخل عليها من العوامل، و"من" اسمٌ موصولٌ مبني لا يتأثر بما يدخل عليه من العوامل، فهذا هو المبني.
ولا بأس أن نعد لكم المبنيات، المبنيات هي:
1 ـ الحروف كلها مبنية بدون استثناء، لا يوجد حرف إلا وهو مبنيٌّ.
2 ـ الضمائر كلها مبنية، لا يوجد ضميرٌ إلا وهو مبنيٌّ.
3 ـ أسماء الإشارة، وسأعود لأسماء الإشارة بعد قليل.
4 ـ الأسماء الموصولة.
5 ـ أسماء الشرط.
6 ـ أسماء الاستفهام.
7 ـ أسماء الأفعال.
8 ـ أسماء الأصوات، وهذه قليلة الاستعمال.
نعود إلى بعض الأسماء التي ذكرتها لكم وقُلتُ إنها مبنية، عندنا في أسماء الإشارة لفظان وهما "هذان" و"هاتان"، تكون في حالة الرفع بالألف وفي حالة النصب والجر بالياء، فهل هي معربة بهاتين الصورتين أو مبنية؟ في هذا خلاف، لكن الصحيح أنها معربة، إذًا "هذان" و"هاتان" تُرفعان بالألف وتُنصبان وتجران بالياء، والبقية كل أسماء الإشارة مبنية.


الأسماء الموصولة يوجد فيها ثلاثة ألفاظ "اللذان" و"اللتان" و"أي"، أما "أي" فقولا واحدًا معربة إذا كانت موصولة أو إذا كانت استفهامية أو إذا كانت شرطية إلا في حالة واحدة وهي إذا كانت اسمًا موصولا وقد أُضيفت وحُذف صدر صلتها كقول الله عزّ وجلّ? لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ? [مريم: 69] ،اعلم بارك الله فيك أن كلمة "أَيُّ"هنا في محل نصب مفعول به، ولم يقل "أَيَّهُمْ"،لماذا؟ قال لأنها اسمُ موصولٌ مُضافٌ وقد حُذف صدر صلتها، لأن التقدير والله أعلم "أَيُّهُمْ هُوَ أَشَدُّ"، وقد أُضيفت إلى كلمة "هُمْ" فهي هنا مبنية، فيما عدا ذلك كلما رأيت "أي" فأعربها، قال الله عزّ وجلّ ? فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ
أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ? [الأنعام: 81] ،هنا استفهامية، قال الله عزّوجلّ? أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ? [الإسراء: 110] ، وكقولك مثلا "أيَّ رجلٍ قابلتَه؟ " و"بأيِّ رجلٍ مررت"، فهذه "أي" معربة.
"اللذان" و"اللتان" رفعًا بالألف، ونصبًا وجرًا بالياء، أهما مُعربان أم مبنيان؟ فيه خلاف، والصحيح أنهما مُعربان، يعني إعراب المثنى، بقية الأسماء من الثمانية أمور التي ذكرتها لكم كلها مبنية، والله أعلم بالصواب.
انتهينا من باب المُعرب والمبني أو مما يتحدث فيه المصنف في باب المُعرب والمبني.


قال المصنف (وأقسامه أربعة) ، أقسام ماذا؟ الضمير عائد إلى ماذا؟ إلى الإعراب، لأنه لم يتحدث عن المبني، فقال (أقسامه أربعة: رفعٌ ونصبٌ وخفضٌ وجزمٌ، فللأسماء من ذلك الرفع والنصب والخفض، ولا جزم فيها، وللأفعال من ذلك الرفع والنصب والجزم، ولا خفض فيها) ، لأن الخفض خاصٌّ بالأسماء، والجزم خاصٌّ بالأفعال، ولا يوجد عندنا اسم مجزوم، ما تقولون في "من" وفي "مهما"؟ أليست ساكنة الآخر؟ تقول "جاء من نحبه" مثلا، أو "سافر من أوده"، و"رأيت من أوده"، ألا ترى أنها ساكنة الآخر ونحن نقول إن الجزم خاصٌّ بالأفعال، ومن هذه اسم موصول، الجواب عن هذا أنها هنا مبنية وليست مجزومة، هناك فرقٌ بين الجزم والبناء، فالجزم علامة إعراب، والسكون علامة بناء، فالجزم المقصود به هنا علامة من علامات الإعراب، ولا تقع في الأسماء.
(رفعٌ ونصبٌ وخفضٌ وجزمٌ، فللأسماء من ذلك الرفع والنصب والخفض) تقول "هذا زيدٌ"، و"رأيتُ زيدًا" و"نظرت إلى زيدٍ"، فهذه أخذت العلامات الإعرابية الثلاثة وهي الرفع والنصب والجر أو الخفض كما عبّر صاحبنا هنا.
(وللأفعال من ذلك الرفع والنصب والجزم، ولا خفض فيها) تقول "محمدٌ يقوم"، و"محمدٌ لن يقوم"، و"محمد لم يقم"، فـ "يقوم" فعلٌ معرب وقد تحرك بالحركات الثلاث وهي الرفع في قولك "يقومُ" لأنه لم يتقدم عليه ناصب ولا جازم، والنصب في قولك "لن يقومَ" لأنه تقدمت عليه "لن"، والجزم في قولك "لم يقم"، لأنه تقدمت عليه "لم" الجازمة، ولا يوجد في الأفعال خفض. أحيانًا في آخر البيت من القصيدة تُحركه بالكسر لكنه ليس من أجل أن الفعل يجوز أن تكسره، مثلا في قول زُهير:
أمن أُمِّ أوفى دمنةٌ لم تكلمِ بحومانة الدراج فالمتثلم


