شرح الآجرومية لحسن حفظي

الدرس الخامس

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحابته أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا، سهل لنا يا رب أمورنا، واغفر لنا ذنوبنا، وارحمنا برحمتك، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علمًا يا أرحم الراحمين. لازلنا في مجالس العلم، ونتحدث في بعض أبواب الآجرومية، وقد وصلنا إلى بعض التفصيلات في علامات الإعراب، لأنه لما انتهى المصنف من ذكر أنواع الإعراب شرع الآن في علامات هذا الإعراب، كيف يكون الرفع؟ كيف يكون النصب؟ كيف يكون الجر؟ كيف يكون الجزم؟، وأحوال هذه الأمور بتفصيلٍ نوعًا ما، وسيفصله تفصيلا آخر في ما بعد، ولكننا سنمشي في التفصيل الأخير بإيجازٍ شديد إن شاء الله تعالى.
المصنف انتهى من بيان أن الاسم والفعل يشتركان في نوعين من أنواع الإعراب، هما الرفع والنصب، وأن الأفعال تختص بالجزم، وأن الأسماء تختص بالجر أو بالخفض كما هي عبارة الكوفيين، والآن بدأ يتحدث في معرفة علامات الإعراب فقال:
(باب معرفة علامات الإعراب: للرفع أربع علامات: الضمة، والواو، والألف، والنون) ، هذه العلامات هي علامات الإعراب، وقبل أن نشرع في هذه التفاصيل لابد أن نعرف معرفةً يقينية غير منسية علامات الإعراب الأصلية، لأن ما سواها إنما هو علاماتٌ فرعية، فالعلامة الأصلية للرفع هي الضمة، والعلامة الأصلية للنصب هي الفتحة، والعلامة الأصلية للخفض هي الكسرة، والعلامة الأصلية للجزم هي السكون، ويتفرع عن كل واحدة من هذه العلامات بعض الفروع، والمصنف قد بدأ في ذكر هذه الفروع، فبدأ بالعلامات التي تكون للرفع، ذكر أولا العلامة الأصلية منها، العلامة الأصلية للرفع هي الضمة، ويتفرع عنها -يعني يكون الرفع أحيانًا- بغير الضمة، ولكنه علامةٌ فرعيةٌ، فالضمة هي الأصلية، ويتفرع عنها أحيانًا الواو، قد تكون الكلمة مرفوعةً بالواو، وقد تكون الكلمة مرفوعةً بالألف، وقد تكون الكلمة مرفوعةً بالنون، هذه ثلاث علامات فرعية، والعلامة الأصلية هي الضمة.


ثم فصل المصنف فبيّن أن الضمة تكون في حالات، وأن الألف تكون في حالات، وأن الواو تكون في حالات، وأن النون تكون في حالات، فنتبين الآن إن شاء الله تعالى، قال المصنف رحمه الله (فأما الضمةفتكون علامةً للرفع في أربعة مواضع: في الاسم المفرد، وفي جمع التكسير، وفي جمع المؤنث السالم، وفي الفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيءٌ) ، وهذا كلامٌ حقٌ، الضمة هي العلامة الأصلية، وتكون في المواضع الأربعة هذه التي نذكرها تباعًا.
أولا: الاسم المفرد، سواءٌ أكان معرفةً أم نكرة، مذكرًا أم مؤنثًا، فإن علامة الاسم المفرد هي الضمة، ولا تهتم وتظن أنه يقصد بالضمة غير الضمتين في حالة التنوين مثلا، لا، ليس هذا مقصوده، وإنما المقصود إن كانت الكلمة منصرفة فستكون طبعًا مع التنوين، بخاصة إذا لم تدخل عليها ال، وإن كانت غير منصرفة أو دخلت عليها ال فإنها ستكون بالضمة فقط، فنبدأ فنقول الضمة هي علامة للرفع في الاسم المفرد.
الاسم المفرد معروف طبعًا أنه ليس مثنًى ولا مجموع، وقوله (الاسم) يخرج الفعل والحرف، فإن الفعل لا شأن له في هذا الموضع، والحرف أيضًا كما قررنا أن الحروف كلها مبنية، قال صلى الله عليه وسلم (المسلمُ أخو المسلم) ، (المسلمُ) مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وهو اسمٌ مفرد.


أما الموضع الثاني الذي يُرفع بالضمة فهو جمع التكسير، واعلموا بارك الله فيكم أن ما يدل على الجمع أنواع، منها جمع التكسير، منها جمع المذكر السالم، منها جمع المؤنث السالم، منها اسم الجمع، منها اسم الجنس الجمعي، هذه كلها تدل على الجموع، ولكل واحدٍ منها تعريف، فنبدأ بتعريف جمع التكسير الذي هو في بابنا الآن، ولا بأس أن نضم معه اسم الجنس الجمعي واسم الجمع لأن علامتهما أيضًا هي الضمة، فأما جمع التكسير فهو ما دلّ على أكثر من اثنين ولم يسلم مفرده من التغيير، لذلك سُمِّي تكسيرًا لأن مفرده يتكسر، يتكسر بمعنى أنها تتغير حركاته أحيانًا، تتغير بعض الحروف فيه، ينقلب حرف إلى حرف، وهكذا، كلمة "رجل" جمعها "رجال"، كلمة "مسجد" جمعها "مساجد"، انظر بارك الله فيك إلى "رَجُل" الأول الراء مفتوحة والجيم مضمومة، ثم لما جمعتها قلتَ "رِجَال"، فتغيرت الحركة في الراء والجيم معناه أنه لم يسلم مفرده من التغيير، هذا هو جمع التكسير. "مَسْجِد" تقول في جمعه "مَسَاجِد"، تغيرت السكون إلى فتحة، وهكذا، فمادام لم يسلم مفرده من التغيير فهو جمع تكسير، ما علامة الرفع في جمع التكسير سواءٌ أكان مصروفًا ككلمة "رجال" أم غير مصروف ككلمة "مساجد"؟ علامة رفعه هي الضمة، قد انتهينا من تعريفه.
ننتقل الآن إلى اسم الجمع، واسم الجنس الجمعي، أما اسم الجمع يا أيها الأحباب فإنه ما دل على أكثر من اثنين لكن لا مفرد له من لفظه، مثلا "نساء" مفردها "امرأة" لا مفرد له من لفظه، "قوم" مفرده "رجل"، "رهط" مفرده "واحد"، وهكذا، هذه كلها تُسمَّى بأسماء الجموع، وكلها علامة رفعها الضمة.


ننتقل إلى اسم الجنس الجمعي، اسم الجنس الجمعي يا أيها الأحباب هو أيضًا ما دل على أكثر من اثنين، ولكن يُفرَّق بينه وبين واحده بالتاء في المفرد، يعني التاء تكون في المفرد والجمع يكون خاليًا منها، وهذا هو الغالب فيه، تقول "شجر" هذا اسم جنس جمعي، مفرده "شجرة"، فيها تاء، تقول "تمر" مفرده "تمرة"، تقول "لبن" مفرده "لبنة"، "كلم" -كما مر بنا- مفرده "كلمة"، فإذا كان يُفرق بينه وبين واحده بالتاء، والتاء تكون في المفرد هذا يُسمى باسم الجنس الجمعي.
فيه نوع آخر من اسم الجنس الجمعي، هو الذي يُفرق بينه وبين واحده بياء النسب في المفرد، تقول "عرب" و"عربي"، و"روم" و"رومي"، و"ترك" و"تركي"، المفرد فيه ياء النسب، والجمع ليست فيه ياء النسب، هذا كله يُسمى باسم الجنس الجمعي، وكذلك هذا النوع علامة إعرابه الضمة، وسواءٌ كان منونًا أم غير منونًا، الغالب فيه أن يكون منونًا إلا أن تدخل عليه "ال"، فإن "ال" والتنوين لا يجتمعان.
نعود مرة ثانية إلى جموع التكسير، أنبه إلى أنها نوعان، نوعٌ منها يُسمى جموع قلة، ونوعٌ منها يُسمَّى جموع كثرة، جموع القلة هذه تكون من الثلاثة إلى العشرة، وجموع الكثرة ما زاد على ذلك، وفي بعض الأحيان يحل جمع الكثرة محل جمع القلة لأنه لا يجود جمع قلة، أو بالعكس يحل جمع القلة مكان جمع الكثرة لأنه لا يوجد جمع كثرة في هذا اللفظ.
المهم أن عندنا أربعة أوزان جموع قلة، وما عداها جموع كثرة، وقد أحصاها بعضهم فزادت على ثلاثين وزنًا –يعني جموع الكثرة-، أما جموع القلة فهي أربعة أوزان، جمعها ابن مالك في قوله:
أفعلة أفعل ثم فعلة ثمة أفعال جموع قلة
"أفعلة" مثل "رغيف" و"أرغفة"، "أفعل" مثل "عبد" و"أعبد"، "أفعال" مثل "ثوب" و"أثواب" و"قفل" و"أقفال"، "فعلة" نحو "فتى" و"فتية"، هذه جموع القلة، ولم يسلم مفردها من التغيير.


أما جموع الكثرة فهي أوزان كثيرة، مثل "مساجد"، مثل "رجال"، وأوزانها كثيرة، أربعة وثلاثون وزنًا، أوصلها بعضهم إلى هذا العدد، مثلا وزن "فُعْل" مثل "حُمر"، ووزن "فِعَل" مثل "كِسَر"، ووزن "فَعَلَة" مثل "سحرة"، ووزن "فعلى" كـ"جرحى"، ووزن "فُعَّل" كـ"صائم" و"صُوَّم"، وهكذا، هذه كلها جموع تكسير، وتدل على الكثرة.
ننتقل الآن إلى النوع الثالث مما يُرفع بالضمة، وهو جمع المؤنث السالم، وجمع المؤنث السالم بعضهم يُسميه تسميةً أحسن من هذه التسمية، وهو أن يُسمَّى بما جُمع بألفٍ وتاءٍ مزيدتين، لماذا قلنا إنه أفضل؟ لأنه في بعض الأحيان ما يسلم مفرده من التغيير، وفي بعض الأحيان يجيء هذا الجمع جمعًا لغير مؤنث، مثلا تقول في "سجدة" يكون جمعها "سجدات"، "ركعة" "ركعات"، ما سلم مفرده من التغيير، تقول أيضًا في جمع "حُبلى" "حُبليَات" لم يسلم جمعه من التغيير، فكيف نسميه جمع مؤنثٍ سالمًا؟!، ما سمَّيناه جمع مؤنثٍ سالم، سميناه ما جُمع بألفٍ وتاءٍ مزيدتين.
وفي بعض الأحيان يكون هذا الجمع ليس جمعًا لمؤنث، يُقال "اسطبل" تجمعه على "اسطبلات"، وهو مذكر، تقول في جمع سرادق "سرادقات"، وهكذا، فإذًا الأوْلى أن يُسمَّى هذا ما جُمع بألفٍ وتاءٍ مزيدتين.
إذًا لماذا سماه بعض النحويين جمع مؤنث سالم؟ لأن الغالب فيه أن يكون جمعًا لمؤنث، وأن يكون سالمًا، "حسنة" "حسنات"، "درجة" "درجات"، سلم مفرده من التغيير، فهذا هو الغالب، ومن أجل هذا سُمِّي بهذه التسمية.
قال صلى الله عليه وسلم (الظلم ظلماتٌ يوم القيامة) ، "ظلمات" هنا جمع مؤنث سالم، وقد جاء مرفوعًا، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
انتهينا مما يُرفع بالضمة، وقلنا إنه أربعة مواضع، أولها الاسم المفرد، ثانيها جمع التكسير، ثالثها جمع المؤنث السالم، وبقي النوع الرابع.


والآن ننتقل إلى النوع الرابع وهو الفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيءٌ، هو يريد بهذا الاستثناء أن يُخرج ما يُسمى بالأفعال الخمسة، الأفعال الخمسة يتصل بالفعل المضارع إما ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة، وسيأتي بيانه إن شاء الله إذا وصلنا له، فهذا لم يتصل لا بألف الاثنين ولا واو الجماعة ولا ياء المخاطبة، هذا يُرفع بالضمة، وسواءٌ أكانت الضمة ظاهرةً أم كانت الضمة مقدرة لا يضير، فتقول
"محمدٌ يشرب الماء"، وتقول "محمد يسقي جاره"، هذه ما ظهرت عليها الضمة، ولكنها مقدرة، لا يضير سواءٌ أكانت ظاهرة أم مقدرة، أسألكم سؤالا، هل ندخل في الفعل المضارع ما كان منونًا؟ ولماذا؟
أجاب أحد الطلبة:
التنوين ليس من علامات الفعل.
أكمل الشيخ كلامه:
بارك الله فيك، صحيح، قلنا في الأسماء قبل قليل في جمع المؤنث السالم وفي اسم المفرد وفي جمع التكسير، قلنا إنه لا يمكن أن تكون منونة ويمكن أن تكون غير منونة، أما هنا فلا، ليس فيه تنوين، هذا هو الفعل المضارع، الفعل المضارع يُرفع بالضمة، سواءٌ أكانت الضمة ظاهرةً أم مقدرة، بشرط ألا يتصل بآخره شيءٌ.


أحيانًا تتصل بآخره غير هذه الأشياء الثلاثة التي ذكرتها، وهي ألف الاثنين وواو الجماعة وياء المخاطبة، أحيانًا يتصل بآخره نون التوكيد، فحينئذٍ يكون مبنيًّا، أحيانًا يتصل بآخره نون النسوة، حينئذٍ يكون مبنيًّا، وسيتبين هذا فيما بعد إن شاء الله. المهم أن حق الفعل المضارع أن يكون معربًا، ولا يُبنى إلا في حالتين، الحالة الأولى أن تتصل به نون النسوة، قال الله عزّ وجلّ ? وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ? [البقرة: 228] ، "يتربص" هنا فعل مضارع، ولم يسبقه لا ناصبٍ ولا جازم، ومع ذلك بُني على السكون لاتصاله بنون النسوة، وكذلك قال الله عزّ وجلّ ? وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَالصَّاغِرِينَ? [يوسف: 32] ، "يُسجن" هنا فعل مضارع، حقه أن يكون مرفوعًا لأنه لم يتقدم عليه لا ناصب ولا جازم، ومع ذلك جاء هنا مبنيًّا على الفتح، فالفعل المضارع –مرة أخيرة- حقه أن يكون معربًا، ولا يُبنى إلا في حالتين، الحالة الأولى أن تتصل به نون النسوة فيُبنى على السكون، والحالة الثانية أن تتصل به نون التوكيد فيُبنى على الفتح.
وهذا آخر ما يُقال في العلامة الأولى التي ذكرها المصنف.
ننتقل الآن إلى قول المصنف في العلامة الثانية، وهي علامة فرعية للرفع، وهي الواو، قال المصنف (وأما الواو فتكون علامةً للرفع في موضعين، في جمع المذكر السالم، وفي الأسماء الخمسة) ، ثم عدد الأسماء الخمسة فقال (وهي: أبوك وأخوك وحموك وفوك وذو مالٍ) ، هذا هو العدد الذي ذكره المصنف من الأشياء التي تُرفع بالواو.


اعلم بارك الله فيك أن الواو علامة للرفع، ولكنها علامةٌ فرعية، وتكون في موضعين، الأول: في جمع المذكر السالم، والموضع الثاني: في الأسماء الستة أو في الأسماء الخمسة، بعضهم يجعلها ستة، وسنذكر هذا عند الحديث عنها، لكن الأصوب أنها خمسة أسماء فقط.
فنبدأ أولا بالحديث في جمع المذكر السالم، هذا حقه أن يكون جمعًا لمذكر، فلا يكون جمعًا لمؤنث، وثانيًا حقه أن يسلم مفرده من التغيير، تقول في جمع "مسلم" "مسلمون"، و"صالح" "صالحون"، و"زيد" "زيدون"، و"عمرو" "عمرون"، إلى آخره، هذا الجمع ليس كل كلمة تُجمع جمع مذكر سالم، بل لابد أن تجتمع ثلاثة أمور رئيسة، ثم يتفرع عنها بعد ذلك أمورٌ أخرى:
الشرط الأول: أن يكون لمذكر.
الشرط الثاني: أن يكون لعاقل.
الشرط الثالث: أن يكون خاليًا من التاء.
لمذكر يخرج به المؤنث، لعاقل يخرج به غير العاقل، مثلا عندك حصان سميته "سابقًا"، لا تجمعه فتقول "سابقون"، لا يجوز لأنه لغير عاقل، ثم عندك مثلا "طلحة" لا تجمعها على "طلحين" مثلا، وإنما تقول "طلحات"، "معاوية" "معاويات"، لمَ؟ لأنها مختومة بالتاء، فلابد من اجتماع ثلاثة أمور، الأول أن يكون لمذكر، الثاني أن يكون لعاقل، الثالث أن يكون خاليًا من التاء، وبعدها هذا فلابد أيضًا أن يكون إما علمًا غير مركب تركيبًا مزجيًا ولا تركيبًا إسناديًّا، مثلا "تأبط شرًّا" هذا علم، لا يجوز أن تجمعه جمع مذكرٍ سالم، إذًَا لكونه مركب تركيبًا إسناديًّا، مثلا معدي كرب هذا مركب تركيبًا مزجيًّا، لا يجوز أن تجمع جمع مذكرٍ سالم.


إذًا أن يكون إما علم غير مركبٍ تركيبًا مزجيًّا ولا تركيبًا إسناديًّا، وإما أن يكون وصفًا، المقصود بالوصف هنا اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة، أفعال التفضيل، وما شاكل ذلك، ولكن اشترطوا فيه شرطًا إضافيًّا أيضًا أن يكون وصفًا يقبل مؤنثه التاء أو يدل على التفضيل، "مسلم" ما تقول في مؤنثه؟ "مسلمة"، يصح أن تجمعه، "جريح" لا تستطيع أن تجمعه، لما؟ لأن جريح هذه مؤنثها "جريح"، إذًا "أفضل" و"أكبر" هل يجوز أن تجمعهما جمع مذكر سالمٍ؟ تقول نعم يجوز، ومؤنثه لا يقبل التاء لأن مؤنثه كبرى أو فضلى، تقول لأنه يدل على التفضيل، إذا دل على التفضيل ما فيه مانع، قال الله عزّ وجلّ ? وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ? [آل عمران: 139] ، "الأعلى" فجمع على "الأعلين"، إذًا لابد أن يكون لمذكرٍ عاقلٍ خالٍ من تاء التأنيث، وأن يكون بعد هذا إما علم غير مركب تركيبًا مزجيًّا ولا تركيبًا إسناديًا، أو أن يكون وصفًا يقبل مؤنثه التاء أو يدل على التفضيل، فهذا هو الذي يُجمع جمع مذكر سالم.
ومن أجل هذه الشروط الكثيرة وجدناهم ألحقوا به عددًا كبيرًا من الألفاظ لأنهم وجدوها تُرفع بالواو، وتُنصب وتُجر بالياء، فما هذه الأشياء التي ألحقوها؟ ألحقوا
مثلا "عالمون"، قالوا لأن مفرده "عالم"، والعالم كل ما سوى الله، ونحن قلنا قبل قليل أنه لابد أن يكون لعاقل، وكل ما سوى الله يكون فيه العاقل ويكون فيه غير العاقل، فما يمكن أن يكون الجمع أقل من المفرد، فقالوا هذا ملحقٌ بجمع المذكر السالم، "عشرون" وبابه، عشرون، ثلاثون أربعون إلى تسعين، هذه كلها ملحقة بجمع المذكر السالم، "وابلون" وهو المطر الغزير كذلك، "أهلون" كذلك، "أرضون" كذلك، "بنون" كذلك، "سنون" كذلك، كل هذه ملحقة بجمع المذكر السالم، تُرفع بالواو وتنصب وتجر بالياء، هذا هو جمع المذكر السالم بإيجاز.


بعضهم فيما أُلحق بجمع المذكر السالم يُجيز فيه غير أن يرفع بالواو وينصب ويجر بالياء، فيقول مثلا يجوز في "سنين" أن نعاملها معاملة "غسلين"، يعني نلزمها الياء ونجعل الحركات على آخرها، ومنه ما رُوي عن الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله (اللهم اجعلها عليهم سنينًا كسنينِ يوسف) ، لكن لو قيل مثلا "سنينَ" لكان ملحقًا بجمع المذكر السالم، (كسنينِ يوسف) لأنه تُحذف النون للإضافة، وهذه روايةٌ للحديث، لكن الحديث أيضًا له رواية أخرى تكون خارجة عن هذا المقياس، تكون مرفوعةً بالضمة ومنصوبة بالفتحة ومجرورة بالكسرة، هذه بعض اللغات الجائزة فيها، ولا نريد أن نطيل في هذا المبحث.
ننتقل الآن إلى الأسماء الخمسة أو الأسماء الستة، أما الأسماء الخمسة وقد مثلها المصنف بقو له، وهي: أبوك وأخوك وفوك وحموك، ثم قال وذو مالٍ، ولم يقول وذوك، ما لفتت انتباهكم يا إخواني، أنا أقول لكم لماذا؟ لأنهم يقولون إن الأصل في "ذو" ألا تُضاف إلى الضمير، أما بقية الأسماء الأخرى فإن إضافتها إلى الضمير أو غير الضمير واحد ما فيها إشكال، "أبو محمدٍ" أو"أبوك"، و"أبوهم" و"أبوك" إلى آخره، لكن هذه الأسماء الخمسة يُشترط لإعرابها بالواو رفعًا والألف نصبًا والياء جرًا أربعة شروط، لا يمكن أن تُعرب هذا الإعراب إلا إذا اجتمعت فيها أربعة شروط:
الشرط الأول: أن تكون مفردًا، فإن كانت مثناةً أعربت إعراب المثنى، تقول "جاء الأبوان"، ورأيت "الأبوين"، ترفع بالألف، وتنصب وتجر بالياء، وإن كان جمعًا فإن كان جمع تكسير رفعته بالضمة، تقول "هؤلاء آباؤك"، "وآباء عليٍّ وإخوانه وأحماؤه" إلى آخره، وإن كان جمع مذكر سالم –وهذا قليلٌ- فإنه يرفع بالواو وينصب ويجر بالياء.
الشرط الثاني: أن يكون مُكبَّرًا، فإن كان مصغرًا أُعرب بالحركات أيضًا، تقول "هذا أبيُّ عليٍّ"، "رأيتُ أُبيَّ عليٍّ"، و"مررت بأُبيِّ عليٍّ".


الشرط الثالث: أن يكون مضافًا، فإن لم يكن مضافًا بأن كان مقطوعًا عن الإضافة أو مفردًا فإنه يُعرب بالحركات الظاهرة، تقول "هذا أبٌ"، و"رأيتُ أبًا"، و"مررتُ بأبٍ" أو "نظرتُ إلى أبٍ"، قال الله عزّ وجلّ ? إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا ? [يوسف: 78] ، ? أَبًا ? اسم إن مؤخر منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، ولا تغتر بهذه الألف الموجودة في آخره، فإنها ألفٌ ناتجة عن تنوين الفتح.
الشرط الرابع والأخير: أن تكون الإضافة إلى غير ياء المتكلم، فإن مضافًا إلى ياء المتكلم أُعرب بحركاتٍ مقدرة على ما قبل الياء، قال الله عزّ وجلّ ? إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً ? [ص: 23] ، "أخ" هنا حقها أن تكون مرفوعة، فلو كانت مستوفيةً للشروط لرفعت بالواو، ولكنها هنا مرفوعة بضمة مقدرة على ما قبل الياء منعًا من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة.
نعيد الشروط مرةً ثانيةً وأخيرة، يُشترط لإعراب الأسماء الستة بهذا الإعراب أربعة شروط:
1- أن تكون مفردةً.
2- أن تكون مكبرةً.
3- ثلاثة أن تكون مضافةً.
4- أن تكون إضافتها إلى غير ياء المتكلم.
يشترطون أيضًا في كلمة "فو" أن تكون خالية من الميم، فإن كانت الميم معها فإنها تُعرب بالحركات الظاهرة، تقول "هذا فمُه"، "رأيت فمَه"، و"نظرتُ إلى فمِه"، ويشترطون في "ذو" أيضًا أن تكون بمعنى "صاحب"، هل تكون ذو بغير معنى "صاحب"؟ نعم، تكون "ذو" على لغة الطائيين اسمًا موصولا مشتركًا، يعني يُطلق على المفرد والمثنى والمجموع كله بلفظٍ واحد، وعلى المذكر والمؤنث، تقول "جاء ذو أحبه" يعني الذي أحبه، و"جاء ذو أحبهما"، و"جاء ذو أحبهم"، وهكذا، فتكون واردةً للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والمجموع على لغة الطائيين، فإذا كانت بهذه اللغة فإنها لا تدخل معنا في بابنا، ولا تُرفع بالواو ولا تُنصب بالألف ولا تجر بالياء.


إذًا يُشترط في الأسماء الستة الشروط التي ذكرتها لكم، ويُضاف إليها شرطٌ خاصٌّ بـ"فو"، وشرطٌ آخر خاصٌّ بـ"ذو"، "ذو" أن تكون معنى "صاحب"، ولا يجوز أن تكون غير ذلك. هذه الأسماء فيها لغتان أخريان، لا بأس أن نذكرهما على وجه السرعة، يُجيزون في الأسماء الستة لغتين أخريين، اللغة الأولى إلزامها الألف في كل أحوالها، ويُسمونه بإعراب المقصور، تقول "هذا أباك"، و"رأيتُ أباك"، و"مررتُ بأباك"، ويستشهدون له بقول الشاعر "إن أباها وأبا أباها"، طبعًا الشاهد فيه الأخيرة "أباها"، لأنها في محل جر مضاف إليه، قالوا ألزموها الألف، هذه اللغة أشهر من اللغة التي ستأتي الآن.
اللغة الثالثة هذه تُسمَّى بلغة النقص، والمقصود بلغة النقص أن يُحذف الألف والواو والياء من آخر الاسم هذا المعرب إعراب الأسماء الستة، فيُعرب بحركاتٍ ظاهرة، فتقول "هذا أبُ محمدٍ"، و"رأيتُ أبَ محمدٍ"، و"مررتُ بأبِ محمدٍ"، لكن هذه اللغة قليلة، وليست جائزةً في كل الأسماء الستة، وإنما هي خاصَّة بثلاثة أسماء، وهي "الأب" و"الأخ" و"الحمو"، أما "فو" و"ذو" فلا تدخل فيها هذه اللغة، لا لغة القصر، ولا لغة النقص، هاتان اللغتان جائزتان في ثلاثة أسماء، هذا الذي أحببت أن أشير إليه.
ما شاهد لغة النقص؟ لغة النقص يعني الإعراب بالحركات، شاهدها قول الشاعر:
بأبِه اقتدى عديٌّ في الكرم ومن يُشابه أبه فما ظلم
موضع الشاهد في "أبِه" الأولى و"أبَه"، فإنها هنا جرّت بالكسرة، وهنا نصبت بالفتحة.
ولا بأس أن نختم الحلقة باستقبال أسئلتكم إذا أرتم حتى ننتقل إلى موضوعٍ جديد في اللقاء القادم، إن كان عندكم أسئلة أو أنا أسأل.
سأل أحد الطلبة:
ما الاسم السادس؟
أجاب الشيخ:


الاسم السادس هو اسمٌ ترددتُ في قوله، ولم يذكره كثيرٌ من النحويين، وهو كلمة "هنو"، و"هنو" هذه يُكنَّى بها عما يُستقبح ذكره، ويرى بعضهم أنها تدل على الشيء القليل، ويرى بعضهم أنها تدل على الشيء الحقير، والغالب فيها أن تُعرب بالحركات الظاهرة، حتى لو كانت مستوفية للشروط، ولكن بعضهم جعلها داخلةً ضمن الأسماء الستة، فأعربها بالواو رفعًا وبالياء جرًا والألف نصبًا، لكن الغالب فيها أن تُعرب هذا الإعراب الذي ذكرته لك، وهو أن تكون اسمًا عاديًّا لا شأن لها، وكثيرٌ من النحويين لا يذكرون هذا الاسم.
سأل أحد الطلبة:
جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ، ذكر المؤلف هنا قوله (وحموكَ) ، ومعروف أن الحمو هو قريب الزوج، فنقول "حموكِ"؟
أجاب الشيخ:
بارك الله فيك، سؤالٌ طيب وجيد، ودليلٌ على تنبهك، لأن الحقيقة أن الحمو هو قريب الزوج، وليس قريب الزوجة، يعني هذا هو المعروف في اللغة أن الحمو قريب الزوج، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحمو الموت) ، لما سُئل عن دخول الحمو على الزوجة، فهو في الأصل كما ذكرتُ، ولو حركت كلمة هذه جعلتها بالكسرة لكان أولى، وهذا سؤالٌ جيدٌ بارك الله فيك.
ما بقي عندكم أسئلة، أنا أسأل ولو سؤالا واحدًا إذا تمكنَّا إن شاء الله تعالى. ما الذي يُشترط لجمع الكلمة جمع مذكرٍ سالمًا؟
أجاب أحد الطلبة:
أن يكون لمذكر، وأن يكون لعاقل، وأن يكون خاليًا من تاء التأنيث، فإن كانت التاء موجودة جمعناه جمع مؤنثٍ سالم، حتى لو دل على مذكر ولعاقل، مثل "طلحة" أو "معاوية" فإننا نجمعهما جمع مؤنثٍ سالمًا.
سأل الشيخ:
أعطوني شيئًا مما ألحق بجمع المذكر السالم، يعني أُعرب إعرابه مع أنه غير مستوفي للشروط.
أجاب أحد الطلبة:
مثل كلمة بنون.
سأل الشيخ:


ما الذي ينقصها، نحن قلنا في الشروط أن يكون لمذكرٍ عاقلٍ خالٍ من التاء، هذا مذكر وعاقل وخالي من التاء، فما الذي نقص من الشروط؟
ما سلم مفرده من التغيير، فيه شيء ثاني مهم جدًا، لأننا قلنا فيه شروط إضافية بعد هذا، قلنا أن يكون إما علمًا وإما وصفًا، وهذا ليس علمًا وليس وصفًا، يعني لا هو اسم فاعل ولا هو اسم مفعول ولا هو علم على شخصٍ بعينه.
هذا واحدٌ، تزيدوننا مما ألحق بجمع المذكر السالم، وهو كثير، عشرون وبابه، الثلاثون والأربعون والخمسون والستون إلى التسعين.
بقي شيءٌ مهمٌ جدًا نسيتُ أن أذكره، وهو أن مما أُلحق بجمع المذكر السالم ما سُمي به من هذا الجمع، مثلا تسمي واحدًا "زيدون"، وكما قال الله عزّ وجلّ ? كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ?18? وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ?19? ? [المطففين: 18، 19] ، "عليُّون" هو اسمٌ لموضعٍ في أعلى الجنة، جعلنا الله وإيّاكم من أهلها، ? كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ? جُرَّ بالياء، ? وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ? رُفع بالواو.
فيه عندنا إشكال هنا، لا سميت شخص بـ "زيدين"، فماذا تفعلون؟ أو سميت شخصًا بـ "زيدون"، فماذا تفعلوا فيه في الرفع والجر والنصب؟ في الحقيقة هم اختلفوا فيه، لعلنا إن شاء الله في لقائنا القادم نوضح لكم ذلك.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ.


الدرس السادس

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا.
أيها الإخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قبل أن نواصل الحديث أريد الرجوع قليلا إلى الملحق بجمع المذكر السالم مما سُمِّي به من هذا الجمع، لأننا كنا بدأنا في سؤالٍ ولم ننهي الكلام فيه، أو لعلنا أجبنا بعض الإجابات المغلوطة أو الخطأ. أقول ما سُمي به من هذا الجمع لا يخلو من أن يكون بالواو والنون أو بالياء والنون، فبعض النحويين يرى أنه مطلقًا يعامل معاملة جمع المذكر السالم سواءٌ أكان مسمًّ بالياء والنون، أي سمّيت شخصًا "زيدين" مثلا، أو كان بالواو والنون كقولك "زيدون"، فإنه يُعامل معاملة جمع المذكر السالم، يعني يُرفع بالواو وينصب ويجر بالياء، بعضهم يرى خلاف هذا، ولعل الصواب في الثاني، وهو أنه إذا كان مُسمى بالواو والنون، أن تبقي الواو والنون، تقول "جاء زيدونٌ" و"رأيتُ زيدونًا" و"مررتُ بزيدونٍ"، وإن كان
بالياء والنون فتُبقي الياء والنون في كل الحالات وتعربه بحركاتٍ ظاهرة، لكن هذا ليس هو الرأي الغالب عند النحويين، لكني أنا الذي أرى أنه الأيسر والذي يدل على المقصود، بوصف العلم مُسمًّى بالواو والنون، فلو قلت "رأيتُ زيدين" فيُحتمل ألا يتنبه المخاطب إلى أنك تقصد الشخص المعين الذي اسمه زيدون فيتوقع شيئًا آخر، أقول لعل هذا هو الأصوب، والله أعلم بالصواب.
ثم ننتقل بعد هذا إلى حديث المصنف عن علامة الرفع وهي الألف، قال المصنف:


(وأما الألف فتكون علامةً للرفع في تثنية الأسماء خاصةً) ، فقط الألف تكون علامةً للرفع في المثنى ولا تكون في غيره، قال الله عزّ وجلّ ? قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ ? [المائدة: 23] ، الشاهد عندنا في قوله ? قَالَ رَجُلَانِ ? فإنه مرفوعٌ بالألف، فما المثنى؟ المثنى هو ما دل على اثنين وأغنى عن المتعاطفين بزيادة ألفٍ ونون أو ياء ونون في آخره، هذا هو تعريف المثنى، "ما دل على اثنين" يخرج ما دل على واحد وما دل على أكثر من اثنين، "وأغنى عن المتعاطفين" يُغني عن قولك "جاء مسلمٌ ومسلمٌ" فتقول "جاء مسلمان"، هذا أغنى عن المتعاطفين، "بزيادة ألفٍ ونون أو ياءٍ ونون في آخره"، الدلالة جاءت من هذه الزيادة، فلو كانت الدلالة على التثنية جاءت من غيرها فإنه لا يدخل في بابنا، مثلا يقولون "شفع" يدل على اثنين، "زوج" يدل على اثنين، هذا لا يُعامل معاملة المثنى لأن الدلالة على الاثنين لم تأت من الألف والنون ولا من الياء والنون، وإنما جاءت من الصيغة نفسها أو من الكلمة نفسها، وهي ألفاظ قليلة، فلابد أن يكون دالا على اثنين ومغنيًا عن المتعاطفين وتكون هذه الدلالة بزيادة ألفٍ ونون أو ياء ونون في آخره.
المثنى يُرفع بالألف وينصب ويجر بالياء، وسيأتينا بيان هذا، ونسينا أن نقول لكم أن الأسماء الستة تُرفع بالواو وتنصب بالألف وتجر بالياء، ونسينا أيضًا أن نقول في جمع المذكر السالم أنه يُرفع بالواو ويُنصب ويجر بالياء، فأرجو ألا تنسوا هذا لأن هذه قواعد رئيسة، يعني الإعراب بالعلامات الفرعية وبالعلامات الأصلية كثيرًا من يُخطئ فيها بعض الناس، فإذا أتقناها بالأمثلة والأدلة بإذن الله تعالى لا ننساها ولا نُخطئ فيها.


لازلنا في المثنى، المثنى أُلحق به أربعة ألفاظ، وأُلحق به أيضًا ما سُمِّيَ به من المثنى نحو "زيدان" و"حسنين" وما شاكلها، فأما الأربعة الألفاظ فهي "اثنان" و"اثنتان"، لماذا لا نقول إنهما مثنيان؟ السبب أن مفردهما ليس من لفظهما، مفردهما "واحد"، معناه أنه ليست تثنية "واحد" وإلا لقلنا "واحدان" مثلا، "اثنان" و"اثنتان" بدون شرط، يعني سواءٌ أكانا مفردين يعني بدون إضافة، أم كانا مُضافين أو غير ذلك،
تقول "جاء رجلان اثنان"، و"رأيتُ رجلين اثنين"، و"مررتُ برجلين اثنين"، و"اثنتان كذلك".
أُلحق به أيضًا لفظان آخران بشرط، وهما "كلا" و"كلتا"، لكن هنا يُشترط أن يكونا مضافين إلى الضمير، فإن كانا مضافين إلى اسمٍ ظاهرٍ أُعربا إعراب المقصور، قال الله عزّ وجلّ ? كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا ? [الكهف: 33] ، ? كِلْتَا ? هنا ليس مرفوعًا بالألف، وإنما مرفوعٌ بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر لأنه مضاف إلى ? الْجَنَّتَيْنِ ?، قال الله سبحانه وتعالى ? إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا ? [الإسراء: 23] ، هنا أُضيفت إلى الضمير فتُعرب بالألف رفعًا، "رأيتُ الرجلين كليهما"، "مررت بالرجلين كليهما"، يُرفع بالألف وينصب ويُجر بالياء لأنه مضافٌ إلى الضمير، لكنك تقول "رأيتُ كلا
الرجلين"، و"جاء كلا الرجلين"، و"مررتُ بكلا الرجلين"، فتُلزمها الألف لأنك تعربها إعراب القصور وتحركها بحركاتٍ مقدرةٍ على الألف منع من ظهورها التعذر، وهذه كما قلنا لابد فيها من الإضافة إلى الضمير حتى تُعرب إعراب المثنى.


بقي اللفظ الأخير وهو ما سُمي به من المثنى، نحو "زيدان" و"حسنين"، أغلب النحويين كما قلنا في جمع المذكر السالم أنهم يلحقونه بالمثنى فيعربونه بالألف رفعًا وبالياء نصبًا وجرًا، وأرى شيئًا آخر، أرى أنه إن كان بالألف مثل زيدان أن تعربه إعراب الممنوع من الصرف، يعني ترفعه بالضمة وتنصبه وتجره بالفتحة، لماذا؟ لأنه علمٌ في آخره ألفٌٌ ونونٌ زائدتان، اجتمعت فيه علتان، وإن كان بالياء أن تعربه بالحركات الظاهرة منونة، فتقول "جاء حسنينٌ" و"رأيتُ حسنينًا" و"مررتُ بحسنينٍ"، هذا حقه فيما أرى، وإن كان معظم النحويين لا يرون ذلك، معظمهم يرون أنه يُعرب إعراب المثنى لأنه ملحقٌ به، مثل ما أُلحق نحو "عليين" في باب جمع المذكر السالم. هذا آخر ما يُقال في المثنى، وما فيه إشكالات كثيرة، والحمد لله.
بعضهم يلزمه الألف مطلقًا، ولكن هذه لغةٌ ضعيفةٌ مهجورة، بعضهم يلزمه الألف مطلقًا لأن يرفع وينصب ويجر بحركاتٍ مقدرة على الألف، ومنه قول الشاعر:
إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاه
ولم يقل "غايتيها".
ننتقل بعد هذا إلى العلامة الثالثة وهي النون، قال المصنف رحمه الله (وأما النون فتكون علامةً للرفع في الفعل المضارع إذا اتصل به ضمير تثنيةٍ أو ضمير جمع أو ضمير المؤثنة المخاطب) ، عندنا ثلاثة ضمائر، لماذا كانت أفعالا خمسة أو كما يقولون الأفعال الخمسة والأمثلة الخمسة؟ قال لأن مع الألف له صورتان، ومع الواو له صورتان، ومع الياء له صورة واحدة، صارت عندنا خمس صور، نمثل بمثالٍ واحدٍ، "أنتما تكتبان"
و"هما يكتبان"، هذه بالتاء أو بالياء، "أنتم تكتبون" و"هم يكتبون" و"أنت تكتبين"، صارت خمس صور.


نعرف الأفعال الخمسة أو الأمثلة الخمسة، الأفعال الخمسة أو الأمثلة الخمسة: هي كل فعلٍ مضارعٍ اتصلت به ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة، حق هذا النوع أن يُرفع بثبوت النون، وأن يُنصب وأن يُجزم بحذف النون، وهذه ما فيها مشكلةٌ، والحمد لله رب العالمين، قال الله عزّ وجلّ ? وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ? [الأعراف: 22، طه: 121] ، هذا اتصلت به ألف الاثنين ورفع بثبوت النون، وقال الله عزّ وجلّ ? فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا ? [الأعراف: 169] ، ? يَأْخُذُونَ ? و ? يَقُولُونَ ?، وقال الله عزّ وجلّ ? قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ? [النمل: 33] ، ? تَأْمُرِينَ ? هنا اتصلت به ياء المخاطبة ورُفع بثبوت النون، وقال الله عزّ وجلّ ? قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ? [هود: 73] ، ? أَتَعْجَبِينَ ? هنا فعل مضارع مرفوعٌ وعلامة رفعه ثبوت النون، ما فيه إشكالات والحمد لله، باب الأفعال الخمسة انتهى.


ننتقل الآن إلى قضية أخرى من كلام المصنف، قد انتهى من ذكر علامات الرفع، وتحدث الآن في علامات النصب فقال:
(وللنصب خمس علامات: الفتحة وهي الأصل، والألف، والكسرة، والياء، وحذف النون) ،هذه خمس علامات، نأخذها واحدةً واحدةً لأن المصنف فصلها فقال:
(فأما الفتحة فتكون علامة للنصب في ثلاثة مواضع، في الاسم المفرد) وقد مر بنا تعريفه، تقول "إن محمدًا مجتهدٌ"، "محمدًا" هذا منصوبوعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، و"إن موسى غائبٌ"،"موسى" منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف، أمثل بهذا وهذا حتى تعلم أنه سواءٌ أكانت الفتحة ظاهرة أم مقدرة لا يضير. هذا الاسم المفرد انتهينا منه. جمع التكسير، واسم الجمع، واسم الجنس الجمعي انتهينا منها أيضًا، والعلامة فيها مثل العلامة هذه، علامة النصب هنا الفتحة، وهي العلامة الأصلية، فهو يُنصب بالفتحة، جمع التكسير "إن الرجالَ موجودون"، "الرجالَ" منصوبة وعلامة نصبها الفتحة الظاهرة على آخرها، وكذلك لو جعلت اسم جمع أو اسم جنس جمعي فإنه يُعامل المعاملة نفسها، قال الله عزّ وجلّ ? إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ? [يس: 55] ، ? أَصْحَابَ ? منصوبة، وهو جمع تكسير، هذا إذا كانت الكلمة جمع تكسير.
أما الفعل المضارع فهو يُنصب أيضًا بالفتحة إذا لم يتصل بآخره شيءٌ، يقول (فأما الفتحة فتكون علامةً للنصب في ثلاثة مواضع، في الاسم المفرد) وقد انتهينا منه، (وفي جمع التكسير) وقد انتهينا منه، (وفي الفعل المضارع إذا دخل عليه ناصبٌ) ، يعني لابد أن يكون متقدمًا عليه ناصبٌ، وشرط ألا يتصل بآخره شيءٌ، لأن لو اتصل به واو جماعة أو ألف اثنين أو ياء مخاطبة فإنه يُنصب ويكون علامة نصبه حذف النون، هنا لم يتصل بآخره شيءٌ، قال الله عزّ وجلّ ? قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ
عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ? [طه: 91] ، عندنا ? نَبْرَحَ ? تقدمت عليه "لن"، وعندنا ? يَرْجِعَ ? تقدمت عليه "حتى"، سواء كانت "حتى" أو المقدرة أو أن مقدرة بعدها فيه خلاف في هذا، المهم أن ? نَبْرَحَ ? و? يَرْجِعَ ? فعلان مضارعان منصوبان بالألف ولم يتصل بهما شيءٌ في آخرهما.


من المضارع المختوم بألفٍ مكسورة مثلا حتى يكون الإعراب تقديريًّا قول الله عزّ وجلّ ? وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ? [الأحزاب: 37] ، ? تَخْشَى ? هنا فعل مضارع منصوب بفتحة مقدرة على الألف. الفتحة انتهينا منها، الفتحة تكون في الاسم المفرد، وفي جمع
التكسير، وفي المضارع الذي لم يتصل بآخره شيءٌ بشرط أن يتقدم عليه ناصبٌ.
قال المصنف رحمه الله (وأما الألف) وهي العلامة الثانية من علامات النصب (فتكون علامةً للنصب في الأسماء الخمسة) ، كما ذكرنا قبل قليلٍ لما تحدثنا في باب الأسماء الخمسة قلنا أنها تُرفع بالواو وتنصب بالألف، نحو قولك "رأيتُ أباك وأخاك" وما أشبه ذلك، قال الله عزّ وجلّ ? قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا ? [يوسف: 17] ، ? يَا أَبَانَا ? "يا" حرف نداء، "أبا" هذه منادى منصوب، وعلامة نصبه الألف، وهو مستوفي للشروط التي ذكرناها قبل ذلك. والشروط مرةً أخرى أربعة:
1- أن يكون مفردًا.
2- يكون مكبرًا.
3- أن يكون مضافًا.
4- أن يكون مضافًا إلى غير ياء المتكلم.


في هذه الآية كذلك، ? يَا أَبَانَا ? مضاف، ومفرد، ومضاف إلى غير ياء المتكلم، ومكبر. قال الله عزّ وجلّ ? قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ ? [الأعراف: 111، الشعراء: 36] ، ? أَخَاهُ ? هذه معطوفة على الهاء في ? أَرْجِهْ ?، وقد جاءت منصوبة وعلامة نصبها الألف، وقال الله عزّ وجلّ ? إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا?12? وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ ? [المزمل: 12، 13] ، ? ذَا ? هنا من الأسماء الخمسة، وقال الله سبحانه وتعالى ? لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ
لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ? [الرعد: 14] ، ? فَاهُ ? هنا جاءت منصوبةً وعلامة نصبها الألف، هذه سهلة.
ننتقل بعد هذا إلى قول المصنف (وأما الكسرة فتكون علامةً للنصب في جمع المؤنث السالم) ، هذه علامة فرعية، لأننا كما قلنا لكم يا أيها الأحباب إن العلامة الأصلية للنصب هي الفتحة، فالعلامة الفرعية هنا هي الكسرة، ذلك أن جمع المؤنث السالم يُرفع بالضمة وينصب ويُجر بالكسرة، قال الله عزّ وجلّ ? وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ? [النساء: 25] ، فعندنا
المحصنات هنا جمع مؤنث سالم، وقد جاء منصوبًا، وعلامة نصبه الكسرة الظاهرة على آخره.


جمع المؤنث السالم هو ما دل على أكثر من اثنتين وزيد في آخره ألفٌ وتاء، لابد أن تكون الألف والتاء زائدتين، يعني ليست من بينة الكلمة، مثلا في كلمة "بيت" كبيت من الشعر مثلا، لما تجمعها تكون "أبيات"، لكن التاء أصلية، فلا نعاملها هذه المعاملة، "ميت" تقول فيه "أموات" آخره ألف، "غزاة"، تعاملها هذه المعاملة؟ لا، لأن الألف هذه منقلبة عن واو، فهي أصلية، فلابد أن تكون الألف والتاء زائدتين حتى تعربها هذا الإعراب، ويُلحق بجمع المؤنث السالم أمران، الأول لفظٌ واحد وهو لفظ "أولات"ملحق بجمع المؤنث السالم ويُعامل معاملته، لماذا لا نجعله جمع مؤنث سالم؟ لأنه لا مفرد له من لفظه، مفرد "أولات" "صاحبة". قال الله عزّ وجلّ ? وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ ? [الطلاف: 6] ، فـ ? أُولَاتِ ? هنا خبر كان وهو منصوب وعلامة نصبه الكسرة، وهو مما أُلحق بجمع المؤنث السالم، لأنه لا مفرد به من لفظه.
النوع الثاني مما أُلحق بجمع المؤنث السالم هو ما ألحق به من هذا الجمع، نحو "أذرعات" و"عرفات"، وما شاكلها، فإن هذا ليس جمعًا وإنما هو واحد، فهذا يُعامل معاملة جمع المؤنث السالم في القول الصحيح، وإن كان بعضهم يرى أنه يعامل معاملة الممنوع من الصرف، والصحيح أنه يُرفع بالضمة وينصب ويجر بالكسرة، يعني معاملة جمع المؤنث السالم، وبعضهم يرى أنه يُعامل معاملة الممنوع من الصرف لأن فيه أمرين وهما العلمية والتأنيث، ولكن الصواب أنه يُعامل معاملة جمع المؤنث السالم، ومنه قول الشاعر:
تنورتها من أذرعات وأهلها أدنى دارها نظر عال
فـ "أذرعات" هذه تُعامل معاملة جمع المؤنث السالم، وهو اسم لمدينة بالشام أو لقريةٍ بالشام، والله أعلم بالصواب. هذا جمع المؤنث السالم وليس فيه طويل كلام، يُنصب بعلامةٍ فرعية وهي الكسرة نيابةً عن الفتحة.


ننتقل إلى قول المصنف (وأما الياء فتكون علامةً للنصب في التثنية وفي الجمع) ، طبعًا يقصد في الجمع جمع المذكر السالم، وأما التثنية فمعروفة، وقد سبق أن شرحنا التثنية وسبق أن شرحنا الجمع، فعلامة النصب في المثنى وفي جمع المذكر السالم هي الياء، قال الله عزّ وجلّ ? مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ? [الرحمن: 19] ، ? الْبَحْرَيْنِ ? هنا مثنى، وقد جاء منصوبًا وعلامة نصبه الياء، وقال الله عزّ وجلّ ? إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ? [القمر: 54] ، ? الْمُتَّقِينَ ? هنا اسم "إن" منصوب وعلامة نصبه الياء، وكذلك ما أُلحق بجمع المذكر السالم أو بالمثنى فإنه يُنصب مثله، قال الله عزّ وجلّ ? وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ
لَيْلَةً ? [البقرة: 51] ، فـ ? أَرْبَعِينَ ? هنا منصوب نصبه الياء، وهكذا فيما شاكل ذلك.
ننتقل إلى قول المصنف (فأما حذف النون فيكون علامةً للنصب في الأفعال الخمسة التي رفعها بثبات النون) ، مرت بنا الأفعال الخمسة، وتعريفها كل فعلٍ مضارع اتصلت به ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة، رفع الأفعال الخمسة بثبوت النون، نصب الأفعال الخمسة بحذف النون، قال الله عزّ وجلّ ? يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ? [النور: 17] ، ? تَعُودُوا ? فعل مضارع من الأفعال الخمسة منصوب لأن "أنْ" تقدمت عليه فنصبته.


قال الله عزّ وجلّ ? وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ? [البقرة: 237] ، هذه قضية ما كنت أُريد الحديث عنها، ولكن مادام قرأنا الآية، فإنه قد يتبادر إلى الذهن هنا أنَّ ? يَعْفُونَ ? من الأفعال الخمسة، ومع ذلك لم تُنصب بحذف النون، والواقع أنها ليست من الأفعال الخمسة، لأن النون هذه نون النسوة، وأن الفعل مبني لاتصاله بنون النسوة، فهو مبنيٌّ على السكون في محل نصب بـ "أنْ"، ويوازن النحويون بين قولك "الرجال يعفون" و"النساء يعفون" من عدة أوجه، فـ "الرجال يعفون" معرب، و"النساء يعفون" مبني، "الرجال يعفون" الواو هذه واو الجماعة فاعل، و"النساء يعفون" الواو هذه من الفعل "يعفو"، يعني حرف من الفعل، "الرجال يعفون" وزن "يعفون" فيها "يفعون" لأن لامها محذوفة، "النساء يعفون" وزن "يعفون" فيها "يفعلن"، ما كنت أريد الحديث عن هذا لأن فيه تطويلا، لكن مادام قلناها لا بأس.
لكن مما نُصب به الفعل المضارع بحذف النون قول الله عزّ وجلّ ? وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ? [النساء: 128] ، الشاهد عندنا في قوله ? أَنْ يُصْلِحَا ?، فإن يُصلح فعل مضارع منصوب، وعلامة نصبه حذف النون.


المصنف انتهى من النصب الآن، من علامات النصب الأصلية والفرعية، وانتقل إلى علامات الخفض أو الجر ـ كما يسميه البصريون ـ قال المصنف (وللخفض ثلاث علامات: الكسرة وهي الأصل، والياء والفتحة) ، ثم تحدث عن الكسرة فقال (فأما الكسرة فتكون علامةً للخفض في ثلاثة مواضع: في الاسم المفرد المُنصَرِف) "مررتُ برجلٍ" أو "بامرأةٍ" أو "بالرجل" أو "بالمرأة"، لكنلابد أن يكون هذا الاسم منصرفًا، لأنه إذا كان غير منصرف فإنه يُجر بالفتحة نيابة عن الكسرة كما سيأتي بيانه إن شاء الله، (وفي جمع التكسير المُنصَرِف) أيضًا المنصرف، مثل كلمة "رجال"، "مررتُ برجالٍ"، (وفي جمع المؤنث السالم) ، جمع المؤنث السالم يعرب بعلامة فرعية في النصب، ولكن علامته الأصلية في الجر هي الكسرة، فهذا واضحٌ والحمد لله رب العالمين، ? بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ ? لفظ الجلالة مجرور وعلامة جره الكسرة لأنه مضاف إليه، "اسم" مجرور بالباء، "الرحمن" مجرور بالتبعية.
قال الله عزّ وجلّ ? وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ? [آل عمران: 154] ، "صدور" و"قلوب" جمع تكسير، وقد جاء مجرورًا بالكسرة.
الموضع الثالث الذي يُجر بالكسرة هو جمع المؤنث السالم، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ? [فاطر: 38] ، ? السَّمَاوَاتِ ? هنا جمع مؤنث سالم، وقد جاء مجرورًا وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.


قال المصنف (وأما الياء فتكون علامةً للخفض في ثلاثة مواضع: في الأسماء الخمسة، وفي التثنية والجمع) ، وهو يقصد جمع المذكر السالم، لأن جمع التكسير يجر بالكسرة، قال الله عزّ وجلّ ? ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ ? [يوسف: 81] ، ? أَبِيكُمْ ? اسم من الأسماء الخمسة، وقد جاء مجرورًا بالياء لأنه تقدمت عليه "إلى"، وقد قال الله عزّ وجلّ ? ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ ? [التحريم: 10] ، فـ ? عَبْدَيْنِ ? مثنى مجرور وعلامة جره الياء، وكذلك الملحق به نحو قول الله عزّ وجلّ ? إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ? [التوبة: 40] ، ? اثْنَيْنِ ? ملحق بالمثنى، وقد جاء مجرورًا بالياء، وأما جمع المذكر السالم فكقولك مثلا "مررتُ بالمسلمين" أو "بالصالحين" أو "بالمهتدين" أو نحو ذلك.
قال المصنف (وأما الفتحة فتكون علامة للخفض في الاسم الذي لا ينصَرِف) ، هذه علامة فرعية، الأصل في الجر أو الخفض أن يكون بالكسرة، أما الاسم الممنوع من الصرف فإنه يُجر بالفتحة نيابةً عن الكسرة، واعلموا بارك الله فيكم أن الحديث في باب الممنوع من الصرف حديث طويل، لأنه ليس كل كلمة تُمنع من الصرف، أولا الممنوع من الصرف خاص بالأسماء، لا يجوز أن يأتي في الأفعال، لا يُقال الفعل هذا ممنوع من الصرف، بل هو خاصٌّ بالأسماء، ثانيًا ليست كل كلمة تُمنع من الصرف، لأن الأصل في الأسماء أنها مصروفة، ولكن يمتنع من الصرف ما اجتمعت فيه علتان من علل تسع، أو علة واحدة تقوم مقام علتين، وقد جمعوا العلل في بيتين من الشعر فقالوا:
عدل، ووصف، وتأنيث، ومعرفة وعجمة، ثم جمع، ثم تركيب


والنون زائدة من قبلها ألف ووزن فعل وهذا القول تقريب
يعني ليس كل في الباب ممنوعٌ من الصرف، وإنما هو تقريبٌ للأذهان حتى نُبين ما اجتمع فيه علتان أو ما انفرد بعلةٍ واحدة.
نبدأ بما يكفي فيه علةٌ واحدة ليكون ممنوعًا من الصرف، وهو نوعان:
النوع الأول: صيغة منتهى الجموع، مثل "مساجد" و"مصابيح"، فإن هذه لا تنتظر فيها علةً أخرى، بمجرد ما تأتي هذه الصيغة فامنعها من الصرف، ما معنى تمنعها من الصرف؟ يعني لا تنونها، ويعني أيضًا أن تجرها بالفتحة نيابةً عن الكسرة، وهذا تُسمّى صيغة منتهى الجموع، مثالها "مساجد" و"مصابيح"، وفيها كلامٌ طويلٌ، ولن نتعرض له.
النوع الثاني: الذي يُكتفى فيه بعلة واحدة هو ما خُتم بألف التأنيث الممدودة أو المقصورة، هذه سواءٌ أكانت معرفةً أم نكرةً، مفردةً أم مجموعةً، صفةً أو اسمًا أو أي شيءٍ من الأشياء، بمجرد ما تجد ألف التأنيث المكسورة أو الممدودة في آخر الكلمة فامنعها من الصرف، "وليلى" هذه علم، "جرحى" هذه جماعة، "زكريا" هذا مذكر لكنه مختوم بألف التأنيث، "صحراء" هذه مؤنثة مختومة بألف التأنيث الممدودة، وهكذا، مباشرة امنعها من الصرف يعني لا تنونها، وجرها بالفتحة نيابةً عن الكسرة. انتهينا مما يُكتفى فيه بعلة واحدة.


ويوجد أيضًا أشياء لابد أن يجتمع فيها علتان ولا تكفي علة واحدة، فيه شيء منها مع الوصفية وفيه شيء منها مع العلمية، فنقول يجتمع الوصف مع الألف والنون الزائدتين مثل "غضبان" و"سكران"، ويجتمع الوصف مع العدل مثل كلمة "أُخر" ومثل "مثنى" و"ثُلاث" و"رُباع"، لأن هذه ممنوعة من الصرف للوصفية والعدل، كلمة "مثنى" معدولة عن "اثنين اثنين"، و"ثلاث" عن "ثلاثة ثلاثة"، و"أُخر" معدولة عن "آخر"، بقي واحد من الوصف وهو أن يكون وصفًا على وزن أفعل نحو قولك "أكبر" و"أفضل" و"أطول" و"أقصر" و"أحسن" و"أبهى" و"أجمل"، وما شاكل ذلك، هذه كلها ممنوعة من الصرف لعلتين، العلة الأولى الوصفية والعلة الثانية وزن "أفعل"، وهذه فيها كلامٌ طويلٌ لكننا سنتركه.
ننتقل إلى النوع الثاني وهو ما اجتمع مع العلمية علةٌ أخرى، لكن إن شاء الله تعالى يكون في بداية الحلقة القادمة.
نستمع الآن إلى الأسئلة منكم إن وُجد، وإلا أسألكم أنا.
سأل أحد الطلبة:
بالنسبة للاسم "أبو" إذا جاء في اسم أو كنية مثل "أبو بكر" أو "أبو هريرة" فهل يُعرب أم ماذا؟
أجاب الشيخ:
الذي يُستعمل في كلام العرب هو أنه يُرفع بالواو ويُنصب بالألف ويُجر بالياء، هذا المستعمل في كلام العرب، وإن كانوا الآن يُلزمونه ما سُمِّي به، مثل أبو ظبي يقولون "جئتُ من أبو ظبي"، يُقال هذا وهو علم، لكن الصواب والله أعلم أن يُعامل معاملة الأسماء الخمسة، وهذا أخالف فيه قاعدتي التي ذكرتها لكم في باب ما سُمّي به من جمع المؤنث السالم، لأن هذا هو المسموع من كلام العرب، فنقف على المسموع من كلام العرب.
سأل أحد الطلبة:
جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ، في ما يُغني عن المتعاطفين في قولي مثلا "جاء العمران"، هل إذا قلنا "جاء العمران" نقصد أبا بكر وعمر تدخل في هذا؟
أجاب الشيخ:


بارك الله فيك، سؤالٌ جيد، هي تدخل في هذا، أحيانًا يغلبون، وهو ما يُسمى بالتغليب، يقولون الأبوان للأب والأم، ويقولون العمران لأبي وعمر رضي الله عنهما، وما شاكل ذلك، فهل تُعرب إعراب المثنى، أنا أرى أنها تُعرب إعراب المثنى وأنها مثله تمامًا لأنه تدل على اثنين وتُغني عن المتعاطفين، وفيها زيادة ألف ونون في آخرها، فهي مُستوفية للشروط فتُعرب إعرابه بإذن الله تعالى.
سأل الشيخ:
كيف تُعربون الممنوع من الصرف؟ كيف ترفعونه؟ كيف تنصبونه؟ كيف تجرونه؟ وما المقصود بكلمة ممنوع من الصرف؟
أجاب أحد الطلبة:
الممنوع من الصرف أي ممنوع من التنوين.
علق الشيخ:
هذا هو الغالب أن معنى كلمة ممنوع من الصرف يعني ممنوع من التنوين، أحسنت بارك الله فيك.
وما حكمه؟ نمنعه من التنوين هذا صحيح، فيه شيء آخر نعامل الممنوع من الصرف به.
أجاب أحد الطلبة:
إذا دخل عليه حرف الجر يُجر بالفتحة.
أكمل الشيخ:
يُجر بالفتحة نيابةً عن الكسرة، هذا كلامٌ حقٌ وبارك الله فيك.
أكل كلمة يمكن أن نمنعها من الصرف أم لابد أن هناك بعض الأشياء؟
أجاب أحد الطلبة:
هناك بعض الأشياء.
سأل الشيخ:
هل تذكر لنا شيئًا من العلل التي تُمنع الكلمة بسببها من الصرف؟ أي علة سواءٌ مما يُكتفي فيه بعلة واحدة أو بأكثر من علة؟
أجاب أحد الطلبة:
صيغة منتهى الجموع.
سأل الشيخ:
تعرف لنا صيغة منتهى الجموع هذه؟
أجاب الطالب:
مثل "مساجد".
علق الشيخ:


هذا مثالها، لكنهم يعرفونها يا أيها الأحباب بقولهم: صيغة منتهى الجموع هي كل جمعٍ ثالثه ألفٌ زائدة بعدها حرفان نحو "مساجد" أو ثلاثة أحرف وسطها ساكن نحو "مصابيح"، وقس على هذا. لماذا اشترطنا كلمة وسطها ساكن، قال ليخرج نحو "ملائكة"، لأن ملائكة مستوفية للشروط هذه، لكن بعد الألف ثلاثة حروف الحرف الأوسط غير ساكن وإنما هو متحرك، فهذه نصرفها ولا نمنعها من الصرف.
سأل الشيخ:
كيف تنصبون المثنى؟ ما علامة نصب المثنى؟
أجاب أحد الطلبة:
الياء.
سأل الشيخ:
وعلامة جر المثنى؟
أجاب الطالب:
الياء.
سأل الشيخ:
وعلامة الرفع في جمع المذكر السالم؟
أجاب أحد الطلبة:
الواو.
سأل الشيخ:
أيضًا يُشارك جمع المذكر السالم في الرفع بالواو شيءٌ فما هو؟
أجاب أحد الطلبة:
الأسماء الخمسة.
علق الشيخ:
نعم، يشترك هذان الاثنان في الرفع بالواو، وهما الأسماء الخمسة وجمع المذكر السالم.
سأل الشيخ:
الياء علامة للنصب في أي شيء؟
أجاب أحد الطلبة:
في جمع المذكر السالم، في المثنى.
سأل الشيخ:
مثل لنا.
أجاب الطالب:
مثل "حسنين".
علق الشيخ:
اترك هذه، هذه ملحقة، أعطنا ما هو متفق عليه.
أجاب الطالب:
مثال "أخوين".
علق الشيخ:
"إن الأخوين مجتهدان".
وبارك الله فيكم، نكتفي بهذا القدر، وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد.


الدرس السابع
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نواصل الحديث في الممنوع من الصرف، الممنوع من الصرف انتهينا مما يُمنع لعلةٍ واحدة، وانتهينا أيضًا مما يُمنع لعلتين، والوصفية واحدة من العلتين، قلنا الوصف ووزن "أفعل"، والوصف وزيادة الألف والنون، والوصف والعدل، وقد انتهينا من هذا.
ننتقل الآن إلى نوعٍ آخر مما يُمنع لعلتين وهو ما كانت إحدى العلتين العلمية، يقولون يُمنع الاسم من الصرف إذا اجتمعت فيه علتان إحداهما العلمية، العلمية وماذا؟ العلمية والألف والنون، مثل "عثمان" و"سلطان"، العلمية والتأنيث، وليس كل مؤنثٍ علم يُمنع من الصرف، بل لابد أن يكون إما مختومًا بالتاء أو زائدًا على ثلاثة أحرف، أو ثلاثة أحرف ووسطه متحرك، أو ثلاثة ووسطه ساكن ولكنه اسم أعجمي، الأمثلة "فاطمة ممنوعة من الصرف لأنها مختومة بالتاء، "سحر" هذه ممنوعة ثلاثية ومتحركة الوسط، "زينب" ممنوعة من الصرف لأنها أربعة أحرف، "ماه" "وجور" أسماء لأعلام أعجمية، يعني مدن أعجمية، هذه ممنوعة من الصرف، صحيح أنها ثلاثية وساكنة الوسط لكنها مؤنث وأعجمي تمنع من الصرف، لكن "هند" و"دعد"، يجوز لك الوجهان على السواء فيهما أن تصرف وأن تمنع، يجوز أن تقول "جاءت هندٌ"، ويجوز أن تقول "جاءت هندُ"، و"مررت بهندٍ" و"مررتُ بهندَ"، أنت حر إذا ثلاثيًّا ساكن الوسط، ومنه كما يرى بعضهم قول الله عزّ وجلّ ? اهْبِطُوا مِصْرًا ? [البقرة: 61] ، على أن المقصود مصر التي نحن فيها الآن، مصر العلم على هذا البلد على أنه هو المقصود، وبعضهم يرى أنها ليست علمًا في هذه الآية، وإنما ? اهْبِطُوا مِصْرًا ? من الأمصار أيّ مصر، لكن على الرأي الذي يرى أنها علم تكون حينئذٍ مصروفة، لأنه يجوز الوجهان فيما كان ثلاثيًّا ساكن الوسط.


انتهينا من العلم المؤنث ومن العلم المختوم بالألف والنون، بقي الآن العلم الموازن للفعل، مثل "شمّر" ومثل "يزيد" و"تغلب" و"يشكر" و"أحمد"، وهكذا، هذه كلها ممنوعة من الصرف للعلمية ووزن الفعل.
النوع الرابع العلم المركب تركيبًا مزجيًّا، نحو "بعلبك" و"حضر موت" و"معدي كرب" وما شاكل ذلك.
النوع الخامس العلم المعدول، يمثلون له بنحو "عُمر"، يقولون "عمر" معدولٌ عن "عامر"، و"زُحَل" و"زُفَر" وما شاكل ذلك، ما كان وزن فُعَل وهو معدولٌ عن فاعل فإنهم يمنعونها من الصرف للعلتين العلمية والعدل، وهذه خمسة أنواع، وهناك خمسة أنواع، وهنالك نوعان يمتنعان من الصرف مطلقًا لعلة واحدة، وثلاثة مع الوصفية، وخمسة مع العلمية، صار المجموع عشرة أنواع كل هذه تُمنع من الصرف، بقي أن نشير إلى ما نبهني إليه أخوكم وهو أن الممنوع من الصرف يرجع إلى أصله فيُجر بالكسرة ولكن لا يرجع إليه التنوين، فهو يرجع إلى أصله فيُجر بالكسرة وذلك في حالتين:
1- الحالة الأولى: أن تدخل عليه "ال"، قال الله عزّ وجلّ ? وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ? [البقرة:187] ، مجرورة بالكسرة.
2- الحالة الثانية: أن يُضاف، فإذا وقع مضافًا رجع إلى أصله أيضًا فجر بالكسرة، انتبهوا إلى آيتين أذكر فيهما اسمًا واحدًا مرة جاء منصرفًا ومرة جاء غير منصرف، قال الله عزّ وجلّ ? وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا ? [النساء: 86] ، هنا لأنه لم يُضَف جاء مجرورًا بالفتحة، ممنوعًا من الصرف لعلتين،
وقال الله عزّ وجلّ ? لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ? [التين: 4] ، جاءت كلمة ? أَحْسَنِ ? مصروفةً لأنها مضافة إلى كلمة تقويم، حينئذٍ نعيدها إلى أصلها فنجرها بالكسرة.


لكن اعلم بارك الله فيك التنوين لا يعود إليه إلا في الضرورة الشعرية أو في مواضع حددوها وذكروها، قالوا إن الممنوع من الصرف في بعض الحالات يرجع إليه التنوين، منها الضرورة الشرعية، ومنها مراعاة الفواصل، "ويوم دخلت الخدر خدر عنيزةٍ"، "عنيزة" هنا جاء منونًا مصروفًا، وفي قراءة قول الله عزّ وجلّ ? سَلَاسِلًا وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا ? [الإنسان: 4] ، جاءت ? سَلَاسِلًا ? منونة لمناسة أغلالا وسعيرًا لأنها مناسبة لها، هذه في قراءة، القراءة الأخرى ? سَلَاسِلَ ? بدون تنوين.
وقالوا أيضًا العلم إذا زالت عنه علميته فإنه يرجع إلى أصله فيُصرف، مثلا دخلت "رُبَّ"، و"رُبَّ" لا تدخل إلا على النكرات، فقلتَ "رُبَّ عمرٍ قابتله" و"رُبَّ يزيدٍ قابلته"، لأن ذهبت عنه العلمية، فما بقي فيه إلا علة واحدة فيعود إلى أصله فيُصرف ويُنون. وهذا آخر الحديث في باب الممنوع من الصرف، وأيضًا نحن لم نعط الممنوع من الصرف كل ما يستحق لأنه بابٌ طويل.


ننتقل الآن إلى قول المصنف (وللجزم علامتان: السكون والحذف) ، فأما السكون فيكون علامةً للجزم في الفعل المضارع الصحيح الآخر، إذا كان عندك فعلٌ مضارعٌ صحيح الآخر لم يتصل به ألف الاثنين ولا واو الجماعة ولا ياء المخاطبة، صحيح الآخر أي ليس آخره حرف علة، ليس آخره ألف ولا واو ولا ياء، فإنك تقول "لم يشربْ محمد" و"لم يحضرْ" و"لم يُسافرْ" و"لم ينمْ"، نقول "لم ينم" هذه فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون لأنه صحيح الآخر ولم يتصل به ألف الاثنين ولا واو الجماعة ولا ياء المخاطبة. هذا النوع الأول ومنه قول الله عزّ وجلّ ? قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ? [يوسف: 77] ، ? إِنْ ? حرف شرط، و ? يَسْرِقْ ? فعل مضارع مجزوم بـ ? إِنْ ? وعلامة جزمه السكون. قال المصنف رحمه الله (وأما الحذف فيكون علامةً للجزم في الفعل المضارع المعتل الآخر، وفي الأفعال الخمسة التي رفعها بثبوت النون) ، نبدأ بالفعل المضارع المعتل الآخر، الفعل المضارع المعتل الآخر إما أن يكون مختومًا بالألف نحو "يسعى" أو مختومًا بالواو نحو "يدعو" أو مختومًا بالياء نحو "يرمي"، إذا أدخلت عليه الجازم فإنك تحذف حرف العلة من آخره، فتقول "لم يدعُ" و"لم يسعَ" و"لم يرمِ"، قال الله عزّ وجلّ ? أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ? [الفيل: 1] ، ? تَرَ ? فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وقال الله عزّ وجلّ ? وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ ? [المؤمنون: 117] ، ? يَدْعُ ? فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة، وقال سبحانه ? مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ? [الأعراف: 178] ، ? يَهْدِ ? أصله "يهدي" ولما دخل عليه الجازم حُذف حرف العلة من آخره، هذا هو المعتل الآخر.


وأما الفعل المضارع الذي اتصل به ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة فمن شواهده قول الله عزّ وجلّ ? إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ? [التحريم: 4] ، ? تَتُوبَا ? فعل مضارع مجزوم بـ ? إِنْ ? وعلامة جزمه حذف النون، وقال الله عزّ وجلّ ? وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ ? [البقرة: 283] ، الشاهد عندنا في قوله ? وَلَا تَكْتُمُوا ? فقد حُذفت النون هنا لدخول لا الناهية عليه، وقال الله عزّ وجلّ ? فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ? [مريم: 26] ، الشاهد عندنا في قوله ? تَرَيِنَّ ? لأنه تقدم عليه "إنْ" الشرطية وبعدها "ما زائدة" فحُذف منها حرف العلة، "إن تسعيْ في الخير تُثابي"، أصله طبعًا "تسعين" و"تُثابين"، لكن لما دخلت عليها "إن" الشرطية حُذف منها النون، وهذا آخر ما يُقال في هذا الموضوع وهو علامات الجزم، إما السكون وإما الحذف، السكون للفعل المضارع الصحيح الآخر، والحذف في موضعين، في الفعل المضارع المعتل وفي الأفعال الخمسة.


ننتقل الآن إلى قول المصنف (المُعرَبات قسمان) ، وهنا يأتي المصنف بتفصيلاتٍ جديدة هي مكررة في الأبواب السابقة، ولكنه أتى بها بصورة أخرى، وسنمشي معه أيضًا في تصويره هذا الجديد، قبل قليل كان يتحدث عن علامات الإعراب، الآن يتحدث عن المعرب نفسه، فيقول (المُعرَبات قسمان: قسميُعرَبُ بالحركات، وقسم يعرب بالحروف) ، ثم قال (فالذي يُعرَبُ بالحركاتِ أربَعَةُ أنواع: الاسم المفرد، وجمع التكسير، وجمع المؤنث السالم، والفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيء) ،وهذه كلها واضحة جدًا، وسبق أن شرحناها، كل هذه تُعرب الحركات، لا تُعرب الحروف. الاسم المفرد "جاء محمدٌ" و"هذا بابٌ" و"ذلك رجلٌ"، هذه حركات، وجمع التكسير "هؤلاء رجالٌ مسلمون"، وجمع المؤنث "هؤلاء المسلماتِ صالحاتٌ"، كذلك والفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيءٌ يُعرب بالحركات سواءٌ كانت الحركة ظاهرة أو غير ظاهرة، مثل "يدعو" ومثل "يضرب"، فإنه يُرفع بالضمة ويُنصب بالفتحة ويُجزم بالسكون، هذه هي الحركات الأصلية.
وقال المصنف أيضًا (وكلها) يعني الأشياء التي ذكرها قبل قليل، وهي الاسم المفرد، وجمع التكسير، وجمع المؤنث السالم، والفعل المضارع الذي لم يتصل بآخره شيءٌ، قال (وكلها تُرفَعُ بالضمة، وتُنصَبُ بالفتحة، وتُخفَضُ بالكسرة، وتُجزَمُ بالسكون) ، استثني منها الممنوع من الصرف فإنه سيأتي بيانه، الممنوع من الصرف يُجر بالفتحة، وجمع المؤنث السالم يُنصب بالكسرة، وسيستثنيه المصنف، سيذكره بعد قليل، إذًا هذه كلها ترفع بالضمة وتنصب بالفتحة وتُخفض بالكسرة وتُجزم بالسكون يعني بالعلامات الأصلية.
قال المصنف (وخرج عن ذلك) أي عن هذه القاعدة التي ذكرها قبل قليل (وخَرَجَ عن ذلك ثلاثةُ أشياء: جمع المؤنث السالم يُنصَبُ بالكسرة، والاسم الذي لا ينصَرِفُ يُخفَضُ بالفتحة، والفعل المضارع المُعتَلُّ الآخِر يُجزَمُ بحذف آخره) ، هذه استثناها من الكلام الذي قاله قبل قليل.
ثم انتقل بعد ذلك إلى قوله (والذي يُعرَبُ بالحروف أربعة أنواع: التثنية، وجمع المُذَكَّر السالم، والأسماء الخمسة، والأفعال الخمسة) ، ما الأفعال الخمسة؟ سبق أن مرت بنا عدة مرات، لكنه هنا مثل لها تمثيلا، وقال (وهي: يَفعلانِ، وتَفعلانِ، ويَفعلون، وتفعلون، وتفعلين) ، هذه الأشياء كلها إعرابها بالحروف وليس بالحركات.


ثم بعد هذا يفصل أيضًا تفصيلا سبق أن شرحناه، لكن لا بأس أن نتتبعه على حسب كلامه، قال (فأما التثنيةُ فتُرفَعُ بالألف، وتُنصَبُ وتُخفَضُ بالياء) ، وهذا سبق أن ذكرناه وشرحناه ومثلنا له، قال (وأما جمع المذكر السالم فيُرفَعُ بالواو، ويُنصَبُ ويُخفَضُ بالياء) وهذا سبق أن ذكرناه وشرطه وشرحه وكل ما يتعلق به، قال (وأما الأسماء الخمسة فتُرفَعُ بالواو، وتُنصَبُ بالألف، وتُخفَضُ بالياء) ، وقد ذكرنا شروطها والحديث فيها، وقلنا إنه ليس كل الأسماء الخمسة هذه دائمًا تُرفع بالواو وتُنصب بالألف وتجر بالياء، ولكنها إذا اجتمعت فيها هذه الشروط.
ثم بعد هذا قال المصنف رحمنا الله وإياه (وأما الأفعال الخمسة فتُرفَعُ بالنون وتُنصَبُ وتُجزَمُ بحذفها) ، وهذا الكلام كله قد شرحناه، لا نحتاج إلى زيادة، لكن نذكر بعض الأمثلة، قال الله عزّ وجلّ ?المر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ? [الرعد: 1] ، ?يُؤْمِنُونَ ? فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون، قال الله عزّ وجلّ ? وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ? [البقرة: 95] ، الشاهد عندنا في قوله ? يَتَمَنَّوْهُ ?، فإنه فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه حذف النون، وأما المجزوم فنحو قول الله عزّ وجلّ ? فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ? [النساء: 91] ، والشاهد عندنا في ? يَعْتَزِلُوكُمْ ? و? يُلْقُوا ? و? يَكُفُّوا ? فإنها كلها مجزومة وعلامة جزمها حذف النون.


بعد هذا انتقل المصنف رحمه الله إلى بابٍ جديدٍ وهو باب الأفعال، فقال (الأفعالُ ثلاثة: ماضٍ، ومُضارعٌ، وأمر، نحو: ضَرَبَ، ويَضرِبُ، واضرِبْ) ، وقد سبق أن ذكرنا لكم يا أيها الأحباب أن الكلام أو الكلمة أو الكلم ثلاثة أقسام، إما اسم، وقد ذكرنا لكم علاماته وانتهينا منه، وإما فعل، وذكرنا لكم أيضًا علامة الفعل الماضي وعلامة الفعل المضارع وعلامة فعل الأمر، ولسنا بحاجة إلى إعادتها، والنوع الثالث وهي الحروف وأنها لا علامة لها، وإنما يُجرب عليها علامات الأفعال وعلامات الأسماء فإن قبلتها فهي واحدٌ منهما وإن لم تقبل فهي حرفٌ.
فعندنا الفعل الماضي "ضرب" والفعل المضارع "يضرب" وفعل الأمر "اضرب"، وعلى كل حال فهذا حديثه في باب الأفعال.
قال المصنف رحمنا الله وإياه (فالماضي مفتوحُ الآخر أبدا) ، هنا الآن بدأ يتحدث في تفصيلات أحكام الأفعال، أيها الإخوة إن الأصل في الأفعال أن تكون مبنية، وإن كان صاحبنا هنا سيذكر أن فعل الأمر مُعربٌ وليس مبنيًّا لأنه حكم عليه بأنه مجزومٌ دائمًا، وهذا رأيُ الكوفيين واتبعه لأنه كثيرًا ما يتبع آراء الكوفيين، لكننا نرى أن الأصل في الأفعال أنها مبنية، لذلك الفعل الماضي عند الجميع مبنيٌّ، والفعل المضارع مُعربٌ عند الجميع ما لم يتصل به نون التوكيد أو تتصل به نون النسوة، وفعل الأمر الصحيح أو الأقوى فيه أنه مبنيٌّ، وإن كان صاحبنا كما سيذكر بعد قليل أنه مُعرب، ولكنه قال هو مجزومٌ أبدًا، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.


الأفعال كلها تدل على أمرين، تدل على الحدث والزمان، فإن دل على الزمن الماضي فهو ماضٍ، وإن كان مُحتملا للدلالة على الحاضر أو المستقبل فهو مضارع، وإن دل على المستقبل فقط فهو أمرٌ، لكنه في الوقت نفسه يدل على أمرين هما الحدث والزمان، أنت إذا قلت "ضرب" فهي متضمنةٌ لأمرين هما الحدث وهو الضرب والزمان وهو وقوعه في الزمن الماضي، وكذلك في "يضرب" تدل على أمرين وهما الحدث أيضًا والزمن، والزمن هنا صالحٌ للآن أو للمستقبل، وكذلك في "اضرب" تدل على حدث الضرب وتدل على أنه مأمورٌ به في الوقت المستقبل.
ويقول المصنف (فالماضي مفتوحُ الآخر أبدا) ، هذا هو الصواب، وإن كان بعضهم يرى أن الفعل الماضي إذا اتصل به ضمير الرفع المتحرك كله، يعني سواء تاء المتكلم أو تاء الغائب.. إلخ، أو "نا" أو نون النسوة، متى ما تصل به ضمير الرفع المتحرك فإنه يُبنى على السكون، بعضهم يرى ذلك، وبعضهم يرى أيضًا أن الفعل الماضي إذا اتصلت به واو الجماعة بُني على الضمة، لكن الصواب في هذه المسألة أن الفعل الماضي حقه أن يكون مبنيًا على الفتح، فإذا اتصلت به التاء مثلا فإنه يكون مبنيًّا على الفتح لكن سُكِّن آخره لاتصاله بهذا الضمير، سُكّن فقط وإلا فهو على الفتح المقدر، وكذلك في "ضربوا" أو "أكرموا" فهي مبينة على فتحٍ مقدر وإنما ضُم لمناسبة واو الجماعة.


قال المصنف (فالماضي مفتوحُ الآخر أبدا) ، إذًا نعتمد قول المصنف في هذه القضية وهو أن حق الفعل الماضي أن يكون مبنيًّا على الفتح، أما إذا اتصلت به واو الجماعة فيُضم آخره لمناسبة الواو، وإن اتصل به ضمير الرفع المتحرك وهو تاء المتكلم وتاء المخاطب وتاء المخاطبة ونون النسوة و"نا" الفاعلين، فإنه حينئذٍ يُسكن آخره، ولكنه أيضًا يُحكم عليه بأنه مبنيٌّ على الفتح، والمسألة في هذا سهلة، إن قلت إنه مبنيّ على الضم فلا إشكال قد قالها غيرك، وإن قلت إنه مبنيٌّ على السكون فلا إشكال، وإن قلت إنه مبنيٌّ على الفتح فهو أولى فقط، لكن الثاني جائز وليس فيه إشكال، وقد قاله غيرنا.
قال المصنف أيضًا (والأمر مجزومٌ أبدا) ، تعبير المجزوم يا إخواني يعني أن الكلمة معربة، وهو يرى أن فعل الأمر معرب بناءً على ما يره الكوفيون، الكوفيون يرون أنه مجزوم بلام أمر مقدرة، فأنت إذا قلت "جلس" فكأنك قلت "لتجلس"، يعني كأنك تقدر قبله لامًا لتكون هذه اللام هي التي جزمته، لام أمر مقدرة، لكن البصريون لا يرون ذلك، ويرون أنه مبنيٌّ دائمًا، لكن مبني على ماذا؟ مبنيٌّ على ما يُجزم به مضارعه، فإن كان مضارعه يٌجزم بالسكون بُني على السكون، يُجزم بحذف النون بُني على حذف النون، يُجزم بحذف حرف العلة يُبنى على حذف حرف العلة، قال الله عزّ وجلّ ? ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ? [النحل: 125] ، ? ادْعُ ? فعل أمر مبنيٌّ على حذف حرف العلة، لأنه لو كان مضارعًا لقلنا "لم يدع" فحذفنا آخره، وكذلك تقول "اجلس" مثل ما تقول "لم يجلس"، فتبنيه على السكون، وهكذا، وتقول "لم يحضروا"، وتقول "احضروا"، فيكون مبنيًّا على حذف النون، فهذا هو فعل الأمر.


ثم قال المصنف رحمن الله وإياه (والمضارع ما كان في أوله إحدى الزوائدِ الأربعِ
التي يجمَعُهَا قولُك: أنَيتُ، وهو مرفوعٌ أبدا، حتى يدخُلَ عليه ناصِبٌ أو جازِم) ، إذًا الفعل المضارع معرب باتفاق، هذه لا خلاف فيها، هل يُبنى الفعل المضارع؟ الجواب نعم، في حالتين هما: أن تتصل به نون التوكيد المباشرة، هذا الأول، الموضع الثاني أن تتصل به نون النسوة، إذا اتصلت به نون التوكيد بُني على الفتح، قال الله عزّ وجلّ ? لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ ? [يوسف: 32] ، وقال
سبحانه ? وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ? [يوسف: 228] ، أما إذا لم يتصل به نون التوكيد ولا نون النسوة فهو مُعربٌ، يعني يُرفع بالضمة وينصب بالفتحة ويُجزم بالسكون أو نحو ذلك كما سيتبين لنا إن شاء الله تعالى.
يقول (والمضارع ما كان في أوله إحدى الزوائدِ الأربعِ التي يجمَعُهَا قولُك: أنَيتُ) ، طبعًا لابد أن يكون الفعل المضارع مبدوءً بواحد من هذه الزوائد الأربع، إما الهمزة نحو "أكرم" أو "أجلس"، وإما النون نحو "نكتب" أو "نذهب"، وإما الياء نحو "يكتب" أو "يلعب"، وإما التاء نحو "تقوم هندٌ" أو "أنت تقوم"، فهذا لابد أن يكون مبدوءً بواحدٍ من هذه الأربع، وأيضًا علامته كما ذكرنا فيما مضى أن يصح دخول لام عليه، فإن لم يصح دخول لام عليه، فإنه لا يكون فعلًا مضارعًا؛ لأنك تجد في بعض الأحيان بعض الكلمات مبدوءة بواحد من هذه الأحرف مثل "محمدٌ أكرم من عليٍّ" مثلا، هذه "أكرم" صيغة تفضيل ومع ذلك مبدوءة بالهمزة، لكن ما تصلح أن تجعل قبلها كلمة "لم"، معناها أن العلامة الأصلية للفعل المضارع "لم" لم تصح أن تدخل عليها.


ويقول (وهو مرفوعٌ أبدا، حتى يدخُلَ عليه ناصِبٌ أو جازِم) إذًا حق الفعل المضارع أن يكون مرفوعًا، ولذلك يُقال في الفعل المضارع إنه مرفوعٌ لأنه لم يسبقه ناصبٌ ولا جازم، هذه علة رفعه، يعني ما يحتاج إلى علة، أما إذا دخل عليه ناصبٌ أو جازمٌ فإنه يُنصب أو يُجزم بحسب الداخل عليه.
نذكر النواصب، قال (فالنَّواصبُ عَشَرَة، وهي: أَنْ، ولَنْ، وإذنْ، وكَيْ، ولام كي، ولام الجُحُود، وحتى، والجوابُ بالفاء والواو وأو) ، وهذه كل واحدةٍ منها تحتاج إلى شرحٍ وبيانٍ وأمثلة، أما مثل "أنْ" وهي أم الباب، لم جعلوها أم الباب؟ قالوا لأنها تعمل ظاهرةً ومضمرة، ظاهرة نحو قول الرسول صلى الله عليه وسلم (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه) ، هذا حينما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان، قال (الإحسان أن تعبد) ، فـ (تعبد) فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه الفتحة، بسبب
تقدم "أنْ" عليه، هذا بالنسبة لـ "أنْ"، "أنْ" أول النواصب.
ثم بعد هذا "لن"، قال الله عزّ وجلّ ? قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ? [طه:91] ، "لن" تقدمت على الفعل ? نَبْرَحَ ? فنصبته، فهي من النواصب، نواصب الفعل المضارع، و"لن" هذه يا أيها الأحباب دائمًا وأبدًا تنصب الفعل المضارع، "أن" أحيانًا يُنصب الفعل المضارع بعدها، طبعًا هو الغالب، لكن أحيانًا تكون مخففة من الثقيلة فلا يُنصب، قال الله عزّ وجلّ ? عَلِمَ
أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى ? [المزمل: 20] ، فـ "يكون" هنا فعل مضارع، مع أنها تقدمت عليها "أن" هنا، لكنها ليست أن الناصبة، وإنما هي أن التي أصلها "أنَّ"، لأن التقدير -والله أعلم- "علم أنّه سيكون منكم مرضى".


أما حتى فشاهدها قول الله عزّ وجلّ ? حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ? [طه: 91] ، فـ ? يَرْجِعَ ? فعل مضارع منصوب، هل هو منصوب بـ "حتى"؟ هذا قول الكوفيين، هل هو منصوب بـ "أن" مضمرة بعد "حتى" هذا قول البصريين، وأنتم أحرار، لو قلت "حتى" ما فيه مشكلة، وهذا أخف وأيسر، أيسر أن تقول إنه منصوبٌ بـ "حتى"، ولا إشكال فيه، وهذا ظاهرٌ في هذا المجال فلا نحتاج إلى تقدير، ولكن لو قلت فهذا رأيٌّ قد سُبقت إليه.
قال الله عزّ وجلّ ? قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ ? [القصص: 17] ، ? أَكُونَ ? هنا فعل مضارع منصوب بـ "لن".
أما "إذًا" يا أيها الأحباب فليست تنصب الفعل المضارع مطلقًا، يعني تنصبه أحيانًا بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن تكون متصدرةً في جملتها.
الشرط الثاني: أن تكون دالة على المستقبل، يعني يجيئك شخص فيقول "آتيك غدًا"، فتقول له "أنت إذًا أكرمَك"، يعني أنت إذا جئتني غدًا أكرمتك، هذه دلت على المستقبل فنصبت الفعل المضارع. هذان شرطان، الشرط الأول أن تكون متصدرة، الشرط الثاني أن تكون دالة على المستقبل.
الشرط الثالث: ألا يُفصل بينها وبين الفعل المضارع بأي فاصلٍ غير القسم، القسم ليس فيه مانع "إذًا والله أكرمَك" "إذًا" هنا تنصب الفعل المضارع، لكن لو قلت "إذًَا محمدٌ" فتقول "يُكرمُك" لأنك فصلت بغير القسم. فثلاثة شروط لإعمال إذًا.
يستشهدون للفصل بالقسم مع إعمال إذًا بقول الشاعر:
إذًا والله نرميَهم بحربٍ تُشيب الطفل من قبل المشيب
"إذًا" متصدرة في جملتها، ودالة على المستقبل، وقد فُصل بينها وبين الفعل نرمي بالقسم، هذا يجوز ولا إشكال فيه.
ونكتفي في هذه الحلقة بهذا القدر، ونستمع إلى أسئلتكم إلى أردتم أو أسألكم أنا.
سأل أحد الطلبة:


لماذا يوضع ألف مكان النون عند حذف النون في الفعل المضارع، مثل "يكونواْ"؟
أجاب الشيخ:
الألف هذه ما تُكتب إلا مع واو الجماعة، وهذه تُسمى الألف الفارقة بين الفعل الذي الواو من أصل الكلمة مثل "يعفو" مثلا، والواو التي هي واو الجماعة، إذا كانت الواو للجماعة فإنه يُكتب بعدها ألف عندما يكون الفعل منصوبًا أو مجزومًا، ولا يُكتب بعدها ألف إذا كانت الواو هذه ليست واو الجماعة وإنما هي واو الفعل من أصل الكلمة، مثل "يدعو"، تقول "محمدٌ يدعو"، فهذه ما تُكتب بعدها ألف، لكن "المحمدون لن يحضروا"، الواو هذه للجماع، أو "لن يدعوا" مثلا، هذه تُكتب بعدها واو، لكن هذه الألف تُسمى بالألف الفارقة.
لكن أنا ظننتك تسأل عن كتابة الألف في إذًا، تكتب بالنون أم تكتب بالألف هذه فيها
خلاف، ولكن المبرد لقد قال "أشتهي أن أكوي يد من يكتب إذًا بدون نون"، هو يشتهي ذلك، لكننا لا نوافقه، ويرى بعضهم أن المسألة فيها تفصيل، فإن كانت إذًا عاملة داخلة على الفعل المضارع فإنها تُكتب بالنون، وإذا كانت "إذًا" ليست عاملةً أو "إذا" الشرطية التي جاءها التنوين في آخرها مثل قول الله عزّ وجلّ ? وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ? [الإسراء: 76] ، فإنها لا تُكتب بالنون، والمسألة في هذا فيها سعةٌ، والحمد لله.
والذي نراه أن "إذًا" تُكتب بالنون إذا كان بعدها فعلٌ مضارع سواء أعملت أم لم تعمل.
سأل الشيخ:
الفعل المضارع يُبنى في حالتين، فما هما؟
أجاب أحد الطلبة:
يُبنى الفعل المضارع إذا اتصلت به نون النسوة أو نون التوكيد الخفيفة أو الثقيلة.
علق الشيخ:
بارك الله فيك، صحيح، يُبنى إذا اتصلت به نون النسوة، على ماذا؟
أجاب أحد الطلبة:
على السكون.
علق الشيخ:
على السكون، صحيح، وإذا اتصلت به نون التوكيد؟
أجاب أحد الطلبة:
على الفتح.


علق الشيخ:
بُني على الفتح، بارك الله فيك، هذا كلامٌ حق.
سأل الشيخ:
نواصب الفعل المضارع مر بنا الحديث عن بعضها، وتحدثنا عن "إذًا" وتحدثنا عن "أنْ" وتحدثنا عن "لن"، واشترطنا للنصب بعد إذًا ثلاثة شروط، أريد ذكر بعضها.
أجاب أحد الطلبة:
1- أن تكون متصدرةً في جملتها.
2- ألا يفصل بينها وبين الفعل بفاصل غير القسم، فإنه يجوز الفصل به.
3- أن يكون الفعل الذي بعدها دالا على المستقبل، وهذا كلامٌ حقٌ، وبارك الله فيك.
سأل الشيخ:
أيضًا ذكرنا مما ذكرنا أنّ "أنْ" أحيانًا لا يُنصب الفعل المضارع بعدها، فمتى يكون ذلك؟
أجاب أحد الطلبة:
عندما تكون "أنّ" المخففة.
علق الشيخ:
صحيح، إذا كان أصلها "أنّ" ثم خففناها فصارت "أنْ" فإن الفعل المضارع بعدها لا يُنصب بها، فإن تكون مخففة من الثقيلة ولا تكون عاملةً، ويكون اسمها محذوفًا أو مقدرًا، ومنه قول الله عزّ وجلّ ? عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى ? [المزمل: 20] ، فإن "أن" هنا لم تنصب الفعل المضارع لهذا السبب.
سأل الشيخ:
الفعل الماضي مبنيٌ دائمًا على الفتح، هذه العبارة صحيحة أم غير صحيحة؟
أجاب أحد الطلبة:
العبارة صحيحة، ولكن ممكن في بعض الأقوال يُبنى على الضم متى أُلحقت به واو الجماعة، لكن هو الأصح والأفضل أنه مبنيٌّ على الفتح، وإنما ضُمّ آخره بسبب مناسبة واو الجماعة.
علق الشيخ:
صحيح بارك الله فيك، وأيضًا يُبنى على صورة أخرى، فما هي؟
أجاب أحد الطلبة:
يُبنى أيضًا على السكون إذا اتصلت به بعض التاءات مثل تاء المتكلم أو المخاطب أو المخاطبة أو نا الفاعلين أو نون النسوة.
علق الشيخ:
بارك الله فيك، هذا كلامٌ حقٌ، هذا كلامٌ صحيح، وأحسنت جزاك الله خيرًا.
سأل الشيخ:


يقول المصنف إن للمثنى علامتين إعرابيتين فقط، فما هما؟
أجاب أحد الطلبة:
للمثنى علامتين إعرابيتين فقط، يُنصب ويُجر بالياء ويُرفع بالألف.
علق الشيخ:
يُرفع المثنى بالألف ويُنصب ويُجر بالياء، هذا كلامٌ حقٌ.
ونكتفي بهذا القدر من الأسئلة، وصلي اللهم وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحابته أجمعين.