شرح الدرة اليتيمة ـ[شرح الدرة اليتيمة]ـ
المؤلف: أحمد بن عمر الحازمي
مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشيخ الحازمي
http://alhazme.net
[ الكتاب مرقم آليا، ورقم الجزء هو رقم الدرس - 11 درسا]
عناصر الدرس
* نبذة عن المنظومة.
* شرح البسملة وإعرابها.
* مبادئ الفن العشرة.
* باب حد الكلام والكلمة وأقسامهما.
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله
صلى الله عليه، وعلى وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد.
سنشرع في هذه الليلة بإذن الله تعالى في هذا المتن، وهو ((الدرة
اليتيمة)) لسعيد بن سعد بن نبهان الحضرمي رحمه الله تعالى المتوفى سنة
أربعٍ وخمسين وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية، وهذا المتن قد قيل:
إنه نظم لمهمات الآجرومية وإن كان هذا قد بالمقارنة مع الآجرومية قد لا
يكون له وجه من الصحة إلا أنه قد نظم أهم مسائل كل باب، وزاد على
الآجرومية بمسائل شتى وخاصة في تفاصيل قد أهملها ابن آجروم رحمه الله
تعالى.
هذا النظم ((الدرة اليتيمة)) يقع في بيت ومائة بيت، يعني: مائة بيت
وبيت. مائة بيت في علم النحو، ولكنه جمع خاصة في المسائل الأولى أو
الأبواب الأولى جمع مهمات النحو الذي يحتاجه طالب العلم المبتدئ، وإن
كان في باب المرفوعات وباب المنصوبات قد أهمل كثيرًا من المسائل إذ
اكتفى بذكر المرفوعات عدًا فحسب، لم يذكر من مسائل المبتدأ مثلاً أو
المفعول به ما يتعلق به حاجة المبتدئ، وإنما ذكر المرفوعات عدًا وذكر
المنصوبات عدًا، أما في الأبواب الأولى فقد أشبعها بتفاصيل مسائل كما
سيأتي معنا.
قال الناظم رحمه الله تعالى: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ).
بدأ رحمه الله تعالى نظمه بالبسملة، وهذا جرى على ما اتفق عليه العلماء
من أنه لا بأس من أن يبسمل للشعر، إذ قد منع بعض العلماء أن تذكر
البسملة في مقدمات الشعر لأنه في الجملة مذموم، ولذلك حكي عن الشعبي
أنه منع البدء بالبسملة في الشعر، وذَكَرَ الزهري أنه قال أو ذُكِرَ عن
الزهري رحمه الله أنه قال: مضت السنة أن لا يبدأ بالبسملة في الشعر.
ونُقل عن سعيد بن جبير رحمه الله وعليه الجمهور: أنه لا بأس بها إلا إن
كان الشعر محرمًا أو مكروهًا. وتكره إذا كان الشعر مكروهًا كالغزل
ونحوه، وتَحْرُمُ إذا كان الشعر محرمًا، وهذا الخلاف إنما هو وجهان
فيما عدا المنظومات العلمية، أما مسائل العلوم وما نظمت من البحر الرجز
وغيره فهذه المنظومة كما اتفق العلماء على أنه يستحب البسملة لها.
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ) بدأ الناظم رحمه الله تعالى
بالبسملة بـ أو منظومته بالبسملة لثلاثة أمور:
أولاً: اقتداءً بالكتاب العزيز فإن الله جل وعلا افتتح كتابه بـ
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:
1].
ثانيًا: تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه كان يفتتح كتبه
إلى الملوك ورسائله بالبسملة.
ثالثًا: اقتداءً بالعلماء، فإنهم أجمعوا عمليًّا على البسملة عند الكتب
ونحوها، ولذلك ذكر ابن حجر رحمه الله تعالى أنه قد استقر عمل أئمة
المصنفين على افتتاح كتب العلم بالبسملة.
يزيد بعضهم رابعًا: وهو اقتداءً لما روي عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «كل أمرٍ ذي بالٍ لا يبدأ فيه
بالبسملة». أو «ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر». لكن الحديث ضعيف
وكل ما ورد في الافتتاح بالحمدلة أو البسملة فهو ضعيف كما ضعفه الشيخ
ناصر الدين الألباني رحمه الله في مقدمة كتابه ((إرواء الغليل)).
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ) إذًا عرفنا أنه افتتح هذا
النظم وابتدأ هذا النظم ابتداءً حقيقيًّا، لأن الابتداء عند العلماء
نوعان: ابتداء حقيقي، وابتداء نسبي.
الابتداء الحقيقي هو الذي لم يسبق بشيء، وهنا البسملة لم تسبق بشيء.
الابتداء النسبي هو باعتبار ما قدموا قد سبق بلفظ سابق كالبسملة هنا،
وباعتبار ما بعده فهو مبتدأ به كالحمدلة كما سيأتي.
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ) يتعلق بها أمور منها وأهمها
فيما يتعلق في علم النحو أنه بسم الله جار ومجرور متعلق بمحذوف واجب
الحذف، واجب الحذف لأنه جرى مجرى الأوزان، اختلف النحاة في تقدير هذا
المحذوف، والصحيح من تلك الأقوال أنه فعل خاص مؤخر، فعل، لا اسم، خاص،
لا عام، مؤخر، لا متقدم، وتقديره هنا أن نقول: بسم الله الرحمن الرحيم
أنظم. أنظم هذا فعل وهو فعل مضارع وهو خاص لا عام، عَام إذا قدرته، عام
إذا قلت: بسم الله الرحمن الرحيم أبدأ. أبدأ ماذا؟ نقول: هذا عام. مؤخر
لا مقدم لم يكن أو لم نقدر أنظم بسم الله الرحمن الرحيم، أما كونه
فعلاً لما نقدره فعلاً؟ لأن الأصل في العمل للأفعال، فرع في الأسماء
والحروف، الأصل في الأسماء أن لا تعمل، ولذلك إذا عمل الاسم لا بد من
السؤال لم عَمِلَ الاسم؟ والأصل في الحروف أنها لا تعمل وإذا عمل الحرف
فلا بد من السؤال لم عَمِلَ الحرف؟، إذًا نقدره فعلاً لأن الأصل في
العمل في الأفعال، خاصًا لا عامًا لأن كل من بسمل لا بد وأن ينوي في
نفسه ما فعل البسملة مبدأً له، فالذي يأكل ينوي آكل، بسم الله الرحمن
الرحيم آكل هل يتصور أنه يأكل ويسمي ويقول: بسم الله الرحمن الرحيم.
وينوي في قلبه أنه ينام؟ نقول: لا، كل من بسمل فإن ما قد نوى وأضمر في
نفسه من الحدث المعين ما قد جعل البسملة مبدأً له، فهذا كأن قوله:
مؤخرًا لا مقدم لفائدتين:
الأولى: الابتداء باسم الله جل وعلا أنه لا يتقدمه شيء.
ثانيًا: الحصر والقصر.
والحصر والقصر بمعنى عند بعض العلماء وهو إثبات الحكم في المذكور ونفيه
عن ما عداه، إذا قلنا: أفادت الحصر تقديم أو تأخير الفعل أفادت الحصر
فهو في قوة قولك: بسم الله لا بسم غيره آكل. كما تقول: {إِيَّاكَ
نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]. {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}
تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر والقصر، الأصل أصل الترتيب نعبدك،
نعبدك فعل مضارع والكاف مفعول به، قُدِّم لأمر الحصر والقصر فقيل:
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ}. أي: نعبدك ولا نعبد غيرك، أو {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}
لا غيرك {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، أي: نستعين بك لا بغيرك. وهنا كذلك
نقول: بسم الله الرحمن الرحيم، أي: بسم الله أستعين لا باسم غيره.
(بِسْمِ اللهِ) (بِسْمِ) نقول: هذا مجرور
بالباء وهو مضاف ولفظ الجلالة مضاف إليه، (الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ)
نعتًا للفظ الجلالة (الرَّحْمَنِ) هذا صفة، و (الرَّحِيْمِ) صفة بعد
صفة، والأصل فيهما أنه يُجَرَّا، سنة مبتدعة هكذا جاءت التلاوة بسم
الله الرحمن الرحيم فيجوز فيهما أو يجوز فيها مع ما ذكر ويمتنع اثنان،
الصور العقلية تسعة، يمتنع صورتان وما عداهما فهو جائز.
وإن ينصب الرحمن أو يرتفعَ ... فالجر في الرحيم قطعًا وضعا
إن ينصب الرحمن أو يرتفع (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ)
بالكسر على أنهما صفتان للفظ الجلالة، (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنُ
الرَّحِيْمُ) على خبر يعني: الرحمنُ. صار خبرًا لمبتدأ محذوف، الرحيمُ
صار خبرًا لمبتدأ محذوف، الرحمنَ الرحيمَ بالنصب فيهما على أنه مفعول
به لفعل المحذوف وجوبًا، يعني: أمدح، أو أعني الرحمنَ أعني الرحيمَ،
يمتنع صورتان، الرحمنَ الرحمنُ الرحيم.
إن ينصب الرحمنُ أو يرتفع، إذا نصبنا الرحمن أو رفعته، فالجهر في
الرحيمِ قطعًا وضع، لماذا؟ لأنه لا رجوع بعد القطع، قُطِعَتْ الجملة
الأولى [ثم بعد ذلك رجع إلى نعم] (1) ثم بعد ذلك رُجِعَ إلى الإثبات،
وهذا ممتنع عند جمهور النحاة.
ثم ذكر بعد البسملة الحمدلة وهو كما ذكر العلماء أنه لثلاثة أمور:
أولاً: تأسيًا بالكتاب العزيز لأنه ثنى بالحمدلة بعد البسملة أول
الكتاب {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ للهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 1، 2] إذًا اقتداءً بالكتاب العزيز.
ثانيًا: تأسيًا بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث كان يبدأ الخطب
ونحوها بالحمد، إن الحمد لله نحمده ... إلى آخره.
ثالثًا: على قول من صحح الحديث وحسنه «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه
بالحمد الله فهو أقطع» أو «أبتر» أو «أجزم». يعني: ناقص البركة. قالوا
العلماء: فهو يسمى حسًّا إلا أنه ناقص من جهة النفع والبركة.
(حَمْدًا لِمَن شَرَّفَنا بالمُصْطَفَى) (حَمْدًا) هذا منصوب على أنه
مفعول مطلق لعامل محذوف وجوبًا، أَحْمَدُ اللهَ حَمْدًا فحَمدًا هذا
مفعول مطلق، وهو من أنواع المفعول المطلق مبين للنوع، لماذا؟ لأنه تعلق
به قوله: (لِمَن شَرَّفَنا). لمن شرفنا جار ومجرور متعلق بقوله:
(حَمْدًا). والمفعول المطلق إذا وصف أو تعلق به جار ومجرور فهو مقيد
للفظ لأن المفعول المطلق ثلاثة أنواع كما سيأتي.
توكيدًا أو نوعًا يبين أو عدد ... كسرت سيرتين سير ذي رشد
(حَمْدًا لِمَن شَرَّفَنا) الحمد له معنيان: معنى لغوي، ومعنى اصطلاح.
لو بدأنا في شرح التعريفين لما انتهينا ولكن نحيله على الشروحات، لكن
ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يكفي وهو: أن الحمد ذكر
محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله. لم؟ نقول: هذا أحسن وأجود لأن
المشهور عند المصنفين أن الحمد العرفي فعل ينبأ عن تعظيم المنعم بسبب
كونه منعمًا على الحامد أو غيره، وهذا فيه قصور لم؟ لأن الحمد على
الصحيح متعلقه أمران:
أولاً: إحسان الرب إلى العباد، وهذا الذي ذكره في .. # 13.03 بسبب كونه
المنعم.
الثاني: حمده على كمال صفاته.
__________
(1) سبق.
فالرب عز وجل يحمد على أمرين: على إحسانه
وهو الإنعام، ويحمد على اتصافه بصفات الكمال.
الحمد يحتمل على النوع الأول ولا يحتمل على النوع الثاني لذلك هو قاصر.
(لِمَن شَرَّفَنا) وهو الله عز وجل، من هنا تصدق البارئ جل وعلا،
(شَرَّفَنا) الشرف هو: العلو والمكان العالي وجبل مشرف أي: عالٍ، وشرفه
الله تشريفًا وشرفًا، شَرَفَهُ أو غَلَبَهُ بالشرف، وهو مَشْرُوف من
باب نَصَرَ يَنْصُرُ فهو نَاصِر ومَنْصُور، إذًا (لِمَن شَرَّفَنا)،
يعني: لمن أعلانا وأكرمنا (بالمُصْطَفَى)، (بالمُصْطَفَى) جار ومجرور
متعلق بقوله: (شَرَّفَنا). نا هذه الدالة على الفاعلين، يعني: إعرابها
أنها فاعل. والمراد بالنا هنا الدالة على الفاعلين هو أمة محمد صلى
الله عليه وآله وسلم، (بالمُصْطَفَى) أي: المستخلص، وهنا قد عَمَلَ عن
العمل المنسوب للنبي - صلى الله عليه وسلم - اقترن بهذا الوصف للنبي -
صلى الله عليه وسلم - عن التصريف باسمه الْعَلَم تعظيمًا لشأنه
وتفخيمًا لقدره لما فيه من الإشارة إلى انفراده وعدم مشاركٍ له فيه،
فلا ينصرف الذهن عند سماعه إلى غيره، إذًا المصطفى أل هذه للعهد
الذهني، لأنه إذا أطلق عند المسلمين المصطفى انصرف إلى النبي صلى الله
عليه وآله وسلم، المصطفى قلنا: المستخلص، أصله مأخوذ من الصفوة ثالثه
واو، أصله مُصْطَفَوٌ مُفْتَعَلٌ فيه إعلالان قلبت التاء طاء مُصْطَ
مُصْتَ أصله مصتفى كما تقول: مصطلح الحديث أصله مصتلح الحديث. باب
افْتَعَلَ إذا وقعت الفاء حرفًا من حروف الإطباق وجب قلب التاء طاءً،
اصطلح اصتلح، مُصْتَفَى مُفْتَعَل، التاء هنا وقعت ثالثة لفاء
افْتَعَلَ وهي حرف من حروف الإطباق فوجب قلب التاء طاءً، أيضًا مصطفى
أصل الألف هذه منقلبة عن ياء، والياء منقلبة عن واو، أصلها مُصْطَفَوٌ
وقعت الواو رابعة فصاعدًا متطرفةً فوجب قلبها ياءً فصارت مُصْطَفَيَ
تحركت الياء وانفتح ما قبلها فوجب قلبها ألفًا.
(وَبِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ أَسْعَفَا)، (حَمْدًا لِمَن شَرَّفَنا
بالمُصْطَفَى) ومن أسعفا باللسان العربي، هذا معطوف على (شَرَّفَنا)،
(أَسْعَفَا) الألف هذه للإطلاق أسعفه بحاجته قضاها لهم،
(وَبِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ) هذا باللسان متعلق بقوله: (أَسْعَفَا).
والمراد باللسان هنا اللغة العربية، باللسان المراد به اللغة العربية،
{وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ} [الروم: 22] يعني: لغاتكم. {فَإِنَّمَا
يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} [مريم: 97] أي: بلغتنا. {بِلِسَانٍ
عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: 195] إذًا يطلق اللسان مراد به اللغة،
(وَبِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ أَسْعَفَا) لم هنا يُحمد الرب جل وعلا
على إسعافه باللسان العربي؟ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جاء
بالقرآن وهو باللغة العربية، وإذا كان المسلم قد أعطي اللغة العربية
فحينئذٍ يستطيع أن يفهم كلام ربه.
(ثُمَّ عَلَى أَفْصَحِ خَلْقِ اللَّهِ ** وَآَلِهِ أَزْكَى صَلاةِ
اللَّهِ)
لَمَّا حمد وأثنى على الرب جل وعلا عقَّب
ذلك بالثناء على أشرف الخلق وهو: النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقوله:
(ثُمَّ). هذه للتراخي والترتيب، والمراد بالترتيب هنا الترتيب الرتبي،
أي: أن مرتبة ما بعد السنة مؤخرٌ على مرتبة الأول، فالثناء على الخالق
مقدم على الثناء على المخلوق.
(ثُمَّ عَلَى أَفْصَحِ خَلْقِ اللَّهِ ** وَآَلِهِ أَزْكَى)، ثم أزكى
صلاة الله على أفصح خلق الله، (أَزْكَى) هذا مبتدأ مؤخر وهو مضاف وصلاة
الله هذا مضاف إليه، (عَلَى أَفْصَحِ) هذا جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر
مقدر، (عَلَى أَفْصَحِ خَلْقِ اللَّهِ) من هو؟ النبي - صلى الله عليه
وسلم - هنا نقول كما قلنا في المصطفى عَدَل عن التصريح باسمه تعظيمًا
لشأنه ورفعةً لقدره، لأن من كان معلومًا بوصف وإذا أطلق الوصف لا ينصرف
إلى غيره كان إطلاق الوصف أتم في التقدير والتشريف (عَلَى أَفْصَحِ
خَلْقِ اللَّهِ) خلق الله هذا أي: مخلوقات الله. لأن خلق مصدر بمعنى
اسم المفعول، (عَلَى أَفْصَحِ) رَجُلٌ فَصِيح وَكَلامٌ فَصِيح أي:
بديع. والمراد بأفصح هنا معناها اللغوي لا معناها الاصطلاحي عند
البيانيين، لأن ليس كل فصيح بليغ عند أهل المعاني، كل بليغ من كلام أو
متكلم فهو فصيح، وليس كل فصيح بكلام أو متكلم فهو بليغ، لماذا؟ لأن
الفصاحة تتألف بالألفاظ، والبلاغة تتعلق بمقتضى الحال.
بلاغة الكلام أن يطابقا ... لمقتضى الحال وقد توافق
فصاحةً .... **
إذًا الفصاحة مأخوذة شرطًا في حد البلاغة، وعليه لا نفسر أفصح هنا
بالمعنى الاصطلاحي عند البيانيين، وإنما نفسره بالمعنى اللغوي رَجُلٌ
فَصِيح وَكَلامٌ فَصِيح، أي: بَلِيغ، (ثُمَّ عَلَى أَفْصَحِ خَلْقِ
اللَّهِ ** وَآَلِهِ)، (وَآَلِهِ) يعني: وعلى آله، آله أي: أتباعه على
دينه. الآل في مقام الدعاء والثناء ينبغي تعميمه على أتباع النبي - صلى
الله عليه وسلم -، آله أصل آل أَوَلْ كـ جَمَلْ تحركت الواو وانفتح ما
قبلها فقلبت الواو ألفًا فصار آل، مأخوذ من الرجوع إلى الشيء، لأن الآل
يرجعون أو يرجع إليهم في المهمات، أو أن أصله أَهْل قلبت الهاء همزة ثم
الهمزة ألفًا فصار آل، ولذلك يصغر الأول على أُوَيْل والثاني على
أُهَيْل ولا مانع أن يكون لهما أصلان، (وَآَلِهِ) هنا أضيف إلى الضمير،
وقد اختلف العلماء هل يصح إضافة الآل إلى الضمير أم أنه يتعين في
الظاهر يعني آل فرعون، آل النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ هذا فيه نزاع
والصواب أنه يجوز إضافته للضمير وإن كان الأولى أن يضاف إلى الاسم
الظاهر، (وَآَلِهِ أَزْكَى صَلاةِ اللَّهِ)، (صَلاةِ اللَّهِ) الصلاة
هذا اسم مصدر لصلّى، لأن صلّى مصدره تصريحي، والصلاة اسم مصدر (صَلاةِ
اللَّهِ) (أَزْكَى صَلاةِ اللَّهِ)، يعني: أعلى وأفضل صلاة الله،
والصلاة كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ثناء الرب جل وعلا على
عبده في الملأ الأعلى.
(يا طَالِبًا فَتْحَ رِتَاجِ الْعِلْمِ ** وَقَاصِدًا سَهْلَ طَرِيْقِ
الْفَهْمِ)
كأن الناظم رحمه الله تعالى قد سئل عمَّا
ييسر للطالب فهم العلوم، كأن الناظم قد سأله بعض طلابه عن الطريقة
المثلى في ما ييسر له العلوم ويفتح له مغاليق الفهوم، فقال: (يا
طَالِبًا فَتْحَ رِتَاجِ الْعِلْمِ). رتاج هذا بالكسر وبالفتح الباب
المغلق ويقال الباب العظيم.
(يا طَالِبًا فَتْحَ رِتَاجِ الْعِلْمِ ** وَقَاصِدًا سَهْلَ طَرِيْقِ
الْفَهْمِ)
الفهم هو امتثال صورة الشيء في الذهن، أو
إدراك معاني الكلام، الفهم هو: إدراك معاني الكلام. يا من يريد ويقصد
طريق الفهم السهل، هذا من إضافة الموصوف إلى الصفة، إذا أغلق الباب على
طالب العلم وصعبت عليه الفهوم في فهم الكلام كلام الله جل وعلا وكلام
نبيه - صلى الله عليه وسلم - وكلام العلماء وقصد الطريقة السهلة في
الفهم ليدرك مغاليق العلوم والفهوم قال له: (اجْنَحْ إِلَى النَّحْوِ).
(اجْنَحْ) من الجنوح وهو الميل، يعني: مل بِكُلِّيَّتِكَ ورغبتك (إِلَى
النَّحْوِ)، يعني: إلى تعلم فن النحو. (إِلَى النَّحْوِ) أي: إلى تعلم
فن النحو، وفن النحو عرفه أربابه بأنه: علم بأصول يعرف بها أحوال أواخر
الكلم إعرابًا وبناء. علم أي: إدراك، بأصول، أي: بقواعد، يعرف بها، أي:
بواسطة هذه القواعد والأصول العامة يعرف بها أحوال أواخر الكلم، أي:
الكلمات العربية، أواخر الكلمات هنا متعلق النحو هو: آخر الكلمة
العربية. فأخرج الأوائل والأواسط، إذًا مبحث النحوي لأن طالب العلم
ينبغي أن يعرف في أي شيء يبحث النحو؟ مبحث النحوي ليس في كل الكلمة من
أولها إلى آخرها وإنما يتعلق بحثه وعلمه وإدراكه للقواعد المتعلقة
بخواتيم الكلمة التي تسمى لام الكلمة، أما ما يبحث في الأول وفي الثاني
أو الأواسط أو الأثناء فهو علم الصرف، ففَلْس يجمع على فُلوس هنا تغيرت
حركت الفاء فَلْس وَفُلوس، وفَلس مصغر على فُلَيْس، تغير أول الكلمة
وتغير أثناء الكلمة، ما الذي يبحث عن أوائل الكلمة وأواسطها؟ نقول: هذا
الصرفي. أما النحوي فلا مدخل له في أوائل الكلمات ولا في أثنائها، بقي
ماذا؟ بقي الأخير الحرف الأخير، الحرف الأخير هنا يتعلق به مبحث الصرفي
ومبحث النحوي، يعني: أن الصرفي ينظر في الحرف الأخير كما ينظر في الحرف
الأول والأثناء، فاشترك مع النحوي إلا أن جهة النظر مختلفة فلكل وجهة
هو موليها، فالنحوي يبحث في آخر الكلمات عن الإعراب والبناء، ولذلك
قلنا: إعرابًا وبناءً. مبحث النحوي عن آخر الكلمة من جهة كونها معربة
أو مبنية وهل يتعلق مبحث الصرفي بأواخر الكلم؟ نقول: نعم كالتخلص من
التقاء الساكنين {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 2] {قُمِ} هذا فعل أمر مبني
على السكون، أين السكون؟ غير ملفوظ به، لم؟ لأنه التقى ساكنان {قُمِ
اللَّيْلَ} قم ال اللام والميم ماذا حصل؟ التقى ساكنان، إذا التقى
ساكنان ماذا نصنع هل نلجأ إلى النحوي ليحل لنا الإشكال أو الصرفي؟
نقول: للصرفي. لماذا؟ لأن التعلق هنا بالأخير لا من جهة كونه معربًا أو
مبنيًّا وإنما من جهة كونه حصل التقاء ساكنين والتقاء الساكنين هذا باب
كامل يدرس في فن الصرف فالتقى ساكنان فوجب تحريك الأول بالكسر على
الأصل فقيل: {قُمِ اللَّيْلَ}. إذًا تعلق مبحث الصرفي بآخر الكلمة لكن
لا من جهة كونها معربة أو مبنية، فلذلك نقول: علم بأصول.
هذه الأصول العامة التي يبحث عنها النحاة
مع أمثلتها الفاعل مرفوع، والمفعول به منصوب مثل قواعد الأصول الأمر
يقتضي الوجوب، العام يبقى على عمومه إلا إذا جاء مخصص، كذلك في فن
النحو الفاعل مرفوع هذه قاعدة عامة، المفعول به منصوب هذه قاعدة عامة،
المضاف إليه دائمًا مجرور قاعدة عامة، المضاف مقدم على المضاف إليه ولا
.... # 27.10 هذه قاعدة عامة، هذه القاعدة تطبق على أجزائها ومفرداتها
وآحادها فتحصل النتيجة برفع الفاعل ونصب المفعول، متى؟ عندما يكون نظر
النحوي في أواخر الكلمات، إذًا النحو علم بأصول يعرف بها أحوال أواخر
الكلم إعرابًا وبناءً. إعرابًا وبناءً هذا لإخراج ما تعلق بحث الصرفي
بآخر الكلمة.
ما موضوع علم النحو؟ نقول: الكلمات العربية الاسم والفعل والحرف. من أي
جهة؟ من جهة كونها معربة أو مبنية، إذًا موضوع علم النحو هو: الكلمات
العربية من حيث الإعراب والبناء.
فائدته: ما أشار إليه الناظم هنا (اجْنَحْ إِلَى النَّحْوِ) إذا عرفت
النحو هذه القواعد العامة وطبقتها على كلام الله، وكلام رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -، وطبقتها على كلام العلماء ما ... # 28.15
(اجْنَحْ إِلَى النَّحْوِ تَجْدْهُ) هذا الجواب، (تَجْدْهُ) هذا فعل
مضارع مجزوم لوقوعه في جواب الطلب (اجْنَحْ إِلَى النَّحْوِ)، أي: إلى
فن النحو. إلى تعلم فن النحو (تَجْدْهُ عِلْمَا ** تَجْلُو بِهِ
الْمَعْنَى الْعَوِيْصَ الْمُبْهما) (تَجْلُو) الجلاء بمعنى الانتشاء
والظهور والبيان، (الْمَعْنَى الْعَوِيْصَ) احترازًا من المعنى الواضح
البين، (الْعَوِيْصَ) من الشعر والنثر ما يصعب استخراج معناه، ...
(الْعَوِيْصَ) ما يصعب استخراج معناه، (الْمُبْهما) يقال: أبهم الباب
أغلقه، واستبهم عليه الكلام استغلق، ولذلك المعاني الواضحة البينة هذه
قد لا تحتاج إلى علم النحو فلذلك بعض الطلاب إذا اتضحت له الكثير من
مسائل الفقه والحديث يقول: لا داعي لفن النحو. نقول: لا علم النحو أكثر
ما يستفاد منه في المعاني العويصة المبهمة. وقلنا: (الْعَوِيْصَ).
يعني: الذي يصعب استخراج معناه. ولذلك يقول السيوطي رحمه الله تعالى:
النحو خير ما به المرء عني ** إذ ليس علم منه حق يرتضي
النحو خير ما به المرء عني، يعني: من علوم الآلة ليس على الإطلاق، إذ
ليس علم منه حق يرتضي، ولذلك يقول العلماء: إن فن النحو، بل اللسان
العربي فنًّا نحوًا وصرفًا وبيانًا مفتاح العلوم، العلوم منغلقة في وزن
الأعجمي ولو كان أصله عربيًّا.
النحو خير ما به المرء عني ** إذ ليس علم منه حق يرتضي
ولذلك ذُكر عن الفراء أنه قال: قَلَّ رجلٌ يُمْنِعُ النظر في العربية
فأراد غيرها إلا سَهِلَ عليه.
(اجْنَحْ إِلَى النَّحْوِ تَجْدْهُ عِلْمَا ** تَجْلُو بِهِ الْمَعْنَى
الْعَوِيْصَ الْمُبْهما)
فأهدى لك هديه فقال لك: (وَهَاْكَ فِيْهِ).
(وَهَاْكَ) هذا اسم فعل أمر، أي: خذ. (فِيْهِ)، أي: في تحصيل علم النحو
الذي بينت لك فائدته في البيت السابق (وَهَاْكَ فِيْهِ) منظومة مسماة
بالـ (دُرَّةً يَتِيْمَةْ) (وَهَاْكَ فِيْهِ دُرَّةً يَتِيْمَةْ)
منظومة درة يتيمة، درة هذا مفعول به، درة بمعنى اللؤلؤة والجمع دُرٌّ
ودُرَّاتٌ وَدُرَر، واليتيم من كل شيء المفرد الذي لا نظير له فكأنه
قال لك: هذه لؤلؤة يتيمة. أي: لا نظير لها فيما يعينك على فهم فن
النحو، (أَرْجُو لَهَا) أي: من الله جل وعلا أو من القارئ يحتمل
الأمرين، (حُسْنَ الْقَبُولِ)، أي: القبول الحسن. (حُسْنَ الْقَبُولِ)
هذا من إضافة الموصوف إلى صفته، أي: القبول الحسن. (قِيْمَةْ) قيمة
الشيء قدره، وقيمة المتاع ثمنه، وكتاب قيم، أي: ذو قيمة.
إذًا يسأل الله جل وعلا أو يرجو من الطالب أن يكون هذا الكتاب قد نال
القبول من الله جل وعلا بالثواب وحلول البركة فيه، ومن الطالب
بالانكباب عليه وحفظه وتفهمه.
[نعم].
.
قال رحمه الله:
(بَابُ حَدِّ الْكَلامِ وَالْكَلِمَةِ وأقسامهما)
(بَابُ حَدِّ الْكَلامِ) الترميز عند العلماء له حكمة وفائدة وهو: أن
الطالب كلما أنهى بابًا قد نشط في طلب غيره. ولذلك قيل: عندما تكون
الطريق مقدرة في السفر كانت أنفس للمسافر. إذا علم أن الطريق هذا
ثلاثمائة كيلو مثلاً أنشط في السير مما لو جهل مقدار الطريق، فعندما
يرى الطالب أن هذا الباب قد اشتمل على خمسة أبيات وحفظها، ثم شرع في
باب آخر يكون أنشط على المواصلة في التحصيل، وهذا هو السر العظيم فيما
قد انكب العلماء سلفًا وخلفًا على تأليف مختصرات في الفنون، لذلك كلما
عزف الطلاب عن المتون المختصرة قد تخبط خبط عشوائي، لماذا؟ لأنه لم
يسلك الطريقة التي رسمها له العلماء السابقين واللاحقين، ولذلك تجد
الجويني رحمه الله تعالى وهو إمام من أئمة الأصوليين وهو صاحب كتاب
((البرهان)) الذي خالف فيه ابن السبكي لم يؤلف في الإسلام مثله، وهو
مطبوع في مجلدين مع ذلك تجده قد كتب رسالة ((الورقات))، لو وضعت
الورقات بجوار ((البرهان)) لرأيت الفرق بينهما شاسع، لِمَ ألف
((البرهان)) ولِمَ ألف ((الورقات))؟ ليكون الطالب على خطط وسير ما سار
عليه العلماء السابقين، إذًا التبويب هذا له حكمة، بل تأليف المختصرات
هذه لها حكمة فلا ينبغي لطالب العلم أن يُهمل هذه الفائدة.
(بَابُ حَدِّ الْكَلامِ وَالْكَلِمَةِ)، (بَابُ) هذا خبر لمبتدأ محذوف،
أي: هذا باب حد الكلام، (بَابُ) نقول: هذا خبر لمبتدأ محذوف. ويجوز أن
يكون مبتدأً خبره محذوف، (بَابُ حَدِّ الْكَلامِ) هذا محله والجملة
تكون خبرًا، وهذا أحسن أن يكون مرفوعًا ومن صورة الأُولى أَولى من
الثاني أن يكون خبرًا لمبتدأ محذوف، وجوز بعضهم النصب، وبعضهم الرفع،
بابَ حد الكلام على أنه مفعول به لفعل محذوف، اقرأ بابَ حد الكلام،
وبعضهم وهم الكوفيون جوزوا جره لأنه من قواعدهم أنه يجوز حذف حرف الجر
وإبطال عمله، والكوفيون والبصريون على المنع.
(بَابُ حَدِّ الْكَلامِ) الباب لغةً: المدخل للشيء.
واصطلاحًا عندهم: ألفاظ مخصوصة دالة على معاني مخصوصة.
(بَابُ) مضاف، و (حَدِّ الْكَلامِ) مضاف
إليه، (حَدِّ الْكَلامِ) أي: تعريف الكلام، الحد هذا مصدر حَدَّ
يَحُدُّ حَدًّا.
والحد لغة: المنع.
واصطلاحًا: الجامع المانع.
الجامع لأفراده المانع من دخول غيرها فيه، لا بد في كل حد من وجود هذين
الأمرين، لا يصح أن يكون حدًا إلا إذا كان جامعًا مانعًا، جامعًا
لأفراد المحذوف، مانعًا من دخول غير أفراد المحدود في الحد، (الْكَلامِ
وَالْكَلِمَةِ) سيذكر لك الناظم في هذا الباب حد الكلام وحد الكلمة
معًا، وسيذكر لك أقسام الكلمة وأقسام الكلام، فكأنه عنون على أمرين أو
أربعة أمور: الكلام وأقسامه، الكلمة وأقسامها.
ثم ذكر علامة الاسم وعلامة الفعل فقال رحمه الله:
(حَدُّ الْكَلامِ لَفْظُنَا الْمُفيد ** نَحْوُ أَتَى زَيْدٌ وَذَا
يَزِيْدُ)
(حَدُّ الْكَلامِ) الكَلامُ بفتح الكاف اسم مصدر لكَلَّمَ، لأن كَلَّمَ
على وزن فَعَّلَ، وفَعَّلَ المصدر منه التفعيل {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى
تَكْلِيماً} [النساء: 164] هذا هو المصدر، والكلام اسم مصدر ليس مصدر
وقيل: هو مصدر سماعي، وقيل: المشهور أنه اسم مصدر، (الْكَلامِ) بفتح
الكاف هو مثلث الكاف، يعني: يضم ويكسر. لكن يختلف المعنى، الكُلام
والكِلام والكَلام، الكَلام الذي معنا، والكُلام هذا مفرد اسم للأرض
الصعبة كُلام مفرد، والكِلام هذا جمع جَمع كَلْم، وهو الجرح لذلك ذكر
ابن يعيش أن الكَلام سمي كَلامًا لأنه يكْلُم القلب يجرحه.
جراحات السِنان لها التئام ** ولا يلتئم ما جرح اللسان
لكن نقول: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134]، {فَمَنْ
عَفَا وَأَصْلَحَ} [الشورى: 40]. إذًا (الْكَلامِ) بفتح الكاف احترازًا
من الكُلام والكِلام، ما حده؟ نقول: له معنيان: معنى لغوي، ومعنى
اصطلاحي.
المعنى اللغوي هو: القول وما كان مكتفيًا بنفسه، يشمل أمرين: القول،
وما كان مكتفيًا بنفسه.
أما القول فهو: اللفظ الدال على معنى، وسيأتي تعريف اللفظ.
ما كان مكتفيًا بنفسه المقصود به شيئًا اكتفى بالدلالة على المعنى
بنفسه دون ضميمة لفظ المعنى، لأن الفائدة عمومًا تؤخذ من جهتين: إما من
لفظ، أو من غيره، ليس كل ما أفاد يكون كلامًا، الإشارة والكتابة
والعُقد والنصب ولسان الحال هذه ما يسمى بالدوال الأربع هذه تفيد، لكن
هل إفادتها مع لفظ؟ نقول: لا، ليست مشتركة مع اللفظ أو ليست بضميمة
لفظ، لو أكثر أو أشار لغيره هكذا ماذا يفهم؟ طلب القيام، هل الإشارة
أفادت؟ نقول: نعم أفادت. هل كل ما أفاد لا بد أن يكون لفظًا؟ الجواب:
لا، إذًا وما كان مكتفيًا بنفسه، يعني: شيء اكتفى بالدلالة على المعنى
دون ضميمة لفظ إليه، والمعلوم به الدوال الأربع وهي: الإشارة،
والكتابة. لو كتب قَامَ زَيْدٌ هذا فيه فائدة أو لا؟ القارئ هل يستفيد
أو لا يستفيد؟ يستفيد وهو ثبوت القيام لزيد، لكن هل يسمى لفظًا؟ نقول:
لا ليس بلفظ، إذًا ليس كل ما أفاد لا بد أن يكون كلامًا القول وما كان
مكتفيًا بنفسه، إذًا الكلام اللغوي يشتمل أمرين: لفظ دالاً على معنى،
يشتمل على أمرين: لفظ دالٍ على معنى.
الثاني: كل ما أفاد وليس بلفظ، هذا الكلام في اللغة.
أما في الاصطلاح عند النحاة كما ذكر له
الناظم هنا من قيدين لا بد منهما (حَدُّ الْكَلامِ لَفْظُنَا الْمُفيد)
لا الكلام الاصطلاحي عند النحاة لا بد أن يكون مشتملاً على أمرين:
الأمر الأول: اللفظ.
الأمر الثاني: الإفادة.
ولكل اصطلاح خاص عند النحاة.
اللفظ في الاصطلاح عندهم الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية التي
أولها الألف وآخرها الياء مهملتان أو مستعملة، هذا هو حد اللفظ عند
النحاة، لا بد أن يكون صوتًا، وهذا الصوت الذي يسمع يكون خارجًا من
الفم، وهل كل صوت خارج من الفن يكون مشتملاً على حرف؟ الجواب: لا، إذًا
الصوت هذا عام، المشتمل على حرف هذا أخرج الصوت الذي لم يشتمل على حرف
ويسميه النحاة الصوت الساذج الذي لا حرف معه، المشتمل على بعض الحروف
الهجائية لأنه لا يمكن أن يؤتى بلفظ مشتمل على جميع الحروف الهجائية،
الهجَائية هذه نسبة إلى الهجاء، وهو التغطية، لأنه إذا أريد أن يعرف
الحروف التي ترتبت منها الكلمة يقطعها زيد يقول: زَ، ي، د. عرف أنها
ترتبت منه الكلمة، وهي مسمى الزاي والياء والدال. مهملتان أو مستعملاً
هذا فيه إشارة إلى قسمي اللفظ وهو: أنه مهمل، ومستعمل.
المهمل عند النحاة ما لم تضعه العرب اللفظ الذي لم تضعه العرب وإنما
صنع صناعة بعدًا يمثل له النحاة بديز مقلوب زيد، العرب وضعت زيد دالة
على ذات مشخصة مشاهدة في الخارج، لكن إذا قلبت زيد وقلت: ديز. هل العرب
نطقت بديز؟ الجواب: لا، هذا النوع الثاني الذي لم تضعه العرب ولا يدل
على معنى يسمى مهملاً من الإهمال وهو الترك.
النوع الثاني: المستعمل، وهو الذي وضعته العرب سواء كان مفردًا أو
مركبًا، إذًا اللفظ جنس تحته أمران: مهمل، ومستعمل.
المهمل مأخوذ من الإهمال والترك وهو الذي لم تضعه العرب.
المستعمل هو الذي وضعته العرب، وهذا يشمل نوعين: المفرد، والمركب.
المفرد نحو: زيد اسم، قام فعل، هل حرف.
المركب يشمل المركب الإضافي كـ غلام زيد وعبد الله علمًا، المركب
المجزي كبعلبك وحضرموت، المركب العددي كأحد عشر ونحوها، المركب
التوصيفي أو التقييدي كقولك: زَيْدٌ الْعَالِم. ومن قولك: جَاءَ زَيْدٌ
الْعَالِم. الصفة مع الموصوف تسمى مركبًا تقييديًّا، المركب الإسنادي
بأنواعه الثلاثة كما سيأتي، إذًا اللفظ جنس يشمل المهمل والمستعمل،
وَالمستعمل تحته نوعان: مفرد، ومركب. والمركب تحته أنواع شتى.
(لَفْظُنَا الْمُفيد)، إذًا اللفظ هذا يكون
مفيد، وهنا أضافه إلى المتكلمين لفظنا نحن البشر، أو يكون خاصًا
(لَفْظُنَا) أي نحن معاشر النحاة، لماذا؟ لأن اللفظ له معنى لغوي وله
معنى اصطلاحي، فإذا أطلق النحوي اللفظ انصرف إلى الحقيقة العرفية عندهم
وهي: الصوت المشتمل إلى آخر ما ذكر، أما المعنى اللغوي فهو معناه الطرح
والرمي مطلقًا سواء كان من الفم أو من غيره، تقول: أَكَلْتُ التَّمَرَ
وَلَفَظْتُ نَوَاهَا. إذا تركته، لَفَظَتِ الرَّحَى الدَّقِيقَ إذا
رمته، إذًا الرمي والطرح معنى اللفظ في اللغة، (حَدُّ الْكَلامِ
لَفْظُنَا) هذا هو الأمر الأول الذي يشترط في حد الكلام الاصطلاحي،
(لَفْظُنَا) هذا مصدر مرادًا به اسم المفعول، أي: ملفوظنا. (الْمُفيد)،
يعني: الذي أفاد. لأن أل هنا موصولة، ومفيد هذا اسم فاعل من أفاد
الرباعي أصله أَفَادَ يُفِيدُ فهو مُفْيِد على وزن مُفْعِل كمُخْرِج
ومُكْرم استثقلت الكسرة على الياء فنقلت إلى ما قبلها فصار المفيد،
(الْمُفيد) عند النحاة إذا أطلق أريد به ما يحصل سقوط المتكلم عليه
بحيث لا يكون السامع منتظرًا لشيء آخر انتظارًا تامًا تحصل به الفائدة،
إذًا له معنى خاص وهو إذا أطلق لفظ الإفادة أو المفيد عند النحاة انصرف
إلى هذا المعنى وهو أن يحسن سكوت المتكلم، ما معنى سكوت المتكلم؟ ترك
الكلام مع القدرة عليه أن يترك الكلام بحيث لا يكون السامع منتظرًا
لشيء آخر من المتكلم تحصل بهذا الشيء المنتظر تمام الفائدة، ويعنون
بهذا أن يكون الكلام محتملاً على ركني الإسناد وهو: المسند، والمسند
إليه. متى ما أتى المتكلم بالفعل مع فاعله أو نائبه أو بالمبتدأ مع
خبره فحينئذٍ نحكم على أن الكلام قد تم، تقول: قَامَ زَيْدٌ. قام فعل
ماضي، وزيدٌ فاعل، إذا قلت: قَامَ زَيْدٌ. هل ينتظر السامع شيئًا آخر؟
الجواب: لا، لم؟ لكون الكلام تم، بماذا تم؟ بوجوب الفاعل مع فاعله، إذا
قلت: زَيْدٌ قَائِم، زَيْدٌ عَالِم. هل ينتظر السامع منك شيئًا آخر؟
لا، لم؟ لكون الكلام قد تم، بماذا تم؟ بوجود المبتدأ والخبر، انتظارًا
تامًا احترازًا من الانتظار الناقص لأنك قد تقول: ضَرَبْتُ. عند النحاة
في اصطلاحهم هذه الجملة قد أفادت فائدةً تامة، لماذا؟ لوجود الفعل
والفاعل، متى ما وجد الفعل مع فاعله حكم على الكلام بأنه أفاد فائدة
تامة، أين الفائدة؟ ضَرَبْتُ من؟ ضَرَبْتُ زَيْدًا، زيْدًا هذا لم يذكر
في اللفظ مع كون السامع ينتظره نقول: هذا الانتظار ناقص ولا يعترض به
على الانتظار التام لماذا؟ لأنه مجرد اصطلاح أن الفائدة التامة تحصل
بوجود الفعل مع فاعله ولو لم يذكر المفعول به، إذا قيل: ضَرَبْتُ.
وسكت المتكلم تتعلق نفس المستمع بأن يعرف
من هو المضروب، ولذلك عند النحاة أن المفعول به من الفضلات التي في
الجملة يجوز أن يحفظ، والفاعل عُمدة لا يجوز حذفه فمتى ما ذكر الفعل ما
فاعله فحينئذٍ نحكم على أن الكلام قد تم وأن الجملة قد استوفت ركنيها
وهما: الفعل مع فاعله، أما تعلق النفس نَفس المستمع للفضلات كالمفعول
به والجار والمجرور والظرف والحال والتمييز فهذا التعلق لا يؤثر في
الحكم على كلام لكونه قد تم، إذًا (لَفْظُنَا الْمُفيد) نقول: المفيد
هنا في اصطلاح النحاة المراد به الفائدة التامة، وهي متى ما أطلقت
انصرفت على المعنى الخاص الذي ذكرناه سابقًا، اللفظ المفيد إذًا عرفنا
أن الكلام لا يكون كلامًا إلا إذا استوفى هذين الشرطين أن يكون لفظًا
مفيدًا فائدةً تامة، اللفظ أخرج الدوال الأربع وهي: الإشارة، والكتابة،
والعقد، والنصب، ولسان الحال، هذه لا تسمى كلامًا عند النحاة، لماذا؟
لأنها ليست لفظًا، وشرط الكلام عند النحاة أن يكون لفظًا. قلنا: لفظًا
هذا يشمل المفرد والمركب، المفرد خرج بقوله: (الْمُفيد). لماذا؟ لأن
كلمة زيد لوحدها لا تفيد فائدة تامة، وقام بنفسها لا تفيد فائدةً تامة،
وهل لوحدها لا تفيد فائدةً تامة، إذًا (الْمُفيد) أخرج المفرد، بقي
المركب، المرَكب هذا المركب الإضافي والمركب التوصيفي، والمركب العددي،
والمركب المجزي، والمركب الإسنادي المسمى به، والمركب الإسنادي الناقص،
هذه خرجت بقولنا: (الْمُفيد). لماذا؟ لأن المركب الإضافي لا يفيد فائدة
تامة، إذا قيل غلام زيد عبد الله، هل أفاد فائدة تامة؟ نقول: لا، إذا
قيل: أحد عشر، هل أفاد فائدة تامة؟ الجواب: لا، إذا قيل: إن قام زيدٌ.
لم يفد فائدة تامة، لماذا؟ لعدم وجود جملة الجواب، إن قيل: شاب قرناها،
وهو في الأصل مركبٌ إسنادي ولكن جعل علمٌ على شخص نقول: هذا لا يسمى
فائدة تامة.
(حَدُّ الْكَلامِ لَفْظُنَا الْمُفيد ** نَحْوُ أَتَى زَيْدٌ وَذَا
يَزِيْدُ)
(نَحْوُ أَتَى زَيْدٌ وَذَا يَزِيْدُ) أشار الناظم رحمه الله تعالى بأن
شرط المركب أو شرط الكلام أن يكون مركبًا، وهذا يدخله النحاة في قوله:
(الْمُفيد). لماذا؟ لأن الفائدة التامة لا يمكن أن تكون إلا إذا وجد
جزءا الكلام، إذا قيل: مفيد فائدة تامة لا بد من وجود الإسناد،
والإسناد لا بد له من مسند ومسند إليه، لا بد من فعل وفاعل ومبتدأ
وخبر، إذًا لا يمكن أن يكون مفيدًا بالمعنى الملفوظ إلا إذا كان
مركبًا، يرد السؤال ما أقل ما يتألف منه الكلام؟ قال: (نَحْوُ أَتَى
زَيْدٌ). هذا فعلٌ وفاعل (أَتَى زَيْدٌ) هذه جملة فعلية، لم؟ لكونها
مفتتحةً بالفعل، الجملة إن افتتحت بالفعل فهي جملةٌ فعلية (أَتَى
زَيْدٌ) (أَتَى) فعلٌ ماضي، و (زَيْدٌ) فاعل، (وَذَا يَزِيْدُ) هذا
يزيد (ذَا) مبتدأ و (يَزِيْدُ) هذا خبر هذه جملة اسمية، لم؟ لكونها
مفتتحةً بالاسم.
.
لكونها مفتتحةً بالاسم، وهو اسم الإشارة (ذَا) مبتدأ و (يَزِيْدُ) هذا
خبر، إذًا أشار رحمه الله تعالى إلى أن الكلام يتعلق بجملتين: جملة
اسمية، وجملةٍ فعلية.
ثم قال: (وَحَدُّ كِلْمَةٍ فَقَوْلٌ
مُفْرَدُ). عرف الكلمة بعد أن عرف الكلام، فقال: (وَحَدُّ كِلْمَةٍ
فَقَوْلٌ مُفْرَدُ). قول أي: مقول، وسبق أن القول هو اللفظ الدال على
معنى، سواء كان مفردًا أو مركبًا، كل لفظٍ دل على معنى فهو
[قول].
قول، كل لفظٍ دل على معنى فهو قولٌ، سواء كان مفردًا كزيد، وقام، وإلى،
أو مركبًا، أراد إخراج المركب لأن الكلمة محصورةٌ في المفرد فقال:
(مُفْرَدُ). قول مفرد، قولٌ يشمل المفرد والمركب، قوله: (مُفْرَدُ).
أخرج المركب، إذًا بقي الحد محصورًا في اللفظ المفرد، وهو ثلاثة أقسام
كما أشار إليه بقوله: (وَهْي اسْمٌ أَوْ فِعْلٌ وَحَرْفٌ يُقْصَدُ).
قَسَّمَ الكلمة إلى ثلاثة أنواع: الاسم، والفعل، والحرف، والدليل على
أن هذه أقسام الكلمة ولا رابع لها هو الاستقراء أن علماء النحو تتبعوا
كلام العرب فوجدوا أنه لا يخرج عن واحدٍ من هذه الثلاثة، إما أن يكون
اسمًا، وإما أن يكون فعلاً، وإما أن يكون حرفًا، فلو كان ثَمَّ نوع
رابع لعثروا عليه، إذًا الإجماع دليلٌ على هذه القسمة الثلاثية ...
(اسْمٌ وفِعْلٌ وَحَرْفٌ يُقْصَدُ)، (حَرْفٌ يُقْصَدُ)، يعني به أن
الحرف هذا الذي هو قسيمٌ للاسم والفعل ما كان دالاً على معنى في غير
وهو الذي يعبر عنه بحرف معنى احترازًا من حرفٍ مبنى، لأن الحرف نوعان:
حرف معنى، وحرف مبنى. حرف معنى كلمةٌ بذاتها كحروف الجر وحروف النداء
والنواصب والجوازم، فهذه حروف معنى كل لفظٍ منها يدل على معنًى خاص،
أما حرف المبنى هو الذي يكون جزء الكلمة كالزاي من زيد، والياء من ...
# 56.21 نقول: هذا حرف مبنى، ترتبت منه الكلمة، ثم بدأ ما يتميَّز به
كل قسمٍ من هذه الأقسام الثلاثة الاسم والفعل والحرف، لماذا؟ لأن
السؤال يرد إذا كانت الكلمة ثلاثة أقسام اسمٌ، وفعلٌ، وحرف. كيف نميِّز
الاسم عن الفعل؟ كيف نميز الفعل عن الحرف؟ كيف نحكم على الكلمة بكونها
اسمًا أو فعلاً أو حرفًا؟ قال:
(فاسْمٌ بِتَنْوِيْنٍ وَجَرٍّ وَنِدَا ** وَأَلْ بِلا قَيْدٍ
وَإِسْنَادٍ بَدَا)
إذًا هذه كم علامة؟ خمسُ علامات، (فاسْمٌ) هذا مبتدأ، قوله: (بَدَا).
أي: ظهر، (بِتَنْوِيْنٍ) أي: بدخول التنوين، (وَجَرٍّ) هذه الثانية،
(وَنِدَا) هذه الثلاثة، (وَأَلْ بِلا قَيْدٍ) هذه الرابعة،
(وَإِسْنَادٍ) هذه العلامة الخامسة.
التنوين عرفه النحاة بأنه نونٌ تثبت لفظًا لا خطًا، هذا اختصارٌ من
التعريف المشهور نونٌ ساكنة زائدةٌ تلحق الآخر لفظًا لا خطًا، نونٌ
ساكنةٍ أي: أصالةً احترازًا من النون المتحركة في نحو: ضيفنن، ورأسنن.
ضيفنن هذا فيه نونان، وهو الطفيلِ الذي يحضر بلا دعوة، ضيفنِن النون
الأولى هذه متحركة، رأسنن هذا فيه نونان النون الأولى متحركة. والنون
الثانية تنوين.
إذًا نونٌ ساكنة احترازًا من نون ضيفنن الأولى فإنها متحركة، واحترازًا
من نون رعدنٍ الأولى فإنها متحركة.
زائدةٍ احترازًا من النون الساكنة الأصلية، نحو: نصر، انتصر. النون هذه
ساكنة وهي أصلية ليست زائدة.
تلحق الآخر، إذًا محلها آخر الكلمة لا
أولها فمنكسر انكسر، أو انطلق فهو منطلق، النون هذه نونٌ ساكنةٌ زائدةٌ
لكنها لحقت الأول لا الآخر، تثبت لفظًا لا خطًا، أي: أنه يُنطق بها ولا
تكتب، احترازًا من نون التوكيد الخفيفة، فإنها تكتب وهي نون ساكنة
زائدة وتكتب إما بأصلها أو ببدلها وهي ألفًا في الوقف، وجرٍّ المراد به
الكسرة، إذًا علامة أنه تنوين، إذا وجدت التنوين داخلاً على كلمة تحكم
عليها بأنها اسم، زيدٌ هذا اسمٌ لوجود التنوين، رجلٌ، صهٍ، حينئذٍ،
مكرماتٍ، تقول: هذه الكلمات كلها أسماء، لِمَ؟ لوجود التنوين في آخرها،
(وَجَرٍّ) والمراد به الكسر وحرف الجر، الكسر علامة على اسمية الكلمة،
إذا قلت: مررت بزيدٍ. نقول: زيدٍ هذا آخره كسر، إذًا هو اسمٌ، لِمَ؟
لكون الكلمة مكسورة، والكسر من علامات الأسماء، أيضًا يشمل الجر بحرف
الجر، لماذا؟ لأن حرف الجر من خواص الأسماء لا يدخل غير الأسماء، لا
يدخل على الفعل ولا يدخل على الحرف، بزيدٍ نقول: زيدٍ هذا اجتمع عليه،
كم علامة؟
[علامتان]
علامتان؟
.
ثلاث علامات:
الأولى:
التنوين، زيدٍ التنوين نونٌ ساكنة.
الثانية:
[حرف جر]
حرف الجر بزيدٍ.
الثالثة: الكسر الخفض.
مَرَرْتُ بِذَا، ذا هذا اسم إشارة مبني لا
يلحق به الكسر ولا يدخله التنوين، هو اسمٌ لم حكمنا باسميته؟ لدخول حرف
الجر، إذًا قوله: (وَجَرٍّ). نقول: هذا يشمل الجر بالكسر، يعني: الكسر
الخفض ويشمل حرف الجر، لِمَ؟ لأن بعض الأسماء لا يظهر فيها الخفض، لا
يظهر فيها الكسر، كالأسماء أسماء الإشارة مَرَرْتُ بِذَا، نَظَرْتُ
إِلَى تِلْكَ، تِلْكَ هذا اسم إشارة، مَرَرْتُ بِالَّذِي قَامَ
أَبُوهُ، الَّذِي هذا اسمٌ موصول، ما الذي دل على اسميته؟ دخول حرف
الجر عليه، ولذا كون الكلمة المنداة يَا زَيْدُ، يَا رَجِلُ، يَا
طَالِبًا، يَا عَالِمًا نقول: [هذه الأسماء] هذه الألفاظ التي نوديت
بحرف النداء هي أسماء، لِمَ؟ لكون النداء لا يدخل إلا على الاسم،
المنادى لا يكون إلا اسمًا، يَا زَيْدُ نقول: زَيْدُ هذا اسم. ما
الدليل على اسميته؟ كونه منادى، إذا نوديت الكلمة دل على أسميتها، يَا
نُوحُ نقول: نوح هذا اسمٌ. لم؟ لكونه منادى، لماذا كونه نادى علامة على
اسمية الكلمة؟ لأنه في الأصل مفعول به يَا زَيْدُ تقول: يَا زَيْدُ يَا
حرف نداء، زَيْد هذا منادى مبني على الضم في محل نصب. من أين جاء المحل
هذا؟ تقول: أصله مفعولٌ به، والمفعول به لا يكون إلا اسمًا. إذًا
العلامة الثالثة كون الكلمة منادى، فإذا نوديت الكلمة بـ يا أو إحدى
أخواتها دل على أسميتها، (وَأَلْ بِلا قَيْدٍ) ألا بلا قيد، يعني: أل
مطلقًا [إذ] (1) علامةٌ على اسمية الكلمة، (أَلْ بِلا قَيْدٍ) لم؟ لأن
بعض النحاة يقيد أل بالمعرفة، (وَأَلْ) في العربية اسمية وحرفية، اسمية
هي الموصولة التي تدخل على اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبه
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] أل هذه موصولية، {إِنَّ
الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} [الحديد: 18] تقول: أل هذه
موصولية. لماذا؟ لأنها دخلت على اسم الفاعل، وأل الداخلة على اسم
الفاعل اسمٌ، وهل هي علامةٌ على اسمية الكلمة؟ الجواب: نعم.
__________
(1) سبق.
النوع الثاني: أل المعرفة، الرجل تقول:
جَاءَ رَجُلٌ. رَجُلٌ هذا إذا أَدخلت عليه أل دل على كونه اسمًا،
لماذا؟ لأن أل هذه أثرت فيه التعريف فانتقل من النكرة إلى المعرفة، أل
الزائدة وهي الداخلة على واحب التعريف، كالأعلام زَيْد هذا علم، هل
تدخل عليه أل؟ الجواب: لا، عباس هذا علم، هل تدخل عليه أل؟ نقول: لا.
لماذا؟ لأن المعرفة لا تعرف، فإذا دخلت أل على الأعلام نقول: هذه أل
زائدة، هل هي علامةٌ على اسمية الكلمة؟ الجواب: نعم. إذًا العباس نقول:
أل هذه علامةٌ على اسمية الكلمة وهي زائدة. لماذا زائدة؟ لأنها لم تؤكد
التعريف، لذلك قال الناظم: (وَأَلْ بِلا قَيْدٍ). يعني: لا تقيدها سواء
كانت اسمية أو حرفية، معرفة أم زائدة مطلقًا كل أل فهي دالة على اسمية
الكلمة (وَإِسْنَادٍ بَدَا)، (وَإِسْنَادٍ) ما المراد بالإسناد؟ المراد
به الإخبار، إذا أخبرت عن الكلمة دل على أنها اسمٌ، ويستدل بهذه
العلامة على اسمية ضمائر الرفع المتصلة ضربتُ التاء هذه أخبرت عنها
بإيقاع الضرب، فدل على أنها اسمٌ، {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ} [النحل: 96]
{مَا} نقول: هذه اسمٌ. ما الدليل؟ لأنك أخبرت عنها بالذي ينفذ، هذه
خمسة علامات إن وجد واحدٌ منها دل على اسمية الكلمة.
ثم ذكر علامات للفعل، وهو النوع الثاني من أنواع الكلمة. قال:
(وَاعْرِفْ لِمَا ضَارَعَ مِنْ فِعْلٍ بِلَمْ). تعريف الفعل والاسم هذا
سيأتي معنا في موضعه، (وَاعْرِفْ لِمَا ضَارَعَ مِنْ فِعْلٍ بِلَمْ)،
(وَاعْرِفْ) علامةً (لِمَا ضَارَعَ مِنْ فِعْلٍ)، يعني: المضارع من
فعل، لأن الفعل ثلاثة أنواع: فعلٌ مضارع وفعلٌ أمر وفعل ماضي [وفعلٌ
أمر] (1)، هذه ثلاثة: الماضي والأمر والمضارع، كيف نميِّز بينهما؟ قال:
ما دخلت عليه لم فهو مضارع، (وَاعْرِفْ لِمَا ضَارَعَ) يعني: من مضارعٍ
فعلٍ مضارعٍ (مِنْ فِعْلٍ بِلَمْ)، يعني: بصحة دخول لم، وهذه علامةٌ
مشهورة هي التي اكتفى بها ابن مالك رحمه الله.
فعلٌ مضارع يجزم .. لم في ... # 1.06.18
{لَمْ يَلِدْ} [الإخلاص: 3]، {يَلِدْ} هذا فعلٌ أم اسمٌ؟
..
{يَلِدْ} فعل، هل هو فعلٌ ماضي أو أمر؟ نقول: مضارع. لِمَ؟ لوجود لَمْ
{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}، {لَّمْ يَكُنْ} [البقرة: 196] {يَكُنْ}
هذا فعلٌ مضارع، لماذا؟ لدخول لم عليه، فكلما وجدت لم وتلتها كلمة فهي
فعلٌ مضارع، (وَالتَّاءُ مِنْ قَامَتْ لِمَاضِيْهِ عَلَمْ)،
(وَالتَّاءُ) هذا مبتدأ و (عَلَمْ) أي: علامة، (لِمَاضِيْهِ) الضمير
يعود على الفعل، يعني: الفعل الماضي علامته التاء من نحو: قامت. والتاء
التي في نحو: قامت هذه تاء التأنيث الساكنة، إذًا يميَّز الفعل الماضي
عن أخويه الفعل المضارع وفعل الأمر بدخول تاء التأنيث الساكنة أصالةً،
فلا يظن #1.07.25حركت لالتقاء الساكنين، {قَالَتِ الْأَعْرَابُ}
[الحجرات: 14] هذه {قَالَتِ} هذا فعلٌ ماضي، ما الدليل؟ دخول تاء
التأنيث الساكنة، أين هي؟ أين السكون؟ {قَالَتِ الْأَعْرَابُ}.
__________
(1) كررت هذه اللقظة.
نعم نقول: السكون مقدر، والكسر هذا عارض،
وكون الكسر عارضًا لا يخرج التاء عن أصلها، إذًا (وَالتَّاءُ) أي: تاء
التأنيث الساكنة أصالةً، إن وجدت في الفعل تحكم عليه بأنه فعلٌ ماضي،
لأن تاء التأنيث الساكنة لا تدخل إلا على الفعل الماضي.
(وَالْيَاءُ مِنْ خَافِي بِهَا الأَمْرُ انْجَلَى) هذا النوع الثالث
وهو فعل الأمر، انجلى بها أي: بالياء، الضمير هنا يعود على الياء،
(الْيَاءُ مِنْ خَافِي) هذه تسمى ياء الفاعل، ياء الفاعل تدل على أن
الكلمة فعلٌ، وأنه فعل أمر، ولكن يشترط أن يكون دالاً على الطلب، لا بد
أن يكون دالاً على الطلب مع وجوب ياء الفاعل، {فَكُلِي وَاشْرَبِي
وَقَرِّي} [مريم: 26] {فَكُلِي} نقول: هذا فعل أمر. لِمَ؟ لكونه دالاً
على الطلب مع قبول الياء الفاعل، دل على الطلب كل ثم دخلت عليه الياء
الفاعل فهو فعل أمر، (وَالْيَاءُ مِنْ خَافِي بِهَا الأَمْرُ انْجَلَى)
(انْجَلَى) يعني: انكشف الأمر الفعل الأمر عن أخويه المضارع والماضي
بدخول الياء لكن لا بد من زيادة دلالته على الطلب وصيغته.
ثم ذكر النوع الثالث من أنواع الكلمة قال: (وَالْحَرْفُ عَنْ كُلِّ
الْعَلامَاتِ خَلا). ما هو الحرف؟ الذي خلا من كل العلامات، أي:
العلامات المذكورة والتي لم تذكر، لأنه ما ذكر إلا قليل، المذكورة
والتي لم تذكر، إذًا علامة الحرف عدم قبول علامة الاسم وعلامة الفعل،
ولذلك [انتهى الشريط وبه نقص]
//
//
//
وَأَخْبَرُوا بِظَرْفٍ أوْ بِحَرْفِ جَر ... نَاوِينَ مَعْنَى كَائِنٍ
أوِ اسْتَقَرّ
|