"لم تكلم"، "تكلم" هنا فعل مضارع، وأصله "لم تتكلم"، دخلت عليها "لم"، ومع ذلك رأينا أن الفعل هنا عليه الكسرة كما ترون، ولكننا لا نقول إنه مكسور ولكن نقول من أجل الإشباع، لأنه لو قال "لم تكلمْ" لا يكن عنده فرصة للإشباع، فحول السكون إلى كسرة.
ونكتفي بهذا القدر اليوم، ونتوجه إليكم بالأسئلة أو تتوجهون أنتم بالأسئلة التي لديكم متعلقة بما في هذا الباب.
سأل أحد الطلبة:
جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ، قلنا أن التقدير لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظًا أو تقديرًا، هل يجوز أن يُحمل التقدير هاهنا على العوامل؟
أجاب الشيخ:
لا، وحفظك الله، العوامل هي التي تؤثر بسبب دخولها، أما التقدير فلا أظن أن له وجه نحمله على أن يكون العامل مقدرًا، يكون العامل مقدرًا في حروف الجر أحيانًا، يُحذف حرف الجر ويُقدر، مثلا يقولون في واو "رُبَّ" إن الكلمة التي تأتي مجرورة بعد واو "رُبَّ" تكون مجرورة بحرفٍ مقدر، لكن الصواب في أن المصنف هنا أراد بأن التقدير في علامة الإعراب نفسها، إما أن تكون ظاهرة أو أن تكون مقدرة، هذا الظاهر لي، والله أعلم.
سأل أحد الطلبة:
جزاكم الله خيرًا يا شيخ، ذكرتم أن حروف الخفض لا تدخل إلا على الأسماء، فكيف يُوجَّهُ قول القائل "سقطتُ من على شجرة"؟
أجاب الشيخ:
هذا أحيانًا ربما تحدثنا فيه أو لم نتحدث، لا أدري ربما توسعنا في هذا، يقولون بعض حروف الجر تُستعمل أحيانًا حروفًا وأحيانًا أسماءً، كالكاف مثلا، الكاف يقولون تأتي بمعنى "مثل" و"على" وتأتي بمعنى "فوق"، فحينئذٍ يجوز دخول حرف الجر عليها لأنك ضمنت الحرف الذي هو في الأصل حرف معنى اسمٍ آخر فجاز دخول حرف الجر عليه، ومنه قول الشاعر "غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها"، وهي حروف مجموعة وأظنها خمسة حروف تأتي أحيانًا أسماءً فتدخل عليها حروف الجر لأنها تحولت دلالتها من الحروف إلى الأسماء.


سأل أحد الطلبة:
جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ، قلنا في مثال الكلمات المعربة ولكن تقديرًا منع من ظهور العلامة عليها الاستثقال أنها تكون معربة، فهل في كلمة "قاضي" مثلا أو كلمة "ليالي" إن حذفنا الياء فنقول مثلا "مررتُ بقاضٍ من القضاة" فهل هنا تكون معربة تقديرًا؟
أجاب الشيخ:
بارك الله فيك، سؤال جميل جزاك الله خيرًا عليه، إذا قلت "مررتُ بقاضٍ" فكيف تُعربها؟ تقول "مَرَّ": فعلٌّ ماضٍ، والتاء: فاعل، والباء: حرف جر، و"قاضٍ": اسم مجرور بحركة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين، الساكنان هما الياء هذه التي استثقلت عليها الحركة فسكنت، والساكن الثاني هو التنوين، فلما اجتمع التنوين والياء -والياء حرف علة متطرفة ـ حذفوا الياء، فالحركة مقدرة على الياء المحذوفة.
سأل الشيخ:
توجد بعض الكلمات مبنية، ومع ذلك تتغير حركة آخرها، فما توجيه ذلك؟ وما هذه الكلمات؟
أجاب أحد الطلبة:
الكلمة هي "حيث"، وتوجيهها حسب لسان العرب.
سأل الشيخ الطالب:
تحكم عليها بأنها مبنية أم معربة؟
أجاب الطالب:
هي مبنية، لكن يُوجه رفعها أو خفضها أو نصبها حسب لغات العرب، وليس هذا لأن الكلمة نفسها معربة.
أكمل الشيخ كلامه:
هذا كلام حق، بارك الله فيك.
ونكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ.